حرية العقيدة مبدأ إسلامي عام
- منتقاة الفتاوى
السؤال
هل ضمن الإسلام لغير المسلمين حرية العقيدة والعبادة في بلاد المسلمين؟
الجواب
أقرَّت شريعة الإسلام مبدأ الحرية الدينية؛ فلم تُكْره أحدًا على اعتناق دينًا بعينه، وضمنت لأهل كل ديانة أن يمارسوا طقوسهم الدينية في دور عبادتهم في بلاد المسلمين بكل حرية، ومن دون أدنى تعرُّض لهم أو لأيّ شيءٍ من مقدساتهم، وهذا أمر ثابت منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحتى يومنا هذا.
التفاصيل ….
أخبر الله سبحانه وتعالى أنه لو شاء لخلق عباده على ملة واحدة وسَنَنٍ واحد، ولكن جرت سنته في الخلق على التنوع والاختلاف، واقتضت حكمته استمرار ذلك حتى يرث الأرض ومن عليها؛ كما قال سبحانه: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ [هود: 118-119]، وقال جل شأنه: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: 99].
وبنى النبي صلى الله عليه وآله وسلم المجتمع المدني بناءً جديدًا، وأعاد صياغته بطريقة تقضي على الشتات والفُرقة وتُسرع في الجمع والوحدة؛ فكان إقرارُ مبدأ التعايش بين مختلف القبائل والفصائل والديانات والطوائف في الدولة الإسلامية الأُولى هو أحد أهم أهداف النبي صلى الله عليه وآله وسلم عقب هجرته إلى المدينة؛ ليضمَن تنظيم العلاقات بين المسلمين من جهة، وبينهم وبين غيرهم من أصحاب الديانات والانتماءات الأخرى من جهة أخرى، في إطارٍ من التسامح الديني والحرية العقائدية في ممارسة الشعائر والطقوس الدينية؛ حيث تميز أهل المدينة وقتَها بالتنوع العرقي والقبلي والديني؛ فكان فيهم المسلمون، واليهود، والعرب المشركون، والمنافقون، وكان غالب المسلمين يتألفون من المهاجرين والأنصار، وكانت الأنصار من قبيلتين متنافستين: الأوس والخزرج.
ولتحقيق ذلك وضع النبي صلى الله عليه وآله وسلم “الدستور الإسلامي”، وأسَّس من خلاله مفهوم “المواطنة” الذي يقوم على المساواة في الحقوق والواجبات، دون النظر إلى أي انتماء ديني أو عرقي أو مذهبي أو أي اعتبار آخر، وأقام به منظومة التعايش والتسامح بين الانتماءات القبلية والعرقية والدينية، وسُمِّي “بصحيفة المدينة”، أقرَّ فيها الناس على أديانهم، وأنشأ بين المواطنين عقدًا اجتماعيًّا قوامه: التناصر، والتكافل، والمساواة، وحرية الاعتقاد، والتعايش السلمي، وغير ذلك.
ولم يكن هذا المفهوم جليًّا في أي حضارة أو دولة حينئذٍ، ولم يكن العالم يعي معنى كلمة الوطن بالتزاماته وواجباته.
