البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

الباب الثالث: الفتوى والاقتصاد الوطني

الفصل الثاني: دور الفتوى في دعم الاقتصاد الوطني

80 views

المبحث الأول: دور الفتوى في دعم قوانين وأنظمة المعاملات المالية.

تمهيد: موقع المعاملات المالية بين القوانين والتشريعات:

المعاملات المالية متضمَّنَة في القانون المدني والقانون التجاري؛ فالمعاملات المالية قد تكون مدنية وقد تكون تجارية؛ لذا فإن المعاملات المالية أوسع من القانون المدني ومن القانون التجاري([1]).

وفيما يلي نتناول بإيجاز مفهوم القانون المدني والقانون التجاري والعلاقة بينهما:

فالقواعد القانونية تنقسم إلى فرعين رئيسين هما: القانون العام والقانون الخاص، وينتمي القانون التجاري للقانون الخاص بحكم تبعيته للقانون المدني، فهو يشتمل على القواعد القانونية الواجبة التطبيق على التجارة والتجار، ومن ثَمَّ فهو أضيق نطاقًا من القانون المدني الذي يحكم العلاقات القانونية التي تتم بين الأشخاص بصرف النظر عن صفاتهم وعن طبيعة تلك العلاقات([2]).

القانون المدني وموضوعاته:

القانون المدني: هو مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم العلاقات المالية فيما بين الأشخاص أنفسهم، أو بينهم وبين الدولة بوصفها شخصًا عاديًّا.

وعلى ذلك يعتبر القانون المدني هو أصل القانون الخاص؛ لكونه ينظم جميع مقتضيات الحياة الاجتماعية والاقتصادية ذات الصلة بنشاط الأفراد، إلا أن تطور الحياة جعل عدة قوانين تنبثق عنه، ولذلك يُعد القانون المدني التشريع العام والأصيل الذي يُرجع إليه في حال غياب النص الخاص في أي فرع من فروع القانون الخاص.

وتنظم قواعد القانون المدني العلاقات المالية المتعلقة بالأشخاص، على النحو التالي:

أولًا: العقود: ينظم القانون المدني كيفية إبرام العقود بمختلف أنواعها من بيع وإجارة وهبة وإعارة وغيرها، بالإضافة إلى ماهيتها وأركانها والشروط اللازمة لانعقادها.

ثانيًا: طرق اكتساب الحقوق: فالقانون المدني يضطلع ببيان كافة الطرق والشروط اللازمة لاكتساب الحق كحق كسب الملكية بالحيازة أو الشفعة أو بالارتفاق أو بالتقادم، فمثلًا لاكتساب الحق بالحيازة نجد القانون المدني يبين تعريف الحيازة وأركانها وشروطها التي تتمثل في تحديد المدة التي تمارس فيها الحيازة بواسطة الحائز وخلو الحيازة من العيوب.

ثالثًا: طرق انتقال الحقوق: يبين القانون المدني آلية انتقال الحقوق من الملك الشرعي للحق إلى الغير، أو بإدخال شخص ثالث في العلاقة الدائنية ليحل محل الدائن كالكفيل.

رابعًا: طرق انقضاء الحقوق: فالقانون المدني هو الذي يحدد طرق انقضاء الحق؛ فالحق ينقضي إما بالوفاء أو الإقالة أو التقادم أو الاستحالة أو الإبراء([3]).    

القانون التجاري وموضوعاته:

القانون التجاري: هو مجموعة من القواعد القانونية التي تحكم طائفة معينة من الأعمال هي الأعمال التجارية، وفئة معينة من الأشخاص هم التجار.

وموضوعات القانون التجاري هي ما يأتي:

1-يحدد القانون التجاري الشروط الواجب توافرها في الشخص حتى يكتسب وصف التاجر.

2-يحدد القانون التجاري الأعمال التجارية والأحكام الخاصة بها، سواء أكانت برية أو بحرية أو جوية، لا سيما تحديد طرق الإثبات في المسائل التجارية.

3-بيان العقود التجارية كعقود الوكالة بالعمولة وعقد الرهن التجاري وعقد السمسرة وعقد القرض التجاري والعمليات المصرفية بمختلف أشكالها.

4-بيان الأوراق التجارية بمختلف أنواعها كالشيك والسفتجة والكمبيالة (سند لأمر) والأسهم وغيرها.

5-ينظم القانون التجاري الشركات التجارية بأنواعها المختلفة كشركات الأشخاص مثل التضامن والتوصية البسيطة، وشركات الأموال مثل المساهمة العامة وذات المسئولية المحدودة، ويتناول هذا القانون تنظيم هذه الشركات وأحكام تكوينها ونشاطها وانقضائها.

6-ينظم هذا القانون حالات إفلاس التاجر عند توقفه عن سداد ديونه، كذلك يُعَيِّن شروط الحكم بالإفلاس وإجراءاته، وما يترتب على التاجر المدين من آثار قانونية.

7-ينظم القانون التجاري موضوعات أخرى كبراءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية والأسماء والعلامات التجارية وغيرها، وإن كانت أغلب هذه الموضوعات قد استقلت عن القانون التجاري([4]).

أسباب استقلال القانون التجاري عن القانون المدني:

ذكرنا أن القانون التجاري ينتمي للقانون الخاص بحكم تبعيته للقانون المدني، والسؤال الذي يثار هنا لماذا أُفْرِدَت الأعمال التجارية بقانون خاص ولم تخضع للقانون المدني؟

والحقيقة أن استقلال القانون التجاري عن القانون المدني يرجع إلى الطبيعة الخاصة التي يتسم بها القانون التجاري مما يجعله لا يتواءم مع بعض القيود التي يفرضها القانون المدني، ونوضح ذلك فيما يلي:

1-أن الأعمال التجارية تقتضي السرعة في التعامل أكثر من الأعمال المدنية البسيطة؛ وذلك لكون المعاملات التجارية كثيرة التقلب والتداول وتتطلب إجراءات مبسطة تتسم بالسرعة، خلافًا لتلك الإجراءات والقيود التي يتطلبها القانون المدني؛ فالإثبات في القانون التجاري مثلًا يكون بكافة طرق الإثبات، خلافًا للقانون المدني الذي يتطلب الكتابة لإثبات التصرفات القانونية.

2-تقتضي المعاملات التجارية الثقة والائتمان، ويعد ذلك من أهم عوامل ازدهار النشاط التجاري، فمثلًا يعتد بالدفاتر التجارية في إثبات حقوق التاجر وتقدير الضرائب المستحقة عليه بالرغم من أن التاجر هو نفسه من يحررها بيده.

3-ظهور نظم جديدة في المعاملات التجارية لم تكن معروفة من قبل كالبنوك والبورصات والأوراق التجارية الإلكترونية، مما اقتضى ضرورة وجود قواعد قانونية خاصة بها.

وبالرغم من استقلال القانون التجاري عن القانون المدني إلا أنه ثمة صلة بين القانونين؛ إذ بقي القانون المدني هو الأصل والقانون التجاري هو المتفرع عن هذا الأصل؛ فلو وجدت علاقة تجارية ولم ينظم أحكامها القانون التجاري كان الحل هو الاحتكام إلى القانون المدني([5]).

استمداد القوانين والتشريعات في البلاد العربية من الشريعة الإسلامية:

تُعد الشريعة الإسلامية الأساس الذي بُنيت عليه القوانين والتشريعات في الدول العربية والإسلامية؛ فعندما صدر الدستور المصري لعام 1971م كانت المادة (2) منه تنص على أن «الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع» ثم عُدِّل النص في عام 1978م ليكون «..ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع». واستقى القانون المدني المصري رقم (131) لسنة 1948 نصوصه وأحكامه من منابع ثلاثة هي القانون المدني المصري القديم والفقه الإسلامي والقوانين الغربية الحديثة، واحتفظ هذا القانون بالأحكام المستمدة من الفقه الإسلامي، والتي كان القانون القديم ينص عليها، واستحدث أحكامًا استمدها من الفقه الإسلامي، وجعل الفقه الإسلامي مصدرًا من مصادره الرسمية.

واستقى القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951 أحكامه من منابع ثلاثة هي: مجلة الأحكام العدلية، والقوانين المدنية العراقية الأخرى التي كانت موجودة من قبل، والقانون المدني المصري.

ويُعد القانون المدني العراقي أول قانون مدني حديث يتلاقى فيه الفقه الإسلامي والقوانين الغربية الحديثة جنبًا إلى جنب بقدرٍ متساوٍ في الكم والكيف، وبذلك تم جمع الفقه الإسلامي والقوانين الغربية على صعيد واحد.

فالكثير من أحكام القانون المدني العراقي قد خرجت على الفقه الإسلامي دون تقيد بمذهب معين ولم يألُ المشرع جهدًا في التنسيق بين الأحكام التي استقاها من مصدريه الأساسيين، الشريعة الإسلامية والقوانين الغربية فاندمجت جميعًا في ضرب من الوحدة يكاد يخفى معه ازدواج المصدر وتباينها، وتظل للفقه الإسلامي مكانته وتظل الأسباب موصولة بين الماضي والحاضر والمستقبل.

وفي الأردن صدر القانون المدني رقم (43) لسنة 1976، واعتمد في إعداده على المصادر الآتية:

أ-مجلة الأحكام العدلية والفقه الإسلامي بجميع مذاهبه.

ب-التشريعات والقوانين الأردنية المعمول بها.

ج-مشروع القانون المدني الذي أُعد سابقًا وعُرض على مجلس الأعيان الذي رفضه وطالب بوضع قانون مدني مستمد من أحكام الشريعة الإسلامية لا التشريعات الأجنبية.

د-كافة التشريعات والقوانين المعاصرة والمستمدة من الفقه الإسلامي، وروعي في هذا القانون أن يكون الفقه الإسلامي هو المصدر الأساس للتقنين، وهو الذي نهل العلماء من نبعه، وبلغ أسمى ما وصلت إليه النظم الفقهية من دقة وإحكام، ويضم القانون (1449 مادة).

والقانون المدني الكويتي رقم (67) لسنة 1981 مستمد من الفقه الإسلامي، وأخذ بالكثير من أحكام المجلة والقانون المدني الأردني، وجاءت أحكامه متوافقة تمامًا مع أحكام الفقه الإسلامي على اختلاف مذاهبه، وضم (1082) مادة.

وفي السودان صدر قانون المعاملات المدنية عام 1983م مأخوذًا من القانون المدني الأردني.

وفي دولة الإمارات العربية المتحدة: صدر قانون المعاملات المدنية رقم (5) لسنة 1985 المعدل بالقانون رقم (1) لسنة 1987، وهو مستمد من الفقه الإسلامي واستعانت لجنة إعداده بالقانون المدني الأردني وبمشروعات التقنينات التي أعدها مجمع البحوث الإسلامية في مصر، وبمحاولات جامعة الدول العربية في إصدار قانون مدني موحد يطبق في البلاد العربية، وسارت اللجنة في إعداد مشروع القانون على اتِّباع أنسب الحلول من مذهبي الإمامين مالك وأحمد بن حنبل، أو المذاهب الأخرى حسبما تقتضي المصلحة العامة، ومراعاة لما جرى العرف في البلاد مما له أصل في الشريعة الإسلامية، واحتوى القانون على (1528) مادة([6]).

ومن الإنصاف أن نعترف بأن للتشريع الإسلامي وللفقه المالكي على وجه الخصوص أثرًا كبيرًا في القانون المدني الفرنسي، والذي يعد أصل القوانين التشريعية الوضعية.

فقد ذهب كثير من الباحثين إلى أن القانون الفرنسي ومذهب الإمام مالك متفقان في تسعين في المائة من الأحكام، وقد أثبت الباحثون عن طريق المقابلة العقلية بين الفقهين التوافق الغالب فيهما، واستمداد القانون الفرنسي من المذهب المالكي في تسعة أعشاره راجع إلى أن مذهب مالك هو الذي كان معمولًا به وقت الفتح العربي في أسبانيا وفرنسا، ولأنه المذهب الذي كان مدونًا معروفًا في وقت لم يكن في فرنسا غير أعراف مختلفة لا يسن من القانون الروماني إلا القليل في بعض تعاليمها([7]).

ويرجع الأخذ من مذهب الإمام مالك لسنة 200 هـ يوم كان هذا المذهب يسود الحكم والقضاء في الأندلس، بعد أن أدخله فيها زياد بن عبد الرحمن القرطبي الملقب بـ«شبطون»، وكان لهذا الفقه فضل كبير في تطوير التشريعات الأوروبية حينما تسربت إليها قواعده من الأندلس عن طريق الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة اللاتينية([8]).

الأسباب الداعية لدعم الفتوى للقوانين والأنظمة:

هناك بعض الأسباب التي تدعو المتصدرين للفتوى إلى دعم القوانين والتشريعات التي تسنها الجهات الرسمية في الدولة، باعتبار أن المسئولين عن هذه الجهات هم ولاة الأمر، ويمكن بيان هذه الأسباب بإيجاز فيما يأتي:

1-أن التقنين موافق للكتاب والسنة، فقد قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]، ويقول صلى الله عليه وسلم: «السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة»([9]).

فإذا أمر أولياء الأمور بما فيه طاعة وليس معصية وجبت طاعته والانقياد له، والتقنين هو تدوين الأحكام الفقهية والقانونية على وفق القرآن والسنة فليس فيه معصية لا ظاهرًا ولا باطنًا، ولا يتعارض مع المبادئ الشرعية.

وعلى ذلك فإذا قرر أولو الأمر تقنين الأحكام وتدوينها إما باستخراج الأحكام الجديدة أو الترجيح من بين آراء الفقهاء القديمة فإنه يجب طاعته والانقياد له، يقول علي حيدر في شرح المادة (1801) من مجلة الأحكام العدلية: «إذا أمر السلطان قضاة الشرع بالعمل بالمذاهب الأخرى في بعض المسائل فيصح الأمر وتجب الطاعة له؛ لأنه أمر بما ليس بمعصية ولا مخالف للشرع بيقين، وطاعة أولي الأمر في مثله واجبة»([10]).

وعليه فليس للمفتي أن يرد حكم الحاكم ويوجه المستفتي بخلافه ما دام هذا الحكم داخل نطاق الشريعة الإسلامية بمذاهبها المختلفة.

قال الإمام القرافي: «اعلم أن حكم الحاكم في مسائل الاجتهاد يرفع الخلاف ويرجع المخالف عن مذهبه لمذهب الحاكم وتتغير فتياه بعد الحكم عما كانت عليه على القول الصحيح من مذاهب العلماء؛ فمن لا يرى وقف المشاع إذا حكم حاكم بصحة وقفه ثم رفعت الواقعة لمن كان يفتي ببطلانه نفذه وأمضاه ولا يحل له بعد ذلك أن يفتي ببطلانه، وكذلك إذا قال: إن تزوجتك فأنت طالق فتزوجها وحكم حاكم بصحة هذا النكاح فالذي كان يرى لزوم الطلاق له ينفذ هذا النكاح، ولا يحل له بعد ذلك أن يفتي بالطلاق، هذا هو مذهب الجمهور وهو مذهب مالك»([11]).

2-أن التشريعات والقوانين في البلاد العربية والإسلامية في مجملها متوافقة مع الشريعة الإسلامية؛ فإن أغلب دساتير البلاد العربية الإسلامية تحوي نصًّا على اعتبار مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع، الأمر الذي يترتب عليه أن أي تشريع يصدر عن المشرع أيًّا كان موضوعه يجب ألا يتعارض مع أيٍّ من مبادئ الشريعة الإسلامية وإلا اعتبر تشريعًا غير دستوري لا يترتب عليه أي أثر منذ صدوره، وتختص بنظر الطعن فيه المحكمة الدستورية القائمة في بعض البلاد العربية.

وقد أصبح مستقرًّا الآن في مصر أن النص الدستوري القاضي بأن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع يخاطب المشرع ولا يخاطب القاضي، ومن ثَمَّ أصبح لزامًا على المشرع منذ النص على هذا المبدأ الدستوري أن يتحرى عند سَنِّه لأي تشريع مهما كان موضوعه أنه لا يجافي من قريب أو بعيد مبادئ الشريعة الإسلامية؛ حتى لا يأتي تشريعه تشريعًا غير دستوري يكون مصيره الإلغاء من قِبَل المحكمة الدستورية إذا ما طُعِن فيه([12]).

3-أن التقنين يستهدف الوفاء بحاجات الناس ومقتضيات المصلحة في كل عصر والتي تتغير حسب الظروف والأحوال، فيجب أن يكون دور صائغي القانون دور المجدد، والذي يصطفي ويختار من أحكام الفقه الإسلامي ما هو الأصلح والأولى بالتطبيق، فقد نجحت التقنينات في البلاد الإسلامية والعربية نجاحًا ملموسًا، وكان استقاؤها من أحكام الفقه الإسلامي دليلًا واضحًا على صلاحية الشريعة الإسلامية للتطبيق في كل زمان ومكان([13]).

يقول الشيخ مصطفى الزرقا: «وما يضيق عنه المذهب الواحد ونظرياته، ففي مذهبٍ آخرَ سعةٌ منه وعلاجٌ، ويرى بعض المفكرين من علماء العصر أنَّ مجموعة المذاهب الاجتهادية يجب أن تعتبر كمذهبٍ واحدٍ كبيرٍ في الشريعة الإسلامية، وكل مذهب فردي منها كالمذهب الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي وغيرها يعتبر في هذا المذهب العام كالآراء والأقوال المختلفة في المذهب الفردي الواحد، فيرجح علماء الشريعة ويختارون منه للتقنين في ميدان القضاء والفتيا ما هو أوفى بالحاجة الزمنية ومقتضيات المصلحة في كل عصرٍ»([14]).

