البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

الفصل الأول آداب المفتي

المبحث الثاني الآداب السلوكية

78 views

ويشتمل على سبعة مطالب:

المطلب الأول: إخلاص النية لله سبحانه وتعالى.

المطلب الثاني: الاستعانة بالله والدعاء قبل الفتوى.

المطلب الثالث: الحلم والوقار وترك الغضب.

المطلب الرابع: الإنصاف وترك الميل في الفتوى.

المطلب الخامس: الرفق وحسن التعامل.

المطلب السادس: المحافظة على أسرار المستفتين.

المطلب السابع: حُسْن الهيئة والسيرة.

 

 

 

 

ذكرنا أنَّ للمفتي آدابًا كثيرةً ينبغي عليه أن يتحلى بها؛ ليلتفَّ الناس حوله ويستفتوه في مسائلهم، فيكون عونًا لهم على بيان الحق والصواب، وهدايتهم إلى سبيل النجاة والفلاح، وهذه الآداب بعضها يعود للجانب العلمي للفتوى، والآخر يتعلق بالجانب السلوكي والأخلاقي لدى المفتي، وكلاهما استكمال للآخر، ولبنة أساس يكمل بعضُهما الآخَر؛ في بناء مفتٍ قادر على مواكبة مستجدات العصر ونوازله المستحدثة.

وقد تناولنا في المبحث السابق “الآداب العلمية للمفتي”، ونتناول في هذا المبحث “الآداب السلوكية للمفتي”.

ولمَّا كان المفتي هو الموقِّع عن الله تعالى، وهو القائم في الأمة مقام إمام المفتين وسيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في تبليغ الأحكام، وتنزيلها على الوقائع والأفعال، كان حريٌّ به أن يتخلق بصفاته الحميدة، ويتحلى بآدابه المجيدة والتي منها الرفق وحسن التعامل مع السائلين إلى نحو ذلك من هديه صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لكي يقتدي به الناس ويكون مصدر ثقة لهم.

والآداب السلوكية للمفتي كثيرة، نختار ونسلط الضوء على أهمها فيما يلي.

 

 

المطلب الأول

إخلاص النية لله سبحانه وتعالى

للنية في الشرع الحنيف أهمية ومقام عظيم؛ إذ هي رأس الأمر وعموده وأساسه وأصله الذي عليه يبنى، وهي روح العمل وقائده وسائقه، والعمل تابع لها يُبنَى عليها، يصح بصحتها ويفسد بفسادها، وبها يستجلب التوفيق والصواب، وبِعَدَمِهَا يحصل الخذلان، وبحسبها تتفاوت الدرجات في الدنيا والآخرة([1]).

وهي داخلة في كل تصرفات المكلَّف من عبادات ومعاملات وخصومات ومباحات ومناهٍ وتروك، وكلُّها تحتاج للنّيَّة، ولكن ما ينبني عليه الثّواب منها إنّما هو المقصود به العبادة ووجه الله سبحانه وتعالى، فلا ثواب على عمل شرعي إلا إذا قُصِدَ به وجه الله سبحانه وتعالى([2]). وفي الحديث الشريف: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى))([3])، ومن ثم صيغت القاعدة الفقهية “لا ثواب إلا بالنية”([4]).

ولما كانت الفتوى من أفضل الأعمال وأجلِّها، وأبلغها أثرًا في بيان وتقرير الأحكام اشترطت فيها النية.

والمقصود باشتراطها في الفتوى: هو “أن يريد بها المفتي وجه الله تعالى، وأن يتحرى وجه الحق والصواب فيها، قدر الإمكان والطاقة، وأن يبذل وسعه في تفهُّم النازلة، والتعرف على كيفية اندارجها تحت دليلها الشرعي المناسب لها، وكل ذلك يتوقف على الإخلاص والقصد فيها”([5]).

فيكون قصده هو ابتغاء وجه الله تعالى، بإخلاص النية والقصد له سبحانه، والاستمداد والاقتداء بمعلم البشرية سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ونفع الناس والمستفتين بالقول والعمل الذي معه يُصلِحُ لهم شؤون دنياهم وأخراهم، وتبليغ دين الله لهم وتعليمهم ورفع الجهل عنهم؛ لا يردُّ المولى سبحانه وتعالى مَن “صدق في التوجه إليه؛ لتبليغ دينه وإرشاد عبيده ونصيحتهم والتخلص من القول عليه بلا علم، فإذا صدقت نيته ورغبته في ذلك لم يَعْدِم أجرًا إن فَاتَهُ أجران”([6]).

لذا عَدَّ الإمام أحمد رحمه الله “النية” من أول الخصال التي يجب توفرها فيمن يُنَصَّب للفتوى، فروي عنه رضي الله عنه أنه قال: “لا ينبغي للرجل أن يُنَصِّب نفسَه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال، أما أولها: أن تكون له نية، فإن لم يكن له نية لم يكن عليه نور، ولا على كلامه نور”([7]).

وإنما كانت النية من أول الخصال والآداب التي ينبغي توفرها؛ “لأنها رأس آداب المفتي وصفاته، وغيرها من الآداب والصفات مهما أتقنه المفتي لا ينفع بدونها”([8]).

والمقصود بها هي النية الصالحة، وذلك بأن يصلح المفتي سريرته، وأن يُخلِص في كلامه لله سبحانه وتعالى، ولا يقصد مدحًا أو ثناء من أحد، وأن يستحضر عند الإفتاء النية من قصد الخلافة عن النبي صلى الله عليه وسلم في بيان أحكام الشرع، وإحياء العمل بالكتاب الكريم والسنة النبوية، وإصلاح أحوال الناس بذلك، مستعينًا بربه، متوكلًا عليه، سائله التوفيق والتسديد لموافقة الصواب، ومجانبة الخطأ والتقصير، وعليه مدافعة النيات الخبيثة من قصد العلو في الأرض والإعجاب بما يقول، وخاصة حيث يخطئ غيره ويصيب هو، وقد ورد عن سحنون: فتنة الجواب بالصواب أعظم من فتنة المال([9]).

فإن “العبد إذا خلصت نيته لله تعالى وكان قصده وهمه وعمله لوجهه سبحانه كان الله معه؛ فإنه سبحانه مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، ورأس التقوى والإحسان خلوص النية لله في إقامة الحق”([10]).

وقد روي عن سيدنا عمر بن الخطاب في رسالته لأبي موسى الأشعري: “… فمن خلصت نيته في الحق، ولو كان على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تزين لهم بما ليس في قلبه شَانَهُ الله، فإن الله تبارك وتعالى لا يقبل من العبادة إلا ما كان له خالصا، وما ظنك بثواب غير الله في عاجل رزقه، وخزائن رحمته؟”([11]).

وعلى هذا فكلما خلصت النية و”قرب القلب من الله زالت عنه معارضات السوء، وكان نور كشفه للحق أتمَّ وأقوى، وكلما بَعُدَ عن الله كثرت عليه المعارضات، وضَعُفَ نور كشفه للصواب؛ فإن العلم نور يقذفه الله في القلب، يفرق به العبد بين الخطأ والصواب.

وقال مالك للشافعي رضي الله عنهما في أول ما لقيه: “إني أرى الله قد ألقى على قلبك نورا فلا تطفئه بظلمة المعصية، وقد قال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّكُمۡ فُرۡقَانٗا} [الأنفال: 29] ومن الفرقان النور الذي يفرق به العبد بين الحق والباطل، وكلما كان قلبه أقرب إلى الله كان فرقانه أتم”([12]).

فإخلاص المفتي نيته وتقواه لربه وحسن قصده من أسباب الفتح عليه فيما يفتي به؛ قال تعالى: {وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} [البقرة: 282]. وهي نعمة من أعظم النعم على عباده؛ يقول ابن القيم: “صحة الفهم وحسن القصد من أعظم نعم الله التي أنعم بها على عبده… بل هما ساقا الإسلام، وقيامه عليهما، وبهما يأمَنُ العبدُ طريق المغضوب عليهم الذين فسد قصدهم وطريق الضالين الذين فسدت فهومهم،… وصحة الفهم نور يقذفه الله في قلب العبد، يميز به بين الصحيح والفاسد، والحق والباطل، والهدى والضلال، والغي والرشاد، ويمده حسن القصد، وتحري الحق، وتقوى الرب في السر والعلانية، ويقطع مادته اتباع الهوى، وإيثار الدنيا، وطلب محمدة الخلق، وترك التقوى”([13]).

وليحذر المفتي من ترك تقوى الله تعالى، وإيثار الدنيا واتباع الهوى، وطلب الحمد والثناء من الناس، فشتان “بين مريد بالفتوى وجهَ الله ورضاه والقربَ منه وما عنده، ومريدٍ بها وجهَ المخلوق ورجاءَ منفعته وما يناله منه تخويفًا أو طمعًا، فيفتي الرجلان بالفتوى الواحدة وبينهما في الفضل والثواب أعظم مما بين المشرق والمغرب.

هذا يفتي لتكون كلمة الله هي العليا ودينه هو الظاهر ورسوله هو المطاع، وهذا يفتي ليكون قوله هو المسموع وهو المشار إليه وجاههُ هو القائم سواء وافق الكتاب والسنة أو خالفهما”([14]).

