البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

الفصل الرابع: الفتوى وقضايا الحياة السياسية

المبحث الثاني: مشاركة المرأة في الحياة السياسية

77 views

توطئة:

يكتسب موضوع حقوق المرأة في الإسلام حيوية متزايدة بما يثيره من جدل حول الحقوق وممارستها، وما يتصل بذلك من تفاسيرَ وتأويلاتٍ، فضلًا عن مساحات أخرى من الرأي تتداخل في هذا الموضوع من عادات وتقاليد متوارثة في وقت تتسارع فيه خطى التغيرات وطبيعة التحديات.

ويهمنا هنا أن نقول: أن الفهم الشامل والواعي لحقوق المرأة في إطار أهداف الشريعة الكلية يمثل التزامًا دينيًا وأخلاقيًا وإنسانيًا أمام المسلمين. ولقد حسمت الشريعة الغراء قبل غيرها المساواة في الإنسانية دون تمييز بين البشر جميعا أو بين رجل وامرأة { يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات:13].

وكفلت الشريعة للمرأة حقوقها المدنية والمشاركة في الحياة العامة كعنصر فعال في المجتمع الإنساني، وقضى الإسلام على ما ساد المجتمعات الانسانية قبله من تفرقة بين الرجل، والمرأة أمام القانون أو في الحقوق العامة أو في القيمة، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آَدَمَ}[الإسراء:70]، وقال: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ}[آل عمران:195].

وقال: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ}[النساء:32].

وسمح الإسلام للمرأة بدور فعال في المجتمع والحياة العامة، ودعاها للعلم والمعرفة، وهى تتمتع -كالرجل- بحقوقها المدنية ومن بينها العمل والاتجار وتولى الوظائف، كما اعترف بحقوقها السياسية في قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ}[التوبة:71].

وجاءت أحوالها الشخصية -من أسرة وزواج وطلاق ورعاية طفل ومسئولياتها- راسخة الصلة بالمنظور الإسلامي للأسرة والمجتمع وتوزيع الأدوار بين الرجل والمرأة، لما فيه صلاح المجتمع والأمة في إطار المساواة في القيمة والكرامة دون نظرة دونية، تتأسى على سوء الفهم أو البعد عن الممارسة السليمة.

ولقد سبق الإسلام غيره في كل ذلك من عدة قرون حيث تأسست النظرة الإسلامية على مبدأ مساواة المرأة بالرجل، ومراعاة الاختلاف بينهما في القدرات الطبيعية كما خلقها الله. والتكامل بينهما لخدمة المجتمع، وهى نظرة عميقة أبعد ما تكون عن دعاوى التهميش([1]).

وللموضوع -فضلًا عن ذلك- أبعادُه في الإطارين الإسلامي والدولي، ففي الاطار الإسلامي اتفقت الدول الإسلامية على إصدار ميثاق حقوق الانسان في الإسلام، وهو ما يعرف بإعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام، والذي تمت إجازته من قبل مجلس وزراء خارجية منظمة مؤتمر العالم الإسلامي، وصدر في القاهرة بتاريخ 5 أغسطس 1990م،  ومن بين ما يقرره أن الأسرة هي الأساس في بناء المجتمع، والزواج أساس تكوينها .. كما تنص المادة السادسة في الإعلان على أن المرأة مساوية للرجل في الكرامة الإنسانية([2]).

ولها من الحق مثل ما عليها من الواجبات، ولها شخصيتها المدنية وذمتها المالية المستقلة، وحق الاحتفاظ باسمها ونسبها، وأن على الرجل عبء الأنفاق على الأسرة ومسئوليته ورعايتها .. كما تنص المادة الخامسة والعشرون على “أن الشريعة الإسلامية هي المرجع الوحيد لتفسير أو توضيح أي مادة من مواد هذه الوثيقة” ([3]).

وإذا تناولنا الإطار الدولي للموضوع فالشرعية الدولية لحقوق الإنسان بما في ذلك حقوق المرأة تتضمنها ثلاثة وثائق رئيسية هي:

1 – الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948م.

2 – العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966م.

3 – والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية 1966م، والاتفاقيات المنبثقة عنها.

وقد انعكست معالم واضحة في الفكر الغربي في هذه الإعلانات التي تستهدف حماية مجمل حقوق الانسان اللازمة لممارسة حياة آمنة، وهى أهداف سبقت إليها الشريعة الإسلامية وقررتها وحددتها، وتبقى الممارسة السليمة علامة محورية على طريق تحقيق هذه الأهداف، ولا شك أن حقوق المرأة الاجتماعية والمدنية ركن أصيل في هذه الحقوق المكفولة([4]).

وعلى هذا جاءت فتوى دار الإفتاء المصرية ونصها:

«تاريخ الفتوى : 09 نوفمبر 2014، رقم الفتوى : 6162

السؤال

كيف يكون الجواب على من يعترض على مشاركة المرأة في الأعمال المجتمعية والسياسية، ويحاول تهميشها وعزلها عن دورها الحقيقي في بناء المجتمع؟

الجواب

معارضة مشاركة المرأة في الأعمال المجتمعية والسياسية إنْ كان القصد منها هو الحطّ من قَدْرِ المرأة وتهميش دورها في بناء المجتمع، فهذا مخالف لما أصَّله الشرع الشريف من التساوي بين الجنسين في أصل الحقوق والواجبات، ومخالف أيضًا لما قرَّره من مبدأ التساوي بين الجنسين في الأهلية القانونية؛ والله تعالى يقول: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 228]، وروى أبو داود والترمذي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ».

وهذه المشاركة الآن قد أصبحت واقعًا لا يُنكَر؛ فالمرأة تشارك الرجل في أغلب الدول الإسلامية والعربية في جميع وظائف الدولة والحياة السياسية والعلمية؛ فالمرأة سفيرة ووزيرة وأستاذة جامعية وقاضية منذ سنوات عديدة، وهي تتساوى مع الرجل من ناحية الأجر والمُسَمَّى الوظيفي في كل تلك الوظائف، فالمطلوب هو جعل هذه المشاركة المحمودة في نفسها في إطار الأحكام والآداب الشرعية والأعراف التي تحفظ للمرأة كرامتها، وتصون عرضها، وتعمر بيتها، وترضي ربها.

والله سبحانه وتعالى أعلم»([5]).

وسنتناول هذه الحقوق السياسية للمرأة في هذا المبحث ضمن المطالب الثلاثة التالية.

المطلب الأول: ترشح المرأة للمجالس النيابية والبلدية.

