البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

الفصل الثاني آداب المستفتي

المبحث الثاني الآداب السلوكية

76 views

تناولنا في المبحث السابق: “الآداب العلمية للمستفتي”، ونتناول في هذا المبحث “الآداب السلوكية للمستفتي”، والتي يمكن أن نجملها فيما يلي:

الأول: حِفْظ الأدب مع المفتي:

فشأن المسلم أن يكون مُؤدَّبًا مع خلق الله جميعًا: فالتحلي بالأخلاق والصفات الحميدة مما أمر به الشرع الشريف، وحضَّ عليه، يقول ابن القيم: “فصل: الأدب مع الخلق: وأما الأدب مع الخلق فهو معاملتهم -على اختلاف مراتبهم- بما يليقُ بهم، فلكلِّ مرتبة أدب، والمراتب فيها أدب خاص، فمع الوالدين أدب خاص، وللأب منهما أدب هو أخص به، ومع العالم أدب آخر، ومع السلطان أدب يليق به، وله مع الأقران أدب يليق بهم، ومع الأجانب أدب غير أدبه مع أصحابه وذوي أنسه، ومع الضيف أدب غير أدبه مع أهل بيته.

ولكل حال أدب: فللأكل آداب، وللشرب آداب، وللركوب والدخول والخروج والسفر والإقامة والنوم آداب، وللبول آداب، وللكلام آداب، وللسكوت والاستماع آداب.

وأدب المرء عنوان سعادته وفلاحه، وقلة أدبه عنوان شقاوته وبواره.

فما استجلب خير الدنيا والآخرة بمثل الأدب، ولا استجلب حرمانهما بمثل قلة الأدب… وانظر أدب الصديق رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة أن يتقدم بين يديه، فقال: ما كان ينبغي لابن أبي قحافة أن يتقدَّم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. كيف أورثه مقامه والإمامة بالأمة بعده؟! فكان ذلك التأخُّرُ إلى خلفه -وقد أومأ إليه أن اثبت مكانك- جمزًا، وسعيًا إلى قدام، بكل خطوة إلى وراء مراحل إلى قدام تنقطع فيها أعناق المطي”([1]).

وقد نصَّ الكثير من العلماء على أنه ينبغي على المستفتي أن يحفظ الأدب مع المفتي؛ لأن مقام المفتي هو التبليغُ عن رب العالمين، فوجب لزامًا على المستفتي أن يتأدب مع من هذا مقامه: يقول العلامة ابن الصلاح: “ينبغي للمستفتي أن يحفظ الأدب مع المفتي، ويبجله في خطابه وسؤاله، ونحو ذلك، ولا يومئ بيده في وجهه، ولا يقول له: ما تحفظ في كذا وكذا؟ وما مذهب إمامك الشافعي في كذا وكذا؟

ولا يقل إذا أجابه: هكذا قلت أنا، أو كذا وقع لي، ولا يقل له: أفتاني فلان، أو أفتاني غيرك بكذا وكذا، ولا يقل إذا استفتى في رقعة: إن كان جوابك موافقًا لما أجاب فيها فاكتبه، وإلا فلا تكتب، ولا يسأله وهو قائم، أو مستوفز، أو على حالة ضجر، أو هم به، أو غير ذلك مما يشغل القلب، ويبدأ بالأسن الأعلم من المفتين، وبالأولى فالأولى”([2]).

كما أنَّ الفقهاء والمفتين بمثابة الهداة للأمة؛ وذلك لأنهم بالأخص المعنيون بتبليغ الأحكام الشرعية، وتوضيح الحلال من الحرام، فهم كما قال الإمام أحمد: “يدعون من ضلَّ إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، ويحيون بكتاب الله تعالى الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه؟! وكم من ضالٍّ تائه قد هدوه؟! فما أحسنَ أثرَهم على الناس”([3]).

وتَأدُّب المستفتي أمام المفتي ليس لمجرد أنه عالم فحسب؛ بل لأن الشرع الشريف قد أوجب علينا أن نتأدَّبَ مع هؤلاء الفقهاء والمفتين؛ لأن منزلتهم عظيمة، ويوضح تلك المنزلةَ العظيمة والمكانةَ الرفيعة العلامةُ ابن القيم بقوله: “فقهاء الإسلام، ومن دارت الفتيا على أقوالهم بين الأنام، الذين خصوا باستنباط الأحكام، وعنوا بضبط قواعد الحلال والحرام، فهم في الأرض بمنزلة النجوم في السماء، بهم يهتدي الحيران في الظلماء، وحاجة الناس إليهم أعظمُ من حاجتهم إلى الطعام والشراب، وطاعتهم أفرض عليهم من طاعة الأمهات والآباء بنص الكتاب، قال الله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلًا} [النساء: 59]، قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في إحدى الروايتين عنه وجابر بن عبد الله والحسن البصري وأبو العالية وعطاء بن أبي رباح والضحاك ومجاهد في إحدى الروايتين عنه: أولو الأمر هم العلماء، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد”([4]).

والتأدب مع العلماء هو دأب الصالحين مع مشايخهم الذين يجب أن نقتدي بهم، ويشير إلى ذلك الإمام الرازي في تفسيره لقوله تعالى حكاية عن قول سيدنا موسى عليه السلام للخضر عليه السلام: {قَالَ لَهُۥ مُوسَىٰ هَلۡ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰٓ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمۡتَ رُشۡدٗا} [الكهف: 66]: “اعلم أن هذه الآيات تدلُّ على أن موسى عليه السلام راعى أنواعًا كثيرة من الأدب واللطف عندما أراد يَتَعَلَّمَ مِنَ الخضِرِ.

فأحدها: أنه جعل نفسه تبعًا له لأنه قال: {هَلۡ أَتَّبِعُكَ} [الكهف: 66].

وثانيها: أنه استأذن في إثبات هذه التَّبَعِيَّةِ، فإنه قال: هل تأذن لي أن أجعل نفسي تبعًا لك، وهذا مبالغة عظيمة في التواضع.

وثالثها: أنه قال: {عَلَىٰٓ أَن تُعَلِّمَنِ} [الكهف: 66]. وهذا إقرار له على نفسه بالجهل وعلى أستاذه بالعلم.

ورابعها: أنه قال: {مِمَّا عُلِّمۡتَ} [الكهف: 66]، وصيغة مِنْ للتبعيض، فطلب منه تعليم بعض ما علمه الله، وهذا أيضًا مشعر بالتواضع؛ كأنه يقول له: لا أطلب منك أن تجعلني مساويًا في العلم لك، بل أطلب منك أن تعطيني جزءًا من أجزاء علمك، كما يطلب الفقير من الغني أن يدفع إليه جزءًا من أجزاء ماله.

وخامسها: أن قوله: {مِمَّا عُلِّمۡتَ} [الكهف: 66] اعترافٌ بأن الله عَلَّمَهُ ذلك العلم.

وسادسها: أن قوله: {رُشۡدٗا} [الكهف: 66] طلب منه للإرشاد والهداية، والإرشاد هو الأمر الذي لو لم يحصل لحصلت الغواية والضلال.

وسابعها: أن قوله: {تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمۡتَ} [الكهف: 66] معناه أنه طلب منه أن يعامله بمثل ما عامله الله به، وفيه إشعار بأنه يكون إنعامك عليَّ عند هذا التعليم شبيهًا بإنعام الله تعالى عليك في هذا التعليم، ولهذا المعنى قيل: أَنَا عَبْدُ مَنْ تَعَلَّمْتُ مِنْهُ حَرْفًا.

وثامنها: أن المتابعة عبارة عن الإتيان بمثل فعل الغير لأجل كونه فعلًا لذلك الغير…، فقوله: {هَلۡ أَتَّبِعُكَ} [الكهف: 66] يدل على أنه يأتي بمثل أفعال ذلك الأستاذ لمجرد كون ذلك الأستاذ آتيًا بها، وهذا يدلُّ على أن المتعلم يجب عليه في أول الأمر التسليم وترك المنازعة والاعتراض.

وتاسعها: أن قوله: {أَتَّبِعُكَ} [الكهف: 66] يدل على طلب متابعته مطلقًا في جميع الأمور غير مقيد بشيء دون شيء.

وعاشرها: أنه ثبت بالأخبار أن الخضر عرف أولًا أنه نبي بني إسرائيل، وأنه هو موسى صاحب التوراة، وهو الرجل الذي كلَّمه الله عز وجل من غير واسطة، وخصَّه بالمعجزات القاهرة الباهرة، ثم إنه عليه السلام مع هذه المناصبِ الرفيعة والدرجات العالية الشريفة أتى بهذه الأنواع الكثيرة من التواضع؛ وذلك يدلُّ على كونه عليه السلام آتيًا في طلب العلم بأعظم أنواع المبالغة، وهذا هو اللائق به؛ لأن كل من كانت إحاطته بالعلوم أكثر كان علمه بما فيها من البهجة والسعادة أكثر، فكان طَلَبُه لها أشدَّ، وكان تعظيمُه لأرباب العلم أكْملَ وأشدَّ.