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: “ألا أنبئكم بالفقيه حق الفقيه؟ من لم يُقَنِّط الناسَ من رحمة الله، ولم يُرخِّص لهم في معاصي الله، ولم يُؤمِّنهم مكرَ الله، ولم يترك القرآن إلى غيره، ولا خير في عبادة ليس فيها تفقُّه، ولا خير في فقه ليس فيه تفهُّم، ولا خير في قراءة ليس فيها تدبُّر”([15]).

والنية الصالحة وإخلاص القول لله عز وجل كما أنه سبب لقبول عمل المفتي عند الله تعالى والتوفيق للحق والصواب، فهو أيضا سبب في إقبال قلوب الناس ومحبتهم له؛ يقول ابن القيم: “وقد جرت عادة الله التي لا تُبدَّل وسنته التي لا تُحوَّل أن يلبس المخلص من المهابة والنور والمحبة في قلوب الخلق وإقبال قلوبهم إليه ما هو بحسب إخلاصه ونيته ومعاملته لربه، ويلبس المرائي اللابس ثوبي الزور من المقت والمهانة والبغضة ما هو اللائق به؛ فالمخلص له المهابة والمحبة، وللآخر المقت والبغضاء”([16]).

إذًا فالواجب على المفتي إخلاص النية لله تعالى قاصدًا بعمله وفتياه وجه الله تعالى، ثم نفع الناس بما يُصلِح لهم أمور دنياهم وأخراهم، مراقبًا المولى سبحانه وتعالى في جميع أقواله وأفعاله وتصرفاته، فإن فعل ذلك سدده الله تعالى في فتياه، وألهمه الحق والصواب، وجعل له من المحبة في قلوب الخلق وإقبال قلوبهم عليه.

 

 

 

المطلب الثاني

الاستعانة بالله والدعاء قبل الفتوى

من الآداب السلوكية للمفتي هو الاستعانة بربه والتوجه إليه والالتجاء به([17])، قبل البدء في فتواه؛ ليلهمه الصواب والتوفيق فيما يفتي به، ويفتح له طريق الحق والسداد، وأن يعصمه عن الخطأ والزلل.

قال ابن القيم: “ينبغي للمفتي الموفق إذا نزلت به المسألة أن ينبعث من قلبه الافتقار الحقيقي الحالي لا العلمي المجرد إلى ملهم الصواب، ومعلم الخير، وهادي القلوب، أن يلهمه الصواب، ويفتح له طريق السداد، ويدله على حكمه الذي شرعه لعباده في هذه المسألة، فمتى قرع هذا الباب فقد قرع باب التوفيق، وما أجدر من أمَّل فضل ربه أن لا يحرمه إياه، فإذا وجد من قلبه هذه الهمة فهي طلائع بشرى التوفيق”([18]).

وعليه أن يكثر الدعاء بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة الواردة عن السلف الصالح رضوان الله عليهم، والتي منها: ((اللهم رب جبرائيل، وميكائيل، وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم))([19]).

وعن يحيى بن سعيد، قال: “كان ابن المسيب لا يكاد يفتي فتيا ولا يقول شيئا إلا قال: اللهم سلمني وسلم مني”([20]). وذكره الإمام السيوطي في كتابه “أدب الفتيا” باب: “ما تفتتح به الفتوى”([21]).

وروي عن الإمام مالك ومكحول أنهما “كانا لا يفتيان حتى يقولا: لا حول ولا قوة إلا بالله”([22]). وعن الإمام مالك أيضا كان يقول: “ما شاء الله، لا قوة إلا بالله العلي العظيم”([23]).

وورد عن بعض السلف أنه كان يقول عند الإفتاء: {قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ لَا عِلۡمَ لَنَآ إِلَّا مَا عَلَّمۡتَنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ} [البقرة الآية: 32].

وكان بعضهم يقول: {قَالَ رَبِّ ٱشۡرَحۡ لِي صَدۡرِي٢٥ وَيَسِّرۡ لِيٓ أَمۡرِي٢٦ وَٱحۡلُلۡ عُقۡدَةٗ مِّن لِّسَانِي٢٧ يَفۡقَهُواْ قَوۡلِي} [طه الآيات: 25- 28]، وكان بعضهم يقول: “اللهم وفقني واهدني وسددني واجمع لي بين الصواب والثواب، وأعذني من الخطأ والحرمان([24])“، وكان بعضهم يقرأ الفاتحة([25])، قال ابن القيم: “وجربنا نحن ذلك فرأيناه أقوى أسباب الإصابة”([26]).

إذا فيستحب للمفتي قبل الفتوى: الاستعاذة من الشيطان الرجيم، وأن يسمي الله تعالى ويحمده ويصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وليقل: {رَبِّ ٱشۡرَحۡ لِي صَدۡرِي٢٥ وَيَسِّرۡ لِيٓ أَمۡرِي٢٦ وَٱحۡلُلۡ عُقۡدَةٗ مِّن لِّسَانِي٢٧ يَفۡقَهُواْ قَوۡلِي} [طه الآيات: 25- 28]، إلى نحو ذلك([27])من الأدعية بما يتيسر ويفتح الله عليه.

وقد نص الفقهاء على أنه إن لم يأتِ المفتي بذلك عند كل فتوى، فليأت به عند أول فتيا يفتيها في يومه لما يفتيه في سائر يومه مضيفًا إليه قراءة الفاتحة وآية الكرسي، وما تيسر، فإن مَنْ ثابر على ذلك كان حقيقًا بأن يكون موفقًا في فتاويه([28]). وإن ترك المفتي الدعاء قبل البدء في فتواه جاز([29])، ولكن كان على خلاف الأولى والأفضل؛ وتركه فعل السلف الصالح، فإنَّ ذِكْرَ الله عز وجل يسهل على المفتي الصعب، وييسر العسير، ويخفف عليه المشاق، “فما ذُكِرَ الله عز وجل على صعب إلا هان، ولا على عسير إلا تيسر، ولا مشقة إلا خَفَّتْ، ولا شدة إلا زالت، ولا كربة إلا انفرجت، فذِكْرُ الله تعالى هو الفرج بعد الشدة، واليسر بعد العسر، والفرج بعد الغم والهم”([30]).

“والمعول في ذلك كله على حسن النية، وخلوص القصد، وصدق التوجه في الاستمداد من المعلم الأول معلم الرسل والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم؛ فإنه لا يرد من صدق في التوجه إليه لتبليغ دينه وإرشاد عبيده ونصيحتهم والتخلص من القول عليه بلا علم، فإذا صدقت نيته ورغبته في ذلك لم يعدم أجرًا إن فاته أجران”([31]).

هذا ويفضل للمفتي أن “يختم الجواب بقوله: وبالله التوفيق أو والله الموفق أو والله أعلم”([32]).

 

 

 

 

 

 

 

المطلب الثالث

الحلم والوقار وترك الغضب

من الآداب السلوكية أيضا لدى المفتي والتي ينبغي له التحلي بها هي الحلم والوقار وترك الغضب؛ قال الإمام أحمد في ثاني خصال المفتي: “لا ينبغي للرجل أن ينصب نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال، …وأما الثانية: فيكون له حلم ووقار وسكينة”([33]).

ويقول ابن القيم موضحًا أهمية ذلك: “وأما قوله: أن يكون له حلم ووقار وسكينة. فليس صاحبُ العلم والفتيا إلى شيء أحوج منه إلى الحلم والسكينة والوقار؛ فإنها كسوة علمه وجماله، وإذا فقدها كان علمه كالبدن العاري من اللباس، وقال بعض السلف: “ما قُرِنَ شيءٌ إلى شيء أحسن من علم إلى حلم”([34]).

وإنما استُحِبَّ في المفتي أن يكون ذا سكينة وحلم وقار؛ لأنه هو وراث الأنبياء، فيجب أن يتخلق بأخلاقهم، ويتحلى بصفاتهم، لكي يُرَغِّبُ المستفتي به([35])، ويثق فيما يقوله من أحكام، فيكون ذلك أدعى إلى القبول والعمل بالفتوى.

فالحلم: هو من أهم الخصال التي ينبغي للمفتي التحلي بها، فهو “زينة العلم وبهاؤه وجماله، وهو ضد الطيش والعجلة والحدة والتسرع وعدم الثبات؛ فالحليم لا يستفزه البدوات، ولا يستخفه الذين لا يعلمون، ولا يُقلقه أهل الطيش والخفة والجهل، بل هو وقور ثابت، ذو أناة، يملك نفسه عند ورود أوائل الأمور عليه، ولا تملكه أوائلها، وملاحظته للعواقب تمنعه من أن تستخفه دواعي الغضب والشهوة”([36]).

فبالعلم ينكشف للمفتي مواقع الخير والشر والصلاح والفساد، وبالحلم يتمكن من تثبيت نفسه عند الخير فيؤثره ويصير عليه، وعند الشر فيصبر عنه؛ فالعلم يعرفه رشده والحلم يثبته عليه([37]).

