البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

المبحث الأول: مفهوم الاقتصاد الوطني وأهمية الارتقاء به.

المطلب الأول: مفهوم الاقتصاد الوطني.

معنى كلمة «الاقتصاد»:

معنى الاقتصاد: في اللغة: القصد: استقامة الطريق، والقصد: العدل، وفي الحديث: القصد القصد تبلغوا، أي عليكم بالقصد من الأمور في القول والفعل، وهو الوسط بين الطرفين، والقصد في الشيء: خلاف الإفراط وهو ما بين الإسراف والتقتير. والقصد في المعيشة: ألَّا يسرف ولا يقتر([1]).

فالاقتصاد لغةً يشير إلى الاعتدال والموازنة بين الدخول والنفقات، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا المعنى عندما قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67]، وجاء في التوجيه النبوي الكريم: “ما عال من اقتصد” بمعنى أن من يحسن ويعتدل في معيشته لا يفتقر. وينطبق هذا التوجيه على الأفراد والتنظيمات والجماعات والدول والشعوب. وقد نبهنا عليه الصلاة والسلام أن من فقه الرجل قصده في معيشته.

والاقتصاد باللغة الإنجليزية (Economics) كلمة مشتقة من لفظ إغريقي يتكون من كلمتين (Oikos) أي المنزل، وكلمة (Nomos) أي تدبير، وبذلك تكون كلمة الاقتصاد (Economics) معناها تدبير أمور البيت بحيث يشترك أفراده القادرون في إنتاج الطيبات الاقتصادية والقيام بالخدمات ويشتركون بالتمتع بما يحوزونه، ثم توسع الناس في مدلول البيت حتى أطلق على الجماعة التي تحكمها دولة واحدة، وعليه فلم يعد المقصود من كلمة «اقتصاد» المعنى اللغوي وهو التوفير، ولا معنى المال فحسب، وإنما المقصود المعنى الاصطلاحي لمسمى معين، وهو تدبير شئون المال إما بتكثيره وتأمين إيجاده وإما بكيفية توزيعه([2]).

ومما أوردناه يتضح أن الاقتصاد كعلم هو العلم الذي يبحث في مسألة الثروة من حيث إيجادها وتنميتها واستهلاكها وتوزيعها ويبحث في قضايا الندرة والقيمة والإنتاج والتبادل والتوزيع والتجارة الخارجية([3]).

معنى كلمة «الوطني»:

تعريف الوطن في اللغة:

الوطني نسبة إلى الوطن. والوطن: المنزل تقيم به، وهو موطن الإنسان ومحله، ويقال: أوطن فلان أرض كذا وكذا أي اتخذها محلًّا ومسكنًا يقيم فيها([4]).

وقال الزبيدي: الوطن: منزل الإقامة من الإنسان ومحله، والجمع: أوطان([5]).

والوطن: مكان إقامة الإنسان ومقره وإليه انتماؤه، وُلِد به أو لم يولد([6]).

وقسَّم الكفوي رحمه الله الوطن إلى ثلاثة أقسام:

الأول: الوطن الأصلي، وهو مولد الإنسان أو البلدة التي تأهل فيها.

الثاني: وطن الإقامة: وهو البلدة أو القرية التي ليس للمسافر فيها أهل، ونوى أن يقيم فيه خمسة عشر يومًا فصاعدًا.

الثالث: وطن السكنى: وهو المكان الذي ينوي المسافر أن يقيم فيه أقل من خمسة عشر يومًا([7]).

ومما أوردناه يتضح أن الوطن لغةً: المكان الذي يقيم به الإنسان وُلِد به أم لا.

تعريف الوطن في الاصطلاح:

جاء في معجم المصطلحات السياسية والدولية: الوطن هو البلد الذي تسكنه أمة، يشعر المرء بارتباطه بها وانتمائه إليها([8]).

واستنادًا إلى ما سبق يمكن أن نصل إلى تعريف نسير عليه في هذا المبحث، وهو أن الوطن المراد هنا: هو الوطن الخاص أي بلد الشخص، ولادة ونشأة أو نشأة فقط وتعارف عليه الناس في العصر الحاضر بالحصول على الجنسية أو رابطة الجنسية، وقد تمنح الدولة شرف المواطنة (الجنسية) لمن لم يولد، أو وُلد على أرضها، إذا كانت مصلحة الوطن تستدعي ذلك.

تعريف الاقتصاد الوطني:

الاقتصاد الوطني هو: اقتصاد الدولة الذي ينطوي على مجموعة من الأنشطة الاقتصادية الفردية التي تنهض بالدولة وتقودها نحو التنمية والتقدم.

والاقتصاد الوطني هو جزء من الاقتصاد العالمي.

 

 

 

 

المطلب الثاني: عوامل الارتقاء بالاقتصاد الوطني.

هناك عوامل متعددة من شأنها أن تنهض بالاقتصاد الوطني وترتقي به، وهي في الوقت نفسه تساير وتواكب التطور الذي طرأ على الحياة المعاصرة، نذكر من هذه العوامل ما يلي:

أولًا: الاتجاه إلى الاقتصاد المعرفي:

إنَّ التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تجتاح الاقتصاد العالمي بفعل ثورة تقنية المعلومات والاتصالات لعبت دورًا أساسيًّا في التوجه نحو الاقتصاد المعرفي، وهو اقتصاد يستمد خصوصيته من دوره الذي سيقوم به في المستقبل فبوادره الأولية تتشكل يومًا بعد يوم لتحدد ملامحه في عصر جديد في كل جوانبه وفي قواعده وأدواته ووسائله معتمدًا على أدواته الأساسية ومنها تقنية المعلومات والاتصالات وأهمها الإنترنت وركائزه الأساسية، ومنها الاستثمار في رأس المال البشري والبحث والتطوير والتعليم المستمر؛ إذ أحدثت تطبيقات تلك الأدوات والركائز فضلًا عن تقنية الإنترنت تغيرات جوهرية في الواقع الاقتصادي، في حجم الإنتاج وسرعة نموه العالية لارتكازه على منظومة البحث والتطوير وإمكانيته في تغيير أنماط العمل وتغير طرائق التعامل بين الأفراد والمؤسسات والحكومة من خلال استخدامه أحدث الوسائل التقنية وفي اختصار الوقت والجهد والكلفة وفتح آفاق جديدة للتجارة والأسواق([9]).

مفهوم الاقتصاد المعرفي:

لقد أفضت الثورة المعرفية إلى مجتمع المعرفة الذي يعتمد بالدرجة الأولى على المعارف بوصفها ثروة أي على خبرة الموارد البشرية وكفاءتها ومعارفها ومهاراتها بوصفها أساسًا للتنمية الشاملة، وهكذا يتبين أن المعادلة الاقتصادية الجديدة لا تعتمد على وفرة الموارد الطبيعية أو الموارد المالية فقط بل على المعرفة وما أفضت إليه الثورة المعرفية.

وفي إطار الإنتاج والتنمية برز في مجال مجتمع المعرفة مفهوم الاقتصاد المعرفي، ويمكن تعريفه بأنه: «الاقتصاد الذي يدور حول الحصول على المعرفة والمشاركة فيها واستخدامها وتوظيفها وابتكارها بهدف تحسين نوعية الحياة بالمجالات كافة من خلال خدمة معلوماتية ثرية وتطبيقات تقنية متطورة واستخدام العقل البشري على أنه رأس مال، وتوظيف البحث العلمي لإحداث التغيرات الاستراتيجية في طبيعة المحيط الاقتصادي لينسجم مع تقنية المعلومات والاتصالات وعالمية المعرفة والتنمية الشاملة».

إن التطور المتسارع للعلوم والتقنية والاتساع الهائل في نطاق المعرفة قد عجَّل بضرورة التغير والتأقلم مع معطيات التطور المعرفي حتى بات الدخول إلى الاقتصاد المعرفي ليس السبيل الأفضل للنجاح بل هو الخيار الوحيد للدول والمؤسسات في مواجهة تحديات العصر وتبوُّء موقع لائق بين الأمم.

ويشير تقرير دولي صدر عن الدول الأوروبية المتقدمة صناعيًّا في عام 1996م للدور المعرفي في اقتصاديات الأمم إذ يوضح أن أكثر من نصف الإنتاج في الدول المتقدمة خلال السنوات القليلة الماضية اعتمد على الاقتصاد المعرفي أي ذلك الاقتصاد القائم على العامل الإنساني المسيطر والمستخدم لتقنية المعلومات، وهذا ما دعا له برنامج الأمم المتحدة الإنمائي-الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي في تقرير التنمية الإنسانية العربية في عام 2002م: خلق الفرص للأجيال القادمة، وتقرير التنمية الإنسانية العربية في عام 2003م: نحو إقامة مجتمع المعرفة، اللذان يتركزان حول سبل تجاوز العائق الرئيس الثالث الذي يعترض طريق التنمية وهو نقص المعرفة؛ لأن مجتمع المعرفة مرتبط باقتصاديات المعرفة بوصفه مصدرًا مهمًّا لثروات الأمم وتنمية الرأسمال البشري الذي يُعد طموح الأمم فضلًا عن رعاية الإبداع وترقيته وآثاره الإيجابية على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية([10]).

دور تقنية المعلومات في التنمية الاقتصادية:

تشكل تقنية المعلومات والاتصالات البنية التحتية لاقتصاد المعرفة وللتجارة الإلكترونية، وهكذا يشق اقتصاد المعرفة طريقًا جديدًا في التاريخ الإنساني يجعل تقنية المعلومات والمعرفة العلمية التقنية جزءًا لا يتجزأ من معظم الفعاليات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

ويحرص الباحثون الاقتصاديون من خلال نظرية النمو الحديثة على بيان العلاقة بين التنمية وتقنية المعلومات، ونشير هنا إلى ما جاء بقمة «أوكيناوا» للدول الثماني المنعقدة في عام 2000م في اليابان؛ إذ أقرت القمة (ميثاق أوكيناوا) وجاء فيها «تشكل تقنية المعلومات والاتصالات إحدى أعظم القوى الكامنة التي تساهم في تشكيل ملامح القرن الحادي والعشرين، وينعكس تأثيرها على طريقة حياة الناس وتعليمهم وعملهم على طريقة تفاعل الحكومات مع المجتمع المدني، وبسرعة تغدو تقنية المعلومات والاتصالات محركًا حيويًّا لنمو الاقتصاد العالمي»، فضلًا عن إمكاناتها بتطوير البنية التحتية والوصول إلى الأهداف الحيوية مثل تخفيض الفقر والرعاية الصحية والتعليم والإفادة من النمو العالمي السريع للتجارة الإلكترونية.

وتتمتع تقنية المعلومات والاتصالات بأثر بعيد الأمد عبر تأمين إدارة سليمة أكثر استجابة وشفافية وتحسين النفاذ إلى المعلومات الصحية والتعليمية والاجتماعية وغيرها، وتقديم هذه الخدمات لأفراد المجتمع كافة.

وإن استخدام تقنية المعلومات والاتصالات قوة دافعة لتعزيز التنمية الاقتصادية من خلال توسيع الإنتاج بزيادة الابتكار (Innovation) ومواصلة البحث والتطوير مما يساعد على زيادة الفاعلية الاقتصادية والإنتاجية فضلًا عن التعليم بوصفه أحد الأبعاد الأساسية للتنمية البشرية؛ لذا فإن تقنية المعلومات والاتصالات تلعب دورًا حيويًّا مباشرًا في شتى مناحي الحياة الاقتصادية والتنموية والاجتماعية والثقافية.

وقد تنبهت الدول المتقدمة مبكرًا لهذا الجانب وعمدت للإفادة من استخدامات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مجالات التنمية والتقدم لتصل إلى ما وصلت إليه اليوم.

وقد أدركت الدول النامية أهمية الأخذ بهذه التقنية وتطبيقاتها من أجل التواصل مع التحولات الجارية في العالم وتحقيق النهوض الاقتصادي والتنموي؛ إذ إن تحويل الخدمات والمعاملات المباشرة في الولايات المتحدة إلى الخدمة الإلكترونية أدى إلى توفير 70% من الكلفة المالية التي كانت تنفق لنفس المعاملات عندما كانت تجري بالطرق التقليدية، وكذلك بالنسبة إلى الدول الأخرى التي سارت في هذا الطريق.

وقد عزمت الدول العربية على تبني سياسات التنمية التقنية خاصة في قطاع المعلومات لما يمتاز به هذا القطاع من طبيعة اندماجية على المستوى الإقليمي والدولي لإنجاز مستوى أفضل من التنمية.

ويعيش العالم مرحلة من التحول من نظام اقتصادي تسانده المعلومات إلى اقتصاد المعرفة الذي تشكل تقنية المعلومات فيه ركنًا أساسيًّا في معظم الأنشطة الإنتاجية، وليس أدل على أهمية التقنية من أن المعرفة العلمية والتقنية أصبحت تمثل 80% من اقتصاديات العالم المتقدم بينما 20% المتبقية هي حصة رأس المال والعمالة والموارد الطبيعية، وأن 70% من نفقة الحاسب الآلي ترجع إلى قيمة البحث والتطوير والاختبار، و12% للأيدي العاملة، وذلك من تكلفة المنتج النهائي، لذا فإن الدول العربية بحاجة إلى ثورة حقيقية في مجالات البحث العلمي والقدرات التكنولوجية لدعم تطلعاتها التنموية وتنويع اقتصاداتها وتحسين وضعها في تقييم العمل الدولي.

وقد بدأت بعض الدول العربية وضع الميزانيات المخصصة للبحوث ومحاولات لإنشاء المعاهد المتخصصة في مجال تطبيقات المعلومات والإلكترونيات الدقيقة والاتصالات منها:

-مركز بحوث الإلكترونيات الملحق بالمركز القومي للبحوث في مصر.

-مركز علوم الكمبيوتر وتكنولوجيا المعلومات الملحق بالمركز القومي للبحوث في سوريا.

-مجموعة بحوث الإلكترونيات بمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتكنولوجيا بالرياض.

-المعهد القومي للمعلوماتية بالجزائر.

ومؤخرًا أضافت الدول العربية مؤسسات ومشروعات متخصصة لدعم البحث العلمي والتطبيقات التقنية منها ما دخل حيز التنفيذ، ومنها ما هو قيد الإنشاء مثل مدينة دبي للإنترنت في الإمارات العربية، وجامعة الملك عبد العزيز للعلم والتقنية في السعودية، ومشروع وادي التكنولوجيا ومشروعات القرى الذكية في مصر، وتهدف هذه المشاريع في مجملها إلى دفع البحث العلمي والتطبيقات التكنولوجية في الدول العربية فضلًا عن جذب الاستثمارات وتوطين التكنولوجيا في الدول العربية.

ويُعد مجال صناعة البرمجيات مجالًا واعدًا لعدد من الدول العربية، وترتبط الدول العربية بأشكال ودرجات متفاوتة بارتباطها مع شركات الكمبيوتر والبرمجيات العالمية سواء للاستثمار في الدول العربية أو لافتتاح فروع لمنتجاتها.

وعُلم مما تقدم أهمية تقنية المعلومات ودورها الأساس في تشبيك المعلومات والمعرفة محليًّا وعربيًّا وإقليميًّا، وأصبحت أحد الأدوات المهمة في البنى التحتية لاقتصاد المعرفة الذي تزداد فيه نسبة القيمة المضافة وتحقيق التنمية الاقتصادية([11]).

ثانيًا: التحول إلى الاقتصاد الأخضر:

في ظل المتغيرات الاقتصادية لاسيما الأزمة الاقتصادية المتعلقة بقطاع المحروقات كان لزامًا إعادة النظر في هيكلة الاقتصاد والتوجه إلى اقتصاد جديد يهدف إلى الاستثمار في رأس المال الطبيعي من أجل الخروج من الأزمة المالية الراهنة؛ فإن هذا التحول يمكن أن يشكل أداة فعالة للنهوض بالاقتصاد، إذ يؤدي الاستثمار في الطاقات المتجددة على غرار الطاقة الشمسية، والزراعة، إعادة التدوير، وكذا النقل إلى خلق وظائف عمل لائقة مناصرة للبيئة دائمة، حيث من شأن هذه الوظائف أن توفر منافع اجتماعية واقتصادية وبيئية؛ إذ تعمل في نفس الوقت إلى توجيه اقتصاد نحو نمو منخفض الكربون وصديق للبيئة. لذلك فإنه من الضروري حث المؤسسات العمومية وكذا الخاصة على الاستثمار في النشاط البيئي من أجل النمو الاقتصادي، الأمر الذي يشكل أداة فعالة لتحقيق الأهداف التنموية من خلال الجمع بين الموارد المالية البشرية وكذا الطبيعية.

ومن شأن التنمية الخضراء أن تحسن من نمط استغلال موارد الطاقة، وفي الوقت نفسه من الواجب أن تحمي وتستعيد منظومة الحياة الطبيعية والبيئية، وتحقق التواؤم الجيد المشترك المتطور بين الإنسان والبيئة؛ فجوهر التنمية الخضراء يتمثل في التأكيد على المواءمة والتنسيق التام بين التنمية الاقتصادية وبين حماية البيئة والاستغلال المستدام للموارد.

مفهوم الاقتصاد الأخضر:

عرَّفت منظمة الأمم المتحدة للبيئة الاقتصاد الأخضر «بأنه اقتصاد يؤدِّي إلى تحسين حالة الرفاه البشري والإنصاف الاجتماعي، مع العناية في الوقت نفسه بالحدِّ على نحو ملحوظ من المخاطر البيئية وحالات الشح الإيكولوجية»

ويشمل مفهوم التنمية الخضراء جانبين: أولهما: أن الاقتصاد يجب أن يكون أخضر، بمعنى ألَّا تُدمَّر البيئة وتدفع ثمنًا غاليًا للتنمية الاقتصادية، فمن الضروري أن تتوافق هذه التنمية مع متطلبات حماية البيئة واستغلالها مما يضمن استدامة الموارد. ثانيهما: أن الأخضر يجب أن يكون اقتصادًا بما يعني ضرورة العمل على حماية الموارد والبيئة لتعزيز التنمية الاقتصادية بحيث يصبح الاقتصاد الأخضر تنمية اقتصادية جديدة.

ويعتبر الاقتصاد الأخضر هو اقتصاد القرن الحادي والعشرين، وفي ظله أصبح العالم يغير وجهته التنموية من تنمية جائرة غير محددة بأبعاد اجتماعية وعالمية خلال العقود السابقة إلى تنمية خضراء تراعي البعد البيئي وتحد من الانبعاثات الحرارية وتقليل ثاني أكسيد الكربون للمحافظة على عدم ارتفاع درجات حرارة الكرة الأرضية، والذي ستتحمل أعباءه مختلف دول العالم وخاصة الدول النامية، حيث تشير التقديرات إلى أن الدول النامية في حاجة إلى توفير ما يزيد على 4.5 تريليون دولار حتى عام 2030م لتحقيق أهداف التنمية، وأكثر من 500 مليار دولار حتى عام 2050م لتمويل أعباء التغيرات المناخية([12]).

توجه مصر نحو الاقتصاد الأخضر:

تدعم مصر فكرة التحول للنمو الأخضر، ويظهر ذلك جليًّا في رؤيتها الاقتصادية المستقبلية التي تستهدف تحقيق تنمية وطنية صديقة للبيئة، لا تطغى على حقوق الأجيال القادمة في الموارد الطبيعية، وهو ما يتضمنه مفهوم التنمية المستدامة.

وترجع أهمية التحول إلى النمو الأخضر إلى دوره الفعال في رفع معدل النمو الاقتصادي بما يتوافق ويتناغم مع استراتيجيات الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية، حيث أثبتت تجارب بلدان العالم التي تنتهج منهاج النمو الأخضر بأنه قد أسهم في تلبية الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية الملحة، وأظهرت التجارب العالمية أن مفهوم الاقتصاد الأخضر ينطوي على إمكانيات للنمو المستدام وخلق فرص عمل مما يحد من الفقر والبطالة كما يساهم في سد العجز الإيكولوجي وضمان نمو مستدام، ويساعد على التوصل إلى أمن في الغذاء والماء والطاقة، وتحقيق أشكال أكثر عدالة لتوزيع الدخل([13]).

مشروعات الاقتصاد الأخضر:

تنفذ مصر العديد من المشروعات التي تتجه نحو تبني سياسات الاقتصاد الأخضر التي تتناسب مع الأولويات البيئية والاقتصادية للدولة، وذلك في إطار التوجه نحو تنفيذ الاستراتيجية القومية للتنمية المستدامة 2030، وقد نجحت مصر في قطاعات متعددة في مجال التوجه نحو الاقتصاد الأخضر، ومنها: مشروعات تدوير المخلفات وإنتاج الطاقة المتجددة والزراعة المستدامة، والتي تساعد في التقليل من الانبعاثات المؤثرة على التغيرات المناخية باعتبارها أصبحت تحديًا عالميًّا تسعى الدول كافة لمواجهته([14]).

أولًا: مشروعات الطاقة:

يعتبر قطاع الطاقة المتجددة أحد أهم محاور استراتيجية الحكومة المصرية لتحقيق التحول الأخضر، ومكافحة الآثار السلبية للتغيرات المناخية، لذا وضعت الدولة استراتيجية متكاملة للتوسع في مشروعات الطاقة المتجددة بحلول عام 2035م.

