البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

الفصل الثاني: ضوابط الفتوى في السياسة الشرعية

المبحث الأول: أثر القواعد الفقهية والمقاصد الشرعية في الإفتاء في السياسة الشرعية

158 views

لا شك أن هناك صلةً وثيقةً بين السياسة الشرعية وكثير من القواعد الفقهية التي وضعها العلماء، وكذلك بينها وبين المقاصد الشرعية التي استنبطها العلماء من نصوص الشريعة؛ لأن الفقه يشمل السياسة الشرعية كما بينَّا؛ ولذلك خصصنا هذا المبحث للحديث عن تأثير هذه القواعد والمقاصد في السياسة الشرعية حتى تنضبط مسائلها ولا تكون مجالًا للعبث والافتيات على الشرع من قِبَل غير المتخصصين، أو من قِبَل أصحاب الأفكار المتطرفة الذين يُلصقون فتاويهم الشاذة المحرضة على العنف والإرهاب بالسياسة الشرعية زورًا وبهتانًا.

ويشتمل هذا المبحث على مطلبين:

المطلب الأول: أهم القواعد الفقهية المتعلقة بالسياسة الشرعية.

وضع الفقهاء القواعد الفقهية التي تعد تصويرًا بارعًا للمبادئ والمقررات الفقهية العامة لضبط فروع الأحكام العملية بكليات تظهر في كل زمرة منها وحدة المناط، ومن ثم استُغني عن حفظ أكثر الجزئيات لاندراجها في الكليات، وأمكن معرفة أحكام الوقائع الحادثة التي لا نص فيها بمراعاة المصالح وجلبها ودفع المفاسد ودرئها.

ويغلب هذا النوع من الأحكام على مسائل السياسة الشرعية، ويتسع فيها مجال الرأي للاختلاف في حجية القواعد الفقهية من جهة، وتقدير المصالح والمفاسد من جهة أخرى، وإلى هذا يشير إمام الحرمين الجويني بقوله: «ومعظم مسائل الإمامة عرية عن مسالك القطع، خلية عن مدارك اليقين»([1]). وهو يعني بـ«مسائل الإمامة» مسائل السياسة الشرعية بشكل عام.

وفي سبيل بيان منهج الفتوى في قضايا السياسة الشرعية المعاصرة نعتمد عددًا من القواعد الفقهية، ويمكن تقسيمها على فرعين: الفرع الأول: ما يتعلق بالحكم الراشد، والفرع الثاني: ما يتعلق بإدارة شؤون المجتمع وموارده.

الفرع الأول: القواعد الفقهية المتعلقة بالحكم الراشد:

هناك مجموعة من القواعد التي تعد معاييرَ تساعد في اتخاذ القرار المناسب نوجزها فيما يلي:

القاعدة الأولى: اعتبار مآلات الأفعال:

ويُقصد باعتبار «مآلات الأفعال» أن الأحكام الشرعية إنما وضعت لتحقيق مصالح الإنسان، على أساس من العموم الذي يشمل أجناس الأفعال مطلقًا عن الزمان والمكان والأعيان. والأحكام وإن كانت تؤول عند تطبيقها على واقع الأفعال إلى تحقيق المصلحة المبتغاة منها، فإنها في بعض الأحيان وفي بعض الأعيان قد لا تؤدي إلى تلك المصلحة المبتغاة، بل قد تؤدي إلى نقيضها من المفسدة، وذلك لخصوصية تطرأ على ذات تلك الأعيان أو على ظرفها تخرج بها عن عموم جنسها التي قُدِّر على أساسها الحكم، ومن ثم يؤول تطبيق الحكم عليها إلى المفسدة من حيث أُريد به تحقيق المصلحة؛ ولذا وجب على الفقيه مراعاة ذلك المآل فيعدل به إلى حكم آخر يتحرى المصلحة ويتفادى المفسدة([2]).

وذلك أن الأحكام الشرعية معللة بمصالح العباد باعتبارها أسبابًا ومسببات، فيلزم منها أن تكون مقصودة للشارع ومرعية عند الحكم على الأفعال حتى لا تقع الأفعال مناقضة لمقاصد الشارع، ويتحقق هذا بالنظر في المآلات، فيلزم المجتهد أن يعتبر المآلات كما اعتبر الشارع المسببات عند الأسباب؛ لأن المجتهد نائب عن الشارع في الحكم على أفعال المكلفين، وإن كان نظر المجتهد أخذًا بغلبة الظن.

يقول الشاطبي: «إن التكاليف مشروعة لمصالح العباد، ومصالح العباد إما دنيوية وإما أخروية، أما الأخروية فراجعة إلى مآل المكلف في الآخرة ليكون من أهل النعيم لا من أهل الجحيم، وأما الدنيوية: فإن الأعمال -إذا تأملتها- مقدمات لنتائج المصالح، فإنها أسباب لمسببات هي مقصودة للشارع، والمسببات هي مآلات الأسباب، فاعتبارها في جريان الأسباب مطلوب، وهو معنى النظر في المآلات»([3]).

ومن تطبيقات هذه القاعدة في باب السياسة الشرعية: قبول توبة المحارب غير المقدور عليه وإسقاط العقوبات عنه؛ لأن عدم القدرة عليه يزيد من خطره وضرره، بينما قبول توبته وإسقاط العقوبة عنه يدعوانه إلى التوبة والكف عن جرائمه، قال تعالى: { إِنَّمَا جَزَٰٓؤُاْ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَسۡعَوۡنَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوٓاْ أَوۡ يُصَلَّبُوٓاْ أَوۡ تُقَطَّعَ أَيۡدِيهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم مِّنۡ خِلَٰفٍ أَوۡ يُنفَوۡاْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِۚ ذَٰلِكَ لَهُمۡ خِزۡيٞ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ٣٣ إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبۡلِ أَن تَقۡدِرُواْ عَلَيۡهِمۡۖ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} [المائدة: 33، 34].

ومنها: ما روته عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لولا حداثة عهد قومك بالكفر لنقضتُ الكعبة، ولجعلتُها على أساس إبراهيم، فإن قريشًا حين بنت البيت استَقْصَرَتْ»([4]). فقد بوَّب له البخاري بـ«من ترك بعض الاختيار، مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه، فيقعوا في أشد منه». وقال الحافظ ابن حجر: «وفيه -أي الحديث- اجتناب ولي الأمر ما يتسرع الناس إلى إنكاره وما يُخشى منه تولُّد الضرر عليهم في دين أو دنيا وتألُّف قلوبهم بما لا يُترك فيه أمر واجب»([5]).

وقد كانت هذه القاعدة مناط اجتهاد واسع، حتى أفضت إلى إثراء أحكام الفقه الإسلامي وتوسيع آفاقه، وقد اعتمد عليها من ذهب إلى حرمة عزل الحاكم لفسقه أو تعديه على حقوق رعيته، خوفًا من مآل ذلك، وهو حدوث هرج ومرج وقتل بين الناس.

