فضيلة الشيخ حسونة النواوي
ولد (سنة 1511ه/ 1383م – المتوفى سنة 1838ه/ 1351م).
- أعلام الفتوى
نبذة عنه..
ولد رحمه الله بقرية نواي مركز ملوي بمحافظة أسيوط، وقد التحق بالأزهر، وتلقى دروسه على كبار مشايخه، واختاره القائمون على الأزهر لتدريس الفقه في جامع محمد علي باشا بالقلعة، بجانب تدريسه له بالأزهر، ونظرًا لكفاءته وعلمه الواسع الغزير عُيِّ بجانب ذلك أستاذًا للفقه بكلية دار العلوم، وكلية الحقوق التي كانت تسمى حينئذ بمدرسة الحقوق، وفي عام 1811 ه/ 1333 م انتدب وكيلًا للأزهر، وقد عين رحمه الله شيخًا للأزهر في 3 من محرم سنة 1818 ه الموافق آخر يونيو عام 1331 م.
بعد وفاة الشيخ المهدي تولى الشيخ النواوي منصب الإفتاء بالإضافة إلى مشيخة الأزهر واستمر يشغل هذا المنصب في الفترة من 1 من جمادى الآخرة سنة 1818 ه الموافق 53 من نوفمبر سنة 1331م، وحتى 11 من محرم سنة1811 ه الموافق 51 من مايو 1333 م، وأصدر خلال هذه الفترة حوالي 531 فتوى مسجلةً بسجلات دار الإفتاء.
المنهج الإفتائي
بعد استقراء العديد من فتاوى الشيخ النواوي المقيدة في سجلات دار الإفتاء المصرية نستطيع أن نتبيّن أهم ما يُميز منهج الشيخ في تناوله للفتاوى، وذلك في النقاط التالية:
كان الشيخ رحمه الله لا يستطرد في إجاباته؛ بل تكون محددة على قدر السؤال غالبًا؛ حتى إن بعض الأجوبة لا تزيد على السطرين أو الثلاثة، ومن الأمثلة على ذلك:
فتوى له عن دعوى عدم وقوع طلاق، وفيها: أن رجلًا متزوج منذ – ثلاث عشرة سنة تقريبًا، وأنه في شهر شوال سنة 1818 ه حصلت بينه وبيّن زوجته مشاجرة فقال لها: أبريني وأنا أطلقك. فقالت له: أبريتك بنفقة العدة ثلاثة شهور. فقال مخاطبً ا لها: روحي طالق مني على ذلك. وأنه فارقها بعد ذلك وسافر، ولما عاد من سفره وجدها تزوجت من آخر والذي أجرى له عقد الزواج مأذون شرعي وقيده بالدفتر عهدته في 5 سبتمبر سنة 1335 م، وأن الرجل الأول هذا سأل العلماء عن الطلاق الصادر منه المذكور فأجابوه بأنه غير صحيح وأنه يطلب التفريق بيّن هذين بما أنها زوجته وعلى عصمته لعدم وقوع الطلاق المذكور وفساد العقد الثاني المذكور…
فكان جوابه: بالاطلاع على صورة الدعوى المرفقة بهذه الإفادة ظهر أن الطلاق الذي ادعى المدعي عدم وقوعه واقع عليه، ويعامل بإقراره بذلك شرعًا، ومع معاملته بما ذكر لا تسمع منه تلك الدعوى. والله تعالى أعلم.
ومن الأمثلة أيضًا:
أنه ورد له سؤال مطول جدا عن صحة إعلام شرعي مضمونه: أن إفادة من قاضي مديرية الدقهلية مؤرخة 11 محرم سنة 1813 ه مضمونها أنه لحصول الاشتباه عنده في صحة الإعلام الشرعي الصادر من محكمة مركز فارسكور الشرعية بثبوت وصاية… إلخ.