مشروع الطاقة الحيوية:

يعد مشروع الطاقة الحيوية للتنمية الريفية المستدامة أحد المشروعات الممولة من وزارة البيئة بالتعاون مع مرفق البيئة العالمية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وبالتنسيق مع بعض الوزارات المعنية ومنها وزارات البترول والكهرباء والطاقة والتعاون الدولي بالإضافة إلى الصندوق الاجتماعي للتنمية وهيئة تنمية الطاقة الجديدة بهدف السعي نحو استخدام تكنولوجيات الطاقة الحيوية وخلق سوق جديدة لها في مصر وتشجيع وبناء قدرات الشباب على الدخول في السوق كرواد أعمال من خلال شركات يؤسسها المشروع من شباب الخريجين لتقديم هذه الخدمة بمحافظات مصر.

ويعتبر مشروع الطاقة الحيوية للتنمية الريفية المستدامة كنموذج في هذا المجال، حيث قام المشروع بإنشاء 1000 وحدة بيوجاز([15])، ويسعى لإنشاء عدد 250 ألف وحدة على المدى الطويل بما يحقق عدة أهداف منها تدوير مخلفات الحيوانات والحد من حرق المخلفات الزراعية والتقليل من استخدام الوقود الأحفوري([16])، ويستخدم المستفيدون من هذه الوحدات غاز البيوجاز الناتج في أعمال الطبخ والإنارة.

وقام المشروع بتنفيذ أولى الوحدات التجارية التي تعد أكبر وحدة لإنتاج البيوجاز بمصر وتنتج 50 متر مكعب بيوجاز يوميًّا بإحدى مزارع المواشي بمحافظة الفيوم.

ويسهم التوسع في تطبيق تكنولوجيا الطاقة الحيوية في دعم المجتمعات الريفية، بتقديم مصدر اقتصادي ومستدام للطاقة، فضلًا عن خلق فرص عمل خضراء للشباب في قرى الريف المصري([17]).

مشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر:

وهو نوع من الوقود الناتج عن عملية كيميائية يستخدم فيها تيار كهربائي ناتج عن مصادر متجددة لفصل الهيدروجين عن الأكسجين في الماء، ومن ثم تصبح طاقة ناتجة دون انبعاث ثاني أكسيد الكربون بالغلاف الجوي والمسبب للاحتباس الحراري، وقد استخدمته العديد من الدول كبديل عن الوقود الأحفوري مثل النفط والفحم الحجري، والذي يؤدي إلى ارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي للأرض.

وقد بدأت مصر الدخول في سوق إنتاج الهيدروجين الأخضر لتوليد الطاقة، لتكون ضمن الدول الأوائل عالميًّا في الاعتماد على ذلك النوع من الطاقة، كما أنها تستهدف التصدير أيضاً، وذلك بعد أن حدَّثت وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة استراتيجية الطاقة في مصر لتشمل الهيدروجين الأخضر.

وشهد مارس 2021م توقيع اتفاقية بين وزارة الكهرباء والثروة والطاقة المتجددة ووزارة البترول والثروة المعدنية والقوات البحرية مع شركة «ديمي» البلجيكية للبدء في الدراسات الخاصة لمشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر وتصديره من مصر، وهي الاتفاقية الثانية من نوعها بعد الاتفاقية الأولى التى تم توقيعها مع شركة «سيمنز» الألمانية للبدء في المشروع التجريبي لإنتاج الهيدروجين الأخضر في فبراير من عام 2022م.

محطة «بنبان» أكبر مزرعة طاقة شمسية في العالم:

يُعد مشروع محطة بنبان للطاقة الشمسية نموذجًا فريدًا للتعاون بين الأطراف ذات الصلة، “الحكومة والقطاع الخاص ومؤسسات التمويل الدولية”، لتنفيذ أكبر مزرعة للطاقة الشمسية في العالم، تضم 6 ملايين لوحة شمسية، على مساحة 36 كم2، ونفذه أكثر من 40 شركة من 12 دولة مختلفة، لتوليد 1500 ميجاوات من الطاقة، بما يعزز استراتيجية الطاقة المستدامة لجمهورية مصر العربية، ويدعم انتشار الطاقة النظيفة، ويقلل من عوامل تغير المناخ، ويعكس التزام الحكومة القوي بالتحول نحو الاقتصاد الأخضر، بمشاركة كافة الأطراف ذات الصلة.

وتدعم محطة «بنبان» للطاقة الشمسية تنفيذ أهداف التنمية المستدامة: طاقة نظيفة بأسعار معقولة، فضلًا عن الهدف الثامن: العمل اللائق ونمو الاقتصاد، والهدف السابع عشر: عقد الشراكات لتحقيق الأهداف، ويعمل المشروع على الحد من انبعاث ملايين الأطنان من الغازات التي تتسبب في الاحتباس الحراري، كما يعمل على خلق الوظائف، ويعزز نمو الاقتصاد المصري.

ثانيًا: مشروعات النقل:

-قامت وزارة البيئة بالتعاون مع وزارة المالية وبنك ناصر بتنفيذ مشروع إحلال التاكسي في القاهرة الكبرى، والذي يهدف إلى خفض 264 ألف طن من انبعاث ثاني أكسيد الكربون سنويًّا فضلًا عن العائد الاقتصادي والاجتماعي لهذا المشروع.

– تقوم وزارة البيئة بتنفيذ برنامج طموح لتحويل السيارات الحكومية للعمل بالغاز الطبيعي بدلًا من البنزين.

– قامت وزارة البيئة بالتعاون مع وزارة التجارة والصناعة بنجاح في حظر إنتاج واستيراد الدراجات البخارية ثنائية الأشواط، واستبدالها بموتوسيكلات رباعية الأشواط تحقق خفض تلوثات الهواء الصادرة عنها.

– تشرع وزارة البيئة في تنفيذ برنامج إرشادي لاستدامة نظم النقل.

-تدعم الدولة نظم النقل الجماعي حيث تم إنشاء الخط الثالث لمترو الأنفاق (الخط الأخضر).

– تسعى مصر نحو التحول إلى مركز إقليمي لصناعة “السيارات الكهربائية” على مستوى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، في ضوء مواكبة التطور التكنولوجي والاتجاهات العالمية في صناعة السيارات الكهربائية، وبالأخص مع توقعات نمو سوق السيارات الكهربائية عالميًّا، بالإضافة إلى الفوائد الاجتماعية والبيئية والاقتصادية الناتجة من استخدامها.

ودعمت الحكومة توطين صناعة السيارات الكهربائية في مصر، وذلك عن طريق تقديم الدعم اللازم للاستثمار في هذا المجال، ومواكبة التوجهات العالمية الحالية لمكافحة التلوث والتحول إلى بيئة نظيفة، وذلك من خلال استخدام سيارات كهربائية خالية من الانبعاثات الضارة، وتقليل الاعتماد على المحروقات التقليدية.

ثالثًا: مشروعات الصناعة:

تنفذ وزارة البيئة برنامجي التحكم في التلوث الصناعي وحماية البيئة للقطاع الخاص وقطاع الأعمال العام الصناعي، واللذان يشملان 120 مشروعًا للحد من التلوث الصناعي من خلال:

– تشجيع التحول نحو الصناعات رشيدة الاستهلاك للمواد الطبيعية والطاقة والمياه.

– تشجيع الإنتاج الصناعي الأنظف.

– إعادة توزيع الخريطة الصناعية لمصر، وتوطين الصناعات بالمدن الجديدة.

– التوسع في دعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة في مجال البيئة.

– إعادة استخدام المياه والتحكم في الصرف الصناعي.

رابعًا: مشروعات الزراعة والمياه:

تهدف المشروعات في هذا المجال إلى:

– تحقيق الاستخدام المستدام للمواد الزراعية الطبيعية.

– التركيز على أساليب الإدارة الزراعية المتكاملة.

– رفع كفاءة استخدامات المياه في الزراعة، وتحسين نظم الري والصرف، وتعديل التركيب المحصولي لصالح الزراعات الأقل استهلاكًا للمياه.

– إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي والصرف الصحي.

ومن أبرز مشروعات معالجة المياه في مصر: محطة المحسمة بمنطقة شبه جزيرة سيناء، والتي تعد أكبر محطة لمعالجة مياه الصرف الزراعي في العالم، بما يمكن الدولة من ري 70 ألف فدان من الأراضي الزراعية من خلال مليون متر مكعب من المياه يوميًّا، وتخلق آلاف فرص العمل وتعزز التنمية المجتمعية.

الاتفاقيات الموقَّعة في مجال التحول نحو الاقتصاد الأخضر:

-شهد قطاع الطاقة المتجددة إصلاحات غير مسبوقة، مما دفع مؤسسات التمويل الدولية لتوفير 4 مليارات دولار لتمويل مشروع بنبان للطاقة الشمسية الذي يعد أحد أكبر المحطات في العالم، بمشاركة مؤسسات مثل البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية ومؤسسات التمويل الدولية.

– 22/4/2021م: توقيع ثلاث مذكرات تفاهم بين البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية ومحافظتي القاهرة والإسكندرية وهيئة المجتمعات العمرانية، لضم المحافظتين ومدينة السادس من أكتوبر لبرنامج البنك الرائد “المدن الخضراء” وهو برنامج مساعدة المدن على مواجهة التحديات البيئية وتحسين جودة الحياة، ومكافحة آثار تغير المناخ.

– 22/4/2021م: توقيع اتفاقية مع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية لتدشين أكبر محطة طاقة شمسية للقطاع الخاص في مصر (شركة أكوا باور)، وتبلغ قيمة الاتفاقية 114 مليون دولار، ومن المتوقع أن تضيف المحطة قدرات 200 ميجاوات وتقع على بعد 20 كم من محطة بنبان، ويزيد من حصة الطاقة المتجددة في مزيج توليد الطاقة في مصر.

– 1/6/2022م: وقَّعت المنطقة الاقتصادية لقناة السويس مذكرة تفاهم مع شركة (H2 Industries) الألمانية المتخصصة في تخزين الطاقة، لإنشاء أول محطة تحويل المخلفات إلى هيدروجين أخضر في المنطقة الاقتصادية، باستثمارات تبلغ نحو 4 مليارات دولار([18]).

دور الفتوى في دعم الاقتصاد الأخضر:

تساند الفتوى كل ما يستهدف إصلاح البيئة والاعتناء بها والحفاظ عليها من كل ما يؤدي إلى الاعتداء عليها والاستنزاف الجائر لمواردها؛ انطلاقًا من تعاليم الإسلام وأوامره بالإحسان إلى كل شيءٍ ليشملَ ذلك الإحسانُ الإنسانَ وما يحيط به من بيئةٍ خلقَها الله تعالى مسخرةً لمنافع الإنسان ومُيَسَّرةً لتحقيق غاية وجوده فيها من عبادةِ الله تعالى وتزكية النفس وإعمار الأرض.

فقد خلق اللهُ هذه البيئةَ على أحسن ما يكون من النظام، وعلى أتمِّ ما يكون من الإتقان؛ لكي تكونَ صالحةً لاستيعاب الجنس البشري، قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحج: 65].

ولما كانت البيئة بما فيها من ثرواتٍ وخيراتٍ منحةً إلهيةً وهبةً ربانيةً، يشترك فيها جميع الناس؛ فقد أمر الله تعالى بالمحافظة عليها والاعتناء بها وعدم الاعتداء عليها بأيِّ تصرُّفٍ من شأنه أن يُعطل منفعتها أو يُذهب وظيفتها للأجيال الحالية وللأجيال القادمة، لأن البيئة تُعدُّ أمانةً وإِرثًا مشتركًا، يعمل الناس جميعًا من أجل تنميته والحفاظ عليه، ولا يكون التعامل معها بمفهوم الانتفاع والاستهلاك من أجل المصلحة الشخصية فقط، فالمنظور الشامل الذي ينطلق منه المسلم وهو يتعامل مع البيئة هو مفهوم أن إعمار الكونِ عبادة لله تعالى وغاية سامية من غايات وجوده في هذا الكون، قال الله تعالى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ} [هود: 61].

ومن الأمثلة الواضحة على ذلك المعنى -وهو ضرورة المحافظة على البيئة- هذا التوجيه النبوي الشريف في الحديث المتَّفق عليه عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَبولنَّ أحدُكم في الماء الدائم ثمَّ يغتسل منه»؛ فإنَّ أيَّ باحثٍ منصفٍ عالمٍ بمقاصد الشريعة وأسرارها وعِلَلها، يجد أنَّ الحديث الشريف وإنْ كان واردًا في جزئية خاصة، وهي النهي عن تلويث الماء وتفويتِ منفعته على نفسه وعلى غيره، فإنَّه يَصلحُ أنْ يُستنبَط منه أيضًا نفسُ المعنى في النهي عن تلويث أيِّ مكوَّنٍ من مكونات البيئة التي ينتفع بها الإنسان، مثل الهواء والأرض والثروة الحيوانية أو السمكية أو غير ذلك من الموارد البيئية، التي تمثل قِوام الثروات الطبيعية والاقتصادية لشعوب المعمورة، على تفاوت وتباين وتنوُّع أراده الله تعالى لحكمةٍ بالغةٍ؛ وهي تعدُّد أوجه التبادل والتعاون بين الدول والشعوب. وقد أوصى الخليفة الراشد أبو بكر الصدِّيق رضي اللهُ عنه المجاهدينَ بضرورة الحفاظ على البيئة حتى في مقام الجهادِ في سبيل الله، فرسالة إعمار الأرض ينبغي أن تكون حاضرةً في وجدان المسلم حتى في مقام الجهاد في سبيل الله تعالى. روى البيهقيُّ في السننِ عن أبي بكرٍ رضي الله عنه في وصيته: “ولا تُخربوا عُمرانًا، ولا تَقطعوا شجرةً إلا لنفعِ، ولا تَعقرنَّ بهيمةً إلا لنفعٍ، ولا تحرقنَّ نخلًا، ولا تُغرقَنَّه”. هكذا يتعامل المسلم مع البيئة بشكل حضاريٍّ حتى في تلك الظروف العصيبة.

ولا شكَّ أنَّ الخروجَ عن هذا النهجِ الإلهيِّ في التعاملِ مع البيئةِ قد نتجَ عنه سوءُ استعمالٍ لمكوناتِ البيئةِ، وأصبحَ تَفاعلُ البشرِ مع مفرداتِها بطريقةٍ سلبيةٍ مع تَزايُدِ الأنشطةِ البشريةِ المؤثَّرةِ على البيئةِ يؤثِّر تأثيرًا سلبيًّا سيئًا قد ساهمَ بشكلٍ كبيرٍ في تَغيُّرِ المناخِ بشكلٍ مُنذرٍ بالخطرِ، وإنْ كانت هناك أيضًا أسبابٌ طبيعيةٌ قد ساهمتْ في هذا التغيُّرِ وما نتجَ عنه من أخطارٍ تضرُّ بالبيئةِ، لكنْ يظلُّ النشاطُ البشريُّ هو صاحبَ النصيبِ الأَوفرِ مِنْ أسبابِ تَغيُّر المناخِ على مستوى العالمِ، ومِن ثمَّ فإنَّ العالمَ كلَّه يُواجِهُ هذه التحدياتِ الكبيرةَ التي تُهدِّدُ مستقبلَ الشعوبِ وتُرْبِكُ الخططَ التنمويةَ والاقتصاديةَ للحكوماتِ والدولِ.

ولهذا فإن المؤسساتِ الدينيةَ في العالمِ كلِّه عليها مسئوليةٌ كبيرةٌ مِن أجلِ إعادةِ بناءِ الوعيِ الصحيحِ فيما يتعلَّقُ بضرورةِ المحافظةِ على البيئةِ، والابتعادِ عن كلِّ ما يؤدِّي إلى التأثيراتِ السلبيةِ للاستخدامِ السلبيِّ للبيئةِ.

ومن ثَمَّ فقد قامت دار الإفتاء المصرية بدورٍ كبير في توعية الناس بضرورة المحافظة على البيئة فشاركت في المؤتمرات والمحافل التي عُقدت في هذا الصدد، كما أصدرت العديد من الفتاوى الداعمة للحفاظ على البيئة واستبقاء مواردها، من هذه الفتاوى: الفتوى الخاصة بحكم إعادة تدوير المخلفات والنفايات، فقد ذكرت الفتوى أن إعادة تدوير المخلفات (Recycling): هي عمليةٌ صناعية؛ مُدخلاتها المخلفات والنفايات التي تمَّ التَخلص منها، ومُخرجاتها منتجات جديدة، تُعْتَبر المواد الخام لها ما استُخْرِجَ من المخلفاتِ والنفاياتِ، فهي في مجملها تحويل المواد المُستَرَدَّة من النفايات، إلى منتجات جديدة بتغيير خصائصها وإعادة تصنيعها؛ حسبما ورد في “الموسوعة البريطانية”.

وأشارت الفتوى إلى أنها عملية اقتصادية تعود بالنفع على البيئة؛ إذ تخلصها من إحدى عوامل التلوث بها، وهي النفايات والمخلفات، مع التقليل من استنزاف مواردها الطبيعية، بإيجاد بديل لها مستخرج من هذه النفايات، وتعود بالنفع أيضًا على المجتمع؛ إذ تساعد على زيادة التنمية الاقتصادية وتوفير المنتجات بصورة أكبر، وإتاحة فرص عمل جديدة في هذا المجال.

وقد ربطت الفتوى هذه العملية الاقتصادية بالناحية الشرعية فذكرت أن للشريعة الإسلامية السبق في الدعوة إلى إعادة تدوير المخلفات والانتفاع بها، والاستفادة بها كلما أمكن، والتراث الإسلامي حافل بأشكال وصور لعملية تدوير المخلفات وإعادة استخدامها، وإن اختلفت آلية تنفيذها عن الصورة المعاصرة، ومن الأمثلة على ذلك:

– ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من الدعوة إلى الاستفادة بجلود الحيوانات الميتة بدبغها بدلًا من إلقائها في النفايات؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بشاة ميتة، فقال: «هلا استمتعتم بإهابها؟»، قالوا: إنها ميتة، قال: «إنما حَرُمَ أكلُها»([19]).

وفي رواية مسلم في “صحيحه” أنه قال: «ألا أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا به؟»([20]).

– وروى مسلم في “صحيحه” عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: أنها كانت تَدُقُّ النَّوَى لِتُحَوِّلَهُ بذلك إلى علف وغذاء للدواب؛ إذ قالت رضي الله عنها: “تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء، غير فرسه، قالت: فكنت أعلف فرسه، وأكفيه مئونته وأسوسه وأدق النوى لناضحه، وأعلفه”([21]).

وأضافت الفتوى أن اشتمال هذه المخلفات على بعض النجاسات، أو تنجسها باختلاطها بأشياء نجسة لا يمنع من مشروعية الاستفادة منها، وذلك بعد تدويرها وتحويلها إلى مواد جديدة مختلفة العناصر والتراكيب؛ لما تقرر في الفقه الإسلامي أن النجاسات إنما تطهر باستحالتها، والاستحالة: هي انقلاب الشيء من حقيقته إلى حقيقة أخرى، أو تغير الشَّيْء عن طبعه ووصفه إلى اسم ووصف غيره مع بقاء حاله([22]).

ومن هذه الفتاوى: فتوى بخصوص حكم قيام قطاع كبير من المزارعين بحرق قش الأرز وحطب القطن، جاء في هذه الفتوى: هذا التصرف حرامٌ شرعًا، وفاعله آثم؛ لأنه من المقرر في المقاصد الشرعية أنه لا ضرر ولا ضرار، أي أنه لا يجوز للإنسان أن يضر نفسه ولا أن يسعى في إيصال الضرر لغيره؛ كما أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، والمصلحة العامة مقدَّمة على المصلحة الخاصة، فليس للمزارع أن يتخلص من بقايا محاصيله بطريقة تَجُرُّ الضرر إلى الناس؛ حيث أثبتت الأبحاث العلمية الطبية أنّ الأطفال هم أكثر الفئات تأثُّرًا بِتلوُّث الهواء الذي تُسببه هذه الأفعال وغيرها؛ فيُصَابون بضيق التنفس، وأمراض الشُّعب الهوائية، والتهابات العين، التي تسبّب عدم وضوح الرؤية، وخفض مناعة الجسم، وغير ذلك من الأضرار.

وبَنَت الفتوى على ذلك أن التسبب في هذه الحرائق يُعَدُّ إفسادًا في الأرض وبغيًا بغير الحق، وقد نعى تعالى على المفسدين فقال عز وجل: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة: 205-206]، وقال سبحانه: {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [البقرة: 60]، وقد أمر الله تعالى بالتعمير والإصلاح لا بالتدمير والإفساد؛ فقال سبحانه: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61]، وعلَّمَنا النبي صلى الله عليه وسلم كيف نسعى في عمارة الأرض ونجعل هذا في نفسه غرضًا شريفًا لنا حتى ولو لم نلمس نتائجه؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ» رواه الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد وغيرهما.