القاعدة الثانية: إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررًا بارتكاب أخفهما:

وهذه القاعدة من القواعد المكملة لقاعدة «الضرر يزال»، والمعنى الإجمالي لهذه القاعدة: أنه إذا تعارضت مفسدتان أو ضرران، ولم يكن بالإمكان دفعهما معًا، وكان لا بد من ارتكاب أحدهما فإنه يُنظر إلى أيهما أخف وأهون فيُرتكَب ليُدفع الأشد والأعظم، إذ الشريعة تحرص على دفع المفاسد كلها ما أمكن ذلك، فإن لم يمكن دفعها كلها فيجب اختيار المفسدة الأخف ودفع المفسدة الأعظم، ومراعاة أعظم المفسدتين تكون بإزالتها؛ لأن المفاسد تُراعى نفيًا، والمصالح تُراعى إثباتًا، فمقصود الشريعة تعطيل المفاسد وتقليلها ما أمكن ذلك([6]).

ومستند هذه القاعدة قوله تعالى: { يَسۡ‍َٔلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهۡرِ ٱلۡحَرَامِ قِتَالٖ فِيهِۖ قُلۡ قِتَالٞ فِيهِ كَبِيرٞۚ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفۡرُۢ بِهِۦ وَٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ وَإِخۡرَاجُ أَهۡلِهِۦ مِنۡهُ أَكۡبَرُ عِندَ ٱللَّهِۚ وَٱلۡفِتۡنَةُ أَكۡبَرُ مِنَ ٱلۡقَتۡلِ} [البقرة: 217].

فبيَّن الله تعالى أن مفسدة أهل الشرك في الكفر بالله، والصد عن هداه، وإخراج أهل المسجد الحرام منه وفتنة أهله، أكبر عند الله، وأعظم مفسدة من قتالهم في الشهر الحرام، فاحتملت أخف المفسدتين لدفع أشدهما وأعظمهما([7]).

وقد اتفق الفقهاء على العمل بهذه القاعدة، قال المرداوي: «من القواعد: إذا دار الأمر بين درء مفسدة وجلب مصلحة، كان درء المفسدة أولى من جلب المصلحة، قاله العلماء، وإذا دار الأمر أيضًا بين درء إحدى المفسدتين، وكانت إحداهما أكثر فسادًا من الأخرى، فدرء العليا منهما أولى من درء غيرها، وهذا واضح يقبله كل عاقل، واتفق عليه أولو العلم»([8]).

ومن تطبيقات هذه القاعدة في باب السياسة الشرعية: أن يُقدَّم في كل ولاية الأصلح بحسبها، فإذا تعيَّن رجلان أحدهما أعظم أمانة، والآخر أعظم قوة قُدِّم أنفعهما لتلك الولاية وأقلهما ضررًا فيها، فيُقدَّم في إمارة الحروب الرجل القوي الشجاع -وإن كان فيه فجور- على الرجل الضعيف العاجز وإن كان أمينًا([9]).

يقول الشيخ ابن تيمية: «فالواجب إنما هو الأرْضَى من الموجود، والغالب أنه لا يوجد كامل، فيفعل خير الخيرين ويدفع شر الشرين»([10]).

ومن تطبيقاتها أيضًا: إذا كان الفساد في ترك عقوبة الجاني أعظم من الفساد في عقوبة من لم يجنِ دفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما.

ومن الممكن أن يُمثَّل لذلك بمسألة جواز قتال المتترسين بالمسلمين، وجواز قتل من لم يقاتل من الكفار إذا لم يكن الخلوص للمقاتلين إلا بقتلهم.

يقول ابن قدامة: «إذا تترسوا في الحرب بالنساء والصبيان ومن لا يجوز قتله جاز رميهم، ويقصد المقاتلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رماهم بالمنجنيق ومعهم النساء والصبيان، ولأن كف المسلمين عنهم يفضي إلى تعطيل الجهاد؛ لأنهم متى علموا ذلك تترسوا بهم عند خوفهم»([11]).

القاعدة الثالثة: التصرف على الرعية منوط بالمصلحة: 

ومعنى هذه القاعدة: أن نفاذ تصرف الراعي على الرعية ولزومه عليهم شاؤوا أو أبوا معلق ومتوقف على وجود الثمرة والمنفعة في ضمن تصرفه، دينية كانت أو دنيوية. فإن تضمن منفعة ما وجب عليهم تنفيذه، وإلا ردَّ؛ لأن الراعي ناظر، وتصرفه حينئذ متردد بين الضرر والعبث، وكلاهما ليس من النظر في شيء.

والمراد بالراعي: كل من ولي أمرًا من أمور العامة، عامًّا كان كالسلطان الأعظم، أو خاصًّا كمن دونه من العمال، فإن نفاذ تصرفات كل منهم على العامة مترتب على وجود المنفعة في ضمنها([12]).

ومما يستدل به لهذه القاعدة: قوله صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد استرعاه الله رعية فلم يحطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة»([13]).

ومن تطبيقات هذه القاعدة في باب السياسة الشرعية:

1- لولي الأمر إجبار أصحاب الأراضي المهملة على زرعها تنمية للبيئة وصيانة للمال وإن كانوا في غنى عنها؛ لأن الإهمال منافٍ لمقاصد الشريعة من الإصلاح والتعمير واستثمار الأموال، وأما إذا لم يكونوا في غنى عنها وعجزوا عن زرعها وتعميرها فعلى الدولة أن تعينهم على دفع هذا العجز بوجه من وجوه التصرف. قال ابن حزم: وأما إذا لم يكن له غنى عن زرعها، فإنما يجبره على زرعها إن قدر على ذلك، أو على إعطائها بجزء مما يخرج منها، ولا نتركه يبقى عالة على المسلمين بإضاعته لماله، ومعصيته لله عز وجل بذلك([14]).

2- إذا ألزم ولي الأمر المقبلين على الزواج بإجراء الفحص الطبي قبل الزواج كان تصرفه منوطًا بمصلحة شرعية معتبرة، وهي تحديد الأمراض الوراثية أو المعدية التي تنتقل إلى الطرف السليم أو إلى الذرية ولا تستقر معها الحياة الزوجية، وفي هذا حفظ للنفس ودفع للضرر عن الإنسانية.

القاعدة الرابعة: الشريعة منضبطة والأهواء غير منضبطة.

معنى القاعدة: أن الشرع يربط الأحكام بالعلل التي هي في جملتها على الحقيقة عبارة عن جلب المصالح ودفع المفاسد، أما الأهواء والاختيارات البشرية فتدور مع ما تميل إليه النفوس حبًّا وكُرهًا، وهذا يختلف باختلاف الناس، فما يكون حسنًا عن البعض قد يكون قبيحًا عند غيرهم، وقد تميل النفوس إلى ما يخالف الشرع والفطرة والعقل السليم؛ لذلك كان لا بد في الأحكام أن تربَط بما هو مستقيم منضبط لا يتخلف ولا يتأثر بعوامل مضطربة كالأهواء ونحوها.

قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} [آل عمران: 32]: «هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية، فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله وأحواله، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد»، ولهذا قال الحسن البصري وغيره من السلف: “زعم قوم أنهم يحبون الله، فابتلاهم الله بهذه الآية”»([15]).