4-أن التقنين من شأنه ألا يجعل أحكام القضاة تختلف في المملكة الواحدة أو الدولة الواحدة؛ فأمور الناس لا تستقيم إلا بتوحيد القضاء، ولو تُرِك القضاة وما يرون أو يعتقدون لتفاوت القضاء من قاضٍ إلى آخر، أو من إقليم إلى إقليم داخل الدولة الواحدة، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى الفوضى، ولا يحقق العدالة المبتغاة، وهذه مصلحة كبرى. وهي من قبيل السياسة الشرعية، وبيان ذلك أن هناك مسائل فيها أقوال متعددة كالطلاق الثلاث بلفظ واحد، فمن القضاة من يحكم بأنه وقع به ثلاث طلقات، ومنهم من يحكم بأنه لم يقع إلا طلقة واحدة، فكيف يرفع المدعي الدعوى إلى قاضٍ لا يعرف رأيه في المسألة ولا يدري أي القولين يتبعه ويحكم به، فمن الخير والمصلحة أمر الحاكم بالعمل بأحد القولين بعد صياغة الأحكام صياغة قانونية([15]).

الجهود الإفتائية في دعم قوانين وأنظمة المعاملات المالية:

هناك نماذج كثيرة من الفتاوى الصادرة عن دور وهيئات الفتوى المختلفة، يبدو فيها بجلاء دعم المتصدرين للفتوى للقوانين والتشريعات والأنظمة الخاصة بالمعاملات المالية بأشكالها المختلفة، وقد ذُكر في ثنايا كثير من هذه الفتاوى صراحةً نصوص القانون، وفيما يلي نذكر بعض هذه الجهود الإفتائية في هذا الصدد:

الفتوى والأمر بالامتثال للقوانين وطاعة ولي الأمر:

وردت الكثير من الفتاوى الصادرة عن هيئات الإفتاء الرسمية التي تحث على الالتزام بالقوانين التي يسنها ولي الأمر، وعدم الخروج عنها، باعتبار أن الشارع أمر بطاعة أولي الأمر، ونجد ذلك في النماذج الإفتائية التالية:

فقد سئلت لجنة الإفتاء في وزارة الأوقاف الكويتية:

تقوم إدارة الجمارك بعمل مزاد علني على بعض البضائع التي وصلت إلى البلاد، وبقيت مدة طويلة، ولم يأت أصحابها، وإما أن تكون مُصادَرَة من أصحابها بسبب مخالفتهم للوائح والنظم، أو غيرها من الأسباب، علمًا بأن هذه الأموال بعد المزاد تذهب إلى وزارة المالية.

والسؤال هو: ما حكم الشراء من هذا المزاد؟ فأجابت اللجنة بما يلي:

ما دامت هذه البضائع تباع على ذمَّة أصحابها وفقًا لأحكام القانون، واللوائح الصادرة من ولي الأمر في هذا الشأن، وأن ثمنها سيدفع إلى أصحابها، فلا مانع شرعًا من شرائها([16]).

وفي فتوى أخرى لهذه اللجنة نجد الأمر الصريح بطاعة ولي الأمر والامتثال لأحكام القانون، فقد سئلت اللجنة: هل يجوز لمن أُعطي قرضًا لشراء أو بناء منزل أن يقوم بتأجيره أو تأجير بعضه، علمًا بأن قانون الإسكان يمنع هذا؟

أجابت اللجنة بما يلي: طاعة ولي الأمر في الأمور المباحة واجبة شرعاً؛ لقوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} [النساء: 59].

وعليه؛ فلا يجوز لمن أُعطي قرضًا من الدولة لشراء أو بناء منزل أن يؤجر الدار التي بناها أو اشتراها بالقرض المشار إليه بما يخالف الشروط الواردة في قانون الإسكان([17]).

والأمر نفسه جاء في فتوى أخرى للجنة الإفتاء الكويتية حيث سئلت:

ينص أحد الأحكام في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية على أن الاشتراكات واجبة السداد في أول الشهر التالي للشهر المستحق عنه، وفي حالة التخلف عن الأداء يلتزم صاحب العمل بأداء مبلغ إضافي بواقع (10%) شهريًّا من المبالغ التي تأخر في سدادها، وذلك عن المدة من تاريخ وجوب الأداء حتى تاريخ السداد. كما تنص مادة أخرى على أن صاحب العمل يلتزم بأداء مبلغ إضافي بواقع (10%) من الاشتراكات التي لم يؤدها، إذا لم يتم تسجيل المؤمن عليه، وكذلك (500) دينار كويتي عن كل يوم يتأخر فيه عن إخطار المؤسسة بالبيانات والاستمارات عن الموعد المحدد.

فالرجاء عرض هذه المواد من أحكام المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية؛ لمعرفة مدى مطابقتها لأحكام الشريعة الإسلامية.

فأجابت اللجنة بما يلي:

قانون التأمينات الاجتماعية قانون واجب التطبيق، وقد وضع عقوبة تغريمية عن الحالات المعروضة والواردة بالسؤال، ولا مانع شرعًا من أن تضع الدولة عقوبة تقريرية حالية على من يخالف قوانينها، تحددها وفقًا لما يحقق المصلحة العامة، ويحقق أغراضها([18]).

وفي فتوى أخرى للجنة نفسها نجد الحث على طاعة ولي الأمر في غير معصية، حيث سئلت اللجنة: يرجى التكرم بإفادتي عن الحكم الشرعي للمسألة التالية:

إن قانون الجمعيات التعاونية في الكويت لا يسمح بمساهمة أي مواطن في الجمعية إلا إذا أثبت أنه ساكن في نفس المنطقة، لذا يلجأ بعض المواطنين أو المقيمين بالاستعانة بمعارفهم أو أقاربهم في أي منطقة من المناطق للحصول على صندوق مساهمة للاستفادة من عوائد المشتريات، مع العلم بأنهم لا يحق لهم الحصول على هذه المساهمة؛ لأنهم غير ساكنين في هذه المنطقة.

لذا يرجى التكرم بإفادتنا بالحكم الشرعي على المساهم أو المستفيد؟

فأجابت اللجنة بما يلي:

ما دام قانون ونظام الجمعيات التعاونية من قبل ولي الأمر يمنع هذا التصرف، فلا يجوز الاحتيال عليه بالطريق المسؤول عنه؛ لأن طاعة ولي الأمر فيما ليس فيه معصية واجبة، ولا يجوز الخروج عليها، وهذا الفعل المسؤول عنه لا يخلو من الكذب والتزوير، وهما من المحرمات([19]).

وفي فتوى لدائرة الإفتاء الأردنية عن حكم بناء طابق إضافي (روف) على السطح نجد النص على امتثال القانون الذي تضعه الدولة حيث جاء في الفتوى:

يعتبر سطح العقار من حقوق الارتفاق التي تثبت لسكان ذلك العقار، فوجود ملكية مشتركة بين سكان العقار على السطح يمكنهم منه، كوضع خزانات المياه ووضع الصحون اللاقطة ونحوه، فيحق لكل مالك في العقار استعمال السطح باعتباره ملكية مشتركة بما لا يحول دون انتفاع الآخرين منه، وهذا ما نص عليه قانون الملكية العقارية 2015م، ولكن نظام الأبنية لسنة 2018 أجاز البناء على السطح بشرط موافقة جميع الشركاء في العقار وبما لا يحول من انتفاع الشركاء من الخدمات المشتركة.

والأصل الشرعي أن الحقوق المشتركة تتبع لملكية العقار، فمن تملك شقة في العقار ملك معها خدماتها المشتركة، فلا يجوز لأحد أن يمنعه من الانتفاع من الخدمات المشتركة، وأما إذا تنازل صاحب الحق عنه حقه برضاه فلا حرج في ذلك شرعاً.

وأضافت الفتوى: ولكن يشترط التقيد بالأنظمة والقوانين الناظمة لبيع السطح المشترك والبناء عليه، قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]، ومن طاعة الله تعالى الالتزام بالأنظمة والقوانين التي تضعها الدولة مما يحقق المصلحة العامة للناس، جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورته الثامنة عشر: “حق التعلي -أي البناء على السطح-  ثابت لصاحبه وله التصرف فيه بعوض وبدونه بحسب ما تقتضيه الأحكام المنظمة له”.

وانتهت الفتوى إلى أنه لا حرج شرعًا في البناء على سطح العقار المشترك بشرط الالتزام بالقوانين والأنظمة في هذا الموضوع([20]).

 

دعم الفتوى لقانون العقوبات الخاص بجرائم اختلاس المال العام والعدوان عليه:

وفي فتوى لدار الإفتاء المصرية في شأن بعض الناس الذين تُوكَل إليهم المهامُّ بحكم وظيفتهم فيُسَخِّرُونها لخدمة مصالحهم الشخصية ذهبت الفتوى إلى أنَّ حفظ المال من المقاصد الشرعية التي جاء بها الشرع الشريف، وتوعَّد مَن تعدَّى عليه بأي صورة من صور التعدي؛ سواء كان بالسرقة أو الاختلاس أو الانتهاب أو أخذه دون وجه حق، ويزداد الأمرُ حرمةً إذا كان المال مالًا عامًّا يتعلق الحقُّ فيه بجميع المواطنين لا بفرد بعينه؛ وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29].

وعن أبي بَكرةَ رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَليْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا» متفق عليه.

وعلى ذلك: فمَن يُسَخِّر وظيفته لخدمة مصالحه الشخصية، ويأخذ من الأموال العامة بغير وجه آثمٌ شرعًا، ومُعَرِّضٌ نفسه للعقوبة الدنيوية والأخروية، ويكون مالُهُ المُكتَسَب من ذلك حرامًا شرعًا([21]).

ففي هذه الفتوى دعم لمواد نصوص القانون رقم ٥٨ لسنة ١٩٣٧ والخاص بإصدار قانون العقوبات، في الباب الرابع منه، والخاص بعقوبات جرائم «اختلاس المال العام والعدوان عليه والغدر»، وذلك في المواد من 112-119.

فقد نصت المادة (١١٢): كل موظف عام اختلس أموالًا أو أوراقًا أو غيرها وجدت في حيازته بسبب وظيفته يعاقب بالسجن المشدد.

ونصت المادة (١١٥): كل موظف عام حصل أو حاول أن يحصل لنفسه أو حصل أو حاول أن يحصل لغيره، بدون حق على ربح أو منفعة من عمل من أعمال وظيفته يعاقب بالسجن المشدد([22]).

فقد أيَّدت الفتوى ما جاء في هذه المواد المشار إليها من حرمة المال العام وتقرير عقوبات للاعتداء عليه، ولم تعارض ذلك.

وفي فتوى صادرة عن دار الإفتاء المصرية في شأن الأراضي التي تُملِّكها الدولة لمواطنيها نجد إشارة واضحة لدعم القوانين المعمول بها في الدولة وضرورة الالتزام بها باعتبارها تحقق المصلحة العامة فجاء في هذه الفتوى: لما كانت معظم الأراضي تدخل تحت نطاق “الملك العام للدولة” ولا تخص أفرادًا بأعينهم فإنه يجوز لمن تُملِّكه الحكومة أيًّا منها بالقانون والدستور أن يتملَّك ما ملَّكَتْه إياه الحكومة ويضع يده عليه بلا حرج؛ لأن هذا التصرف من الحكومة وإن كان أساسه المصلحة الخاصة ببعض المواطنين إلا أنه يئول إلى المصلحة العامة التي تعود على البلد كلها بالنفع العام بتعميرها واستثمار خيراتها وتنشيط اقتصادها، وذلك ما دام المُتملِّك لم يغتصب مالًا من أحد، ولم يخرج عن القانون بوضع يده على ما لم تُمَلِّكه إياه الحكومة؛ وذلك لأن المالك لأراضي الدولة -غير المملوكة أصلًا لأشخاص بأعيانهم- هو الشخصية الاعتبارية المسماة بـ”الدولة” التي يمثلها عدد من الأشخاص الاعتباريين والمؤسسات والقوانين والقواعد الإدارية وهم يتصرفون في الدولة بحسب قانونها ومصلحتها المنوطة بهم.

وعليه: فإذا قررت الحكومة بمقتضى القانون ومراعاة المصلحة تقسيم الأرض بين مواطني البلد فإن هذا التقسيمَ يصير ساريًا شرعًا وقانونًا على المسلمين وغيرهم، ويكون من خُصِّصَت لهم الأرضُ مُلَّاكًا لها، ولهم أن يتصرفوا فيها بالبناء والغرس حسبما تقتضيه القوانين المعمول بها في الدولة([23]).

دعم الفتوى لقانون حظر البناء على أرض زراعية بالمخالفة للقانون:

وفي فتوى صادرة عن دار الإفتاء المصرية قررت هذه الفتوى أن بناء مسجد على أرضٍ زراعيةٍ بالمخالفة للقانون أو بالتحايل عليه أمرٌ غيرُ جائزٍ شرعًا.

وقد استندت الفتوى في إصدار هذا الحكم الشرعي على نصوص القانون، فجاء في ثنايا الفتوى: وقد نصت المادة 152 من القانون رقم 53 لسنة 1966م والمعدل بالقانونين؛ رقم 116 لسنة 1983م، ورقم 2 لسنة 1985م على أنه: [يُحظَر إقامة أية مبانٍ أو منشآت في الأرض الزراعية أو اتخاذ أية إجراءات في شأن تقسيم هذه الأراضي لإقامة مبانٍ عليها. ويعتبر في حكم الأرض الزراعية: الأراضي البور القابلة للزراعة داخل الرقعة الزراعية، ويُستثنى من هذا الحظر:

(أ) الأرض الواقعة داخل كردون المدن المعتمدة حتى 1/ 12/ 1981م، مع عدم الاعتداد بأية تعديلات على الكردون اعتبارًا من هذا التاريخ إلا بقرار من مجلس الوزراء.

(ب) الأراضي الداخلة في نطاق الحيز العمراني للقرى، والذي يصدر بتحديده قرار من وزير الزراعة بالاتفاق مع وزير التعمير.

(ج) الأراضي التي تقيم عليها الحكومة مشروعاتٍ ذات نفع عام بشرط موافقة وزير الزراعة.

(د) الأراضي التي تقام عليها مشروعاتٌ تخدم الإنتاج الزراعي أو الحيواني والتي يصدر بتحديدها قرار من وزير الزراعة.

(هـ) الأراضي الواقعة بزمام القرى التي يقيم عليها المالك مسكنًا خاصًّا به أو مبنًى يخدم أرضه، وذلك في الحدود التي يصدر بها قرار من وزير الزراعة.

وفيما عدا الحالة المنصوص عليها في الفقرة (ج) يشترط في الحالات المشار إليها آنفًا صدور ترخيص من المحافظ المختص قبل البدء في إقامة أية مبانٍ أو منشآتٍ أو مشروعاتٍ، ويصدر بتحديد شروط وإجراءات منح هذا الترخيص قرارٌ من وزير الزراعة بالاتفاق مع وزير التعمير] اهـ.

ونصت المادة 156 منه على أنه: [يعاقب على مخالفة أي من أحكام المادة 152 من هذا القانون أو الشروع فيها بالحبس وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسين ألف جنيه. ويجب أن يتضمن الحكم الصادر بالعقوبة الأمر بإزالة أسباب المخالفة على نفقة المخالف] اهـ.

ثم نصَّت على أنه: [ولوزير الزراعة -حتى صدور الحكم في الدعوى- أن يأمر بوقف الأعمال المخالفة؛ بإعادة الحالة إلى ما كانت عليه بالطريق الإداري على نفقة المخالف] اهـ.

والواضح من هذه النصوص أن المشرِّع في قانون الزراعة وفي التعديلات التي أدخلت عليه حرص على إضفاء الحماية اللازمة للرقعة الزراعية وصيانتها مِن التبوير أو مِن كل فعل -أو امتناع عن فعل- يؤدي إلى المساس بخصوبتها، أو يمكن أن يؤدي إلى ذلك، واعتبر أن المساس بتلك الحماية المقررة لها هو عملٌ يرقى إلى مصافِّ الجريمة الجنائية التي توجب على المحكمة المختصة توقيع الجزاء المقرر، بل وقَرَّر في بعض الأحوال ضرورة التدخل العاجل من جهة الإدارة دون انتظارٍ لحكم القضاء؛ إمَّا بوقف أسباب المخالفة؛ للحيلولة دون استِفْحالِها، وإمَّا بإزالة أسباب المخالفة وإعادة الأرض الزراعية إلى ما كانت عليه.

وأضافت الفتوى: أن القانون في ذلك لم يكن متعسفًا، بل أوجد البديل؛ حيث جعل في زمام كل جهة كردونًا للمباني يستطيع أهل القرية البناء فيه، كما أعطى الحقَّ لملاك الأراضي الواقعة بزمام القرى في إقامة مسكنٍ خاصٍّ أو مبنًى يخدم الأرض، وذلك في الحدود التي يصدر بها قرارٌ مِن الوزير المختص.

وخلصت الفتوى إلى أن بِناءُ مسجدٍ على أرضٍ زراعيةٍ بالمخالفة للقانون أو بالتحايل عليه أمرٌ غيرُ جائزٍ شرعًا، وتكون الحرمة أشد إذا كان هذا البناء ذريعةً لاستِباحة بناء ما حوله من الأراضي الزراعية؛ لما في ذلك من إهدارٍ للثروة الزراعية التي هي ركنٌ في الاقتصاد القومي، وبالتالي يضر بالمجتمع كلِّه، علاوة على مخالفة ولي الأمر المنوط به تحقيق مصالح العباد والبلاد([24]).