وأشارت الفتوى إلى خطورة هذه القضية وأنه لا يجوز التهاون فيها ولا السكوت عليها، وعلى الدولة أن تسعى بكل ما لديها من إمكانات وقدرات للحد من خطورة هذا البلاء؛ بالمساهمة في توفير الأساليب اللازمة التي تساعد المزارعين على نقل قش الأرز وحطب القطن إلى حيث يُستفاد منه في الوقود والسماد مثلًا أو يُتخلَّص منه بطريقة آمنة، حتى لا تُحمِّل المزارعين ما لا يطيقون، وحتى لا تترك مجالًا لتبرير هذه الأفعال، وأن تعمل على تتبع من يفعلون ذلك واتخاذ ما يلزم حيالَهم لردعهم عن إيذاء الناس والإضرار بالخلق، على أن يكون ذلك على قدم المساواة والعدالة في التطبيق بين مختلف فئات المجتمع وطبقاته.

وأضافت الفتوى: فعلى مؤسسات المجتمع المدني أن تسعى في توعية الناس بخطر هذه التصرفات، وأن تساهم أيضًا -قدر جهدها- في مساعدة الفلاحين على التخلص من قش الأرز وغيره بطريقة آمنة، وعلى أئمة المساجد وخطبائها ومعلمي المدارس دور كبير في الوعظ والإرشاد والنصح لكافة فئات المجتمع وطبقاته، وعلى مَنْ عَلِمَ بشيء من ذلك أن يعمل على منعه بنصح صاحبه أو تبليغ الجهات المسئولة عنه، وليعلم أن هذا من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المأمور به شرعًا([23]).

 

ثالثًا: إقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة:

تُعد المشروعات الصغیرة والمتوسطة قاطرة تنمیة لأي اقتصاد، وتحظى هذه المشروعات بأهمیة كبرى في اقتصادیات دول العالم قاطبة، بغض النظر عن درجة تطورها واختلاف نظامها الاقتصادي.

وینبع الاهتمام بالمشروعات الصغیرة والمتوسطة من الدور الذي تؤديه تلك المشروعات في تحقیق التنمیة الاقتصادیة؛ إذ تسهم في تشغیل العمالة، حیث توفر المشروعات الصغیرة والمتوسطة فرص عمل واسعة جدًّا نظرًا لصغر رأس المال المستثمَر للعامل، ومن ثم المساهمة بفاعلية في حل مشكلة البطالة وتعظیم الناتج، وكذلك إسهامها في خلق مشروعات جدیدة تدعم النمو الاقتصادي.

وعادة ما تُناط مسئولیة إقامة المشروعات الكبیرة بالحكومات أو شركات المساهمة، نظرًا لحجم الاحتیاجات المالیة والبشریة الكبیرة، إضافة إلى المستلزمات والمتطلبات الأخرى، التي یصعب على المستثمر الفرد تأمینها، وإذا كانت المشروعات الكبیرة تشكل ركیزة أساسیة في مسیرة التنمية الاقتصادية من خلال إسهامها في تحقیق معدلات نمو سریعة، ففي الوقت نفسه ينبغي علينا ألَّا نهمش دور المشروعات الصغیرة؛ إذ یمكن لتلك المشروعات الصغیرة أن تساعد في التحول من اقتصاد متخلف إلى اقتصاد صناعي متقدم، وذلك من خلال تشكیلها للقاعدة التي انبثقت منها المؤسسات الاقتصادیة الكبرى، فیمكنها أن تشكل قوة تنموية هائلة في الاقتصاد الوطني لأیة دولة في العالم، ویمكن أن تؤدي دورًا حيويًّا في توفیر فرص تشغیل لقوة العمل المتنامیة، وتساعد على التخفیف من حدة البطالة.

وانطلاقًا من الدور المهم الذي یمكن لهذه المشروعات أن تلعبه في المساهمة في تحقیق الأهداف الاقتصادیة لتلك الدول، نجد دولًا متقدمة عدیدة تدعم وتشجع هذا النوع من المشروعات مما ساعد في تحقیق طفرة نوعیة مهمة وكبیرة على مستوى اقتصاد تلك الدول.

وتؤدي المشروعات الصغیرة دورًا مهمًّا في تحقیق مستهدفات التنمية الاقتصادیة والاجتماعیة في معظم دول العالم، حیث تشكل نسبة كبیرة من المشروعات الصناعیة والزراعیة والخدمیة وفي مجالات متنوعة، ومن ثم فهي تسهم في امتصاص أعداد كبیرة من الأیدي العاملة، والتخفیف من مشكلة البطالة، كما تؤدي دورًا مهمًّا في اكتساب المهارات الفنیة والتقنیة، وهي كذلك صاحبة الدور الأكبر في تلبیة احتیاجات السكان من السلع والخدمات.

وتبدو الحاجة إلى تأكید أهمية الدور الذي قامت به ولا تزال تقوم به المشروعات الصغیرة والمتوسطة في الدول المتقدمة ودول جنوب شرق آسیا، وما یمكن أن تضیفه للدول النامیة، ومن بينها مصر؛ لهذا نجد أن الهيئات الدولیة تقدم الدعم الفني والمالي لهذه المشروعات على مستوى العالم، فقد وافقت مجموعة البنك الدولي على تقدیم أكثر من (١٠) ملیار دولار في برامج دعم المشروعات الصغیرة والمتوسطة؛ خلال الفترة من (٢٠٠٨-٢٠١٢)([24]).

تعريف المشروعات الصغيرة والمتوسطة:

لا يمكن التوصل إلى تعريف محدد وموحد للمشروعات الصغيرة والمتوسطة. هذا بالإضافة إلى أن كلمة “صغيرة” و”متوسطة” هي كلمات لها مفاهيم نسبية تختلف من دولة إلى أخرى، ومن قطاع لآخر حتى في داخل الدولة، فقد أشارت إحدى الدراسات الصادرة عن معهد ولاية جورجيا بأن هناك أكثر من (55) تعريفًا للمشروعات الصغيرة والمتوسطة في (75) دولة.

ويتم تعريف المنشآت الصغيرة والمتوسطة استنادًا إلى مجموعة من المعايير، منها: عدد العمال، حجم رأس المال، أو خليط من المعيارين معًا، وهناك تعريفات أخرى تقوم على استخدام حجم

المبيعات أو معايير أخرى.

فمن العسير تعريف المشروعات الصغيرة والمتوسطة تعريفًا مقبولًا على المستوى الدولي بل وحتى الإقليمي، ويعزى هذا إلى الاختلاف في الهياكل الاجتماعية والاقتصادية من دولة إلى أخرى، فضلًا عن تباين المعايير في تحديد الأسس التي يتم بموجبها تحديد شكل المشروع، ومنها البيانات الإحصائية التي تُستخدم في تعريفها، حيث أن هناك نقصًا في هذه البيانات، ولذا فإن تعريف المشروعات الصغيرة والمتوسطة سيظل متباينًا.

وفي مصر عرَّف قانون تنمية المنشآت الصغيرة المنشأة الصغيرة بأنها: كل شركة أو منشأة فردية تمارس نشاطًا اقتصاديًّا إنتاجيًّا أو تجاريًّا أو خدميًّا، ولا يقل رأسمالها المدفوع عن خمسين ألف جنيه ولا يجاوز مليون جنيه، ولا يزيد عدد العاملين فيها على خمسين عاملًا([25]).

تصنيف المشروعات الصغيرة والمتوسطة:

يمكن تصنيف المشروعات الصغيرة والمتوسطة على عدة أسس:

1-المشروعات الصغيرة والمتوسطة التقليدية: حيث تتميز هذه المشروعات بضعف اقتصادات الحجم (عمالة غير ذات كفاءة، وإنتاجية منخفضة البيع، إلى جانب أسواق قليلة وتعاقدات ضيقة).

2-المشروعات الصغيرة والمتوسطة الناتجة عن البيئة السوقية: وتتميز بالفاعلية والبحث عن الفرص المتاحة في الأسواق المحلية والخارجية والتزامها بالمرونة كما نجد بها عمالة ذات كفاءة.

3-المشروعات الصغيرة والمتوسطة الرائدة: تتميز برجال أعمال مغامرين وأصحاب تأهيل، حيث يمارسون نشاطات اقتصادية جديدة مع استثمار في القوى البشرية، بالإضافة إلى الاستعانة ببرامج تمويلية والمجازفة في توظيف رءوس الأموال.

4-مشروعات إنتاجية: أساسها التحويل، بمعنى تحويل مادة خام إلى منتج نهائي

أو وسيط والقيمة المضافة، بمعنى زيادة قيمة المخرجات (الناتج) عن المدخلات (عناصر الإنتاج)، والتماثل بمعنى تطابق كل مواصفات الوحدات المنتجة.

5-مشروعات خدمية: أساسها القيام نيابة عن العميل بخدمة كان سيقوم بها بنفسه أو لا يستطيع القيام بها بنفسه.

6-مشروعات تجارية: أساسها شراء وبيع وتوزيع سلعة مصنعة أو عدة سلع مختلفة، وإعادة استثمار الربح. وأيًّا كان نوع المشروعات الصغيرة أو مجال نشاطها فإنها جميعًا تشترك في عناصر ومكونات واحدة.

7-مشروعات صغيرة: لها مكان ثابت وأوراق رسمية ورأسمال يتراوح بين 10 و50 ألف جنيه وعمالة في حدود 5 أفراد.

8-مشروعات صغيرة جدًّا: لها مكان ثابت وأوراق رسمية ورأسمال يتراوح بين 5 و10 آلاف جنيه وعمالة في حدود فردين.

9-مشروعات متناهية الصغر: ليس لها مكان ثابت في أغلب الأحوال ويقوم بها فرد واحد هو صاحب المشروع، ولا يتجاوز رأس المال عن 5 آلاف جنيه، وغالبًا ما يكون لها أوراق رسمية أو يكون لها حد أدنى من الأوراق يتمثل في مشروعات المجال الصناعي، والزراعي والخدمي والتربوي.

ويمكن تقسيم المشروع الصغير إلى عدة عناصر هي:

1-الرأسمال: ويعني كل المبالغ النقدية اللازمة لإقامة المشروع، أو المال اللازم لتجميع عوامل الإنتاج.

2-الآلات والتجهيزات: وهي كل ما يلزم لإنتاج السلعة أو الخدمة.

3-العمالة: كل الأفراد اللازمين لتشغيل المشروع.

4-الإدارة: وهي المسئولة عن إحداث التشغيل الأمثل للمشروع وتحقيق أهدافه، وهي جزء من العمالة.

5-التكنولوجيا: وهي طريقة وأسلوب عناصر الإنتاج([26]).

دور المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الارتقاء بالاقتصاد الوطني:

-للمشروعات الصغيرة والمتوسطة دور بارز في الارتقاء بالاقتصاد الوطني، فلهذه المشروعات دور في توفیر فرص العمل والحد من مشكلة البطالة. وهذا ما تثبته التقارير والبيانات الخاصة بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة ومدى مساهمتها في محاربة البطالة وتوفير فرص العمل في الدولة، ووفقًا لإدارة الأعمال الصغیرة الأمریكیة (SBA) تمثل الشركات الصغیرة ٩٩٫٩ بالمائة من مجموع الشركات الأمریكیة، وخلقت الشركات الصغيرة 1.9 مليون وظيفة في عام 2015م.

وبالنسبة للوضع في مصر فإن المشروعات الصغیرة والمتوسطة تسهم في خفض معدلات البطالة، حیث توفر العدید من فرص العمل، والتي تقدر بحوالي ٨٨ % من إجمالي فرص العمل في مصر، حیث تستحوذ المشروعات متناهية الصغر على النصیب الأكبر من العمالة تليها المشروعات الصغیرة ثم المتوسطة.

-كما أن لهذه المشروعات دورًا في القضاء على الفقر ورفع مستوى المعیشة، وذلك عن طریق توفیر فرص عمل للأفراد فيصاحبه تحقیق دخل للفرد مما یؤدي إلى رفع مستوى المعیشة.

وبحكم أن أول احتیاجات الفقراء الأساسیة هي المأكل والمشرب والرعایة الصحیة تتطور نظرتهم بعد توافر احتیاجاتها الأساسیة إلى التفكیر في العمل والرغبة في مشروع صغیر أو متناهي الصغر لیستطیعوا تحسین مستوى معیشتهم واعتمادهم على أنفسهم، وهذا هو التطور الواقعي لحیاة هؤلاء.

ویعتبر دعم المشروعات الصغیرة والمتوسطة من قِبَل الدولة دعم حقیقي لتلك الفئات الفقیرة من أجل المساعدة في القضاء نهائيًّا على ظاهرة الفقر، وأیضًا رفع مستوى معیشة هؤلاء وتطبیقًا عمليًّا لمقولة «لا تعطني سمكة بل علمني كیف أصطاد».

فالدعم المالي للفقراء من أجل سدِّ احتیاجاتهم الیومية من مأكل ومشرب لا یقضي على ظاهرة الفقر، بل رفع كفاءة هؤلاء الفقراء وتدریبهم وتقدیم دعم مالي لهم لفتح مشروع صغیر حتى یستطیعوا الاعتماد على أنفسهم بعد ذلك هو الطریق الصحیح الذي یجب أن تسلكه الدول، حیث انخفاض دخول الفقراء یكاد یكفي لاحتیاجاتهم الأساسیة، ولا یستطیعون الادخار منه، ومن ثم لن یتمكنوا من القیام بمشروعات صغیرة لتحسین مستوى معیشتهم، وبذلك يظلُّون قابعين في تلك الدائرة المفرغة.

-كما أن للمشروعات الصغیرة والمتوسطة دورًا في تحقیق التوازن في المیزان التجاري وزیادة الصادرات؛ حيث تتمیز المشروعات الصغیرة والمتوسطة بانخفاض تكلفة الإنتاج وما یستتبعه من انخفاض لثمن السلع المقدمة، وهذا یؤدي بصورة مباشر إلى زیادة الصادرات، بسبب انخفاض ثمن السلعة المحلیة عن ثمنها الدولي، فتقترب الدولة من تحقیق التوازن في الميزان التجاري الخاص بها، ومن جانب آخر فإن الدور الأساسي الذي تؤديه المشروعات الصغیرة والمتوسطة في التنمیة الاقتصادیة في جمیع الدول على حد سواء الفقیرة منها والمتقدمة، فعن طریق الإمكانیات المحدودة والاستخدام الأمثل لرأس المال بسبب الارتباط المباشر بین ملكیة المشروع وإدارته حیث أن المالك والمدیر للمشروع شخص واحد، فمن ثم یحرص مالك المشروع على نجاحه، وأیضًا إدارته بالطریق الأمثل، كل ذلك یساعد في خروج منتج بجودة عالیة وبتكلفة مناسبة مما يؤهله إلى التصدیر.

-كما تحقق المشروعات الصغیرة والمتوسطة زیادة في الإیرادات العامة للدولة بصورة مباشرة وغیر مباشرة، فبحكم أن المشروعات الصغیرة والمتوسطة تمثل الكتلة العظمى من الاقتصاد القومي، فإنها تزید من الإیرادات العامة للدولة عن طریق الضرائب التي تدفعها للدولة، والتي تنتج من الأرباح التي تحققها تلك المشروعات، بالإضافة إلى ضریبة القیمة المضافة التي تفرض على منتجات تلك الشركات، وأیضًا الضرائب المفروضة على أجور العمال بتلك المنشآت، كل ذلك یدخل في خزینة الدولة ضمن الإیرادات العامة([27]).

جهود الحكومة المصرية في دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة:

منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي رئاسة الجمهورية عام 2014م أطلقت مصر آلية العمل والتطوير داخل قطاع المشروعات الصغيرة باعتبارها ركيزة النمو الاقتصادي وقاطرة التنمية والتقدم الصناعي.

وتعد مصر من أكبر الدول العربية من حيث عدد وكثافة المشروعات الصغيرة والمتوسطة العاملة فيها، إذ يبلغ عدد هذه المشروعات حوالي 2.45 مليون مشروع، حيث يضاف سنويًّا نحو 39 ألف مشروع في المتوسط.

وتميل المشروعات الصغيرة والمتوسطة إلى التمركز في المحافظات الثلاث: الشرقية والقاهرة والغربية. وقد أقدمت الشركات على اختيار هذه المحافظات نظرًا لتطورها الحضري والبني التحتية المتوفرة فيها والمتمثلة بشبكة طرقات ووسائل نقل تسهل نقل البضائع بشكل سلس مما يؤثر بدوره على إنتاجية المؤسسات ووصولها لعدد أكبر من العملاء.

وتسهم المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر والمتوسطة بحوالي 80% من الناتج المحلى في مصر، ووفقًا لإحصائية صادرة عن البنك المركزي المصري فإن الصناعات التحويلية تتجه إليها النسبة الأكبر من المشروعات الصغيرة والمتوسطة بواقع 51% منها، ويليها الشركات العاملة في مجال تجارة الجملة والتجزئة بنسبة 40%، وباقي الشركات الصغيرة والمتوسطة موزعة على قطاع السياحة والتشييد والبناء والصحة والزراعة وغيرها.

وقد بذلت الحكومة المصرية منذ تولى الرئيس السيسي الكثير من الجهود من أجل تعزيز الدور الاقتصادي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، ورفع درجة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي، من هذه الجهود ما يلي:

1-إنشاء جهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة: فقد أصدرت الدولة المصرية قرارًا بإنشاء جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر في 24/ 4/ 2017م، بحيث يكون تابعًا لوزير الصناعة والتجارة الخارجية، ويكون هو الجهة المعنية بتنمية تلك المشروعات.

ويقوم الجهاز بوضع وتطوير السياسات والخطط الاستراتيجية المتعلقة بتنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر وريادة الأعمال، وكذا الضوابط اللازمة للتنسيق بين الجهات والمبادرات العاملة في هذا المجال.

بالإضافة إلى وضع البرامج اللازمة للنهوض بهذا القطاع من المشروعات والقواعد والشروط المتعلقة بالاشتراك فيها، ومن ذلك برامج تنمية قدرات ومهارات الموارد البشرية العاملة، وبرامج ربط وتكامل تلك المشروعات بسلاسل الإمداد، فضلًا عن برامج تنمية المهارات في مجال التسويق داخل البلاد وخارجها.

2-مشاركة الوزارات والهيئات المصرية لجهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة: فإن أهم ما يميز قطاع المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة في مصر هو وجود عدد من الوزارات للمشاركة في وضع سياسات لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة منها: وزارة الاستثمار، وهيئة التنمية الصناعية، وهيئة الرقابة المالية، والبنك المركزي المصري، وغيرها.

3-تدشين منصة المشروعات الصغيرة: فقد بدأ جهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر بالتعاون مع شركة تشغيل المنشآت المالية E -Finance، أعمال تطوير منصة المشروعات الصغيرة، والمنصة هي موقع إلكتروني تفاعلي أقامه جهاز تنمية المشروعات، على شبكة الإنترنت ليتيح كافة المعلومات والخدمات والمبادرات المقدمة من الجهات والمؤسسات الحكومية والجمعيات الأهلية والقطاع الخاص إلى أصحاب المشروعات الصغيرة ورواد الأعمال والشركات الناشئة. ومن أهداف هذه المنصة: تقديم كافة البيانات والمعلومات اللازمة لبدء المشروعات أو تطويرها بشكل مبسط، وتقديم كافة الخدمات التمويلية والتدريبية والفنية والتسويقية التي تقدمها مختلف الجهات المهتمة بقطاع المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، وتقديم خدمات إعداد خطط العمل ودراسات الجدوى وأدوات التمويل المناسبة لها.

4-مبادرة الرئيس السيسي لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة: فقد أطلق الرئيس السيسي مبادرة تخصيص 200 مليار جنيه بأسعار فائدة منخفضة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، ونفذ البنك المركزي المبادرة في يناير 2016 بتوفير 200 مليار جنيه بفائدة 5% متناقصة للمشروعات الصغيرة، وبفائدة 7% متناقصة للمشروعات المتوسطة لتمويل القطاع الزراعي والصناعي، وبفائدة 12% متناقصة لتمويل المشروعات المتوسطة لتمويل رأس المال العامل للمشروعات الصناعية والزراعية والطاقة المتجددة، وقد بلغ إجمالي التمويلات التي ضخها البنك ضمن مبادرة المشروعات الصغيرة والمتوسطة 70 مليار جنيه لحوالي 62 ألف مشروع.

كما وافق البنك المركزي على إصدار ضمانة لشركة ضمان مخاطر الائتمان بقيمة 2 مليار جنيه، والتي ستمكن الشركة من إصدار ضمانات للبنوك بنحو 20 مليار جنيه مخصصة لشريحة الشركات الصغيرة والمتوسطة، مع التركيز على القطاع الصناعي الزراعي والطاقة الجديدة والمتجددة وتكنولوجيا المعلومات بما يساهم في توسع البنوك في تمويل تلك المشروعات.

كما تبني البنك المركزي مبادرة “رواد النيل” بالشراكة مع جامعة النيل لمدة خمس سنوات، ويقوم من خلالها البنك المركزي بتقديم خدمات تطوير الأعمال للشركات الصغيرة والمتوسطة في مراحلها المختلفة بدءًا من الفكرة حتى النمو إضافة إلى تشجيع الشباب على تبني ثقافة ريادة الأعمال وبناء مشروعات ناجحة.