فكان نص جوابه كاملا هو:
بالاطلاع على الإعلام الشرعي الصادر من محكمة مركز فارسكور الشرعية المؤرخ بتاريخيّ ثانيهما 55 شعبان سنة 1815 ه المنوه عنه بهذه الإفادة ظهر أنه صحيح شرعًا، ولا وجه للاشتباه فيه.
كان الشيخ رحمه الله يلتزم غالبًا بمذهبه الحنفي، حتى إنه ينقل نصوصًا من كتب المذهب في بعض فتاويه، كما وجدناه يعلل أحيانً ا لفتاويه.
ومن الأمثلة على ذلك:
فتوى له في دعوى وفاة ووراثة بالزوجية.
السؤال:
بإفادة من نائب مديرية الجيزة المؤرخة في 3 ربيع آخر سنة 1813 ه مضمونها: أنه مرسل طيه المرافعة المختصة بالشيخ أحمد السقاري الوكيل عن عديلة عوض الله بزوجية ووراثة موكلته المذكورة للمرحوم الحاج أحمد صوان والد المدعى عليه؛ للاطلاع والإفادة عن الحكم الشرعي في ذلك، مع الإفادة أيضًا عما إذا كان مدعي الطلاق المذكور عجز عن إثباته، هل يكلف مدعي الوفاة والوراثة والزوجية ببينة تشهد له طبق دعواه المذكورة أم لا؟
الجواب: بالاطلاع على هذه الإفادة والملخص المرفق بها ظهر أن شهادة الشاهدين على الوجه المسطور بذلك الملخص غير مقبولة شرعًا، وحينئذ فمتى كانت دعوى الطلاق صحيحة وأثبتها المدعي بالبينة الشرعية يحكم له بذلك، وإن عجز عن إثباتها فبعد تحليف الزوجة بالوجه الشرعي يمنع من دعواه المذكورة ما دام عاجزًا عن البرهان الشرعي. وإذا كانت دعوى مدعي الوفاة والوراثة والزوجية صحيحة شرعً ا وأراد المدعي المذكور إثباتها بالبينة الشرعية لأجل التعدي فلا مانع من ذلك ويجري ما تقتضيه الأصول الشرعية، والله تعالى أعلم.
وجه كون الشهادة المذكورة غير مقبولة زيادتها على الدعوى بما قاله وقد نصُّوا في نظير إبرائها له من مؤخر صداقها: الشاهدان في شهادتهما على أن الشهادة لو خالفت الدعوى بزيادة يحتاج إلى إثباتها فإن ذلك يمنع من قبولها كما يؤخذ من الأنقروية وغيرها، ولا يقال: إن الشهادة بالطلاق حسبة وهي لا تتوقف على دعوى حتى يحتاج لعدم المخالفة بينهما؛ لأنا نقول: إن ما هنا شهادة بعد الموت بالطلاق وهي من قبيل الشهادة بالمال؛ فلابد من تقدم دعوى عليها، وعلى فرض كونها حسبة فهي غير مقبولة أيضًا؛ لأنه قيد القبول في النهاية بما إذا كان الزوج حاضرًا، أما إذا كان غائبًا وبلا طلب لو في فلان، كما في تكملة ابن عابدين عند قول المصنف من كتاب الشهادات.
وفتواه في مسألة الاستدانة على الوقف؟
فأجاب رحمه الله: الاستدانة على الوقف إذا لم يكن منها بُد لا تجوز إلا بأمر القاضي، وهذا حيث كان الحال ما ذكر بالسؤال، والله أعلم.
والمسألة مذكورة في رد المحتار في الوقف بالجزء الثالث (ص313)، وبالفتاوى الحامدية في الوقف (ص501)
ومن هذه القواعد: “لا عبرة بالظن البيّن خطؤه”
ومن الأمثلة على ذلك:
فتوى له عن دفع مبلغ لآخر خطأ؟
ولو ظن أن فأجاب رحمه الله: قال في الأشباه من القاعدة السابعة عشر: عليه دينا فبان خلافه يرجع بما أدى.
