البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

الباب الأول: اعتماد الفتوى على المنهج الشرعي المتكامل في حفظ النفوس

الفصل الحادي عشر: إظهار الفتوى لمبدأ قصر سبب الحرب على الدفاع عن النفس ونصرة المظلوم

74 views

هذا المبدأ من أهم مقومات حفظ النفوس؛ حيث إن اتساع دائرة الأسباب المبيحة للحرب هو أول أسباب تهديد الوجود الآدمي، وكذلك كون الحرب بلا قاعدة ولا مبدأ يحكمها من حيث سبب اتخاذ قرارها أو من حيث النتائج المترتبة عليها.

والجهل بهذا المبدأ ممن يتصدون للإفتاء كان سببًا للتوسع في إراقة الدماء، واتهام الغير للإسلام بأنه دين عنف وإرهاب، وترسخ عقيدة غير صحيحة عند كثير ممن يجهلون بمبادئ الإسلام مفادها أن الإسلام قد انتشر بالسيف.

فالأصل أن الحرب في الإسلام لم تكن يومًا للاعتداء على الغير ولا لنشر الدين بالقوة، ولا للاستيلاء على أرض الغير أو خيراته، بل إن أسباب الحرب محصورة في دفع العدوان ونصرة المظلوم.

قال تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصۡرِهِمۡ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39].

وقال: {وَمَا لَكُمۡ لَا تُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلۡمُسۡتَضۡعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلۡوِلۡدَٰنِ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخۡرِجۡنَا مِنۡ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهۡلُهَا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّٗا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا} [النساء: 75].

قال العلامة أبو زهرة: “وقوله سبحانه: {فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ عَلَيۡكُمۡ فَٱعۡتَدُواْ عَلَيۡهِ بِمِثۡلِ مَا ٱعۡتَدَىٰ عَلَيۡكُمۡ} [البقرة: 194] هو القاعدة العامة للقانون الدولي في الإسلام في السلم والحرَب معًا؛ فمن لم يعتد على المسلمين، وترك دعوة الإسلام الحق تسير في مسارها، وتستقيم على منهاجها من غير محاجزة بين الناس وبينها، فالعلاقة به سلمية خالصة، كالشأن مع النجاشي ملك الحبشة؛ ومن اعتدى على المسلمين كانت العلاقة بينهم وبينه بقدر ذلك الاعتداء؛ سواء أكان الاعتداء في سلم أم لبس لبوس الحرب؛ وإذا عاهدهم أحد حفظوا عهودهم إلا أن ينكث معهم {فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفۡسِهِ} [الفتح: 10]” اهـ.

وقد أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى تدور حول مفهوم أن الإسلام هو دين السلام والحفاظ على النفوس والأرواح، وأنه يحرم الاعتداء على الآخرين، وأن الغرض من الجهاد هو رد الاعتداء:

“اطلعنا على الفاكس الوارد إلينا من الشيخ/ محمود لطفي عامر رئيس جمعية أنصار السنة المحمدية بدمنهور المقيد برقم 829 لسنة 2002 المتضمن: رجاء إحاطتنا بما صدر عن دار الإفتاء المصرية حاليًّا أو في العهد السابق بشأن مقاطعة سلع معينة أو شركات معينة.

الجواب: الإسلام دين العدل والرحمة لكل البشر؛ لقوله تعالى: {وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ} [الأنبياء: 107]، والإسلام يمنع الاعتداء على الآخرين، فهو دين السلام لكل البشر مصداقًا لقوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدۡخُلُواْ فِي ٱلسِّلۡمِ كَآفَّةٗ وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ} [البقرة: 208]، وقوله تعالى: {وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ} [البقرة: 190]، فإذا ما حدث اعتداء على المسلمين كما هو واضح الآن بأي صورة، وفي أي مكان يكون الجهاد مشروعًا بكل الطرق المتاحة للدفاع عن الدين ومقدساته وعن النفس والأهل والمال والعرض”.

كما بينت الفتوى أنَّ من وسائل الجهاد المشروعة مقاطعة منتجات أعداء الإسلام والمسلمين بما لا يترتب عليه ضرر للمسلمين ولا للوطن والمواطنين؛ فنصَّت على:

“ومن وسائل الجهاد المشروع مقاطعة أعداء الإسلام والمسلمين اقتصاديًّا بما لا يترتب عليه ضرر للمسلمين ولا للوطن والمواطنين، والمقاطعة الاقتصادية المشروعة في الإسلام لا تكون لمنتجات المصانع والشركات التي بداخل الدول والديار الإسلامية والعربية إذا كانت مملوكة للمواطنين؛ وذلك لأن هذه المصانع والشركات تعود منافعها ومصالحها المباشرة على المواطنين والعاملين بها ولأوطانهم، وتعمل على تدعيم قوتهم المادية والاقتصادية والتنمية البشرية والمالية الوطنية في مواجهة التكتل الاقتصادي الأجنبي العالمي بما يساعد ذلك في تحقيق التكامل الاقتصادي العربي والإسلامي، وتحقيق السوق العربية والإسلامية المشتركة، وعلى ذلك يكون شراء المنتجات المحلية واجبًا وطنيًّا حتى إن كانت أقل جودة وأعلى سعرًا؛ وذلك لتشجيع الصناعة الوطنية وتنميتها وحمايتها من الإغراق لتقف على قدميها وتنافس المنتجات الأجنبية جودةً وسعرًا، وتكون المقاطعة الاقتصادية واجبة لمنتجات وبضائع الشركات التي تحارب المسلمين والدول التي تساندها إلا إذا كان في حاجة ماسة لها وضرورية لبعض هذه المنتجات، ولا يمكن الاستغناء عنها ولا يوجد لها بديل داخل الدول العربية والإسلامية كالأدوية مثلًا، ففي هذه الحالة لا مانع نزولًا على حكم الضرورة تقدر بقدرها([1]).

([1]) رقم الفتوى 465 تاريخ الفتوى 06/07/2002 المفتي فضيلة الدكتور أحمد الطيب.

اترك تعليقاً