البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

الفصل السادس: الفتوى ومسئولية الحاكم

المبحث الرابع: رعاية الحياة الاجتماعية

68 views

شغل تنظيمُ الحياة الاجتماعية بالَ المفكرين والفلاسفة والمصلحين والحكام منذ القدم، وجاءت الديانات السماوية ومن ضمن أهدافها الرئيسة إصلاح حياة المجتمع والحفاظ على توازنه وانضباطه بإقامة العدل بين أفراده، ومنع الظلم والغش والتكبر والعدوان والسرقة وكل ما يسبب الخصومة والقطيعة، ونظّمت الأحكام الدينية والقوانين والأفكار الإصلاحية تلك الأمور كلها مع لوازم العمل والكسب وتداول الأرزاق والحفاظ على الصحة بتوفير الطب والعلاج، والاهتمام بأعراف الزواج لتكوين الأسر الصالحة المنتجة وتربية أولاد نافعين يحافظون على وطنهم وينهضون به.

وإذا نظرنا إلى الشرع الإسلامي سنجد أنه أولى هذه القضية اهتمامًا بالغًا؛ فحث على الزواج وتنظيم شئون الأسرة لإعمار الأرض بالذرية الصالحة، وأزال كل العوائق التي تمنع حصول الزواج من الإكراه وزيادة المهور، كما سد منافذ الطلاق والخصومات قدر المستطاع، وأوصى بتعليم الأولاد وتربيتهم، وحث على الاهتمام بذوي الحاجات من كبار السن والأيتام وذوي الهمم، ودعا إلى التكافل والتراحم، والحفاظ على البيئة برًّا وبحرًا وجوًّا، وحذَّر من جميع أشكال الجريمة وسن لمكافحتها العقوبات الرادعة، ووعد بالثواب العظيم على كافة وجوه الإحسان والرحمة والنظافة وإماطة الأذى وجبر القلوب وتطييب الأنفس، وجعل على كل غرسٍ وزرعٍ وإصلاحٍ ونجاحٍ ثوابًا وفضلًا.

كما أن الدساتير والقوانين الحديثة لم تكن بمعزلٍ عن هذا الاهتمام بحفظ استقرار الحياة الاجتماعية والعمل على تنميتها والارتقاء بها؛ فقد أولت دساتير غالبية الدول العربية والإسلامية الحياةَ الاجتماعية عنايةً كبيرةً؛ ليقينها الكامل بأهمية الاستقرار المجتمعي في تحقيق خطط التنمية التي تطمح إليها الدول، وكذلك لتقليل مخاطر الجرائم الداخلية في الدولة وإشاعة الأمن والاستقرار فيها، بما يكفل مناخًا مناسبًا للتطوير والتقدّم والارتقاء بشأن الوطن على كافة الأصعدة.

فنجد الدستور الكويتي مثلًا ينص في عدة مواد على ضمانات استقرار المجتمع ومسئولية الحاكم ومعاونيه في تنفيذها وتحقيقها، ومن تلك المواد:

«مادة (9)

الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن، يحفظ القانون كيانها، ويقوي أواصرها، ويحمي في ظلها الأمومة والطفولة.

مادة (10)

ترعى الدولة النشء وتحميه من الاستغلال وتقيه الإهمال الأدبي والجسماني والروحي.

مادة (11)

تكفل الدولة المعونة للمواطنين في حالة الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل كما توفر لهم خدمات التأمين الاجتماعي والمعونة الاجتماعية والرعاية الصحية.

مادة (25)

تكفل الدولة تضامن المجتمع في تحمل الأعباء الناجمة عن الكوارث والمحن العامة، وتعويض المصابين بأضرار الحرب أو بسبب تأدية واجباتهم العسكرية».

ومن ناحيةٍ أخرى نجد أن دستور جمهورية مصر العربية المعدل في 2019م ينص في أربع مواد متتالية على ضمان استقرار الحياة الاجتماعية بكافة صورها، وذلك على النحو التالي:

«المادة (8)

يقوم المجتمع على التضامن الاجتماعي. وتلتزم الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير سبل التكافل الاجتماعي، بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين، على النحو الذي ينظمه القانون.

المادة (9)

تلتزم الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، دون تمييز.

المادة (10)

الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة على تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها.

المادة (11)

تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقاً لأحكام الدستور. وتعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلاً مناسباً في المجالس النيابية، على النحو الذي يحدده القانون، كما تكفل للمرأة حقها في تولي الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا في الدولة والتعيين في الجهات والهيئات القضائية، دون تمييز ضدها. وتلتزم الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف، وتكفل تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل. كما تلتزم بتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنة والنساء الأشد احتياجاً».