وقال الإمام الشاطبي: “المقصد الشرعي مِنْ وضْع الشريعة: إخراجُ المكلَّف عن داعية هواه، حتى يكون عبدًا لله اختيارًا كما هو عبد لله اضطرارًا”([16]).

ولذلك ربط القرآنُ بين النكوص عن متابعة الشرع الشريف واتباعِ الهوى فقال: { فَإِن لَّمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَكَ فَٱعۡلَمۡ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهۡوَآءَهُمۡۚ وَمَنۡ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ بِغَيۡرِ هُدٗى مِّنَ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ} [القصص: 50]، وقال لنبيه داود عليه السلام: { يَٰدَاوُۥدُ إِنَّا جَعَلۡنَٰكَ خَلِيفَةٗ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱحۡكُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ ٱلۡهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ} [ص: 26].

وورد عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: «لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ»([17]).

ومن التطبيقات على هذه القاعدة في باب السياسة الشرعية:

1- أن العلاقة مع غير المسلمين قائمة على احترام العهود والمواثيق، يقول الله تعالى: {وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَ‍َٔانُ قَوۡمٍ عَلَىٰٓ أَلَّا تَعۡدِلُواْۚ ٱعۡدِلُواْ هُوَ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰ} [المائدة: 8]، وقد نصت كثير من الآيات على أن نقض العهود من أسباب المقت والغضب.

وأما ما ورد من أن الحرب خُدعة: فليس معنى ذلك أنها تبيح نقض العهود والغدرَ والخيانة، قال الإمام النووي -رحمه الله-: “اتفق العلماء على جواز خداع الكفار في الحرب، وكيف أمكن الخداع، إلا أن يكون فيه نقضُ عهدٍ أو أمانٍ فلا يحل”([18]).

2- عدم جواز الاعتداء على غير المسلمين بهدم معابدهم وكنائسهم، وحرق ثمارهم وزروعهم؛ لأن ذلك فسادٌ في الأرض قد نهى عنه الإسلام، قال تعالى عن هذا الصنف من الظالمين المعتدين: { وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ لِيُفۡسِدَ فِيهَا وَيُهۡلِكَ ٱلۡحَرۡثَ وَٱلنَّسۡلَ}[البقرة: 205].

فعلاقة المسلمين بغيرهم قائمة على احترام الحقوق، ولا يجوز اتخاذ الإفساد سبيلًا للاعتداء عليهم، ولا يجوز من ذلك إلا ما ألجأت إليه الضرورة، وتوقفت عليه مصلحة الإسلام والمسلمين توقفًا حقيقيًّا([19]).

الفرع الثاني: القواعد الفقهية المتعلقة بإدارة شؤون المجتمع وموارده:

يوجد بعض القواعد الفقهية التي تساعد السلطة السياسية في ممارسة وإدارة شؤون المجتمع وموارده نوجزها فيما يأتي:

القاعدة الأولى: لا ضرر ولا ضرار.

ومعنى هذه القاعدة: أنه لا يجوز لأحد من الناس أن يضرَّ غيرَه ابتداءً -وهذا معنى الضرر-، ولا أن يضرَّه على وجه المقابلة إن ضرَّه ذلك الغيرُ أوَّلًا -وهذا معنى الضرار- كما نص على ذلك غيرُ واحدٍ من كبار الفقهاء كابن عبد البر وابن الصلاح والنَّجم الطوفي([20]).

وبناء على هذا لا يحل لمسلمٍ أن يضرَّ أحدًا بقولٍ أو فعلٍ أو سبب دون حق، سواءٌ كان في ذلك الضرر منفعةٌ لنفسه أم لا، وهذا عامٌّ في كل حل وعلى كل أحد، وخصوصًا من له حق متأكد كالزوج والقريب والجار والصاحب ونحوهم([21]).

ومن التطبيقات على هذه القاعدة في باب السياسة الشرعية:

1- أنه يجوز لولي الأمر أن يُلْزِم مَن يتسبب في ضررٍ لغيره بإزالة هذا الضرر وإن كان فعلُه ذلك داخلًا في جملة حقوقه الشخصية؛ لأن العبرة في الاجتماعيات برفع الضرر.

ومن ذلك: ما رواه أبو داود في سننه بسنده عن سمرة بن جندب أنه كانت له عَضدٌ من نخل في حائط رجل من الأنصار، قال: ومع الرجل أهله، قال: فكان سمرة يدخل إلى نخله فيتأذى به ويشق عليه، فطلب إليه يبيعه فأبى، فطلب إليه أن يناقله فأبى، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فطلب إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعه فأبى، فطلب إليه أن يناقله فأبى، قال: فهبه له ولك كذا وكذا -أمرًا من ثواب الآخرة رغَّبه به فيه- فأبى، فقال: أنت مُضار. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصاري: «اذهب فاقلع نخله»([22]).

قال الخطابي في شرحه عليه: “وفيه من العلم أنه أمر بإزالة الضرر عنه وليس في هذا الخبر أنه قلع نخله، ويشبه أن يكون أنه إنما قال ذلك ليردعه به عن الإضرار”([23]).

2- لولي الأمر أن يُجبِر الناسَ على بيع ما عندهم بقيمة المِثْل عند احتياج الناس لما عندهم حال الضرورة، كأن يكون أحدٌ لديه طعامٌ أو ماء أو علاجٌ زائد عن حاجته، والناس في مخمصة أو وباء، فإنه يجوز للحاكم أن يجبره على بيع ما عنده للناس حتى يندفع عنهم الضرر([24]).

3- لولي الأمر أن يسعر للناس إذا تضمن التسعير العدلَ، وكان في عدم التسعير إضرار بعموم الناس وشيوع الفوضى والغش في الأسعار واستغلال حاجات الناس بالإغلاء عليهم، فيجوز حينئذ للحاكم أن يقنِّن أسعارًا يراعَى فيها حق التجار في ضمان رؤوس أموالهم مع الربح المعقول، وكذلك التخفيف على الناس وضمان كفاية أموالهم لسد حاجاتهم كما تعوَّدوا في غير وقت الاضطراب([25]).

4- لو جاء الغاصب بالمغصوب ليرده للمالك فامتنع: أجبره الحاكم على قبضه؛ لأن على الغاصب ضررًا ببقائه في يده من ضمان منافعه وضمانه إن تلف، فإن امتنع نصب الحاكم عنه نائبًا حتى يقبضه عنه، وكما لو تزوج امرأة وامتنع من وطئها وقلنا: إنه يجب عليه وطأة واحدة لاستقرار المهر، قال الإمام: فعلى هذا يجبره القاضي إلى أن يطأ([26]).

القاعدة الثانية: الناس مسلطون على أموالهم.

وهي من القواعد المشهورة بين الفقهاء، ولا يزالون يستدلون بها في مختلف أبواب المعاملات بالمعنى الخاص والعام، ولم ينص الفقهاء على هذه القاعدة في كتب القواعد، لكن توارد التعليل بها في كتب الفروع عند الشافعية، والحنابلة، والزيدية، والإمامية([27]).