إن الصورة التي نقلَتها لنا النصوص الثابتة عن مجتمع المؤمنين في بداية دولة الإسلام أيام النبي -صلى الله عليه وسلم- وما تلا ذلك من عهود الراشدين لتُبرِز لنا مدى الغربة والانعزال الفكري التي يعيش فيها من ينادون بقصر وظيفة المرأة على البيت في هذا الزمان الحديث!؛ حيث كان المجتمع الإسلامي في عصور السعادةِ تلك نسيجًا واحدًا بعيدًا عن فكرة المجتمعات المنفصلة التي تولدت في عصور الانحطاط، ففي المساجد والأسواق وساحات الجهاد كنت تجد مجتمعًا واحدًا من الرجال والنساء تسودهما علاقات عفوية جادة، فكانت النساء يشهدن مجالس العلم بمسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- دون حواجز إلا من العفة والديانة وسلامة الخلُق والطبع، وكانت المرأة تعبر عن رأيها دون أن يطرح أحد في مسجد النبي قضيةَ هل إن صوتَها عورةٌ أم لا؟ فكن يجادلن في مجلس النبي وخلفائه، وكانت السيدة عائشة تتصدى للفتوى، وكانت النساء يستشرن في أمهات القضايا السياسية، فلا عَزْلَ بين الرجال والنساء في صلاة أو مجلس علم أو سوق أو ساحة جهاد أو مجلس تشاور في أمور المسلمين، ولا عزل بين الرجال والنساء فللمرأة أن تستقبل ضيوف الأسرة وتحدثهم وتخدم ضيوف زوجها، وكل ذلك في إطار آداب الإسلام وتعاليمه، وهي وإن لم تفرض عزلة بين الجنسين فقد فرضت عفة النظر وطهارة القلب وضرورة أن يستشعر كل من الجنسين رقابة الله فلا يسلك سبيلا للإغراء وإثارة الفتنة، إن الإسلام لا يصل إلى أهدافه في تطهير العلاقات بين الجنسين من التحلل والفساد عن طريق تكثيف الحجب وتحويل البيوت إلى سجون للنساء والحكم عليهن جميعا بالتقوقع والانزواء. بل إن تعويل الإسلام في تحقيق أهدافه وقيمه إنما يقوم أساسًا على التوعية والتربية العقائديتين وإشاعة أجواء الطهر والعفة والتعاون على الخير في العلاقات البشرية.

وقد حفظ لنا تاريخُنا الإسلامي صورًا ناصعة من مشاركات المرأة في الحياة السياسية العامة؛ فها هي السيدة أم سلمة تقوم بوظيفة الوزيرة المخضرمة صاحبة الرؤية السياسية العظيمة في موقفٍ صعبٍ شائكٍ عانى منه النبي -صلى الله عليه وسلم-، ففي صلح الحديبية بعدما كتب معاهدة الصلح مع المشركين، وبعدما أمر المسلمين بأن يقوموا ينحروا هديهم ويحلقوا؛ فإنهم لا يذهبون إلى مكة في هذا العام، فلم يقم منهم أحد، فيقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: «قُومُوا فَانْحَرُوْا ثُمَّ احْلِقُوْا». قال : فوالله ما قام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرات. فلمَّا لم يقم منهم أحد، دخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله، أتحب ذلك، اخرج، ثم لا تكلم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك؛ نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضًا.

ومما يؤصِّل حقَّ المرأة في المشاركة السياسية موقف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من النزاع القائم بين الإمام علي -كرم الله وجهه- ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما؛ فقد تدخَّلت وقالت برأيها في الخلاف القائم بينهما، وذهبت بنفسها لتصلح بينهما في ميدان القتال، غير أن الله قدَّر هذا القتال.

وقد نصت المادة (11) من الدستور المصري 2014م المعدَّل على أنه: « تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقا لأحكام الدستور.

وتعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلاً مناسبا في المجالس النيابية، على النحو الذي يحدده القانون، كما تكفل للمرأة حقها في تولى الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا في الدولة والتعيين في الجهات والهيئات القضائية، دون تمييز ضدها»

ولم تغِبْ دار الإفتاء المصرية عن المشهد في هذه القضية الشائكة التي كثر الحديث عنها في العقود الأخيرة لا سيما مع تهويل التيارات المتطرفة من شأن منع المرأة من العمل خارج حدود البيت إلا في أضيق النطاقات، مما يتعارض مع الفهم الصحيح للدين من جهة، ومع الواقع القائم بمصاعبه وتحدياته وظروفه من جهة أخرى؛ ومن هذا المنطلق قامت مؤسسات الفتوى في البلاد الإسلامية وعلى رأسها دار الإفتاء المصرية ببيان الرأي الشرعي السديد في هذه القضية، حيث نصت في فتواها على جواز ترشح المرأة للعمل في كافة وظائف الدولة ومناصبها النيابية والسيادية وغيرها، طالما كانت مستوفيةً للشروط القانونية والشرعية لتولي تلك المناصب.

وجاءت فتواها على النحو التالي:

«تاريخ الفتوى : 09 نوفمبر 2014م، رقم الفتوى : 2445

السؤال

ما حكم عمل المرأة في مجال الاستشارات المجتمعية؟ وما حكم عملها في الأعمال المتعلقة بمجالات الشأن العام للدولة ومنها المجال السياسي؟ وما حكم عمل المرأة كعضوة في المجالس الشورية أو النيابية؟ وماذا تقولون لمن يعارض دخول المرأة المجالس الشورية أو النيابية ومحاولة تهميشها وعزلها عن دورها الحقيقي في بناء المجتمع؟

الجواب:

عمل المرأة من حيث هو لا تمانع منه الشريعة الإسلامية؛ والأصل فيه أنه مباح ما دام موضوعه مباحًا، ومتناسبًا مع طبيعة المرأة، وليس له تأثير سلبي على حياتها العائلية، وذلك مع تحقق التزامها الديني والأخلاقي وأمنها على نفسها وعرضها ودينها حال قيامها به.

فالعمل حق من حقوق الأفراد، ولكل واحد الحق في ممارسة ما شاء من أنواع الأعمال المشروعة؛ ليُحَصِّل نفقتَه وينفع مجتمعه ويمكنه العيش بكرامة. والشريعة الاسلامية لم تُفَرِّق بين المرأة والرجل في هذا الحق؛ فقد قال تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُم﴾ [البقرة: 198]، وروى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: طُلِّقَتْ خالتي، فأرادت أن تَجُدَّ نخلها؛ أي تحصد تمر نخلها، فزجرها رجل أن تخرج، فأتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: «بلى فجُدِّي نخلك، فإنك عسى أن تَصَدَّقِي، أو تفعلي معروفًا».

وأمَّا خصوص مشاركة المرأة في الحياة الاجتماعية، فهي من جنس الإصلاح المطلوب شرعًا، والله تعالى يقول: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [التوبة: 71]؛ وعليه فللمرأة أن تعمل في مجال الاستشارات المجتمعية وأن تتولى المناصب في المراكز والمؤسَّسات والجمعيات الخيرية ونحوها من الهيئات المشتغلة بهذا الجانب.

وقد كانت النساء في عهده صلى الله عليه وآله وسلم يَقُمْنَ بتكاليف اجتماعية كثيرة، فكنَّ يخرجنَ مع الرجال في الحروب، وكنَّ يقمنَ بالتمريض والسقي وغير ذلك، وكن يحضرن الصلوات والأعياد.