5-مشروع قانون المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر: أعدت وزارة الصناعة مشروع قانون تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، وتم إرساله إلى مجلس الوزراء لدراسته وتم الموافقة عليه، كما وضعت وزارة الصناعة خطة استراتيجية لتعزيز التنمية الصناعية والتجارة الخارجية لمصر حتى عام 2020، وشملت خطة الحكومة المتكاملة 8 برامج فرعية لتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر وتحويلها إلى أداة رئيسية لزيادة الناتج الصناعي وتوفير فرص العمل وزيادة الصادرات.

إلى جانب البرنامج التشريعي الخاص بإصدار تشريع جديد لإصدارها، وفى مقدمتها توفير القروض الميسرة، والذي يهدف إلى زيادة التمويل الموجه لهذه المشروعات ليشكل نسبة 20% من إجمالي التمويل المتاح وزيادة رأس المال للصناديق المتخصصة في دعم هذه المشروعات ليصل إلى مليار جنيه بحيث يستفيد منها 100 ألف شاب.

6-استراتيجية الهيكلة الشاملة لبورصة الشركات الصغيرة: فقد استهدفت إدارة البورصة المصرية الإعلان عن استراتيجية الهيكلة الشاملة لبورصة الشركات الصغيرة والمتوسطة وتدشين مؤشر (تميز) لقياس أداء وحركة السوق. واعتمدت لجنة المؤشرات بالبورصة المصرية منهجية هذا المؤشر الذي يضم عينة من الشركات المدرج لها أوراق مالية بسوق الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتعتبر تلك الخطوة بمثابة آلية للاهتمام بتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتحسين قدراتها على مستوى الحوكمة، والإفصاح، والشفافية، مما يؤهلها لجذب استثمارات أجنبية ومحلية، وإتاحة فرص استثمار لجموع المستثمرين([28]).

دور الفتوى في دعم إقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة:

لقد قامت الفتوى بدور حيوي في دعم إقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة، فقد صدرت أكثر من فتوى في هذا الشأن انطلاقًا من مساندتها للاقتصاد الوطني الذي يستهدف تحقيق الرخاء والعيش الكريم لمواطني الدولة كافة، ومن هذه الفتاوى:

سئلت الدار عن بعض الجمعيات التي تقوم بدعم المشروعات متناهية الصغر، عن طريق الصندوق الاجتماعي، وذلك بإعطاء السيدات مبلغًا من المال لاستخدامه في مشاريع إنتاجية، على أن يتمَّ رد هذا المبلغ مُضافًا إليه المصاريف الإدارية على شكل أقساط لمدة عام. فما حكم هذه المعاملة؟

فقد جاء في الجواب: هذه العقود تُكَيَّف شرعًا على أنها عقود تمويل بين الجمعية وبين الأطراف الأخرى المزاوِلين للمشروعات الصغيرة، وعقود التمويل الاستثمارية بين البنوك، أو الهيئات، أو الجمعيات العامة، من جهة وبين الأفراد، أو المؤسسات من جهة أخرى- والتي يتقرر الصرف فيها بِناءً على دراسات الجدوى للمشاريع والاستثمارات المختلفة- هي في الحقيقة عقودٌ جديدة تُحَقِّق مصالح أطرافها.

والذي عليه الفتوى: أنه يجوز إحداث عقود جديدة من غير المُسَمَّاة في الفقه الموروث ما دامت خاليةً من الغررِ والضررِ، مُحَقِّقَةً لمصالح أطرافها.

كما أن الشخصية الاعتبارية المُتَمَثِّلَة في الدولة والهيئات والجمعيات العامة لها من الأحكام ما يختلف عن أحكام الشخصية الطَّبَعِيّة؛ حيث اعتبر الفقهاء أربع جهات لتغير الأحكام من بينها تغير الأحكام على قَدْر طبيعة الأشخاص؛ فأقَرُّوا -على سبيل المثال- عدم استحقاق زكاةٍ على مال الوقف والمسجد وبيت المال، وجواز استقراض الوقف بالربح عند الحاجة إلى ذلك.

ومثل هذا النشاط المعروض في السؤال وهو تمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، ليس من قبيل القرض الربوي الذي نزل الشرع الشريف بتحريمه، بل إذا قُلْنا إنَّ هذا النشاط يكون تعاونًا على البرّ والتقوى لَمَا جاوزْنا الواقع؛ فرِبا الجاهلية بصُوَرِه المتعدّدة؛ سواء أكانت أضعافًا مضاعفة، أو غير مضاعفة كان فيه استغلالٌ لحاجات الناس غالبًا، وكان قائمًا على تَرَبُّح المُقرِض، وكان مُنتِجًا لزيادة عدد الفقراء وزيادة فقرهم؛ أي: لزيادةِ الفقر كمًّا وكيفًا، وزيادةِ الفجوة بين الأغنياء والفقراء.

على حين أن المشروع المذكور في السؤال يقوم -على خلاف ذلك- لغير غرض التَّرَبُّح ولا الاستغلال، بل يزيد الإنتاجية في المجتمع، ويُدَوِّر الإنتاج، ويُفَعِّل السوق، ويمنع الكساد، ويرفع مستوى معيشة الأفراد، فهو مشروع تعاوني يأخذ فيه القائمون على المشروع أجْرَ قيامهم عليه لا غير، فهذا من أَجَلِّ الأعمال وأزكاها عند الله تعالى.

ويجب عدم تسمية هذا المشروع بالإقراض؛ لأن ذلك يسبب لبسًا مع قاعدة: “كُلُّ قرض جَرَّ نفعًا فهو رِبا”. وهو ما يجعلنا نقول: إن المصاريف الإدارية مقابل التمويل جائزة شرعًا؛ لأنها عبارة عن خدمات تعاونية يأخذ القائمون عليها أجْرَ مباشرة العمل بها، وما زاد على ذلك يدخل مرةً أخرى في العملية التمويلية([29]).

وفي فتوى أخرى لدار الإفتاء المصرية في هذا الشأن أيضًا، كان السؤال من سائل يقول: أرغب في فتح اعتماد خاص بالمنشآت والشركات الصغيرة في أحد البنوك الوطنية وفق مبادرة البنك المركزي المصري لتشجيع المشروعات الاستثمارية، وقد اشتمل العقد الذي بيني وبين البنك على منحي تسهيلًا لفتح اعتماد بمبلغٍ محدد ليكون غطاءً لحسابي يُمَكِّنُني من استيراد البضائع في حدود هذا الغطاء المالي، مع احتساب عائد متناقص يصل إلى 5% على إجمالي مبلغ الاعتماد، بالإضافة إلى عمولة تستحق على أعلى رصيد مدين للتسهيل وتُعَلَّى عليَّ كل شهر، وفي حالة تأخري عن سداد أي من الأقساط المستحقة بموجب العقد فإنه يحقّ للبنك اعتبار كامل الرصيد المدين للتسهيل حالًّا وواجب الأداء؛ فما حكم ذلك شرعًا؟

فجاء في الجواب: المعاملة المسئول عنها تندرج من الناحية القانونية تحت ما يُسَمَّى: “بعقد فتح الاعتماد العادي أو البسيط”، وهو عقد يضع البنك بمقتضاه تحت تصرف المستفيد وسائل دفعٍ للوفاء بالتزامات العميل تجاه المستفيد في حدود مبلغٍ معينٍ لمدةٍ معينةٍ أو غير معينة؛ كما عرفته الفقرتان الأولى والثانية من المادة رقم 338 من قانون التجارة المصري الصادر برقم 17 لسنة 1999م.

وهو ما يظهر جليًّا في بنود العقد المرفق؛ حيث يقوم البنك بموجب هذا العقد بمنح الطرف الثاني (العميل) اعتمادًا جاريًا مدينًا، على أنْ يُخَصَّص هذا الاعتماد لتمويل رأس المال العامل للطرف الثاني طبقًا لأحكام مبادرة البنك المركزي لتمويل الشركات المؤرخة في: 11/ 1/ 2016م، ويحقُّ للطرف الثاني السحب من هذا الاعتماد بشيكات مسحوبة على البنك أو من خلال التحويلات فقط، وذلك في مقابل عائد بنسبة 5% متناقصة على إجمالي مبلغ الاعتماد، بالإضافة إلى عمولة تستحق على أعلى رصيد مدين للتسهيل، وتُعَلَّى عليه كلَّ شهرٍ.

وكما هو واضح ممَّا سبق: فإنَّ البنك بمقتضى هذا العقد يقوم بتمويل النشاط الاستثماري للعميل كي يستطيع مواصلة مشروعاته الاستثمارية.

وعقود التمويل بين البنوك من جهة وبين الأفراد أو المؤسسات من جهة أخرى والتي يتقرر الصرف فيها لأداء خدمة معلومة بِناءً على دراسات الجدوى للمشاريع والاستثمارات المختلفة هي في الحقيقة عقودٌ مُستَحدثةٌ تُحَقِّق مصالح أطرافها.

والذي عليه التحقيق الفقهي والعمل الإفتائي: أنه يجوز إحداثُ عقودٍ جديدةٍ مِن العقود غير المسمَّاة في الفقه الموروث ما دامت خاليةً من الموانع الشرعية ومحققةً لمصالح أطرافها، وهذا هو الملائم للشريعة الإسلامية التي امتازت بصلاحيَّتها في كل زمانٍ، ومناسبتها لكل مكانٍ، وشموليتها لكل أحوال الإنسان؛ عبادةً ومعاملةً وتزكيةً.

وأضافت الفتوى: ولذلك تعدَّدت العقود وتنوَّعت واختلفت من مكان إلى آخر بحسب عُرف أهله وما جرت به مصالحهم، وقد بوَّب الإمام البخاري في “صحيحه” بابًا أسماه: (باب مَن أجرى أمر الأمصار على ما يتعارفون بينهم في البيوع والإجارة والمكيال والوزن وسننهم على نياتهم ومذاهبهم المشهورة).

كما أضافت: ولا يصح تكييف هذا العقد على أنه قرض؛ لأنَّ مبنى القرض على الإرفاق ومحض الخيرية.

وهذا العقد كما يتضح من بنوده ليس من عقود الإرفاق؛ لأنَّ عقود الإرفاق لا يُتصوَّر حصولها إلا من الشخص الطبيعي أو الجهة التي تتبنى العمل الخيري، أما البنك فإنه شخصية اعتبارية استثمارية يختلف في طبيعته وأحكامه عن الشخصية الطبيعية والجهة الخيرية؛ فهو جهةٌ استثمارية تهدف إلى تحقيق الأرباح مقابل ما تقدمه من خدمات لعملائها، فمقصودها الإفادة والاستفادة، والبنك حينما يصدر هذا الاعتماد إنما يصدره كخدمة تمويلية يقدمها لعملائه يستحق في مقابلها الأجر، وليس كعقد إرفاق وتبرع، فإن البنك ليس من شأنه إصدار عقود الإرفاق والتبرعات، وإنما تقتصر أعماله على قبول الودائع والحصول على التمويل واستثمار الأموال في تقديم التمويل وما يندرج تحته من التسهيلات الائتمانية أو المساهمة في رؤوس أموال الشركات، وكذلك ما يجري العرف المصرفي على اعتباره من أعمال البنوك؛ كما جاء في قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي الصادر برقم (194) لسنة (2020م)، وتقرره الممارسة المصرفية، ومن ثَمَّ فلا تعتبر الزيادة المنصوص عليها في العقد عند سداد الأقساط حرامًا؛ لأنها ليست فوائد قروض، وإنما هي عبارة عن أرباح عقد تمويل يحقق مصالح أطرافه.

وأما بخصوص ما جاء في البند الرابع من بنود العقد مِن النص على أنه في حالة تأخر العميل أو المنشأة عن سداد أيِّ قسط من الأقساط المستحقة بموجب العقد فإنه يحق للبنك اعتبار كامل الرصيد المدين للتسهيل حالًّا وواجب الأداء: فإنَّ هذا البند يُعَدّ شرطًا جزائيًّا مستحقًّا حالَ الإخلال ببنود التعاقد، وهو جائز وصحيح شرعًا كما نصّ عليه فقهاء الحنفية.

وتخريجًا على ما ذهب إليه بعض فقهاء المالكية وفقهاء الحنابلة من أن الشروط جائزة في العقود من الطرفين، إلا شرطًا أحلَّ حرامًا أو حرَّمَ حلالًا، وإلا ما ورد الشرع بتحريمه بخصوصه.

وبناءً على ذلك: فإنَّ عقد فتح الاعتماد هو من عقود التمويل المستحدثة المباحة شرعًا؛ لما استقرت عليه الفتوى من أنه يجوزُ إحداثُ عقودٍ جديدةٍ مِن العقود غير المسمَّاة في الفقه الموروث، ما دامت خاليةً مِن الغرر والضرر، محققةً لمصالح أطرافها.

وفي واقعة السؤال: يجوز لك شرعًا الاستفادة من مبادرة البنك المركزي لتشجيع المشروعات الاستثمارية بفتح اعتمادٍ لنشاطك الاستثماري لدى أحد البنوك الوطنية وفقًا لتلك المبادرة، وبخصوص ما ورد في العقد المرفق من اعتبار كامل الرصيد المدين للتسهيل حالًّا وواجب الأداء: فإن هذا شرطٌ جزائيٌّ معتبرٌ شرعًا يجوز الاتفاق عليه ويصح العمل به بين طرفيه([30]).

فيبدو جليًّا من هذه الأمثلة الإفتائية دعم المشروعات الاستثمارية التي تستهدف تفعيل السوق، ومنع الكساد، ورفع مستوى معيشة الأفراد، وفي ذلك ما يعود بالخير والمنفعة على الاقتصاد الوطني.

رابعًا: القضاء على الفساد المالي:

الفساد آفة مجتمعية خطيرة، تهدد الاقتصاديات الوطنية للدول جميعًا سواء المتقدمة أو النامية، وهذه الظاهرة قديمة قِدَم المجتمعات الإنسانية، ويذكر لنا التاريخ بعض صورها التي ظهرت في العصر الفرعوني واليوناني والروماني.

ولقد عرض القرآن لظاهرة الفساد وبسطها في العديد من الآيات الكريمة، منها: قوله تعالى: {وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}، وقوله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}، وغير ذلك من الآيات التي تبين مخاطر الفساد وآثاره الضارة على الناس.

ويشمل هذا الفساد صورًا متعددة منها: جرائم الرشوة والاختلاس والاحتكار وإهدار المال العام والتهرب الضريبي والجمركي وغسيل الأموال وغيرها.

ويُعد الفساد من أكبر معوقات التنمية، ومن العوامل الرئيسة التي تؤثر سلبًا على الاقتصاد الوطني والمسئول الأول عن تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فعلى الصعيد الاقتصادي يساهم الفساد في عرقلة عملية التنمية بكافة أنواعها، ويؤثر في الفعاليات الاقتصادية جميعها بما في ذلك عدم انتظام الحقوق والواجبات المترتبة على المواطنين، وخاصة فيما يتعلق بإيرادات الدولة من ضرائب ورسوم وخدمات تتراجع مستوياتها نتيجة لتفشي الرشاوى، ويشوه الهياكل والبنية الاقتصادية؛ إذ يحفز قيام مشاريع خدمية وذات ربح وفير وسريع على حساب المشاريع الإنتاجية التي تشكل أساس التنمية المستدامة، ويؤدي إلى ضعف الاستثمارات الأجنبية والوطنية، وهروب الأموال خارج البلاد.

وعلى الصعيد الاجتماعي يؤدي الفساد إلى إشاعة روح الكراهية بين فئات المجتمع نتيجة لغياب العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، مما يؤثر سلبًا على استقرار الأوضاع الأمنية والتماسك الاجتماعي، كما ينتج عن الفساد آفة اجتماعية خطيرة وهي البطالة، حيث ترتفع معدلات البطالة في أوقات الركود الاقتصادي.

وعلى الصعيد السياسي يؤدي انتشار الفساد واستشراؤه في الدولة إلى انهيارها سياسيًّا، وما ينجم عن هذا الانهيار من فوضى، ولقد كان سقوط نظام الحكم في الفلبين عام 1986م نتيجة للفساد الكبير الذي انتشر في ربوع البلاد واتسع نطاقه.

ومحاربة الفساد وعلاجه والحد منه تمثل أحد المعايير الجديدة للإدارة الاقتصادية الجيدة، وقد أجمعت تقارير الخبراء الدوليين على ضرورة مجابهته إذا ما أريد للتنمية أن تتحقق، وهو الهدف الذي تسعى له الدول بمختلف توجهاتها لتحقيقه.

ولخطورة الفساد الإداري والمالي نجد أن هناك جهودًا في مكافحته تتم على المستويين الوطني والعالمي، حيث تصاعد الاهتمام بمكافحة الفساد الإداري والمالي مِنْ قِبَل المؤسسات الدولية المعنية بالتنمية، فمن شروط تمويل صندوق النقد الدولي وكذا البنك الدولي للإنشاء والتعمير للدول وتمويل مشروعاتها وتقديم المساعدات لها أن تعمل هذه الدول جاهدة على مكافحة الفساد الإداري والمالي بداخلها وجعل ذلك على قائمة أولوياتها.

وتقف دار الإفتاء المصرية في طليعة المؤسسات التي واجهت الفساد فقد أصدرت الدار فتاوى عديدة تستهدف القضاء على الفساد واجتثاثه، مثل تحريم الرشوة والفساد المالي والإداري وحرمة الاختلاس والاحتكار وسرقة وإفساد المال العام وغسيل الأموال والتهرب من الضرائب والجمارك وغيرها من الفتاوى، فقامت ببيان الحكم الشرعي لهذه المعاملات التي حرَّمها الشرع الحنيف وما يترتب على هذا التحريم من العقاب الأخروي، وكذا بيان ما يترتب على هذا الفساد من أضرار وعواقب وخيمة على أفراد المجتمع والدولة.

وقد أصدرت دار الإفتاء المصرية العديد من الفتاوى التي تحث على القضاء على صور الفساد بأشكالها كافة، والتي من شأنها أن تؤثر على التنمية الاقتصادية، وتعوق مسيرة نمو الاقتصاد الوطني، ونذكر مثالين في هذا الصدد:

المثال الأول: التهرب من الضرائب والجمارك.

ذكرت الفتوى أنه يجوز لولي الأمر أن يفرض ضرائب عادلة في تقديرها وفي جبايتها تضاف إلى ما يجبيه من أموال الزَّكَاة؛ وذلك لتغطية النفقات العامة والحاجات اللازمة للأمة، باعتبار أَنَّ وَلِي الأمر هو القائم على رعاية المصالح العامة التي تستلزم نفقات تستنفد الموارد العامة لا سيما في هذا العصر الذي كثُرت فيه مهام الدولة واتسعت مرافقها وزادت فيه الأزمات الاقتصادية العالمية.

والدولة لها ما يُسَمَّى بالموازنة العامة، والتي يجتمع فيها الإيرادات العامة والنفقات العامة، وإذا كانت النفقات العامة للدولة أكبر من الإيرادات العامة؛ فإنَّ ذلك معناه عجز في ميزانية الدولة، يتعيَّنُ على الدولة تعويضه بعِدَّةِ سُبل منها: فرض الضرائب. إلا أنه ينبغي أن يراعى في فرض الضرائب عدم زيادة أعباء محدودي الدخل وزيادة فقرهم، وأن توجه الضرائب إلى الفئات التي لا يجهدها ذلك كطبقة المستثمرين، ورجال الأعمال الذين يجب عليهم المساهمة في واجبهم تجاه شعبهم ووطنهم.

وقد تقرَّر عند كثير من الصحابة: كعمر، وعلي، وأبي ذر، وعائشة، وابن عمر، وأبي هريرة، والحسن بن علي، وفاطمة بنت قيس رضي الله عنهم أجمعين، ومن التابعين: كالشعبي، ومجاهد، وطاوس، وعطاء، أن في مال المسلم حقًّا غير مال الزكاة.

ويدل على ذلك قوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177].

وجه الدلالة في الآية الكريمة أن الله تعالى نصَّ على إيتاء الزكاة، كما نصَّ على إيتاء المال لذوي القربى واليتامى والمساكين، مما يدل على أن المراد بإيتاء المال في الآية غير الزكاة، وأن في المال حقًّا سوى الزكاة، فالآية قد جُمِعَ فيها بين إيتاء المال على حبه، وبين إيتاء الزكاة بالعَطْفِ المقتضِي للمُغايرة، وهذا دليل على أن في المال حقًّا سوَى الزكاة لتصح المغايرة([31]).

ومِن ثَمَّ فإنه قد ثبتَ في مال المسلم الغني حقٌّ غير الزكاة، لا سيما في ظل احتياج المجتمع إلى هذه الأموال، وهذا هو المعنى الحقيقي للتكافل والتضامن الاجتماعي.

فالتضامن الاجتماعي فريضة، فإن من حق المجتمع على الفرد التعاون على إقامة مصالح الدولة كافة، ولجماعة المسلمين حق في مال الفرد؛ لأنه لم يكسب ماله إلا بها، وهي التي ساهمت من قريب ومن بعيد، وعن قصد وغير قصد، في تكوين ثروة الغني، وهي التي بدونها لا تتم معيشته كإنسان في المدينة.