ويمكن الاستدلال عليها من نصوص الشرع الشريف:

أما من كتاب اللَّه‌ العزيز فبآيات مختلفة، وردت في موارد خاصة، يستفاد من مجموعها أن كل إنسان له سلطة على أمواله الخاصة، لا يجوز لأحد مزاحمته إلا من طرق معينة وردت في الشرع، فمما يدل على هذا المعنى قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ إِلَّآ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً عَن تَرَاضٖ مِّنكُمۡۚ وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمۡ رَحِيمٗا} [النساء: 29] .

فهذا يدل على عدم جواز أكل أموال الناس إلا من طرق خاصة مشروعة، تبتنى على رضا الطرفين، وجعل حرمته كحرمة قتل الأنفس، وكأنه إلى هذا ينظر الحديث المعروف «حرمة مال المسلم كحرمة دمه»([28]).

ومثله أيضًا قوله تعالى: {وَءَاتُواْ ٱلۡيَتَٰمَىٰٓ أَمۡوَٰلَهُمۡۖ وَلَا تَتَبَدَّلُواْ ٱلۡخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِۖ وَلَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَهُمۡ إِلَىٰٓ أَمۡوَٰلِكُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ حُوبٗا كَبِيرٗا} [النساء: 2] .

وهو دليل على أن الإنسان لو لم يكن قادرًا على حفظ أمواله فلا بد أن تحفظ من طريق من يقدر على ذلك، وأن الولي يجب عليه كمالُ الاحتياط فيه، وإلا ارتكب إثمًا عظيمًا.

ومن الجدير بالذكر أن التعبير بأموالكم وأموالهم دليل واضح على الملكية الخاصة في هذه الأموال لا ملكية المجتمع كما قد يتوهمه من لا خبرة له بالنصوصِ والآثار الشرعية.

وأيضًا قوله تعالى: {وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحۡلَةٗۚ فَإِن طِبۡنَ لَكُمۡ عَن شَيۡءٖ مِّنۡهُ نَفۡسٗا فَكُلُوهُ هَنِيٓ‍ٔٗا مَّرِيٓ‍ٔٗا} [النساء: 4].

فقد دلت الآية على أنه لا يجوز التصرف في شيء من أموالهنَّ الحاصلة من طريق الصداق، إلا بإذنهن ورضاهن.

وبالجملة لا يبقى شك لأحد بعد ملاحظة هذه الآيات أن كل إنسان مسلط على أمواله التي اكتسبها من طرق مشروعة، وأنه لا يجوز مزاحمته فيها، ولا التصرف إلا بإذنه ورضاه.

وأما من السنة فتوجد روايات كثيرة عامة وخاصة:

1- ما جاء في مُوَطَّأ مالك رحمه الله من قوله: «وَذلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا كَانَ صَحِيحًا كَانَ أَحَقَّ بِجَمِيعِ مَالِهِ يَصْنَعُ فِيهِ مَا شَاءَ، إِنْ شَاءَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ جَمِيعِهِ، خَرَجَ يَتَصَدَّقُ بِهِ، أَوْ يُعْطِيهِ مَنْ شَاءَ»([29]). ومن الواضح أن ذكر الهبة والصدقة هنا من باب المثال لما وقع التصريح فيها بأن له أن يصنع بماله ما شاء، وليست السلطة على المال غير هذا.

2- ما جاء في مسند الإمام أحمد من حديث ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سباب المسلم أخاه فسوق، وقتاله كفر، وحرمة ماله كحرمة دمه»([30]).

فهذا الحديث يدل على أن مالك المال مسلَّطٌ على ماله يفعل فيه ما يشاء، ولا يحق لأحد أن يحجر عليه في شيء من ذلك طالما كان سليمًا صحيحًا راشدًا، وأن لماله حرمةً تشبه حرمةَ دمه، فلا يجوز الاعتداء على ماله بأخذه منه أو منعه من التصرف فيه كما يشاء.

3- الرواية المعروفة المشهورة في ألسن الفقهاء، المرسلة عن النبي صلَّى اللَّه عليه وآله وسلم أنه قال:

«إن الناس مسلطون على أموالهم»([31]). وهي وإن كانت مرسلة لكنها مجبورة بعمل الأصحاب قديمًا وحديثًا، واستناد الفقهاء إليها في مختلف أبواب الفقه.

ومن التطبيقات على هذه القاعدة:

1- أنه لا يحق لولي الأمر أن يجبر أحدًا على التصرف في ماله بصورةٍ معيَّنةٍ، أو أن يسلبه إياه بغير حقٍّ طالما لم يرتكب ما يستوجب ذلك، ومن ذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد في خلافته أن يوسع مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان بجانب المسجد دارٌ للعباس رضي الله عنه، فقال له عمر: «إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «نزيد في المسجد» ودارك قريبة من المسجد، فأعطناها نزدها في المسجد، وأقطع لك أوسع منها، قال: لا أفعل، قال: إذا أغلبك عليها، قال: ليس ذاك لك فاجعل بيني وبينك من يقضي بالحق، قال: ومن هو؟ قال: حذيفة بن اليمان، قال: فجاؤوا إلى حذيفة فقصوا عليه، فقال حذيفة: عندي في هذا خبر، قال: وما ذاك؟ قال: إن داود النبي صلوات الله عليه أراد أن يزيد في بيت المقدس، وقد كان بيت قريب من المسجد ليتيم فطلب إليه فأبى فأراد داود أن يأخذها منه، فأوحى الله عز وجل إليه إن أنزه البيوت عن الظلم لبيتي، قال: فتركه، فقال له العباس: فبقي شيء، قال: لا، قال: فدخل المسجد، فإذا ميزاب للعباس شارع في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسيل ماء المطر منه في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر بيده، فقلع الميزاب، فقال: هذا الميزاب لا يسيل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له العباس: والذي بعث محمدًا بالحق إنه هو الذي وضع الميزاب في هذا المكان، ونزعته أنت يا عمر، فقال عمر: ضع رجليك على عنقي لترده إلى ما كان هذا، ففعل ذلك العباس، ثم قال: العباس قد أعطيتك الدار تزيدها في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فزادها عمر في المسجد، ثم قطع للعباس دارًا أوسع منها بالزوراء»([32]).

2- يجوز للمرأة أن تتصرف في جميع مالها الذي اكتسبته من الصداق عند نكاحها، أو مما وصل إليها من كسبها أو عن طريق الهبة ونحو ذلك، سواء تصرفت فيه بالمعاوضة أو التبرع من غير أن تحتاج إذنًا من أحد طالما كانت راشدةً وتنفق فيما يجوز الإنفاق فيه من المباحات([33]).

3- يجوز للمسلم أن ينفق جميع ماله فيما يراه من وجوه الخير، ولا يحق لحاكمٍ أن يمنعه من ذلك طالما لم يكن فيه ضررٌ لأحد، وقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا»([34]).

فدل الحديث على أن للمسلم أن ينفق ماله فيما شاء من وجه الحق والخير، وتعبيره بلفظ: «فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ» يدل على جواز استغراقه لكل ماله فيما شاء طالما كان صحيحًا راشدًا لا يضر أحدًا.