والحادي عشر: أنه قال: {هَلۡ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰٓ أَن تُعَلِّمَنِ} [الكهف: 66] فأثبت كونه تبعًا له أولًا، ثم طلب ثانيًا أن يعلمه، وهذا منه ابتداء بالخدمة، ثم في المرتبة الثانية طلب منه التعليم.

والثاني عشر: أنه قال: {هَلۡ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰٓ أَن تُعَلِّمَنِ} [الكهف: 66]، فلم يطلب على تلك المتابعة على التعليم شيئًا، كأن قال: لا أطلب منك على هذه المُتَابَعَةِ المال وَالجَاهَ، وَلَا غَرَضَ لِي إلا طلب العلم”([5]).

 

 

 

الثاني: حُسْن عرض السؤال على المفتي:

ويكون ذلك بالتزام المستفتي الأدب والرفق في مخاطبة المفتي: فلا يلح عليه ولا يتعجله في الرد على السؤال: فعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه يقول: ((إني لفي القوم عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إذ قَامَتِ امْرَأَةٌ فقالت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنها قد وهبت نفسها لك، فَرَ فيها رأيَك، فلم يجبها شيئًا، ثم قامت فقالت: يا رسول الله، إنها قد وهبت نفسها لك، فَرَ فيها رأيك، فلم يجبها شيئًا، ثم قامت الثالثة فقالت: إنها قد وهبت نفسها لك، فَرَ فيها رأيَك، فقام رجل فقال: يا رسول الله أَنْكِحْنِيهَا، قال: هل عندك من شيء؟ قال: لا، قال: اذهب فاطلب ولو خاتمًا من حديد، فذهب فطلب، ثم جاء فقال: ما وجدت شيئًا ولا خاتمًا من حديد، فقال: هل معك من القرآن شيء؟ قال: معي سورة كذا وسورة كذا، قال: اذهب فقد أنكحتكها بما معك من القرآن))([6]). يقول العلامة ابن حجر في شرح الحديث: “وفيه أن طالب الحاجة لا ينبغي له أن يلح في طلبها، بل يطلبها برفق وتأنٍّ، ويدخل في ذلك طالب الدنيا والدين من مستفتٍ وسائلٍ وباحثٍ عن علم”([7]).

فلا يصحُّ أن يعرض المستفتي مسألته على المفتي دون رفق، بل ينبغي على المستفتي أن يتلطَّف مع المفتي، ويرفق به، ويخاطبه بما يعظمه ويجله، ويديم له الدعاء، فإن ذلك خيرُ سبيلٍ إلى بلوغ أغراضه، وينقُل العلامة الذهبي عن العلماء في هذا المقام قولهم: “‌أدب ‌السائل ‌أنفعُ من الوسائل”([8]).

فينبغي على المستفتي أن يحسن عرْضَ السؤال على المفتي، يقول الإمام ابن عبد البر: “وروينا عن وهب بن منبه وسليمان بن يسار أنهما قالا: حسن المسألة نصف العلم، والرفق ‌نصف ‌العيش”([9]).

ومن صور حُسْن عَرْض السؤال على المفتي: أن لا ينادي المفتي باسمه مجردًا: يا فلان! أو يناديه من بعيد من غير ضرورة، بل يجب عليه أن ينزله منزلته فيقول مثلًا: يا شيخنا… ونحو ذلك من ألفاظ الأدب؛ يقول العلامة الخطيب البغدادي -عن أدب الطالب مع شيخه-: “فينبله في الخطاب ‌ويبجله في الألفاظ، ولا تكون مخاطبته له كمخاطبته أهل السوق وأفناء العوام، فقد قال الله تعالى: {لَّا تَجۡعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيۡنَكُمۡ كَدُعَآءِ بَعۡضِكُم بَعۡضٗا} [النور: 63]، وهذا أصل في أن يميز ذو المنزلة بمنزلته، ويفرق بينه وبين من لم يلحق بطبقته”([10])، وهذا كان دأب العلماء وطريقتهم في التعامل مع شيوخهم، فهذا الإمام الكبير العلامة الحافظ علي بن المديني رحمه الله يصف شيخه الإمام أحمد بن حنبل بقوله: “أمرني ‌سيدي ‌أحمد بن حنبل أن لا أحدث إلا من كتاب”([11]).

ويقول بدر الدين ابن جماعة: “وينبغي أن لا يخاطب شيخه بتاء الخطاب وكافه، ولا يناديه مِنْ بُعْدٍ، بل يقول: يا سيدي ويا أستاذي. وقال الخطيب: يقول: أيها العالم، وأيها الحافظ، ونحو ذلك، وما تقولون في كذا؟ وما رأيكم في كذا؟ وشبه ذلك، ولا يسميه في غيبته أيضًا باسمه إلا مقرونًا بما يشعر بتعظيمه كقوله: قال الشيخ أو الأستاذ كذا، وقال شيخنا، أو قال حجة الإسلام، أو نحو ذلك”([12]).

ومن جملة الأدب أيضًا: الدعاء للمفتي عند عرض المسألة عليه: فمن الأدب أن يدعوَ المستفتي للمفتي أو الفقيه بقوله مثلًا: رحمك الله، أو وفقك الله، ونحو ذلك من صيغ الدعاء؛ يقول العلامة الخطيب البغدادي -فيما ينبغي أن يقوله المستفتي في عرض مسألته على المفتي-: “ما تقول رضي الله عنك أو رحمك الله أو وفقك الله؟ ولا يحسن في هذا: ما تقول؟ رحمنا الله وإياك، بل لو قال: ما تقول رحمك الله ورحم والديك؟ كان أحسن.

وإن أراد مسألة جماعة من الفقهاء قال: ما تقولون رضي الله عنكم؟ أو ما يقول الفقهاء سددهم الله في كذا؟ ولا ينبغي أن يقول: أفتونا في كذا، ولا: ليُفْتِ الفقهاء في كذا، فإن قال: ما الجواب؟ أو ما الفتوى في كذا؟ كان قريبًا. وحكي أنَّ فتوى وردت من السلطان إلى أبي جعفر محمد بن جرير الطبري لم يكتب له الدعاء فيها، فكتب الجواب في أسفلها: لا يجوز، أو كتب: يجوز ولم يزد على ذلك، فلما ‌عادت ‌الرقعة إلى السلطان ووقف عليها، علم أن ذلك كان من أبي جعفر الطبري للتقصير في الخطاب الذي خوطب به، فاعتذر إليه”([13]).

ومن صور حُسْن عَرْض السؤال على المفتي: عدم اقتحام المستفتي مجلس المفتي دون استئذان، فمن الأدب أن يستأذن المستفتي بالدخول على المفتي، ثم يعرض عليه مسألته بعد أن يأذن له المفتي ويتهيأ للجواب له، فقد ذكر الخطيب البغدادي أنه لما دخل ربيعة على الوليد بن يزيد وهو خليفة، قال: ‌يا ‌ربيعة ‌حدثنا، قال: ما أحدث شيئًا، قال: فلما خرج من عنده قال: ألا تعجبون من هذا الذي يقترح عليَّ كما يقترح على المغنية: حدثنا يا ربيعة”([14]).

ومن صور حُسْن عَرْض السؤال على المفتي: التواضع أمام المفتي وعدم التكبُّر عليه، فينبغي للمستفتي مهما كانت مكانته الاجتماعية أو العلمية أن يتواضعَ أمام المفتي والعالم، ويسأله بأدب واحترام؛ يروي العلامة أبو عبد الرحمن السلمي بسنده: “جاء فتى إلى سفيان بن عيينة من خلفه فحيَّاه وقال: ‌يا ‌سفيان، ‌حدثني. فالتفت سفيان فقال: يا فتى، إنه من جهل أقدار الرجال فهو بقدر نفسه أجهل”([15]).

لذا لا يصحُّ أن يتعالى المستفتي في سؤاله المفتي، أو أن يتكبر عليه؛ لأنه مثلًا ذو مكانة اجتماعية ونحو ذلك، فالصواب أن الإنسان كلما ارتفعت مكانتُه كان ذلك أدْعَى إلى تقديره للرجال وإنزالهم منزلتهم واحترامهم؛ يروي العلامة الحافظ الذهبي عن حمدان بن الأصبهاني، قال: “كنت عند شريك، فأتاه بعض ولد المهدي، فاستند، فسأله عن حديث، فلم يلتفت إليه، وأقبل علينا، ثم أعاد، فعاد بمثل ذلك، فقال: كأنك تستخفُّ بأولاد الخليفة. قال: لا، ولكنَّ العلم أزْيَنُ عند أهله من أن تضيعوه. قال: ‌فجثا ‌على ‌ركبتيه، ثم سأله، فقال شريك: هكذا يطلب العلم”([16]).