وقد ذكر ابن إسحاق في “السيرة” هذا الكتاب بغير إسناد، ورواه أبو عبيد في كتاب “الأموال” بسند جيد عن الزُّهري، كما يقول الإمام الصالحي في “سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد” (3/ 382، ط. دار الكتب العلمية)، ومما جاء فيه: [هَذَا الْكِتَابُ مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ، بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ قُرَيْشٍ، وَأَهْلِ يَثْرِبَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ، فَلَحِقَ بِهِمْ، فَحَلَّ مَعَهُمْ وَجَاهَدَ مَعَهُمْ: أَنَّهُمْ أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ دُونَ النَّاسِ وَالْمُهَاجِرُونَ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى رَبَاعَتِهِمْ، يَتَعَاقَلُونَ بَيْنَهُمْ مَعَاقِلَهُمُ الْأُولَى … وَأَنَّ الْيَهُودَ يُنْفِقُونَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ مَا دَامُوا مُحَارِبِينَ، وَأَنَّ يَهُودَ بَنِي عَوْفٍ وَمَوَالِيَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ أُمَّةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، لِلْيَهُودِ دِينُهُمْ، وَلِلْمُؤْمِنِينَ دِينُهُمْ، إِلَّا مَنْ ظَلَمَ وَأَثِمَ، فَإِنَّهُ لَا يُوتِغُ إِلَّا نَفْسَهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ … وَأَنَّ بَيْنَهُمُ النَّصْرُ عَلَى مَنْ حَارَبَ أَهْلَ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، وَأَنَّ بَيْنَهُمُ النَّصِيحَةَ وَالنَّصْرَ لِلْمَظْلُومِ، وَأَنَّ الْمَدِينَةَ جَوْفُهَا حَرَمٌ لِأَهْلِ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ … وَأَنَّ بَيْنَهُمُ النَّصْرُ عَلَى مَنْ دَهَمَ يَثْرِبَ، وَأَنَّهُمْ إِذَا دَعَوْا الْيَهُودَ إِلَى صُلْحِ حَلِيفٍ لَهُمْ فَإِنَّهُمْ يُصَالِحُونَهُ، وَإِنْ دَعَوْنَا إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَهُمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، إِلَّا مَنْ حَارَبَ الدِّينَ، وَعَلَى كُلِّ أُنَاسٍ حِصَّتُهُمْ مِنَ النَّفَقَةِ … وَأَنَّ الْبِرَّ دُونَ الْإِثْمِ فَلَا يَكْسِبْ كَاسِبٌ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ، وَأَنَّ اللَّهَ عَلَى أَصْدَقِ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ وَأَبَرِّهِ، لَا يَحُولُ الْكِتَابُ دُونَ ظَالِمٍ وَلَا آثَمٍ، وَأَنَّهُ مَنْ خَرَجَ آمنٌ وَمَنْ قَعَدَ آمنٌ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ وَأَثِمَ، وَإِنَّ أَوْلَاهُمْ بِهَذِهِ الصَّحِيفَةِ الْبَرُّ الْمُحْسِنُ] اهـ.
وقد اشتمل هذا الدستور على سبعة بنود رئيسية:
الأول: مسئولية الجميع في الدفاع عن الدولة وحدودها ضد الأعداء؛ حيث تقول عن أطراف الوثيقة: “عليهم النصر والعون والنصح والتناصح والبر من دون الإثم”.
الثاني: إقرار مبدأ التكافل والتعاون بين الجيران والعصبات؛ بحيث لا يبقى في المدينة محتاج أو ذو ضائقة أو كرب إلا كان له من يقوم بشأنه؛ حيث جاء فيه ذكرُ أن كل طائفة وقبيلة وناحية “على رِبَاعَتِهم؛ يتعاقلون مَعَاقِلَهم الأُولى، وكل طائفة منهم تَفْدي عانِيَها بالمعروف والقسط بين المؤمنين”.
الثالث: إقرار مبدأ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، وتمثل ذلك في توافق الحقوق والواجبات وتناسقها، وضمان المساواة التامة لمواطني المدينة في المشاركة الفاعلة في مجالات الحياة المختلفة، تحقيقًا لمبدأ “المواطنة الكاملة” لكل ساكني المدينة؛ حيث قال: “وأنَّ يهود الأوس مواليهم وأنفسهم على مثل ما لأهل هذه الصحيفة مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة”، وأيضًا: “وإن يهودَ بني عوفٍ أمة مع المؤمنين”، ثم جاء فيه تعدادهم طائفة طائفة، وأن ليهود بني كذا مثل ما ليهود بني كذا … وهكذا.
الرابع: ضمان حرية الاعتقاد والتعبد؛ إذ تضمنت حقوق الأفراد جميعًا في ممارسة الشعائر الدينية الخاصة، وحقوقهم في الأمن والحرية وصون أنفسهم وأموالهم وأعراضهم ودور عبادتهم؛ حيث جاء فيها: “لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم، إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ -أي يهلك- إلا نفسه وأهل بيته”.
الخامس: الأمن الاجتماعي والتعايش السلمي بين جميع مواطني دولة المدينة؛ حيث قال: “أنه من خرج آمن، ومن قعد آمن بالمدينة، إلا من ظلم وأثم، وأن الله جار لمن بر واتقى”، كما حفظ حق الجار في الأمن والحفاظ عليه كالمحافظة على النفس؛ حيث قال: “وأن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم”.