فإذا كان في الدولة الإسلامية محتاجون لم تكفهم الزكاة، أو كانت مصلحة الجماعة وتأمينها عسكريًّا أو اقتصاديًّا تتطلب مالًا لتحقيقها، أو كان دِين الله ودعوته وتبليغ رسالته يحتاج إلى مال لإقامة ذلك، فإن الواجب الذي يحتمه الإسلام أن يُفْرَض في أموال الأغنياء ما يحقِّق هذه الأمور؛ لأن تحقيقها واجب على ولاة الأمر في المسلمين، ولا يتم هذا الواجب إلا بالمال، ولا مال بغير فرض الضرائب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

وأضافت الفتوى: أن الأساس في الضرائب هو تكوين مال للدولة تستعين به على القيام بواجباتها، والوفاء بالتزاماتها، فالأموال التي تجبى من الضرائب تنفق في المرافق العامة التي يعود نفعها على أفراد المجتمع كافة، كالدفاع والأمن والقضاء والتعليم والصحة والنقل والمواصلات والري والصرف، وغيرها من المصالح التي يستفيد منها عامة المواطنين من رعايا الدولة، من قريب أو من بعيد.

ومما لا شك فيه أن أخْذ الضريبة من الأفراد فيه استيلاء على جزء من مالهم وحرمان لهم من التمتع به، وهذا الحرمان إنما رُخِّص فيه؛ لأن الضرورة قضت به إذ لا يمكن القيام بالمصالح العامة بدونه، والمصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة.

ولو تركت الدول الإسلامية في عصرنا دون ضرائب تنفق منها، لكان من المحتم أن تزول بعد زمن يسير من قيامها، وينخر الضعف كيانها من كل نواحيه، فضلًا عن الأخطار العسكرية عليها، فلقد أصبح التسليح ونفقات الجيوش في عصرنا مما يحتاج إلى موارد هائلة من المال.

ومع هذا لم تعد القوة مقصورة على السلاح والجيوش؛ إذ لا بد من القوة والتفوق في شتى جوانب الحياة العلمية والصناعية والاقتصادية، وكل هذا يفتقر إلى أمداد غزيرة من المال، ولا سبيل إلى ذلك إلا بفرض الضرائب باعتبارها نوعًا من الجهاد بالمال؛ ليقوي الفرد أمته، ويحمي دولته، فيقوي بذلك نفسه، ويحمي دينه ودمه وماله وعرضه.

وما سبق ذِكْره من أمور؛ كالدفاع والأمن والقضاء والتعليم والصحة والنقل والمواصلات والري والصرف وغير ذلك؛ ضروري لا يُمْكِن الاستغناء عنه للدولة الإسلامية، ولا لأي دولة، فمن أين للدولة أن تنفق على هذه المرافق وإقامة هذه المصالح؟

والدولة الإسلامية سابقًا كانت تنفق على هذه المصالح من مصادر لم تَعد موجودة الآن؛ مثل: خمس الغنائم الحربية التي يستولي عليها المسلمون من أعدائهم المحاربين، أو مما أفاء الله عليهم من أموال المشركين بغير حرب ولا قتال، فلم يعد لإقامة مصالح الأمة مورد إلا فرض ضرائب بقدر ما يحقق المصلحة الواجب تحقيقها.

وقد أقرَّ جماعة من فقهاء المذاهب المتبوعة الضرائب، لكنهم لم يطلقوا عليها اسم “الضرائب”، فسمَّاها بعض الحنفية “النوائب” جمع نائبة، وهي اسم لما ينوب الفرد من جهة السلطان، بحق أو بباطل.

وقد تَكلَّم عنها الشيخ ابن تيمية بما يفيد إقراره لبعض ما يأخذه السلطان باعتباره من الجهاد بالمال الواجب على الأغنياء، وسماها بـ”الكلف السلطانية”، أي: التكليفات المالية التي يلزم بها السلطان رعيته أو طائفة منهم([32]).

والجمارك نوع من الضرائب المالية تُوضع على بضائع تدخل لبلاد المسلمين تقررها الدولة، وما يجمع من هذه الضرائب يدخل خزينة الدولة للمصالح العامة، ومن هذه المصالح: تشجيع البضائع والمنتجات المحلية لصالح المواطن والمستهلك، ففرضها فيه حماية للسوق المحلي، وحيث إنها نوع من الضرائب فتأخذ نفس أحكام الضرائب.

وبناءً على ما سبق خلصت الفتوى إلى أنه: لا يجوز التهرب من الضرائب والجمارك، ولا يجوز دفع الرشوة لإنقاصها.

وتوجهت الفتوى بالنصيحة للقائمين على الأمر بمراعاة فرض الضرائب بنسبة أكبر على الفئات الثرية دون الإثقال بفرضها على الفئات الفقيرة غير القادرة على تحمل أعباء الحياة([33]).

المثال الثاني: غسيل الأموال:

ذكرت الفتوى أن غسيل الأموال جريمة اقتصادية حديثة تدخل ضمن الجرائم المنظمة؛ كجرائم الإرهاب، وتهريب الأسلحة والمخدرات، والآثار، والقمار، والسرقة، والخطف، والفساد السياسي، وغيرها.

كما ذكرت الفتوى أن جريمة غسيل الأموال من أكبر الجرائم تأثيرًا على المجتمع: اقتصاديًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا؛ حيث تسبب ضررًا على الدخل القومي، وتدهورًا للاقتصاد الوطني، وتشويهًا للعمليات التجارية، وارتفاعًا لمعدل السيولة المحلية بما لا يتوافق مع كميات الإنتاج، وإضعافًا لروح المنافسة بين التجار، إلى غير ذلك من الآثار السيئة والعواقب الوخيمة.

وأن هذه الجريمة تمر بأكثر من مرحلة للتهرب من المساءلة القانونية وتضليل الجهات الأمنية والأجهزة الرقابية:

فهناك مرحلة الإيداع؛ وهي الطريقة التي يتمّ بها التخلّص من الأموال غير الشرعية من خلال توظيفها بأساليب شرعية مختلفة، مثل: إيداعها في البنك، أو أحد المؤسسات المالية، أو تحويلها إلى عملة أجنبية.

وهناك مرحلة التمويه وإخفاء الجريمة؛ وهي القيام بعدة عمليّات مصرفيّة من أجل التصرّف في الأموال وإخفاء مصدرها؛ كتحويلها إلكترونيًّا، أو تحويلها من بنكٍ إلى آخر.

وهناك مرحلة دمج الأموال وإدخالها في العمليات الاقتصاديّة والمصرفيّة؛ وتعدُّ آخر مرحلة في عمليّة غسيل الأموال، بحيث يتمّ إضافة الطابع الشرعي والقانوني عليها؛ كتأسيس الشركات الوهميّة، أو القروض المزيفة، ونحو ذلك.

وعلى ذلك فغسيل الأموال يشتمل على محظورين شرعيين:

الأول: تعمد اكتساب المال بطريقة محرمة شرعًا، مُجَرَّمة قانونًا، وذلك مما شدد الشرع الشريف على حرمته، قال تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188]، وعن أبي بكرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «فإن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، بينكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ليبلغ الشاهد الغائب، فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه» متفق عليه.

الثاني: تعمد إدخال المال المكتسب من الحرام في مشاريع استثمارية، أو أعمال لها صفة قانونية، بهدف التهرب من المساءلة القانونية عن مصدر اكتسابه، وهذا حرام أيضًا؛ لأنه لم يصبح ملكًا حقيقًّا لمن يحوزه، حتى يحق له التصرف فيه بالبيع، أو بالشراء أو الاستثمار، أو بأي صورة من صور المعاملات المالية الجائزة، وقد نص الفقهاء على أنه لا يجوز للمسلم التصرف فيما لا يملكه، وأن ما لا يصح ملكه لا يصح بيعه أو التصرف فيه، بل يجب رده إلى صاحبه.

كما أنه قد تقرر في قواعد الشرع أن ما بني على حرام فهو حرام، وما بني على باطل فهو باطل، وكل ما بطل سببه فهو باطل، فإذا كان المال محرمًا، حرم كل ما استخدم فيه من أعمال.

وعلى ذلك: فإن التحايل على الشرع والقانون باستخدام الأموال المكتسبة من محرم في أوجه مشروعة يزيد صاحبها إثمًا وجرمًا، ولا يرفع عنه المساءلة الشرعية ولا القانونية.

كما أن في هذه التسمية ذاتها تدليسًا وتلبيسًا؛ إذ هي تسميةٌ للأشياء بغير أسمائها التي تدل عليها؛ فالغسل كلمة عربية تدل على التطهير والنظافة، وتطهير المال إنَّما يكون بإخراج الحقوق فيه؛ من زكاةٍ، وصدقةٍ، ونفقةٍ، وغيرها مما يزيده نماءً وبركة؛ قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 102].

أما ما يطلق عليه غسيل الأموال أو تبييضها فلا علاقة له بتطهير المال، وتغيير الاسم لا يغير حقيقة المسمى ولا يزيل حكمه؛ لأن العبرة في الأحكام بالمسميات لا بالأسماء.

وذكرت الفتوى أن عملية غسل الأموال حرام بشِقَّيْها: شق الاكتساب، وشق التحايل للتهرب من المساءلة.

كما أنها حرام لما يترتب عليها من أضرار اقتصادية بالغة تتعارض مع المقاصد الشرعية؛ إذ إن حفظ الأوطان مقصد شرعي مرعي، يأثم من يخل به، قال تعالى: {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [البقرة: 60]، وقال سبحانه: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} [الأعراف: 56].

وذكرت الفتوى أن الدول قد اتفقت على تجريم هذه الظاهرة الخطيرة التي تعمل على ما يُسمَّى “الاقتصاد الموازي” الذي يُدار بعيدًا عن أعين الحكومات؛ فصدرت اتفاقية فيينا عام 1988م، في شأن مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية والأموال الناتجة عنهما واستخدامهما في جريمة غسل الأموال، وتُعَد هذه الاتفاقية من أهم اتفاقيات الأمم المتحدة، لأنها فتحت الأنظار على مخاطر نشاطات غسل الأموال المتحصلة من المخدرات، وأثرها المدمر في النظم الاقتصادية والاجتماعية للدول.

ونص القانون المصري على عقوبة مرتكبي جرائم غسيل الأموال؛ ففي المادة (14): [يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز سبع سنوات، وبغرامة مالية تعادل مثلي الأموال محل الجريمة كل من ارتكب، أو شرع في ارتكاب جريمة غسل الأموال المنصوص عليها في المادة (2) من هذا القانون، ويحكم في جميع الأحوال بمصادرة الأموال المضبوطة، أو بغرامة إضافية تعادل قيمتها في حالة تعذر ضبطها، أو حالة التصرف فيها إلى الغير حسن النية] اهـ.

وبناء على ذلك: فقد خلصت الفتوى إلى أن ما يُطلق عليه غسيل الأموال بدأ بمحظور شرعي، وهو التكسب من الجرائم والمحرمات، وانتهى إلى محظور شرعي، وهو تصرف من لا يملك فيما لا يملك، وما لزم عن ذلك من حرمة المعاملة التي بنيت على محرم؛ لأن ما بني على حرام فهو حرام، وآل إلى محظور شرعي وهو الإضرار بالأوطان؛ لما في استباحة غسل الأموال من تهديد الاقتصاد الوطني، فضلًا عن أن ذلك قد يستخدم في تمويل الحركات الإرهابية؛ مما يعود بالضرر الكبير على أمن الوطن وسلامته، كما أنه تحايل وتدليس وكذب حرَّمه الشرع، وعليه فإن غسيل الأموال بكل صوره محرم شرعًا ومجرم قانونًا([34]).

 

 

 

المبحث الثاني: الاقتصاد الوطني والاقتصاد العالمي.

يُعد الاقتصاد الوطني جزءًا من الاقتصاد العالمي، فلم يعد من الممكن للبلد الواحد مواصلة مسيرة التنمية وتطوير اقتصاده في إطار الدولة الوطني، واستبعاد التعاون مع اقتصاديات مجاورة في إطار من المساندة التضامنية.

وقد عرف الاقتصاد العالمي تغيرات كبيرة وملحوظة منذ مطلع سنوات التسعينيات من القرن الماضي، لا سيما فيما يتعلق بالمبادلات التجارية في ظل التكتلات الاقتصادية الإقليمية، ودور المنظمة العالمية للتجارة في تحقيق انفتاح اقتصادي أوسع، فالتقارير والإحصاءات تشير إلى أن حجم المبادلات الدولية تضاعف بحوالي 44 مرة من سنة 1967 إلى سنة 2007م، وهو ما يوحي بأن حدوث أزمة في أي منطقة من مناطق العالم، خاصة في الدول المتقدمة يؤثر على باقي اقتصادات الدول، بسبب الأزمات التي يسجلها الاقتصاد العالمي في الوقت الحاضر.

ويدخل الاندماج في الاقتصاد العالمي تحت مسمى «العولمة»، وتعد العولمة التطور الطبيعي للحضارة، وقد لقيت اهتمامًا فائقًا في الآونة الأخيرة لتـشمل مجـالات مختلفة سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية.

ويـأتي الجانـب الاقتـصادي فـي مقدمـة الجوانـب الأكثـر تـأثيرا وتـأثرًا بنتـائج وتحـديات العولمـة فقـد أخذت العولمة الاقتصادية أبعادها في العـصر الحاضـر باسـتعادة النظـام الاقتـصادي الرأسـمالي هيمنتـه وانتشاره في صور جديدة مبنية على اقتصاد السوق، والثورة المعلوماتية ودمج الاقتصاديات الوطنيـة بالـسوق الرأسـمالية العالميـة.

وأشار البعض إلى أن العولمة هي: «تلك الحالة أو الظاهرة التي تسود في العالم حاليًا وتتميـز بمجموعة من العلاقات والعوامل والقوى، التي تتحرك بسهولة على المستوى الكـوني متجـاوزة الحـدود الجغرافية للـدول، ويـصعب الـسيطرة عليهـا تـساندها التزامـات دوليـة أو دعـم قـانوني مـستخدمة آليـات متعددة ومنتجة لآثار ونتائج تتعدى نطاق الدولة الوطنية إلى المستوى العالمي لتربط العـالم فـي شـكل كيان متشابك الأطراف يطلق عليه القرية الكونية».

ومن أهداف العولمة الاقتصادية:

-أن العولمة تهيئ الفرص للنمو الاقتصادي على المستويين المحلي والعالمي.

-أن العولمة تزيد حجم التجارة العالمية وتنعش الاقتصاد العالمي.

-أن العولمـة تقـرب الاتجاهـات العالميـة نحـو تحريـر أسـواق التجـارة ورأس المـال، علمًـا أن الهدف يعني عولمة الاقتصاديات العالمية وصبغها بالرأسمالية.

-أن العولمة تحل المشكلات الإنسانية المشتركة التـي لا يمكـن أن تحلهـا الـدول بمفردهـا مثـل انتـشار أسلحة الدمار الشامل وانتشار المخدرات وقضايا البيئة، وانتقال الأيدي العاملة من دولة لأخرى([35]).

حتمية الاندماج في الاقتصاد العالمي:

رغم امتلاكها للثروات الطبيعية والبشرية تشكو دول كثيرة من التخلف الاقتصادي، وهو التخلف الذي قد يظهر في عدم استغلال الثروات المتاحة، أو قلة استغلال ما هو ممكن منها، أو سوء استغلال ما امتدت إليه آليات السياسات الاقتصادية. وقد سعت هذه الدول إلى طلب المساعدات المالية والتكنولوجية من الدول المتقدمة أملًا في تمكينها من تصفية مظاهر التخلف والتبعية الموروثة في كثير من الأحيان من حقبة استعمارية، والقضاء على ظاهرة الازدواج القطاعي، ورجاء في تمكينها من الالتحاق بالركب المتقدم.

وإذا كانت التنمية الاقتصادية والاجتماعية تمثل الهدف الأسمى للدول النامية للقضاء على التخلف، ورفع مستوى رفاهية الأفراد، فإن تحقيقها في الوقت الراهن وبالنظر إلى اتجاه العلاقات الاقتصادية الدولية يكاد يكون مرهونًا بضرورة الاندماج في الاقتصاد العالمي.

 متطلبات التنمية المستدامة:

ينصب اهتمام التنمية الاقتصادية على الجوانب المادية المؤكدة على ضرورة استخدام الموارد الطبيعية المتاحة لتحقيق مستوى عالٍ من الرفاهية الاقتصادية لأفراد المجتمع، مما يتطلب تحقيق معدل نمو للناتج الوطني أسرع من معدل نمو الكثافة السكانية. وتضيف نظرية التنمية المستدامة إلى أن هذه الأخيرة لا تتحقق إلا في إطار الإدارة المثلى للموارد الطبيعية بالتركيز على الحصول على الحد الأقصى من منافع التنمية الاقتصادية، بشرط المحافظة على خدمات هذه الموارد ونوعيتها.

غير أن ذلك لا يتوقف على إدارة النظم الاقتصادية بالشكل الذي يقضي بالاعتماد على عوائد الموارد المتاحة داخليًّا فحسب، لكن على إمكانية الاستفادة مما هو محتمل عبر مختلف قارات العالم؛ لذلك بذلت الدول النامية قصارى جهودها في تصنيع اقتصادياتها، ومحاولة جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، بحثًا عن توسيع مجالات الإنتاج والتصدير.

ضرورة توسيع وزيادة الإنتاج:

إن الحقيقة الأولى التي تحرك عجلة التنمية تكمن وراءها قناعة شعوب الدول النامية بالخطر الذي يهددها عندما يكون الاقتصاد الوطني منتجًا لسلعة واحدة، أو فئة ضيقة من السلع للتصدير؛ لذا فإن الرغبة في إنشاء اقتصاد متنوع أمر منطقي منبثق من الواقع، ومطلب حقيقي لإرادة الشعوب؛ إذ تميزت اقتصاديات الدول النامية باعتمادهما على إنتاج المواد الأولية الزراعية أو المنجمية وبعض المنتجات الغذائية، وتستغل عوائدها في اقتناء بعض المنتجات المصنعة، وكميات هائلة من السلع الاستهلاكية، ومثل هذا الوضع الاقتصادي صار حالة ترفضها كل المجتمعات؛ إذ هي حالة تتعارض وهدف تحقيق التوازن في ميزان المدفوعات، بل تؤدي إلى تعميق عجز هذا الأخير، مما قد يوقع الاقتصاديات في فخ المديونية الخارجية.

وهي تمثل اقتصادًا غير مستقر مؤهل للتأثر بجميع التغيرات الخارجية سواء كانت في مجال تحديد مستويات العرض أو الطلب أو الأسعار أو معدلات الصرف.

وتعتبر هذه عوامل بالغة التأثير في اقتصاديات الدول النامية، في حين لا تتأثر الدول المتقدمة إلا بشكل نسبي وفقًا للتقلبات التي تحدث في الاقتصاد العالمي.

ولقد أفادت التجارب التاريخية كثيرًا من الدول منذرة بخطر اعتماد التجارة الخارجية على تشكيلة ضيقة من المنتجات، وفي هذا المجال يمكن الإشارة إلى ثلاث محطات رئيسية، حيث هناك ثلاث أحداث عالمية فتحت للدول النامية أعينها على عدم استقرار الاقتصاد المرتبط

بتصدير فئة قليلة من المواد الأولية أو المنتجات الغذائية: إنها الحرب العالمية الأولى والأزمة الاقتصادية سنة 1929م ثم الحرب العالمية الثانية.

وخلال الحرب العالمية الأولى وجدت الدول المصدرة للمواد الأولية والمنتجات الغذائية نفسها

معزولة عن الأسواق الخارجية حيث كانت تبيع منتجاتها من جهة، وعن البلدان المتطورة التي كانت تموِّنها بمنتجات صناعية من جهة أخرى.

وكان للأزمة الاقتصادية تأثير أشد على اقتصاديات الدول النامية؛ إذ قلَّ الطلب على المواد الغذائية (مثل القهوة والشاي والسكر) والطلب على بعض المواد الأولية (مثل النفط والنحاس) نتيجة تدهور اقتصاديات الدول المتقدمة، وانخفضت أسعار تلك المواد بشكل مؤثر نتج عنه انخفاض في حجم واردات الدول المصدرة.

وقد تكررت المشكلات نفسها مرة أخرى خلال الحرب العالمية الثانية، وإن بقي هذه المرة

مستوى تصدير المواد الغذائية والأولية ثابتًا نسبيًّا، إلا أن الدول النامية لم تتمكن من استيراد ما تحتاج إليه من منتجات صناعية، ذلك أن الدول المنتجة لها لم تكن قادرة على الاستجابة لحجم الطلب العالمي عليها في ذلك الوقت.

إن هذه التجارب التاريخية دفعت الدول النامية إلى ضرورة إعادة هيكلة صادراتها في اتجاه تنويع واسع للمنتجات، ودون ترجيح لمادة على مادة أخرى بات الهدف الأول للسياسات الاقتصادية لدى كثير من الدول، والواقع أن دافع التوسع في الإنتاج للتصدير وتنويع الصادرات ليس خاصًّا بالدول النامية فحسب بل هو دافع عام لمختلف السياسات التوسعية التي تبحث لها عن مورد دائم من العملات الأجنبية، وتحصيل مستمر للتكنولوجيا اللازمة لتطوير صناعاتها([36]).