فالحلم “من أشرف الأخلاق وأحقها بذوي الألباب؛ لما فيه من سلامة العرض وراحة الجسد واجتلاب الحمد”([38]). فحريٌّ بالمفتي أن يتحلى به، لما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من حَلُمَ ساد، ومن تفهم ازداد))([39]). واقتداء بالسلف الصالح؛ فالمُطالِع لسيرتهم يجد اتصافهم وتحليهم بصفة الحلم، من ذلك ما ذكره الخطيب البغدادي -في عبادة أبي حنيفة وورعه- عن عبد الرزاق، قال: “شهدت أبا حنيفة في مسجد الخيف، فسأله رجل عن شيء، فأجابه، فقال رجل: إن الحسن يقول: كذا، وكذا، قال أَبُو حنيفة: أخطأ الحسن، قال: فجاء رجل مغطى الوجه قد عصب على وجهه، فقال: أنت تقول: أخطأ الحسن يا ابن الزانية، ثم مضى، فما تغير وجهه ولا تلون، ثم قال: إي والله، أخطأ الحسن وأصاب ابن مسعود”([40]).

ولأهمية الحلم للمرء؛ قال بعض الأدباء: “من غرس شجرة الحلم اجتنى ثمرة السلم”.

وقال بعض الشعراء:

“أحب مكارم الأخلاق جهدي … وأكره أن أعيب وأن أُعَابا

وأصفح عن سِبَابِ الناس حلما … وشرُّ الناس من يهوى السبابا

ومن هاب الرجال تهيبوه … ومن حقر الرجال فلن يهابا”([41]).

والوقار والسكينة: هما ثمرة الحلم ونتيجته([42])، وهما يُكسِبَان صاحبهما صفة المهابة التي تجعل لكلامه وتصرفاته أثرًا وقبولًا في النفوس.

فينبغي على المفتي أن يكون ذا حلم ووقار وسكينة؛ لكثرة مخالطة الناس، والذي منهم صاحب الحلم والخلق وغيرهم، فوجب عليه ألا يتأثر بغيره، بل يبقى هو متخلق بحلمه ووقاره.

ومن الوقار أيضًا: ألا يتعجل المفتي في فتياه وإن كان الجواب صحيحًا، ومن حرص السلف الصالح على ذلك؛ قال الخليل بن أحمد: “إن الرجل ليُسأَلُ عن المسألة ويعجل في الجواب فيصيب فأذمه، ويسأل عن مسألة فيثبت في الجواب فيخطئ فأحمده”([43]). وهذا ما هو إلا للتعلم والإرشاد وتمرين النفس وتدريبها على التأني في الفتوى والصبر عليها.

ومن الوقار والسكينة أيضا ألا يكون المفتي حريصًا على الفتوى سابقًا إليها؛ يقول ابن عيينة: “أعلم الناس بالفتوى أسكتهم فيه، وأجهل الناس بالفتوى أنطقهم فيه”، قال الخطيب البغدادي معلقًا عليه: “وقلَّ مَنْ حرص على الفتوى، وسابق إليها، وثابر عليها إلا قَلَّ توفيقه، واضطرب في أمره”([44]).

ترك الغضب:

والحلم لدى المفتي -كما بينَّا- يمنعه من أن تستخفه دواعي الغضب؛ فيكون مجافيًا له، متحمِّلا لجهالة وحماقة الآخرين، فلا يستفزه أحد، بل يكون مالكا لنفسه، صابرا على إساءة وجهل الآخرين، لا يقابل الإساءة بمثلها بل يُعرِض ويتجاوز عنها؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب))([45]).

و”لا يعرف الحلم إلا ساعة الغضب”([46]). فمن ملك نفسه كان حليمًا، ثابتًا على الحق، لا يستخفه أو يستفزه أحد، فإذا غضب المرء خرج طبعه عن حد الاعتدال؛ لغليان دم قلبه طلبًا للانتقام([47])، ولم يستوفِ رأيه وفكره الذي يتوصل به إلى إصابة الحق والصواب في الغالب؛ لذا قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا يقضينّ حكم بين اثنين وهو غضبان))([48]).

وقال سيدنا عمر بن الخطاب في رسالته المشهورة لأبي موسى رضي الله عنهما: “… وإياك والغضب، والقلق والضجر، والتأذي بالناس عند الخصومة، والتنكُّر، فإن القضاء في مواطن الحق يوجب الله له الأجر، ويحسن به الذخر”([49]). والمفتي والقاضي في هذا سواء.

وذلك لأن الغضب يمنع القاضي والمفتي من الاجتهاد وإعمال الفكر والنظر؛ وقد يُفوِّت على المفتي إدراك بعض الوقائع الهامة المتعلقة بالفتوى، وتنزيل الأحكام عليها، التي تستدعي منه الهدوء وإمعان النظر بتريث وهدوء وترك للغضب والضجر.

فإذا ما غضب المفتي وجب عليه التوقف عن الفتيا حتى يزول الغضب، وعليه ذكر الله تعالى والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم فإنها تُذهِب الغضب؛ وذلك “لأن الشيطان هو الذي يزين للإنسان الغضب وكل ما لا تُحمَد عاقبته؛ ليُرْدِيه ويغويه ويبعده من رضا الله تعالى، فالاستعاذة بالله تعالى منه من أقوى السلاح على دفع كيده”([50]).

ويلحق بالغضب كل حالة تغير خُلُقَ المفتي، وتَشْغَل قلبه، وتمنعه من التثبُّت والتأمل، كشِدّة حزن، أو غم، أو هم، أو خوف، أو فرح، أو جوع، أو عطش، أو ملل، أو نعاس، أو إرهاق أو تغيّر خلق، أو مرض شديد، أو حرّ مزعج، أو برد مؤلم، أو مدافعة الأخبثين أو أحدهما([51])، إلى نحو ذلك من الأحوال الّتي تمنع صحّة الفكر واستقامة الحكم، وتُخرِجُه عن حال الاعتدال، ومجانبة الصواب.

والمفتي هو أعلم بنفسه، فمتى أحس باشتغال قلبه وخروجه عن حد الاعتدال، أمسك عن الفتيا، فإن أفتى في شيء من هذه الأحوال وهو يرى أن ذلك لم يمنعه من إدراك الصواب، صحت فتياه، وإن خاطر بها([52]).

والقول بعدم الفتيا حال انشغال القلب والتغير حال استرشاد بالحديث السابق: ((لا يقضينّ حكم بين اثنين وهو غضبان))([53])، وقد ألحق العلماء بالغضب كل شيء يوجب تغيرًا كالجوع المفرط، والمرض الشديد، وغيرهما مما يخرج عن حد الاعتدال([54]).

قال النووي: “قال العلماء: ويلتحق بالغضب كل حال يخرج الحاكمُ فيها عن سداد النظر واستقامة الحال؛ كالشبع المفرط والجوع المقلق والهم والفرح البالغ ومدافعة الحدث وتعلق القلب بأمر ونحو ذلك، وكل هذه الأحوال يُكرَه له القضاء فيها خوفًا من الغلط فإن قضى فيها صح قضاؤه”([55]).

وإنما نبه صلى الله عليه وسلم “على الغضب؛ لأنه أكثر ما يعرض للحاكم؛ لأنه لا بُدَّ مع مراجعة العوامّ أن تقع منهم الهفوة وتسمعَ منهم الجفوة، فلهذا خُص بالذكر”([56]).

فكل واحد مما ذكر مشوش للذهن، حامل على الغلط([57]). فهي “في معنى الغضب المنصوص عليه، فتجري مجراه”([58]).

وقد روي عن شريح “أنه كان إذا غضب أو جاع قام، فلم يقض بين أحد”([59]). وكان الشعبي “يأكل عند طلوع الشمس، فقيل له. فقال: آخذ حلمي قبل أن أخرج إلى القضاء. ولا يقضي ناعسًا ولا مغمومًا” قال الشعبي: “وأي حال جاءت عليه مما يعلم أنها تغير عقله أو فهمه امتنع من القضاء فيها”([60]).

إذًا فالغضب يغير عقل المفتي، ويخرجه عن حد الاعتدال، ويلحق به كل ما يغير خُلُقَه، ويشغل قلبه وذهنه، ويمنعه من التثبت والتأمل، وعدم استيفاء رأيه وفكره فيما ينظر ويفتي به، والواجب عليه أن يتوقّف عن الإفتاء حتّى يزول ما به ويرجع إلى حال الاعتدال.

المطلب الرابع

الإنصاف وترك الميل في الفتوى

من الآداب والواجبات السلوكية التي ينبغي للمفتي مراعاتها: الإنصاف في الفتوى وترك الميل والهوى والانحلال فيها، وحمل المستفتين على الوسط بما يناسب كل واحد منهم من غير إفراط ولا تفريط، ولا محاباة أو مجاملة لأحد.

يقول الشاطبي: “إن المفتي البالغ ذروة الدرجة هو: الذي يحمل الناس على المعهود الوسط فيما يليق بالجمهور؛ فلا يذهب بهم مذهب الشدة، ولا يميل بهم إلى طرف الانحلال.

والدليل على صحة هذا المذهب أنه الصراط المستقيم الذي جاءت به الشريعة؛ لأن مقصد الشارع من المكلف هو الحمل على التوسط من غير إفراط ولا تفريط، فإذا خرج عن ذلك في المستفتين؛ خرج عن قصد الشارع، ولذلك كان ما خرج عن المذهب الوسط مذمومًا عند العلماء الراسخين، ثم أورد الأدلة على هذا المذهب من سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأضاف أن الميل إلى الرخص في الفتيا بإطلاق يكون مضادا للمشي على التوسط؛ كما أن الميل إلى التشديد مضاد له أيضا”([61]).

