فضيلة الشيخ محمد إسماعيل البرديسي
- أعلام الفتوى
نبذة عنه..
ولد الشيخ محمد بن محمد بن إسماعيل الحنفي رحمه الله في بجرجا، وهو من عائلة الأنصار وتطلع إلى العلم والمعرفة فالتحق بالأزهر الشريف، حيث درس على كثير من علمائه المشهورين، كما حضر على السيد جمال الدين الأفغاني وتعلم منه ووعى عنه وتأثر به، واستمر يحفظ ويتعلم ويدرس حتى نال شهادة العالمية.
المنهج الإفتائي
بالرجوع إلى الفتاوى التي صدرت عن الشيخ البرديسي نستطيع أن نتبين ملامح منهجه في الإفتاء من خلال ما يلي:
فهو يقتصر في الإجابة على ما يتضمنه السؤال بدون دخول في أي مقدمات أو تمهيد للإجابة.
ومن الأمثلة على ذلك:
فتوى ورد فيها إلى فضيلته خطاب من وزارة المالية بشأن صورة عقد بيع مقول بصدوره من عبد الغني موسى عسكر ببيع 5 سهم و7 قيراط أرض زراعية، ومعطى له بمقتضاه حق الانتفاع أيام حياته على أن يكون بعد وفاته الأرض المذكورة، وجميع ما يمتلك ملكًا وأثرًا واستحقاقً الزوجته، والإفادة عما يقتضيه الحكم الشرعي فيما إذا كان العقد المذكور يعتبر وصية تمليك مضافً ا إلى ما بعد الموت، أو يعتبر بيعاً صحيحًا شرعيًّا نافذً ا بعد وفاته، أم لا هذا ولا ذاك؟ أو يعتبر مالًا موروثًا عن المتوفى؟
فأجاب قائلًا: نفيد أن البيع الذي اشتمل عليه العقد لم يكن بيعا صحيحًا شرعًا؛ لاشتماله على شرط مفسد للبيع، وهو اشتراطه أن يكون الانتفاع له طول حياته، وليس وصية أيضًا؛ لأنها تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع، وتمليكه هنا لم يكن بهذا الطريق، وحينئ ذ يكون القدر المبيع مما يجري فيه التوارث لأنه با ق على ملك البائع.
وكذا في فتوى سئل فيها عن رجل طلق زوجته وهو في مرض الموت طلاقًا بالثلاث بدون علمها وعلى غير براءة، ثم مات بعد الطلاق بشهر تقريبًا؛ أي قبل انتهاء العدة، فهل ترثه أم لا؟
فأجاب قائلًا: نفيد أنه إذا كان الأمر كما ذكر في هذا السؤال، وكان الطلاق المذكور في حالة المرض بدون علمها ورضاها، ثم مات بهذا المرض عينه وهي في العدة فإنها ترث منه شرعًا؛ لكونه يعد فارًّا بطلاقه المذكور
ومن الأمثلة أيضًا على هذا: أنه سئل في امرأة توفيت عن زوجها -ووالدتها وأخ وأختين أشقاء لا غير، وتركت ما يورث عنها شرعًا، فما نصيب كل واحد من الورثة المذكورين في تركتها، وهل تجهيزها وتكفينها ودفنها لغاية القبر يخصم من تركتها أم هو واجب على الزوج خاصة؟ وهل مصاريف ليلة المأتم من أجرة فقهاء وثمن طعام وأجرة فراش تلزم الزوج أيضً ا أم لا؟ وهل لو فعل الزوج ما زاد عن التجهيز والتكفين بدون إذن الورثة يكون متبرعً ا به ولا يلزم الورثة بشيء من ذلك أم لا؟ وهل مؤخر الصداق الباقي في ذمة الزوج يضم إلى تركة المتوفاة ويقسم مع التركة على عموم الورثة أم كيف الحال؟
فأجاب إجابة موجزة؛ حيث قال: نفيد أن المنصوص عليه شرعًا أن كفن المرأة على زوجها بلا تبذير ولا تقتير، بفعل ما تحتاجه من حين موتها إلى حين دفنها من الكفن الوسط عددً ا، وهو كفن ال س نة بأن يكون ثلاثة أثواب: قميص وإزار ولفافة، وقيمته من نوع ما تلبسه لزيارة أبويها، وأما ما زاد على ذلك فغير لازم شرعً ا، وإذا ماتت الزوجة ولم تقبض في حياتها مؤخر صداقها من زوجها المذكور فبوفاتها يكون ذلك دين ا في ذمته، فيضم إلى أصل تركتها ويقسم على جميع ورثتها، بما فيهم زوجها المذكور، وحيث إنها توفيت عن زوجها ووالدتها وأخ وأختين أشقاء فتقسم جميع تركتها بما فيها مؤخر صداقها بين ورثتها المذكورين: للزوج النصف فرضً ا، ولأمها السدس فرضًا، والباقي لأخيها وأختيها الأشقاء تعصيبً ا للذكر مثل حظ الأنثيين.
