البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

الفصل السادس: الفتوى ومسئولية الحاكم

المبحث السادس: رعاية التعليم وحقوق الأفراد

72 views

من الدعائم الأساسية التي تقوم عليها الدولة، وتكتسب بسببها مكانةً مرموقةً بين الدول الأخرى: التعليم؛ لدرجة أنه في كافة العصور كانت تقاس حضارةُ وعراقةُ وعظمةُ كلِّ دولةٍ بمقدار ما لديها من علمٍ ومعرفة وثقافة، فاشتهر في العالم القديم الحضارةُ المصرية العظيمة، بما احتوته من علوم دقيقة، ومعارف هائلة لا يزال العالَم كلُّه حائرًا أمام جلالتها وعظمتها حتى اليوم رغم هذا التطور الهائل في التكنولوجيا والمعرفة وفنون التقنية المختلفة.

كما اشتهر أيضًا في القديمِ دولةُ الإغريق، بما تضمّنته من علومٍ ومعارف في الفلسفة والقانون والطب والسياسة، ثم انتقل العالم بعد ذلك إلى مراحل زمنية لاحقة تطوّرت فيها كثيرٌ من الدول التي لحقت بركب الحضارة بسبب اهتمامها بالعلم والمعرفة والبحث والتنقيب، حتى وصل العالم إلى الصورة التي نراها اليوم، والتي تحتّم على كل دولةٍ أن تنافس نظائرَها في ميدان العلم حتى تستبقي لنفسها مكانًا في هذا العالَم المتقدّم المتسارع.

والتعليم قبل أن يكون دعامةً أساسيةً لبناء أي حضارةٍ وازدهار أي دولة فإنه في الأساس حقٌّ إنسانيٌّ لكل فرد على هذه الأرض؛ ولذلك لا يجوز أن يُحْرَم منه أحد لأي سبب من الأسباب ومهما كانت الظروف، ولذلك دأبت المنظمات الدولية الإنسانية كحقوق الإنسان وحقوق الطفل والأمم المتحدة على تقرير حق كل إنسانٍ في تعليمٍ مناسب يكفل له كرامةَ العقل، وفرصَ العمل، وتهذيب الطبائع والأخلاق.

ولذلك فقد نص إعلان الأمم المتحدة المُعلَن عقب قمة الأرض التي عُقِدت بمقر الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك من 6 إلى 8 سبتمبر 2000م بحضور رؤساء الدول والحكومات (189 دولة) لإطلاق مشروع إعلان الأمم المتحدة بشأن الألفية الجديدة، والذي كان من ضمن أبرز أهدافه:

– “تحقيق التعليم الابتدائي الشامل لجميع الأطفال في كل مكان الصبيان والبنات، على نحو مماثل، القادرين على إكمال المقرر التعليمي للمدارس الابتدائية بحلول العام 2015م”.

– “الحض على المساواة بين الجنسين وتمكين النساء من خلال إزالة الفوارق بين الجنسين في التعليم الابتدائي والثانوي، وفي جميع مستويات التعليم في غضون فترة لا تتجاوز العام 2015م”([1]).

كما اندرج حق التعليم في الهدف الرابع من ميثاق الأمم المتحدة المُعلَن في قمتها العالمية لتحقيق التنمية المستدامة 2015م والذي تضمن 17 هدفًا تعمل أجندتُها على تحقيقها بحلول عام 2030م، وقد نص هذا الميثاق ضمن بنوده على ما يلي:

« الهدف (4): ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع:

التعليم الجيد وفرص التعلم مدى الحياة للجميع أمران أساسيان لضمان حياة كاملة ومنتجة لجميع الأفراد ولتحقيق التنمية المستدامة، وعلى الرغم من التقدُّم الكبير المُحرَز في معدَّلات الالتحاق بالمدارس، لا يزال الملايين من الأطفال خارج المدرسة، لا سيما حيث تكافح النُّظم التعليمية لمواكبة النمو السكاني، وحتى عندما يلتحق عدد أكبر من الأطفال بالمدرسة، فإن الكثير منهم لا يكتسبون المهارات الأساسية، ويعوق التعليمَ الجيدَ نقصُ المعلمين المدربين والمرافق المدرسية الملائمة، وسيتطلب تحقيق هذا الهدف بذل جهود مكثفة تستهدف الفئات الضعيفة من السكان، وخصوصًا الأشخاص ذوي الإعاقة، والسكان الأصليين، واللاجئين، وفقراء المناطق الريفية»([2]).