ومن ثَمَّ كان على المفتي أن يعالج حال المستفتين بالرخص التي سهل الله بها لعباده كإباحة المحظورات عند الضرورات، فإذا أدت العزيمة إلى الضيق كانت الرخصة أحب إلى الله من العزيمة؛ لقوله تعالى: {يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ} [البقرة: 185]، وقوله: {وَمَا جَعَلَ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلدِّينِ مِنۡ حَرَجٖ} [الحج: 78].

يقول الشاطبي: “وربما فهم بعض الناس أن ترك الترخص تشديد؛ فلا يجعل بينهما وسطا، وهذا غلط، والوسط هو معظم الشريعة وأم الكتاب، ومن تأمل موارد الأحكام بالاستقراء التام عرف ذلك”([62]).

وليحذر المفتي في فتواه أن يتحرى القول الذي يوافق هوى المستفتي؛ لأن اتباع الهوى ليس من الأمور التي يترخص بسببها للمستفتي؛ يقول الشاطبي محذرًا من ذلك: “واتباع الهوى ليس من المشقات التي يترخص بسببها، وأن الخلاف إنما هو رحمة من جهة أخرى، وأن الشريعة حمل على التوسط لا على مطلق التخفيف، وإلا؛ لزم ارتفاع مطلق التكليف من حيث هو حرج ومخالف للهوى، ولا على مطلق التشديد؛ فليأخذ الموفق في هذا الموضوع حذره؛ فإنه مزلة قدم على وضوح الأمر فيه”([63]).

فلا يجوز للمفتي “أن يتبع في فتواه غرضه ومشتهاه، أو يحابي بدين الله”([64])، قريبا أو صديقا، أو نحوهما، لجرِّ منفعة أو دفع مضرة إلى نحو ذلك، بل عليه أن يتجرد من الهوى؛ لأنه مخبر عن الله عز وجل، فإن أفتى بهواه موافقة لغرضه أو غرض من يحابيه كان متعديا مفتريا على الله تعالى؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلۡسِنَتُكُمُ ٱلۡكَذِبَ هَٰذَا حَلَٰلٞ وَهَٰذَا حَرَامٞ لِّتَفۡتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ لَا يُفۡلِحُونَ} [النحل: 116- 117].

قال ابن القيم: “فلا يجوز العمل والإفتاء في دين الله بالتشهي والتخير وموافقة الغرض فيطلب القول الذي يوافق غرضه وغرض من يحابيه فيعمل به، ويفتي به، ويحكم به، ويحكم على عدوه ويفتيه بضده، وهذا من أفسق الفسوق وأكبر الكبائر”([65]).

فإفتاء المفتي بما يشاء من الأقوال والوجوه من غير نظر في الترجيح لا يعتد به، كما أن الإفتاء بذلك القول بمجرد كونه قولًا قاله إمام معين أو وجها ذهب إليه جماعة، فيعمل بما يشاء من هذه الوجوه والأقوال حيث رأى هذا القول وفق إرادته وغرضه فعمل به، فإرادته وغرضه هو المعيار وبها الترجيح، فقد جهل وخرق الإجماع، وهو حرام باتفاق الأمة([66])، وسبيله سبيل الذي حكى عنه القاضي أبو الوليد الباجي المالكي عن بعض أهل زمانه ممن نصب نفسه للفتوى أنه كان يقول: “إن الذي لصديقي عَلَيَّ إذا وقعتْ له حكومة أو فتيا أن أفتيه بالرواية التي توافقه، وقال: وأخبرني من أثق به أنه وقعت له واقعة فأفتاه جماعة من المفتين بما يضره، وأنه كان غائبا فلما حضر سألهم بنفسه، فقالوا: لم نعلم أنها لك، وأفتوه بالرواية الأخرى التي توافقه، قال: وهذا مما لا خلاف بين المسلمين ممن يعتد بهم في الإجماع أنه لا يجوز”([67]).

فالواجب على المفتي إفتاء المستفتي وفقًا لكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، أو بما أجمع عليه الفقهاء، فإن كان السؤال أو الواقعة من المسائل المختلف فيها، أفتاه بما يؤديه إليه اجتهاد؛ ما دام أنه من أهل الاجتهاد، دون تتبُّع لحيل محظورة أو مكروهة أو “طلبًا للترخيص على من يروم نفعه، أو التغليظ على من يريد ضره، ومَنْ فعل ذلك فقد هان عليه دينه”([68]).

فعلى المفتي أن يحذر من أن يميل في فتواه مع المستفتي أو خصمه، ووجوه الميل في الفتوى كثيرة لا تخفى على أحد([69])، فمنها أن يكتب المفتي في جوابه ما هو له ويترك ما عليه. أو أن يذكر وجوه المخالص من الدعوى والبينات؛ بحيث يبين لأحد الأطراف ما تندفع به دعوته فيؤدي إلى إبطال حق الطرف الآخر([70]).

ومنها: أن المفتي “إذا جاءته مسألة فيها تحيُّل على إسقاط واجب أو تحليل محرم أو مكر أو خداع أن يعين المستفتي فيها، ويرشده إلى مطلوبه، أو يفتيه بالظاهر الذي يتوصل به إلى مقصوده”([71]).

ومن الميل في الفتوى أيضا اتباع أنواع التساهل المذموم شرعًا؛ يقول ابن الصلاح: “وقد يكون تساهله وانحلاله بأن تحمله الأغراض الفاسدة على تتبع الحيل المحظورة أو الكراهة، والتمسك بالشبه”([72]).

ومن الميل وترك الإنصاف، ترك حفظ الترتيب بين المستفتين والعدل بينهم في الجواب، فيميل إلى الأغنياء وذوي النفوذ ويقدم أجوبتهم على الفقراء.

بل الإنصاف وترك الميل: هو ترتيب دخول المستفتين على المفتي بحسب أسبقية الحضور، وترتيب النظر في الرقاع عند اجتماعها بحضرته فيقدم الأسبق فالأسبق، كما يفعله القاضي عند اجتماع الخصوم، -وذلك فيما يجب عليه فيه الإفتاء-، وعند التساوي، أو الجهل بالسابق يقدم بالقرعة، ويجوز له تقديم المرأة والمسافر الذي شد رحله، وفي تأخيره تخلفه عن رفقته على من سبقهما،        فإذا كثر المسافرون والنساء بحيث يلحق غيرهم من تقديمهم ضرر كبير فيعود المفتي إلى الأصل وهو التقديم بالأسبق أو القرعة، ثم لا يقدم من يقدمه إلا في فتيا واحدة([73]). وجاء في النهر الفائق: “وينبغي له -أي المفتي- أن يقدم أولًا من جاءه أولًا، ولا يقدم الشريف على الوضيع”([74]).

هذا وكما ذكر الفقهاء أن وجوه الميل في الفتوى كثيرة، لا تخفى على أحد، والأمثلة على ذلك كثيرة أيضا، ولو تطرقنا لعرضها لطال المقال؛ إذ إن كل ما جَانَبَ الصواب وخالف الشروط والآداب الموضوعة للفتوى، والتي نص عليها الفقهاء -السابق ذكرها في هذا الفصل- يعد ميلًا في الفتوى وتركًا للإنصاف فيها.

 

 

 

المطلب الخامس

الرفق وحسن التعامل

الرفق من الصفات الحميدة والآداب الحسنة التي يحبها الله سبحانه وتعالى؛ فعنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله))، وفي رواية أخرى: ((إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه))([75]). وأمرنا به على لسان نبيه سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في أحاديث كثيرة، منها: ((مَنْ يُحْرَم الرفق، يُحْرَم الخير كُلَّه))([76]). ومنها: ((إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه))([77]).

يقول الغزالي: “اعلم أن الرفق محمود، ويضاده العنف والحدة، والعنف نتيجة الغضب، والفظاظة والرفق واللين نتيجة حسن الخلق، ولا يحسن الخلق إلا بضبط قوة الغضب وقوة الشهوة وحفظهما على حد الاعتدال؛ ولأجل هذا أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرفق وبالغ فيه”، ثم ساق الغزالي أحاديثه صلى الله عليه وآله وسلم الواردة في الرفق([78]).

لذا كان من الآداب التي يجب على المفتي أن يتحلى بها هي صفة الرفق وحسن التعامل مع المستفتين، اقتداءً بسيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم؛ فبالرفق “تسهل الأمور، وبه يتصل بعضها ببعض، وبه يجتمع ما تشتت ويأتلف ما تنافر وتبدد، ويرجع إلى المأوى ما شذ، وهو مؤلف للجماعات، جامع للطاعات، ومنه أخذ أنه ينبغي للعالم إذا رأى من يخل بواجب أو يفعل محرمًا أن يترفق في إرشاده ويتلطف به؛ لما روي عن أبي أمامة ((أن شابًا أتى المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال له: ائذن لي في الزنا! فصاح الناس به فقال: ادن مني. فدنا، فقال: أتحبه لأمك؟ قال: لا، قال: فالناس لا يحبونه لأمهاتهم، أتحبه لابنتك؟ قال: لا، قال: فالناس لا يحبونه لبناتهم. حتى ذكر الزوجة والعمة والخالة، ثم دعا له، فلم يكن بعدُ شيء أبغضَ إليه من الزنا))([79]).

وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، أن أبا هريرة، قال: ((قام أعرابي فبال في المسجد، فتناوله الناس، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: دعوه وهريقوا على بوله سجلا من ماء، أو ذنوبًا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين))([80]).

يدل على ذلك أيضا حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: ((سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا: اللهم، من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم، فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم، فارفق به))([81]).

إذًا ينبغي على المفتي أن يكون رفيقًا في معاملته مع المستفتي؛ فإن ذلك من أسباب الفتح والخير عليه؛ لموافقة الحق والصواب فيما يفتي به، وعليه أيضا أن يكونا مراعيا لحالته، و”أن ينزل نفسه من المستفتي منزلة الطبيب من المريض الذي جاءه يلتمس العلاج لمرضه”([82])؛ فالمفتي كالطبيب، متخصص في حرفته مطلوب هو بعينه لداء بعينه؛ فكما أن الطبيب يحاول أن يتعرف على المرض وأسبابه، ويعطي العلاج للقضاء على هذا المرض، ويوجه المريض بإرشاداته ونصائحه التي ينبغي عليه اتباعها، فكذلك المفتي، يخبر المستفتي فيما نزل به، “بالعلاجات القرآنية والنبوية، والتوجيهات المستوحاة من شريعة الله التي جعلها شفاء ورحمة للمؤمنين”([83]).

فالمفتي إنما يتعامل مع أصناف متعددة من الناس تتنوع وتختلف درجات الفهم والإدراك لديهم، فينبغي لمن انتصب لهذا المنصب الرفيع أن يكون رفيقًا حليمًا لين القول معهم، مُعامِلًا كلَّ واحد بما يناسب طاقته وفهمه، مراعيًا مقدار الاستعداد لدى المستفتي لتفهُّم وتَقبُّل ما يلقيه إليه؛ جاء في النهر الفائق: “وفي (منية المفتي) يجب أن يكون المفتي حليمًا دَيِّنًا لين القول منبسط الوجه”([84]).

فإنَّ الشريعة الإسلامية وإن كانت وردت إلينا مُيسَّرة للفَهْم والعمل؛ إلا أن مستويات الأفهام والاستعدادات للتقبل والعمل مختلفة؛ فالبعض تكفيه الإشارة واللمحة، بذكر الآية القرآنية، أو الحديث النبوي الشريف، والبعض الآخر يحتاج إلى مزيد من التكرار والإيضاح، وضرب الأمثال، وبيان المصالح والمفاسد في الحال والمآل([85]).

فإذا كان المستفتي -على هذا الضرب الأخير- بعيد الفهم ضعيف الحال فينبغي للمفتي أن يكون رفيقًا به صبورًا عليه، حَسَنَ التأني في التفهُّم منه والتفهيم له، حسن الإقبال عليه، محتسبًا أجر ذلك عند المولى؛ يقول النووي: “إذا كان المستفتي بعيد الفهم، فليرفق به ويصبر على تفهُّم سؤاله وتفهيم جوابه، فإن ثوابه جزيل”([86]).

إذًا لا شك أن معرفة المفتي ما يناسب كل مستفتٍ هو أمر من الحكمة، سواء في طريقة التفهيم وإيصال الجواب له، أو فيما يحتاج من جواب؛ فربما تكون المسألة واحدة؛ ولكن تختلف الفتيا تبعًا لاختلاف المستفتين، وفي السُّنَّة أمثلة كثيرة لذلك، فقد سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أوقات مختلفة عن أفضل الأعمال، فكان يجيب بأجوبة متنوعة محمل تنوعها تنوع أحوال السائلين، ومن تلك الأجوبة([87]):

أفضل الأعمال: ((إيمان بالله ورسوله، ثم الجهاد في سبيل الله، ثم حج مبرور))([88]).

ومنها: ((الصلاة على وقتها، ثم بر الوالدين، ثم الجهاد في سبيل الله))([89]). والأحاديث في هذا باب كثيرة.

ومن الرفق بالمستفتي وحسن التعامل معه فتح أبواب الحلال له إن كان يسأل عن شيء حرام، مثل أن يسأل عن حكم أخذ الرشوة أو التعامل بالربا أو حكم بعض المعاملات المحرمة، فعلى المفتي أن يبين له الحكم، وينبغي عليه أن يوضح له وجوهًا أخرى يستطيع بها الاكتساب، ويفرق له ما بين الكسبين بعواقبهما الآجلة والعاجلة -وفي العموم أن المفتي إذا أفتى السائل بالمنع دلَّهُ على ما هو عوض له وبديل عنه-، وأن يترفق ويتلطف في إرشاده اقتداء به صلى الله عليه وسلم مع الشاب الذي رغب في الزنا وأراد أن يأذن له صلى الله عليه وآله وسلم([90]).

كما أنه لا يتعارض مع الرفق وحسن التعامل في بعض الأحيان، وجود نوع من الشدة في كلام المفتي بـ”انتهار السائل وزجره وتعريفه قبح ما أتاه، وأنه كان واجبا عليه -مثلا- البحث عن أهل للفتوى، وطلب مَنْ هو أهل لذلك”([91]). ونحو ذلك كما إذا كان الرفق واللين يوهن الحق ويدحضه؛ يقول القرافي: “وفي بعض الأحوال يتعين الإغلاظ والمبالغة في النكير، إذا كان اللين يوهن الحق ويدحضه”([92]).

إذًا فالأصل هو أن يجتهد المفتي في إيصال الجواب والفتيا للمستفتي بالتلطف والرفق معه، إن أمكن ذلك فهو الأولى والأفضل، فإذ توجب الأمر نوعًا من الحدة والشدة فلا مانع حينئذ، وعلى المفتي أن يسلك أقرب الطرق لرواج الصواب بحسب ما يتجه في تلك الحادثة([93]).

ويتجلى مما سبق أنه ينبغي أن يتحلى المفتي بصفة الرفق واللين والتلطف في القول والفعل مع المستفتين وغيرهم، وحسن التعامل معهم، وأن يكون متواضعًا بعيدًا عن التكبر والتفاخر، متصفًا بصفة الحلم والوقار -على النحو السابق بيانه-؛ إلا أنه ينبغي ألَّا يصل هذا الرفق واللين إلى درجة الضعف لدى المفتي؛ بل ينبغي أن يكون شديدًا في الحق في بيان الحكم الشرعي، رفيقًا لَيِّنًا من غير ضعف؛ لما روي عن سيدنا عمر بن الخطاب أنه قال: “لا يصلح لأمور الأمة إلا رجل قوي من غير عنف، ولين من غير ضعف، لا تأخذه في الله لومة لائم”([94]).

وقال الشافعي -في صفة القاضي-: “وأحب أن لا يكون القاضي جبارًا عسوفًا عَيِيًّا ولا ضعيفًا مهينًا”؛ قال الروياني معقبًا عليه: “لأنه إن كان جبارًا تهيبه الخصوم فلا يتمكنون من استيفاء حجتهم، وإن كان مهينًا ضعيفًا انبسطوا بين يديه واستخفوا به، ولكنْ يكون بين أمرين معتدل الأحوال وقورًا، كما وصف أبو بكر الصديق رضي الله عنه “شديد من غير عنف، ولَيِّن من غير ضعف”([95]). والقاضي والمفتي في هذا الحق سواء.

 

 

 

المطلب السادس

 المحافظة على أسرار المستفتين

حافظ الشرع الحنيف على الخصوصية الشخصية للأفراد، وكفل لهم حق المحافظة على أسرارهم، وعدَّها من ضمن الأمانات المؤتمن عليها؛ في قوله تعالى: {۞إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّواْ ٱلۡأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهۡلِهَا} [النساء: 58]، فيدخل في ذلك كل ما يجب حفظه ورعايته، من رد الودائع إلى أصحابها وعدم الغش وحفظ السر الذي يكره صاحبُه ظهورَه، ونحو ذلك مما يجب للأهل والأقربين وعامة الناس والحكام([96]). ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا حدَّث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة))([97]).

وفي فضح عورات الناس، وكشف أسرارهم الخاصة، من الأمور المحرَّمة شرعًا، والمجرَّمة قانونًا، بل هو كبيرة من كبائر الذنوب، وقبائح العيوب؛ لما يترتب عليه من أضرار شخصية، ومشكلات اجتماعية، وآثار نفسية سيئة وخيمة يصعب احتواؤها؛ نتيجة لمعرفة الناس بها وما تنطوي عليه من أسرار خاصة حَجَبَهَا أصحابُها لخصوصيتها. والأدلة متضافرة على وجوب حفظ أسرار الناس وصيانة، ما دام أنه مما يكره إفشاؤها.

لمَّا كان ذلك كان المفتي أحرى بأن يتحلى بأدب حفظ أسرار المستفتين، وعدم البوح بها؛ فالمفتي كالطبيب يطَّلِع على أسرار الناس وعوراتهم في الوقت الذي لا يطلع عليه أحد غيره، وقد يضرُّ بهم إفشاء أسرارهم، أو يعرضهم للأذى، فالواجب عليه كتمان أسرار المستفتين، ولئلا يحول إفشاؤه لها بين المستفتي وبين البوح بصوره الواقعة إذا عرف أن سره ليس في مأمن، وبالتالي ربما يقع خلل في تصوير الواقعة، يستتبعه خلل في التكييف، يؤدي إلى خطأ في تنزيل الحكم.

