البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

الفصل الثاني: ضوابط الفتوى في السياسة الشرعية

المبحث الرابع: تطبيقات على تغير الفتوى في السياسة الشرعية

75 views

يوجد العديدُ من النماذج الإفتائية سواء في التراث الفقهي أو في الاجتهادات المعاصرة على ضرورة تغيُّر الفتوى في باب السياسة الشرعية لتحقيق المقاصد الشرعية التي يتوقف تحقيقها على هذا التغيُّر؛ لأن الفتاوى القديمة لم تعد تحقق تلك المقاصد في ظل هذه الظروف الجديدة، ومن هذه النماذج:

1- وجوب تسجيل النكاح لدى المأذون وتوثيقه من القاضي ونائبه في المحكمة وضبطه في السجلات لتغير أعراف الناس وأحوالهم، وتطور أساليب حياتهم وحفظًا على الأعراض ونسب الأولاد وحقوق الزوجين([1]).

2- وجوب تسجيل السيارات وعمل تراخيص لها، والتأمين الشرعي عليها، لتحقيق مقاصد عديدة، والحفاظ على المصالح المتجددة([2]).

3- جواز إغلاق أبواب المساجد في غير أوقات الصلاة في زماننا، وذلك صيانة للمساجد عن العبث والسرقة؛ لأن وظيفة معظم المساجد اليوم اقتصرت على الصلاة وغابت عنها وظائف المسجد ورسالته المقررة شرعًا([3]).

4- لولي الأمر أن يمنع الناس من بعض الأمور المستحبة والمباحة للمصلحة العامة، كما جاء عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما مُنِعت نساءُ بني إسرائيل»([4]).

ولهذا رأى بعض ولاة الأمر المعاصرين في الديار السعودية منع من سبق له الحج إلا بعد مرور خمس سنوات، وذلك حتى يفتح المجال لغيره من إخوانه المسلمين، وهذا يدخل في السياسة الشرعية المبنية على المصالح ومراعاة ما يجد من أحوال الناس.

5- جواز إحداث أحكام سياسية لقمع أرباب الجرائم عند كثرة فساد الزمان، وأول من أشار إلى ذلك عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه فإنه قال: «ستحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور»([5]).

6- منع حمل وتجارة السلاح واستخدامه بلا ترخيص، وكان ذلك جائزًا قديمًا، فكانت الأسلحة تُحمل ويُعد لتجارتها الأسواق والدكاكين، لكن لما تغيَّر الزمان وظهرت المفاسد اقتضت السياسة الشرعية أن يُمنع ذلك إلا بترخيصٍ من الحكومة القائمة، وقد نصت على ذلك دار الإفتاء المصرية.

7- جواز العمل في الشركات الدولية متعددة الجنسيات، والتي غالبًا ما تكون رؤوس أموالها مملوكةً لغير المسلمين من اليهود أو غيرهم، ما دام أن هذا العمل غيرُ مرتبطٍ بوجود الضرر بالمسلمين([6]).

8- ومن ذلك مثلًا التسعير، وهو تقدير الإمام للثمن أو القيمة التي يشيع البيع بها في الأسواق([7]).

والأصل في التسعير عدم الجواز، وذلك في الأحوال العادية التي لا يظهر فيها ظلم التجار ولا غلاء في الأسعار، أما إذا اضطربت الأحوال وجنح التجار إلى الاحتكار والإغلاء على الناس فلولي الأمر حينئذٍ أن يسعِّر البضائع وفق ما يقدِّره أهل الاختصاص بما لا يضر التاجر ولا المشتري، ولا يضر بالأحوال الاقتصادية والتوازن المعيشي في المجتمع بشكلٍ عام.

 

 

 ([1]) القواعد الفقهية الكبرى وما تفرع عنها لصالح بن غانم السدلان (ص439)، دار بلنسية- الرياض.

 ([2]) السابق نفسه.

 ([3]) السابق (ص436).

 ([4]) أخرجه البخاري، رقم (869)، ومسلم، رقم (445)، واللفظ له.

 ([5]) شرح القواعد الفقهية لأحمد ابن الشيخ محمد الزرقا (ص229)، دار القلم- دمشق.

 ([6]) فتاوى دار الإفتاء المصرية، الموقع الرسمي، رقم الفتوى: (262)، تاريخ الفتوى: 19 أكتوبر 2015م.

[7]( الاختيار لتعليل المختار، ابن مودود الموصلي، (4/ 161)، ط: الحلبي- القاهرة، 1937م، وشرح المشكاة للطيبي، (7/ 2169)، ط: مكتبة نزار مصطفى الباز- الرياض، 1997م.

اترك تعليقاً