 

تأثير ظاهرة العولمة على الاقتصاد الوطني:

إن ظاهرة العولمة وبالنظر الى نصوص اتفاقيات المنظمة العالمية للتجارة تهدف الى توسيع حجم التجارة الدولية، وذلك من خلال إلغاء الحماية القانونية للقطاعات الوطنية وإلغاء الحواجز الجمركية على المبادلات التجارية. وهذا ما يعني انفتاح لا مشروط وغير مقيد على العالم الخارجي، مما تنتج عنه إزالة الحماية عن المؤسسات الاقتصادية الوطنية بغض النظر عن مستوى تقدمها ونموها.

وبالنظر إلى قوة المنافسة الدولية فإنه يمكن القول بأن الوحدات الإنتاجية للدول النامية غير قادرة على الصمود أمام المؤسسات الدولية، مما يفرض عليها سلوك أحد السبيلين:

-إما الصراع من أجل البقاء. وهو اختيار يتميز بالمنافسة في ميدان وزمان لا اختيار فيهما للدول النامية، ومن ثم فإن الأمر محسوم أمام عدم تكافؤ الفرص، واحتمالات الفوز ترشح المؤسسات القادرة على المنافسة.

-وإما الاندماج في السياسة العامة للشركات المتعددة الجنسيات، وذلك ما يجعل آثار التنمية تتجه مباشرة نحو الخارج على حساب تطوير القطاعات المحلية. وتتأكد هذه الملاحظة خاصة في إطار خصوصيات النظام الاقتصادي العالمي الجديد.

إن هذه المخاطر تحث الدول النامية على حتمية تطوير علاقاتها الدولية بالشكل الذي يضمن لها مستوى تموين دائم بمواد التجهيز والسلع الإنتاجية والاستهلاكية، وذلك كيفما كان مستوى الطلب الخارجي على ما تصدره هذه الدول من مواد وسلع استهلاكية، وهو ما يقتضي وضع استراتيجية عامة للتنمية تستهدف الاستغلال الأمثل لجميع الثروات الطبيعية والبشرية المتاحة في الاقتصاد الوطني، وتمكِّن من الاندماج في الاقتصاد العالمي([37]).

التوجهات الحديثة للاقتصاد العالمي:

عند وصف الاقتصاد العالمي المعاصر يتكرر استخدام عدة مصطلحات كالعولمة واقتصاد المعرفة والثورة الصناعية الرابعة وغيرها، ولقد ظل العالم يشهد عولمة الشئون الاقتصادية، وذلك بسبب عدة عوامل من أهمها: ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وكذلك التخفيف من اللوائح على المستويين الوطني والدولي، وتتجسد أبعاد العولمة في:

1-عولمة الإنتاج: يعتمد نجاح الإنتاج بشكل حاسم على عدة شروط، منها القدرة التقنية لمنتجي المكونات وشركات التجميع، وتوافر العمال ذوي المهارات العالية، والقدرة على الإدارة وفقًا لجداول زمنية صارمة، وتتبلور عولمة الإنتاج في اتجاهين:

أ-عولمة التجارة الدولية:

فقد زادت التجارة الدولية بدرجة كبيرة خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي حيث بلغ معدل التجارة الدولية ضعفي نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي، فعلى سبيل المثال زاد معدل التجارة العالمية بحوالي 9% عام 1995م، بينما زاد الناتج العالمي بنسبة 5%، وبالضرورة زاد نصيب التجارة العالمية، ويلاحظ أن الشركات المتعددة الجنسيات هي التي تقف وراء زيادة معدل نمو التجارة العالمية بقوة، بالإضافة إلى مشاركتها في زيادة الناتج العالمي.

وقد سجلت صادرات التجارة الخارجية في آسيا أعلى مستوياتها بمعدل نمو يقارب 23% سنة 2010م نظرًا لنشاط حركية اقتصاديات اليابان والصين والنمور الآسيوية، تليها أمريكا بمعدل نمو بلغ 15% ثم أوروبا بــ11.5%، وهو ما يعكس قوة القاعدة الاقتصادية لهذه الدول واندماجها الفعال في المنظومة الدولية، في حين عرف التبادل التجاري تراجعًا ملحوظًا خلال سنة 2014م، وذلك بسبب تباطؤ وتيرة اقتصاديات الدول المتقدمة، والتي تعتبر الدافع الرئيسي لشتى المعاملات الدولية خصوصًا الصين والولايات المتحدة الأمريكية.

ب-الاستثمار الأجنبي المباشر:

يلاحظ أن معدل نمو الاستثمار الأجنبي المباشر زاد بمعدل أسرع وأكبر من زيادة معدل نمو التجارة العالمية، حيث كان معدل نمو الاستثمار المباشر يميل في المتوسط إلى حوالي 12% خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي، ويرجع ذلك بالدرجة الأولى إلى دور الشركات المتعددة الجنسيات في إحداث المزيد من العولمة، والتي تعمل بدورها على خوض المزيد من التحالفات الاستراتيجية فيما بينها لإحداث المزيد من عولمة العمليات في مجال التكنولوجيا والأسواق.

وعرفت الساحة الاقتصادية الدولية تزايدًا ملحوظًا في صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الوافدة إلى جميع مناطق العالم خلال سنة 2015م، بحيث سجلت الدول المتقدمة قفزة استثمارية من 680 مليار دولار سنة 2013م إلى 962 مليار دولار سنة 2015م بمعدل نمو يساوي41.47%، في حين سجلت الدول النامية معدل نمو التدفقات الوافدة يقدر بــ15.56%، تستقبل دول شرق وجنوب شرق آسيا 83% منها.

2-العولمة المالية:

العولمة المالية جزء من العولمة الاقتصادية، وهي تعني تكامل النظام المالي المحلي للبلد مع الأسواق

والمؤسسات المالية الدولية، والتحول إلى ما يسمى بالانفتاح المالي، ويتطلب هذا التكامل عادة أن تقوم الحكومات بتحرير القطاع المالي المحلي وحساب رأس المال. ويمكن الاستدلال عن العولمة المالية بمؤشرين هما:

الأول: والخاص بتطور حجم المعاملات عبر الحدود في الأسهم والسندات في الدول الصناعية.

الثاني: والخاص بدور تداول النقد الأجنبي على الصعيد العالمي.

ومع تقدم استقرار الاقتصاد الكلي والانفتاح على تدفقات رأس المال بدأ المستثمرون الدوليون في استعادة الثقة، حيث ارتفعت مشاركة المستثمرين الأجانب في أسواق الدين بالعملة المحلية من 5% إلى 21% في المتوسط خلال الفترة الممتدة ما بين 1996 و2013م.

3-اقتصاد المعرفة والابتكار:

فقد تحوَّل الاقتصاد العالمي بعد الثورة الصناعية من اقتصاد ذي كثافة عمالية إلى اقتصاد ذي كثافة رأسمالية، ثم جاءت الثورة التكنولوجية لتنقل الاقتصاد إلى مرحلة اقتصاد المعرفة، ومن ثم أصبحت الغلبة لمن يعرف، لا لمن يملك.

ويتيح الابتكار للشركات إنتاج سلع وخدمات أكثر جودة مع استهلاك موارد طبيعية أقل والتمكين من استخدام الموارد البشرية بشكل أكثر كفاءة، وكل المنظمات اليوم تعتمد بالأساس على المعرفة في استمرارها ونجاحها، وأصبح من المحتم عليها أن تتطور وتتحسن وإلا كان مصيرها الزوال.

ويمتاز اقتصاد المعرفة بأمور عديدة من أهمها:

-امتلاك القدرة على الابتكار وتوليد منتجات فكرية معرفية وغير معرفية جديدة، لم تكن تعرفها الأسواق من قبلُ، والمساهمة في خلق منتجات أكثر إشباعًا وإقناعًا للعميل.

-المنافسة في ظل اقتصاد المعرفة ترتكز على المعرفة، فهي التي تصنع القوة، وتوفر المال، وتوجد

المواد الخام، وتفتح الأسواق.

-يتضمن اقتصاد المعرفة قوى اقتصادية جديدة تدفع إلى الابتكار، والتحسين الدائم المستمر،

وإيجاد: منتجات جديدة، نظم إنتاج جديدة، نظم تسويق ابتكارية جديدة، طرق إشباع فعالة للعميل، أسواق ومناطق تسويقية جديدة.

-في ظل اقتصاد المعرفة لا يُنظر إلى كل عنصر بشري على أنه رأسمال يُعتد به، وإنما يراد برأس المال البشري العناصر القادرة على الابتكار المستمر الذي يُعد مناط التنافس بين المنظمات في صراعها من أجل البقاء، ويطلق على مثل هذه النوعية من العنصر البشري عمالة المعرفة.

ولقد استخلصت إحدى الدراسات التي أجريت على 192 دولة أن رأس المال البشري والاجتماعي يمثل نسبة لا تقل عن 64% من أداء النمو، في حين يمثل رأس المال المادي نسبة ضئيلة قدرها 16%، ويمثل رأس المال الطبيعي النسبة الباقية.

4-الثورة الصناعية الرابعة:

يرتبط مفهوم الثورة الصناعية الرابعة -الذي كانت ألمانيا المبادرة إلى إطلاقه- بأتمتة الصناعة

(Automation of Industry)، والتقليل من عدد الأيدي العاملة فيها، بحيث يقتصر الدور البشري في الصناعة على المراقبة والتدقيق، الأمر الذي يستدعي وجود قدرات علمية فائقة توظَّف في امتلاك بنية تقنية ورقمية متطورة.

إن انتشار الأجهزة المحمولة وأجهزة الاستشعار عبر الإنترنت وغيرها من وسائل جمع المعلومات رقميًّا جعل من الممكن الحصول على بيانات مفصلة ودقيقة عن المشتريات وتطور الأسواق. وتتيح المنصات الرقمية، بما في ذلك تطبيقات مشاركة الاقتصاد مثل (Uber)، وخدمات مطابقة العرض والطلب مثل (Airbnb) التفاعل الفوري وتبادل المعلومات والتعاون الأوثق والأوسع.

وقد تمخض عن هذه الظاهرة أنماط جديدة من العلاقات وأساليب التصنيع والابتكارات، والتي تمثلت في المركبات ذاتية الحركة والطباعة ثلاثية الأبعاد وتكنولوجيا النانو والتكنولوجيا الحيوية وعلوم المواد، وتخزين الطاقة، والحوسبة الكمية وغيرها، وذلك من خلال مزج النظم اللاسلكية والتجهيزات الإلكتروميكانيكية متناهية الصغر.

وسيكون للثورة الصناعية الرابعة أثر كبير وتغييرات ملموسة في المجتمعات والاقتصادات، حيث أن التغيير غير المسبوق الذي ستحدثه هذه الأخيرة في القطاعات ونماذج الأعمال المدعومة بالذكاء الاصطناعي وفعالية تعلم الآلات سيضاعف حجم النمو السنوي لاقتصاد الدول ويرفع من كفاءة القوى العاملة 40 % بحلول عام 2035 ، ويتوقع أن يبلغ اقتصاد التنقل الذاتي 7 تريليونات دولار، وأن تساهم إنترنت الأشياء بـ 10 %، أي 15 تريليون دولار في الناتج المحلي الإجمالي العالمي على مدى السنوات الـ 20 المقبلة، كما سيساهم التغيير في زيادة كفاءة الطاقة عالميًّا، ويتوقع ظهور قوى اقتصادية جديدة وارتفاع المنافسة التجارية العالمية التي تحددها القدرة التنافسية المبنية على التطور التكنولوجي والقدرة على الابتكار.

5-الاقتصاد الرقمي (Digital Economy):

إن أبرز ما يميز اقتصاد اليوم هو التوجه نحو الرقمنة، ويبدو ذلك جليًّا سواء في مجال المعاملات المالية أو التجارة الإلكترونية وحتى الإنتاج والتسويق وغيرها، حيث ورد في التقرير الصادر عن “أبحاث البنك الألماني” أن موجة التكنولوجيا المتقدمة ستفتح آفاقًا تمكِّن من تفادي سلبيات التوسع الاقتصادي الماضي، من خلال مداخل الطاقة النظيفة وتقنيات النانو والتكنولوجيا الحيوية، كما أشارت مجلةAccenture   (2017)أن الناتج المحلي الخام الأمريكي سيبلغ 4.6% بحلول سنة 2035م، كما توقعMckisney  (2017) أن الأتمتة ستضاعف النمو الاقتصادي العالمي عن طريق أرباح سنوية تتراوح بين 0.8 و1.4pp بحلول سنة 2065م([38]).

ومن جهة أخرى ساهمت الرقمنة في ظهور أنماط جديدة من التعاملات لا سيما في ظل الاقتصاد التشاركي، مثل شركة (AirBnB)، والتي تمتلك أكبر منصة رقمية لتقديم خدمات حجز الإقامة في الفنادق والمرافق المخصصة للسياحة، وكذلك إجارة العقارات.

كما تم استحداث تقنيات متنوعة وفعالة كتقنية اختراق النمو (Growth Hacking)، والتي تعتبر أسلوبًا جديدًا في التسويق الإلكتروني يعتمد على التفاعل بين مداخل الابتكار والتقنية وتحليل البيانات، والتي تخدم استراتيجيات الاحتفاظ الذكي بالمستخدم، والترابط الفعال مع منصات الطرف الثالث مثل وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك من أجل زيادة نمو أعمال المؤسسات الناشئة بشكل سريع وتعزيز تنافسيتها في ظل تعقد البيئة الاقتصادية([39]).

 

التعاون الاقتصادي الدولي في ظل مقاصد الشريعة:

إن الإنسان لا خيار له إلا أن يجتهد في الوصول إلى موقف وسط يحافظ فيه على وجوده ومصالحه من جانب، ويأخذ بعين الاعتبار وجود غيره ومصالحه؛ إذ من مصلحته أن يستمر الآخر وأن يكون في حالة من التفاهم تدعوه إلى التعامل المشترك.

ومن أجل الوصول إلى التعاون المثمر بين بني البشر نشأت الهيئات الإقليمية والدولية، وحاولت أن تضع أسسًا وقواعد تتبادل من خلالها الشعوب والدول المصالح فيما بينها، وفي هذا الإطار يأتي الحديث عن التعاون الإقليمي والدولي والحاجة إليه من أجل تحقيق الصالح العام.

وفي هذا الصدد نقرر أن الإسلام قد جعل من مقاصده العامة إقامة الوئام والتعاون بين الناس، والعمل على إقصاء كل ما يجنب البشرية التنافر والصدام، وذلك انطلاقًا من الاعتبارات التالية:

1-لقد اعتبر الإسلام أن مبدأ التعاون بين الناس مبدأ أصيل مرتبط بطبيعة الوجود البشري في الكون، ومع أن الله تعالى خلق البشر مختلفين إلا أن هذا الاختلاف والتمايز يجعل الناس في حاجة إلى التعاون فيما بينهم، ويستلزم أن يقوم بينهم قدر من التكامل والترابط.

يقول تعالى: {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} [الزخرف: 32]، فالآية الكريمة تشير إلى سنة التسخير التي يقوم عليها التعامل بين الناس؛ فكل إنسان مسخر لغيره في جانب معين، وغيره مسخر له في جانب آخر، وبذلك يحصل التعاون والتكامل؛ لأن الإنسان لا يمكنه الاستغناء عن غيره من بني جنسه.

2-دعا الإسلام الناس إلى التعارف الذي تحركه الرغبة في اكتشاف ما عند الآخر من مميزات وخصائص.

يقول تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير} [الحجرات: 13]. ولفظ «التعارف» الوارد في الآية يقتضي سعيًا مشتركًا بين الإنسان وأخيه الإنسان؛ لاستفادة كل واحد من الآخر؛ إذ لا يمكن لأحد مهما أوتي من علم وخبرة أن يستغني عن النظر فيما عند غيره من المكاسب والتجارب.

3-إن الإسلام لا ينطلق في تقريره لمبدأ التعاون من مجرد الحاجة الضرورية التي يشعر بها كل إنسان تجاه أخيه، وإنما جعل من التعاون غاية نبيلة يجب أن يسعى لها الناس، وأن يستهدف هذا التعاون تحقيق معاني الخير والبر، يقول تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2].

والدعوة إلى التعاون لا تقتصر على المؤمنين فيما بينهم، وإنما تشمل الناس جميعًا؛ إذ الناس على اختلاف أديانهم وثقافاتهم يلتقون بحكم الفطرة البشرية فيما بينهم في معرفة أصول الخير التي لا تستقيم الحياة بدونها، وبذلك يكون من الممكن التعاون في إطار ما يُعد من المطالب الإنسانية المشتركة.

ومن أهم الأمور التي يمكن أن تكون من مجالات التعاون فيما يخص الاقتصاد:

1-تحقيق الأمن الغذائي والاجتماعي:

فقد اعتبر الإسلام أن من أعظم النعم التي منَّ الله سبحانه بها على عباده هي نعمتا الإطعام والأمن، وهو ما ذكره سبحانه في معرض امتنانه على قريش ما يدعوهم لعبادة الله شكرًا له على آلائه: قال تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش: 3، 4]. والترابط وثيق بين الإطعام والأمن؛ إذ لا يتحقق الأمن إلا بالإطعام ولا يكتمل استقرار الحياة البشرية إلا بالأمن، وتحقيق هذين المطلبين هو في الدرجة الأولى من مسئولية الدول نحو شعوبها، ولكنها قد تحتاج في ذلك إلى توفير عوامل خارجية تساعدها على النجاح في مهمتها.

إن اختلال التوازن بين دول العالم في الانتفاع بثروات الأرض اختلال كبير؛ إذ تشير الأرقام إلى أن 20% من سكان العالم يتصرفون في 80% من ثرواته، في حين يتقاسم 80% من سكان العالم 20% فقط من ثرواته، وإن مثل هذا الاختلال يعود إلى عدة أسباب، منها: قصور السياسات المتبعة في الدول النامية على تحقيق نهضة اقتصادية حقيقية، وكذلك إلى أسس التعامل الاقتصادي الدولي التي تسيطر عليها مصالح القوى العظمى، والتي تعمل على إبقاء حالة من التبعية الاقتصادية لها تمكِّنها من الحفاظ على تفوقها وارتباط الآخر بها.

ومطلب الإطعام يستوجب تحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي، على الأقل في المواد الضرورية لأي شعب يريد الحفاظ على استقلال إرادته.

وأما مطلب الأمن فهو ضروري لاستقرار الحياة في أي مجتمع، والأمن الذي يحتاجه الإنسان يشمل الأمن الداخلي الذي يجعل الفرد يعيش حالة من الطمأنينة والسلم النفسي، والأمن الخارجي الذي يمكنه من الشعور بالسكينة والأمان على نفسه وأهله وممتلكاته.

وإن أي مجتمع بشري ينشد الاستقرار والوصول إلى النهضة يحتاج إلى توفير أكبر قدر من مطلبي الإطعام والأمن([40]).

2-التعاون من أجل حماية البيئة:

من أهم مجالات التعاون الإقليمي والدولي في العصر الحاضر التعاون لحماية البيئة، ويمكن القول بأن التحديات التي تفرضها قضايا البيئة من العوامل المحددة لكيفية تطور العلاقات الدولية من حيث الاقتصاد والسياسة والأمن، كما أن أخطر التحديات المتعلقة بالبيئة والموارد الطبيعية هي تحديات عالمية النطاق وتتطلب حلولًا عالمية، ومن ثم فإنها تتطلب درجة لم يسبق لها مثيل من التعاون بين جميع البلدان لمعالجتها وما ينشأ عن ذلك من اعتماد متبادل بين البلدان الغنية والفقيرة.

ولقد اتجه العالم منذ عصر التنظيم الدولي إلى وضع العديد من الاتفاقيات والمعاهدات بهدف حشد الجهود الدولية لمعالجة القضايا المتعلقة بالبيئة ومواردها باعتبارها مشتركًا إنسانيًّا، وقد بلغ عدد تلك الاتفاقيات نحو أكثر من 152 اتفاقية خلال الفترة من 1921-2002م.

ومن أهم الاتفاقيات الدولية المبرمة في مجال حماية البيئة الاتفاقية الدولية لمنع تلوث البحار بالنفط المعتمدة بلندن عام 1954م، واتفاقية حماية البحر الأبيض المتوسط من التلوث المعتمدة في برشلونة عام 1979م، ووقِّعت في فيينا عام 1985م اتفاقية حماية طبقة الأوزون.

وتم في التسعينات من القرن الماضي وضع أهم الاتفاقيات الدولية في مجال البيئة، وهما اتفاقية التنوع البيولوجي التي اعتمدت في ريو دي جانيرو في عام 1992م، والاتفاقية الدولية لمكافحة التصحر في عام 1994م([41]).