لذا فقد أطلقت بعض دُور الفتوى -ومنها دار الإفتاء المصرية- على شيوخها لقب “أمين الفتوى”؛ لأنه يعتبر أمينًا على الفتوى وأسرار المستفتين.

وعلى هذا فلا يجوز للمفتي إفشاء ما يتعلق بالأسئلة الشخصية، والتي لولا الاستفتاء لمعرفة الحكم الشرعي لم يبح المستفتي بها في الغالب؛ وذلك -إضافة لما ورد في النهي عن إفشاء الأسرار- لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن المستشار مؤتمن))([98]). ومنه يؤخذ “أن المستشار أمين فيما يُسأَل من الأمور، فلا ينبغي أن يخون المستشير بكتمان مصلحته”([99])، أو في حفظ ما استشاره وائتمنه عليه، فإن “أفشى سره أو لم يمحض له الرأي ولم يخلص له في النصيحة فقد خانه”([100]). فعلى المفتي استعمال الستر والكتمان فيما لا يحسن إظهاره([101]).

أما عن الأمور والأسئلة العامة التي يحسن إظهارها وليس فيها ضرر للمستفتي، ولا تعد من أسراره الشخصية، فلا بأس للمفتي من إظهارها، ولا شيء عليه في ذلك، كنحو تعليم وتدريب لغيره، أو مشاورة ثقة في فتوى أشكل عليه الجواب، إلى نحو ذلك.

وقد درجت دور وهيئات الإفتاء حول العالم -في ظل التطور التكنولوجي، وظهور الشبكة العنكبوتية “الإنترنت”- بتخصيص عدة مواقع لها على شبكة الإنترنت، يضم أحد هذه المواقع خدمة الفتاوى، والتي تعتني بنشر الفتاوى المتكررة والشاغلة للأذهان من واقع عملها اليومي، مجردة عن بيانات المستفتين.

كما عهدت بعض دُور ومؤسسات الفتوى حول العالم أيضًا بإعداد وإصدار موسوعات لها تضم في طياتها كمًّا هائلًا من تراثها من الفتاوى الصادرة عنها عبر الأزمان المختلفة لها، مجردة عن بيانات المستفتين، وبالأخص في المسائل الشخصية، وربما يرمز للسائل بعض الحروف الهجائية نحو: (ج، أ، م).

 

 

 

المطلب السابع

حُسْن الهيئة والسيرة

من الآداب التي ينبغي على المفتي المنتصب للفتوى التحلي بها هي حسن الهيئة؛ وذلك بأن يحسن زيه وملابسه، مع التقيد بالتوجيهات الشرعية في ذلك، فيراعي الطهارة والنظافة، وستر العورة، واجتناب الحرير والذهب والثياب التي تحتوي على شيء محرم، ولو لبس من الثياب العالية القيمة؛ لكان أدعى لقبول قوله؛ فإن لِحُسْنِ المظهر تأثيرًا على العامة([102]).

يقول القرافي: “ينبغي للمفتي: أن يكون حسَنَ الزِّيّ على الوضع الشرعي فإن الخَلْقَ مجبولون على تعظيم الصُّوَر الظاهرة، ومتى لم يَعظُم في نفوس الناس لا يقبِلون على الاهتداء به والاقتداء بقوله”([103]).

ومن المأثور عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه قال: “أحب إِليَّ أن أنظر القارئ أبيض الثياب”، قال القرافي معلقًا على ذلك: “أي ليَعظُم في نفوس الناس، فيعظم في نفوسهم ما لديه من الحق”([104]).

والمقصود هنا بالقارئ هو كلُّ حاملِ علم وفقه، والجمع قراء؛ إذ كان يطلق لفظ القراء في عهد الصحابة رضوان الله عليهم على حَمَلَةِ الفقه والعلم بصفة عامة([105]).

فعلى المفتي أن يجتهد أن يكون حسن الهيئة جميل المنظر، مرتديًا من الثياب أحسنها، مما يليق به؛ لأن الله تعالى يحب الجمال؛ وقد قال تعالى: {۞يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ} [الأعراف: 31]، و”لأنها مجامع الناس، وهنا يجتمع ما لا يجتمع في المساجد فهو أولى بالزينة”([106]).

ويقول ابن فرحون -في حق القاضي-: “وليجتهد أن يكون جميل الهيئة ظاهر الأبهة وقور المشية والجلسة حسن النطق والصمت، محترزا في كلامه من الفضول وما لا حاجة به، كأنما يعد حروفه على نفسه عَدًّا، فإن كلامه محفوظ وزللـه في ذلك ملحوظ، وليقلل عند كلامه الإشارة بيده والالتفات بوجهه، فإن ذلك من عمل المتكلفين وصنع غير المتأدبين، وليكن ضحكه تبسُّمًا ونظره فراسة وتوسُّمًا وإطراقه تفهُّمًا، ويكون أبدا مرتديا بردائه حسن الزي، وليلبس ما يليق به؛ فإن ذلك أهيب في حقه وأجمل في شكله وأدل على فضله وعقله، وفي مخالفة ذلك نزول وتبذُّل، وليلزم من الصمت الحسن والسكينة والوقار ما يحفظ به مروءته فتميل الهمم إليه ويكبر في نفوس الخصوم الجراءة عليه من غير تكبر يُظهِرُه ولا إعجاب يستشعره، فكلاهما شين في الدين وعيب في أخلاق المؤمنين”([107]). والمفتي في هذا كالقاضي.

كما ينبغي للمنتصب للفتوى أن يكون حسن السيرة والسريرة، -فمن أسرَّ سريرة كساه الله رداءها-؛ حتى يقتدي المستفتون به؛ قال تعالى حكاية عن سيدنا إبراهيم عليه السلام: {وَٱجۡعَل لِّي لِسَانَ صِدۡقٖ فِي ٱلۡأٓخِرِينَ} [الشعراء: 84]، قال العلماء: “معناه ثناء جميل حتى يقتدي بي الناس”([108]).

وحسن السيرة يتمثل في أن يجعل المفتي تصرفاته وأفعاله موافقة للشريعة، وأن يضبط أقواله بميزان الشرع الحنيف؛ فإنه “بمنصبه من البيان عن الله يكون قدوة للناس فيما يقول وفيما يفعل، فيحصل بفعله قدر عظيم من البيان ولا يكفي أن تكون أفعاله أفعال المقتصدين. بل ينبغي أن يكون سابقا مع السابقين؛ لأن الأنظار إليه مصروفة، والنفوس على الاقتداء موقوفة”([109]).

فالمفتي هو الموقِّع عن رب العالمين، القائم في الأمة مقام الأنبياء والمرسلين؛ لذا وجب عليه أن تكون أفعاله وأقواله مطابقة لفتياه، حتى إذا أفتى سُمِعَ قولُه، وإذا عمل اقتُدِي به، ومتى كان المفتي “متقيًا لله تعالى: وضع اللهُ البركة في قوله، ويَسَّرَ قبوله على مستمعه”([110])، وليحذر المفتي أن يندرج تحت قوله تعالى: {۞أَتَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبِرِّ وَتَنسَوۡنَ أَنفُسَكُمۡ وَأَنتُمۡ تَتۡلُونَ ٱلۡكِتَٰبَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ} [البقرة: 44]. وقوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفۡعَلُونَ٢ كَبُرَ مَقۡتًا عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لَا تَفۡعَلُونَ} [الصف: 2- 3]، وعليه فعلى المفتي أن يبدأ بنفسه في كل أمر يفتي به، فذلك أصل استقامة الخلق بفعله وقوله([111]).

والمُطالع للسنة النبوية وأفعال الصحابة ومن بعدهم من السلف الصالح، يجدهم حريصين على مطابقة أفعالهم لأقوالهم، سواء على أنفسهم أو أهل بيتهم:

فهذا سيد البشر سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، كانت أفعاله مطابقة لأقواله على الوفاق والتمام، من ذلك: أنه صلى الله عليه وآله وسلم لما نهى عن الربا قال: ((وأول ربا أضعه ربانا: ربا العباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله))([112]).

وقال حين شفع له في حد السرقة: ((والذي نفسي بيده؛ لو سرقت فاطمة بنت رسول الله لقطعت يدها))([113])، وهذا ظاهر في المحافظة على مطابقة القولِ الفعلَ بالنسبة إليه صلى الله عليه وآله وسلم وإلى قرابته، وأن الناس في أحكام الله سواء، والأدلة في هذا المعنى أكثر من أن تحصى([114])، فكذلك وجب على المفتي مطابقة القولِ العملَ.

وهذا سيدنا عمر بن الخطاب كان إذا نهى الناس عن شيء جمع أهل بيته فقال: “إني نهيت الناس كذا وكذا، وإن الناس لينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم، وايم الله لا أجد أحدا منكم فعله إلا أضعفت له العقوبة ضعفين”([115]).

وعن مطرف بن عبد الله، قال: “كان مالك بن أنس يعمل في نفسه بما لا يُلزِمُهُ الناس، ولا يفتيهم به، ويقول: لا يكون العالم عالما حتى يعمل في خاصة نفسه بما لا يُلزمُه الناس ولا يفتيهم به، بما لو تركه لم يكن عليه فيه إثمٌ”([116]).