القاعدة الثالثة: يُتَحَمَّلُ الضَّرَرُ الْخَاص لدفع الضَّرَر الْعَام.

ومعنى هذه القاعدة: أنه يجوز لولي الأمر أن يفعل ما يسبب ضررًا جزئيًّا لفردٍ واحد تجنيبًا لغيره من الناس ما قد يصيبهم من ضررٍ عام.

ومن التطبيقات على هذه القاعدة:

1- لولي الأمر إزالة الحائط المتوهَّن أو البيت الآيل للسقوط رغمًا عن مالكه إِذا كَانَ مجاورًا للطَّرِيق دفعًا للضَّرَر الْعَام.

2- لولي الأمر قتل قَاطع الطَّرِيق إِذا قتَلَ أحدَ الناس بِأَيِّ كَيْفيَّة كَانَت بِدُونِ قبُول عَفْوٍ عَنهُ من ولي الْقَتِيل، دفعًا للضَّرَر الْعَام.

3- لولي الأمر الْحجر على الطَّبِيب الْجَاهِل دفعًا لضرره عن الناس([35]).

4- لولي الأمر منعُ أحدِ الناس من فتح نافذةٍ في داره إذا كانت في موضعٍ يطَّلع منه على نساءِ جارِه، وله كذلك أن يمنع أحدَ الناس أن يتخذ بجانب دار جاره ما يضر ببنائها كالطاحون ونحو ذلك([36]).

القاعدة الرابعة: إذا ضاق الأمر اتَّسع، وَإِذا اتَّسع ضَاقَ.

ومعناها: أنه إذا دعت الضرورةُ والمشقة إِلَى اتساع الأمر فَإِنه يَتَّسعُ إِلَى غاية اندفاعِ الضرورة وَالمشقة، فَإِذا اندفعت وزالت الضرورةُ الداعية عَاد الْأَمر إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قبل نُزُوله، وهي نموذجٌ أصوليٌّ للجمع بين قاعِدَتَي: “الضرورات تبيح الْمَحْظُورَات”، و”الضَّرُورَة تقدر بِقَدرِهَا”.

ومن تطبيقات هذه القاعدة في السياسة الشرعية:

1- جواز دفع السارق والباغي ما أمكن إلى أن يندفع شره ولو بالقتل؛ ولذا قال سيدنا عليٌّ -كرم الله وجهه-: “لا تَتْبَعوا مُوَلِّيًا، ولا تُجْهِزوا على جريح”؛ لأن القصد من القتال كان دفع الضرر، وقد حصل بهربه أو جرحه فلا يجوز الزيادة عليه؛ لأن ما جاز لعذر امتنع بزواله.

2- جواز قبول شهادة الأمثل فالأمثل عند فقد العدالة أو ندرتها.

3- عدم جواز الخروج على الإمام الجائر إذا كان متغلبًا وفي الخروج عليه مفسدة.

4- لولي الأمر منع استيراد البضائع -رغم أن الأصل جواز استيراد المباحات- إذا كان استيرادها يضر بالبضائع والمنتجات الوطنية([37]).

القاعدة الخامسة: من استعجل الشيء قبل أوانه عُوقب بحرمانه.

ومعناها: أن من أجازت له الشريعة شيئًا في وقتٍ معين ثم تباطأ هذا الوقت وطال عليه الأمد، وحاول استعجاله بطرقٍ ملتوية محرمة، فإنه حينئذٍ يعاقب بحرمانه مما هو مباح له ويحال بينه وبين حقه، معاملةً له بنقيض قصده جزاءً وفاقًا، فكما أنه توسل للمشروع بوسائل محرمة تعجلًا منه للحصول على مقصوده المستحق له فإنه يعاقب بالحرمان منه، وهذا هو العدل، فإن هذا الحق الذي جعل صاحبه يقع في الحرام من أجل استعجاله لا خير فيه، وحقه أن يمنع منه، وهذه القاعدة العظيمة تمثل جانبًا من جوانب السياسة الشرعية في القمع وسد الذرائع، ولأن فعل ذلك الشخص الذي أراد الوصول إلى حقه بطرقٍ محرمه يُعَدُّ تحايلًا على الشرع من جانبٍ آخر.

من التطبيقات على هذه القاعدة في باب السياسة الشرعية:

1- لولي الأمر إيجاب الزكاة على من كانت له ماشية فخاف وجوب الزكاة فيها، فباعها قبل الحول بقليل كشهر ونحوه، واشترى بها ماشية أخرى فرارًا من الزكاة، وتؤخذ من المبدلة، ويعامل بنقيض مقصوده.

2- ما نقل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أفتى في المرأة التي يطلقها زوجها، فتزوج غيره قبل انقضاء عدتها، بأنها تحرم على هذا الزوج الثاني إن دخل بها حرمة مؤبدة، معاملة لها بنقيض مقصودها، بمقتضى السياسة الشرعية في المصالح المرسلة([38]).

المطلب الثاني: أثر مقاصد الشريعة في منهجية الفتوى في مجال السياسة الشرعية.

تعد المقاصد الشرعية من أهم موارد ومناهل السياسة الشرعية التي تؤثر في الفتاوى والتصرفات المتعلقة بها، ذلك أنه إذا كانت القواعد الشرعية تمثل منبعًا أصيلًا للسياسة الشرعية، وتستند إليها غالبية أحكامها وفتاويها كما رأينا في المطلب السابق، فإن المقاصد الشرعية تمثل الجناح الآخر لهذه المستندات الفقهية التي تقوم عليها تلك السياسة، خصوصًا إذا أخذنا في الاعتبار أن من الأهداف الأصيلة لتلك القواعد الفقهية: تحقيق مصالح الشرع في حفظ الضروريات الدنيوية والأخروية على ما هو مبين في كتب الأصول.

ولذلك نجد للمقاصد الشرعية حضورًا أصيلًا ودورًا فاعلًا في تفصيلات السياسة الشرعية سواء في الفتاوى المتعلقة بها والتي لا بد فيها من مراعاة المقاصد على الصورة المثلى التي لا تسبب نقيض القصد، أو في التصرفات التي يجريها القائمون على سياسة العباد والبلاد من الحكام والولاة والقضاة ونحوهم من أولي الأمر، والناظر إلى تلك الفتاوى والتصرفات على وجه العموم يجد فيها اعتبارًا كبيرًا لكل ما يترتب عليه حفظ الدين أو النفس أو المال أو العقل أو الأعراض أو الأنساب، بل إنه لا يكاد يوجد ما يمثِّل استثناءً من القواعد الفقهية في باب السياسة الشرعية إلا لتوقف تحقق شيء من المقاصد عليه، فيُستَثنى لأجل ذلك من القاعدة.

ولذلك سيكون الحديث في هذا المطلب ضمن فرعين:

الفرع الأول: ما استند أصلًا إلى المقاصد المعتبرة في باب السياسة الشرعية:

ومن ذلك ما يلي:

1- لا يجوز لمن جعله الشرعُ صاحبَ حق أن يُسبب بحقه هذا ضررًا ينافي المقصد الشرعي.