ولا يفوتنا هنا أن نؤكد على أن التعليم الجيد مبدأ من المبادئ التي جاء بها الإسلام، وبيَّن أنه حق مكفول لجميع بني الإنسان، فقد حارب الإسلامُ الأميةَ، ودعا أبناءه إلى طلب العلم، فأول كلمة في الوحي الإلهي في القرآن الكريم هي لفظ “اقرأ“، وبالرغم من أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان أميًا حين نزول الوحي، إلا أنه امتثل للأمر الرباني فكلّف أصحابه بالقراءة والكتابة، كما دعا إلى وجوب تعليم الأبناء والبنات، فقال صلى الله عليه وسلم: “طلب العلم فريضة على كل مسلم”([3]).

كما زخرت إصدارات ومواقع دور الإفتاء والمؤسسات الدينية بالفتاوى التي تحثّ على ضرورة الاهتمام بالتعليم، وتعالج كافة مشكلاته ومعوّقاته بالنظر الشرعي السليم، وتوفر له كافة الإمكانات التي تساعد على تطويره والارتقاء به وإشاعته وكَفْلِه للجميع.

وقد أولى الدستور المصري المعدل في 2019م عنايةً خاصةً بكل ما يخص التعليم والنهوض به في كافة المراحل وعلى مختلف الأصعدة، فعالج في سبع مواد متتالية كل العقبات التي يمكن أن تعوق مسيرة التعليم المناسب لكل أفراد الشعب، وجاء ذلك على النحو التالي:

« المادة (19)

التعليم حق لكل مواطن، هدفه بناء الشخصية المصرية، والحفاظ على الهوية الوطنية، وتأصيل المنهج العلمي في التفكير، وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار، وترسيخ القيم الحضارية والروحية، وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز، وتلتزم الدولة بمراعاة أهدافه في مناهج التعليم ووسائله، وتوفيره وفقاً لمعايير الجودة العالمية. والتعليم إلزامي حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها، وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة في مؤسسات الدولة التعليمية، وفقاً للقانون. وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم لا تقل عن 4% من الناتج القومي الإجمالي، تتصاعد تدريجياً حتى تتفق مع المعدلات العالمية. وتشرف الدولة عليه لضمان التزام جميع المدارس والمعاهد العامة والخاصة بالسياسات التعليمية لها.

المادة (20)

تلتزم الدولة بتشجيع التعليم الفني والتقني والتدريب المهني وتطويره، والتوسع في أنواعه كافة، وفقاً لمعايير الجودة العالمية، وبما يتناسب مع احتياجات سوق العمل.

المادة (21)

تكفل الدولة استقلال الجامعات والمجامع العلمية واللغوية، وتوفير التعليم الجامعي وفقاً لمعايير الجودة العالمية، وتعمل على تطوير التعليم الجامعي وتكفل مجانيته في جامعات الدولة ومعاهدها، وفقاً للقانون. وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم الجامعي لا تقل عن 2% من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجياً حتى تتفق مع المعدلات العالمية. وتعمل الدولة على تشجيع إنشاء الجامعات الأهلية التي لا تستهدف الربح، وتلتزم الدولة بضمان جودة التعليم في الجامعات الخاصة والأهلية والتزامها بمعايير الجودة العالمية، وإعداد كوادرها من أعضاء هيئات التدريس والباحثين، وتخصيص نسبة كافية من عوائدها لتطوير العملية التعليمية والبحثية.

المادة (22)

المعلمون، وأعضاء هيئة التدريس ومعاونوهم، الركيزة الأساسية للتعليم، تكفل الدولة تنمية كفاءاتهم العلمية، ومهاراتهم المهنية، ورعاية حقوقهم المادية والأدبية، بما يضمن جودة التعليم وتحقيق أهدافه.