دعم الفتوى لقانون الشركات:

فقد صدرت فتوى عن دار الإفتاء المصرية قررت فيها فساد صورة من صور المضاربة استنادًا إلى الشريعة الإسلامية والقانون المصري، فكان السؤال: يعطي رجلٌ لآخر مبلغًا من المال على سبيل الاستثمار ليعمل به في تجارته، ويحدد له التاجر مبلغًا ثابتًا منسوبًا إلى رأس المال، وليس إلى الأرباح؛ كأن يكون 70 جنيهًا في كل ألف، مع تحمُّل التاجر للخسارة إن حدثت، وذلك بالتراضي بينهما، فهل هذا حلالٌ أم حرام؟

فقد قررت الفتوى أن الصورة الواردة في السؤال تعدُّ مضاربةً فاسدة شرعًا وقانونًا، وسبب الفساد شرعًا اشتراطُ جزءٍ معلومٍ من رأس المال وليس نسبةً من الربح لعدم التحقق من الاستمرار في ربح مثل هذا المقدار، ولأن عقد المضاربة من أحكامه الاشتراك في الربح؛ فرَبُّ المالِ يحصلُ على جزء معلوم من الربح إن كان ثَمَّ رِبْحٌ، لا جزء معلوم من رأس المال، ولا جزء مقطوع عن الربح. أما من جهة تبرُّع المضارب بتحمُّل الخسارة والتراضي على هذا، فإنَّ من شروطِ صحَّة عقدِ المضاربة أن تكونَ الوضيعة -أي الخسارة- على رأس المال، فما يحدث من نقص في رأس المال من غير تقصير العامل أو تعديه فإنه يكونُ على رب المال، فلا يتحمَّل المضاربُ شيئًا من الخسارة لأنه شارك بعمله، فخسارته تكون بذهاب نفع بدنه إذا لم يحدث نماء في رأس المال، ولا يجوز أن يشترط في العقد خلاف هذا، كأن يشترط صاحب المال أنه متى طلب ماله أخذه كاملًا بدون نقص أو زيادة؛ بل الواجبُ في حالة طَلَبِه رأْسَ مالِه أن تصفى الشركة، فإن كان هناك ربحٌ أَخَذَ نسبته منه، وإن كان هناك خسارة كانت على رأس المال.

كما ذهبت الفتوى إلى أن هذه المعاملة الواردة في السؤال تخالفُ كذلك أحكامَ القانون المصري الذي يحظرُ على غير الشركات المساهمة تلَقِّي الأموال للاستثمار فقد جاء في الفتوى:

أن القانون المصري حظر على الأفراد جمع الأموال من غيرهم من أجل استثمارها أو توظيفها؛ حيث نصت المادة الأولى من القانون رقم 146 لسنة 1988م على أنه: [لا يجوز لغير شركة المساهمة التي تطرح أسهمها للاكتتاب العام والمقيدة في السجل المعد لذلك بالهيئة أن تتلقى أموالًا من الجمهور بأية عملة وبأية وسيلة وتحت أي مسمى لتوظيفها أو استثمارها أو المشاركة بها سواء أكان هذا الغرض صريحًا أو مستترًا. كما يحظر على غير هذه الشركات توجيه دعوة للجمهور بأية وسيلة مباشرة أو غير مباشرة للاكتتاب العام أو لجمع هذه الأموال لتوظيفها أو استثمارها أو المشاركة بها] اهـ.

فهذا النصُّ يحدد كيف أنَّ الدولة حدَّدت على سبيل الحصر من يُسمح له بتلقي الأموال من الجمهور، كما رتَّب عقوبة على كل من يخالف أحكام هذا القانون بالحبس والغرامة وفقَ تفاصيلِ المخالفات المرتكَبة، وعليه فكلُّ تلَقٍّ للأموال على خلاف أحكام هذا القانون يعَدُّ مخالفة لولي الأمر الذي نظَّم التعاملات في هذا الباب بشكل مفصل؛ حفظًا لأموال الناس من الضياع.

وبالتالي فهذه المعاملة المسؤول عنها وفق أحكام هذا القانون رقم 146 لسنة 1988 تكون غيرَ جائزةٍ؛ بل وتستوجب التعزيرَ من ولي الأمر؛ لانتهاك أحكام القانون([25]).

وفي فتوى للجنة الإفتاء بالكويت بخصوص بيع البطاقات المدنية للمواطنين الكويتيين للمساهمة بأسماء أصحابها في تأسيس الشركات المساهمة ذهبت الفتوى إلى أنه لا يجوز بيع ما يسمى ببيع البطاقات المدنيَّة، وذلك لأنه يتعارض مع ما أمر به ولي الأمر في قانون الشركات التجارية (المادة 85 مكرر)، ولأنه يخالف مقاصد الاكتتاب، وما يهدف إليه من تحقيق مصالح المجتمع.

فقد ذهبت الفتوى إلى عدم جواز بيع البطاقة المدنية؛ إذ المشتري لهذه البطاقات يجمعها من الناس ممن يرغب في بيع بطاقته بمبلغ من المال ليشتري بها أسهمًا، وكلما زاد عدد البطاقات عنده كلها كان له أن يشتري عددًا من الأسهم أكثر، فبيع البطاقة المدنية هو في الحقيقة ليس بيعًا لها، وإنما هو بيع لحق ربطه ولي الأمر بها، وعليه فإن البيع ينصب على هذا الحق المرتبط بها وليس عليها نفسها.

وقد أيدت الفتوى ما جاء في قانون الشركات التجارية الكويتي الذي نظَّم إجراءات الاكتتاب في أسهم الشركات، حيث نصَّت المادة 85 مكرر من القانون رقم 15 لسنة 1960 بإصدار قانون الشركات التجارية على أنه «لا يجوز للشخص أن يكتتب أكثر من مرة أو يجب أن يكون الاكتتاب جديًّا، فيحظر الاكتتاب الصوري أو الاكتتاب بأسماء وهمية أو بغير ذلك من الطرق، ويقع باطلًا كل اكتتاب مخالف للأحكام السابقة، ويكون لكل ذي شأن أن يتمسك بهذا البطلان وعلى المحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها»([26])، مما يدل على حرص المشرع على تنظيم طرح أسهم الشركات للاكتتاب بما يكفل مصالح المستثمرين والشركات واستقرار النظام الاقتصادي في البلاد.

دعم الفتوى لقانون الجمارك:

وفي فتوى صادرة عن دار الإفتاء المصرية عن حكم الاشتراك في مزاد يقام على الأشياء التي صادرتها الجمارك أشارت الفتوى إلى نصوص قانون الجمارك التي أفادت مصلحة الجمارك في بيع البضائع التي تستحوذ عليها بعد المهل التي حددتها في هذا القانون. فقد جاء في الفتوى:

تعلن هيئة الجمارك أحيانًا عن بيع السلع والبضائع التي لديها، وهذه الأشياء المعروضة للبيع ليست ملكًا أصليًّا للجمارك، وإنما استولت عليها من أصحابها، الذين تعلم أصحابها في غالب الأمر، وهي تحصل عليها لأسباب مختلفة، ويتبين ذلك من خلال ما نص عليه قانون الجمارك رقم (66) لسنة 1963م، وما جاء فيه من مواد بخصوص واقعة السؤال، من المادة (121) إلى المادة (129)، وما أفادته تلك المواد من أنواع الجرائم الخاضعة لهذا القانون، والعقوبات المقررة لها، وهي مصلحة الجمارك في بيع البضائع التي تستحوذ عليها بعد المهل التي حددتها في هذا القانون.

وقد ذكرت الفتوى أن الأصل في الجمارك أنها جزء من الضرائب التي يجوز للحاكم أن يفرضها على الناس إذا احتاج إليها ليُصرف في مصالح الناس العامة، لكنها تزيد على ذلك أن فيها جزءًا يؤخذ على سبيل التعزير، ومسألة التعزير بالمال جائزة؛ لما ورد فيها من نصوص، وعمل بها بعض الخلفاء، ونص عليها بعض الفقهاء، وذكرت الفتوى أيضًا أن البيع بالمزاد الراجح جوازه، وبناءً على ذلك فقد انتهت الفتوى إلى أنه يجوز شراء الأشياء المعروضة للبيع بالمزاد بالجمارك إذا كانت الطريقة التي تم تملكها بها لا تخالف الشريعة([27]).

وفي فتوى أخرى صادرة عن دار الإفتاء المصرية تتعلق بتهريب السلع والبضائع دعمت الفتوى قانون الجمارك أيضًا، وقد جاء في هذه الفتوى: أن تهريب البضائع هو من الممارسات التي تضر باقتصاد الدول وعملتها وصناعتها وإنتاجها الوطني من جوانب كثيرة، وتضر كذلك بأقوات الناس ومنظومة البيع والشراء من جهات متعددة؛ ولذلك سعت الدول إلى سنِّ القوانين التي تمنع التهريب وتعاقب مرتكبيه، ومن القواعد الفقهية المستقرة أن “تصرف الحاكم على محكوميه منوطٌ بالمصلحة”، وأنه يجب عليه توخِّي مصالح المحكومين بما يحقق مقاصد الشرع، وله تدبير الأمور الاجتهادية وَفْقَ المصلحة التي يُتوَصَّلُ إليها بالنظر السليم والبحث والتحري واستشارة أهل الخبرة، وله أن يُحدث من الأقضية بقدر ما يَحْدُثُ مِن النوازل والمستجدات، وتصرفُه حينئذٍ تصرف شرعي صحيح ينبغي إنفاذُه والعمل به، ولا يصح التحايل للتخلص منه، ويجب على الرعية السمع والطاعة حينئذٍ.

وعلى هذا الأصل تنبني مسألة تهريب البضائع، فقد عَقَدَ قانون الجمارك بابًا كاملًا نصَّ فيه على ما يَخُصُّ تهريب السلع والبضائع، وذلك في المادة (121-122)؛ حيث نصت كلاهما على: [يعتبر تهريبًا إدخال البضائع من أي نوع إلى الجمهورية، وإخراجها منها بطرق غير مشروعة بدون أداء الضرائب الجمركية المستحقة كلها أو بعضها أو بالمخالفة للنظم المعمول بها في شأن البضائع الممنوعة.

ويعتبر في حكم التهريب حيازة البضائع الأجنبية بقصد الاتجار مع العلم بأنها مهرَّبة، كما يعتبر في حكم التهريب تقديم مستندات، أو فواتير مزوَّرة، أو مصطنعة، أو وضع علامات كاذبة، أو إخفاء البضائع أو العلامات، أو ارتكاب أي فعل آخر يكون الغرض منه التخلص من الضرائب الجمركية المستحقة كلها أو بعضها أو بالمخالفة للنظم المعمول بها في شأن البضائع الممنوعة. ولا يمنع من إثبات التهريب عدم ضبط البضائع.

ومع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها أي قانون آخر يعاقب على التهريب أو على الشروع فيه بالحبس وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيهًا، ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.

كما يعاقب على حيازة البضائع المهرَّبة بقصد الاتجار مع العلم بأنها مهرَّبة بغرامة لا تقل عن ألف جنيه، ولا تجاوز خمسين ألف جنيه.

وفي جميع الأحوال يحكم على الفاعلين والشركاء والأشخاص الاعتبارية التي تم ارتكاب الجريمة لصالحها متضامنين بتعويض يعادل مثل الضرائب الجمركية المستحقة، فإذا كانت البضائع موضوع الجريمة من الأصناف الممنوعة أو المحظور استيرادها كان التعويض معادلًا بِمثلَي قيمتها أو مِثلَي الضرائب المستحقة أيهما أكبر، وفي هذه الحالة يحكم بمصادرة البضائع موضوع التهريب، فإذا لم تضبط حكم بما يعادل قيمتها.

ويجوز الحكم بمصادرة وسائل النقل والأدوات والمواد التي استعملت في التهريب، وذلك فيما عدا السفن والطائرات ما لم تكن أُعدت أو أجِّرت فعلًا بمعرفة مالكيها لهذا الغرض] اهـ.

وخلصت الفتوى إلى أن عملية تهريب البضائع والمشاركة فيها والمساعدة عليها حرام شرعًا، وممنوع قانونًا؛ سواء في ذلك الاستيراد والتصدير، وفاعل ذلك مخالف للشرع من جهة إضراره باقتصاد الناس ومعايشهم، ومن جهة مخالفة ولي الأمر المأمور بطاعته في غير معصية الله([28]).

دعم الفتوى لقانون حماية الآثار:

وفي فتوى أصدرتها دار الإفتاء المصرية عن الركاز (وهو كل ما كان ذا قيمة مدفونًا في باطن الأرض)، ذكرت الفتوى تعريفات الفقهاء للركاز، وأشارت إلى أن الآثار التي يعثر عليها في أرض مصر من الركاز، ولا يجوز أن يملكها شخص باعتبارها من الأموال العامة، وقد أيدت الفتوى حكمها بنصوص من قانون حماية الآثار، فقد جاء في الفتوى:

وقد اعتبر القانون المصري الآثار التي يعثر عليها في أرض مصر من الأموال العامة التي لا يجوز للفرد تملكها أو حيازتها أو التصرف فيها بغير تصريح من الدولة، سواء عثر عليها في أرض تملكها الدولة أو يملكها الأفراد.

جاء في المادة (6) من القانون المذكور: [على أن جميع الآثار تعتبر من الأموال العامة -عدا ما كان وقفًا-، ولا يجوز تملكها أو حيازتها أو التصرف فيها إلا في الأحوال وبالشروط المنصوص عليها في هذا القانون والقرارات المنفذة له] اهـ.

وجاء في المادة (24) منه أنه: [على كل من يعثر مصادفة على أثر منقول، أو يعثر على جزء أو أجزاء من أثر ثابت فيما يتواجد به من مكان، أن يخطر بذلك أقرب سلطة إدارية خلال ثمان وأربعين ساعة من العثور عليه، وأن يحافظ عليه حتى تتسلمه السلطة المختصة، وإلا اعْتُبِرَ حائزًا لأثر بدون ترخيص، وعلى السلطة المذكورة إخطار الهيئة بذلك فورًا، ويصبح الأثر ملكًا للدولة، وللهيئة إذا قدَّرت أهمية الأثر أن تمنح من عثر عليه وأبلغ عنه مكافأة تحددها اللجنة الدائمة المختصة] اهـ.

وخلصت الفتوى إلى أن الأصل أن الركاز يجب فيه الخمس؛ وهذا الخمس يجب صرفه في مصرف الزكاة، ولكن لو كان هناك قانون ينظم الأمر على وجه يراعي المصالح العامة في ذلك فيجب العمل به؛ فلو كان الركاز من جملة الآثار التي يعثر عليها في أرض مصر فإنه يعتبر من الأموال العامة التي لا يجوز للفرد تملكها أو حيازتها أو التصرف فيها بغير تصريح من الدولة، سواء عثر عليها في أرض تملكها الدولة أو يملكها الأفراد([29]).

فقد أيدت الفتوى ما ذهبت إليه بنصوص القانون التي سنَّها ولي الأمر.

دعم الفتوى لقانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية:

وقد أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى بشأن تخزين السلع لبيعها بأقل من سعر السوق، وقيام بعض الشركات بإغراق الأسواق بمنتجاتها وبيعها بأقل من سعرها أيضًا، والفرق بين هذه الممارسات وبين أن يرخص التاجر السلعة تيسيرًا على الناس وإرفاقًا بهم، أو جذبًا للمشترين، في إطار من المنافسة الشريفة العادلة.

فقد ذكرت الفتوى أن الاحتكار -بمعناه الاقتصادي الحديث- اتسع مدلوله عما كان عليه مِن قبل، فقد تطورت الممارسات التجارية وتشعبت أوجه الاحتكار فيها؛ فأصبحت الممارسات الاحتكارية تشمل معاني أخرى غير حبس السلع لإغلائها استغلالًا للاحتياج إليها.

وأن تحقيق مناط الضرر في هذه الممارسات، والفرق فيها بين الإرخاص المحمود والإغراق المذموم: مرجعه إلى المؤشرات والمعايير التي وضعها أهل الاقتصاد وخبراؤه المتخصصون فيه، والتي تُقَيَّم مِن خلالها هذه الممارسات ويُقاس مدى ضررها على الدولة والمجتمع، ويتم في ذلك عمل الدراسات والأبحاث السوقية الكاشفة عن الممارسات الاحتكارية الضارة، والتمييز بينها وبين إرخاص الأسعار لأغراض تنافسية أو قيمية وأخلاقية، فما كان من ذلك ضارًّا فهو حرام، وما لم يكن كذلك فلا حرمة فيه.

وأضافت الفتوى: أنه لهذا فقد أنشأت الدولة المصرية جهاز حماية المنافسة التابع لوزارة التجارة والصناعة، وجعلت من أهدافه: اتخاذَ إجراءات التقصي والبحث وجمع الاستدلالات وعمل الدراسات والأبحاث في السوق لكشف الممارسات الضارة بالمنافسة، ومراقبة ممارسات العاملين في السوق بما يساعد على تحقيق حرية المنافسة وعدالتها، وأصدرت من أجل ذلك “قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية” رقم (3) لسنة 2005م.

ومن المؤشرات والعلامات الفارقة التي نصت عليها اللائحة التنفيذية لهذا القانون، تفريقًا بين الإغراق الضار والإرخاص الذي لا ضرر فيه: ما جاء في الباب الرابع من اللائحة، تحت عنوان: (إساءة استخدام السيطرة على سوق معنية)، مادة (13):

[يحظر على من تكون له السيطرة على سوق معنية القيام بأي مما يأتي.. (ح) بيع المنتجات بسعر يقل عن تكلفتها الحدية أو متوسط تكلفتها المتغيـرة.

ويقصد بالتكلفة الحدية: نصيب الوحدة من المنتجات من إجمالي التكاليف خلال فترة زمنية محددة. كما يقصد بالتكلفة المتغيرة: التكلفة التي تتغير بتغير حجم ما يقدمه الشخص من منتجات خلال فترة زمنية محددة.

كما يقصد بمتوسط التكلفة المتغيرة: إجمالي التكاليف المتغيرة مقسومًا على عدد وحدات من المنتجات.

ويراعى عند تحديد ما إذا كان المنتج يتم بيعه بسعر يقل عن تكلفته الحدية أو متوسط تكلفته المتغيرة ما يأتي:

1- ما إذا كان البيع يؤدي إلى إخراج أشخاص منافسين لـلشخص المسيطر من السوق.

2- ما إذا كان البيع يؤدي إلى منع أشخاص منافسين للشخص المسيطر من الدخول إلى السوق.

3- ما إذا كان يترتب على البيع قدرة الشخص المسيطر على رفع الأسعار بعد إخراج الأشخاص المنافسين له من السوق.

4- ما إذا كانت الفترة الزمنية لبيع المنتج بسعر يقل عن تكلفته الحدية أو متوسط تكلفته المتغيرة تؤدي إلى تحقيق أي مما سـبق] اهـ. المراد منه.