وأما بخصوص عمل المرأة في المجال السياسي وشؤون الدولة، فهو داخل فيما سبق تقريره، ويشهد له ما حثَّ عليه الإسلام فيما يتعلق بمبدأ الشورى دون فرق بين جنس وغيره؛ فيقول تعالى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ [آل عمران: 159]، وروى البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد استشار زوجته أم سلمة رضي الله عنها في صلح الحديبية بعدما كتب معاهدة الصلح مع المشركين، وبعدما أمر المسلمين بأن يقوموا ينحروا هديهم ويحلقوا؛ فإنهم لا يذهبون إلى مكة في هذا العام، فلم يقم منهم أحد، فيقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: «قُومُوا فَانْحَرُوْا ثُمَّ احْلِقُوْا». قال : فوالله ما قام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرات. فلمَّا لم يقم منهم أحد، دخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله، أتحب ذلك، اخرج، ثم لا تكلم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك؛ نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضًا.

ومما يؤصِّل حقَّ المرأة في المشاركة السياسية موقف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من النزاع القائم بين الإمام علي -كرم الله وجهه- ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما؛ فقد تدخَّلت وقالت برأيها في الخلاف القائم بينهما، وذهبت بنفسها لتصلح بينهما في ميدان القتال، غير أن الله قدَّر هذا القتال. راجع: “مروج الذهب” للمسعودي (2/ 357، ط. دار الهجرة)، و”الكامل في التاريخ” لابن الأثير(3/ 119، ط. دار الكتب العلمية)، و”تاريخ الطبري” (4/ 462، ط. دار المعارف).

وأما تولي المرأة للمناصب السياسية في الحكومة أو مؤسسات الدولة فقد جاءت بعض الآثار في ممارسة المرأة لوظيفة السلطة التنفيذية، أو الشرطة، أو ما يسمى في التراث الفقهي الإسلامي بـ”الحسبة”؛ منها: ما رواه الطبراني في “معجمه الكبير” عن أبي بلج يحيى بن أبي سليم، قال: رأيت سمراء بنت نَهيك، وكانت قد أدركت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليها درع غليظ، وخمار غليظ، بيدها سوط تؤدب الناس، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر.

ومن هنا أجاز بعض علماء الإسلام قيام المرأة بهذا المنصب الحساس.

وقد أفتت دار الإفتاء المصرية في سنة 2008م أنه يجوز للمرأة أن تعمل وكيلًا للنيابة الإدارية بشرط الأهلية لذلك، والقدرة على التوفيق بين ذلك وبين واجباتها الاجتماعية والأسرية، وتَقَيُّدها بالآداب والأخلاقيات الشرعية في الهيئة والسلوك، وأن ما تقتضيه طبيعة العمل أحيانًا من إغلاق باب الحجرة مع السماح بالدخول لأي أحد في أي وقت ليس حرامًا ما دامت الريبة مأمونةً، ولا يُعَدُّ ذلك من الخلوة المحرمة، وعملها هذا يكون من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والسعي في إقرار النظام العام، والأخذ على يد الفساد والمفسدين.

كما أنه يجوز للمرأة أن تتولى القضاء أيضًا عند بعض أهل العلم؛ وهو قول الإمام الطبري حيث أجاز قضاءها مطلقًا؛ لأنه يجوز لها أن تكون مفتية فيجوز أن تكون قاضية، فليست الذكورية بشرط في ذلك، وهو رواية عن الإمام مالك، وكذلك هو رأي ابن حزم من الظاهرية. انظر: “المغني” لابن قدامة (10/ 92، ط. دار إحياء التراث العربي)، و “القوانين الفقهية” لابن جزي (1/ 253، ط. دار الفكر)، و “فتح الباري” للحافظ ابن حجر (8/ 128، ط. دار المعرفة)، و “المحلى” لابن حزم 8/ 527 528، ط. المنيرية).

ومذهب الحنفية أنه إذا وليت المرأة القضاء جاز قضاؤها فيما يجوز أن تقبل فيه شهادتها؛ قالوا: لأن القضاء من باب الولاية كالشهادة، والمرأة من أهل الشهادة فتكون من أهل الولاية. انظر: “فتح القدير” للعلامة الكمال بن الهمام (6/ 391، ط. دار إحياء التراث العربي).

وفقهاء الشافعية مع أنهم من القائلين بعدم جواز تولية المرأة القضاء، إلا أنهم قد نصوا أنه لو ولاها ولي الأمر إياه فإن قضاءها ينفذ؛ للضرورة. انظر: “نهاية المحتاج” للشمس الرملي (8/ 240، ط. مصطفى الحلبي).

وكذلك يجوز لها التَرشُّح في الانتخابات لعضوية مجلس الشورى والمجلس النيابي ما دامت أنها تستطيع التوفيق بين العمل في هذه المجالس وبين حق زوجها وأولادها وأصحاب الحقوق عليها إن وجدوا، وشريطة كون ذلك في إطار أحكام الإسلام الأخلاقية بعيدًا عن السفور والتبرج والخلوة غير الشرعية. وانتخاب غيرها لها في هذه الحالة يكون من باب العمل على تحقيق المصلحة العامة.

وقد سبق أن أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى سنة 1997م عن حكم أن تكون المرأة عضوًا بمجلس النواب أو الشعب خلصت فيها إلى أنه: لا مانع شرعًا من أن تكون المرأة عضوًا بالمجالس النيابية والشعبية، إذا رضي الناس أن تكون نائبة عنهم تمثلهم في تلك المجالس، على أن تكون مواصفات هذه المجالس تتفق وطبيعتها التي ميزها الله بها، وأن تكون المرأة فيها ملتزمة بحدود الله وشرعه، كما بين الله وأمر في شريعة الإسلام»([6]).

– وجاء في فتوى أخرى لدار الإفتاء المصرية حول عمل المرأة كوكيلة للنيابة أو كقاضية بالمحاكم المختلفة:

«تاريخ الفتوى : 26 مايو 2008م،  رقم الفتوى : 866

السؤال:

تسأل فتاة: أنا حاصلة على ليسانس الحقوق، وعُيِّنتُ معيدةً بكلية الحقوق، ثم عُينت وكيلًا للنيابة الإدارية، وطبيعة عملي أني أحقق مع الموظفين العموميين رجالًا ونساءً، ومعي سكرتير أو سكرتيرة تحقيق، وأحيانًا أقوم بعرض القضايا على رؤسائي في العمل، وأحيانًا يكون الرئيس من الرجال وتكون المناقشة في موضوع القضية فقط؛ حيث إنني ألتزم بالحدود الشرعية، ويكون باب الحجرة في بعض الأحيان مغلقًا مع السماح بالدخول لأي أحد في أي وقت. فما حكم الشرع فيما يأتي:

أولًا: طبيعة عملي كوكيل للنيابة الإدارية.

ثانيًا: في طريقة العمل على النحو السالف البيان.