ولتلوث البيئة بشكل عام تأثير على الاقتصادات الوطنية والاقتصاد العالمي، ويمثل تلوث الهواء الخطر البيئي الأكبر على الصحة البشرية وأحد أهم الأسباب التي يمكن تجنبها للوفيات والأمراض على الصعيد العالمي، كما أنه يمثل مشكلة عالمية ذات آثار بعيدة المدى بسبب انتقاله لمسافات بعيدة.

وتترتب على تلوث الهواء تكاليف مرتفعة على المجتمع بسبب آثاره الضارة على الاقتصاد وعلى إنتاجية العمل وتكاليف الرعاية الصحية والسياحة، وغيرها([42]).

وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن هناك 4,2 مليون حالة وفاة سنويًّا مرتبطة بتلوث الهواء، ومعظمها بسبب أمراض القلب والسكتات الدماغية وسرطان الرئة والتهابات الجهاز التنفسي الحادة عند الأطفال.

وفي كل عام يخسر الاقتصاد العالمي 350 مليار دولار جراء ثاني أكسيد النيتروجين، وهو ناتج ثانوي من احتراق الوقود الأحفوري في السيارات ومحطات الطاقة، و380 مليار دولار أخرى من الأضرار اللاحقة بطبقة الأوزون.

ومن بين الدول التي تحصل على أكبر ضربة اقتصادية سنويا الصين (900 مليار دولار) والولايات المتحدة (610 مليارات دولار) والهند (150 مليار دولار) وألمانيا (140 مليار دولار) واليابان (130 مليار دولار) وروسيا (68 مليار دولار) وبريطانيا (66 مليار دولار) ([43]).

3-التعاون من أجل القضاء على الفساد المالي:

فجرائم الفساد المالي تتسبب في اختلال السياسة الاقتصادية والمالية للدول؛ فتكون بذلك الحياة الاجتماعية والاقتصادية متأثرة بذلك الخلل، كما تؤدي جرائم الفساد المالي إلى تأخير تنفيذ المشاريع التي تسعى الدولة لإنجازها لفائدة المواطن، وهذا ما ينعكس سلبًا على الإنجازات التنموية العامة، بالإضافة إلى ذلك عزوف العديد من المستثمرين سواء المستثمر الخارجي أو الداخلي، وذلك بسبب غياب الأمن الاقتصادي الذي يعد الشرط الأول لأي مستثمر من أجل استثمار أمواله، فضلًا عن تأثير هذه الجرائم على مالية خزينة الدولة التي تكلفها الكثير.

وهناك بعض الجرائم الاقتصادية التي تؤثر على الاقتصاد الوطني والعالمي مثل «غسيل الأموال عبر الإنترنت» فإنها من الجرائم التي استفحل خطرها وتضاعف شرها نظرًا لارتباطها بأنشطة غير مشروعة وعمليات مشبوهة، نسجت خيوطها الإجرامية على رقبة الاقتصاد المحلي والعالمي على حد سواء، فقد أصبحت هذه الظاهرة تمثل تحديًا جديًّا ومقلقًا بالنسبة للمجتمع الدولي، وهو ما دفع المجتمع الدولي أن يطفو بها على سطح أولويات اهتماماته.

ونظرًا لتعاظم الآثار المدمرة لجرائم الفساد المالي على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في جميع الدول فقد أصبحت الحاجة ماسة إلى التعاون الدولي لمواجهة ظاهرة الفساد المالي بعد أن أصبح ينظر إليه على أنه مشكلة عالمية.

وقد تعددت الجهود الدولية المبذولة لمكافحة الفساد، والتي قامت بها منظمات دولية عديدة، نذكر منها:

1-منظمة الأمم المتحدة التي وقَّعت عام 2003م اتفاقية مكافحة الفساد، وتلزم هذه الاتفاقية الدول التي توقع عليها بتجريم ومقاضاة أعمال الرشوة والاختلاس وغسل الأموال والإثراء غير المشروع، كما تلزم الدول الأطراف بإنشاء هيئة أو هيئات تتولى منع الفساد بحيث تتمتع بالاستقلالية، وأن تتوافر لها الصلاحيات والموارد المادية والبشرية.

2-منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية: ويرجع تاريخ هذه المنظمة إلى هيئة التعاون الاقتصادي الأوروبي، والتي أنشئت عام 1947م، وتم تغيير هذا الاسم في عام 1961م بشكل رسمي إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وتهدف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى دعم حكومات الدول الأعضاء في تطوير السياسات وتحقيق التعاون الاقتصادي والتنمية وتبادل الخبرات والتجارب الناجحة في المجالات المتعلقة بأنشطة التعليم والصحة والزراعة والتجارة وغيرها.

وفي عام 1997م أبرمت هذه المنظمة الاتفاقية الدولية لمكافحة الرشوة ووقَّعت عليها جميع الدول الأعضاء في المنظمة، وعددها (29) دولة إضافة إلى (5) دول من غير الأعضاء في المنظمة، وتشكل هذه الاتفاقية قانونًا ملزمًا لتجريم تقديم الرشوة من قِبَل الشركات في الدول الموقَّعة على الاتفاقية للموظفين الرسميين في الدول الأخرى.

3-منظمة الشفافية الدولية: أنشئت عام 1993م، وهي منظمة غير حكومية لا تعمل من أجل الربح، وتعد من أكثر المنظمات الأهلية نشاطًا وفعالية في مجال مكافحة الفساد دوليًّا وقوميَّا، وهدفها محاولة إيجاد قاعدة دولية للتعاون بين الدول في مجال مكافحة الفساد المالي، وذلك من خلال فروعها المنتشرة في العديد من دول العالم([44]).

   4-التعاون من أجل القضاء على الأوبئة:

فإن انتشار الأوبئة بشكل عام ينطوي على تداعيات خطيرة ومدمرة للمجتمعات البشرية على كل المستويات، فوفقًا للبنك الدولي فإن انتشار وباء شديد الخطورة في أنحاء المعمورة قد يؤدي إلى مقتل عشرات الملايين من الناس وتعطيل الحياة الاقتصادية وزعزعة الأمن الوطني.

ومن الأوبئة الخطيرة التي اجتاحت دول العالم وباء فيروس كورونا (كوفيد-19)، والذي اكتشف لأول مرة في مدينة «ووهان» الصينية أواخر شهر ديسمبر من سنة 2019م، ونظرًا لانتشاره السريع وكذا درجة خطورته أعلنت منظمة الصحة العالمية حالة طوارئ صحية عالمية في شهر يناير من سنة 2020م.

وبعد أن كانت بؤرة المرض محصورة في مدينة «ووهان» وبعض الدول الآسيوية تحولت في أوائل مارس 2020م النقطة المحورية للعدوى من الصين إلى أوروبا وبشكل كبير كل من بريطانيا، إسبانيا، إيطاليا، ألمانيا وفرنسا، ليتحول تركيز الإصابات المؤكدة في العالم إلى الولايات المتحدة الأمريكية بحلول شهر أبريل، حيث تسارع تزايد عدد الإصابات وما نجم عنها من وفيات انطلاقًا من شهر مارس.

وبتاريخ 12 مايو 2020 تم تسجيل أكثر من 23.4 مليون حالة إصابة مؤكدة بمرض كوفيد -19 في 187 دولة وإقليم، حوالي الثلث في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، وتم الإبلاغ عن أكثر من 289000 حالة وفاة، وتعافي أكثر من 1.48 مليون شخص.

والسبب الرئيسي الذي يرجحه الكثير في اتساع رقعة الوباء والانتشار الكبير للمرض في معظم أنحاء العالم يعود بالدرجة الأولى إلى حركة وتنقل الأشخاص بين البلدان.

وقد كان لهذه الجائحة تأثير بالغ على الاقتصاد العالمي، حيث أدَّت إجراءات وتدابير مواجهة هذه الجائحة خلال الربع الأول من سنة 2020م إلى تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، فقد سبَّبت هذه الجائحة أزمة اقتصادية عالمية من خلال التراجع الحاد في كل من الطلب الكلي، الاستهلاك والإنفاق العام، سلاسل التوريد، قطاع التصنيع العالمي والخدمات، عائدات السياحة، حركة التجارة الدولية، تدفقات الاستثمارات الأجنبية، تراجع مؤشرات الأسواق

المالية العالمية وأسعار النفط.

وقد شكَّل هذا الفيروس من خلال تأثر اقتصادات البلدان على مستوياتها المحلية أزمة اقتصاد عالمية عبر قنوات التأثير المتبادل، وفي هذا السياق توجد عدة قنوات يؤثر من خلالها فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي، وهي:

-التبادل التجاري: حيث تؤثر الجائحة من خلال عرقلة الإمداد وتعطيل سلاسل التوريد إلى إعاقة الإنتاج وإضعاف كل من الطلب والعرض العالميين، ما يؤدي بدوره إلى تقلص الطلب على الطاقة.

-الترابط المالي: وقد طال تأثيره المادي والمعنوي أسواق المال العالمية التي شهدت انهيارات وأسوأ أداء منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية عام 2008م، وبهذا تعطي أسواق المال مؤشرًا سلبيًّا على شعور المستثمرين بتوجهات تأثير الفيروس على الاقتصاد العالمي.

السياحة والنقل: حيث تؤثر الجائحة على كل من الطلب والعرض العالميين من خلال خفض معدلات الرحلات بسبب غلق حدود العديد من الدول وغلق العديد من المطارات حول العالم.

أما على مستوى الاقتصاد المحلي للدول فيؤثر الفيروس من خلال ثلاث قنوات:

– إعاقة النشاط الاقتصادي: وذلك عبر إعاقة كل من الإنتاج، الخدمات، المواصلات، النقل، السياحة والتسوق، وإضعاف العرض والطلب، حيث العديد من المدن وضعت تحت حظر التجول وتحولت إلى مدن أشباح.

– تكاليف التصدي والاحتواء: من إنقاذ ودعم وإجراءات احترازية لقطاع الصحة والقطاعات الاقتصادية والاجتماعية بتكاليف باهظة.

-الثقة واليقين: فالارتباك وعدم اليقين يضعفان الثقة، ويؤدي ذلك إلى الإحجام عن الاستثمار والإنفاق والسياحة([45]).

وقد كانت هناك بعض صور التعاون والتضامن التي تحققت بين الدول وبعضها البعض، وبينها وبين منظمة الصحة العالمية، ساهمت بشكل ما في تبادل الخبرات فيما بينها في كيفية التصدي لوباء فيروس كورونا، وأفضل دليل على ذلك هو تشابه الإجراءات المطبقة في جميع دول العالم تقريبًا لمواجهة انتشار الفيروس، والاتصالات المستمرة بين دول العالم ومنظمة الصحة العالمية، كما فتحت العديد من دول العالم مجالات للتعاون والتنسيق المشترك فيما بين بعضها البعض، لا سيما مع الصين للاستفادة من تجربتها في محاصرة الوباء.

وعلى المستوى الاقتصادي أقرت المؤسسات الاقتصادية الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي خططًا لدعم الاقتصادات الوطنية في مواجهة الأزمة، كما عقد وزراء مالية مجموعة العشرين ومحافظي البنوك المركزية مؤتمرًا عن بُعد ناقشوا فيه التأثيرات على الاقتصاد واتفقوا على تنسيق العمل قبل انعقاد قمة مجموعة العشرين الافتراضية التي جاءت تجسيدًا للوعي الدولي بأهمية التعاون لمجابهة هذا الوباء.

وقد ضمت هذه القمة التي عقدت يوم 26 مارس 2020م بدعوة من السعودية وبرئاستها قادة الدول العشرين الكبرى في العالم، وقادة ورؤساء العديد من المنظمات الدولية المهمة مثل منظمة الصحة العالمية وصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي والأمم المتحدة وغيرها.

وقد توصلت القمة إلى نتائج مهمة على صعيد تنسيق الجهود الدولية لمواجهة هذه الأزمة على المستويات كافة([46]).

وبين شهري أبريل وسبتمبر 2020م فقط ارتبط البنك الدولي بتقديم 43 مليار دولار، أو 41% من حجم قدرته على الإقراض وهي 104 مليارات دولار، وفي يوم 13 أكتوبر 2020م وافق مجلس المديرين التنفيذيين على ميزانية حجمها 12 مليار دولار لتمويل شراء البلدان النامية لقاحات فيروس كورونا وتوزيعها([47]).

 

المبحث الثالث: دور القوانين والأنظمة الوطنية في دعم الاقتصاد.

المطلب الأول: أهمية تقنين المعاملات المالية.

إن وجود قوانين للمعاملات المالية أمرٌ بالغ الأهمية لضبط معاملات الناس، وذلك من عدة وجوه؛ بيانها فيما يلي:

أولًا: إن وجود قوانين لأي عقدٍ أو منتَجٍ مالي بصياغة قانونية واضحة يجعل المؤسسات المالية والأفراد يسيرون على هداه بوضوح وبخطوات راسخة للوصول إلى تحقيق الاستقرار في المعاملات دون لبس أو غموض([48]).

ثانيًا: إن الالتزام بقوانين المعاملات المالية يُوفِّر حماية للأفراد والمؤسسات المالية من تلاعب المتلاعبين([49]).

ثالثًا: إن وجود هذه القوانين يفيد المتعاملين من حيث الالتزام بتحقيق المقاصد العليا للتشريعات، وبالتالي يعلمون ما لهم وما عليهم من واجبات وأحكام.

رابعًا: إن وجود قوانين ضابطة للمعاملات المالية يعمل على دعم قدرة الاقتصاد الوطني على مواجهة الأزمات المالية غير المتوقعة والمحافظة على استقرار الاقتصاد الكلي؛ كذلك فإن تحقيق كفاءة الاقتصاد الوطني وتفعيل مساهمته في التنمية لا يرتكز على إنجاز الإصلاحات فقط؛ بل انفتاحه على المنافسة الأجنبية([50])، ووجود القوانين والالتزام بها يُعدُّ من الأهمية بمكانٍ لتحقيق الاكتفاء والتنمية من عدة وجوه؛ من أهمها أن وجود القوانين الضابطة للمعاملات المالية يؤدي إلى التطوير؛ لأن المنتجين في غياب القوانين يتخوَّفون من تبعات عدم ضبط المعاملات المالية، كما يؤدي وجود القوانين والالتزام بها إلى مزيد من تحقيق التعاون بين الأفراد والمؤسسات المالية من خلال الأعمال المشتركة؛ بل إلى توحيدها من حيث العقود والضوابط والمبادئ العامة؛ إذ لو لم توجد قوانين لما أمكن الاتفاق على الدخول في عمليات مشتركة بسبب اختلاف الحكم على العملية؛ لتباين الأسس المستند إليها([51]).

خامسًا: إنَّ من أبرز جهات الأهمية لقوانين المعاملات المالية رفعَ ما أمكن من الخلاف بين الناس، وتحقيق التقارب أو التجانس في التصورات والتطبيقات بينهم من حيث العقود والمنتجات المالية المطروحة، وهذا يجعل تطوير المنتجات أكثر كفاءة وأقل تكلفة([52]).

سادسًا: تُسهم قوانين المعاملات المالية في التنمية من جهة دعم عالمية الاستثمار والصيرفة الوطنية وانتشار المنتجات الوطنية عالميًّا وإقرارها رسميًّا من قِبل المؤسسات الدولية المختلفة؛ فإن التقنين يُعدُّ من أهم سمات البلدان التي تكتسب صفة العالمية، وهو المدخل لتحويل الاستثمارات الوطنية إلى استثمارات عالمية، وهذا ما يُشاهَد واقعًا في عقود المقاولات والمناقصات الضخمة، وعقود التوريد والاستيراد والاعتمادات المستندية والتجارة الدولية بصفة عامة([53]).

سابعًا: القوانين الضابطة للمعاملات المالية تُفيد جهات القضاء والتحكيم والفتوى في الوصول إلى الحكم العادل الواضح البيِّن عند نشوء أي خلافٍ([54]).

ومن هنا، فإنَّ الواجب على سائر الأفراد والمؤسسات المالية أن تلتزم بالقوانين الوطنية المعمول بها.

 

 

المطلب الثاني: مقاصد ومبادئ تقنين المعاملات المالية.

المبدأ الأول: عدم التقيد في التقنين بمذهب معين من المذاهب الفقهية:

وذلك لأن التقيد بمذهب معين يحرم التقنين الاستفادة من رحابة وسعة الفقه الإسلامي كما يحرمه من الاستفادة من الآراء الراجحة في المذاهب الأخرى.

وكذلك يمنع التقيد بمذهب معين الاستفادة من الآراء التي تحقق المصلحة العملية والفائدة الواقعية على ضوء متغيرات الزمان والمكان وهو ما لا يُنكر معه تغيير الأحكام.

كما أن عدم التقيد بمذهب معين أقرب إلى الصواب وأدعى إلى التيسير على الناس الذي دعت إليه نصوص الكتاب والسنة.

وكذلك فإن عدم التقيد بمذهب واحد يفيد في توحيد أحكام القضاء، وهو الأصلح لعمل الناس وللقضاء أيضًا.

وفي خصوص التقيد بمذهب معين يقول المرحوم الدكتور محمد سلام مدكور: «التقيد بمذهب أو رأي معين في المذهب جناية على الفقه الإسلامي».

المبدأ الثاني: الإحالة في التقنين:

تختلف القوانين المأخوذة من الشريعة الإسلامية في حالة ما إذا لم يوجد نص قانوني يطبقه القاضي:

أ-فبعض القوانين يحيل القاضي إلى مبادئ الشريعة الإسلامية أولًا.

فمن هذه القوانين التي تحيل القاضي إلى مبادئ الشريعة الإسلامية القانون المدني اليمني رقم 14 لسنة 2002 على أن:

«يسري هذا القانون المأخوذ من أحكام الشريعة الإسلامية على جميع المعاملات والمسائل التي تتناولها نصوصه لفظًا ومعنى، فإذا لم يوجد نص في هذا القانون يمكن تطبيقه يرجع إلى مبادئ الشريعة الإسلامية المأخوذ منها هذا القانون، فإذا لم يوجد حكم القاضي بمقتضى العرف الجائز شرعًا، فإذا لم يوجد عرف فبمقتضى مبادئ العدالة الموافقة لأصول الشريعة الإسلامية جملة، ويستأنس برأي من سبق لهم اجتهاد من علماء فقه الشريعة الإسلامية، ويشترط في العرف أن يكون ثابتًا ولا يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية والنظام العام والآداب العامة».

ثم نص في المادة (18) منه على أن المرجع في تفسير نصوص القوانين وتطبيقها هو «الفقه الإسلامي والمذكرات الإيضاحية والكتب الشارحة الصادرة من الهيئة التشريعية المختصة».

ب-وبعض القوانين يحيل القاضي إلى أحكام الفقه الإسلامي أولًا.

فتنص المادة الأولى من القانون المدني الكويتي رقم 67 لسنة 1980 المعدل بالقانون رقم 15 لسنة 1996 على أنه:

«1-تسري النصوص التشريعية على المسائل التي تتناولها هذه النصوص بمنطوقها أو بمفهومها.

2-فإن لم يوجد نص تشريعي حكم القاضي وفقًا لأحكام الفقه الإسلامي الأكثر اتفاقًا مع واقع البلاد ومصالحها فإن لم يوجد حكم بمقتضى العرف».

وتنص المادة (88) من مشروع قانون المعاملات المالية العربي الموحد على أن:

1-تطبق النصوص القانونية على جميع المسائل التي تتناولها بكل طرق دلالاتها.

2-إذا لم يوجد نص قانوني تطبق أحكام الفقه الإسلامي الأكثر ملاءمة للقانون دون التقيد بمذهب فقهي معين، فإن لم توجد تطبق مبادئ الشريعة الإسلامية ومقاصدها مع مراعاة العرف حيث يوجد بالشرائط المقررة فيه فقهًا.

ج-وبعض القوانين يحيل القاضي إلى العرف أولًا.

فتنص المادة الأولى من القانون المدني المصري رقم 131 لسنة 1948 على أن:

1-تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها أو في فحواها.

2-فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه حكم القاضي بمقتضى العرف فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية فإذا لم توجد فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة.

د-وبعض القوانين يحيل القاضي إلى الشريعة الإسلامية أولًا.

فتنص المادة الأولى من قانون المعاملات المدنية لدولة الإمارات العربية المتحدة على أن:

«تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها وفحواها. ولا مساغ للاجتهاد في مورد النص القطعي الدلالة، فإذا لم يجد القاضي نصًّا في هذا القانون حكم بمقتضى الشريعة الإسلامية على أن يراعي تخير أنسب الحلول من مذهبي الإمام مالك والإمام أحمد بن حنبل، فإذا لم يجد فمن مذهب الإمام الشافعي والإمام أبي حنيفة حسبما تقتضيه المصلحة، فإذا لم يجد حكم القاضي بمقتضى العرف على ألا يكون متعارضًا مع النظام العام أو الآداب، وإذا كان العرف خاصًّا بإمارة معينة فيسري حكمه على هذه الإمارة».