وعقَّبت الفتوى بأنه لا يخفى أن تصرف الحاكم في ذلك منوط بالمصلحة، وله فيه حق تقييد المباح، ويجب على الناس الالتزام بما نظمه من الإجراءات، والامتناع عما منعه من الممارسات.

وخلصت الفتوى إلى أنه إذا كان تخزين التجار للسلع -أو طرح الشركات للمنتجات في الأسواق المحلية- بغرض بيعها بثمن زهيد قد يقل عن سعر تكلفتها، وذلك للانفراد بالأسواق والسيطرة عليها، والإضرار بالمنافسين وإخراجهم منها، بما يُسمَّى (بالإغراق) فإن ذلك حرامٌ شرعًا؛ إذ يئول إلى الإضرار بالأسواق، والإخلال بقانون العرض والطلب، وضرب الصناعة الوطنية وإضعاف الاقتصاد الوطني، ولذلك كان محرمًا دوليًّا.

أما إذا لم يكن في تخزين السلع المتوقع غلاؤها إضرارٌ بالعامة، وكان المقصودُ طرحَها بعد ذلك بغرض إرخاصها والتيسير على الناس في شرائها، أو التنافس التجاري الشريف في استقطاب الجمهور وجذب المشترين: فهو أمر محمود شرعًا ولا مانع منه.

والمعوَّل عليه في حكم هذه الممارسات السوقية ونحوها على حصول الضرر الذي يكشف عنه (قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية) مع لائحته التنفيذية؛ فإذا تحققَ الضرر في أي ممارسة مِن هذه الممارسات بوقوعها فيما منعه القانون ولائحتُه فهي حرام شرعًا، سواء نوى صاحبها الإضرار بغيره أم لم ينوه([30]).

فقد أيدت الفتوى ما ذهبت إليه بالاعتماد على القانون الذي يمنع الممارسات الاحتكارية، وذلك أن هذا القانون يرمي إلى تحقيق المصلحة التي هي مناط تصرف الحاكم.

دعم الفتوى لقانون حماية الملكية الفكرية:

ومن مظاهر دعم الفتوى لقوانين المعاملات المالية: دعم الفتوى لقانون حماية الملكية الفكرية. و«الحقوق الفكرية» مصطلح يندرج تحته كل ما ينتجه العقل من أعمال تتضمن صفة الجِدَّة والابتكار والإبداع؛ لذا فإن الحقوق التي تقع في دائرة الحقوق الفكرية ثلاثة حقوق هي: الحقوق الصناعية والحقوق التجارية وحقوق المؤلف والحقوق المجاورة له.

ومن أبرز أنواع الحقوق الصناعية: براءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية. أما ما يتعلق بالحقوق التجارية فمن أبرز أنواعها: العلامات التجارية والأسماء والعناوين التجارية.

أما حقوق المؤلف والحقوق المجاورة له فمن أبرز هذا النوع من الحقوق المصنفات (الأعمال) في حقول العلوم أو الآداب أو الفنون بالإضافة إلى الحقوق المجاورة لها، ويقصد بها مجموعة من الحقوق تمنح لأشخاص لا بصفتهم مؤلفين بل بسبب دورهم في نشر هذه الأعمال وتوصيلها إلى أكبر عدد من الناس، وهذه الحقوق رغم تفاوتها إلا أنها تنتمي إلى عائلة واحدة هي عائلة الحقوق الفكرية باعتبارها من نتاج وحي العقل ومن أعمال الفكر والملكة الذهنية للإنسان.

وقد غدت الحقوق الفكرية المقياس الذي يحدد ثراء الدول من عدمه، فقد كان غنى الدول إلى وقت ليس ببعيد يقاس بمقدار ما تملك من ثروات طبيعية، أما اليوم فقد أصبح غنى الدول يقاس بمقدار ما تملك من حقوق فكرية.

ولقد أدَّت الحقوق الفكرية إلى إطلاق الملكات الخلاقة لدى أفراد المجتمع؛ نظرًا لما تحققه من استئثار صاحبها بثمرة إنتاجه الفكري، مما يجعل الشخص مطمئنًا على أن حقه في ثمرة جهده العقلي مصان قانونًا، مما يؤدي بدوره إلى تنشيط حركة البحث والإبداع لدى أبناء الأمة، ويستتبع ذلك دفع عجلة التقدم والتطور عن طريق تشجيع رأس المال على الاستثمار في المشروعات الصناعية والتجارية والزراعية، وهذا يؤدي إلى المزيد من الإنتاج والتطوير والتقدم.

وتجدر الإشارة إلى أن ملكية أي حق من الحقوق الفكرية هي ملكية حقيقية كأنواع الملكية الأخرى، كما هو الحال في امتلاك العقار والمنقول، لذلك ترد على الحقوق الفكرية كافة التصرفات القانونية من بيع وشراء ورهن وغيرها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الملكية ليست مقيدة وإنما تخضع لضوابط قانونية محلية ودولية، وتئول بعد مرور مدة معينة إلى الملكية العامة([31]).

ومن أمثلة الجهود الإفتائية الداعمة لقانون الحماية الفكرية: فتوى دار الإفتاء المصرية بخصوص سرقة الملكية الفكرية والعلامات التجارية الأصلية المسجلة من أصحابها فقد جاء في الفتوى:

معروف لدى الجميع مدى صرامة الإسلام بكل ما يتعلق بحفظ واحترام حقوق المسلم، وقد جاءت النصوص القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة بتحريم جريمة السرقة وتجريم مرتكبها، وتضمنت عقوبات رادعة في حق السارق.

وبهذا الصدد لا يخفى أن سرقة الملكية الفردية، والعلامات التجارية الأصلية المسجلة، أو الاحتيال عليها لا تقل خطورة عن السرقة بالأساليب والأنماط التي اعتدنا رؤيتها؛ فهي تضر بمصالح أصحابها، وتفوت عليهم فرصة النمو والتطور، فضلًا عن الأضرار التي تلحق بسمعتهم مِن جراء قيام سارقها بخداع المستهلك مع سابق نية.

وهذه الحقوق المذكورة هي من الحقوق الثابتة لأصحابها شرعًا وعرفًا، يجري فيها ما يجري في الملك الذي هو حق خالص يختص به صاحبه: مِن جواز انتفاع صاحبها بها على أي وجه مِن الوجوه المشروعة، وجواز معاوضتها بالمال إذا انتفى التدليس والغرر، وتحريم انتفاع الغير بها بغير إذن أصحابها، وحرمة الاعتداء عليها بإتلاف عينها أو منفعتها أو تزويرها أو انتحالها زورًا وكذبًا، فأي صورة من صور التعدي عليها يصدق عليه أنه أكل لأموال الناس بالباطل.

وأضافت الفتوى: أن العقوبات التي تُتَّخَذُ بشأن هؤلاء فالأصل أنها من باب ضمان المُتلَفات وتقدير الضرر الواقع على أصحاب هذه الحقوق والعلامات الأصلية، وهذا الضرر يحكم به القاضي المختص تبعًا لتقدير الخبراء في كل واقعة بحسبها، إضافة إلى ما يمكن أن يراه ولي الأمر في ذلك من عقوبة تعزيرية رادعة([32]).

كما أصدرت دائرة الإفتاء الأردنية فتوى مماثلة عن حكم الشريعة الإسلامية في الاعتداءات على العلامات التجارية كأحد أشكال حقوق الملكية الفكرية جاء فيها:

تُعد العلامات التجارية أحد أنواع حقوق الملكية الفكرية، وقد أصدر مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت سنة (1405هـ/ 1988م) قراره بشأن الحقوق المعنوية، كحق التأليف ونحوه، ومما جاء في نص القرار بخصوص العلامات التجارية ما يأتي:

“الاسم التجاري، والعنوان التجاري، والعلامات التجارية، والتأليف والاختراع أو الابتكار هي حقوق خاصة لأصحابها، أصبح لها في العرف المعاصر قيمة مادية معتبرة لتمول الناس لها، وهذه الحقوق يعتد بها شرعًا فلا يجوز الاعتداء عليها”.

وبناء على ذلك فإن هذه الحقوق مصونة شرعًا لأصحابها، لا يجوز الاعتداء عليها في الإسلام. والاعتداء عليها في نظر الإسلام سرقة وغش وتعد على أموال الناس وحقوقهم، وأكل لها بالباطل، وقد اعتبر الإسلام حمايتها واجبًا شرعيًّا ينبع من الإيمان بالله تعالى، واستشعار الأمانة والمسؤولية في حفظ حقوق الناس، وعدم الاعتداء على أموالهم، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام» متفق عليه، ولقوله: «لا ضرر ولا ضرار» رواه ابن ماجه([33]).

فقد أيَّدت هذه الفتوى والتي قبلها القانون الخاص بحماية حقوق الملكية الفكرية باعتبارها حقًّا ماليًّا لا يجوز الاعتداء عليه، وأقرَّت الفتوى الأولى ما يراه ولي الأمر من العقوبات التعزيرية الرادعة جرَّاء الاعتداء على هذه الحقوق الفكرية.

وفي فتوى لدار الإفتاء المصرية جاءت الإشارة إلى تزوير العلامة التجارية، وذلك في تناول الفتوى لحكم بيع الأدوية المغشوشة، فقد ورد في هذه الفتوى: بيع الأدوية المغشوشة عمل مُحَرَّم شرعًا ومُجَرَّم قانونًا؛ لما فيه من الغِش والكذب والتدليس، ومن أكلِ أموال الناس بالباطل، إضافة لما فيه من إيقاع الضرر على صحة الناس وحياتهم.

كما أنَّ إنتاج مِثْل هذه الأدوية المغشوشة افتياتٌ على ولي الأمر؛ إذ جَرَّم المُشرِّع المصري مِثْل هذه الممارسات بمواد قانونية تُعْنَى بالغِشِّ التجاري والتدليس، وذلك في قانون قمع الغِشِّ والتدليس رقم (281) لسنة 1994م، حيث نَصَّت مواده الثلاث الأُوَل على عقوبات رادعة لكل مَن تُسَوِّل له نفسه اقتراف هذا الجُرْم، وكذا قانون حماية الملكية الفكرية رقم (82) لسنة 2002م في مادته رقم (113)؛ حيث جَرَّمت هذه المادة فِعْلة التدليس والتزوير في العلامات التجارية([34]).

فقد استندت هذه الفتوى إلى قانون حماية الملكية الفكرية في تقرير الحكم الشرعي، وأشارت إلى المادة (113) التي تجرِّم تزوير العلامات التجارية وتقرر عقوبة هذا الفعل، ونص هذه المادة كالآتي: مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد في أي قانون آخر يُعاقَب بالحبس مدة لا تقل عن شهرين وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين:

1-كل من زوَّر علامة تجارية تم تسجيلها طبقًا للقانون أو قلَّدها بطريقة تدعو إلى تضليل الجمهور.

2-كل من استعمل بسوء قصد علامة تجارية مزوَّرة أو مقلَّدة.

3-كل من وضع بسوء قصد على منتجاته علامة تجارية مملوكة لغيره.

4-كل من باع أو عرض للبيع أو التداول أو حاز بقصد البيع أو التداول منتجات عليها علامة تجارية مزورة أو مقلدة أو موضوعة بغير حق مع علمه بذلك.

وفي حالة العود تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن شهرين والغرامة التي لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تجاوز خمسين ألف جنيه.

وفي جميع الأحوال تقضى المحكمة بمصادرة المنتجات محل الجريمة أو المبالغ أو الأشياء المتحصلة منها، وكذلك الأدوات التي استُخدمت في ارتكابها.

ويجوز للمحكمة عند الحكم بالإدانة أن تقضى بغلق المنشأة التي استغلها المحكوم عليه في ارتكاب الجريمة مدة لا تزيد على ستة أشهر، ويكون الغلق وجوبيًّا في حالة العَوْد([35]).

-ومن الحقوق الفكرية التي سبقت الإشارة إليها: حق المؤلف، وقد عرَّفت المادة (138) من قانون حماية الملكية الفكرية المؤلف بأنه «الشخص الذي يبتكر المصنَّف، ويُعد مؤلفًا للمصنَّف من يذكر اسمه عليه أو ينسب إليه عند نشره باعتباره مؤلفًا له ما لم يقم الدليل على غير ذلك.

ويعتبر مؤلفًا للمصنف من ينشره بغير اسمه أو باسم مستعار بشرط ألا يقوم شك في معرفة حقيقة شخصه، فإذا قام الشك اعتبر ناشر أو منتج المصنف سواء أكان شخصًا طبيعيًّا أم اعتباريًّا ممثلًا للمؤلف في مباشرة حقوقه إلى أن يتم التعرف على حقيقة شخص المؤلف»([36]).

ومن الفتاوى التي عرضت لحقوق المؤلف والناشر: فتوى دار الإفتاء المصرية بشأن طبع كتاب بغير إذن صاحبه إذا كانت حقوق الطبع محفوظة، فقد جاء في هذه الفتوى: إذا كانت حقوق الطبع للكتاب محفوظة فلا يجوز للسائل ولا لغيره أن يقوم بطباعته على المستوى التجاري، حيث إن طباعة هذا الكتاب دون إذن مَن له حقوقٌ عليه -سواء كان المؤلف أو الناشر- فيه اعتداء على صاحب الحق وسرقة لحقه، وبالتالي فأيُّ ربحٍ من طباعة هذا الكتاب دون إذن صاحبه سُحْتٌ ومالٌ حرام([37]).

وهذه الفتوى مؤيدة للقانون المصري رقم 82 لعام 2002 بشأن حماية حقوق الملكية الفكرية؛

حيث حدد قانون حماية الملكية الفكرية أنواع المصنفات الأدبية والفنية التي تخضع للحماية وفقًا لأحكام هذا القانون، وبمطالعة القانون يتبين تعدد صور الملكية الفنية والأدبية وتنوعها، فلم يعد يقتصر حق المؤلف على المؤلفات الأدبية أو العلمية فقط بل امتد ليشمل صورًا جديدة لازمت التطور التقني والعلمي المعاصر، فقد نصت المادة (140) من هذا القانون على ما يأتي: تتمتع بحماية هذا القانون حقوق المؤلفين على مصنفاتهم الأدبية والفنية، وبوجه خاص المصنفات الآتية:

1-الكتب، والكتيبات، والمقالات والنشرات وغيرها من المصنفات المكتوبة.

2-برامج الحاسب الآلي.

3-قواعد البيانات سواءً كانت مقروءة من الحاسب الآلي أو من غيره.

4-المحاضرات، والخطب، والمواعظ، وأية مصنفات شفوية أخرى إذا كانت مسجلة.

5-المصنفات التمثيلية والتمثيليات الموسيقية والتمثيل الصامت (البانتوميم).

6-المصنفات الموسيقية المقترنة بالألفاظ أو غير المقترنة بها.

7-المصنفات السمعية البصرية.

8-مصنفات العمارة.

9-مصنفات الرسم بالخطوط أو بالألوان، والنحت، والطباعة على الحجر، وعلى الأقمشة وأية مصنفات مماثلة في مجال الفنون الجميلة.

10-المصنفات الفوتوغرافية وما يماثلها.

11-مصنفات الفن التطبيقي والتشكيلي.

12-الصور التوضيحية، والخرائط الجغرافية والرسومات التخطيطية (الاسكتشات) والمصنفات الثلاثية الأبعاد المتعلقة بالجغرافيا أو الطبوغرافيا أو التصميمات المعمارية.

13-المصنفات المشتقة، وذلك دون الإخلال بالحماية المقررة للمصنفات التي اشتقت منها.

وتشمل الحماية عنوان المصنف إذا كان مبتكرًا.

وجدير بالذكر أن هذه المادة من قانون الملكية الفكرية المصري يقابلها نص المادة الأولى من القانون الإماراتي الاتحادي بشأن حماية حق المؤلف والحقوق المجاورة رقم 7 لسنة 2002، والمادة (2) من القانون الكويتي لحماية الملكية الفكرية رقم 5 لسنة 1999، والمادة (3) من القانون الأردني لحماية حق المؤلف المعدل رقم 78 لسنة 2003، والمادة (3) من القانون السوري بشأن حماية حق المؤلف رقم 12 لسنة 2001، والمادة (2) من القانون العماني رقم 37 لسنة 2000([38]).

وقد نصَّت المادة (181) من قانون حماية الملكية الفكرية على عقوبات التعدي على حقوق المؤلف في صور التأليف والتصنيف المختلفة السالفة الذكر، فقررت عقوبة الحبس مدة لا تقل عن شهر وغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين. وفى حالة العود تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، والغرامة التي لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تجاوز خمسين ألف جنيه.

وفى جميع الأحوال تقضي المحكمة بمصادرة النسخ محل الجريمة أو المتحصلة منها، وكذلك المعدات والأدوات المستخدمة في ارتكابها.

كما يجوز للمحكمة عند الحكم بالإدانة أن تقضي بغلق المنشأة التي استغلها المحكوم عليه في ارتكاب الجريمة مدة لا تزيد على ستة أشهر، وفي حالة العود بالنسبة لجرائم محددة فإن الغلق يكون وجوبيًّا([39]).

دعم الفتوى لقانون البنوك المصري:

كما دعمت الفتوى قانون البنوك المصري، ونجد ذلك الدعم في فتوى دار الإفتاء المصرية الواردة في شأن فوائد البنوك حيث جاء في هذه الفتوى: فوائد البنوك ودفاتر التوفير من الأمور المُختَلَف في تصويرها وتكييفها بين العلماء المعاصرين، والذي استقرت عليه الفتوى أن الإيداع في البنوك ودفاتر التوفير ونحوها هو من باب عقود التمويل المستحدثة لا القروض التي تجر النفع المحرم، ولا علاقة لها بالربا، والذي عليه التحقيق والعمل جواز استحداث عقود جديدة إذا خلت من الغرر والضرر، وهذا ما جرى عليه قانون البنوك المصري رقم 88 لسنة 2003م، ولائحته التنفيذية الصادرة عام 2004م، وحكم الحاكم يرفع الخلاف، فليست الأرباح حرامًا؛ لأنها ليست فوائد قروض، وإنما هي عبارة عن أرباح تمويلية ناتجة عن عقود تحقق مصالح أطرافها، ولذلك يجوز أخذها شرعًا([40]).

