البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

الفصل السادس: الفتوى ومسئولية الحاكم

المبحث السابع: المحافظة على النظام العام والآداب

77 views

من أهم واجبات ولي الأمر ومسئولياته العناية بضبط النظام العام داخل دولته، والحرص على التزام الجميع بالآداب العامّة وأصول اللياقة في البيوت والمباني والمؤسسات والشوارع وغيرها، لأن هذا يعكس مدى تحضّر الدولة ونظافتها ورقيّها أمام الزائرين لها من الضيوف على اختلاف جنسياتهم وأغراضهم، كما يقدّم صورةً جيدةً عن الدولة فيما يُنقل عنها من مسموعات ومرئيات تشاهدها كافة دول العالم، مما يسهم في التسويق لهذه الدولة ليقصدها السائحون من مختلف الأقطار، ولا يخفى ما ينتجه ذلك من عائدات اقتصادية مرتفعة تنعش الدولة وتزيد رخاءها.

وفوق كل ذلك فإن شيوع الالتزام بالنظام العام والآداب يُكسب مواطني الدولة الاحترام والإجلال بين شعوب الدول الأخرى، مما يحتم على كل من يزور الدولة أ يلتزم بنظامها وآدابها، كما ينتج ذلك احترام الدول الأخرى لمن يسافر إليهم من شعب هذه الدولة.

وقد عُهِد في التاريخ الإسلامي اهتمامٌ منقطع النظير بضبط الصورة العامة للمعيشة داخل الدولة الإسلامية المترامية الأطراف؛ فقد عرف الحكامُ المسلمون منذ العهد النبوي دور الضيافة والمأوى؛ حيث كان على عهد النبي -صلى اله عليه وسلم- بداخل مسجده الشريف ما يُعرف بالصُفَّة، وهي مكانٌ مظللٌ في مؤخرة المسجد للضافة والمأوى، قال الحافظ ابن حجر: «الصفة مكان في آخر المسجد النبوي مظلل أعد لنزول الغرباء فيه، ممن لا مأوى له ولا أهل وكانوا يكثرون فيه ويقلون بحسب من يتزوج منهم أو يسافر»ـ([1]).

كما عرفوا الخانات التي تكون على طريق المسافرين بين البلدان، واهتموا بعمارتها وتزويدها بالطعام والشراب والفرُش ليأوي إليها من انقطعت به السبيل أو طال سفره ولم يقْوَ على حمل كثيرِ متاعٍ، فقد جاء في طبقات ابن سعد طرفٌ من ذلك حيث قال: «واتخذ عمر دار الرقيق، وقال بعضهم: الدقيق، فجعل فيها الدقيق والسويق، والتمر والزبيب، وما يحتاج إليه يعين به المنقطع والضيف ينزل بعمر، ووضع عمر في طريق السبل ما بين مكة والمدينة ما يصلح من يقطع به، ويحمل من ماء إلى ماء» اهـ([2]).

وفيها أيضا أن عمر استأذنه أهل الطريق يبنون ما بين مكة والمدينة فأذن لهم وقال: «ابن السبيل أحق بالماء والظل» اهـ([3]).

وقد سبق أن ذكرنا في المبحثين السابقين عناية الحكام باتخاذ المستشفيات ودور التعليم، وكل ذلك من مقوّمات حفظ النظام العام في الدولة، أما الشق الآخر لحفظ النظام فهو عمل الشرطة الذين يتخذهم الحاكم أعوانًا لتأمين الوضع الداخلي في الدولة وحماية المواطنين من اللصوص وقطاع الطرق وأهل الفساد، ويعملون على تطبيق اللوائح المتعلقة بسياسات التجارة وفتح وغلق الأسواق والدكاكين حسب ما يقتضيه النظام في أوقات الشدة والرخاء، ويؤمنون الهيئات والمؤسسات الرسمية من الشغب الذي يحدثه السفهاء أو المعتدون، ويحفظون الأمن العام، ويراقبون تصرفات الأفراد ليأخذوا على يدِ من يتعدّى على الذوق العام ويخرِق الآداب ويتجاوز اللياقة بقولٍ أو فعلٍ.

وكل ما سبق ذكره هو من مسئوليات الحاكم ومعاونيه من الإداريين والتنفيذيين، وهي حقوقٌ لدولته وشعبه يجب عليه أداؤها على الوجه الأكمل، وفي المقابل يجب على كل فردٍ في الدولة أن يطيع أوامره ويلتزم بتعليماته حتى يكتمل حفظ النظام العام وتُصان الآداب ويَسْلم الذوقُ من كل ما يشوّش على هدوء الحياة ونظافتها داخل الدولة.

وقد اهتمت الدساتير بمفردات حفظ النظام العام والآداب، وعلقت هذه المسئولية في عنق الحاكم وأجهزته المعاونة، وكذلك جعلت الالتزام بذلك واجبًا على كل فردٍ من أفراد الشعب.

فقد نصت المادة (49) من الدستور الكويتي على أن «مراعاة النظام العام واحترام الآداب العامة واجب على جميع سكان الكويت».

وكذلك نصت المادة (8) على أنْ:

«تصون الدولة دعامات المجتمع وتكفل الأمن والطمأنينة وتكافؤ الفرص للمواطنين».

ولتنظيم أمور العمل والمعاملات والعقود نصت المادة (22) على أنه:

«ينظم القانون على أسس اقتصادية مع مراعاة قواعد العدالة الاجتماعية، العلاقة بين العمال وأصحاب العمل، وعلاقة ملاك العقارات بمستأجريها».

ومن ناحية أخرى ينص الدستور المصري المعدّل في 2019م في المادة (89) منه على أنه:

«تحظر كل صور العبودية والاسترقاق والقهر والاستغلال القسري للإنسان، وتجارة الجنس، وغيرها من أشكال الاتجار في البشر، ويجرم القانون كل ذلك».

بل اهتم القانون المصري بالحفاظ على نظام الأعمال تحت ما يعرف بنقابات العمل المختلفة، وخاصةً في شأن نقابات الفن بعد صدور أفعال وتصرفات غير لائقة من بعض المشاركين في التمثيل والغناء والإنشاء المحتويات المرئية والمسموعة على منصات التواصل مما يهدد سلامة الذوق العام وصيانة الآداب واللياقة الأخلاقية؛ لذلك حدد القانون المصري عقوبةً توقع على من يسهم في إفساد الذوق العام، حيث نصت المادة (5) مكرر بقانون رقم 8 لسنة 2003، الخاص بتعديل بعض أحكام القانون رقم 25 لسنة 1978 بشأن إنشاء نقابات واتحادات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية تحت عنوان أحكام عامة وانتقالية، على أنْ: “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد عن 3 أشهر وغرامة لا تقل عن 2000 جنيه ولا تزيد عن 20 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من زاول عملًا من الأعمال المهنية المنصوص عليها بذلك القانون، ولم يكن من المقيدين بجداول النقابة أو كان ممنوعًا من مزاولة المهنة ما لم يكن حاصلًا على تصريح مؤقت للعمل”.

 

([1]) ينظر: التراتيب الإدارية، لعبد الحي الكتاني، مرجع سابق، (1/ 363).

([2]) ينظر: الطبقات الكبرى، لابن سعد، (3/ 203).

([3]) ينظر: الطبقات الكبرى، لابن سعد، (3/ 220).

اترك تعليقاً