ثالثًا: رشِّحتُ لتولي منصب القضاء فرفضت ذلك.

الجواب

ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات إلا ما تقتضيه الطبيعة الخاصة لكلٍّ منهما؛ فهو قد أعطى المرأة حقوقها كاملة، وأعلى قدرها ورفع شأنها، وجعل لها ذمَّة مالية مستقلة، واعتبر تصرفاتها نافذة في حقوقها المشروعة، ومنحها الحق في مباشرة جميع الحقوق المدنية ما دامت تتناسب مع طبيعتها التي خلقها الله عليها.

وإذا كانت الحقوق السياسية بمفهومها الشائع تعني حق الانتخاب والترشيح وتولِّي الوظائف العامة فإن مبادئ الشريعة لا تمانع في أن تتولى المرأة هذه الأمور ما عدا وظيفة رئيس الدولة، فإنه لا يجوز للمرأة أن تكون رئيسًا للدولة؛ لأن من سلطاته إمامة المسلمين في الصلاة شرعًا وهي لا تكون إلا للرجال.

وعلى ذلك فيجوز للمرأة أن تعمل وكيلًا للنيابة الإدارية ما دامت أهلًا لذلك طالما أنها تستطيع التوفيق بين العمل في هذه الوظيفة وبين حق زوجها وأولادها وأصحاب الحقوق عليها إن وُجِدُوا، وطالما كان ذلك في إطار أحكام الإسلام الأخلاقية بعيدًا عن السفور والتبرج والخلوة غير الشرعية؛ فعملها هذا يكون من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والسعي في إقرار النظام العام، والأخذ على يد الفساد والمفسدين.

وأصل هذا الحق داخل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي شرعه الله في حق الرجال والنساء على السواء في حدود ما تقتضيه الطبيعة الخاصة لكلٍّ منهما، وذلك في نحو قوله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [التوبة: 71].

وكذلك في التواصي بالحق والتواصي بالصبر الذي جعله الله تعالى مانعًا للإنسان من الخسران في قوله تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ • إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ • إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر: 1- 3].

وكانت المرأة المسلمة تشارك الرجال في الحياة الاجتماعية العامة مع التزامها بلبسها الشرعي ومحافظتها على حدود الإسلام وآدابه، حتى إن من النساء الصحابيات من تولَّت الحسبة.

ومن ذلك ما رواه الطبراني في “المعجم الكبير” بسندٍ رجالُه ثقات عن أبي بلج يحيى بن أبي سليم قال: «رأيت سمراء بنت نهيك وكانت قد أدركت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليها درع غليظ وخمار غليظ بيدها سوط تؤدب الناس وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر».

وعلى ذلك: فإنه يجوز للمرأة المشاركة في الحياة العامة اجتماعية كانت أو سياسية طالما كانت هذه المشاركة في حدود الآداب الشرعية، ولم تؤدِّ إلى إهمال في حقوق بيتها وأسرتها؛ تصديقًا لقوله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [التوبة: 71].

كما أن لها أن تتولى جميع المناصب الاجتماعية في الوزارات المختلفة طالما كانت هذه الوظائف تتفق مع طبيعتها واختارها ولي الأمر لذلك.

وبالنسبة لتوليها منصب القضاء فجمهور الفقهاء يشترط في القاضي الذكورة؛ لقوله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [النساء: 34].

ويرى أبو حنيفة رضي الله عنه جواز تولي المرأة القضاء في غير الحدود؛ لأنه تصح شهادة المرأة في غير الحدود، والقضاء مبني على الشهادة وشروطه شروطها.

وحُكِي عن ابن جرير الطبري أنه لا يشترط الذكورة في ولاية القضاء؛ لأن المرأة يجوز أن تكون مفتية فيجوز أن تكون قاضية، وبه نفتي.

وأما عن الأعمال التي قد تقتضي طبيعتُها وجود الرجل مع المرأة في مكان واحد فإنه لا مانع منها إذا أُمِنَت الريبة وانتفت الخلوة، وأما مجرد وجود الرجال مع النساء في مكان واحد فليس حرامًا في نفسه، بل المحرم هو أن ينفرد الرجل مع المرأة في مكان بحيث لا يمكن الدخول عليهما.

قال الإمام ابن دقيق العيد في “إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام” (2/ 181، ط. مكتبة السنَّة) في شرح قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إيَّاكُمْ والدُّخُولَ على النِّسَاءِ»: [مخصوص بغير المحارم، وعام بالنسبة إلى غيرهن، ولا بد من اعتبار أمر آخر، وهو أن يكون الدخول مقتضيًا للخلوة، أما إذا لم يقتضِ ذلك فلا يمتنع] اهـ.

ثم إنه ليس كل انفرادٍ واختلاءٍ يُعَدُّ خلوةً محرمةً؛ فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أنَس بن مالك رضي الله عنه قال: جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم فَخَلا بِهَا، فَقَالَ: «وَاللهِ إِنَّكُنَّ لأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ»، وفي بعض الروايات: “فَخَلا بِهَا فِي بَعْض الطُّرُق أَوْ فِي بَعْض السِّكَك”.

وبوَّب الإمام البخاري على ذلك بقوله: (باب مَا يَجُوزُ أَنْ يَخْلُوَ الرَّجُلُ بِالمَرْأَةِ عِنْدَ النَّاسِ). قال الحافظ ابن حجر في “فتح الباري” (9/ 333، ط. دار المعرفة): [وفيه أن مفاوضة المرأة الأجنبية سرًّا لا يقدح في الدين عند أمن الفتنة] اهـ.

وقال الملا علي القاري في “مرقاة المفاتيح” (9/ 3714، ط. دار الفكر): [وفيه تنبيه على أن الخلوة مع المرأة في زقاق ليس من باب الخلوة معها في بيت] اهـ.

وضابط الخلوة المحرَّمة كما قال الشيخ الشَّبْرامَلِّسي الشافعي في “حاشيته على نهاية المحتاج” (7/ 163، ط. دار الفكر): [اجتماعٌ لا تُؤمَن معه الرِّيبَة عادةً، بخلاف ما لو قُطِع بانتفائها عادةً فلا يُعدُّ خلوة] اهـ.

ومجرد إغلاق الباب إغلاقًا مِن شأنه أن يسمَح لأي أحد بفتحه والدخول في أي وقت لا يجعله من باب الخلوة المحرَّمة.

وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فعملك كوكيل للنيابة الإدارية حلال شرعًا، وما تقتضيه طبيعة العمل أحيانًا من إغلاق باب الحجرة مع السماح بالدخول لأي أحد في أي وقت ليس حرامًا ما دامت الريبة مأمونةً ولا يُعَدُّ ذلك من الخلوة المحرمة.

والله سبحانه وتعالى أعلم» ([7]).