فقد حسمت هذه الفتوى الخلاف في المسألة بما جرى عليه قانون البنوك المصري باعتبار أن حكم الحاكم يرفع الخلاف.

دعم الفتوى لقانون التجارة فيما يتعلق بتوكيل المشتري بالشراء في البيع بالتقسيط:

كما دعمت الفتوى أيضًا قانون التجارة المصري في مادته رقم (156)، والتي وافقت مذهب المالكية، ونجد هذا الدعم في فتوى دار الإفتاء المصرية عندما سئلت الدار عن شخص يريد سلعةً معينةً، فذهب إلى بائعٍ وطلَبَها منه، فأخبره البائعُ أنَّها غير موجودة الآن، وعرض البائعُ على طالب السلعة أن يأخذَ المالَ ويذهبَ ليشتريَ السلعةَ المحددةَ الموصوفةَ لنفسه، مع إضافة نسبة ربحه التي يتحصَّلُ عليها كما لو سلَّمها حالًّا، فما حُكم هذا التعامل؟

فكان الجواب: أن العلاقة بين أطراف هذا العقد يمكن أن تُكيَّف على أنها وكالة بشراء سلعة نقدًا بثمن المثل حالًّا أَوَّلًا، ثم الوكالة بالبيع للنَّفْس بثمن مؤجل معلوم الأجل والزيادة ثانيًا، مقابل دفع ثمن السلعة بالتقسيط بعد إضافة الربح المتفق عليه.

وأضافت الفتوى: أمَّا كون المشتري للسلعة “الوكيل” هو البائع لنفسه بعد الشراء بالوكالة؛ فهي مسألة مختلَف فيها بين الفقهاء على قولين:

فالقول الأول: وهو قول الحنفيَّة والشافعيَّة في المعتمد من المذهب: أنَّه لا يجوز بيع الوكيل لنفسه مطلقًا([41]).

والقول الثاني: أنَّه يجوز بيع الوكيل لنفسه حال إذن الـمُوَكِّل بذلك وإلَّا فلا، وهذا هو مذهب المالكية والحنابلة، وهو وجهٌ عند الشافعية أيضًا([42]).

وقد أخذ قانون التجارة رقم 17 لسنة 1999م والمعدَّل بالقانونين رقم 168 لسنة 2000م، و150 لسنة 2001م في المادة (156) بالقول الثاني وذَكَر فيه ما اشترطه المالكية، ونصه: [1- لا يجوز للوكيل أن يقيم نفسه طرفًا ثانيًا في الصفقة المكلف بإبرامها إلا في الحالات الآتية:

أ- إذا أذن له الموكل في ذلك.

ب- إذا كانت تعليمات الموكل بشأن الصفقة صريحة ومحددة ونفذها الوكيل بدقة.

ج- إذا كانت الصفقة تتعلق بسلعةٍ لها سعر محدد في السوق واشتراها الوكيل أو باعها بهذا السعر.

2- لا يستحق الوكيل في الحالات المذكورة في الفقرة السابقة أجرًا غير الوكالة] اهـ.

وسداد ثمن السلعة التي باعها الوكيل لنفسه مُقَسَّطًا بعد إضافة الربح المتفق عليه لا مانع منه شرعًا؛ وذلك لأنَّه من المقرَّر شرعًا أنَّه يصحُّ بيعُ الأعيان بثمنٍ حالٍّ وبثمن مُؤجَّل إلى أجل معلوم، والزيادة في الثمن نظير الأجل المعلوم جائزة شرعًا على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء؛ لأنها من قبيل المرابحة، وهي نوع من أنواع البيوع الجائزة شرعًا التي يجوز فيها اشتراط الزيادة في الثمن في مقابلة الأجل.

وقررت الفتوى أنه بناءً على ما سبق فإنه لا مانع شرعًا من الوكالة بشراء سلعة نقدًا بثمن المثل حالًّا أَوَّلًا، ثم الوكالة بالبيع للنَّفْس بثمن مُؤجَّل معلوم الأجل والزيادة ثانيًا، مقابل دفع ثمن السلعة بالتقسيط بعد إضافة الربح المتفق عليه؛ وذلك بشرط إذن الموكِّل في ذلك، وأَنْ تكون السلعة موصوفة، وأن يكون ثمن الشراء وثمن البيع لا خفاء فيهما([43]).

فقد اختارت الفتوى مذهب المالكية وعزَّزت هذا الاختيار بنص القانون.

دعم الفتوى لقانون التجارة فيما يتعلق بعملية السمسرة:

وقد دعمت الفتوى قانون التجارة المصري فيما يتعلق بعملية السمسرة، ونجد هذا الدعم في

فتوى دار الإفتاء المصرية، حيث جاء فيها: السَّمْسَرَةُ عبارةٌ عن التَّوسُّط بين البائع والمشتري لتسهيل عملية البيع، وهي جائزة شرعًا طالما كانت السلعة أو ما في معناها حلالًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «المسلمون عند شروطهم» ذكره البخاري تعليقًا. وقال: لم يَرَ ابن سيرين وعطاء وإبراهيم والحسن بأجر السِّمْسَار بأسًا([44]).

وذهبت الفتوى إلى أنَّ تحديد العمولة هو أمر يخضع للاتفاق بين السِّمْسَار ومن كلفه بالبيع أو الشراء، وليس له تحديدٌ مقدرٌ شرعًا، بشرط البعد عن التدليس والغرر([45]).

وقد دعمت هذه الفتوى القانون الخاص بعملية السمسرة، حيث نظَّم القانون رقم (17) لسنة 1999، والخاص بإصدار قانون التجارة وفقًا لآخر تعديل، في الفصل السادس منه، كل ما يتعلق بعملية السمسرة من جميع جوانبها، ونذكر من هذه المواد:

مادة (192): السمسرة عقد يتعهد بمقتضاه السمسار لشخص بالبحث عن طرف ثانٍ لإبرام عقد معين والتوسط في إبرامه.

مادة (193): إذا لم يعين أجر السمسار في القانون أو في الاتفاق وجب تعيينه وفقًا لما يقضي به العرف، فإذا لم يوجد عرف قدره القاضي تبعًا لما بذله السمسار من جهد وما استغرقه من وقت في القيام بالعمل المكلف به.

مادة (194):

1– لا يستحق السمسار أجره إلا إذا أدت وساطته إلى إبرام العقد. وإذا لم يتم إبرام العقد بسبب تعنت من فوضه جاز للمحكمة أن تعوض السمسار عما بذله من جهد.

2– ويستحق السمسار الأجر بمجرد إبرام العقد ولو لم ينفذ كله أو بعضه.

3– إذا كان العقد معلقًا على شرط واقف فلا يستحق السمسار أجره إلا إذا تحقق الشرط.

4– إذا كان أحد آثار العقد يتوقف على إتمام إجراء قانوني معين كالتسجيل في بيع العقار أو القيد في الرهن الرسمي استحق السمسار أجره بمجرد إبرام العقد الابتدائي([46]).

فقد دعمت هذه الفتوى مواد القانون الخاصة بعملية السمسرة فوافقتها وأيدتها.

دعم الفتوى للقانون المدني فيما يتعلق بضمان البائع العيوب في المبيع:

أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى بحثية بخصوص اشتراط البائع ألَّا يكون عليه أي التزامٍ حال ظهور أي عيب في المبيع، وقد اختارت الفتوى الرأي الذي أيده القانون الذي لفَّق تلفيقًا حسنًا بين مذاهب الفقهاء، فقد جاء في ثنايا الفتوى: إن شَرَط البائع على المشتري براءته من عيوب السلعة مع علمه بهذه العيوب وكتمها فقد اختلف الفقهاء في مدى صحة هذا الشرط على أقوال:

الأول: أن الشرط صحيح، والبائع برئ من العيب مطلقًا، وبه قال الحنفية([47]).

والقول الثاني: أن الشرط باطل، ولا يبرأ البائع إلا فيما علمه البائع وسماه للمشتري فأبرأه، وهو المذهب عند الحنابلة، والمشهور من الروايات عن مالك، وأظهر أقوال الشافعي، إلا أن الإمام مالكًا والشافعي استثنيا الرقيق، فإن الشرط يصح إذا لم يعلم البائع ولا يصح إذا علم، وزاد الشافعي الحيوان، وخصَّ -أي الشافعي- صحة شرط البراءة في الرقيق والحيوان بالعيوب الباطنة التي لا يعلمها البائع بخلاف العيوب الظاهرة التي يعلمها البائع، وطرد الإمام مالك القول في عيوب الرقيق الظاهرة والباطنة([48]).

وذكرت الفتوى أن الذي يترجَّح في هذه المسألة من الناحية الفقهية مذهب الحنفية لا سيما وأن اشتراط البائع على المشتري البراءة يجعل المشتري ينصح لنفسه ويفحص المبيع قبل قبوله، فليس فيه غرر أو خديعة، والمشتري أمين لنفسه إن شاء أخذ وإن شاء ترك.

ولكن مع ذلك فإن القانون المدني المصري توسَّط بين القولين: فأخذ بالرأي الأول في شقٍّ، وبالرأي الثاني في شقٍّ آخر؛ حيث نصت المادة (447) من القانون المدني المصري على ما يلي:

أ- يكون البائع ملزمًا بالضمان إذا لم يتوافر في المبيع وقت التسليم الصفات التي كفل للمشتري وجودها فيه، أو إذا كان بالمبيع عيب ينقص من قيمته أو نفعه بحسب الغاية المقصودة مستفادة مما هو مبين في العقد، أو مما هو ظاهر من طبيعة الشيء، أو الغرض الذي أعد له، ويضمن البائع هذا العيب ولو لم يكن عالمًا بوجوده.

ب- ومع ذلك لا يضمن البائع العيوب التي كان المشتري يعرفها وقت البيع، أو كان يستطيع أن يتبينها بنفسه لو أنه فحص المبيع بعناية الرجل العادي، إلا إذا أثبت المشتري أن البائع قد أكد له خلو المبيع من هذا العيب، أو أثبت أن البائع قد تعمد إخفاء العيب غشًّا منه.

ونصت المادة (453) من نفس القانون على أنه يجوز للمتعاقدين باتفاق خاص أن يزيدا في الضمان أو أن ينقصا منه أو أن يسقطا هذا الضمان، على أن كل شرط يسقط الضمان، أو ينقصه يقع باطلًا إذا كان البائع قد تعمد إخفاء العيب في المبيع غشًّا منه.

فالمستفاد من المادة الثانية أنه يجوز للمتبايعين الاتفاق على إسقاط الضمان، وهو مآل الإبراء، وهذا ما يفيده الرأي الأول، كما يستفاد من المادة ذاتها أن هذا الجواز مقيَّد بما إذا لم يعلم البائع عيبًا معينًا أخفاه على سبيل الغش، وهذا ما يفيده الرأي الثاني. والمستفاد من المادة الأولى عدم ضمان البائع للعيوب التي يعرفها المشتري سواء اطلع عليها بنفسه أو أوقفه البائع عليها، وهذا مفاد الرأي الثاني أيضًا، وهو تلفيقٌ حسن.

وبناءً على ما سبق: فالرأي الشرعي والقانوني المختار للفتوى أنه يجوز إبراء المشتري البائعَ من عيوب المبيع، شريطة عدم إخفاء البائع لعيبٍ غشًّا منه([49]).

فقد اختارت الفتوى الرأي الذي أخذ به القانون المدني المصري المستفاد من آراء الفقهاء.

وفي فتوى أخرى صادرة عن دائرة الإفتاء الأردنية بخصوص شخص اشترى مولد كهرباء للسيارة دون اشتراط كفالة للبضاعة على البائع، وبعد التركيب تبيَّن فيه عطل مصنعي، وصاحب السلعة رفض إرجاعها. فجاء الجواب: أن عقد البيع إذا حصل بشروطه الشرعية يعتبر عقدًا لازمًا، وإذا تبيَّن بعد البيع خلاف ما كان عليه العقد فعندئذٍ يرجع فيه المتعاقدان، وقد نصَّ علماء الفقه الإسلامي على ثبوت خيار العيب للمشتري، فإذا تبيَّن لأحد المتبايعين العيب بعد تمام العقد، ولم يكن العيب جديدًا حادثًا بعد العقد جاز له أن يعيد البضاعة المشتراة إلى صاحبها، ووجب على البائع فسخ البيع، سواءً كان العيب في ذات المبيع، أو لم تتحقق فيه المواصفات التي ذكرها البائع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم، ولا يحل لمسلم باع من أخيه بيعًا فيه عيب إلا بيَّنه له»([50]). قال الإمام النووي: «للمشتري الخيار بظهور عيب قديم»([51]).

ويستوي في هذا الحكم حال وجود الكفالة من عدمها، بمعنى أن ظهور العيب القديم يوجب على البائع تحمله بفسخ البيع أو استبدال المبيع، سواء كان قد أعلن كفالته للبضاعة أم لا، إلا إذا اشترط البائع عند العقد أنه بريء من كل العيوب إن ظهرت، وأنه لا يتحمل أية مسؤولية، ووافق المشتري، ففي هذه الحالة فقط يعفى البائع، وليس من حق المشتري الفسخ بسبب العيب؛ لأنه وافق على إسقاط حقه.

قال ابن الهمام: «فإن البيع بشرط البراءة من كل عيب صحيح في الحيوان وغيره، ويبرأ البائع به من كل عيب قائم وقت البيع، معلوم له أو غير معلوم»([52])، وهو ما نص عليه القانون المدني الأردني في (المادة 194).

وعليه، فإن لم يشترط البائع عند عقد البيع براءته من العيوب، وجب عليه قبول إرجاع مولد الكهرباء المذكور([53]).

فقد استندت هذه الفتوى إلى المادة (194) من القانون المدني الأردني: والتي نصها: يشترط في العيب لكي يثبت به الخيار أن يكون قديمًا مؤثرًا في قيمة المعقود عليه، وأن يجهله المشتري، وألا يكون البائع قد اشترط البراءة منه([54]).

فقد دعمت هذه الفتوى نص القانون المدني الذي وافق مذاهب الفقهاء.

دعم الفتوى للقانون المدني في شأن تنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين:

وهناك فتوى صادرة عن دار الإفتاء المصرية في شأن الإجارة وهي نوع من أنواع المعاملات المالية استندت فيها إلى أحكام القانون الوارد في شأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين، وكان السؤال: ما حكم ما يدفعه المستأجِر من مَالٍ زائدٍ على القيمة الإيجاريَّة للمؤجِّر؛ لبيان الملاءة المالية، وضمان المتلفات التي قد يتسبب فيها المستأجر أثناء مدة تأجير العين، وقد يتم سداد قسط مُتأخِّر من الإيجار منها، وهل يجوز للمُؤجِّر أخذ هذا المال الزائد؟ وهل له أن يتصرف فيه كما يشاء؟

فجاء في الجواب: يجوز لـمُؤجِّر العين أن يأخذ من المستأجر مالًا زائدًا عن الأجرة بقيمة شهرين من الإيجار -كما هو مُقرَّرٌ في القانون- فإذا تَرَاضيا على الزيادة جاز، ويتَملك الـمُؤجِّر هذا المال، ويحق له التصرف فيه، ثم يَرُدُّه إلى المستأجر عند انتهاء العقد، ويكون هذا المال لضمان سداد ما يتلف من العين الـمُؤجَّرة، أو لاستيفاء ما على المستأجر من مُتأخِّرات الأجرة.

أما عن حَدِّ هذا المال الذي يُدفع للتأمين في عقود الإيجار؛ فقد ضبط القانون هذه المسألة بقيمة شهرين من الأجرة؛ وذلك كما جاء في المادة 18 من القانون رقم 52 لسنة 1969م؛ حيث نَصَّت أنَّه: [لا يجوز أن يزيد مقدار التأمين الذي يدفعه المستأجر على ما يعادل أجرة شهرين] اهـ، وتَأكَّد هذا بما جاء في المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون 49 لسنة 1977م؛ وهذا من الـمُشَرِّع إنما هو من الشروط الـمُكَمِّلة للعقد، فإذا تَرَاضى أطراف العقد على الزيادة على ذلك فلا مانع.

وبناءً على ذلك: فيجوز لـمُؤجِّر العين أن يأخذ من المستأجر مالًا زائدًا عن الأجرة بقيمة شهرين من الإيجار -كما هو مُقرَّرٌ في القانون-؛ فإذا تَرَاضيا على الزيادة جاز، ويتَملك الـمُؤجِّر هذا المال، ويحق له التصرف فيه ثم يَرُدُّه إلى المستأجر عند انتهاء العقد، ويكون هذا المال لضمان سداد ما يتلف من العين الـمُؤجَّرة، أو لاستيفاء ما على المستأجر من مُتأخِّرات الأجرة([55]).

فقد استندت هذه الفتوى في حكمها إلى نصوص القانون المدني الذي لا يتعارض مع الشريعة، وينظم حياة أفراد المجتمع.

وفي فتوى لدائرة الإفتاء الأردنية بخصوص انتهاء عقد الإيجار بوفاة المؤجر، وهل يحق للورثة إنهاء عقد الإجارة بسبب وفاة المؤجر نجد دعمًا للقانون المدني الأردني الذي وافق الشريعة الإسلامية،

فقد جاء في هذه الفتوى: عقد الإجارة من العقود اللازمة التي تتأقَّت بمدة زمنية معينة لا يجوز لأحد العاقدين فسخ العقد خلالها إلا برضا الطرف الآخر، وأما وفاة المؤجر فلا يعتبر فسخًا للعقد؛ لأن ملكية العين تئول لورثته، فينتفع المستأجر بمنفعة المأجور مقابل الأجرة المتفق عليها؛ قال الإمام الشربيني الشافعي: «ولا تنفسخ الإجارة بموت العاقدين أو أحدهما، بل تبقى إلى انقضاء المدة؛ لأنها عقد لازم فلا تنفسخ بالموت كالبيع»([56]).