وهناك فروق بين المصطلحات الشرعية التي استخدمتها القوانين ومشروعات القوانين السابقة بالمعنى الفني الفقهي الدقيق، ولذلك يلزم أخذ هذا في الاعتبار عند تحديد مقصود واضع النص القانوني وتحديد مراده عند عدم وجود نص في القانون يطبقه القاضي، ومن ثم يجب عليه البحث عن الحكم الشرعي فيما أحاله إليه القانون نفسه والتقيد به، وبهذا يتضح نطاق البحث الذي يخوله النص للقاضي ومدى اتساع دائرته من عدمه، فلا شك أن بحث القاضي عن الحكم الواجب التطبيق في دائرة المقاصد الشرعية يعطي القاضي سلطة أوسع في التقدير والملاءمة، على خلاف التزامه بالبحث عن الحكم في إطار أحكام الفقه الإسلامي مع مراعاة ما قد يكون في النص المحيل من قيود وضوابط مثل:

-عدم التقيد بمذهب معين من المذاهب الفقهية أو العكس كالقانون المدني الإماراتي وفقًا لأحكام الفقه الإسلامي الأكثر اتفاقًا مع واقع البلاد ومصالحها وهكذا.

كما أن بحث القاضي في دائرة القواعد الفقهية والمبادئ يعطي القاضي أيضًا سلطة واسعة في التقدير والملاءمة في المسائل والفروع المعروضة عليه وتحت أي قاعدة أو مبدأ فقهي تندرج تلك الفروع، فينفتح له بذلك باب يسهل التوصل منه إلى الإحاطة بالحكم الشرعي الصحيح، وتحصل الكفاءة في تطبيق المعاملات الجارية على القواعد الفقهية على حسب احتياجات العصر كما ذكرت مجلة الأحكام العدلية.

المبدأ الثالث: منهجية التخير والترجيح:

اختلاف الزمان والمكان والأحوال يتطلب مراعاة الواقع والمصلحة فيه، وهذا يتطلب المقدرة على الترجيح والتخير حتى لا تفوت المصالح المتغيرة والأعراف المتطورة التي لا شك تستوعبها مقاصد الشريعة وقواعدها، وقد تتجافى معها بعض الآراء الفقهية بسبب الاختلافات المشار إليها.

أولًا: وجوب الترجيح عند الاختلاف:

لأن الترجيح بين المذاهب أبعد عن اتباع الهوى وأقرب إلى تحري قصد الشارع في مسائل الاجتهاد.

ثانيًا: وجوب العلم بالدليل الراجح ووجوب اتباع ما رجح واعتمد:

يقول ابن عابدين في رسالة رسم المفتي: «إن القول المرجوح بمنزلة العدم مع الراجح، فليس للقاضي الحكم به».

والواجب اتباع ما اتفقوا على ترجيحه، فمثلًا: كتاب ملتقى الأبحر للشيخ إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الحلبي: فيه الأرجح والأصح والأقوى والمختار للفتوى في مذهب الإمام أبي حنيفة.

ثالثًا: وجوب العمل بالدليل الراجح:

يقول الآمدي: «وأما أن العمل بالدليل الراجح واجب فيدل عليه ما نقل وعلم من إجماع الصحابة والسلف في الوقائع المختلفة على وجوب تقديم الراجح من الظَّنَّيْن»([55]).

رابعًا: منهجية الترجيح وطرقه:

وفي طرق الترجيح ووسائله تحدث الأصوليون – وأخصها كتاب الآمدي- سواء كان ترجيحًا بين النصوص أو بين الأقيسة.

خامسًا: التخير عند التساوي:

سادسًا: التلفيق الممنوع:

فليس القول بجواز التلفيق مطلقًا وإنما هو مقيد في دائرة معينة فمنه ما هو باطل لذاته كما إذا أدى إلى إحلال المحرمات، ومنه ما هو محظور لا لذاته بل لما يعرض له من العوارض مثلما هو في تتبع الرخص عمدًا بدون ضرورة ولا عذر، وهذا محظور شرعًا سدًّا لذرائع الفساد بالانحلال من التكاليف الشرعية.

ومجال التلفيق هو في الفروع الاجتهادية الشرعية الظنية فإن هذه الفروع الشرعية تنقسم إلى ثلاثة أنواع:

1-ما بُني في الشريعة على التيسير مع اختلافه باختلاف أحوال المكلفين والعبادات المرخصة، ويجوز فيها التلفيق للحاجة.

2-ما بُني في الشريعة على الورع والاحتياط وهو المحظورات؛ لأن الله تعالى لا ينهى عن شيء إلا لمضرته فلا يجوز فيها التسامح أو التلفيق إلا عند الضرورات الشرعية.

3-ما يكون مناطه مصلحة العباد وسعادتهم، وهو المعاملات فتدور مع المصلحة التي معيارها صيانة الأصول الكلية الخمسة، وصيانة المصلحة مقصودة شرعًا من الكتاب والسنة والإجماع.

يقول الشاطبي في (الموافقات): «الحنيفية السمحة إنما أتى فيها السماح مقيدًا بما هو جارٍ على أصولها، وليس تتبع الرخص ولا اختيار الأقوال بالتشهي بثابت من أصولها.

فتتبع الرخص ميل مع أهواء النفوس، والشرع جاء بالنهي عن اتباع الهوى، وموضع الخلاف لا يصح أن يرد إلى أهواء النفوس، وإنما يُرَدُّ إلى الشريعة، وهي تبين الراجح من القولين فيجب اتباعه لا الموافق للغرض»([56]).

المبدأ الرابع: الاعتناء بالضوابط الفقهية:

يقول ابن نجيم في الفرق بين القاعدة الفقهية والضابط الفقهي: «والفرق بين الضابط والقاعدة أن القاعدة تجمع فروعًا من أبواب شتى، والضابط يجمعها من باب واحد، هذا هو الأصل»([57]).

فالقاعدة تجمع فروعًا من أبواب شتى، والضابط يجمعها من باب واحد ويجمع أحكام مسائل الموضوع الواحد مثل قولهم في كتاب الوكالة: «كل عقد جاز للإنسان أن يباشره بنفسه جاز أن يوكل غيره فيه».

ومن أمثلة الضوابط أيضًا في باب المعاملات المالية في باب السَّلَم: «كل ما أمكن ضبط صفته ومعرفة مقداره جاز السلم فيه، وما لا يمكن ضبط صفته ولا يُعرف مقداره لا يجوز السلم فيه».

وإذا أريد للتقنين أن يكون مضبوطًا سهل المأخذ عاريًا عن الاختلافات حاويًا للأقوال المختارة سهل المطالعة على كل واحد حتى تعم الفائدة فإن هذه المرحلة يجب التهيئة والإعداد لها على نحو دائم وبشكل مستمر من انبعاث دور الضوابط الفقهية تدريسًا وتحقيقًا وانتشارًا لتكون المادة الأساسية في التقنين المنشود([58]).

المطلب الثالث: الاقتصاد والقوانين المنظمة للمعاملات المالية.

 

لا يستطيع أحد أن ينكر أهمية القانون في الحياة العامة، فهو الذي ينظم مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكذلك يضبط سلوك الأفراد في علاقاتهم وتفاعلاتهم داخل المجتمع.

فالقاعدة القانونية هي إحدى آليات الضبط الاجتماعي، بمعنى أنها مؤسسة تعمل بفعالية على هيكل المجتمع، إلا أنها لا تقوم بذلك وحدها، بل في تناسق وتناغم مع مختلف مؤسسات المجتمع.

والقاعدة القانونية تعني التشريع، سواء كانت عرفية أو مدونة، أي قواعد لها صفة الإلزام، مما يقتضي وجود سلطة تفرض الجزاء على مخالفيها؛ فعنصر الإلزام هو ما يميز القاعدة القانونية على القاعدة الأخلاقية، فمن خالف الأخيرة لا يتوجب عليه عقاب في الحال، بخلاف من خالف الأولى فينزل عليه العقاب حالًا.

من هنا فإن للقانون دورًا كبيرًا في ضبط المعاملات المالية والممارسات الاقتصادية بما له من قوة الإلزام، فعلى سبيل المثال كان للقانون دور كبير في ضبط ممارسات شركات توظيف الأموال في مصر والتي ظهرت في حقبة السبعينيات والثمانينات، والتي كان لها تأثير سلبي على الاقتصاد الوطني، كما أن للقانون دورًا كبيرًا في ضبط الأسواق وتشكيل الأسعار حسب آليات السوق (العرض والطلب)، ووضع قواعد للمنافسة العادلة ومنع الاحتكار وحماية المنتج والمستهلك.

وتنتهج مصر حاليًا سياسة الإصلاح الاقتصادي وتلجأ لتعديل التشريعات اللازمة لدعم هذا الإصلاح، فقد جرى إصلاح قانون الاستثمار وفق منهجية متطورة تستند إلى أطر حوكمة واضحة، وهذا التعديل التشريعي يعد حافزًا لطمأنة المستثمر المحلي والأجنبي على مناخ الاستثمار في مصر.

كما أنه في سبيل الإصلاح الاقتصادي تم إلغاء قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد الصادر بالقانون رقم ۸۸ لسنة ۲۰۰۳، وتم إصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي رقم 194 لسنة 2020 تماشيًا مع ما يشهده العالم خلال السنوات الماضية من متغيرات اقتصادية وتحولات نحو تقنية الرقمنة ومتطلبات تحقيق الشمول المالي وآليات الحوكمة ليدعم مسيرة التطور المصرفي والسياسة النقدية خلال الفترة القادمة، ويساهم في مواكبة كافة التطورات المتعلقة بالممارسات المصرفية العالمية والأعراف الدولية.

ويسهم قانون البنك المركزي الجديد في دعم الاقتصاد الوطني وتعزيز التنمية الاقتصادية في ضوء سياسة الإصلاح الاقتصادي التي تتبناها الدولة، إلى جانب رفع مستوى أداء الجهاز المصرفي وتحديثه وتطويره ودعم قدراته التنافسية بما يؤهله للمنافسة العالمية، وتحقيق تطلعات الدولة نحو التنمية والتقدم الاقتصادي.

لقد كان الاقتصاد المصري في حاجة إلى قاعدة تشريعية لمساندة البنك المركزي المصري في اتخاذ القرار والحفاظ على مكتسبات برنامج الإصلاح الاقتصادي والعمل على تحقيق التنمية الاقتصادية، علاوة على مساعدة البنوك في دعم عملية التنمية الاقتصادية وتحفيز عملية الإقراض خاصة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر التي تولد فرص عمل وتواجه البطالة.

لذلك ينبغي على واضعي القوانين مواكبة التطور الحاصل في المجتمع وأن تستهدف هذه القوانين دعم الاقتصاد الوطني لتحقيق التنمية الاقتصادية والرفاه لأفراد المجتمع.

 

([1]) انظر: لسان العرب لابن منظور (3/ 353، 354).

([2]) علم الاقتصاد لطلبة العلوم الاقتصادية، الدكتور الطاهر قانة (ص18)، دار الخليج للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 2020م.

([3]) بناء المجتمع الإسلامي، للدكتور نبيل السمالوطي (185)، دار الشروق للنشر والتوزيع، الطبعة الثالثة 1418هـ-1998م.

([4]) لسان العرب (13/451).

([5]) تاج العروس للزبيدي (36/261).

([6]) المعجم الوسيط (2/1042).

([7]) الكليات للكفوي (ص940)، مؤسسة الرسالة-بيروت.

([8]) معجم المصطلحات السياسية والدولية، للدكتور أحمد زكي بدوي (ص93)، دار الكتاب المصري-القاهرة، دار الكتاب اللبناني-بيروت.

([9]) انظر: الاقتصاد المعرفي ودوره في التنمية الاقتصادية «جمهورية مصر العربية نموذجًا»، للدكتور كريم سالم الغالبي، محمد نعمة الزبيدي، بحث بمجلة العلوم الاقتصادية، المجلد السادس، العدد (24) مايو 2009م، (ص53).

([10]) انظر: الاقتصاد المعرفي ودوره في التنمية الاقتصادية «جمهورية مصر العربية نموذجًا» (ص55-57).

([11]) انظر: الاقتصاد المعرفي ودوره في التنمية الاقتصادية «جمهورية مصر العربية نموذجًا» (ص61-63).

([12]) انظر: ألوان الاقتصاد العشرة للدكتور إسلام جمال الدين شوقي (ص105)، المجموعة العربية للتدريب والنشر-القاهرة، الطبعة الأولى 2020م.

([13]) انظر: ألوان الاقتصاد العشرة (ص106).

([14]) انظر: ألوان الاقتصاد العشرة (ص108).

([15]) البيوجاز هو الغاز الحيوي، ويعد من مصادر الطاقة النظيفة التي تنتج عن عملية التخمر أو ما يُعرف بـ«التغويز اللاهوائي» للمخلفات الزراعية والحيوانية، وبإمكان الغاز الحيوي أن يُضغط ويُستخدم في تزويد المركبات الميكانيكية بالطاقة، ومن هذا الغاز الحيوي يمكن الحصول على سماد عضوي لتسميد الأرض وإنتاج علف يصلح لتغذية الحيوانات وغيرها من التطبيقات.

([16]) الوقود الأحفوري (Fossil Fuel): هو وقود يُستخدم لإنتاج الطاقة الأحفورية، ويعود مصدره إلى بقايا الكائنات الحية من النباتات والحيوانات المطمورة تحت طبقات القشرة الأرضية، والتي تعرضت بمرور الزمن لدرجة حرارة وضغط مرتفعين جدًّا، الأمر الذي أدى إلى تركيز مادة الكربون فيها وتحويلها إلى وقود أحفوري، ويستخرج الوقود الأحفوري من المواد الأحفورية كالفحم الحجري، والغاز الطبيعي، والنفط.

([17]) انظر: ألوان الاقتصاد العشرة (ص108، 109).

([18]) انظر: موقع الهيئة العامة للاستعلامات. الرابط: https://www.sis.gov.eg.

([19]) متفق عليه: أخرجه البخاري، رقم (2221)، ومسلم، (363)، واللفظ للبخاري.

([20]) أخرجه مسلم، رقم (363).

([21]) أخرجه مسلم، رقم (2182).

([22]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية، الفتوى رقم (16521)، بتاريخ: 12 ديسمبر 2019م.

([23]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية، الفتوى رقم (14707)، بتاريخ: 2 نوفمبر 2007م.

([24]) انظر: دور المشروعات الصغيرة والمتوسطة في تحقيق مستهدفات التنمية الاقتصادية في مصر للدكتور أحمد إبراهيم محمد متولي دهشان بحث بمجلة البحوث القانونية والاقتصادية (المنصورة)، العدد (76)، يونيو 2021م. (ص85-87).

([25]) انظر: المشروعات الصغيرة والمتوسطة: أهميتها ومعوقاتها للدكتور محمود البنداري، بحث بمجلة كلية الآداب جامعة بنها، العدد (48)، أكتوبر 2017م (ص303، 304).

([26]) انظر: المصدر السابق (ص305، 306).

([27]) انظر: دور المشروعات الصغيرة والمتوسطة في تحقيق مستهدفات التنمية الاقتصادية في مصر (ص120-136).

([28]) انظر: موقع مركز رع للدراسات الاستراتيجية، تقرير للدكتورة جيهان عبد السلام، بعنوان: كيف دعمت الحكومة المصرية المشروعات الصغيرة والمتوسطة؟.

([29]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية، الفتوى رقم (16293)، بتاريخ: 8 نوفمبر 2017م.

([30]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية، رقم الفتوى: (17431)، بتاريخ: 27 يوليه 2022م.

([31]) انظر: “تفسير الفخر الرازي” (6/43).

([32]) انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (30/182، وما بعدها).

([33]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية، رقم الفتوى: (215)، بتاريخ: 27 أكتوبر 2014م.

([34]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية، رقم الفتوى: (15211)، بتاريخ: 12 سبتمبر 2019م.

([35]) انظر: العولمة الاقتصادية وتأثيراتها على الدول العربية، للدكتور أحمد عبد العزيز، والدكتور جاسم زكريا، بحث بمجلة الإدارة والاقتصاد، العدد (86) سنة 2011م، (ص63-67).

([36]) حتمية الاندماج في الاقتصاد العالمي: هل من استراتيجية بديلة، للدكتور محمد فرحي، بحث بمجلة الإصلاحات الاقتصادية والاندماج في الاقتصاد العالمي، الصادرة عن المدرسة العليا للتجارة، مخبر الإصلاحات الاقتصادية-الجزائر، المجلد (1)، العدد (2)، 2007م، (ص4، 5).

([37]) حتمية الاندماج في الاقتصاد العالمي: هل من استراتيجية بديلة (ص6).

([38]) المقصود بـ(pp) النقطة المئوية (Percentage point)‏، وهي وحدة الفرق الحسابي بين اثنين من النسب المئوية؛ فمثلًا الانتقال من 40٪ إلى 44٪ هو زيادة بمقدار 4 نقاط مئوية، ولكنه زيادة بنسبة 10٪ للشيء الذي يتم احتسابه.

([39]) استشراف التوجهات الحديثة للاقتصاد العالمي، للدكتور بوعقل مصطفى، بحث بمجلة الامتياز لبحوث الاقتصاد والإدارة الصادرة عن جامعـة عمار ثليجي بالأغواط بالجزائر، المجلد (2)، العدد (2)، ديسمبر 2018 (ص230-239).

([40]) التعاون الإقليمي والدولي، للدكتور أحمد جاب الله، بحث بمجلة أمة الإسلام العلمية، الصادرة عن شركة دار كاهل للدراسات والطباعة والنشر بالخرطوم، العدد (3) أكتوبر 2009م (ص160، 161).

([41]) انظر: الحماية الدولية للبيئة من خلال تطور قواعد القانون الدولي للبيئة، للدكتور جمال عبد الكريم، بحث بمجلة البحوث السياسية والإدارية الصادرة عن جامعة الجلفة بالجزائر، العدد العاشر، ديسمبر 2016م (ص238، 239).

([42]) انظر: موقع الأمم المتحدة. الرابط: https://www.un.org/ar/observances/clean-air-day

([43]) انظر: موقع يورونيوز. الرابط:

https://arabic.euronews.com/2020/02/13/air-pollution-costs-the-economy-2-9-trillion-dollar-a-year

([44]) انظر: الضوابط الشرعية لمكافحة الفساد المالي، للدكتورة هيفاء بنت أحمد باخشوين، بحث محكم بمجلة العدل الصادرة عن وزارة العدل بالمملكة العربية السعودية، العدد (72)، محرم 1437هـ (ص176-180).

([45]) دراسة تحليلية وفق نظرة شاملة لأهم آثار جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي، للدكتور غبولي أحمد، الدكتور توايتية الطاهر، بحث بمجلة العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير، الصادرة عن كلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير بجامعة سطيف بالجزائر، المجلد (20) العدد الخاص حول الآثار الاقتصادية لجائحة كورونا، سبتمبر 2020م (ص131-135).

([46]) انظر: عالم ما بعد «كوفيد-19» حدود التغيير المحتمل في النظام العالمي، للدكتور فتوح هيكل (ص51، 52)، تريندز للبحوث والاستشارات، 2020م.

([47]) انظر: موقع البنك الدولي. الرابط: https://www.albankaldawli.org

([48]) ينظر: مدى ملاءمة عمليات التمويل والاستثمار في المصارف الإسلامية لمحمد أحمد جابر جودة (ص79).

([49]) ينظر: أثر المعايير الشرعية في كفاءة التدقيق الشرعي لنادر السنوسي العمراني (ص158).

([50]) ينظر: أهمية تطبيق المصارف الإسلامية للمعايير الشرعية في الحد من الأزمات المصرفية، عمرو هشام العمري، بحث مقدم بالمؤتمر العلمي الحادي عشر لكلية الشريعة بجامعة جرش بعنوان “الأزمات الاقتصادية المعاصرة: أسبابها وتداعياتها وعلاجها”، الأردن، 2010م، (ص392).

([51]) ينظر: المجموعة الفقهية المصرفية لعبدالستار أبو غدة (13/ 20)، ومدى ملاءمة عمليات التمويل والاستثمار في المصارف الإسلامية لمحمد أحمد جابر جودة (ص80)، والتعريف بالمعايير الشرعية والمحاسبية لمجدي عبداللطيف (ص15).

([52]) ينظر: المجموعة الفقهية المصرفية لعبدالستار أبو غدة (13/ 20)، وأثر المعايير الشرعية في كفاءة التدقيق الشرعي لنادر السنوسي العمراني (ص158)، والتعريف بالمعايير الشرعية والمحاسبية لمجدي عبداللطيف (ص16).

([53]) ينظر: هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ودورها في ضبط البيوع التمويلية لبهجت عويد حمدان (ص32).

([54]) ينظر: مدى ملاءمة عمليات التمويل والاستثمار في المصارف الإسلامية لمحمد أحمد جابر جودة (ص80).

([55]) الإحكام في أصول الأحكام للآمدي (4/239)، المكتب الإسلامي، بيروت، دمشق.

([56]) الموافقات للشاطبي (5/99).

([57]) الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص137)، دار الكتب العلمية-بيروت.

([58]) ضرورة تقنين فقه المعاملات المالية المعاصرة، للدكتور عبد الحميد محمود البعلي، بحث بمجلة المسلم المعاصر الصادرة عن جمعية المسلم المعاصر، المجلد (35)، العدد (139) مارس 2011م (ص200-227).

اترك تعليقاً