– وجاء في فتوى أخرى لدار الإفتاء المصرية حول تعيين المرأة في وظيفة مأذون شرعي:

«تاريخ الفتوى : 19 يناير 2004م،  رقم الفتوى : 2172

السؤال

ما الحكم في تعيين المرأة في وظيفة مأذون، وذلك من الناحية الشرعية؟

الجواب

ذهب الفقهاء إلى أن الحاكم له أن يزوِّج بدلًا عن الولي عند فقده أو غيابه، حتى قالوا: “الحاكم وليُّ من لا وليَّ له”، ومعلوم أن المأذون إنما قد أُذِنَ من الحاكم -ولي الأمر أو القاضي- فهو يقوم مقامه، وبذلك لا يقتصر عمل المأذون على التوثيق فقط، بل يمتد في بعض الأحيان إلى بعض أعمال الولاية.

ولما كان أصل الاعتماد في الديار المصرية لضبط الأحوال الشخصية وأحكامها الشرعية مبنيًّا على الراجح من مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان رضي الله تعالى عنه، ولما كان المقرر في ذلك الفقه أن للمرأة الرشيدة أن تُزَوِّجَ نفسها وأن تُزَوِّجَ غيرها وأن توكل في النكاح؛ لأن التزويج خالص حقها، وهي عندهم من أهل المباشرة كبيعها وباقي تصرفاتها المالية؛ وذلك لأن الله أضاف النكاح والفعل إليهن، وذلك يدل على صحة عبارتهن ونفاذها في قوله تعالى: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 234]، وفي قوله تعالى: ﴿فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ﴾ [البقرة: 232]، وفي قوله تعالى: ﴿حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [البقرة: 230].

وفي قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» رواه مسلم، وكذلك ما أخرجه البخاري: “أن خنساء بنت خذام أنكحها أبوها وهي كارهة، فرَدَّ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم ذلك”، وما روي: “أن امرأة زوَّجت بنتها برضاها، فجاء الأولياء فخاصموها إلى عليٍّ رضي الله عنه، فأجاز النكاح”، وما روي: “أن عائشة رضي الله عنها زوجت بنت أخيها عبد الرحمن من المنذر بن الزبير”.

فما دامت المرأة في ذلك الفقه لها الولاية على نفسها وعلى غيرها، يجوز أن يأذن لها القاضي بإنشاء عقد النكاح إذا احتاج إليها كولي، ومن باب أَوْلَى أن يأذن لها بتوثيقه؛ لأن التوثيق يرجع إلى العدالة والمعرفة، وهما يتوافران في المرأة العدل العارفة، وهذا من قبيل الحكم الشرعي، على أنه ينبغي لوليِّ الأمر إذا أراد أن يصدر قانونًا بذلك الحكم الشرعي أن يراعي ملائمة ذلك للواقع المعيش بنواحيه المختلفة بحساب المنافع والمضار التي تترتب على ذلك.

والله سبحانه وتعالى أعلم»([8]).

وقد جاء في فتاوى دار الإفتاء الأردنية ما يوضح مشروعية حق المرأة في الترشح للمجالس البلدية والنيابية والمناصب الكبرى، وجواز أن ينتخبها الرجال في تلك الانتخابات، وكان نص الفتوى:

« هل يجوز أن يعطي الرجل صوته للنساء في الانتخابات، وما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً)؟

الجواب :

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله

لا حرج في التصويت للمرأة لشغل العضوية في مجالس النواب أو المجالس البلدية، فليس ثمة دليل ينهى عن ذلك، وحكم الترشح للانتخابات النيابية -وكذا التصويت للمرشح- يعتمد على الصفات التي يتمتع بها المرشح، والتي تؤهله لشغل هذه المسؤولية الكبيرة، من أمانة على العباد والبلاد، والإخلاص في خدمتهم، والرشد في تشريع القوانين، مع القوة الشخصية والمعرفية والجرأة في مراقبة الحكومة في أدائها، قال الله تعالى: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}[القصص: 26].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه عندما سأله الولاية: (يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةُ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا) رواه مسلم، ولا فرق إن توفرت هذه الضوابط والشروط بين نيابة الرجل أو المرأة عن الأمة، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَال) رواه أبو داود. ورأي المرأة الحكيمة مهم مفيد في رفع سوية القوانين والأنظمة المتعلقة بشؤون الأسرة والنساء وغيرها، ولا يدخل ذلك في حديث: (لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً) رواه البخاري؛ فالحديث له مناسبة خاصة تفهم في ظرفها وسياقها فحسب.

 

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستشير أمهات المؤمنين فيما يهمه من الشأن العام. فيكفي في ذلك أن تكون المرأة على قدر من العلم والأمانة والتقوى الكافية لترشحها للمقعد النيابي. والله تعالى أعلم»([9]).

المطلب الثاني: ترشح المرأة لرئاسة الدولة.

نصت دار الإفتاء المصرية على جواز ترشح المرأة لرئاسة الدولة، حيث جاء ضمن إحدى فتاويها بشأن حكم تولي المرأة للمناصب القيادية:

« وتجدر الإشارة إلى أن مسألة تولي المرأة للولايات العامة من المسائل التي اختلف فيها الفقهاء؛ حيث تباينت آراؤهم فيها، فذهب فريق منهم إلى جواز ذلك، وذهب فريق آخر إلى عدم جوازه؛ فأما الذين قرروا عدم الجواز فقد احتجُّوا بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً» أخرجه البخاري في “صحيحه”؛ أشار إلى ذلك الإمام ابن حجر العسقلاني في “فتح الباري” (13/ 56، ط. دار المعرفة)؛ فقال: [قال ابن التين: احتج بحديث أبي بكرة مَن قال: لا يجوز أن تُولَّى المرأةُ القضاءَ] اهـ.

قال العلامة الصنعاني في “سبل السلام” (2/ 575، ط. دار الحديث): [فيه دليل على عدم جواز تولية المرأة شيئًا من الأحكام العامة بين المسلمين، وإن كان الشارع قد أثبت لها أنها راعية في بيت زوجها] اهـ.

وقال العلامة بدر الدين العيني في “عمدة القاري” (24/ 204، ط. دار إحياء التراث العربي): [واحتج به مَن منع قضاء المرأة، وهو قول الجمهور] اهـ.

وقال الإمام القسطلاني في “إرشاد الساري” (10/ 192-193، ط. المطبعة الكبرى الأميرية): [ومذهب الجمهور أن المرأة لا تلي الإمارة ولا القضاء] اهـ.

أما الذين أجازوا تولي المرأة للولايات العامة والقضاء؛ فقد أشار إليهم العلامة ابن قدامة في “المغني” (9/ 39، ط. مكتبة القاهرة)؛ فقال: [قال أبو حنيفة وأصحابه: يجوز أن تلي النساء القضاء فيما يجوز أن تُقبل شهادتهن فيه وحدهن أو مع الرجال؛ لأن في الشهادة معنى الولاية، ولا يجوز في الحدود والقصاص لأن شهادتهن لا تُقبل في ذلك. وحكي عن ابن جرير الطبري أنه أجاز تقلد المرأة القضاء مطلقًا، وعلل جواز ولايتها بجواز فتياها؛ وقد ذهب بعض الشافعية إلى أنه لو وَلَّى سلطان ذو شوكة امرأةً القضاءَ نفذ قضاؤها] اهـ.