وقد جاء في القانون المدني الأردني ما نصه (المادة 709): “لا ينتهي الإيجار بوفاة أحد المتعاقدين”.

وعليه، فلا يحق لورثة المؤجر إنهاء عقد الإجارة بسبب وفاة المؤجر([57]).

فقد دعمت الفتوى نص القانون الذي جاء موافقًا لمذاهب الفقهاء.

دعم الفتوى للقانون المدني فيما يتعلق بالتوكيل:

ونجد دعم الفتوى للقانون المدني الأردني في فتوى بحثية لدائرة الإفتاء الأردنية عن حكم الوكالة غير القابلة للعزل. وقد جاء في هذه الفتوى: الأصل أن عقد الوكالة عقد جائز، وأن للموكل أن يعزل الوكيل في أي وقت شاء بإرادته المنفردة، لكن إن تعلق بها حق للوكيل، أو كانت الوكالة صدرت لمصلحة الوكيل فلا يملك الموكِّل عزله؛ لأن في ذلك إضرارًا به، جاء في “البحر الرائق”: «ثم يطرأ على الوكالة اللزوم في مسائل؛ ولذا قال في “المجمع”: ويملك الموكل عزله ما لم يتعلق بها حق الغير»([58]).

 وقد نص القانون المدني الأردني في المادة رقم (863) على الآتي: “للموكل أن يعزل وكيله متى أراد، إلا إذا تعلق بالوكالة حق للغير، أو كانت قد صدرت لصالح الوكيل، فإنه لا يجوز للموكل أن ينهيها أو يقيدها دون موافقة من صدرت لصالحه”.

فإن كانت الوكالة قد سُبقت بعقد بيع بإيجاب وقبول معتبَرين، فلا حرج من اتخاذها حينئذ وسيلة من وسائل التوثيق، أما إن كانت وكالة مجردة ولم يتعلق بها شيء مما ذُكر فلا يجوز اشتراط عدم قابلية العزل؛ لأنه شرط مخالف للصفة الشرعية لعقد الوكالة([59]).

فقد أيدت الفتوى القانون المدني الأردني في مسألة عزل الوكيل، حيث وافق القانون نصوص الفقهاء.

دعم الفتوى للقانون المدني فيما يتعلق بدفع العربون:

ونجد دعمًا للقانون المدني الأردني فيما يتعلق بحكم عقد بيع يتضمن أخذ البائع للعربون في فتوى صادرة عن دائرة الإفتاء الأردنية جاء فيها:

بعد الاطلاع على عقد البيع الابتدائي لقطعة الأرض، تبين أن الاتفاق على مبلغ العربون كان مقترناً بعقد البيع كما جاء في العقد، وفي حال نكول المشتري عن شراء الأرض، فقد اختلف الفقهاء في أخذ البائع العربون في هذه الحالة على رأيين:

فقد ذهب الحنفية والشافعية إلى عدم جواز أخذ البائع لمبلغ العربون في حال كان اشتراطه مقترنًا بإنشاء عقد البيع، مستدلين بما رواه ابن ماجه عن عمرو بن شعيب: «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العُرْبان»([60]).

وذهب الحنابلة إلى جواز أخذ البائع لمبلغ العربون في مثل هذه الحالة، مستدلين بما رواه الإمام البخاري تعليقًا، قال: «واشترى نافع بن عبد الحارث دارًا للسجن بمكة من صفوان بن أمية على أن عمر إن رضي فالبيع بيعه، وإن لم يرض عمر فلصفوان أربعمائة دينار».

وأضافت الفتوى: وأجاز “مجمع الفقه الإسلامي” بيع العربون إذا قُيدت فترة الانتظار بزمن محدود، ويحتسب العربون جزءًا من الثمن إذا تم الشراء، ويكون من حق البائع إذا عدل المشتري عن الشراء. [الدورة الثامنة قرار (76/ 3/ 85)]، كما أجاز القانون المدني الأردني بيع العربون في المادة (107) منه.

والمختار عندنا جواز بيع العربون، وأن العربون الذي يدفعه المشتري يكون جزءًا من الثمن إن أمضى البيع، وإلا فهو للبائع إن عدل المشتري عن الشراء، شريطة أن يُحدد بفترة زمنية يتفق عليها الطرفان، وهذا من باب خيار الشرط([61]).

فقد أيدت هذه الفتوى ما جاء في القانون المدني الأردني في المادة (107) التي تنص على:

1-دفع العربون وقت إبرام العقد يفيد أن لكل من المتعاقدين الحق في العدول عنه إلا إذا قضى الاتفاق بغير ذلك.

2- فإذا عَدَل مَنْ دفع العربون فقده وإذا عَدَل مَن قَبَضَه ردَّه ومثله([62]).

 

 

 

 

المبحث الثاني: دور الفتوى في دعم التعاون والتكامل الاقتصادي العالمي.

مدخل:

لقد شهدت الساحة الاقتصادية الدولية منذ الخمسينات العديد من التغيرات التي يمكن أن يكون لها تأثير بالغ على العلاقات الاقتصادية الدولية، ولعل من أهم هذه المتغيرات الاتجاه إلى التكتل الاقتصادي، والذي لا بد من تأثيره على الدول الإسلامية، حيث تسعى التكتلات لتعظيم مكاسبها الاقتصادية، وذلك على حساب الدول الخارجة عن نطاقها، وهو الأمر الذي يوجب على الدول الإسلامية التحرك في اتجاه التكامل والتعاون البنَّاء، الذي ينعكس إيجابيًّا على قدرتها على جذب الاستثمارات الأجنبية، والتي تقوم بدور مهم في دفع عجلة التنمية بالدول النامية خاصة في ظل الدعوة إلى إلغاء المعونات التي التزمت الدول المتقدمة بتقديمها للدول النامية فيما مضى([63]).

كما أن العالم اليوم يشهد العديد من التطورات الجذرية والمتسارعة في الساحة الاقتصادية أدت إلى حدوث تغييرات مؤثرة، تتمثل في اتجاه معظم دول العالم لتبني سياسة الاقتصاد الحر، وبروز آفاق جديدة لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتحرير التجارة وعملقة المؤسسات الاقتصادية، وتعزيز قدرتها الإنتاجية في تحالفات استراتيجية وتكتلات اقتصادية.

ونظرًا لهذه التطورات فإنه لزامًا على الدول العربية أن تحقق تكتلًا خاصًّا بها لتكون على استعداد للتعامل مع الانفتاح في العالم بالشكل الذي يحقق ذاتيتها ومساهمتها في التقدم الاقتصادي العالمي أسوة ببقية التكتلات الموجودة في أنحاء مختلفة من العالم، وبذلك يمكن فقط للدول العربية بمختلف مؤسساتها أن تكون فاعلة ومساعدة من أجل التغيير لما فيه خير الإنسانية.

وإذا كان موضوع التكامل الاقتصادي قد احتل مكانة بارزة في الأدبيات الاقتصادية الحديثة –وخاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية- فإن ذلك يرجع إلى إدراك جميع دول العالم لأهمية وضرورة تنمية التعاون الاقتصادي فيما بينها.

وإذا كانت دول العالم ومنها الدول العربية قد عرفت أهمية التكامل الاقتصادي فيما بينها فإن الشريعة الإسلامية قد حثَّت على التعاون والتكامل بين كافة الدول العربية والإسلامية في كل المجالات ومنها المجالات الاقتصادية؛ ليكون للدول الإسلامية المكانة العظمى بين كافة دول العالم([64]).

ونظرًا لأهمية التكامل الاقتصادي بين الدول وكونه ضرورة لمواجهة التحديات التي تفرضها العولمة، ولأن التعاون بين الدول العربية والإسلامية أمر جاء به الإسلام وتؤكده المصلحة وضرورة عصر العولمة، من أجل ذلك جاء هذا المبحث.

من خلال المطالب الآتية:

المطلب الأول: حقيقة التكامل الاقتصادي:

إن التكامل الاقتصادي تقوم فكرته الأساسية على عدة حقائق منها ما يلي:

1-أن العالم مقسم إلى دول مستقلة، وأنه لا توجد دولة واحدة يمكن أن تكتفي اقتصاديًّا بإمكانياتها، سواء من حيث الموارد أو من حيث نطاق السوق فيها، ومن هنا وجدت التجارة الخارجية بمفهومها الواسع الذي يعني انتقال السلع والخدمات وعناصر الإنتاج بين الدول بعضها مع بعض.

2-أن التجارة الخارجية تشهد منافسة قاتلة بين الدول تصل إلى حد إشعال الحروب والاستعمار للاستيلاء على موارد الدول الأخرى، ولإيجاد سوق لتصريف السلع والخدمات.

وبعيدًا عن الحرب والاستعمار فإن الدول تستخدم في هذه المنافسة عدة سياسات اقتصادية منها ما تفرضه من قيود كمية وتعريفية لتحد من تدفق السلع الأجنبية إليها حماية للصناعات الوطنية، أو تقديم حوافز لجذب الموارد التي تحتاجها للإسهام في التنمية بها من رءوس الأموال والكفاءات البشرية والتكنولوجيا.

3-أن الدول ذات الإمكانيات الكبيرة والاقتصاديات القوية تستأثر بالجزء الأكبر من التجارة الخارجية وتبقى الاقتصاديات الصغيرة تابعة لها، ويزيد ذلك في ظل العولمة التي يعيشها العالم الآن، والتي تعني في أحد معانيها زيادة تأثر الاقتصاديات المحلية بالاقتصاد الدولي.

لذلك كله كانت فكرة التكامل الاقتصادي بين مجموعات من الدول ذات الظروف المتشابهة، وتقوم هذه الفكرة على أمرين أساسين هما:

أ-إزالة الحواجز أمام تدفق السلع والخدمات بين مجموعة الدول المتكاملة.

ب-إيجاد أحسن السبل لقيام علاقات اقتصادية بين هذه الدول مبنية على التعاون الذي يفيد الجميع.

تعريف التكامل الاقتصادي:

يقصد بالتكامل الاقتصادي: «العملية التي بموجبـها يتم إلغاء الحواجز الجمـركية وغير الجمركية بين مجموعة من الدول المتكاملة من خلال تنسيق السياسات الاقتصادية والنقدية والمالية مما يؤدي إلى خلق تكتل اقتصادي جديد يحل محل الاقتصاديات الوطنية في المنطقة التكاملية»([65]).

الفرق بين التكامل الاقتصادي والتعاون الاقتصادي:

قد يخلط البعض بين مصطلحي التكامل الاقتصادي والتعاون الاقتصادي، إلا أن الفكر الاقتصادي يفرق بين المصطلحين؛ فالتعاون الاقتصادي يرمي إلى تحقيق منفعة اقتصادية مشتركة عن طريق تبادل منح التيسيرات اللازمة لتيسير وتشجيع التبادل التجاري والاقتصادي بين دولتين أو أكثر، وعلى أساس مبدأ المعاملة بالمثل أو وفقًا لما يتم الاتفاق عليه، وفي إطار التعاون الاقتصادي تحتفظ الوحدات الاقتصادية المكونة للدول المتعاونة اقتصاديًّا بخصائصها المتميزة واستقلاليتها، وفي الغالب يتم توقيع اتفاقية للتعاون الاقتصادي بين عدد من الدول، ويتم فيها تحديد مجالات التعاون الاقتصادي، ومدة هذه الاتفاقية، والتسهيلات التي تقدمها كل دولة، وغير ذلك من الأمور التي تتضمنها الاتفاقية.

فأبرز ما يميز التعاون الاقتصادي أنه يحقق منافع مشتركة وبصورة متناسبة لجميع أطراف التعاون التي تقف على قدم المساواة في علاقاتها.

أما التكامل الاقتصادي فإنه أعمق من التعاون حيث يتضمن إزالة العقبات التي تعرقل حركة العلاقات الاقتصادية الدولية، والعمل على زيادة عمق وفاعلية هذه العلاقات بين الدول، فضلًا عن ذلك فإن التكامل الاقتصادي يرتبط بتحقيق تغيرات وآثار هيكلية في الاقتصاد الوطني للدول الأطراف في عملية التكامل، أما مجرد التعاون الاقتصادي فإنه لا يرتبط بتحقيق تغيرات ليس لها الطبع الهيكلي نفسه ولا الدرجة نفسها من العمق والشمول وبُعد المدى في العلاقات بين الأطراف.

وعلى ذلك فإنه من الطبيعي ألا يقوم التكامل إلا بين أقطار ذات نظام اقتصادي واجتماعي متجانس أو متقارب، بينما التعاون الاقتصادي يمكن أن يقوم بين أقطار ذات أنظمة اقتصادية واجتماعية واحدة، كما يمكن أن يقوم بين أقطار ذات أنظمة اقتصادية واجتماعية مختلفة بل ومتعارضة.

والتعاون الاقتصادي بين الدول يمكن أن يتخذ أشكالًا وصورًا عديدة، فقد يكون ثنائيًّا بين دولتين فقط، وقد يتم بين مجموعة من الدول ذات الانتماء الجغرافي لمنطقة معينة، كما يمكن أن يتعلق بموضوعات ومجالات لا حصر لها، أما التكامل فإنه قد يتخذ صورًا عديدة تمثل درجات متفاوتة مثل منظمة التجارة الحرة، الاتحاد الجمركي، السوق المشتركة([66]).

مراحل التكامل الاقتصادي:

يمرُّ التكامل الاقتصادي بخمس مراحل متتابعة كما يلي:

1-منطقة التجارة الحرة: وهي تجمع اقتصادي بين مجموعة من الدول يتم بموجبه تحرير التجارة فيما بين هذه الدول من كافة الحواجز الجمركية والقيود الأخرى على التجارة، مع احتفاظ كل دولة بتعريفتها الجمركية إزاء العالم الخارجي، وذلك بهدف تحقيق منافع اقتصادية بين دول المنطقة.

وإذا تحققت هذه المرحلة تنتقل إلى عملية أكثر عمقًا، وهي:

2-الاتحاد الجمركي: ويتميز هذا الاتحاد عن منطقة التجارة الحرة بكونه يقوم بتوحيد التعريفات الجمركية في مواجهة الدول غير الأعضاء، وذلك بوضع تعريفات جمركية على السلع بصورة متجانسة.

وإذا تحقق الاتحاد الجمركي تكون دول التكامل الإقليمي الاقتصادي أمام السوق المشتركة.

3-السوق المشتركة: والتي تمكن الدول الأعضاء من إلغاء القيود على حركة عناصر الإنتاج -العمل ورأس المال- وبذلك تشكل الدول سوقًا موحدة يتم من خلالها وفي إطارها انتقال السلع والأشخاص ورءوس الأموال في حرية تامة.

وإذا وصلت الدول إلى هذه المرحلة فإنها تحقق بذلك الاتحاد الاقتصادي.

4-الاتحاد الاقتصادي: يجمع الاتحاد الاقتصادي بين ما تتميز به السوق المشتركة إضافة إلى توافق بين السياسات الاقتصادية للدول الأطراف.

ويقود نجاح الاتحاد الاقتصادي إلى أعلى درجات التكامل، وهي الاندماج الاقتصادي.

5-الاندماج الاقتصادي: وهي المرحلة الأرقى في التكامل الاقتصادي يتم من خلالها توحيد السياسات الاقتصادية والنقدية والمالية بين الدول المنظمة للإقليم([67]).

الأسس الشرعية لقيام التكامل الاقتصادي الإسلامي:

إن تحقيق التكامل يحتاج إلى إرادة قوية، ووعي بالأخطار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تواجه المسلمين، والتي تتزايد في ظل انخفاض حجم التعاون بين الدول الإسلامية، مع فرض نماذج لا تتلاءم وخصوصياتها.

ويستمد التكامل الاقتصادي الإسلامي مشروعيته من تعاليم الإسلام التي تنص وتحث على الوحدة على المستوى الفردي والدولي، ويدعم هذا الأمر عدة آيات قرآنية وأحاديث نبوية، فمن القرآن نجد قوله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 92]، وفي السنة المطهرة نجد قول الرسول صلى االله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا([68])»، وفي حديث آخر: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان االله في حاجته([69])»، إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث الدالة على وجوب التعاون والتآزر بين أفراد الأمة الإسلامية وذلك في كافة المجالات فضلًا عن المجال الاقتصادي، ومن روائع ما وجدنا في السيرة النبوية فيما يخص هذا الموضوع، هي الطريقة التي آخى بها الرسول عليه الصلاة والسلام بين المهاجرين والأنصار عند قدومه للمدينة.

دور الفتوى في دعم التكامل والتعاون الاقتصادي بين الدول الإسلامية:

تتوفر البلدان الإسلامية على ثروات وموارد اقتصادية مهمة ومتنوعة، تسمح بتحقيق نمو اقتصادي كبير، غير أن سوء استغلالها إضافة إلى ضعف الهيكل الاقتصادي جعلها تصنف في خانة البلدان النامية من قِبَل الهيئات الاقتصادية الدولية كصندوق النقد الدولي.

ولقد ساهم ضعف التعاون بين هذه البلدان في التبعية الاقتصادية للعالم المتقدم، ومكَّن الدول الصناعية الكبرى من السيطرة على التعاملات التجارية الكبرى في مجال التصدير والاستيراد، لكن باستيراد المواد الأولية الخام من البلدان الإسلامية بأثمان منخفضة، وتصدير المواد المصنعة بأضعاف الأثمان لها، مما ساهم في تعميق الفجوة بين هذه الدول([70]).

ولهذا أصبح التكامل الاقتصادي في العالم الإسلامي هو الحل الوحيد من أجل رفع معدل النمو، وهو المعزز لتقوية الروابط بين دول العالم الإسلامي والحد من خطر العولمة ومنظمة التجارة العالمية؛ فالتكامل الاقتصادي في العالم الإسلامي ضرورة يدعو إليها الشرع من أجل تحقيق مصالح العباد، يقول الإمام ابن القيم: «إن الشريعة مبناها وأساسها على الحِكَم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها؛ فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى البعث؛ فليست من الشريعة وإن أُدخلت فيها بالتأويل؛ فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه»([71]).