لذا فإنه ينبغي على المفتي أن يكون أسوة حسنة للناس وللمستفتين، صادقًا مع نفسه فيما يقول، مطابقًا القول بالفعل؛ حتى يُقتَدَى بقوله ويُقتَدَى بفعله؛ وإلا فلا؛ لأن علامة صدق القول مطابقة الفعل، بل هو الصدق في الحقيقة عند العلماء، ولذلك قال تعالى: {رِجَالٞ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيۡهِ} [الأحزاب: 23]([117]).

فالواجب على المفتي أن يكون: قدوة لغيره، ذا استقامة حميدة، رفيقًا بهم، حسن التعامل معهم، حليمًا وقورًا ذا سكينة ومهابة، متوقيًا كل ما يشينه في دينه، أو يُخِلُّ من مروءته، أو يحط من منصبه وقامته -وهذا كله داخل في حسن السيرة-؛ “إذا العيون إليه مصروفة، ونفوس الخاصة على الاقتداء بهديه موقوفة”([118]).

 

 

 

([1]) إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، (4/ 152)، مرجع سابق.

([2]) موسوعة القواعد الفقهية، لمحمد صدقي بن أحمد بن محمد آل بورنو أبو الحارث الغزي، ط. مؤسسة الرسالة، بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى، سنة: 1424هـ- 2003م.

([3]) متفق عليه: أخرجه البخاري في “الصحيح”، واللفظ له، (1/ 6). ومسلم في “الصحيح”، (3/ 1515)، بلفظ: ((إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرئ ما نوى))، وهي رواية أخرى عند البخاري في “الصحيح”، (3/ 145).

([4]) الأشباه والنظائر، لابن نجيم، (ص: 17)، مرجع سابق.

([5]) أصول الفتوى والقضاء، لمحمد رياض، (ص: 244)، مرجع سابق.

([6]) إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، (4/ 198)، مرجع سابق.

([7]) ذكره أبو عبد الله أحمد بن حنبل في “الجامع لعلوم الإمام أحمد”، (5/ 124). وابن بطة في “إبطال الحيل”، (1/ 34). والقاضي أبو يعلى ابن الفراء، في “العدة في أصول الفقه”، (5/ 124).

باقي الخصال الأربعة المشترطة في المفتي: “وأما الثانية: فيكون عليه حلم ووقار وسكينة. وأما الثالثة: فيكون قويًّا على ما هو فيه وعلى معرفته. وأما الرابعة: فالكفاية، وإلا مضغه الناس. والخامسة: معرفة الناس”.

([8]) الفتوى في الشريعة الإسلامية، لسعد آل خنين، (1/ 135)، مرجع سابق.

([9]) ذكره ابن الصلاح في “أدب المفتي والمستفتي”، (ص: 82)، مرجع سابق. وابن حمدان في “صفة الفتوى”، (ص:11)، مرجع سابق. وابن مفلح في “الآداب الشرعية والمنح المرعية”، (2/ 63)، ط. عالم الكتب، (2/ 63).

([10]) إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، (2/ 122)، مرجع سابق.

([11]) أخرجها البيهقي في “السنن الكبرى”، (10/ 252). وأبو الفداء البصري في “مسند الفاروق”، (2/ 439).

([12]) إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، (4/ 198- 199)، مرجع سابق.

([13]) إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، (1/ 69)، مرجع سابق.

([14]) إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، (4/ 152- 153)، مرجع سابق.

([15]) رواه الخطيب البغدادي في “الفقيه والمتفقه”، (2/ 339).

([16]) إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، (4/ 153)، مرجع سابق.

([17]) وفي الحقيقة أن هذا المطلب -الاستعانة بالله والدعاء قبل الفتوى- هو استكمال للمطلب السابق -إخلاص النية لله سبحانه وتعالى-؛ حيث إنه تكملة له وعليه يبنى، فالنية مطلوبة أولًا يعقبها التوكل عليه بالدعاء وطلب التوفيق والسداد.

([18]) إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، (4/ 131)، مرجع سابق.

([19]) ذكره ابن القيم في “إعلام الموقعين عن رب العالمين”، (4/ 197- 198)، مرجع سابق. وأصله في مسلم، باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه، (1/ 534)، رقم (770). من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، قال: ((سألت عائشة أم المؤمنين، بأي شيء كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته إذا قام من الليل؟ قالت: كان إذا قام من الليل افتتح صلاته: اللهم رب جبرائيل… الحديث)).

([20]) أخرجه البيهقي في “المدخل إلى السنن الكبرى”، (ص: 439).

([21]) أدب الفتيا، للسيوطي، (ص: 98).

([22]) ذكره ابن الصلاح في “أدب المفتي والمستفتي”، (ص: 140- 141)، مرجع سابق. وابن حمدان في “صفة الفتوى”، (ص: 59)، مرجع سابق.

([23]) إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، (4/ 198)، مرجع سابق.

([24]) وزاد ابن الصلاح: “لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، سبحانك اللهم، وحنانيك اللهم، اللهم لا تَنسني ولا تُنسني، الحمد لله أفضل الحمد، اللهم صل على محمد وعلى آله وسائر النبيين، والصالحين، وسلم، اللهم وفقني واهدني وسددني، واجمع لي بين الصواب والثواب، وأعذني من الخطأ والحرمان آمين”. يراجع: “أدب المفتي والمستفتي”، لابن الصلاح، (ص: 140- 141)، مرجع سابق.

([25]) مرجع سابق، وينظر أيضا: أدب المفتي والمستفتي، لابن الصلاح، (ص: 140- 141)، مرجع سابق. وصفة الفتوى، لابن حمدان، (ص: 60)، مرجع سابق.

([26]) إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، (4/ 198)، مرجع سابق.

([27]) آداب الفتوى والمفتي والمستفتي، للنووي، (ص: 49).

([28]) أدب المفتي والمستفتي، لابن الصلاح، (ص: 141)، مرجع سابق. وصفة الفتوى، لابن حمدان، (ص: 60)، مرجع سابق.

([29]) صفة الفتوى، لابن حمدان، (ص: 60)، مرجع سابق.

([30]) الوابل الصيب من الكلم الطيب، لابن القيم، (ص: 76- 77)، ط. دار الحديث – القاهرة، رقم الطبعة: الثالثة، 1999م.

([31]) إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، (4/ 198)، مرجع سابق.

([32]) صفة الفتوى، لابن حمدان، (ص: 59)، مرجع سابق.

وإن كان قد ورد عن بعض السلف أنه كان يقول إذا أفتى: إن كان صوابا فمن الله وإن كان خطأ فمني، من ذلك ما ورد عن سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه في الكلالة أنه قال: “أقول فيها برأيي فإن كان صوابا فمن الله وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان والله ورسوله بريئان منه، الكلالة: من لا ولد له ولا والد”، وعبد الله بن مسعود في قصة بَرْوَع بنت واشق، إلا أن الفقهاء كرهوا ذلك في هذا الزمان؛ لأنه يُضعِف نفس السائل ويُدخِل قلبَه الشك. يراجع: مرجع سابق، والعدة في أصول الفقه، للفراء، (4/ 1301- 1358- 1585)، مرجع سابق.

([33]) سبق تخريجه.

([34]) إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، (4/ 153)، مرجع سابق.

([35]) ينظر: التقرير والتحبير، لابن الموقت، (3/ 341)، مرجع سابق.

([36]) إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، (4/ 153)، مرجع سابق.

([37]) إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، (4/ 153)، مرجع سابق.

([38]) أدب الدنيا والدين، للماوردي، (ص: 251)، ط. دار مكتبة الحياة، سنة 1986م.

([39]) ذكره الماوردي، في “أدب الدنيا والدين”، مرجع سابق. وهو مروي عن علي بن أبي طالب، وعن ابن عباس أيضًا. يراجع: جمل من أنساب الأشراف، لابن داود البَلَاذُري، ط. دار الفكر – بيروت، الطبعة: الأولى، سنة: 1417هـ- 1996م. وجامع الأحاديث، للسيوطي، (30/ 128).

([40]) تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي، (15/ 473)، مرجع سابق.

([41]) أدب الدنيا والدين، للماوردي، (ص: 251- 252)، ط. دار مكتبة الحياة، سنة 1986م.

([42]) إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، (4/ 153)، مرجع سابق.

([43]) أدب المفتي والمستفتي، لابن الصلاح، (ص: 82)، مرجع سابق. وصفة الفتوى، لابن حمدان، (ص 11)، مرجع سابق.

([44]) الفقيه والمتفقه، للبغدادي، (2/ 350)، مرجع سابق.

([45]) متفق عليه: أخرجه البخاري، (8/ 28). ومسلم، (4/ 2014).

([46]) الاستذكار، للقرطبي، (8/ 287)، مرجع سابق.

([47]) كشف المشكل من حديث الصحيحين، لابن الجوزي، لجمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، (2/ 14)، ط. دار الوطن- الرياض.

([48]) متفق عليه: أخرجه البخاري في “الصحيح”، واللفظ له، (9/ 65)، ومسلم في “الصحيح”، (3/ 1342).

([49]) سبق تخريجه هذه الرسالة.

([50]) شرح صحيح البخاري لابن بطال، (9/ 297)، ط. مكتبة الرشد – السعودية، الرياض، الطبعة: الثانية، سنة: 1423هـ- 2003م.