وفي شرحه لهبة الله البعلي: وكذا لو تبرع بقضاء دين غيره ظا ن ا أنه عليه، ثم ظهر خلافه رجع بما أدى. انتهى.
وحينئذ يرجع الدافع هنا بما دفعه على المدفوع إليه، سواء كان المدفوع عن نفسه أو عن ابنه، حيث لا ح ق للمدفوع إليه، والحال ما ذكر بالسؤال. والله أعلم.
كان الشيخ رحمه الله تعالى إذا ورد إليه سؤال، وكان هناك من أفتى فيه فإن الشيخ يعتمد هذه الفتوى حال كونها موافقة لأصول الشيخ رحمه الله، ومن الأمثلة على ذلك:
أنه ورد إليه مسألة في الوقف مطولة جدا، وتتضمن فتوى للشيخ محمد محمد البنا، والشيخ عبد الرحمن البحراوي، فأجاب فيها بقوله: بالاطلاع على إفادة سماحتكم، وعلى فتوى الأستاذ المرحوم الشيخ محمد محمد البنا مفتي الحقانية الأسبق، وعلى باقي الأوراق الواردة معهما ظهر أن ما تضمنته فتوى المرحوم الشيخ محمد محمد البنا الموصى إليه في التقسيم الشرعي على الوجه المسطور بها هو الموافق شرعً ا، والله أعلم.
من الأمور التي استند إليها الشيخ رحمه الله الاستحسان
ومن الأمثلة على ذلك:
فتوى وردت له أن ورثة رجل مختلفون في دعوى طلاق مورثهم لزوجته فبعضهم يثبت أنه طلق في حال صحته وبعضهم ينكر؟
فأجاب فيها بقوله: قال في رد المحتار نقلًا عن البحر بإمكان التوفيق هو القياس، والاستحسان أن التوفيق بالفعل شرط، وذكر.
وعليه: فإذا وفق المدعي في دعواه الطلاق المذكور بالفعل وأقام البينة العادلة على دعواه صدور الطلاق الثلاث من الزوج في صحته قبل موته بشهرين اندفعت دعوى مدعي الإقرار بالزوجية إلى وقت الموت؛ لأنه لا يتصور حصول دخول المطلقة المذكورة في عصمة زوجها المذكور في تلك المدة لعدم احتمالها ذلك، وبعد التزكية الشرعية يحكم في ذلك بالوجه الشرعي والله أعلم.
كان الشيخ رحمه الله يراعي حالة السائل فأحيانًا لا يجيب بنفسه عن الفتوى بل يحيل السائل إلى كتب المذهب، فيذكر اسم الكتاب ويعزو إليه، وذلك إذا كان السائل من أهل الاختصاص كقاضي محكمة مثلًا.
ومن الأمثلة على ذلك:
فتوى في دعوى الوقف بإفادة من حضرة قاضي محكمة مديرية الغربية الشرعية؟
فأجاب رحمه الله: يعلم الجواب لحضرتكم عن هذه الحادثة مما هو منصوص بالفتاوى المهدية بالجزء الثاني من آخر كتاب الوقف نمرة 380 صحيفة جوابًا عن مسألة تداعي الشيخ إبراهيم محمد الفخراني من ناحية أبيار.