ومعنى ذلك: أن الشرع قد جعل لبعض الناس حقوقًا في ولاياتٍ أدبيةٍ أو مالية مثلًا، فلصاحب الحق ممارسةُ حقه بشرط ألا يسبب ذلك ضررًا يخل بالمقصد الذي أعطِي ذلك الحق لأجله.

ومن التطبيقات على ذلك في باب السياسة الشرعية:

– لا يجوز لولي المرأة سواء كان والدًا أو ولدًا أو غيرَ ذلك أن يعضُلَها عن الزواج بكُفْءٍ لها، فإن فعل ذلك جاز للقاضي أن يزوجها بنفسه أو يجبر وليها على تزويجها حفظًا لمقصد الشرع في منع العضل والظلم والإكراه في الزواج([39]).

– لا يجوز لمن يتولى الوصايةَ على مالِ يتيمٍ أن يغامر به في تجارةٍ يغلب على الظن أنها خاسرة، فإن فعل ذلك جاز للقاضي أن يُنهي ولايته على اليتيم ويحوِّلها إلى الولي الذي يليه قرابةً ويفوقه رشدًا وورعًا، أو يتولاها القاضي بنفسه حفظًا لمقصد الشرع في رعاية مال اليتيم حتى يبلغ ويرْشُد.

2- حفظ استقرار جماعة المسلمين أولى في باب المقاصد من حفظ حياة من يخرج عنها.

ومعنى ذلك: أن الدين لا يقوم إلا بجماعة، والدولة لا يصلُح أمرها إلا بجماعة، ولا بد لكل جماعة من إمامٍ يحفظ نظامها، والخروج عن هذا النظام يهدد تماسك الجماعة ويُذهِب ريحها، فما دام الأمنُ محفوظًا والشرع مصونًا فلا يجوز تهديد أمن الجماعة بالخروج عن دائرة نظامها.

ومن التطبيقات على ذلك في باب السياسة الشرعية:

– لولي الأمر الذي انتخبته الجماعةُ واستقر له الحكمُ في بلد الإسلام أن يعاقبَ من يخرجُ عليه من الناس بما يندفع به شرُّه من الحبس أو النفي أو حتى القتل إن لم يندفع شره إلا به، حفظًا لمقصد الشرع الشريف في صيانة الجماعة المسلمة عن الفرقة والاختلاف المسببَيْنِ للضعفِ والضياع والهوان على أعداء الإسلام.

يقول ابن عبد البر: “الآثار المرفوعة في هذا الباب كلها تدل على أن مفارقة الجماعة وشق عصا المسلمين والخلاف على السلطان المجتمع عليه يريق الدم ويبيحه، ويوجب قتال من فعل ذلك، كما فعل الصحابة مع المرتدين ومانعي الزكاة من قبائل العرب… فكذلك من شق عصا المسلمين وخالف إمام جماعتهم وفرق كلمتهم؛ لأن الفرضَ الواجبَ اجتماعُ كلمة أهل دين الله المسلمين على من خالف دينهم من الكافرين حتى تكون كلمتهم واحدة وجماعتهم غير مفترقة، ومن الحقوق المريقة للدماء المبيحة للقتال الفساد في الأرض وقتل النفس وانتهاب الأهل والمال والبغي على السلطان والامتناع من حكمه”([40]).

ويقول ابنُ تيمية: “ومن لم يندفع فساده في الأرض إلا بالقتل قُتل، مثل المفرق لجماعة المسلمين، والداعي للبدع في الدين”([41]).

وذلك لأن الخروج عن الجماعة ضررُه أعظم من نفعِه، ولقد صح عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال في إحدى خطبه: “وما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة”([42]).

وقال ابن تيمية: “ولعله لا يُعرف طائفةٌ خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته”([43]).

3- العدلُ مطلوبٌ في كل شيءٍ، فكلُّ ما أخل بمقصِد الشريعة في العدل لا يُعبَأ به.

ومعنى ذلك: أن للشريعةِ في أحكامها وحدودها مقاصدَ لا ينبغي الإخلال بها ولا تجاوزها، فإن كان تنفيذُ الحكمُ المنصوص عليه في معاملةٍ أو عقوبةٍ يُخرج حالةَ المسألة عن مقصد الشرع إلى عكسِه فلا يُنفَّذ بصورته المعهودة، ولولي الأمر في ذلك أن يخففه إلى صورةٍ لا تخل بالمقصد.

ومن التطبيقات على ذلك:

– أن الغرض من العقوبة التأديب، فإن وقع شخصٌ في جريمة تستوجب حدًّا أو تعزيرًا روعيت حالته، فلا يُضرب وجهه ولا رأسه حتى لا يؤدي ذلك لقتله بدلًا عن تأديبه، ويكون ضربُه وهو في ثيابه التي لا تمنع عنه ألم الضرب فلا يجرَّد عريانًا، ولا يضرب بسوطٍ قويٍّ ولا عصا.

وقد ورد عن سيدنا علي -رضي الله عنه- أنه قال: “يكون ضَرْبًا بين ضربين، وسَوْطًا بين سوطين، وزَمانًا بين زمانين، أي: يُتَجَنَّبُ زمنُ الحرِّ الشديد، والبردِ الشديد”([44]).

قال ابن تيمية: “والجلد الذي جاءت به الشريعة: هو الجلد المعتدل بالسوط، فإن خيار الأمور أوساطها، قال علي رضي الله عنه: “ضرب بين ضربين وسوط بين سوطين”، ولا يكون الجلد بالعصي ولا بالمقارع ولا يكتفى فيه بالدرة، بل الدرة تستعمل في التعزير. أما الحدود فلا بد فيها من الجلد بالسوط، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يؤدب بالدرة، فإذا جاءت الحدود دعا بالسوط ولا تجرد ثيابه كلها، بل ينزع عنه ما يمنع ألم الضرب من الحشايا والفراء ونحو ذلك. ولا يربط إذا لم يحتج إلى ذلك ولا يضرب وجهه، فإن المقصود تأديبه لا قتله”([45]).

4- الأصل استقرار المجتمع وعموم المودة بين المتعايشين فيه ومراعاة عموم نفعهم.

وهذا مقصد عظيم من مقاصد الشرع، ومن أجله عقد النبي صلى الله عليه وسلم المعاهدات مع غير المسلمين ليعم الأمانُ والطمأنينة المجتمع بأكمله.

ومن التطبيقات على هذه القاعدة في باب السياسة الشرعية:

– لولي الأمر تخصيص جزء من الصدقات والزكاة لفقراء أهل الذمة ممن يعيشون على أرضه، وهذا هو ما عليه الفتوى عند الحنفية من جواز دفع الصدقة للذمي.