([51]) أدب المفتي والمستفتي، لابن الصلاح، (ص: 113)، مرجع سابق. وصفة الفتوى، لابن حمدان، (ص 34)، مرجع سابق.

([52]) أدب المفتي والمستفتي، لابن الصلاح، (ص: 113)، مرجع سابق. وصفة الفتوى، لابن حمدان، (ص 34)، مرجع سابق.

([53]) متفق عليه: أخرجه البخاري في “الصحيح”، واللفظ له، (9/ 65)، ومسلم في “الصحيح”، (3/ 1342).

([54]) كشف المشكل من حديث الصحيحين، لابن الجوزي، (2/ 14)، مرجع سابق. والعدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام، لابن العطار، (3/ 1566)، ط. دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان، الطبعة: سنة: الأولى، 1427هـ- 2006م.

([55]) شرح صحيح مسلم، للنووي، (12/ 15)، ط. دار إحياء التراث العربي- بيروت، الطبعة: الثانية، سنة: 1392هـ.

([56]) المُعْلم بفوائد مسلم، لأبي عبد الله محمد بن علي بن عمر التَّمِيمي المازري المالكي، (2/ 405)، ط. الدار التونسية للنشر- المؤسّسة الوطنية للكتاب بالجزائر، الطبعة: الثانية، سنة: 1988م، والجزء الثالث صدر بتاريخ 1991م.

([57]) والعدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام، لابن العطار، (3/ 1566)، ط. دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت- لبنان، الطبعة: سنة: الأولى، 1427هـ- 2006م.

([58]) المغني، لابن قدامة، (10/ 45)، مرجع سابق.

([59]) أخرجه البيهقي في “السنن الصغرى”، (4/ 128)، واللفظ له. وذكره ابن بطال في “شرح صحيح البخاري”، (8/ 226).

([60]) ذكره ابن بطال في “شرح صحيح البخاري”، مرجع سابق.

([61]) الموافقات، للشاطبي، (5/ 276- 278)، مرجع سابق.

([62]) الموافقات، للشاطبي، (5/ 278)، مرجع سابق.

([63]) مرجع سابق.

([64]) الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، لمحمد الحجوي الثعالبي الجعفري، (2/ 488)، ط. دار الكتب العلمية -بيروت- لبنان، الطبعة: الأولى – 1416هـ- 1995م.

([65]) إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، (4/ 162)، مرجع سابق.

([66]) أدب المفتي والمستفتي، لابن الصلاح، (ص: 125)، مرجع سابق. وصفة الفتوى، لابن حمدان، (1/ 41)، مرجع سابق. وإعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، (4/ 162)، مرجع سابق.

([67]) أدب المفتي والمستفتي، لابن الصلاح، (ص: 125)، مرجع سابق. وإعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، (4/ 162)، مرجع سابق. والفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، للثعالبي الجعفري، (2/ 489)، مرجع سابق.

([68]) أدب المفتي والمستفتي، لابن الصلاح، (ص: 111)، مرجع سابق.

([69]) ينظر: أدب المفتي والمستفتي، لابن الصلاح، (ص: 153)، مرجع سابق. والمجموع شرح المهذب، (1/ 41)، مرجع سابق.

([70]) ينظر: مرجع سابق.

([71]) إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، (4/ 176)، مرجع سابق.

([72]) أدب المفتي والمستفتي، لابن الصلاح، (ص: 111)، مرجع سابق.

([73]) أدب المفتي والمستفتي، لابن الصلاح، (ص: 153)، مرجع سابق. وصفة الفتوى، لابن حمدان، (1/ 67)، مرجع سابق.

([74]) النهر الفائق شرح كنز الدقائق، لابن نجيم، (3/ 599)، مرجع سابق.

([75]) أخرجها البخاري في “الأدب المفرد”، (1/ 166). ومسلم في “الصحيح”، (4/ 2003).

([76]) أخرجه مسلم في “الصحيح”، (4/ 2003). وأبو داود في “سننه”، (4/ 255)، واللفظ له.

([77]) أخرجه مسلم في “الصحيح”، (4/ 2003).

([78]) إحياء علوم الدين، للغزالي، (3/ 185)، ط. دار المعرفة- بيروت.

([79]) فيض القدير، للمناوي، (5/ 461)، مرجع سابق.

([80]) أخرجه البخاري، في “الصحيح”، (1/ 54).

([81]) سبق تخريجه.

([82]) الفتيا ومناهج الإفتاء، للأشقر، (ص: 64)، مرجع سابق.

([83]) مرجع سابق.

([84]) النهر الفائق شرح كنز الدقائق، لابن نجيم، (3/ 599)، مرجع سابق.

([85]) الفتيا ومناهج الإفتاء، للأشقر، (ص: 64)، مرجع سابق.

([86]) آداب الفتوى والمفتي والمستفتي، للنووي، (ص: 46)، مرجع سابق، وينظر أيضا: صفة الفتوى، لابن حمدان، (1/ 58)، مرجع سابق.

([87]) الفتيا ومناهج الإفتاء، للأشقر، (ص: 66)، مرجع سابق.

([88]) متفق عليه: أخرجه البخاري، (1/ 14). ومسلم، (1/ 88).

([89]) أخرجه البخاري في “الصحيح”، (1/ 112).

([90]) فيض القدير، للمناوي، (5/ 461)، مرجع سابق. والفتيا ومناهج الإفتاء، للأشقر، (ص: 72)، مرجع سابق.

([91]) المجموع، للنووي، (1/ 51)، مرجع سابق.

([92]) الإحكام في تمييز الفتاوى، للقرافي، (1/ 255)، مرجع سابق.

([93]) مرجع سابق.

([94]) بحر المذهب، للروياني، (11/ 87)، مرجع سابق. والبيان، للعمراني، (13/ 22)، مرجع سابق.

([95]) بحر المذهب، للروياني، (11/ 87)، مرجع سابق.

([96]) تفسير المراغي، لأحمد بن مصطفى المراغي، (5/ 70)، ط. مطبعة مصطفى البابي الحلبي، الطبعة: الأولى، سنة: 1365هـ- 1946م.

([97]) أخرجه أبو داود في “السنن”، (4/ 267)، والترمذي في “السنن”، (4/ 341)، وقال: هذا حديث حسن.

([98]) أخرجه البخاري في “الأدب المفرد”، (1/ 99). وابن ماجه في “السنن”، (2/ 1233). وأبو داود في “السنن”، (4/ 333). والترمذي في “السنن”، (4/ 422)، وقال: هذا حديث حسن. والحاكم في “المستدرك”، (4/ 145)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

([99]) شرح مشكاة المصابيح، للطيبي، (10/ 3225)، ط. مكتبة نزار مصطفى الباز (مكة المكرمة -الرياض)، الطبعة: الأولى، سنة: 1417هـ- 1997م.

([100]) الأدب النبوي، لمحمد عبد العزيز بن علي الشاذلي الخولي، (1/ 214)، ط. دار المعرفة- بيروت، الطبعة: الرابعة، سنة: 1423هـ.

([101]) إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، (4/ 197)، مرجع سابق.

([102]) الفتيا ومناهج الإفتاء، للأشقر، (ص: 60)، مرجع سابق.

([103]) الإحكام في تمييز الفتاوى، للقرافي، (1/ 253)، مرجع سابق.

([104]) الإحكام في تمييز الفتاوى، للقرافي، (1/ 253)، مرجع سابق.

([105]) أصول الفقه والقضاء، لمحمد رياض، (ص: 244)، مرجع سابق.

([106]) شرح منتهى الإرادات، للبهوتي، (3/ 496)، مرجع سابق.

([107]) تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، لابن فرحون، (1/ 32)، مرجع سابق.

([108]) الإحكام في تمييز الفتاوى، للقرافي، (1/ 253)، مرجع سابق.

([109]) الفتيا ومناهج الإفتاء، للأشقر، (ص: 61)، مرجع سابق.

([110]) الإحكام في تمييز الفتاوى، للقرافي، (1/ 256)، مرجع سابق.

([111]) مرجع سابق.

([112]) أخرجه مسلم في “الصحيح”، (2/ 886).

([113]) متفق عليه، أخرجه البخاري، (5/ 151)، أخرجه مسلم في “الصحيح”، (3/ 1315).

([114]) ينظر: الموافقات، للشاطبي، (5/ 268)، مرجع سابق.

ولقد أفاض الشاطبي في هذه الجزئية -مطابقة فعل المفتي لقوله، وذكر نماذج من فعله صلى الله عليه وسلم-، فيرجع إليها من أراد المزيد.

([115]) أخرجه ابن أبي شيبة في “مصنفه”، (6/ 199).

([116]) أخرجه الخطيب البغدادي في “الفقيه والمتفقه”، (2/ 339).

([117]) ينظر: الموافقات، للشاطبي، (5/ 268)، مرجع سابق.

ولقد أفاض الشاطبي في هذه الجزئية -مطابقة فعل المفتي لقوله، وذكر نماذج من فعله صلى الله عليه وسلم-، فيرجع إليها من أراد المزيد.

([118]) الإحكام في تمييز الفتاوى، للقرافي، (1/ 253)، مرجع سابق. وتبصرة الحكام، لابن فرحون، (1/ 32)، مرجع سابق.

اترك تعليقاً