المادة (23)

تكفل الدولة حرية البحث العلمي وتشجيع مؤسساته، باعتباره وسيلة لتحقيق السيادة الوطنية، وبناء اقتصاد المعرفة، وترعى الباحثين والمخترعين، وتخصص له نسبة من الإنفاق الحكومي لا تقل عن 1% من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجياً حتى تتفق مع المعدلات العالمية. كما تكفل الدولة سبل المساهمة الفعالة للقطاعين الخاص والأهلي وإسهام المصريين في الخارج في نهضة البحث العلمي.

المادة (24)

اللغة العربية والتربية الدينية والتاريخ الوطني بكل مراحله مواد أساسية في التعليم قبل الجامعي الحكومي والخاص، وتعمل الجامعات على تدريس حقوق الإنسان والقيم والأخلاق المهنية للتخصصات العلمية المختلفة.

المادة (25)

تلتزم الدولة بوضع خطة شاملة للقضاء على الأمية الهجائية والرقمية بين المواطنين في جميع الأعمار، وتلتزم بوضع آليات تنفيذها بمشاركة مؤسسات المجتمع المدني، وذلك وفق خطة زمنية محددة».

ومن ناحية أخرى نجد أن الدستور الكويتي لم يُغفل العناية بالعملية التعليمية، فتناولت ثلاثُ مواد متتالية منه ضبط شئون التعليم وكفالته لكل فردٍ من أفراد الدولة، وجاء ذلك على النحو التالي:

«مادة (13)

التعليم ركن أساسي لتقدم المجتمع، تكفله الدولة وترعاه.

مادة (14)

ترعى الدولة العلوم والآداب والفنون وتشجع البحث العلمي.

مادة (40)

التعليم حق للكويتيين، تكفله الدولة وفقا للقانون وفي حدود النظام العام والآداب، والتعليم إلزامي مجاني في مراحله الأولى وفقا للقانون. ويضع القانون الخطة اللازمة للقضاء على الأمية. وتهتم الدولة خاصة بنمو الشباب البدني والخلقي والعقلي».

ومن خلال ما سبق يتبين مدى عِظم المسئولية الواقعة على عاتق الحكام وولاة الأمر وأجهزة الدولة في توفير فرص التعليم المناسب لكل فردٍ من أفراد الوطن منذ طفولته وحتى وفاته، وضرورة العمل على محو الأمية بشكلٍ كاملٍ؛ إذا لا يُتصور في ظل هذا العصر الحديث المتطور أن يكون هناك إنسانٌ لا يستطيع القراءة والكتابة، وهما الحد الأدنى من المعرفة والثقافة، بالإضافة إلى الاهتمام بفئات التعليم المختلفة من إدراج صورٍ أخرى في العملية التعليمية  للمراحل المتوسطة كالزراعة والصناعة والتجارة والحِرف المختلفة والسلوك والتعايش والتدبير المنزلي والتربية الصحية ونحو ذلك.

وإذا ترقّينا في السُلَّم التعليمي للمراحل التخصصية العليا سنجد أنه من اللازم على الدولة تخصيص موازنةٍ أكبر للنهوض بالتعليم وتطوير البحث العلمي في كافة المجالات لاستخدام معطيات العلم الحديث النافع في إنهاض الزراعة والصناعة والتجارة والرعاية الصحية والنظريات الاقتصادية المُجدية للقضاء على الفقر والجوع والمرض والجهل.

 

([1]) ينظر: تقرير التنمية البشرية لعام 2003م، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، نيويورك، 2003م، (ص15، 16).

([2]) أهداف التنمية المستدامة، المركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء، وزارة شؤون مجلس الوزراء، الإمارات العربية المتحدة:

https://fcsa.gov.ae

([3]) السنن, لابن ماجه, افتتاح الكتاب في الإيمان وفضائل الصحابة والعلم، باب: فضل العلماء والحث على طلب العلم, (1/81), رقم (224), والمعجم الأوسط, للطبراني, (1/7), رقم (9). وقد حسنه الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء، (1/55).

اترك تعليقاً