ومن صور حُسْن عَرْض السؤال على المفتي: عدم الانشغال باللهو والضحك في مجلس الفتوى، فمن الآداب التي ينبغي أن يُراعِيَها المستفتي عدمُ الضحك دون سببٍ أمام المفتي، أما التبسُّم في وجه المفتي فهذا أمرٌ محمودٌ، بل يُعدُّ من الآداب المحمودة، ويروي الخطيب البغدادي بسنده عن عبد الرحمن بن عمر، قال: “ضحك ‌رجل في مجلس عبد الرحمن بن مهدي، فقال: من ضحك؟ فأشاروا إلى رجل، فقال: تطلب العلم وأنت تضحك، لا حدثتكم شهرًا”([17]).

ومن صور حُسْن عَرْض السؤال على المفتي: أن يكون السؤال عَمَّا ينفع المستفتي، فينبغي على المستفتي أن يكون سؤالُه للمفتي حول ما يعودُ عليه بالنفع في دينه أو دنياه، وذلك بأن يعرض عليه شؤونه في العبادات والمعاملات، أما السؤال عما لا نفْعَ فيه في حياته وآخرته، فلا يصحُّ السؤالُ عن ذلك؛ لأنَّ فيه تضييعًا لوقت المفتي، وإشغالًا لذهنه دون فائدة، ولنا في قول الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما لتلميذه ومولاه عكرمة أسوة؛ فقد أرشده إلى قاعدةٍ مهمة في أمر الفتوى، وذلك حين أمره أن يفتيَ الناسَ، فقال له: “انْطَلِقْ فَأَفْتِ النَّاسَ، فمن سَأَلَكَ عَمَّا يَعْنِيهِ فَأَفتِه، وَمَنْ سَأَلَكَ عَمَّا لَا يَعْنِيه فَلَا تُفْتِه، فإنك تطرح عني ثُلُثَي مَؤُونَةِ الناس”([18]).

ولا يصحُّ في هذا الصدد أن يكون السؤالُ من المستفتي عَمَّا يستحيل وقوعه: فينبغي على المستفتي ألَّا يسألَ المفتي عن الأمور التي لا تحدث غالبًا، أو يستحيل وقوعها؛ لأن في ذلك مضيعةً للوقت دون فائدة: يقول العلامة ابن حجر العسقلاني في شرحه لحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إن الله حرَّم عليكم عقوق الأمهات، ومنعًا وهات، ووأد البنات، وكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال))([19])، “وَثَبتَ عن جمعٍ من السَّلفِ كراهة تكلف المسائل التي يستحيل وقوعها عادة أو ‌يندر ‌جدًّا، وإنما كرهوا ذلك لما فيه من التنطُّع والقول بالظن؛ إذ لا يخلو صاحبُه من الخطأ”([20]).

وذكر القاضي عياض أنَّ شَخصًا سأل الإمام مالكًا عن رجل وطئ دجاجة ميتة فخرجت منها بيضة فأفقست البيضة عنده عن فرخ أيأكله؟ فقال مالك: سل عمَّا يكون، ودَعْ ما لا يكون. وسأله آخر عن نحو هذا، فلم يجبه. فقال له: لِمَ لَمْ تجبني يا أبا عبد الله؟ فقال له: لو سألتَ عما تنتفع به أجبتك”([21]).

وينبغي الابتعادُ عن كثرة الأسئلة التي قد تؤدي إلى الوقوع في الحرج والمشقَّة على السائل: فينبغي على المستفتي ألَّا يبحثَ عن الأمور التي لا يحتاج إلى السؤال عنها، فقد يوقعُه ذلك في الحَرَج والعَنَت والمشقَّة؛ فقد سأل بعض الصحابة رضي الله عنهم النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم بعض الأسئلة التي قد توقعهم في الحرج، فغضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لذلك، فقد أخرج الإمام مسلم بسنده عن الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه: أنه سمع رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم، واختلافهم على أنبيائهم))([22]). يقول الإمام النووي في شرح الحديث: “باب توقيرِه صلى الله عليه وسلم وترْكِ إكثارِ سؤاله صلى الله عليه وآله وسلم عما لا ضرورةَ إليه، أو لا يتعلَّق به تكليف، وما لا يقع، ونحو ذلك: مقصودُ أحاديثِ الباب أنه صلى الله عليه وآله وسلم نهاهم عن إكثار السؤال، والابتداء بالسؤال عما لا يقع، وكره ذلك لمعانٍ منها:

– أنه ربما كان سببًا لتحريمِ شيءٍ على المسلمين، فيلحقهم به المشقة، وقد بيَّن هذا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الأول: ((أعظم المسلمين جُرمًا من سأل عن شيءٍ لم يحرم على المسلمين، فحرم عليهم من أجل مسألته)).

– ومنها أنه ربما كان في الجواب ما يكرهه السائل ويسوؤه، ولهذا أنزل الله تعالى في ذلك قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَسۡ‍َٔلُواْ عَنۡ أَشۡيَآءَ إِن تُبۡدَ لَكُمۡ} [المائدة: 101]، كما صرح به في الحديث في سبب نزولها.

– ومنها أنهم ربما أحْفَوْهُ صلى الله عليه وآله وسلم بالمسألة، والحفوة: المشقة والأذى، فيكون ذلك سببًا لهلاكهم”([23]).

 

 

الثالث: عدم مطالبة المفتي بالدليل:

لم يختلف العلماءُ في وجوبِ الاستفتاء على العامي فيما يحتاج إلى معرفته من الأحكام الشرعية، لكنهم اختلفوا: هل يقلد المستفتي المفتي؛ أي يقبل فتواه دون دليلٍ، أم يطالبه بدليل الفتوى؟ وذلك على عدَّة آراء، وهي على النحو التالي:

1- فمنهم من أوجب التقليد: وذهبوا إلى أنه لا ينبغي للمستفتي العاميِّ أن يطالبَ المفتي بالدليل على ما أفتاه به، يقول العلامة ابن الصلاح: “لا ينبغي للعامي أن يطالبَ المفتي بالحُجَّة فيما أفتاه به، ولا يقول له: لِمَ وكيف؟ فإن أحبَّ أن تسكن نفسه بسماع الحجة في ذلك، سأل عنها في مجلسٍ آخرَ، أو في ذلك المجلس بعد قبول الفتوى مجرَّدةً عن الحجة. وذكر السمعاني أنه لا يمنع من أن يطالب المفتي بالدليل لأجل احتياطه لنفسه، وأنه يلزمه أن يذكر له الدليل إن كان مقطوعًا به، ولا يلزمه ذلك إن لم يكن مقطوعًا به لافتقاره إلى اجتهاد يقصر عنه العامي. والله أعلم بالصواب”([24]).

وقال الإمام النووي معقبًا على قول السمعاني: “والصواب الأول”([25])، أي لا ينبغي للمستفتي العامي أن يطالبَ المفتي بالدليل، بل الواجبُ عليه أن يقبلَ الفتوى مجردةً من الدليل؛ لأنه قد يقصر فهْمُه عن استيعاب الدليل.

وقال الإمام الخطيب البغدادي: “وليس ينبغي للعامي أن يطالبَ المفتي بالحجة فيما أجابه به، ولا يقول: لِمَ ولا كيف؛ قال الله سبحانه وتعالى: {فَسۡ‍َٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} [النحل: 43] وفرَّق تبارك وتعالى بين العامَّة وأهلِ العلم، فقال: {قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ} [الزمر: 9]، فإن أحبَّ أن تسكن نفسه بسماع الحجة في ذلك سأل عنها في زمانٍ آخر، ومجلس ثانٍ، أو بعد قبول الفتوى من المفتي مجردة”([26]).

2- ومنهم من أوجب المطالبة بالدليل: وأنه لا حَرَجَ على المستفتي في طَلَبِ ذِكْرِ الدليل من المفتي على فتواه، يقول ابن القيم: “ينبغي للمفتي أن يَذكرَ دليلَ الحكم ومأخذه ما أمكنه من ذلك، ‌ولا ‌يلقيه ‌إلى ‌المستفتي ‌ساذجًا مجردًا عن دليله ومأخذه؛ فهذا لضيق عطنه، وقلة بضاعته من العلم، ومن تأمَّل فتاوى النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي قولُه حجة بنفسه رآها مشتملةً على التنبيه على حكمة الحكم ونظيره، ووجه مشروعيته، وهذا كما سُئل عن بيع الرطب بالتمر، فقال: ((أينقص الرطب إذا جف؟)) قالوا: نعم، فزجر عنه. ومن المعلوم أنه كان يعلم نقصانه بالجفاف، ولكن نبههم على علة التحريم وسببه”.

