البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

الفصل السادس: الفتوى ومسئولية الحاكم

المبحث الثالث: تأمين الدولة ومرافقها وجميع رعاياها

104 views

لعل المهمةَ الكبرى التي تقع على عاتق أي حاكمٍ في أي دولة هي تأمينُ دولته وحمايتها والمحافظة عليها، وهذا ما يقتضيه المنطق والعقل؛ فإن الدولة إذا ذهبت لم يبق مجالٌ لأي شيء آخر من المسئوليات أو الحقوق أو الواجبات، ولذلك نجد أن الدساتير التي كفلت للحاكم سلطة إبرام المعاهدات الدولية استثنت مما يتاح له أن يفرّط في أي جزءٍ من الدولة أو في حقوقها السادية، فنجد مما جاء في المادة (151) من الدستور المصري المعدل في 2019م والتي تبين سلطة رئيس الدولة في عقد المعاهدات وإبرام الاتفاقيات الدولية: «وفي جميع الأحوال لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة»

ولذلك كان مما عدَّه الفقهاء في واجبات الحاكم ومسئولياته الشرعية:

« – حماية البيضة والذب عن الحريم؛ ليتصرف الناس في المعايش، وينتشروا في الأسفار آمنين من تغرير بنفس أو مال.

– تحصين الثغور بالعدة المانعة والقوة الدافعة حتى لا تظفر الأعداء بغرة ينتهكون فيها محرمًا، أو يسفكون فيها لمسلم أو معاهد دمًا»([1]).

وقد أكدت كافة الدساتير على مسئولية الحاكم عن تأمين دولته وشعبه داخليًّا وخارجيًّا؛

حيث تنص المادة (157) من الدستور الكويتي على أن «السلام هدف الدولة، وسلامة الوطن أمانة في عنق كل مواطن، وهي جزء من سلامة الوطن العربي الكبير».

كما تنص المادة (59) من الدستور المصري المعدل في 2019م على أن «الحياة الآمنة حق لكل إنسان، وتلتزم الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة لمواطنيها، ولكل مقيم على أراضيها».

وتنص المادة (86) على أن «الحفاظ على الأمن القومي واجب، والتزام الكافة بمراعاته مسئولية وطنية، يكفلها القانون. والدفاع عن الوطن، وحماية أرضه شرف وواجب مقدس، والتجنيد إجباري وفقاً للقانون».

كما تناول الدستور المصري أيضًا ضرورة حماية مقدّرات الدولة وتأمين مرافقها وثرواتها ومواردها في المواد التالية:

« المادة (43)

تلتزم الدولة بحماية قناة السويس وتنميتها، والحفاظ عليها بصفتها ممراً مائياً دولياً مملوكاً لها، كما تلتزم بتنمية قطاع القناة، باعتباره مركزاً اقتصادياً متميزاً.

المادة (44)

تلتزم الدولة بحماية نهر النيل، والحفاظ على حقوق مصر التاريخية المتعلقة به، وترشيد الاستفادة منه وتعظيمها، وعدم إهدار مياهه أو تلويثها. كما تلتزم الدولة بحماية مياهها الجوفية، واتخاذ الوسائل الكفيلة بتحقيق الأمن المائي ودعم البحث العلمي في هذا المجال. وحق كل مواطن في التمتع بنهر النيل مكفول، ويحظر التعدي على حرمه أو الإضرار بالبيئة النهرية، وتكفل الدولة إزالة ما يقع عليه من تعديات، وذلك على النحو الذي ينظمه القانون.

المادة (45)

تلتزم الدولة بحماية بحارها وشواطئها وبحيراتها وممراتها المائية ومحمياتها الطبيعية. ويحظر التعدي عليها، أو تلويثها، أو استخدامها فيما يتنافى مع طبيعتها، وحق كل مواطن في التمتع بها مكفول، كما تكفل الدولة حماية وتنمية المساحة الخضراء في الحضر، والحفاظ على الثروة النباتية والحيوانية والسمكية، وحماية المعرض منها للانقراض أو الخطر، والرفق بالحيوان، وذلك كله على النحو الذي ينظمه القانون.

المادة (49)

تلتزم الدولة بحماية الآثار والحفاظ عليها، ورعاية مناطقها، وصيانتها، وترميمها، واسترداد ما استولى عليه منها، وتنظيم التنقيب عنها والإشراف عليه. ويحظر إهداء أو مبادلة أي شيء منها. والاعتداء عليها والاتجار فيها جريمة لا تسقط بالتقادم.

المادة (50)

تراث مصر الحضاري والثقافي، المادي والمعنوي، بجميع تنوعاته ومراحله الكبرى، المصرية القديمة، والقبطية، والإسلامية، ثروة قومية وإنسانية، تلتزم الدولة بالحفاظ عليه وصيانته، وكذا الرصيد الثقافي المعاصر المعماري والأدبي والفني بمختلف تنوعاته، والاعتداء على أي من ذلك جريمة يعاقب عليها القانون. وتولي الدولة اهتماماً خاصاً بالحفاظ على مكونات التعددية الثقافية في مصر».

فقد شملت هذه المواد وجوب تأمين كل جانبٍ من جوانب الدولة، وجعلت هذا التأمين وتلك الحماية مسئوليةً عامةً على كل فردٍ في الدولة، وعلى رأس المسئولين عن ذلك رئيس الدولة، لأنه هو الذي وكّله الشعبُ عن نفسه في تدبير أمور الدولة وحمايتها، وبايعه على الطاعة والنصرة والبذل والتضحية والفداء في سبيل حفظ البلاد وأمان مقدّراتها وسلامة أراضيها.

 

[1]) ينظر: الأحكام السلطانية، للماوردي، (ص 40).

اترك تعليقاً