يتبيّن ذلك من فتوى له عن وقف الجبانات في مصر: من محافظة مصر – بإفادة مؤرخة 1 رجب سنة 1818 الإفادة عما يثبت شرعًا أن أرض القرافات بمصر بما فيها قرافة المجاورين موقوفة لدفن الأموات لضرورة الوقوف على ذلك؟
فأجاب رحمه الله: نص العلماء على أن قرافة مصر موقوفة وأنه لا يجوز الانتفاع بها بغير الدفن. ونصُّوا أيضًا أن سبب وقفها ما رواه ابن الحكم، عن الليث بن سعد أن المقوقس سأل عمرو بن العاص س أن يبيعه سفح المقطم بسبعيّ ألف دينار، فكتب إلى عمر س بذلك، فكتب إليه: أن سله لم أعطاك هذا القدر وهي أرض لا تزرع ولا ينتفع بها؟ فسأله فقال: إنا نجد صفتها في الكتب، وأنها محل غراس الجنة. فكتب عمرو إليه بذلك، فكتب إليه عمر: إني لا أرى غراس الجنة إلا المؤمنيّ فأقبر بها مَن مات من المسلميّ، ولا تبعها بشيء. فامتثل أمره ودفن فيها.
وكان أول مَن دفن فيها رجل من المعافر يقال له عامر، وصرحوا بأن سفح المقطم وقف من عمر على موتى المسلميّ، وأن القرافة جعلها أمير المؤمنيّن عمر بن الخطاب س لدفن موتى المسلميّ فيها واستق ر الأمر على ذلك. ونصُّوا أيضًا على أنه يصح وقف الإمام شيئًا من أرض بيت المال على جهة عامة للمسلميّ كوقف عمر س سواد العراق، ونصُّوا أيضًا على أن حد سفح المقطم الموقوف المذكور من قصر المقوقس الذي كان ببركة الحبش المعروف الآن بالبساتيّ إلى اليحموم، وهو الجبل الأحمر المطل على القاهرة من شرقها الشمالي الكائن بشرق العباسية.
فعلم مما ذكر أن أرض القرافات بمصر التي من ضمنها قرافة المجاورين موقوفة لدفن أموات المسلميّ من م قبل عمر بن الخطاب س خصوصًا والعمل على ذلك من صدر الإسلام للآن.
وقد نصُّوا أيضا على أن العمل حجة في مثل ذلك كشرط الواقف. والله تعالى أعلم.
السيرة الذاتية
ولد رحمه الله بقرية نواي مركز ملوي بمحافظة أسيوط، وقد حفظ القرآن الكريم، ثم التحق بالأزهر، وتلقى دروسه على كبار مشايخه، أمثال الشيخ الأنبابي والذي أخذ عنه علوم المعقول والشيخ عبد الرحمن البحراوي وأخذ عنه الفقه الحنفي والشيخ علي خليل الأسيوطي، وغيرهم، وامتاز فضيلته بقوة الحفظ، وجودة التحصيل، وشدة الذكاء، واستمر في دراسته حتى حصل على شهادة العَالمية.
لما فرغ فضيلته من الدراسة جلس لتدريس أمهات الكتب العلمية، فأقبلت عليه جموع الطلاب ولفت إليه الأنظار؛ فاختاره القائمون على الأزهر لتدريس الفقه في جامع محمد علي باشا بالقلعة، بجانب تدريسه له بالأزهر، ونظرًا لكفاءته وعلمه الواسع الغزير عُيِّ بجانب ذلك أستاذًا للفقه بكلية دار العلوم، وكلية الحقوق التي كانت تسمى حينئذ بمدرسة الحقوق، وفي عام 1811 ه/ 1333 م انتدب وكيلًا للأزهر، وذلك لمرض الشيخ الأنبابي وعجزه عن مباشرة مهام عمله، ثم صدر قرار بتعييّ لجنة لمعاونته في إصلاح شئون الأزهر، وكانت مكونة من: الشيخ محمد عبده، والشيخ عبد الكريم سلمان، والشيخ سليمان العبد، والشيخ محمد أبو الفضل الجيزاوي، والشيخ أحمد البسيوني الحنبلي.
كما عُيِّن فضيلته عضوًا دائمًا غير قابل للعزل بمجلس شورى القوانيّ، ونال في شهر شعبان سنة 1805 ه كسوة التشريف من الدرجة الثانية.