ولذلك فإنه من الأهمية بمكان قيام سوق عربية وإسلامية مشتركة، وهو المشروع الذي راود الحلم العربي منذ خمسينات القرن الماضي، ومع أهمية قيام السوق المشتركة لكونها أصبحت ضرورة لمواجهة تحديات العولمة وما أفرزته من قيام تكتلات اقتصادية عملاقة لا يمكن مواجهتها إلا بتكتل مماثل، إلا أن هذه السوق لم تقم إلى يومنا هذا.

والفتوى المنضبطة تدعم قيام السوق الإسلامية المشتركة باعتبارها العامل الرئيسي في تحقيق الوحدة الإسلامية المنشودة، وهذا ما قام به النبي صلى الله عليه وسلم عندما هاجر من مكة إلى المدينة حيث بنى للمسلمين سوقًا.

ولقد كان للفتوى دورها بالفعل في الدعوة إلى إقامة سوق إسلامية مشتركة، فقد أشار قرار مجمع الفقه الإسلامي إلى هذا الموضوع صراحةً، كما جاء في توصيات الدورة الرابعة لمجلس مجمع الفقه الإسلامي، المنعقد في مدينة جدة، بتاريخ 18 إلى 23/6/1408هـ، حيث جاء في التوصية (ز): يوصي مجلس المجمع بإقامة سوق إسلامية مشتركة، يتعاون فيها المسلمون على الإنتاج وتسويقه، دون الحاجة إلى غيرهم؛ لأن الاقتصاد ركن مهم من أركان قيام المجتمعات، وتكامله سبيل للوحدة بين شعوب الأمة الإسلامية.

فالدول الإسلامية أحوج ما تكون إلى التكتل والوحدة خاصة في مجال الاقتصاد لتقف أمام الدول والأحلاف الأخرى موقف الند للند للدفاع عن مصالحها وتحقيق الرفاهية والكرامة لشعوبها. وقد ألمح قرار مجمع الفقه الإسلامي إلى أن الوضع الدولي المعاصر يفرض على الدول الإسلامية أن تتعاون فيما بينها لتحافظ على مصالحها؛ لأن الانعزالية أصبحت خطرًا محققًا على أي دولة من الدول مهما أوتيت من القوة ومن الإمكانات الطبيعية والبشرية.

-كما أن للفتوى دورًا بارزًا في تعزيز التكامل والتعاون الاقتصادي بين الدول الإسلامية بإقرارها المعاهدات والاتفاقيات التي تتوخى التنمية الاقتصادية للبلاد الإسلامية والعربية ولا تتعارض مع الشريعة الإسلامية، وهناك العديد من الاتفاقيات الاقتصادية بين الدول الإسلامية التي تستهدف التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول الأطراف على أسس المصلحة المشتركة والنفع المتبادل، منها: الاتفاقية العامة للتعاون الاقتصادي والفني والتجاري بين الدول الإسلامية الموقعة في المؤتمر الثامن لوزراء خارجية الدول الإسلامية المنعقد في طرابلس بليبيا عام 1977م، والتي تهدف إلى تشجيع انتقال رءوس الأموال وتبادل الخبرات والمهارات الفنية والتقنية بين الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي.

ومنها: اتفاقية تشجيع وحماية وضمان الاستثمارات بين الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي الصادرة عن الدورة الثانية عشرة لمؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية المنعقد في بغداد عام 1981م.

ومنها: اتفاقية المنظمة الإسلامية لتأمين الاستثمارات وتمويل الصادرات بين الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي عام 1992م.

ومنها: ​​​​​​​​​اتفاقية بين حكومة المملكة العربية السعودية وحكومة جمهورية مصر العربية لتجنب الازدواج الضريبي ولمنع التهرب الضريبي في شأن الضرائب على الدخل، الموقعة في 2016/4/8، والنافذة اعتبارًا من 2017/7/1.

فمثل هذه الاتفاقيات وما على شاكلتها مما يستهدف التنمية الاقتصادية وتحقيق الرخاء للشعوب بما لا يتعارض مع أحكام الشريعة ينبغي على الفتوى المنضبطة أن تدعمها، وفي هذا الصدد نجد قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي رقم: 160 (17/9)، المنعقد في دورته السابعة عشرة بعمان (المملكة الأردنية الهاشمية) من 28 جمادى الأولى إلى 2 جمادى الآخرة 1427هـ، الموافق 24-28 (يونيو) 2006م، فقد أشار هذا القرار إلى ضرورة التعاون والتكامل بين الدول الإسلامية في جميع المجالات، مثل إقامة السوق الإسلامية المشتركة، والمناطق الاقتصادية الحرة، وإبرام اتفاقيات التعاون في مختلف المجالات الدولية.

دعم الفتوى لرفع الأزمات والمحن الاقتصادية عن البلاد الإسلامية:

الأصل في الإسلام هو وحدة الأمة الإسلامية، وإن اختلفت لغات وعادات شعوبها، قال تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 92]، وقال تعالى: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون: 52]، فالعالم الإسلامي وإن قُسِّم إلى عدة دول إلا أنه في حقيقته يظل وطنًا واحدًا، والواجب على كل دولة سد احتياجات مواطنيها، فإذا حدثت محنة أو وقعت كارثة في دولة إسلامية فإنه يمكن نقل أموال الزكوات إليها من خلال بيت المال، وهو ما يمثل بلغة اليوم البنك المركزي للدولة الإسلامية.

وقد قامت الفتوى بدور بارز في هذا الصدد فأصدرت دائرة الإفتاء الأردنية فتوى بجواز نقل الزكاة من بلد إلى بلد آخر، فقد جاء في هذه الفتوى: يجوز نقل الزكاة إلى غير البلد الذي وجبت فيه ما دام أنه يوجد مستحق لها في ذلك البلد المنقول إليه، خاصة إذا ظهرت حاجة لذلك، كأن تدفع لقريب، أو لشخص أشد حاجة، أو وقعت كارثة تقتضي تعجيل المساعدة، ونحو ذلك من الأسباب([72]).

فلهذه الفتوى أثر طيب حيث تحدث النكبات والكوارث والحروب والمجاعات في عصرنا الحاضر ويتأثر المسلمون بتلك الكوارث والمحن، حيث تنعم بعض بلدان المسلمين بالثراء في حين تئن بلدان أخرى بالفقر لسوء إدارة أو قلة موارد، وقد أصبح كثير من المسلمين يعيشون في بلاد غير إسلامية على أنهم أقليات، تركوا أوطانهم بحثًا عن لقمة العيش أو فرارًا من حروب وصراعات، ولهم احتياجاتهم في بلاد لا تعترف إلا بالأقوياء اقتصاديًّا، وهنا يظهر تفعيل أثر الزكاة في دعم ورعاية المسلمين في كافة بقاع المعمورة وسد خلتهم وقضاء حاجاتهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»([73]).

الأساس الشرعي في التعاون الاقتصادي بين دول العالم:

يدعو الإسلام لدولة عالمية واحدة؛ إذ تقوم الرؤية الإسلامية للعلاقات الدولية على أساس أن المجتمع العالمي مجتمع واحد، وأن الإسلام جاء ليطبق في الأرض كلها، وينظم شئون الحياة كلها.

وقد شاءت إرادة الله تعالى أن تختلف خيرات الأرض باختلاف الأقاليم حرًّا وبردًا، وأن تختلف باختلاف نوعية الأرض، فليس في كل إقليم حاجاته إلا ما ندر، وليست صناعات الأقاليم متحدة، وليست درجة الإجادة متحدة في كل الأصناف، كما أن الإسلام يأمر بالتفاعل الحضاري مع بقية الشعوب والأمم المبني على الاحترام ومعرفة حقوق الآخر، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]، أي: ليعرف بعضكم حقوق بعض ويحترمها، ولا شك أن من جملة التفاعل الحضاري التبادل الاقتصادي بين الشعوب والحضارات إلى جانب الثقافة والمعرفة على أساس من التعاون والمصالح المشتركة، لا على أساس التبعية وإلغاء الآخر ومصادرة حقوقه وثرواته الاقتصادية، ولهذا فقد أجازت الشريعة الإسلامية التبادل التجاري مع البلاد غير الإسلامية سواء بالاستيراد منها أو التصدير لها على وفق الضوابط والقيود التي فرضتها على معتنقيها([74]).

يضاف إلى ذلك أن قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29]، وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ} [الحج: 65] إنما يدلان على أن الله تعالى قد سخَّر الكون بكل ما فيه لخلقه وأمرهم بالانتفاع بموارده وطيباته، وأن الناس جميعًا في ذلك متساوون لا تمييز بين فئة وفئة أو بين أمة وأخرى، وبدهي أن إعمال هذا الانتفاع يحتم –في ضوء تفاوت قدرات الأفراد والشعوب وتنوع حاجاتهم- قيام التبادل التجاري من أجل تبادل الفائض وسد الحاجات.

وإذا كان الإسلام قد أطلق يد الأفراد والجماعات في تنظيم المبادلات والمعاملات التجارية فيما بينهم وفقًا للضوابط التي رسمتها الشريعة في هذا الخصوص فإن ما يهيئه تبادل العلاقات التجارية بين الدولة الإسلامية والدول غير الإسلامية من تلبية حاجات الأفراد وسد النقص القائم من متطلبات حياتهم عن طريق الاستيراد، وكذلك جلب الربح وتحقيق الكسب الناتج عن تصدير الفائض مما تتخصص الدولة الإسلامية في إنتاجه، وما يعنيه ذلك من تحقيق المقاصد الكلية للشريعة الإسلامية في حفظ النفس والعمل والمال بل ونشر الدعوة الإسلامية، كل ذلك كان حريًّا بالشريعة أن تجعل الإباحة هي الأصل العام في صدد تبادل التجارة وقيام التعاون الاقتصادي بين الدولة الإسلامية والدول غير الإسلامية، ما دام ذلك يتم في نطاق الضوابط التي رسمتها الأحكام العامة للشريعة في هذا الخصوص([75]).

ولهذا فقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى جواز تصدير السلع والاتِّجار حتى مع دول الحرب.

وقالوا: إن إباحة التصدير لهم لغرض الحاجة إلى ذلك؛ فإننا إذا منعنا التصدير إليهم فإنهم سيقابلوننا بمنع التصدير إلينا، وهذا يُلحق ضررًا بالدولة الإسلامية لما تحتاج إليه من أمتعة بلاد الحرب وسلعها([76]).

ومن الأدلة على جواز التصدير من بلاد المسلمين: حديث ثمامة بن أثال بعد أن أسلم، فإنه قال لأهل مكة حين قالوا له: صبوت؟ فقال: إني والله ما صبوت، ولكني والله أسلمت، وصدقت محمدًا صلى الله عليه وسلم وآمنت به، وايم الله الذي نفس ثمامة بيده، لا تأتيكم حبة من اليمامة -وكانت ريف مكة- حتى يأذن فيها محمد صلى الله عليه وسلم وانصرف إلى بلده، ومنع الحمل إلى مكة، حتى جهدت قريش، فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامة، يحمل إليهم الطعام، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم([77]).

ففي هذا الحديث دلالة على جواز تصدير الأطعمة ونحوها إلى غير المسلمين، حتى ولو كانت الحرب قائمة معهم.

ومنها: ما روي أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: إنَّ تجارًا من قِبَلنا من المسلمين يأتون أرض الحرب فيأخذون منهم العشر، فكتب إليه عمر: خذ أنت منهم كما يأخذون من تجار المسلمين([78]).

وهذا دليل واضح على جواز تصدير السلع والبضائع من قِبَل تجار المسلمين إلى دار الحرب، وأما ما ذكره بعض الفقهاء من الخوف من سريان أحكام الكفار على التجار المسلمين فلم يعد ذا بال في عصرنا الحاضر، وذلك لتقارب التشريعات المدنية بين دول العالم، ولأن حرية الأديان مكفولة بميثاق هيئة الأمم، ومن الممكن تنظيم ذلك في صلب الاتفاقيات الاقتصادية بحيث لا يتعارض التعامل مع الشريعة الإسلامية.

ورأي الجمهور هو الذي يتفق وعالمية الدعوة الإسلامية وواقعية الإسلام في إقراره للتعامل الاقتصادي النافع مع الأمم والشعوب، ولأن أي دولة مهما كانت مواردها لا يمكن أن تعيش في عصرنا الحاضر في عزلة اقتصادية عن بقية العالم([79]).

كما أنه لا خلاف بين فقهاء المسلمين على جواز الاستيراد([80]). وأدلة ذلك كثيرة من السنة النبوية المطهرة، ومن فعل الصحابة رضي الله عنهم، ومن العرف السائد.

فمن السنة الشريفة جاء قوله صلى الله عليه وسلم: «الجالب مرزوق، والمحتكر ملعون»([81]).

والجلب بمعنى إحضار السلع من مكان إلى مكان داخل حدود الدولة أو استيرادها من دولة أخرى، فهذا الحديث دليل على مشروعية الاستيراد والحث على ممارسته؛ إذ به يتسع النشاط التجاري ويزدهر، وتتوفر السلع في الأسواق فيعم الرخاء نتيجة ذلك الاستيراد، في حين يؤدي احتكار البضائع والسلع إلى أن تشح من الأسواق ويستتبع ذلك ارتفاع أسعارها، ولذلك كانت المقابلة في هذا الحديث مشجعة على الجلب منفرة من الاحتكار.

كما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من مشرك شاة([82])، وعَنْوَن البخاري لهذا الحديث بـ«باب الشراء والبيع مع المشركين وأهل الحرب». وهذا الحديث دليل على مشروعية الاستيراد ومعاملة غير المسلمين بالشراء منهم.

أما ما ورد من فعل الصحابة رضي الله عنهم فقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يأخذ من النَّبَط على الزيت والحنطة نصف العشر بدلًا من العشر الذي كان يؤخذ من السلع الأخرى لكي يكثر حملها إلى المدينة، ويأخذ من القِطْنية العشر لأن أهل المدينة أقل حاجة إليها([83]).

وهذا دليل على دخول تجار الحربيين إلى ديار المسلمين لغرض الاستيراد والتصدير.

أما من العرف السائد فقد قال ابن قدامة: «العادة جارية بدخول تجارهم إلينا، وتجارنا إليهم([84])»([85]).

وقد عرف المسلمون الاتفاقيات الاقتصادية فيحدثنا التاريخ أنه كانت هناك معاهدات تجارية متعددة بين العرب والأوربيين منها معاهدة سنة 913هـ بين أمير بادس في المغرب وبين أهالي البندقية التي تسمح للبنادقة بالنزول في بادس والاتِّجار مع أهلها، وتؤمِّنهم على أنفسهم وأموالهم، وقد تسامحت السلطات الإسلامية كثيرًا مع التجار([86]).

وقد علم من كل ما سبق أن الإسلام يقرُّ التعاون الاقتصادي بين الدول ويحث عليه.

إقرار الإسلام للاتفاقيات الدولية في المجال الاقتصادي:

لقد أقرَّ الإسلام الأحلاف والمعاهدات التي عقدها العرب في الجاهلية وقامت على التعاضد والاتفاق على أن يكون أمرهم واحدًا في النصرة والحماية. ولقد أظهر النبي فضيلة الأحلاف التي تهدف إلى الخير، وتقوم على نصرة المظلوم وصلة الأرحام كالمطيبين والأحابيش والفضول وما على شاكلتها، فقد قال صلى الله عليه وسلم عن حلف الفضول: «لقد شهدتُ في دار عبد الله بن جدعان حلفًا ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت»([87]).

كما حالف النبي ووادع العديد من القبائل والعشائر سواء كانوا يهودًا أو مشركين، كما آخي النبي بين المهاجرين والأنصار.

وقد كانت هذه الأحلاف في بلاد العرب قبل الإسلام ما هي إلا صورة من المعاهدات والاتفاقيات السياسية أو الاقتصادية التي تعقدها الدول والمنظمات في عصرنا الحديث بين بعضها البعض مثل حلف شمال الأطلنطي والناتو وغيرها من التكتلات السياسية والعسكرية التي لجأت إليها بعض الدول لتشد من أزرها فيما بينها وبين بعضها البعض.

وفي العصر الجاهلي نجد أن بعض القبائل عندما كانت تجد نفسها بحاجة إلى تقوية أوضاعها كانت تلجأ إلى عقد الأحلاف فيما بينها مع غيرها من القبائل لكي تقوى بها، ومنذ عقدهم لذلك الحلف يصبح مصيرهما واحدًا.

ولما جاء الإسلام نظَّم علاقة الإنسان بخالقه سبحانه، وعلاقة الإنسان مع نفسه وعلاقته بغيره، وعلاقة الأفراد ببعضهم البعض، كما نظَّم علاقة الدولة بغيرها من الدول في أحوال السلم والحرب.

والباحث في العلاقات الدولية في الإسلام سيجد اهتمامًا مبكرًا بالسياسة الخارجية من خلال مظاهر متعددة شملت المراسلات السياسية وتبادل الهدايا بين الحكَّام، والمبعوثين والرسل إلى أكثر من جهة خارجية، ومفاداة الأسرى بعد انتهاء الحروب، والأحلاف والعهود بين المسلمين وغيرهم، والمهادنة والصلح والعلاقات التجارية.

ومن المعلوم في علم القوانين أن المعاهدات والاتفاقيات تعد الأداة الطبيعية التي تنظم العلاقات بين الدول والأنظمة السياسية، وهو إجراء قديم لجأت إليه الدول في تنظيم علاقاتها.

ولقد كان للدولة الإسلامية –ممثلة في رسولها صلى الله عليه وسلم- السبق في بناء قواعد وتشريعات في العلاقات الدولية، وقد نهل فقهاء المسلمين من تلك القواعد النبوية فأسسوا للقانون الدولي ولفقه القواعد والعلاقات في ميدان التجارة منذ احتكاكهم بالغرب، فيعتبر ميدان التجارة الخارجية والتجارة الدولية بين المسلمين وغيرهم للأئمة والفقهاء الدور الريادي فيه، فمن هؤلاء الأعلام الفقيه محمد بن الحسن الشيباني (ت 189هـ/804م) تلميذ أبي حنيفة الذي وضع قواعد للعلاقات الخارجية للدولة الإسلامية.