وكذا في هذه الفتوى عندما سئل عمن أوقف أطيانًا بمقتضى حجة إيقاف صادرة بالمحكمة، وقد اشترط شروطً ا منها: أنه إذا كان أحد المستحقين مديونً ا فليس للمدين ولا لغيره ح ق في مطالبة الناظر بشيء من استحقاقه المذكور. ومن المستحقين الآن شخص حكم عليه بفرض نفقة شرعية لزوجته، فهل تمنع الزوجة من مطالبة الناظر، أو أن هذا الشرط لا يسري عليها؛ نظرًا لأن مطلوبها هو نفقة شرعية؟
فأجاب بإيجاز قائلًا: نفيد أن شرط الواقف المذكور غير معتبر شرعًا لمخالفته للشرع؛ لأن للدائن مطالبة المدين بال د ين الذي عليه، وحينئذ فلزوجة المستحق المدين مطالبة الناظر بفرض النفقة المذكورة من استحقاقه أأي الوقف المذكور.
بل قد يطول نص السؤال وتكون الإجابة موجزة أيضًا، ويتضح ذلك – في الفتوى التالية:
فقد سئل عن رجل بنى قطعة أرض في القرافة، اتخذ بعضها مقبرة وبنى باقيها بناءً يصلح للسكنى، وقد صرح في حياته بدفن بعض أقاربه في مقبرته هذه كما دفن بها هو بعد موته، وكان ذلك البناء في حياة الباني متخذً ا مأوى لزائري الموتى من أقاربهم، ثم تغير الحال بعد وفاته واتخذت هذه الأبنية مساكن يستأجرها بعض الناس من ناظر الوقف، وقبل أن يتوفى صاحب هذه المقبرة والبناء وقف أرضً ا له وشرط أن يصرف من غلتها قدر من النقود، وقال في وقفه: إن هذا القدر يُ صرف على الحوش الموقوف من قِبل الواقف المذكور قبل تاريخه حسب إخباره بذلك، مع أن حوش القرافة لم يصدر به كتاب وقف، فهل يعتبر حوش القرافة بما فيه من الأبنية وقفً ا بإقرار المالك أو لا تكون الأبنية داخلة في الوقف؟ وعلى فرض أن الأبنية داخلة في الوقف فعلى م ن تكون وقفً ا؟ وهل يجوز استغلالها أو لا؟ وإذا جاز استغلالها تكون الغلة على وجوه الخير أو على ذرية الواقف؟
فأجاب قائلًا: نفيد أنه حيث وقف الواقف الحوش المذكور بقوله في في ثمن مأكل ومشرب للواردين والمترددين بالحوش :”كتاب الوقف وحيث كان ذلك البناء” الموقوف من قبل الواقف المذكور قبل تاريخه موقوفً ا لمأوى زائري الموقف من أقاربهم فلا يجوز استغلاله بحال من الأحوال؛ لأن الواقف إنما جعله مأوى للزائرين للموتى من أقاربهم فقط.