ثم قال أيضًا: “فينبغي للمفتي أن ينبه السائلَ على علَّة الحكم ومأخذه إن عرف ذلك، وإلَّا حرم عليه أن يفتيَ بلا علم”([27]).

وذكر أيضًا أن ذكر الفتوى مع دليلها أولى: فقال: “‌عاب ‌بعضُ ‌الناس ‌ذِكْرَ ‌الاستدلال ‌في ‌الفتوى، وهذا العيبُ أولى بالعيب، بل جمال الفتوى وروحها هو الدليل… وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا سُئل أحدُهم عن مسألة أفتى بالحجة نفسها، فيقول: قال الله كذا، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كذا…، فيشفي السائل…، ثم جاء التابعون والأئمَّة بعدهم فكان أحدهم يذكرُ الحكم ثم يستدلُّ عليه…، ثم طال الأمد وبعد العهد بالعلم، وتقاصرت الهمم إلى أن صار بعضهم يجيبُ بنعم أو لا فقط، ولا يذكر للجواب دليلًا ولا مأخذًا…، ثم نزلنا درجة أخرى إلى أن وصلت الفتوى إلى عيب من يفتي بالدليل وذمه، ولعله أن يحدث للناس طبقة أخرى لا يدرى ما حالهم في الفتاوى، والله المستعان”([28]).

3- ومنهم مَن فَصَّل بين كون المستفتي فقيهًا أم عاميًّا: فإذا كان المستفتي فَقيهًا فلا حَرَجَ أن يذكر المفتي له الدليل، وإذا كان عاميًّا فلا يذكر له الدليل([29])؛ يقول العلامة الخطيب البغدادي: “ولم تَجْرِ العادة أن يذكر في الفتوى طريق الاجتهاد ولا وجه القياس والاستدلال، اللهم إلا أن تكون الفتوى تتعلَّق بنظرِ قاضٍ أو حاكم، فيومئ فيها إلى طريق الاجتهاد، ويلوح بالنكتة التي عليها رد الجواب، أو يكون غيره قد أفتى فيها بفتوى غلط فيما عنده، فيلوح للمفتي معه ليقيم عذره في مخالفته، أو لينبه على ما ذهب إليه، فأما من أفتى عاميًّا فلا يتعرض لشيء من ذلك”([30]).

وقال الإمام النووي: “ليس بمنكرٍ أن يَذْكُرَ المُفْتِي فِي فَتْوَاهُ الحُجَّةَ إذا كانت نصًّا واضحًا مختصرًا، قال الصَّيمَرِيُّ: ‌لا ‌يذكر ‌الحجة ‌إن ‌أفتى ‌عاميًّا، ‌ويذكرها ‌إن ‌أفتى ‌فقيهًا، كمن يسأل عن النكاح بلا ولي، فحَسَنٌ أن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا نكاح إلا بولي))، أو عن رجعة المطلقة بعد الدخول، فيقول له: رجعتها، قال الله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ}”([31]).

4- ومنهم من فصَّل بين كون الدليل نصًّا شرعيًّا ظاهرًا وواضحًا ومقطوعًا به، وكون الدليل خفيًّا: فإذا كان الدليل نصًّا شرعيًّا ظاهرًا وواضحًا ومقطوعًا به، فيجوز أن يذكره للمستفتي العامي، وإذا كان الدليل خفيًّا فيحتاج إلى إمعان النظر والاجتهاد لفهمه ومعرفته، فلا ينبغي أن يذكره للمستفتي العامي([32]).

قال العلامة ابن الصلاح: “‌ليس ‌بمنكرٍ ‌أن ‌يذكرَ ‌المفتي ‌في ‌فتواه ‌الحجة إذا كانت نصًّا واضحًا مختصرًا، مثل أن يسأل عن عدة الآيسة، فحسنٌ أن يكتب في فتواه: قال الله تبارك وتعالى: {وَٱلَّٰٓـِٔي يَئِسۡنَ مِنَ ٱلۡمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمۡ إِنِ ٱرۡتَبۡتُمۡ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَٰثَةُ أَشۡهُرٖ} [الطلاق: 4]. أو يسأل: هل يطهر جلد الميتة بالدباغ؟ فيكتب: نعم يطهر، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أيما إهاب دبغ فقد طهر)). وأما الأقيسة وشبهها فلا ينبغي له ذِكْرُ شيءٍ منها”([33]).

ويمكننا بعد عرْضِ هذه الآراء أن نخلص إلى أنَّه:

– لا يجب على المستفتي أن يطالبَ المفتي ابتداءً بذكر الدليل، خاصَّة إذا كان المستفتي عاميًّا؛ إذ الأدلةُ تحتاجُ إلى نَظَرٍ وَطُرقٍ للاستنباط وقواعدَ يدركها المتخصصون، ويصعب على العامة استيعابها لعدم تخصصهم فيها.

– أما إذا لم يكن المستفتي عاميًّا، بل كان من جملة أهل العلم والمعرفة، فإنه يحتاج لذكر الدليل حتى يعرف وجه الصواب في المسألة، وتطمئن نفسه إلى الجواب؛ قال العلامة ابن الصلاح: “وذكر السمعاني أنه لا يمنع من أن يُطالبَ المفتي بالدليل لأجل احتياطه لنفسه، وأنه يلزمه أن يذكر له ‌الدليل إن كان مقطوعًا به، ولا يلزمه ذلك إن لم يكن مقطوعًا به لافتقاره إلى اجتهاد يقصر عنه العامي، والله أعلم بالصواب”([34]).

– بالنسبة لصياغة الفتوى المُؤصَّلة: فإنه يجب على المفتي أن يذكرَ الدليل في صياغتها؛ لأنَّه ركنٌ من أركانها، فلا يصحُّ أن يصيغَ الفتوى دون ذكر الدليل في أثنائها؛ لأن الفتوى المؤصلة بصفة خاصة يخاطب بها المستفتي الذي يُعدُّ من أهل العلم من الفقهاء والمفتين، حتى يقوموا بمناقشتها وفهمها والإفتاء بموجبها إذا رجحت لديهم: يقول العلامة النووي: “ليس بمنكرٍ أن يذكرَ المفتي في فتواه الحُجَّة إذا كانت نصًّا واضحًا مختصرًا، ‌قال ‌الصَّيمَريُّ: ‌لا ‌يذكر ‌الحجة ‌إن ‌أفتى ‌عاميًّا، ويذكرها إن أفتى فقيهًا”([35]).

 

فذكر دليل الحكم هنا له جملة منافع، منها:

  • إيضاح أبعاد الفتوى؛ إذ إنَّ المبنى إذا عُرِف أساسه تحددت سعة البناء بذلك.
  • إمكان القياس عليها إذا وقع له أو لغيره واقعة مشابهة لها([36]).

 

 

 

الرابع: تَجنُّب المستفتي امتحان المفتي وإحراجه على الملأ

 فلا يصحُّ بحالٍ للمستفتي أن يغالطَ المفتي في سؤاله: والمغالطةُ عبارة عن سؤال المستفتي في المسائل التي يُقصد بها تعنِيت المفتي وإحراجه أمام الآخرين، أو وضعه في مَأْزق ما؛ فقد أخرج الإمام ابن عبد البر بسنده عن معاوية رضي الله عنه قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الأغلوطات)) فسَّره الأوزاعي قال: يعني صعابَ المسائل([37]). وقد أخرج هذا الحديثَ أيضًا الإمامُ أبو داود في “سننه”([38]) حيث قال الإمام الخطابي في شرحه له: “‌‌ومن باب توقي الفتيا… وقد روي أنه نهى عن الأغلوطات، قال الأوزاعي: هي شرار المسائل. والأغلوطات واحدها أغلوطة وزنها أفعولة من الغلط؛ كالأحموقة من الحُمق، والأسطورة من السطر، فأما الغلوطات فواحدها غلوطة: اسم مبني من الغلط؛ كالحلوبة والركوبة من الحلب والركوب.

والمعنى أنه نهى أن يُعترض العلماءُ ‌بصعاب ‌المسائل التي يكثر فيها الغلط ليُستزلوا بها ويُسْتَسْقَط رأيهم فيها.

وفيه كراهية التعمُّق والتكلُّف كما لا حاجة للإنسان إليه من المسألة، ووجوب التوقُّف عمَّا لا علم للمسؤول به، وقد روينا عن أُبي بن كعب: أن رجلًا سأله عن مسألةٍ فيها غموضٌ، فقال: هل كان هذا بعدُ؟ قال: لا، فقال: أمهلني إلى أن يكون. وسأل رجلٌ مالك بن أنس عن رجلٍ شرب في الصلاة ناسيًا، فقال: ولم لم يأكل ثم؟! قال: حَدَّثنا الزهري عن علي بن حسين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ من حُسْن إسلامِ المرءِ تَرْكَه ما لا يعنيه))([39]).