كما أشار إليهم العلامة ابن الملقن في “التوضيح لشرح الجامع الصحيح” (21/ 610، ط. دار النوادر)؛ فقال: [وجوَّز ابن جرير أن تكون حاكمًا؛ وحكاه ابن خويز منداد عن مالك، وقال أبو حنيفة: تكون حاكمًا في كل أمر تجوز فيه شهادة النساء] اهـ.

وذكرهم أيضًا المباركفوري في “تحفة الأحوذي” (6/ 447، ط. دار الكتب العلمية)؛ فقال: [وأجازه الطبري وهي رواية عن مالك وعن أبي حنيفة عما تلي الحكم فيما تجوز فيه شهادة النساء] اهـ.

وذهب الإمام ابن حزم إلى القول بالجواز، وساق وجه دلالاته على ذلك -كما ناقش أدلةَ المنع-؛ جاء ذلك في “المحلى بالآثار” (8/ 527-528، ط. دار الفكر)؛ حيث قال:

[وَجَائِزٌ أَنْ تَلِيَ الْمَرْأَةُ الْحُكْمَ -وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ- وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ وَلَّى الشِّفَاءَ -امْرَأَةً مِنْ قَوْمِهِ- السُّوقَ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ أَسْنَدُوا أَمْرَهُمْ إلَى امْرَأَةٍ». قُلْنَا: إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي الْأَمْرِ الْعَامِّ الَّذِي هُوَ الْخِلَافَةُ؛ بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «الْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى مَالِ زَوْجِهَا وَهِيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا».

وَقَدْ أَجَازَ الْمَالِكِيُّونَ أَنْ تَكُونَ وَصِيَّةً وَوَكِيلَةً، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ مِنْ مَنْعِهَا أَنْ تَلِيَ بَعْضَ الْأُمُورِ، وَبِاللهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ] اهـ.

ولقد ذخرت الشريعة الغراء بجملة من الأدلة والشواهد تشير إلى تولي المرأة لمناصب رفيعة في ديار الإسلام؛ ومن ثمَّ يترجح بها مذهب مَن قال بالجواز؛ مِن ذلك ما أخرجه ابن أبي عاصم الشيباني في “الآحاد والمثاني” (6/ 4، ط. دار الراية) عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ: “أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ اسْتَعْمَلَ الشِّفَاءَ عَلَى السُّوقِ”.

قال ابن الملقن في “التوضيح لشرح الجامع الصحيح” (32/ 377، ط. دار النوادر): [وَوَلَّى عمرُ الشِّفَاءَ أُمَّ سليمانَ خاتمةً بالسوقِ] اهـ.

وعن الشفاء وفضلها ورجاحة عقلها يقول العلامة الزرقاني في “شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك” (1/ 470، ط. مكتبة الثقافة الدينية): [الشِّفاء: بنت عبد الله بن عبد شمس بن خلف القرشية العدوية، أم سليمان؛ قيل: اسمها ليلى، والشِّفاء لقب، أسلمت قبل الهجرة وبايعت، وهي من المهاجرات الأُوَل، وكانت من عقلاء النساء وفُضلائهن، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يزورها في بيتها.. وكان عمر يقدِّمها في الرأي ويرعاها ويفضِّلها؛ وربما ولَّاها شيئًا من أمر السوق] اهـ.

وما أخرجه الإمام الطبراني في “المعجم الكبير” عَنْ أَبِي بَلْجٍ يَحْيَى بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ قَالَ: “رَأَيْتُ سَمْرَاءَ بِنْتَ نَهِيكٍ، وَكَانَتْ قَدْ أَدْرَكَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ؛ عَلَيْهَا دِرْعٌ غَلِيظٌ، وَخِمَارٌ غَلِيظٌ، بِيَدِهَا سَوْطٌ تُؤَدِّبُ النَّاسَ، وَتَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ”.

ومن ذلك أيضًا ما أشار إليه العلامة ابن الجوزي في “المنتظم” (13/ 178-181، ط. دار الكتب العلمية)، فقال: [ثم دخلت سنة ست وثلاثمائة.. وفى هذه السنة قعدت ثمل القهرمانة في أيام المقتدر للمظالم، وحضر مجلسها القضاة والفقهاء] اهـ.

وفي ضوء ما سبق، وتأسيسًا عليه؛ فلا يصح الاستدلال على عدم جواز تولي المرأة المناصب العامة بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً»؛ لأن هذا الحديث الشريف ورد على سبب مخصوص، وهو ما يُعرف في اصطلاح علماء الأصول بواقعة العين؛ وهي الحادثة أو النازلة المختصة بمُعَيَّن، والأصل في واقعة العين أنها تختص بالشخص المُعَيَّن الذى وقعت لأجله، فلا تعمُّ في حكمِها غيرَه، وكما تقرر في علم الأصول أن: “وقائع الأعيان لا عموم لها”؛ ومن ثمَّ فإن هذا الحديث الشريف واقعة عين، لا يستدل بها على غيرها أصلًا.

ومما يُستدل به على أن هذا الحديث الشريف واقعة عين لا عمومَ لها: أنه ورد على سبب خاص في سباق وسياق ولحاق معين، لا يستقيم في بداهة العقل حملُه على وجه العموم، وقد تعرَّض لسبب وروده الخاص العلامة ابن الجوزي في “كشف المشكل” (2/ 16، ط. دار الوطن)؛ فقال: [سبب قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا: أنه لما قَتَل شيرويه أباه كسرى، لم يملك سوى ثمانية أشهر، ويُقال ستة أشهر، ثم هلك، فملك بعده ابنه أردشير، وكان له سبع سنين فقُتِل، فملكت بعده بوران بنت كسرى، فبلغ هذا رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً»؛ وكذلك كان، فإنهم لم يستقم لهم أمر] اهـ.

وأما عن السباقات التي تعلقت بالحديث: فتتمثل في أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث رُسُله برسائل إلى الملوك يدعوهم فيها إلى الله عز وجل ومنهم كسرى ملك الفرس؛ قال العلامة بدر الدين العيني في “عمدة القاري” (18/ 58-59، ط. دار إحياء التراث العربي): [وفي سنة ستٍّ بعثَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عبدَ اللهِ بنَ حذافة إلى كسرى ملك الفرس. قال الواقدي: كان ذلك في آخر سنة ستٍّ بعد عمرة الحديبية.. وقيل: في المحرم في سنة ست] اهـ.

ويأتي سياق الحديث ليشير إلى سوء أدب كسرى مع كتاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ كما أورده العلامة بدر الدين العيني في “عمدة القاري” (14/ 210، ط. دار إحياء التراث العربي)، فقال: [إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث بكتابه إلى كسرى مع عبد الله بن حذافة السهمي، فأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلما قرأه مزَّقه.. فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يُمزَّقوا كلَّ مُمَزَّق] اهـ.