ومن الأمثلة على ذلك:
ما جاء في هذه الفتوى عندما سئل عن زوجة توفي عنها زوجها، هل يجب أن تعتد في بيت زوجها الذي كان معدًّ ا لسكناها حال قيام الزوجية بينهما؟ أو يجوز أن تخرج منه بعد الوفاة شرعًا؟
فأجاب قائلًا: نفيد: أن المنصوص عليه شرعً ا أن معتدة الوفاة يجب عليها أن تعتد في بيت وجبت فيه، وهو ما يضاف إليها بالسكنى، ولا تخرج منه إلا أن تُخرج أو ينهدم المنزل أو تخاف انهدامه أو تلف مالها، أو لا تجد كراء البيت، ونحو ذلك من الضرورات، فتخرج لأقرب موضع إليه.
فنجد الشيخ البرديسي في هذه الفتوى يفتي بما جاء في المذهب الحنفي بالكلمة والحرف، فنص فتواه هذه بعينها هو المنصوص عليه في المذهب الحنفي؛ ففي الدر المختار للحصفكي )في بيت وجبت فيه( ولا يخرجان منه )إلا أن تخرج أو يتهدم المنزل، أو تخاف( انهدامه، أو )تلف مالها، أو لا تجد كراء البيت( ونحو ذلك من.») الضرورات فتخرج لأقرب موضع إليه وقال في رد المحتار: )قوله: في بيت وجبت فيه( هو ما يضاف إليهما بالسكنى قبل الفرقة ولو غير بيت الزوج.
والشيخ البرديسي في غالب فتاويه لا يورد النقول من كتب الفقه الحنفي، ونجده يوردها في قليل من الفتاوى نذكر منها ما يلي:
ما جاء في هذه الفتوى عن إفادة واردة من وزارة الداخلية صورتها: في مدينة بورسعيد جبانة منع الدفن فيها منذ زمان بعيد، ثم نقلت منها العظام والرفات إلى موضع آخر من عهد قريب، ثم حصل الشروع في تقسيم أرض تلك الجبانة القديمة إلى ثلاثة أقسام: يكون أحدها مخصصًا لإقامة ورشة عليه لأجل إصلاح عربات البلدية. والثاني: لإنشاء مشتل لتربية النباتات والأشجار. وأما القسم الثالث: فسيباع بالمزاد العلني للأفراد لاستخدام ثمنه في الوفاء بالنفقات التي أوجبها نقل تلك العظام والرفات، ولكن بلدية بور سعيد صاحبة المشروع قد رأت فيما بعد أن أرض الجبانات ولو نقل منها العظام والرفات يجب أن تبقى مقدسة، ولا يليق أن يبنى عليها مساكن وغيرها. والمطلوب بيان الحكم الشرعي في هذه المسألة؟
فأجاب: نفيد أنه قال في الفتاوى الهندية بصحيفة )571 جزء ثان ( وسئل هو )أي القاضي الإمام شمس الأئمة محمود الأزوجندي( « : ما نصه أيضًا عن المقبرة في القرى إذا اندرست ولم يب ق فيها أثر الموتى لا العظم ولا غيره، هل يجوز زرعها واستغلالها قال: لا، ولها حكم المقبرة. كذا في المحيط ثم قال: ومن ذلك يُ علم أن أرض الجبانة المذكورة لا يجوز شرعً ا أن يُبنى عليها مساكن، ولا أن تُغرس فيها أشجار ولا نباتات، ولا يجوز شرعًا بيعها، ولو نقلت منها عظام الموتى إلى محل آخر؛ لأن لها حكم المقبرة.
يعتمد الشيخ البرديسي أحيانًا فتوى من سبقه من أعلام المفتين.