وينبغي على المستفتي أن يسألَ فيما يحتاج إليه دون تعنُّت مع المفتي: فالواجب أن يسألَ المستفتي عن الأمور التي يحتاجُ إلى معرفة الحكم الشرعي فيها، ويبتعدَ عن مغالطة المفتي والتعنُّت معه، فهذا من سوء الأدب المنهي عنه: فعن سعيد بن بشير قال: كان مالك إذا سُئل عن مسألة يظنُّ أن صاحبَها غيرُ متعلم، وأنه يريد المغالطة -أي يظن أنه يريد المغالطة والتشكيك والجدل والتعنت، ولا يقصد الاستفهام ولا الرغبة في العلم- فكان الإمام مالك يزجره بهذه الآية: {وَلَلَبَسۡنَا عَلَيۡهِم مَّا يَلۡبِسُونَ} [الأنعام: 9]([40]).

كما أنَّ تكلُّف المستفتي في سؤاله للمفتي يكون سببًا لحرمانه بركة العلم: فالواجب على المستفتي أن يسأل عما ينفعُه دون تكلُّف، فالتكلُّف خُلقٌ ذميمٌ، وليس من دأب الصالحين: فقد أخرج الإمام ابن عبد البر بسنده، عن الربيع بن خثيم أنه قال: “يا عبد الله، ما علمك الله في كتابه من علم فاحمد الله، وما استأثر عليك به من علم فَكِلْهُ إلى عالِمِه، ‌ولا ‌تتكلَّفْ؛ فإن الله عز وجل يقولُ لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلۡ مَآ أَسۡ‍َٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ أَجۡرٖ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86]”([41]).

وقال الإمام الأوزاعي رحمه الله: “إذا أراد الله عز وجل ‌أن ‌يحرم ‌عبده ‌بركة ‌العلم ألقى على لسانه الأغاليط”([42]).

وتَعنُّت المستفتي في سؤاله للمفتي دليلٌ على سوء الخلق، وعاقبته وخيمة: فقد وصف العلماء من يتعنَّت ويغالط الفقيهَ أو المفتي أو العالم بشرار الناس: يقول الإمام الحسن البصري رحمه الله: “إنَّ شرارَ عبادِ الله الذين يجيؤون بشرار المسائل يُعَنِّتُون بها عبادَ الله”([43]).

وينبغي على المستفتي أن يتعلم كيفية السؤال: فلا يصحُّ أن يتصنَّع المستفتي الأسئلة، ويتخيَّلَ بعضَ المسائل حتى يختبرَ بها المفتي: فعن مالك بن أنس رضي الله عنه قال: جاء ابن عجلان إلى زيد بن أسلم، فسأله عن شيء، فخلط عليه، فقال له زيد: اذهب فتعلم كيف تسأل، ‌ثم ‌تعالَ ‌فَسَلْ([44]).

وكان ابن سيرين رحمه الله إذا سئل عن مسألة فيها أغلوطة قال للسائل: أمسكها حتى تسأل عنها أخاك إبليس([45]).

وينبغي على المستفتي ألَّا تكون أسئلته مَدْعاة للسخرية: بل الواجب على المستفتي أن تكون أسئلته وَاقعيَّة، وليس من باب اللهو والضحك: فقد ذكر الإمام أبو البركات الغزي: “أن رجلًا سأل الإمام الشعبي عن المسح على اللحيَّةِ، فقال: ‌خللها ‌بأصابعك، فقال الرجل: أخاف ألا تَبُلَّها. قال الشعبي: إن خفت فانقعها من أول الليل.

وسأله آخر: هل يجوزُ للمحرم أن يحُكَّ بدنه؟ قال: نعم، قال: مقدار كم؟ قال: حتى يبدو العظم. وروي في حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((تسحروا ولو بأن يضع أحدكم أصبعه على التراب ثم يضعها في فيه((، فقال رجل: أي الأصابع؟ فتناول الشعبي إبهام رجله وقال: هذه!

وسئل عن أكل لحم الشيطان، فقال: نحن نرضى منه بالكفاف. وقال له رجل: ما اسم امرأة إبليس؟ فقال: ذاك نكاحٌ ما شهدناه”([46]).

وعلى المستفتي في هذا الصدد عدم توجيه السؤال من للمفتي إلا بعد استئذانه: ينبغي على المستفتي أن لا يسألَ حتى يأذنَ له الفقيهُ أو المفتي في السؤال، يروي العلامة الخطيب البغدادي بسنده عن محمد بن عبد الله بن المطلب الشيباني يقول: تقدمت إلى أبي بكر بن مجاهد لأقرأ عليه، فتقدم إليه رجل وافر اللحية، كبير الهامة، فابتدأ ليقرأ، فقال: ترفق يا خليلي، سمعت محمد بن الجهم السمري يقول: سمعت الفراء يقول: أدب النفس ثم أدب الدرس، فإن أعجلته حاجة خشي فواتها بتأخيرها سأل من سبقه أن يهب له سبقه، ويسامحه في القراءة قبله([47]).

فيلزم المستفتي أن يستأذن على المفتي في سؤاله، ولا يحرجه بأن يدخل عليه ويسأله فورًا، بل الواجب أن يجلس المستفتي بين يدي المفتي متأدبًا بسكون وتواضع، ولا يعطي المفتي جنبه أو ظهره، فالعلم لا يُنال إلا بالتواضُع وإلقاء السمع، يقول الإمام الشافعي رحمه الله: “لا يطلب أحد هذا العلم بالملك وعز النفس فيفلح، ولكن من طلبه بذل النفس وضيق العيش وخدمة العلماء أفلح”([48]).

وعلى المستفتي أيضًا الحذر من الجدال مع المفتي: ينبغي على المستفتي أن يحذر من الإثقال على المفتي والجدال معه وإضجاره: فعن إسماعيل بن موسى بن بنت السدي قال: “دخلنا إلى مالك بن أنس ونحن جميعًا من أهل الكوفة، فحدثنا بسبعة أحاديث، فاستزدناه، فقال: من كان له دين فلينصرف، ‌فانصرفت ‌جماعة، وبقيت جماعة أنا فيهم، ثم قال: من كان له حياء فلينصرف ‌فانصرفت ‌جماعة، وبقيت جماعة أنا فيهم، ثم قال: من كانت له مروءة فلينصرف، ‌فانصرفت ‌جماعة، وبقيت جماعة أنا فيهم، فقال: يا غلمان افقؤوهم -أي أخرجوهم- فإنه لا بُقْيَا على قومٍ لا دين لهم، ولا حياء، ولا مروءة”([49]).

وعلى المستفتي أيضًا عدم تكرار سؤال سبق أن أجابه المفتي عنه وأفهمه إياه: ينبغي على المستفتي ألَّا يكررَ سؤال ما يعلمه، ولا استفهام ما يفهمه، فإنه بذلك يضيع وقت المفتي، يقول العلامة الخطيب البغدادي: “‌‌وليتقِ إعادة الاستفهام لما قد فهمه، وسؤال التكرار لما قد سمعه وعلمه؛ فإن ذلك يؤدي إلى إضجار الشيوخ…، قال: أبو عمر الحوضي: رأيت شعبة بن الحجاج أقام عفان من مجلسه مرارًا؛ من كثرة ما يكرر عليه”([50]).

على أنَّ جِدَال المستفتي فيما يفهمه مع المفتي يعدُّ من الرياء: ينبغي على المستفتي أن يحذرَ من الوقوع في الرياء وحُب الظهور المنهي عنه شرعًا، وذلك عن طريق مجادلة المفتي، وكثرة سؤاله فيما سبق له معرفته وفهمه، قال الإمام وكيع رحمه الله: “من استفهم وهو يفهم فهو ‌طرف ‌من ‌الرياء”([51]).

وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًّا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه))([52]). يقول العلامة العظيم آبادي في شرح الحديث: “المراء: أي الجدال كسرًا لنفسه كيلا يرفع نفسه على خصمه بظهور فضله”([53]).

الخامس: تَفهُّم المستفتي صمت المفتي:

فصمت المفتي وتجاهلُه بعضَ المواقف يكون جوابًا في بعض الأحيان: فينبغي على المستفتي أن يتفهَّمَ صمتَ المفتي، فلا يصحُّ أن يُلِحَّ عليه بالتصريح برأيه في المسألة، فقد تكون وجهة نظر المفتي أنَّ التصريح برأيه وقوله في تلك المسألة قد يكون داعيًا إلى فساد البعض؛ فعن الربيع بن سليمان قال: “كان الشافعي يرى أن الصناع لا يضمنون إلا ما جَنَتْ أيديهم، ولم يكن يظهر ذلك كراهية أن يجترئ الصُّناع”([54]).