السادس: إقرار مبدأ المسئولية الفردية، وتبدأ هذه المسئولية من الإعلان عن النظام، وأخذ الموافقة عليه، وهو ما أكدته الوثيقة بقولها: “أنه لا يكسب كاسب إلا على نفسه، وأن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره، وأنه لا يأثم امرؤ بحليفه وأن النصر للمظلوم”.
السابع: التعاهد على نصرة المظلوم ونبذ الفتن والبعد عن التصارع الطائفي، وأنَّه لا مجال لمحاربة طائفةٍ، أو إكْراه مُستضعَفٍ؛ حيث تقول الوثيقة: “وإن المؤمنين المتقين على من بغى منهم، أو ابتغى دَسِيعةَ -أي: عظيمة- ظلمٍ، أو إثمٍ، أو عدوانٍ، أو فسادٍ بين المؤمنين، وإن أيديهم عليه جميعًا”.
وترك المسلمون أهل المدينة على أديانهم ولم يُجبِروهم على الدخول في الإسلام قهرًا، وسمحوا لهم بممارسة طقوس أديانهم في دور عبادتهم، وضمن الإسلام لهم من أجل ذلك سلامة دور العبادة، وحرم الاعتداء عليها بكافة أشكاله. بل إن القرآن الكريم جعل تغلُّب المسلمين وجهادهم لرفع الطغيان ودفع العدوان في حال تمكين الله تعالى لهم في الأرض سببًا في حفظ دور العبادة –سواء أكانت للمسلمين أم لغيرهم- من الهدم وضمانًا لأمنها وسلامة أصحابها، وذلك في قوله تعالى: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلله عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ [الحج: 40-41]، وهذه من أعظم الآيات الدالة على إقرار الإسلام لمبدأ التسامح الديني في مرحلة التمكين والقوة.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: “الصوامع: التي تكون فيها الرهبان، والبِيَع: مساجد اليهود، و”صلوات”: كنائس النصارى، والمساجد: مساجد المسلمين” أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم في التفسير.
وقال مقاتل بن سليمان في “تفسيره” (2/ 385، ط. دار الكتب العلمية): [كل هؤلاء الملل يذكرون الله كثيرًا في مساجدهم، فدفع الله عز وجل بالمسلمين عنها] اهـ.
وجرى التوارث من العهد النبوي عبر القرون بترك الكنائس في بلاد المسلمين؛ قال الإمام الزيلعي الحنفي في “تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق” (3/ 280، ط. المطبعة الأميرية): [جرى التوارث من لدن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى يومنا هذا بترك الكنائس في أمصار المسلمين] اهـ.
بل سمح النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عام الوفود لوفد نصارى نجران بممارسة شعائرهم وطقوسهم في مسجده الشريف، مع أن المسجد هو بيت العبادة المختص بالمسلمين؛ فروى ابن إسحاق في “السيرة” -ومن طريقه ابن جرير في “التفسير” واللفظ له، والبيهقي في “دلائل النبوة”- عن محمد بن جعفر بن الزبير: أن وفد نجران قدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة، فدخلوا عليه في مسجده حين صلى العصر، عليهم ثياب الحبرات جُبَبٌ وأردية في بلحارث بن كعب، قال: يقول بعض من رآهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يومئذٍ: ما رأينا بعدهم وفدًا مثلهم، وقد حانت صلاتهم، فقاموا يصلون في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، -زاد في “السيرة” و”الدلائل”: فأراد الناس منعهم- فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «دَعُوهُم»، فصلَّوْا إلى المشرق. وقد صرح محمد بن إسحاق بالتحديث؛ فانتفت علة التدليس، وأسند محمد بن جعفر الرواية عن بعض مَن رأى وفد نجران مِن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم -كما في رواية ابن جرير المسوق لفظُها- فانتفت علة الإرسال، ولذلك فقد صحح ابن القيم الحنبلي هذا الحديث في كتابه “أحكام أهل الذمة” (1/ 397، ط. رمادي للنشر).