ومن الأمثلة على ذلك:
فتوى سئل فيها عن سيدة وقفت أطيانا مبينة بكتاب الوقف الصادر من محكمة طنطا الشرعية، وشرطت في وقفها الشرط الآتي ومنها أن يصرف من ريع الوقف المذكور ما يلزم للست الواقفة المذكورة يوم وفاتها في ثمن كفن وأجرة قراءة وختمات وعتقات ومشال، وما يلزم للمأتم من مؤن وغير ذلك أسوة أمثالها، ولو استغرق ذلك جميع ريع الوقف المذكور مدة ثلاث سنوات( ثم ماتت الواقفة المذكورة، ودفنت بمحل إقامتها بطنطا، فهل لو صرف الناظر من ريع الوقف ما يلزم للواقفة يوم وفاتها من ثمن كفن وأجرة قراءة وختمات وعتقات ومشال، وما يلزم للمأتم من مؤن وغير ذلك زيادة عما يلزم لأمثالها يكون فعله هذا جائزا ولازمًا على جهة الوقف تمسكً ا بقول الواقف: )ولو استغرق ذلك جميع ريع الوقف المذكور مدة ثلاث سنوات( أو لا يكون فعله هذا جائز ا ولازمً ا على جهة الوقف بالنسبة لما زاد على أمثالها عملًا بقول الواقفة: )وغير ذلك أسوة أمثالها( وفضلًا عن ذلك يراعى بأن ريع هذا الوقف في الثلاث سنوات يفوق عن أربعمائة جنيه؟ أفيدوا الجواب ولكم الثواب.
فأجاب: اطلعنا على السؤال وعلى كتاب الوقف المذكور، ونفيد أن ما شرطته الواقفة المذكورة في أنه يصرف من ريع وقفها المذكور ما يلزم لها يوم وفاتها من ثمن كفن وأجرة قراءة وختمات وعتقات ومشال صحيح شرعًا بناء على فتوى المتأخرين من جواز أخذ الأجرة على الطاعات لتساهل الناس وتكاسلهم في الأمور الخيرية، كما أفتى بذلك صاحب الفتاوى المهدية بصحيفة ) 144 جزء سابع( وحيث إن الواقفة لم تقدر مبلغًا لذلك بل جعلت ما يصرف في ذلك إنما هو بحسب أسوة أمثالها ولو استغرق ذلك جميع ريع الوقف مدة ثلاث سنوات، فالمعول عليه هو ما يصرف على أمثالها في ذلك ق ل أو كثر، بشرط أن لا يتجاوز ما يصرف ريع الوقف مدة ثلاث سنوات سواء كان أقل من ريع الوقف مدة ثلاث سنوات أو مساويً ا له.
وأما ما شرطته فيما يلزم للمأتم من مؤن وغير ذلك فما يصرف منه في الطعام لغير النائحات فهو جائز أيضًا، مع مراعاة أن ما يصرف في ذلك يكون على حسب ما يصرف على أمثالها في ذلك.
فقد نص الشيخ رحمه الله على أنه استند في هذه الفتوى إلى الفتاوى المهدية.
السيرة الذاتية
ولد الشيخ محمد بن محمد بن إسماعيل الحنفي رحمه الله في بجرجا، وهو من عائلة الأنصار المشهورة بالعِلم والفضيلة والتقوى والخلق الكريم، حفظ القرآن وجوده، وتطلع إلى العلم والمعرفة فالتحق بالأزهر الشريف، حيث درس على كثير من علمائه المشهورين، كما حضرعلى السيد جمال الدين الأفغاني وتعلم منه ووعى عنه وتأثر به، واستمريحفظ ويتعلم ويدرس حتى نال شهادة العالمية.
عُين موظفًا قضائيًّا، وأخذ يتدرج في السلم القضائي حيث عُين قاضيًا، ثم مفتشًا بالقضاء الشرعي، وما زال يتدرج حتى اختير نائبًا لمحكمة مصر الشرعية العليا.
عُين فضيلة الشيخ/ محمد إسماعيل البرديسي مفتيًا للديار المصرية في 4 يوليو سنة 1920م واستمر في الإفتاء حوالي ستة أشهر، وأصدر حوالي(206) فتوى.
له مخطوط في المكتبة الأزهرية بعنوان: الإتحاف في أحكام الأوقاف برقم [(1873) 26588] وهو في ثماني عشرة ورقةً.
انتقل إلى رحمة الله تعالى في 9 يناير سنة1921م.