وقد أصابت دعوةُ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم كسرى وقومَه، ودعاؤه لا شك في إجابته؛ قال العلامة ابن الملقن في “التوضيح لشرح الجامع الصحيح” (18/ 32، ط. دار النوادر): [ولما دعا عليهم صلى الله عليه وآله وسلم بذلك؛ مات منهم أربعة عشر ملكًا في سنة] اهـ.

وعن لحاقات الحديث الممثَّلة في الآثار المترتبة على دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم: قال العلامة بدر الدين العيني في “عمدة القاري” (18/ 58-59، ط. دار إحياء التراث العربي): [فدعا على كسرى وجنوده بأن يُمَزَّقوا كلَّ مُمَزَّق؛ بحيث لا يبقى منهم أحد، وهكذا جرى ولم تقم لهم بعد ذلك قائمة ولا أمر نافذ، وأدبر عنهم الإقبال حتى انقرضوا بالكلية في خلافة عمر رضي الله تعالى عنه] اهـ.

ومما يؤيد هذا المعنى ويدل على أن الحديث الشريف يمثل واقعة عين لا عموم لها: أن دلالة لفظ الفلاح الوارد في الحديث الشريف تشير إلى معنى البقاء والفوز، وهو المعنى الذي يناسب سباقات وسياقات ولحاقات الحديث؛ يوضح ذلك ما ذهب إليه العلامة اللغوي ابن فارس في “معجم مقاييس اللغة” (4/ 450، ط. دار الفكر)؛ حيث قال: [الْفَاءُ وَاللَّامُ وَالْحَاءُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى شَقٍّ، وَالْآخَرُ عَلَى فَوْزٍ وَبَقَاءٍ.. وَالْأَصْلُ الثَّانِي الْفَلَاحُ: الْبَقَاءُ وَالْفَوْزُ] اهـ.

وعن الصلة الوثيقة بين سبب ورود الحديث الشريف ودعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم على كسرى ومُلْكِه: يقول الإمام القسطلاني في “إرشاد الساري” (10/ 192-193): [والغرض من ذكر هذا الحديث هنا بيان أن كسرى لما مزَّق كتابه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ودعا عليه؛ سلَّط الله عليه ابنَه فمَزَّقَه وقتَلَه، ثم قتَلَ إخوتَه؛ حتى أفضى الأمر بهم إلى تأمير المرأة؛ فجرَّ ذلك إلى ذهاب ملكهم ومُزِّقوا، واستجاب الله دعاءَه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ] اهـ.

كما أكد على هذا المعنى وتلك الصلة: شمس الدين الكرماني في “الكواكب الدراري” (16/ 232، ط. دار إحياء التراث العربي)؛ فقال: [هو مِن تَتمة قصة كتاب كسرى حين مزَّقه، وقتله ابنُه، ثم مات الابن بالسم الذي دسه أبوه له، ثم جعل البنت ملكة] اهـ.

وقال أيضًا في “الكواكب الدراري” (24/ 173، ط. دار إحياء التراث العربي): [وابنة كسرى اسمها بوران.. وكان مدة ملكها سنة وستة أشهر] اهـ.

ومما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لَمَّا علِم بولاية المرأة؛ أخبر أن هذا علامةُ ذهاب ملكهم وتمزُّقه، إجابةً لدعوته عليهم؛ مصداقًا لقول الله عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا﴾ [الأحزاب: 57]؛ ومن ثمَّ فلا يُعَد ذلك إخبارًا عامًّا منه صلى الله عليه وآله وسلم بأن كل قوم يُوَلُّون امرأةً عليهم أنهم لا يُفلحون.

ومما يُستأنس به في هذا الصدد ويُستدلُّ به على جواز تولي المرأة المناصبَ العامة: ما أخرجه الإمام ابن حبان في “صحيحه” عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ؛ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ أَهْلِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعَيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».

قال الإمام ابن حجر العسقلاني في “فتح الباري” (13/ 113، ط. دار المعرفة): [قال الخطابي: اشتركوا أي الإمام والرجل ومن ذُكِرَ في التسمية؛ أي في الوصف بالراعي.. ولا يلزم من الاتصاف بكونه راعيًا، ألَّا يكون مرعيًّا باعتبار آخر] اهـ.

وعن معنى عموم الإمامة لجميع الخلق، وأن حكمها واحد، وأنه يعم الناس جميعًا: يقول العلامة الشيخ محيي الدين بن العربي في “الفتوحات المكية” (3/ 476، ط. دار الكتب العربية الكبرى): [قال: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»؛ فعمَّت الإمامة جميع الخلق، فحصل لكل شخص منهم مرتبة الإمامة، فله من الحق هذا القدر، ويتصرف بقدر ما مَلَّكه الله من التصرُّف فيه] اهـ.

وفي السياق نفسه يقول في “الفتوحات المكية” (4/ 5): [فأعلى الرعاء الإمامة الكبرى، وأدناها إمامة الإنسان على جوارحه، وما بينهما ممن له الإمامة على أهله وولده وتلامذته ومماليكه.. ولهذا عمَّت الإمامة جميع الأناسي، والحكم في الكل واحد من حيثما هو إمام] اهـ.

وقد ورد في الهدي النبوي الشريف ما يدلُّ ويؤكد على أن أي مسلم أو مسلمة يمكن له أن يتحمَّل مسؤوليتهم، ويصح أن يسعى في أمورهم؛ فقد أخرج الإمام أبو داود في “سننه” عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ؛ يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ».

قال الشيخ المباركفوري في “مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح” (9/ 510، ط. إدارة البحوث والإفتاء، بنارس الهند): [والمعنى: أن ذمة المسلمين واحدة سواء صدرت من واحد أو أكثر، شريف أو وضيع، فإذا أَمَّنَ أحد من المسلمين كافرًا وأعطاه ذمَّة؛ لم يكن لأحدٍ نقضُه، فيستوي في ذلك الرجل والمرأة، والحُر والعبد؛ لأن المسلمين كنفس واحدة.. فأما المرأة: فقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على جواز أمان المرأة] اهـ.

وكيف لا تتحمل المرأة مسؤولية الولاية وقد تقرَّر في الشريعة الغراء أن المرأة المسلمة إذا أعطت أمانًا لجيش العدو بأكمله وجب على جميع المسلمين أن يُمضُوه، وألَّا ينقضوا عليها عهدها؛ قال الإمام بدر الدين العيني في “نخب الأفكار” (15/ 344، ط. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية): [إذا أعطَى أحدٌ الجيشَ العدوَّ أمانًا، صار ذلك على جميع المسلمين، وليس لهم أن يُخفِروه، ولا أن يَنقضُوا عليه عهدَه، وقد أجاز عمر رضي الله عنه أمان عبدٍ على جميع الجيش] اهـ.

وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن تولي المرأة للمناصب القيادية أمرٌ جائز شرعًا، والشريعة الإسلامية لم تنظر إلى النوع، إنما اعتبرت الكفاءة والقدرة على إنجاز الأمور على أتم وجه، وفي مواقف سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يحض على الثقة بالمرأة وإعطائها من الحقوق والقيادة ما تكون مؤهلة له.

والله سبحانه وتعالى أعلم» ([10]).

المطلب الثالث: حق المرأة في الانتخاب والتصويت.

اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية الحقوق السياسية للمرأة، التي دخلت حيز النفاذ في عام 1954، والتي تكرس المساواة في الحقوق للمرأة في التصويت، وتولي المنصب، والحصول على الخدمات العامة على النحو المنصوص عليه في القوانين الوطنية.

وفي مصر على سبيل المثال، نجد أنه في العصور القديمة شاركت المرأة في حكم مصر ووصلت لأعلى منصب في الدولة، ووُضِعَت قوانين مصرية تنظم دور المرأة في الحياة العامة.

وخلال ثورة 1919، بدأت مشاركة المرأة المصرية في العمل السياسي؛ حيث خرجت أول مظاهرة نسائية ضد الاحتلال البريطاني في 16 مارس 1919، قُتِلَ خلالها بعضهن. وفي 1920، تألّفت لجنة الوفد المركزية للسيدات. وفي عام 1923، أنشأت هدى شعراوي الاتحاد النسائي المصري، وصدر قانون الانتخاب في نفس العام، لكنه حرم المرأة من حقّي التصويت والانتخاب؛ بحجة أن انخراط المرأة في العمل السياسي يتعارض مع طبيعتها. وفي يوم افتتاح البرلمان، خرجت مظاهرة نسائية للاحتجاج على حرمان المرأة من حقوقها السياسية. وفي الأربعينيات، تأسس أول حزب نسائي عام 1942، كما تأسس الاتحاد النسائي العربي في القاهرة عام 1944، وتأسس اتحاد بنت النيل عام 1949.

وبعد ثورة 23 يوليو 1952م، صدر دستور 1956، كأول دستور مصري ينصّ على المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، بما فيها الحقوق السياسية، كما نصّ على حق المرأة في التصويت والترشح في الانتخابات. وقد دخلت المرأة المصرية البرلمان لأول مرة في 1957، وتم تعيين حكمت أبو زيد كأول وزيرة في الحكومة المصرية في 1962، ودخلت المرأة الاتحاد العربي الاشتراكي في 1964. وفي عام 1971، تم إصدار دستور جديد نصّ في مادته الثامنة على مبدأ تكافؤ الفرص لجميع المواطنين دون تفرقة بحسب الجنس، كما نصّت المادة 40 منه على أن المواطنين لدى القانون سواء وهم متساوون في الحقوق والواجبات لا تفرقة بينهم في ذلك لأي سبب، كذلك نصّت المادة 62 منه على أن لجميع المواطنين في الدولة حق الانتخاب والترشح وإبداء الرأي في الاستفتاء وفقاً لأحكام القانون ([11]).

وفي الكويت نجد أن عام 1985م شهد البداية الفعلية لحقوق المرأة في الانتخاب حيث كان للمرأة الكويتية الحق في التصويت. وتم إلغاء ذلك الحق بعد ذلك في سنة 1999م. ثم في مايو 2005م أعاد البرلمان الكويتي منح حق الانتخاب للمرأة بشرط ألا يقل سنها عن 20 سنة وقت الانتخاب.

بينما تأخرت السعودية كثيرًا في منح هذا الحق للمرأة؛ ففي سبتمبر 2011م أعلن الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود أن المرأة ستكون قادرة على التصويت والترشح للمناصب اعتبارًا من عام 2015م. وهذا ينطبق على المجالس البلدية، وهي الهيئات شبه المنتخبة في المملكة. نصف المقاعد في المجالس البلدية تكون اختيارية، والمجالس لديها سلطات قليلة. وقد أجريت انتخابات المجلس منذ عام 2005م، وقد قامت النساء السعوديات بالتصويت لأول مرة، وكانت أول من ترشح للمنصب في ديسمبر 2015م لتلك المجالس السيدة سلمى بنت حزبي العتيبي كأول سيدة سياسية منتخبة في المملكة العربية السعودية؛ حيث فازت بمقعد في المجلس في مكة المكرمة، ثم أسفرت انتخابات ديسمبر 2015م في المملكة العربية السعودية عن انتخاب عشرين امرأة في المجالس البلدية.

وجدير بالذكر في ختام هذا المبحث أن نؤكد على أن حق المرأة في الانتخاب والترشيح أمرٌ قديم عرفته الأمم القديمة، كما أقرته في العصر الحديث الغالبية العظمى من الدول التي تعتنق الديانات الكبرى اليهودية والمسيحية والإسلام، ولا تكادُ توجد دولة اليوم تمنع المرأة من حقها القانوني والإنساني في الانتخاب والتصويت والترشيح وتولي المناصب الإدارية والسيادية -على تفاوتٍ في نسبة إتاحة السلطة للمرأة بين دولٍ وأخرى-، لكن في النهاية اعترفت كافة الدول بذلك ومكّنت المرأة من ممارسة هذه الحقوق وفق الشروط القانونية التي تحكم الجميع رجالًا ونساءً.

([1]) حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية، د.إبراهيم محمد العناني، بحث مقدم إلي مؤتمر الإسكندرية الذي نظمته كلية الحقوق جامعة عين شمس ومؤسسة كونراد أديناور بألمانيا الاتحادية.

([2]) ميثاق حقوق الإنسان في الإسلام، الصادر في إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام، والذي تمت إجازته من قبل مجلس وزراء خارجية منظمة مؤتمر العالم الإسلامي، وصدر في القاهرة بتاريخ 5 أغسطس 1990م، (المادة 6).

([3]) ميثاق حقوق الإنسان في الإسلام، المرجع السابق(المادة 25).

([4]) ينظر: موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية – مصر، (ص234).

([5]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية، الفتوى رقم (6162)، بتاريخ 09 نوفمبر 2014م.

([6]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية، الفتوى رقم (2445)، بتاريخ 09 نوفمبر 2014م.

([7]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية، الفتوى رقم (866)، بتاريخ 26 مايو 2008م.

([8]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية، الفتوى رقم (2172)، بتاريخ 19 يناير 2004م.

([9]) انظر: موقع دار الإفتاء الأردنية، الفتوى رقم (3350)، بتاريخ 23-01-2018م.

([10]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية، الفتوى رقم (5250)، بتاريخ 29 ديسمبر 2020م.

([11]) انظر: الحقوق الإنسانية للمرأة بين التشريعات الوطنية والمواثيق الدولية، د. فتوح عبد الله الشاذلي، الإسكندرية، 2016م، (ص 107- 109).

اترك تعليقاً