لما شرع الخديوي عباس باشا الثاني في أوائل توليته في تحسين حال الأزهر وإصلاح نظامه وطريقة التدريس فيه وإبدال بعض الكتب التي تقرأ فيه بغيرها، وإدخال بعض العلوم فيه كالرياضيات وتقويم البلدان والتاريخ وغيرها، وذلك بسعي الشيخ محمد عبده وغيره رأى الساعون تعذر ذلك مع وجود الشيخ محمد الأنبابي شيخًا عليه، ولم يشأ الخديوي عزله دفعًا للقيل والقال؛ فألف مجلسًا من العلماء ينظر في شئونه سمي بمجلس الإدارة، والتمس رئيسًا له يُ عيّ على إحداث النظام المطلوب فأشير عليه بالمترجَ م لما عُ هد فيه من الشهامة والصرامة، وسعى له بعض كبار رجال الحكومة ممن سبق لهم التلقي عليه بمدرسة الحقوق فأقيم رئيسًا لهذا المجلس، وأخذ في الاستبداد بأمور الأزهر حتى انحصرت فيه كلياتها وجزئياتها، وصار هو الشيخ في باطن الأمر حتى ضجر الشيخ الأنبابي، ثم اعتلت صحته فاستقال في 51 من ذي الحجة سنة 1815 ه، وأقيل في ثاني المحرم سنة 1818ه.
وبعد أن قدم فضيلة الشيخ الأنبابي استقالته من مشيخة الأزهر صدر قرار بتعييّ الإمام الشيخ حسونة النواوي شيخًا للأزهر في 3 من محرم سنة 1818 ه الموافق آخر يونيو عام 1331 م.
وبتعيينه عادت مشيخة الجامع ثانية للحنفية؛ لأنها كانت من قبل للشافعية، وما تولاها من الحنفية إلا الشيخ المهدي والشيخ حسونة صاحب الترجمة.
وقد قال الشيخ حسيّ والي مهنئًا الشيخ حسونة النواوي بتوليته مشيخة الأزهر قصيدةً عدتها خمسة وعشرون بيتً ا، صدورُ ها للتاريخ الهجري 1818هــ، وأعجازها للتاريخ الميلادي 1331 على طريقة الرسم الكوفي: لعمرك مجد الدهر حسونة الأسم أخو المجد خدن العز رب العلا قدما أشا الوري رأيا ومجدا ومحتدا وأفخمها فضلا وأولاها علما كما صدر قرار بتعييّن فضيلته في المجلس العالي بالمحكمة الشرعية في العام نفسه مع بقائه شيخًا للأزهر الشريف، وظل يواصل عمله في النهوض بالأزهر حتى أصدر الخديوي قرارًا بتنحيته في 51 من المحرم سنة 1811ه الموافق 3 يونيو عام 1333م وتولية ابن عمه الشيخ عبد الرحمن القطب النواوي؛ لأنه عارض إصلاح المحاكم الشرعية، فقد عُ رض على مجلس شورى القوانيّ اقتراح بندب قاضييّ مدنييّ من محكمة الاستئناف الأهلية ليشاركا قضاة المحكمة الشرعية العليا في الحكم، فوقف ضد هذا الاقتراح، وأشيع أن الحكومة تريد هدم الشريعة، وحاول الخديوي أن يقنع الشيخ بقبول هذا الاقتراح فرفض فتم عزله.