كما تناول الدستور المصري أيضًا في ست مواد متتالية حقوق شرائح المجتمع وتوفير مقومات الحياة الاجتماعية لكل فرد في الدولة، وذلك على النحو التالي:

« المادة (78)

تكفل الدولة للمواطنين الحق في المسكن الملائم والآمن والصحي، بما يحفظ الكرامة الإنسانية ويحقق العدالة الاجتماعية. وتلتزم الدولة بوضع خطة وطنية للإسكان تراعي الخصوصية البيئية، وتكفل إسهام المبادرات الذاتية والتعاونية في تنفيذها، وتنظيم استخدام أراضي الدولة ومدها بالمرافق الأساسية في إطار تخطيط عمراني شامل للمدن والقرى وإستراتيجية لتوزيع السكان، بما يحقق الصالح العام وتحسين نوعية الحياة للمواطنين ويحفظ حقوق الأجيال القادمة. كما تلتزم الدولة بوضع خطة قومية شاملة لمواجهة مشكلة العشوائيات تشمل إعادة التخطيط وتوفير البنية الأساسية والمرافق، وتحسين نوعية الحياة والصحة العامة، كما تكفل توفير الموارد اللازمة للتنفيذ خلال مدة زمنية محددة.

المادة (79)

لكل مواطن الحق في غذاء صحي وكاف، وماء نظيف، وتلتزم الدولة بتأمين الموارد الغذائية للمواطنين كافة. كما تكفل السيادة الغذائية بشكل مستدام، وتضمن الحفاظ على التنوع البيولوجي الزراعي وأصناف النباتات المحلية للحفاظ على حقوق الأجيال.

المادة (80)

يعد طفلاً كل من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، ولكل طفل الحق في اسم وأوراق ثبوتية، وتطعيم إجباري مجاني، ورعاية صحية وأسرية أو بديلة، وتغذية أساسية، ومأوى آمن، وتربية دينية، وتنمية وجدانية ومعرفية. وتكفل الدولة حقوق الأطفال ذوي الإعاقة وتأهيلهم واندماجهم في المجتمع. وتلتزم الدولة برعاية الطفل وحمايته من جميع أشكال العنف والإساءة وسوء المعاملة والاستغلال الجنسي والتجاري. لكل طفل الحق في التعليم المبكر في مركز للطفولة حتى السادسة من عمره، ويحظر تشغيل الطفل قبل تجاوزه سن إتمام التعليم الأساسي، كما يحظر تشغيله في الأعمال التي تعرضه للخطر. كما تلتزم الدولة بإنشاء نظام قضائي خاص بالأطفال المجني عليهم، والشهود. ولا يجوز مساءلة الطفل جنائياً أو احتجازه إلا وفقاً للقانون وللمدة المحددة فيه. وتوفر له المساعدة القانونية، ويكون احتجازه في أماكن مناسبة ومنفصلة عن أماكن احتجاز البالغين. وتعمل الدولة على تحقيق المصلحة الفضلى للطفل في كافة الإجراءات التي تتخذ حياله.

المادة (81)

تلتزم الدولة بضمان حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والأقزام، صحياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وترفيهياً ورياضياً وتعليمياً، وتوفير فرص العمل لهم، مع تخصيص نسبة منها لهم، وتهيئة المرافق العامة والبيئة المحيطة بهم، وممارستهم لجميع الحقوق السياسية، ودمجهم مع غيرهم من المواطنين، إعمالاً لمبادئ المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص.

المادة (82)

تكفل الدولة رعاية الشباب والنشء، وتعمل على اكتشاف مواهبهم، وتنمية قدراتهم الثقافية والعلمية والنفسية والبدنية والإبداعيةً، وتشجيعهم على العمل الجماعي والتطوعي، وتمكينهم من المشاركة في الحياة العامة.

المادة (83)

تلتزم الدولة بضمان حقوق المسنين صحياً، واقتصادياً، واجتماعياً، وثقافياً، وترفيهياً وتوفير معاش مناسب يكفل لهم حياة كريمة، وتمكينهم من المشاركة في الحياة العامة. وتراعي الدولة في تخطيطها للمرافق العامة احتياجات المسنين، كما تشجع منظمات المجتمع المدني على المشاركة في رعاية المسنين. وذلك كله على النحو الذي ينظمه القانون».

ولعل هذه المواد الدستورية في مصر والكويت وغيرهما من الدول تعكس بوضوح مدى مسئولية الحاكم في ضمان استقرار الحياة الاجتماعية على كافة الأصعدة، والاهتمام بكافة شرائح المجتمع بما يناسب حالة كل فئةٍ من حيث السن والاحتياجات والحالة الصحية والثقافية، والعناية بالأسرة وتيسير سبل استقرارها والحفاظ عليها، ومواجهة الظواهر الخطيرة التي تهدد المجتمع كارتفاع معدلات الطلاق، والإدمان، والجريمة، والانحلال الأخلاقي، وكافة مظاهر الشذوذ والفساد والتنمّر والعدوان والإهمال.

اترك تعليقاً