وصمْتُ المفتي أحيانًا يكون سببُه عدمَ فهم السؤال بشكل جيد، أو عدم حضور صاحب السؤال: فينبغي على المستفتي أن يصبرَ على الجواب، ويعطي المفتي فرصةً لفهم السؤال بشكل جيد حتى يخرج الجواب على وجه الصواب؛ يقول العلامة ابن الصلاح: “إذا لم يفهم المفتي السؤال أصلًا، ولم يحضر صاحب الواقعة، فعن القاضي أبي القاسم الصيمري الشافعي رحمه الله: أن له أن يكتب: يزاد في الشرح لنجيب عنه، أو لم أفهم ما فيها فأجيب عنه. وقال بعضهم: لا يكتب شيئًا أصلًا.

قال: ورأيتُ بعضهم كتب في مثل هذا: يحضر السائل لنخاطبه شفاهًا. وإذا اشتملت الرقعة على مسائل فهم بعضها دون بعض، أو فهمها كلها ولم يرد الجواب عن بعضها، أو احتاج في بعضها إلى مطالعة رأيه أو كتبه، سكت عن ذلك البعض، وأجاب عن البعض الآخر. وعن الصيمري: أنه يقول في جوابه: فأما باقي المسائل فلنا فيه نظر، أو يقول: مطالعة، أو يقول: زيادة تأمل”([55]).

وصمْتُ المفتي أحيانًا يكون سببُه عدم التأكُّد من صورة المسألة: فينبغي على المستفتي أن ينتظر ما سيقرره المفتي، ويراعي تفصيله الذي يفيده في جوابه عن تلك المسألة؛ يقول العلامة ابن حمدان: “وإذا فهم من السؤال صورة وهو يحتمل غيرها فلينص عليها في أول جوابه، فيقول: إن كان قد قال كذا وكذا أو فعل كذا وكذا وما أشبه هذا فالحكمُ كذا وكذا، وإلَّا فكذا”([56]).

وصمْتُ المفتي أحيانًا يكون سببُه عدم درايته بالمسألة: فينبغي على المستفتي أن يتقبل سكوت المفتي، ولا يتجرَّأ عليه بسبب عدم إجابته على سؤاله؛ يقول العلامة ابن حمدان: “وسئل الشافعي رحمه الله عن مسألة فسكت، فقيل: ألا تجيب؟ فقال: حتى أدري الفضل في سكوتي أو في الجواب، وقال الأثرم: سمعت الإمام أحمد يُستفتَى فيكثر أن يقولَ: لا أدري، وذلك فيما عرف فيه الأقاويل، وقال: من عرض نفسه للفتيا فقد عرضها لأمر عظيم إلا أنه قد تلجئ الضرورة، وقيل له: أيهما أفضل: الكلام أو الإمساك؟ فقال: الإمساك أحبُّ إليَّ إلَّا لضرورة”([57]).

وصمْتُ المفتي أحيانًا يكون سببُه الخوف أن يكون جوابه فيه رخصة لارتكاب المحرم: فينبغي على المستفتي أن لا يحزن من عدم رد المفتي عليه؛ يقول العلامة ابن حمدان: “وقال سحنون صاحب المدونة: أشقى الناس من باع آخرته بدنياه، وأشقى منه من باع آخرته بدنيا غيره، ففكرتُ فيمن باع آخرته بدنيا غيره فوجدته المفتي؛ يأتيه رجل قد حنث في امرأته ورقيقه، فيقول له: لا شيء عليك، فيذهب الحانث فيتمتع بامرأته ورقيقه، وقد باع المفتي دينه بدنيا هذا”([58]).

كما أنَّ صمت المفتي أحيانًا يكون بسبب سؤال المستفتي فيما لا يصحُّ السؤال عنه: فينبغي على المستفتي أن يحسن السؤال، ويتخيَّرَ الأسلوب الراقي المؤدب مع المفتي: يقول ابن شبرمة: “إنَّ من المسائلِ مسائلَ لا يجمْلُ بالسائل أن يسأل، ولا بالمسؤول أن يجيب”([59]).

على أنَّ كثرة سؤال المستفتي للمفتي في كل كبيرة وصغيرة فيه نوع من سوء الأدب، واعتداء على مكانته، وشغله بما لا يليق بمنزلته: فينبغي على المستفتي أن لا يسأل إلا فيما فيه ضرورة، ويليق أن يسأل فيه من الأمور التي يحتاج إلى معرفتها من المفتي، وليس في كل ما يعرض على ذهن المستفتي من سفاسف الأمور: فعن مالك بن أنس رضي الله عنه قال: “إن من إذَالةِ العَالم أن يُجيبَ كلَّ من كَلَّمَه، أو يجيب كل من سأله”([60]).

وصمْتُ المفتي يكون في بعض الأحيان بسبب عدم المنفعة من الجواب: فينبغي على المستفتي أن يسألَ عما ينفعُه في دينه ودنياه، وألَّا يشغلَ وقتَ المفتي بما لا فائدةَ فيه: فقد روي أن رجلًا جاء إلى الإمام مالك فسأله عن مسألة، فلم يجبه، فقال له: يا أبا عبد الله، ألا تجيبني عما أسألك عنه؟ فقال له مالك: لو سألت عما تنتفع به، أو قال: تحتاج إليه في دينك أجبتك([61]).

وقد يكون صمته في بعض الأحيان تأديبًا لمن يكثر السؤال بلا داعٍ، فينبغي على المستفتي أن يكونَ في حاجة حقيقية إلى معرفة جواب ما يسأل عنه، ولا يكثر من سؤال المفتي في كل ما يخطر على باله: يقول العلامة الخطيب البغدادي: وحمقى الناس يسألون بجهلهم عن جميع ما يعرض في قلوبهم، كما أخبرنا ابن الفضل القطان بقراءتي عليه عن أبي بكر محمد بن الحسن النقاش قال: أخبرنا أحمد بن الحارث قال: أخبرنا جدي عن الهيثم بن عدي عن عبد الله بن عياش قال: جلس الشعبي على باب داره ذات يوم، فمرَّ به رجل فقال له: أصلحك الله، إني كنت أصلي فأدخلت أصبعي في أنفي فخرج عليها دم، فما يرى القاضي أحتجم أم أفتصد؟ فرفع الشعبي يديه وقال: الحمد لله الذي نقلنا من الفقه إلى الحجامة([62]).

وقد يكون صمت المفتي في بعض الأحيان لخفاء وجه الصواب عنه في تلك المسألة: فينبغي على المستفتي أن يراعيَ ذلك، فيسأل من هو أعلمُ أو أدْرى منه في تلك المسألة؛ يقول العلامة الخطيب البغدادي: “باب ما جاء في الإحجام عن الجواب إذا خفي على المسؤول وجه الصواب: قال الله تعالى: {وَفَوۡقَ كُلِّ ذِي عِلۡمٍ عَلِيمٞ} [يوسف: 76]، فإذا سئل المفتي عن حُكم نازلةٍ، فأشكل عليه، وهناك من هو عارف به، لزمه أن يرشد السائل إليه، ويدله عليه، كما أخبرنا علي بن القاسم بن الحسن البصري قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن إسحاق المادرائي، قال: أخبرنا عباس بن محمد الدوري وعلي بن إبراهيم -يعني الواسطي- واللفظ لعلي بن إبراهيم قال: أخبرنا يزيد -هو ابن هارون- عن الحجاج عن الحكم عن القاسم بن مخيمرة عن شريح بن هانئ قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن المسح على الخفين، فقالت: سل عليًّا؛ فإنه أعلمُ مني بهذا، وقد كان يسافرُ مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: فسألت عليًّا فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((ثلاثة أيام ولياليهن -يعني: للمسافر- وللمقيم يومًا وليلة)) فإن لم يكن هناك مَنْ يستفتى غيره لزمه الإمساكُ عنه وترك الجواب فيه ما لم يتضح له؛ فإن الله تعالى يقول: {وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡ‍ُٔولٗا} [الإسراء: 36]”([63]).

السادس: عدم إقحام المفتين في معارك لم يكونوا طَرَفًا فيها:

فلا يصحُّ بحالٍ أن يسأل المستفتي المفتي عن أفْقَهِ الناس: فليس من الأدب بعد جواب المفتي على سؤال المستفتي أن يسأله المستفتي عمن هو أعْلمُ منه، ما دام قد أجابه جوابًا شافيًا وواضحًا: فعن سعد بن إبراهيم قال: قيل له: من أفْقهُ أهل المدينة؟ قال: أتقاهم لربه عز وجل([64]).