وفي 15 من ذي الحجة سنة 1853 ه الموافق 80 من يناير 1301 م، أعيد الشيخ حسونة إلى مشيخة الأزهر مرة ثانية بعد أن توالى على المشيخة أربعة من المشايخ بعد الفترة الأولى لمشيخة الشيخ حسونة النواوي، ولكنه آثر ترك المنصب بعد أقل من ثلاث سنوات، فاستقال في 1851 ه. وأعيد إلى الأزهر الشيخ سليم البشري، ولزم المترجَم داره التي بالقبة يزوره محبوه ويزورهم، وقد نال في توليته الأولى الوسام المجيدي من الدرجة الثانية، وجعل حينذاك عضوًا من الأعضاء الدائميّ بمجلس شورى القوانيّ، ومن شرط هؤلاء الأعضاء أنهم لا يُعزلون، ولهذا بقي المترجم به بعد عزله من الأزهر والإفتاء حتى أُلغي المجلس واستعيض عنه بالجمعية التشريعية سنة 1885 ه فانفصل عنه بحكم الإلغاء.
وأثناء تولية المرحوم الشيخ حسونة النواوي مشيخة الأزهر كان الشيخ محمد عبده رحمه الله يعضده ويساعده، فتعاونا على إنهاض الأزهر من كبوته.
وقد حاول الشيخ أثناء توليه المشيخة إعادة تنظيم الأزهر من الناحيتيّن المالية والإدارية، فرفع من رواتب العلماء والشيوخ، وكذا عمل على إدخال العلوم الحديثة في الأزهر بعد أن كادت تهجر تمامًا، وأحضر لتدريس علوم الرياضيات والجغرافيا والتاريخ بالأزهر مدرسيّ مهرة من المدارس الأميرية، كما أنشئ في عهده الرواق العباسي بالجامع الأزهر، وكان الشيخ محمد عبده رحمه الله من أقرب المعاونيّ له في إصلاحاته تلك كما سبقت الإشارة.
وقد سنَّ الشيخ قانونًا لأهل الأزهر، وفي أواخر مشيخته أسس مجلسًا لإدارة الأزهر بأمر الخديوي، وسن قانونً ا لإصلاح الأزهر، وكان بعد استعفاء الشيخ الأنبابي عن المشيخة تولاها في سنة 1818 ه بأمر الخديوي، وكانت جملة أكابر العلماء قدموا التماسً ا بطلب المشيخة فلم يلتفت الخديوي إليهم، ثم سن قانونً ا آخر مشتملًا على ستة أبواب تشتمل على اثنتيّن وستيّن مادة.
بعد وفاة الشيخ المهدي تولى الشيخ النواوي منصب الإفتاء بالإضافة إلى مشيخة الأزهر، وهو ثاني من جمع بيّ الإفتاء والمشيخة الأزهرية من الحنفية.
واستمر يشغل هذا المنصب في الفترة من 1 من جمادى الآخرة سنة 1818 ه الموافق 53 من نوفمبر سنة 1331م، وحتى 11 من محرم سنة1811 ه الموافق 51 من مايو 1333 م، وأصدر خلال هذه الفترة حوالي 531 فتوى مسجلةً بسجلات دار الإفتاء.
عرف الشيخ رحمه الله بالعفة وعلو الهمة ونقاء اليد لولا جفاء كان يبدو على منطقه في بعض الأحيان وشدة يراها الناس فيه، ولكن كان يعدها البعض شهامة لحفظ ناموس العلم وبخاصة مع الكبراء الذين استهان بعضهم بالعلماء.
كذلك من مآثره موقفه في إنصاف فضيلة الشيخ عبد الرحمن قراعة – والذي أصبح مُفتيًا للديار المصرية بعد ذلك حيث أزال عنه محنة كانت قد- ألمت به، فحصل بعدها الشيخ قراعة على العَالممية وصار من كبار العلماء.
سلم المسترشدين في أحكام الفقه والدين، وهو كتاب من جزأين جمع فيه الأصول الشرعية مع الدقائق الفقهية، وقد حاز الكتاب على شهرة كبيرة حتى قرر تدريسه بالمدارس الأميرية.
لزم فضيلته منزله بعد استقالته يلتقي بأصحابه وطلاب العلم إلى أن انتقل إلى رحمة الله تعالى في صباح الأحد 53 من شوال سنة 1838 ه الموافق 11 من مايو 1351 م.