قال السرخسي: “ويجوز أن يدفع صدقة الفطر إلى أهل الذمة… (ولنا) أن المقصود سد خلة المحتاج، ودفع حاجته بفعل هو قربة من المؤدي، وهذا المقصود حاصلٌ بالصرف إلى أهل الذمة فإن التصدق عليهم قربة بدليل التطوعات؛ لأنا لم ننه عن الْمَبَرَّةِ لمن لا يقاتلنا، قال الله تعالى:
{لَّا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ} [الممتحنة: 8] الآية بخلاف المستأمن، فإنه مقاتل وقد نهينا عن المبرة مع من يقاتلنا، قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ قَٰتَلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ} [الممتحنة: 9] الآية، والقياس أن يجوز صرف الزكاة إليهم، إنما تركنا القياس فيه بالنص، وهو قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ: «خذها من أغنيائهم وردها في فقرائهم»، والمراد به الزكاة لا صدقة الفطر والكفارات إذ ليس للساعي فيها ولاية الأخذ فبقي على أصل القياس”([46]). اهـ.

وقال الكاساني: “ويجوز صرفها إلى الذِّميِّ؛ لأنا ما نهينا عن برِّ أهل الذمة لقوله سبحانه وتعالى: {لَّا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَلَمۡ يُخۡرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوٓاْ إِلَيۡهِمۡ} [الممتحنة: 8]([47]).  كما أن المفتى به عند الحَنفيَّةِ جواز وصية المسلم للكافر. وقال العلامة المرغيناني: “ويجوز أن يوصي المسلم للكافر والكافر للمسلم”، فالأولى لقوله تعالى: {لَّا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ} [الممتحنة: 8] الآية، والثاني لأنهم بعقد”([48]). اهـ.

وقد حكم سيدنا عمر -بصفته حاكمًا للدولة- التجارة مع التجار المحاربين إذا وفدوا إلى بلادنا، ثم قضى بأن يؤخذ منهم العُشر بناءً على قاعدة المعاملة بالمثل.

فعَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ: “أَنَّ عُمَرَ بَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ، فَجَعَلَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي أَمْوَالِهِمَ الَّتِي يَخْتَلِفُونَ بِهَا فِي كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا: دِرْهَمًا، وَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى عُمَرَ بنَ الْخَطَّابِ فَرَضِيَ وَأَجَازَهُ، وَقَالَ لِعُمَرَ: كَمْ تَأْمُرُنَا أَنْ نَأْخُذَ مِنْ تُجَّارِ أَهْلِ الْحَرْبِ؟ قَالَ: كَمْ يَأْخُذُونَ مِنْكُمْ إِذَا أَتَيْتُمْ بِلَادَهُم؟ قَالُوا: الْعُشْرَ، قَالَ: فَكَذَلِكَ فَخُذُوا مِنْهُمْ”([49]). اهـ.

وعن عبد الله بن الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ((قَدِمَت قُتَيْلَةُ ابْنَةُ عَبْدِ الْعُزَّى بنِ عَبْدِ أَسْعَدَ مِن بَنِي مَالِكِ بنِ حَسَلٍ عَلَى ابْنَتِهَا أَسْمَاءَ ابْنَةِ أَبِي بَكْرٍ بِهَدَايَا: ضِبَابٍ، وَقِرظٍ، وَسَمْنٍ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فَأَبَتْ أَسْمَاءُ أَنْ تَقْبَلَ هَدِيَّتَهَا، وَتُدْخِلَهَا بَيْتَهَا، فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَّا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ} [الممتحنة: 8] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَقْبَلَ هَدِيَّتَهَا وَأَنْ تُدْخِلَهَا بَيْتَهَا))([50]). اهـ.

الفرع الثاني: ما استُثنيت له أحكامٌ من القواعد الفقهية لتوقف شيء من المقاصد عليه:

1- وسيلة المحرم قد تكون غيرَ محرَّمةٍ إذا أفضت إلى مصلحة راجحة([51]).

ومعنى ذلك: أنَّ المقاصد الشَّرعيَّة تتبعها وسائلها في أحكامها على الإطلاق، بخلاف المقاصد العاديَّة ووسائلها. يقول الإمام القرافي: “وموارد الأحكام على قسمين: مقاصد: وهي المتضمنة للمصالح والمفاسد في أنفسها، ووسائل: وهي الطرق المُفْضية إليها، وحكمها كحكم ما أفْضَتْ إليه من تحريمٍ أو تحليلٍ، غير أنها أخفض رتبةً من المقاصد في حكمها، فالوسيلة إلى أفضل المقاصد أفضل الوسائل، وإلى أقبح المقاصد أقبح الوسائل، وإلى ما هو متوسط متوسطة”([52]).

ولكن هذه القاعدة التي معنا في هذا الفرع تفيد أنَّه يجوز أن تكون وسيلة المحرم غير محرَّمة، ولكن ذلك بالنَّظر إلى مقصد آخر يكون واجبًا أو مندوبًا أو مباحًا، فتكون الوسيلة ذات وجهين مختلفين، أو ينظر إليها من ناحيتين مختلفتين؛ ولذلك فهي من وجه وناحية محرَّمة، ولكنَّها من وجه آخر وناحية أخرى تكون غير محرَّمة، فيرجَّح جانب عدم التَّحريم لما فيه من مصلحة راجحة على المفسدة المرجوحة.

ومن التطبيقات على ذلك في باب السياسة الشرعية:

– يجوز لولي الأمر التَّوسُّل إلى فداء أسرى المسلمين بدفع المال إلى الكفَّار -ودفع المال إلى الكفَّار محرَّم-، لكن لمَّا كان وسيلة إلى مصلحة عظيمة وهي فداء الأسرى المسلمين كان واجبًا.

2- صورة الفعل تتبع مقصِده، فقد يكون ما ظاهرُه الحرامُ مستثنًى من الحرمة لشرف مقصده.

ومعنى ذلك: أنه قد يكون الفعلُ في ظاهره من المحرمات، لكن ينطوي في جوهره على قصدٍ شريفٍ يتحقق به مقصدٌ معتبر من مقاصد الشرع في حفظ ما يجب حفظه من الأمن أو القوت أو الحياة أو نحو ذلك، فحينئذ يكتسب هذا الفعل صفةً جديدةً هي الجواز في تلك الحالة وما شابهها.

ومن التطبيقات على ذلك في باب السياسة الشرعية:

– من اشترى سلاحًا في فتنة، فإن كان يقصد به إعانة ولي الأمر على إطفائها والقتال معه، فهذا مأجور على هذه النية، وإن كان يقصد بشرائه قتل المسلمين به ظلمًا وعدوانًا فهو مأزور مع أن صورة البيع واحدة لكن اختلف باختلاف المقاصد([53]).

  3- يغتفر في الضرورة ما لا يغتفر في السَّعة.

ومعنى ذلك: أنه قد يجوز في حال الضرورة والضيق ما لا يجوز في حالات الرخاء والسعة إذا توقَّف على فعله تحقيقُ مقصدٍ معتبَر من مقاصد الشريعة، كحفظ أنفس المسلمين وأموالهم وأمانهم.

ومن التطبيقات على ذلك في باب السياسة الشرعية:

– يجوز إتلاف شجر الكفار وبنائهم لحاجة القتال، وكذا إتلاف الحيوان الذي يقاتلون عليه، لدفعهم أو الظفر بهم([54]).