كما لا يصحُّ أن يطيل المستفتي جدال المفتي إلا لغرض الإيضاح: فالمجادلة دون سبب ملجئ لذلك تكون عبثًا وإساءةَ أدبٍ من المستفتي تجاه المفتي، أما إذا كان الغرضُ منها معرفة وجه الصواب، خاصَّة في تلك المسائلِ التي يتعدَّد فيها أقوال المفتين في البلد الواحد والصورة الواحدة، فتكون المجادلة هنا بِنِيَّةِ معرفة الحق، وليس لغرض إحراج المفتي وإقحامه في معاركَ لا طائلَ من ورائها سوى ضياعِ الوقت؛ يقول العلامة الخطيب البغدادي: “ويخلصُ النية في جداله بأن يبتغي به وجه الله تعالى…، فعن علقمة بن وقاص يقول: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرئ ما نوى))، وليكن قصْدُه في نظره إيضاح الحق وتثبيته دون المغالبة للخصم…، فعن علي بن إشكاب قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبا يوسف يقول: “يا قوم أريدوا بعلمكم الله عز وجل؛ فإني لم أجلسْ مجلسًا قطُّ أنوي فيه أن أتواضعَ إلَّا لم أقم حتى أعلوهم، ولم أجلسْ مجلسًا قطُّ أنوي فيه أن أعلُوَهم إلَّا لم أقم حتى أفتضح”([65]).

ولا يصحُّ أيضًا أن يحتجَّ المستفتي في رد قول المفتي بقول مفتٍ آخر: فالمستفتي العامي لا يدري أي أقوال المفتين هو الصواب، فلا يجوز له أن ينكرَ على أحدِ المفتين قولَه لمجرَّد أنه مخالفٌ لهواه، ولا أن يواجه المفتي الذي أفتاه بخلاف هواه بقولِ مفتٍ آخرَ يوافق قولُه هوى المستفتي، بل يعدُّ ذلك من الأمور التي نصَّ العلماء على أنها غيرُ جائزة شرعًا، يقول العلامة ابن الصلاح: “كل من لم يبلغ رتبة الاجتهاد من الفقهاء وأرباب سائر العلوم، ووجهه أنه لو جاز له اتباعُ أي مذهب شاء لأفضى إلى أن يلتقط رُخَص المذاهب مُتبعًا ‌هواه، ومتخيرًا بين التحريم والتجويز، وفي ذلك انحلالُ ربقة التكليف”([66]).

وينبغي أن يَعْلَم المستفتي أنَّ اختلاف أقوال المفتين فيه رحمة: يقول ابن تيمية: “الخلاف بين السلف في التفسير قليل، وخلافهم في الأحكام أكثرُ من خلافهم في التفسير، وغالب ما يصحُّ عنهم من الخلاف يرجع إلى اختلاف تنوُّع لا اختلاف تضاد”([67]).

فإذا وقع أمام المستفتي عدة أقوال في المسألة الواحدة، وظنَّ أن هناك اختلافًا بين المفتين بسبب تلك الأقوال، فليعلم أن ذلك الاختلاف هو من باب اختلاف التنوع، وليس اختلاف التضاد؛ يقول العلامة ابن حمدان: “ونحن نمهد طريقًا سهلًا، فنقول: ليس له أن يتبع في ذلك مجرد التشهي والميل إلى ما وجد عليه أباه وأهله قبل ‌تأمله والنظر في صوابه…، وإنما قام بذلك من جاء بعدهم من الأئمَّة الناخلين لمذاهب الصحابة والتابعين وغيرهم، القائمين بتمهيد أحكام الوقائع قبل وقوعها، الناهضين بإيضاح أصولها وفروعها ومعرفة الوفاق والخلاف: كأبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وأمثالهم، فإنَّ اتفاقهم نعمة تامة، واختلافهم رحمة عامة”([68]).

ولا ينبغي أن ينكر المستفتي قولَ المفتي بدعوى أنه لم يقل بهذا القولِ أحدٌ من أهل العلم: فهناك الكثير من المسائل التي تعرض للمفتي لم يسبقه أحد في النظر إليها والحكم عليها، أو سبقه لكنه لم يكن على علم بذلك، أو كان الحكم السابق لم يكن على وجه الصواب لقصور في تصور المسألة، ونحو ذلك، وهنا لا يصح أن ينكر المستفتي على المفتي المجتهد قوله مدعيًا أن ذلك القول مخالف لما ورد عن فلان وفلان من المفتين الآخرين، أو أن قوله لم يَرِدْ عن أحد آخر؛ يقول ابن القيم: “صورة المسألة: ما إذا لم يكن في الواقعة حديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا اختلاف بين الصحابة رضي الله عنهم، وإنما قال بعضهم فيها قولًا، وأفتى بفُتيا، ولم يعلم أن قوله وفتياه أشهر في الباقين، ولا أنهم خالفوه، وحينئذ فنقول: من تأمل المسائل الفقهية، والحوادث الفرعية، وتدَّرب بمسالكها، وتصرَّف في مداركها، وسلك سبلها ذُللًا، وارتوى من مواردها عللًا ونهلًا، علم قطعًا أن كثيرًا منها قد تشتبه فيها وجوه الرأي بحيث لا يوثق فيها بظاهر مراد، أو قياس صحيح ينشرح له الصدر ويثلج له الفؤاد، بل تتعارض فيها الظواهر والأقيسة على وجهٍ يقف المجتهد في أكثر المواضع حتى لا يبقى للظن رجحان بين، لا سيما إذا اختلف الفقهاء؛ فإن عقولهم من أكمل العقول وأوفرها، فإذا تلدَّدوا وتوقفوا، ولم يتقدموا، ولم يتأخروا، لم يكن ذلك في المسألة طريقة واضحة ولا حجة لائحة”([69]).

ولا يصحُّ أن يقولَ المستفتي العامي: إن فتوى فلان من الأئمَّة هي الأنفعُ والأفضل دون غيره من المفتين: فشأن المستفتي العامي هو أن يأخذَ الفتوى من أهل العلم، لا أن يحكم عليهم وعلى أقوالهم، فهذا من سوء الأدب، والبعد عن الصواب، فالمفتي هو من يخبرُ المستفتي بما ينفعُه ويدلُّه على ما يعود عليه بالصلاح؛ لأنه حين يطلع على سؤاله يعطيه من الجواب ما يناسب حاله وظروفه مراعيًا ملابساته وواقعه؛ يقول ابن القيم: “من فِقْهِ المفتي ونُصحِه إذا سأله المستفتي عن شيء، فمنعه منه، وكانت حاجته تدعوه إليه: أن يدله على ما هو عِوضٌ له منه، فيسد عليه باب المحظور، ويفتح له باب المباح، وهذا لا يتأتَّى إلَّا من عالمٍ ناصحٍ مُشفقٍ قد تاجر الله وعامله بعلمه.

فمثاله في العلماء مثال الطبيب العالم الناصح في الأطباء: يحمي العليل عما يضرُّه، ويصِفُ له ما ينفعُه، فهذا شأنُ أطباء الأديان والأبدان، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((ما بعث الله من نبي إلا كان حقًّا عليه أن يدُلَّ أمته على خير ما يعلمه لهم، وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم))، وهذا شأن خلق الرسل وورثتهم من بعدهم”([70]).

كما لا يصح للمستفتي أن يُقْحِم المفتي في أمور ومشكلات خاصة ليحتج بقوله على خصمه: ولعظم مكانة الإفتاء والمفتي لا يجوز للمستفتي أن يستغل المفتي ويستدرجه في إبداء رأيه تجاه مشكلة ما دون علمه؛ ليخرج منه بقولٍ أو فتوى تجعلُه في مكان المنتصر على خصمه، والمفتي لا يعلم بذلك، فهذا من خيانة الأمانة والتلاعب المقيت الذي حذَّر منه العلماء؛ يقول ابن القيم: “يحرم عليه إذا جاءته مسألة فيها تَحَيُّلٌ على إسقاط واجبٍ أو تَحْلِيلُ مُحَرَّمٍ أو مكر أو خداع أن يعين المستفتي فيها ويرشده إلى مطلوبه، أو يفتيه بالظاهر الذي يتوصل به إلى مقصوده، بل ينبغي له أن يكون بصيرًا بِمَكْرِ النَّاسِ وَخِدَاعِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحْسِنَ الظَّنَّ بِهِمْ، بل يكون حذرًا فَطِنًا فَقِيهًا بِأَحْوَالِ النَّاسِ وَأُمُورِهِمْ، يوازره فقهه في الشرع، وإن لم يكن كذلك زاغ وأزاغ، وكم من مسألةٍ ظاهرُها ظاهرٌ جميل، وَبَاطِنُهَا مَكْرٌ وَخِدَاعٌ وَظُلْمٌ؟! فَالْغِرُّ ينظر إلى ظاهرها ويقضي بجوازه، وَذُو الْبَصِيرَةِ ينقد مقصدها وباطنها؛ فالأول يروج عليه زغل المسائل كما يروج على الجَاهِلِ بِالنَّقْدِ زَغَلُ الدَّرَاهِمِ، والثاني يُخْرِجُ زَيفَهَا كَمَا يُخْرِجُ النَّاقِدُ زَيفَ النُّقُودِ.