واحترمت الشريعة الإسلامية الكتب السماوية السابقة، رغم ما نَعَتْه على أتباعها من تحريف الكلم عن مواضعه، وتكذيبهم للنبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، فبعد غزوة خيبر كان في أثناء الغنائم صحائف متعدِّدة من التوراة، فجاءت يهود تطلبها، فأمر النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم بدفعها إليهم، كما ذكره الإمام الدياربكري في “تاريخ الخميس في أحوال أنْفَسِ نَفِيس صلى الله عليه وآله وسلم” (2/ 55، ط. دار صادر)، والشيخ نور الدين الحلبي في السيرة الحلبية “إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون” (3/ 62، ط. دار الكتب العلمية). وهذه غاية ما تكون الإنسانية في احترام الشعور الديني للمخالف رغم عداوة يهود خيبر ونقضهم للعهود وخيانتهم للدولة؛ حيث كانوا قد حزبوا الأحزاب، وأثاروا بني قريظة على الغدر والخيانة، واتصلوا بالمنافقين وغطفان وأعراب البادية، ووصلت بهم الخيانة العظمى إلى محاولتهم الآثمة لاغتيال النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
يقول المؤرخ اليهودي إسرائيل ولفنسون، معقبًا على ذلك، في كتابه “تاريخ اليهود في بلاد العرب” (ص: 170، ط. مطبعة الاعتماد): [ويدل هذا على ما كان لهذه الصحائف في نفس الرسول من المكانة العالية؛ مما جعل اليهود يشيرون إلى النبي بالبنان، ويحفظون له هذه اليد؛ حيث لم يتعرض بسوء لصحفهم المقدسة، ويذكرون بإزاء ذلك ما فعله الرومان حين تغلبوا على أوروشليم وفتحوها سنة 70 ب. م. إذ أحرقوا الكتب المقدسة وداسوها بأرجلهم، وما فعله المتعصبون من النصارى في حروب اضطهاد اليهود في الأندلس؛ حيث أحرقوا أيضًا صحف التوراة. هذا هو البون الشاسع بين الفاتحين ممن ذكرناهم وبين رسول الإسلام] اهـ.
وسمحت الشريعة لأهل الكتاب أن يمارسوا طقوسهم ومراسيم عباداتهم وعاداتهم دونما حجر عليهم أو تضييق، وعلى هذه السُّنَّة سار الخلفاء الراشدون، ومن بعدهم من أئمة المسلمين وخلفائهم؛ فقد كتب عمر بن عبد العزيز إلى الحسن البصري رضي الله تعالى عنهما: ما بال الخلفاء الراشدين تركوا أهل الذمة وما هم عليه: من نكاح المحارم، واقتناء الخمور والخنازير؟ فكتب إليه: “إنما بذلوا الجزية ليُتْرَكُوا وما يعتقدون، وإنما أنت متبع ولست بمبتدع، والسلام”. ذكره الإمام السرخسي الحنفي في “المبسوط” (5/ 39، ط. دار المعرفة).
ونهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أن اتخاذ مواطن التعايش والتعاملات الحياتية مواضع لفرض العقائد والإكراه عليها؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: بينما يهودي يعرض سلعته، أُعطي بها شيئا كرهه، فقال: لا والذي اصطفى موسى على البشر، فسمعه رجل من الأنصار، فقام فلطم وجهه، وقال: تقول: والذي اصطفى موسى على البشر، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم بين أظهرنا؟ فذهب إليه فقال: أبا القاسم، إن لي ذمةً وعهدًا، فما بال فلان لطم وجهي، فقال: «لِمَ لطمت وجهه؟» فذكره، فغضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى رئي في وجهه، ثم قال: «لَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ أَنْبِيَاءِ اللهِ؛ فَإِنَّهُ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ، فَيَصْعَقُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ، إِلَّا مَنْ شَاءَ اللهُ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ بُعِثَ، فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِالعَرْشِ، فَلاَ أَدْرِي أَحُوسِبَ بِصَعْقَتِهِ يَوْمَ الطُّورِ، أَمْ بُعِثَ قَبْلِي» متفق عليه.
وبناءً على ذلك: فحرية العقيدة، والعبادة في بلاد المسلمين لغير المسلمين أمرٌ مكفولٌ لهم، وقد حثت على ذلك تعاليم الإسلام.
والله سبحانه وتعالى أعلم.