– جواز بيع الخمر للعدو المحتلِّ الذي يقتُل المسلمين إلهاءً له عن قتلهم، كما أفتى به ابنُ تيمية حين داهم التتارُ الشام واستباحوها ليقلل بسُكْرِهم من سفك دماء المسلمين قدر المستطاع، وقال هو عن ذلك: “وأما الكفار فزوال عقل الكافر خير له وللمسلمين، أما له فلأنه لا يصده عن ذكر الله وعن الصلاة بل يصده عن الكفر والفسق، وأما للمسلمين، فلأن السكر يوقع بينهم العداوة والبغضاء، فيكون ذلك خيرًا للمؤمنين، وليس هذا إباحة للخمر والسكر ولكنه دفع لشر الشرين بأدناهما، ولهذا كنت آمر أصحابنا أن لا يمنعوا الخمر عن أعداء المسلمين من التتار والكرج ونحوهم، وأقول: إذا شربوا لم يصدهم ذلك عن ذكر الله وعن الصلاة بل عن الكفر والفساد في الأرض، ثم إنه يوقع بينهم العداوة والبغضاء وذلك مصلحة للمسلمين فصَحْوُهم شرٌّ من سُكْرِهم، فلا خير في إعانتهم على الصحو بل قد يستحب أو يجب دفع شر هؤلاء بما يمكن من سكر وغيره”([55]).

 

 

 ([1]) غياث الأمم في التياث الظلم للجويني، تحقيق: عبد العظيم الديب (ص75)، مكتبة إمام الحرمين.

 ([2]) انظر: مآلات الأفعال وأثرها في فقه الأقليات للدكتور عبد المجيد النجار (ص3)، بحث مقدم للدورة التاسعة للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، جمادى الأولى 1423هـ، يوليو 2002م.

 ([3]) الموافقات للشاطبي (5/ 178)، دار ابن عفان.

 ([4]) أخرجه البخاري، رقم (1585)، ومسلم، رقم (1333)، واللفظ له.

([5]) فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر (3/ 448).

[6]) انظر: القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة للدكتور محمد مصطفى الزحيلي (1/ 226).

[7]) القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة للدكتور محمد مصطفى الزحيلي (1/ 226، 227).

[8]) التحبير شرح التحرير في أصول الفقه للمرداوي (8/ 3851).

[9]) انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (28/ 254، 255).

[10]) السابق (28/ 67، 68).

[11]) الشرح الكبير على متن المقنع لابن قدامة المقدسي (10/ 402)، دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع.

[12]) شرح القواعد الفقهية، للزرقا (ص309).

[13]) رواه البخاري، كتاب الأحكام، باب من استرعي رعية فلم ينصح، رقم (7150).

[14]) المحلى، لابن حزم (9/ 265).

[15]) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (2/ 26، 27).

[16]) الموافقات، للشاطبي، (2/ 289).

[17]) سنن أبي داود، كتاب: الطهارة، باب: كيفية المسح، رقم (162)، (1/ 42).

[18]) شرح النووي على صحيح مسلم، (12/ 45).

[19]) ينظر: الشرح الصغير على مختصر خليل، للشيخ الدردير، (2/ 177)، والعلاقات الدولية في الإسلام، محمد أبو زهرة (ص44).

[20]) ينظر: التمهيد، لابن عبد البر (20/ 158)، والمصلحة في التشريع الإسلامي، لنجم الدين الطوفي (ص15).

[21]) القواعد والأصول الجامعة، (ص52).

[22]) سنن أبي داود، كتاب: الأقضية، أبواب من القضاء، رقم (3636)، (5/ 478).

[23]) معالم السنن شرح سنن أبي داود، أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي، (4/ 180، 181).

[24]) القواعد والضوابط الفقهية وتطبيقاتها في السياسة الشرعية، د. فوزي عثمان صالح، (ص121، 122).

[25]) القواعد والضوابط الفقهية وتطبيقاتها في السياسة الشرعية، د. فوزي عثمان صالح، (ص122).

[26]) المنثور في القواعد الفقهية، للإمام الزركشي، (3/ 110).

[27]) ينظر: الأم، للإمام الشافعي (2/ 91)، ومجموع الفتاوى، لابن تيمية (28/ 91)، ونيل الأوطار، للشوكاني (5/ 260)، والروضة البهية، للعاملي (4/ 302).

[28]) مسند الإمام أحمد، (1/ 446).

[29]) موطأ مالك، رواية أبي مصعب الزهري، تحقيق: بشار عواد معروف، ومحمود خليل، مؤسسة الرسالة (2/ 513).

[30]) مسند الإمام أحمد، ط. الرسالة، حديث رقم (4262)، (7/ 296).

[31]) تحفة الأحوذي بشرح سنن الترمذي، للمباركفوري، (4/ 452)، وينظر: بحار الأنوار، للمجلسي، (2/ 273).

[32]) المستدرك على الصحيحين، للحاكم أبي عبد الله النيسابوري، رقم (5429)، (3/ 374).

[33]) ينظر: المبسوط، للسرخسي (5/ 12)، الأم، للإمام الشافعي (3/ 224)، المغني، لابن قدامة (4/ 300)، المحلَّى، لابن حزم الظاهري (7/ 181).

[34]) صحيح البخاري، كتاب: العلم، باب: الِاغْتِبَاطِ فِي العِلْمِ وَالحِكْمَةِ، رقم (73)، (1/ 25).

[35]) الدر المختار وحاشية ابن عابدين، (6/ 174).

[36]) شرح القواعد الفقهية، أحمد ابن الشيخ محمد الزرقا، دار القلم- دمشق، (ص204، 205).

[37]) شرح القواعد الفقهية، (ص163، 164).

[38]) المدخل إلى علم السياسة الشرعية، د. عبد العال عطوة، (1/ 164).

[39]) ينظر: المبسوط، للسرخسي (12/ 198).

[40]) التمهيد، لابن عبد البر، (21/ 282، 283).

[41]) ينظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية، (28/ 108، 109)، وسبل السلام، للصنعاني (3/ 506).

[42]) مصنف ابن أبي شيبة، رقم (7447).

[43]) منهاج السنة، لابن تيمية، (3/ 391).

[44]) السنن، للبيهقي (8/ 327)، وشرح الإلمام بأحاديث الأحكام، لابن دقيق العيد، (5/ 97).

[45]) مجموع الفتاوى، لابن تيمية، (28/ 349).

([46]) المبسوط (3/ 111)، دار المعرفة- بيروت.

([47]) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (7/ 341)، دار الكتب العلمية.

([48]) الهداية في شرح بداية المبتدي (4/ 514)، دار إحياء التراث العربي- بيروت.

([49]) مصنف ابن أبي شيبة (4/ 289)، ط. الفاروق.

([50]) مسند أحمد (26/ 37)، ط. الرسالة.

[51]) ينظر: الفروق، للقرافي، (2/ 33)، والقواعد، للمقري، (ص146، 231).

[52]) شرح تنقيح الفصول في علم الأصول، للقرافي، (2/ 505).

[53]) تلقيح الأفهام العلية بشرح القواعد الفقهية، وليد بن راشد السعيدان (3/ 32).

[54]) المنثور في القواعد الفقهية، للزركشي (2/ 317).

[55]) الاستقامة، لابن تيمية، (2/ 165).

اترك تعليقاً