وكم من باطلٍ يخرجه الرجل بِحُسْنِ لَفْظِهِ وَتَنْمِيقِهِ وَإِبرَازِهِ فِي صُورَةِ حَقٍّ؟! وكم من حق يخرجه بتهجينه وسوء تعبيره في صورة باطل؟! ومن له أدنى فِطْنَةٍ وَخِبْرَةٍ لا يخفى عليه ذلك، بل هذا أغلب أحوال الناس، ولكثرته وشهرته يستغني عن الأمثلة.

بل من تَأَمَّلَ المَقَالَاتِ البَاطِلَةَ وَالبِدَعَ كُلَّهَا وجدها قد أخرجها أصحابها في قوالبَ مستحسنة، وكسوها ألفاظًا بها من لم يعرف حقيقتها”([71]).

 

([1]( مدارج السالكين، لابن القيم (2/ 368- 369)، ط. دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الثالثة، سنة 1416هـ – 1996م.

([2]( أدب المفتي والمستفتي، لابن الصلاح (ص 168، 169)، مرجع سابق، والفقيه والمتفقه، للخطيب البغدادي (2/ 382)، مرجع سابق، والمجموع شرح المهذب، للنووي (1/ 57)، مرجع سابق، وصفة الفتوى والمفتي والمستفتي، لابن حمدان (ص 83)، مرجع سابق.

([3]( إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم (1/ 7)، مرجع سابق.

([4]( إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم (1/ 8)، مرجع سابق.

([5]( مفاتيح الغيب، للرازي (21/ 483- 484)، ط. دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة: الثالثة، سنة 1420هـ.

([6]( أخرجه البخاري (7/ 20).

([7]( فتح الباري، لابن حجر (9/ 216).

([8]( سير أعلام النبلاء، للذهبي (19/ 398)، ط. مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة، سنة ١٤٠٥هـ – ١٩٨٥م.

([9]( جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر (1/ 382)، ط. دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، سنة ١٤١٤هـ – ١٩٩٤م.

([10]( الفقيه والمتفقه، للخطيب البغدادي (2/ 379، 380)، مرجع سابق.

([11]( سير أعلام النبلاء، للذهبي (11/ 200)، مرجع سابق.

([12]( تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم، لابن جماعة (ص 89)، مرجع سابق.

([13]( الفقيه والمتفقه، للخطيب البغدادي (2/ 383)، مرجع سابق.

([14]( الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، للخطيب البغدادي (1/ 336)، ط. مكتبة المعارف- الرياض.

([15]( آداب الصحبة، لأبي عبد الرحمن السلمي (ص 115)، ط. دار الصحابة للتراث، طنطا، مصر، الطبعة الأولى، سنة ١٤١٠هـ – ١٩٩٠م.

([16]( سير أعلام النبلاء، للذهبي (8/ 207)، مرجع سابق.

([17]( الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، للخطيب البغدادي (1/ 193)، مرجع سابق.

([18]( حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، لأبي نعيم الأصبهاني (3/ 327)، ط. دار السعادة، مصر، سنة ١٣٩٤هـ – ١٩٧٤م.

([19]( أخرجه البخاري (8/ 4).

([20]( فتح الباري، لابن حجر (10/ 406، 407)، ط. دار المعرفة، بيروت، سنة ١٣٧٩هـ.

([21]( ترتيب المدارك وتقريب المسالك، للقاضي عياض (1/ 191)، ط. مطبعة فضالة المحمدية، المغرب، الطبعة الأولى.

([22]( أخرجه مسلم (4/ 1830).

([23]( شرح صحيح مسلم، للنووي (15/ 110)، مرجع سابق.

([24]( أدب المفتي والمستفتي، لابن الصلاح (ص 171)، مرجع سابق.

([25]( آداب الفتوى والمفتي والمستفتي، للنووي (ص 85)، مرجع سابق.

([26]( الفقيه والمتفقه، للخطيب البغدادي (2/ 382)، مرجع سابق.

([27]( إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم (4/ 123، 124)، مرجع سابق.

([28]( إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم (4/ 200)، مرجع سابق.

([29]) المجموع شرح المهذب، للنووي (1/ 52)، مرجع سابق.

([30]( الفقيه والمتفقه، للخطيب البغدادي (2/ 406)، مرجع سابق.

([31]( المجموع شرح المهذب، للنووي (1/ 52)، مرجع سابق.

([32]) أدب المفتي والمستفتي، لابن الصلاح (ص 151)، مرجع سابق.

([33]( أدب المفتي والمستفتي، لابن الصلاح (ص 151)، مرجع سابق.

([34]( أدب المفتي والمستفتي، لابن الصلاح (ص 171)، مرجع سابق. وصفة الفتوى والمفتي والمستفتي، لابن حمدان (ص 84)، مرجع سابق.

([35]( المجموع شرح المهذب، للنووي (1/ 52)، مرجع سابق.

([36]) الفتيا ومناهج الإفتاء، للأشقر (ص: 75).

([37]( جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر (2/ 1056)، مرجع سابق.

([38]( أخرجه أبو داود في سننه (3/ 321).

([39]( معالم السنن، للخطابي (4/ 186)، ط. المطبعة العلمية، حلب، الطبعة الأولى، سنة ١٣٥١هـ – ١٩٣٢م.

([40]( تزيين الممالك بمناقب سيدنا الإمام مالك (ص 15)، ط. دار الكتب العلمية- بيروت.

([41]( جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر (2/ 1044)، مرجع سابق.

([42]( جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر (2/ 1073)، مرجع سابق.

([43]( جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر (2/ 1073)، مرجع سابق.

([44]( الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، للخطيب البغدادي (1/ 213)، مرجع سابق.

([45]( العقد الفريد، لابن عبد ربه الأندلسي (2/ 91)، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، سنة ١٤٠٤هـ.

([46]( المراح في المزاح، لأبي البركات الغزي (ص 85)، ط. دار ابن حزم، بيروت، الطبعة: الأولى، سنة ١٤١٨هـ – ١٩٧٧م.

([47]( الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، للخطيب البغدادي (1/ 303)، مرجع سابق.

([48]( الفقيه والمتفقه، للخطيب البغدادي (2/ 184).

([49]( الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، للخطيب البغدادي (1/ 215)، مرجع سابق.

([50]( الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، للخطيب البغدادي (1/ 196)، مرجع سابق.

([51]( الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، للخطيب البغدادي (1/ 197)، مرجع سابق.

([52]( أخرجه أبو داود في سننه (4/ 253).

([53]( عون المعبود، للعظيم آبادي (13/ 108)، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية، سنة 1415هـ.

([54]( الفقيه والمتفقه، للخطيب البغدادي (2/ 416)، مرجع سابق.

([55]( أدب المفتي والمستفتي، لابن الصلاح (ص 151)، مرجع سابق.

([56]( صفة الفتوى والمفتي والمستفتي، لابن حمدان (ص 66)، مرجع سابق.

([57]( صفة الفتوى والمفتي والمستفتي، لابن حمدان (ص 10)، مرجع سابق.

([58]( صفة الفتوى والمفتي والمستفتي، لابن حمدان (ص 10)، مرجع سابق.

([59]( الفقيه والمتفقه، للخطيب البغدادي (2/ 417)، مرجع سابق.

([60]( الفقيه والمتفقه، للخطيب البغدادي (2/ 418)، مرجع سابق.

([61]( الفقيه والمتفقه، للخطيب البغدادي (2/ 418)، مرجع سابق.

([62]( الفقيه والمتفقه، للخطيب البغدادي (2/ 419)، مرجع سابق.

([63]( الفقيه والمتفقه، للخطيب البغدادي (2/ 360)، مرجع سابق.

([64]( الفقيه والمتفقه، للخطيب البغدادي (2/ 48)، مرجع سابق.

([65]( الفقيه والمتفقه، للخطيب البغدادي (2/ 48 – 49)، مرجع سابق.

([66]( أدب المفتي والمستفتي، لابن الصلاح (ص 162)، مرجع سابق.

([67]( مقدمة في أصول التفسير، لابن تيمية (ص 11)، ط. دار مكتبة الحياة، بيروت – لبنان، طبعة سنة 1490هـ – 1980م.

([68]( صفة الفتوى والمفتي والمستفتي، لابن حمدان (ص 72 – 73)، مرجع سابق.

([69]( إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم (4/ 111- 112)، مرجع سابق.

([70]( إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم (4/ 121- 122)، مرجع سابق.

([71]( إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم (4/ 176)، مرجع سابق.

اترك تعليقاً