ويشترط الإسلام في المعاهدات والاتفاقيات عدم تعارضها مع مبادئ وثوابت الشريعة فلا يجوز أن تنعقد المعاهدة على شروط تخالف حكمًا شرعيًّا أو تتعارض مع قاعدة تقررها الشريعة الإسلامية؛ فالإسلام لا يعترف بشرعية معاهدة أو اتفاقية تُستباح بها الشخصية الإسلامية وتفتح للأعداء بابًا يمكنهم من إضعاف شأن المسلمين وتفريق صفوفهم.

ويدل على اشتراط أن تكون المعاهدة متفقة مع الأحكام والمبادئ الإسلامية قوله صلى الله عليه وسلم: «المسلمون عند شروطهم إلا شرطًا حرَّم حلالًا أو أحلَّ حرامًا([88])»، وقوله صلى الله عليه وسلم بين يدي عقد الصلح مع مشركي قريش في الحديبية: «والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتُهم إياها([89])»([90]).

ولما كانت الدول على وجه العموم، والدولة الإسلامية على وجه الخصوص في حاجة إلى استمرارية إبرام المعاهدات الدولية، وقد ترى عند إبرامها أن هناك نصوصًا قد لا تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية فيكون الحل هو تحفُّظ الدولة الإسلامية على النصوص التي تتعارض مع الشريعة.

وقد عرَّفت اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات المبرمة سنة 1969م التحفظ بأنه: إعلان من جانب واحد أيًّا كانت صيغته أو تسميته، يصدر عن الدولة عند توقيعها أو تصديقها أو قبولها أو موافقتها أو انضمامها إلى معاهدةٍ ما، وتهدف منه إلى استبعاد أو تعديل الأثر القانوني لأحكام معينة في المعاهدة من حيث سريانها على هذه الدولة([91]).

وهذا التحفظ على بعض البنود في المعاهدات والاتفاقيات من قِبَل الدول الإسلامية هو وسيلة للحد من آثار هذه المعاهدات لكي تتواءم مع قيم الدول الإسلامية ودينها، وذلك بدلًا من العزوف عن الانضمام لهذه الاتفاقيات والمعاهدات التي أصبحت من النظم الحديثة التي لا غنى عنها لأي دولة.

وباشتراك الدولة الإسلامية في هذه الاتفاقيات والمعاهدات فإنه يتعين عليها الوفاء بما التزمت به لوجوب الوفاء بالعهود والاتفاقيات عملًا بقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1].

دعم الفتوى للتعاون الاقتصادي بين دول العالم:

عُلِم مما سبق أن الإسلام يجيز التعامل التجاري مع غير المسلمين، وأن جمهور الفقهاء قد أجازوا التصدير والاستيراد بين المسلمين وغير المسلمين فيما ليس فيه ضرر على المسلمين.

والفتوى المنضبطة ينبغي أن تدعم هذا التعامل التجاري والتعاون الاقتصادي بأوجهه المختلفة بضوابطه الشرعية، وقد أصدرت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية فتوى بجواز التعامل مع غير المسلم بيعًا عليه أو شراء منه، ونحو ذلك من تبادل المنافع الدنيوية التي لا تعود على المسلمين بمضرة في دينهم أو دنياهم، استنادًا إلى أن الشارع حث على البر بغير المسلمين والإحسان إليهم ما داموا لم يقاتلونا في الدين، ولم يكونوا حربًا علينا، قال الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8].

وذكرت الفتوى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بايع اليهود وتبادل معهم المنافع، وعاملهم بعد غزوة خيبر أن يزرعوا أرضها بشطر ما يخرج منها.

وذكرت كذلك أنه عليه الصلاة والسلام توفي ودرعه مرهونة عند يهودي في طعام اشتراه لأهله([92]).

ومن أمثلة الفتاوى التي أقرت الاستيراد من بلاد غير المسلمين بالضوابط الشرعية: الفتوى الصادرة عن دار الإفتاء المصرية بجواز أكل اللحوم المستوردة من الخارج إذا توافرت في الذبيحة ثلاثة شروط:

الشرط الأول: أن يكون الحيوان مأكول اللحم كالإبل، والبقر، والغنم، والأرانب، والدواجن من الطيور وغيرها، فإن كان الحيوان غير مأكولِ اللَّحم، ومنه: الخنزير، والكلب، والحمار الأهلي، والبغل، فيحرم أكل لحمه.

الشرط الثاني: ذبح الحيوان في حلقه، أو في لَبَّته إن كان مقدورًا عليه، أو بأي عقر مُزهِق للروح إن لم يكن مقدورًا عليه، كالصيد.

فحصل أنه لا بد أن يكون مذبوحًا بإحدى ثلاث طرق وهي: الذبح، أو النحر، أو العقر حتى يحل أكله، فإذا قتل الحيوان بغير ما ذُكِر فإن لحمه ميتة لا يجوز أكله، سواء أكان قاتله مسلمًا أم كتابيًّا أم غير ذلك.

الشرط الثالث: أن يكون ذابحه أو عاقره من المسلمين أو من أهل الكتاب -اليهود والنصارى-، فالشرع قد أجاز ذبيحة المسلم أو الكتابي، قال تعالى: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ﴾ [المائدة: 5]، وكلمة «طعام» عامَّة تشمل الذبائح والأطعمة المصنوعة من مواد مباحة.

وعلى ذلك: فإن كان الذابح غير مسلم أو غير كتابي -بأن كان مرتدًّا، أو وثنيًّا، أو ملحدًا، أو مجوسيًّا- لم تحلَّ ذبيحته.

وبتطبيق هذا الكلام على اللحوم المستوردة فإن كانت لحومًا لحيوانات مأكولة اللحم ومذبوحة أو منحورة بالصفة المذكورة، والقائم بالذبح أو العقر من المسلمين أو أهل الكتاب فهي لحوم يجوز أكلها ولا حرمة فيها، وطريق معرفة كون الذابح من المسلمين أو أهل الكتاب بغلبة الظن، بأن يكون غالبية سكان هذه البلاد من المسلمين أو النصارى أو اليهود، ويشتهر أنهم يقومون بالذبح ولا يحرمونه ممن يتبعون الدعاوى التي تحرِّم ذبحه، وإن لم يعلم كونها ذبيحة لهما باليقين، بل بمجرد إخبارهم. وكتابة عبارة «مذبوح على الطريقة الإسلامية» تُعَد شكلًا من أشكال إخبار من هو أهل للذكاة.

وأما إذا كانت اللحوم المستوردة تأتي من بلاد غير المسلمين أو أهل الكتاب، بأن تكون من بلاد الوثنيين والملحدين فلا يجوز أكلها، وكذلك لو كانت اللحوم القادمة من الخارج ليست لحوم حيوانات غير مأكولة اللحم كالخنزير، والكلب، والحمار، والبغل فلا يجوز أكل لحمها حتى لو ذبحها مسلم أو كتابي، أو لو كانت اللحوم المستوردة غير مذبوحة كأن تكون ماتت بطريق الصعق الكهربائي، أو الخنق أو غير ذلك من أمور يتبعها من يحرمون الذبح، ويقتلون الحيوان بالصدمة الكهربائية أو بالضرب على رأسه، فإن علم عن طريق اليقين ذلك فلا يجوز أكل هذه اللحوم، فهي ميتة يحرم أكلها([93]).

فهذه الفتوى تُقِرُّ صورةً من صور التعاون الاقتصادي وهو استيراد اللحوم من بلاد غير المسلمين بالضوابط التي جاءت بها الشريعة الإسلامية.

التشجيع على السياحة كمظهر من مظاهر التعاون الاقتصادي الدولي:

إن الإنسان مجبول على التمتع بجمال الطبيعة ومناظر الكون والترويح عن النفس من متاعب الحياة إزالةً للتعب والنصب وراحة للبدن ووسيلة لعودة أكثر نشاطًا وحيوية، ولقد تطورت السياحة بعد ظهور وسائل النقل المختلفة وكثر التجوال من بلد إلى آخر للتمتع بجمال الطبيعة، وأصبحت السياحة فنًّا وتحولت إلى مورد هام لكثير من البلدان، واعتنت بها الدول والحكومات، فأنشئت وزارة خاصة للسياحة لها فروع ومؤسسات ومكاتب مختلفة تهتم بتنظيم السياحة والاهتمام بالأفواج السياحية الوافدة، وتنفق الحكومات الملايين لترويج السياحة في بلادها والترغيب فيها وجذب السياح إلى أماكن السياحة فيها، باعتبارها موردًا من موارد الدخل القومي للبلاد.

وينبغي على القائمين على أمر الفتوى دعم السياحة والتنقل بين البلدان باعتبارها موردًا مهمًّا من موارد الدخل القومي الذي ينفع بلاد المسلمين ويكون رافدًا من روافد تنميتها الاقتصادية، وفي هذا الصدد نورد فتوى الشيخ عطية صقر التي تدعم تنشيط السياحة وتؤصل له. فقد جاء في فتواه رحمه الله: السياحة -وهي الانتقال من مكان إلى مكان آخر لمشاهدة ما فيه من آثار أو للتنزه والتمتع بما فيه من مناظر أو مظاهر- أمر لا يمنعه الدين في حد ذاته، بل يأمر به إذا كان الغرض شريفًا، فقد أمرت الآيات الكثيرة بالسير في الأرض للاعتبار بما حدث للسابقين {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} [محمد: 10]، {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} [النمل: 69].

والحج نفسه سياحة دينية وعبادة مفروضة، وشد الرحال إلى المسجد الحرام بمكة، وإلى المسجد النبوي بالمدينة، وإلى المسجد الأقصى بالشام مرغوب فيه كما جاء في الحديث الصحيح، وذلك للعبادة وزيادة الأجر، والأمر بزيارة الإخوان والرحلة لطلب العلم وللتجارة كل ذلك سياحة مشروعة.

وأضافت الفتوى: أنَّ رحلات الصحابة والتابعين والسلف الصالح للجهاد والتجارة والأغراض العلمية معروفة، وكذلك أخبار الرحالة المسلمين كابن بطوطة وابن جبير لها كتب مدون فيها علم كثير.

وأضافت أنه: لا شك أن البلاد التي يرد إليها السائحون تكسب كثيرًا من الناحية المادية والناحية الأدبية، وتحرص كثيرًا على أن يفد إليها السائحون، وإذا كان الواقع يشهد بذلك فقد أشار إليه قوله تعالى على لسان سيدنا إبراهيم: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم: 37].

فأمره الله بأن يؤذن في الناس بالحج، فأذَّن وأتوه من كل فج عميق، وعمر المكان وازدهر وسيظل كذلك إلى يوم الدين.

واختتمت الفتوى بدعوة أولياء الأمور إلى تنظيم السياحة لما فيها من خير فقال رحمه الله: والواجب أن توضع قوانين لتنظيم السياحة منعًا لما يكون فيها من ضرر، وأملًا في زيادة ما يكون وراءها من خير([94]).

ومن أمثلة دعم مؤسسات الفتوى للسياحة نورد تعليق مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية على تهديد تنظيم “داعش” الإرهابي باستهداف الأهرامات وأبو الهول بالقول إنها تهديدات غير واقعية تستهدف ضرب النشاط السياحي في البلاد.

جاء ذلك تعقيبًا على نشر تنظيم “داعش” الإرهابي، مقطع فيديو دعائي لهدم أحد المعابد الأثرية في العراق، هدد خلاله بنسف الأهرامات المصرية، حيث بدأ مقطع الفيديو بعملية هدم معبد “نابو”، الذي يرجع تاريخه لأكثر من 2500 عام، بمدينة النمرود القديمة في العراق، وفي المشهد الأخير من مقطع الفيديو ظهرت صورة لأهرامات الجيزة وتمثال أبو الهول، وتعهد أحد عناصر التنظيم الإرهابي بتفجير «المواقع الأثرية التي بناها الكفار»، ومن بينها أهرامات الجيزة.

وأكد المرصد أن ترجيحه لعدم واقعية التهديدات التي أطلقها التنظيم الإرهابي كونه لم يقم بأي عملية هدم لآثار أو معابد تاريخية إلا بعد سيطرته على المدن التي تحوي تلك الآثار، وهو الأمر غير ممكن في مصر في ظل دولة قوية تقوم على أمنها قوات مسلحة وطنية وشرطة مدنية باسلة تدفع الغالي والنفيس لحماية هذا الوطن من خطر الإرهاب، ولم يتمكن التنظيم من هدم المعابد التي هدمها في العراق وسوريا إلا بعد أن فقدت تلك المعابد والمدن التي تحويها الحماية والأمن من القوات والسلطات المحلية.

وأوضح المرصد أن هذه التهديدات تستهدف إضعاف مصر وحرمانها من أحد أهم مواردها من النقد الأجنبي، آملًا أن يؤدي ذلك إلى إضعاف المؤسسات المصرية التي تتصدى له وعلى رأسها الجيش والشرطة، وهو الأمر المستبعد في ظل دولة قوية([95]).

وفي هذا الصدد أيضًا علَّق مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية على تسجيل صوتي لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري أكَّد فيه على مشروعية خطف الغربيين وإن كانوا مدنيين، وذلك في سبيل مبادلتهم بالمعتقلين المسلمين في دول الغرب.

وأشار المرصد إلى أنه من المتوقع أن يحدِث هذا التسجيل وما حواه من دعوة لخطف الأجانب تأثيرًا سلبيًّا على أوضاع السياحة داخل الدول العربية والإسلامية، خاصة تلك التي تشهد مواجهات بين الحركات الإرهابية وقوى الأمن والجيش؛ نظرًا لكون السياح من الدول الغربية هدفًا لعناصر القاعدة.

كما أوضح مرصد الإفتاء أن الآثار السلبية لتلك الدعوة يمكن أن تمتد إلى الاستثمارات الأجنبية في البلدان العربية والإسلامية، حيث تحدث تلك الدعوات موجات حذر وانكماش من قِبل المستثمرين الأجانب؛ حرصًا على سلامتهم وأمنهم الشخصي، وخوفًا من الوقوع في أيدي تلك الجماعات والتنظيمات التي تنتشر في عدد من بلدان العالم الإسلامي.

ودعا المرصد الحكومات والنظم العربية والإسلامية إلى التعاون والتكاتف من أجل منع تلك التنظيمات من الوصول إلى مآربها، وتحقيق أهدافها وطرد العناصر الأجنبية من تلك البلدان، وما يستتبعها من هروب للسياحة والاستثمار الأجنبي، وهو ما يؤثر بالسلب على الأوضاع المعيشية للمواطن العربي والمسلم في مجتمعه([96]).

وفي هذا دلالة واضحة على دعم مؤسسات الفتوى للسياحة باعتبارها مصدرًا من مصادر الدخل القومي، وصورةً من صور التعاون الاقتصادي بين الدول.

دعم الفتوى لإقامة المتاحف والحفاظ على الآثار:

وفي سبيل دعم السياحة ومشروعية إقامة المتاحف وعرض التماثيل أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى عن حكم دراسة آثار الأمم السابقة، جاء فيها: أن دراسة آثار الأمم السابقة أمر جائز شرعًا؛ فدراسة آثارهم وتاريخهم والتعرف على ما وصلوا إليه من علوم وفنون أمرٌ يدفع الإنسانية إلى المزيد من التقدم العلمي والحضاري النافع.

وأضافت الفتوى: أن القرآن الكريم حثَّ على دراسة تاريخ الأمم وتبين الآيات في هذا الموضع؛ لذلك كان حتمًا الحفاظ على الآثار والاحتفاظ بها سجلًّا وتاريخًا دراسيًّا؛ لأن دراسة التاريخ والاعتبار بالسابقين وحوادثهم للأخذ منها بما يوافق قواعد الإسلام، والابتعاد عما ينهى عنه، من مأمورات الإسلام الصريحة الواردة في القرآن الكريم في آيات كثيرة؛ منها قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46]، وقوله سبحانه: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [الروم: 9] ([97]).

كما ندَّد مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية بالاعتداءات الممنهجة والمستمرة لتنظيم «داعش» الإرهابي بحق الآثار والتراث الإنساني، وإقدامه على إزالة المعالم التاريخية والآثار الأشورية في العراق، وذلك على خلفية قيام عناصره بهدم بوابة «المسقى» التاريخية، وقصر ملك الدولة الأشورية في محافظة الموصل، ونَشْرِ صورٍ للآثار التي دمَّرها في مدينة نينوى، والتي أظهرت دمارًا لقصر الملك «سنحاريب» الأشوري وأسواره، وبوابة المسقى التاريخية.

وأضاف المرصد أن الآثار هي تراث إنساني يعبِّر عن الأمم السابقة وإنجازاتها، وقد دعا الإسلام إلى الحفاظ عليها، بل والاعتبار بها والتدبر فيها، فقال تعالى: {كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [الروم: 9]، وقال تعالى في موضع آخر: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ، إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ ، الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ} [الفجر: 6-8]، بما يعني أن الحفاظ على تراث السابقين أمر ديني يحقق للإنسان الاعتبار والعظة.

وأكد المرصد أن المتفق عليه بين علماء الأمة هو حرمة هدم الآثار أو الاعتداء عليها أو طمسها تحت أي دعوى، بل إن جوهر الإسلام يدعو إلى الحفاظ عليها بما يتطلبه ذلك من الرعاية والصيانة والترميم؛ فالإسلام احترم الحضارات المختلفة وحافظ على تراثها وآثارها باقية إلى يومنا هذا، وقد سار الصحابة على هذا النهج طوال عصور الفتوحات الإسلامية، ولم يرد أن المسلمين قاموا بتدمير آثار أمة من الأمم أو حضارة من الحضارات.

وجدَّد المرصد تأكيده على أن حماية الآثار والتراث الحضاري في الدول والمناطق التي يسيطر عليها تنظيم «داعش» إنما هي مسئولية المجتمع الدولي بأكمله وينبغي أن يضطلع المجتمع الدولي ومنظماته الأممية بدوره والقيام بمسئوليته في الحفاظ على الحضارة والتراث الإنساني من التخريب والضياع والتدمير، والتصدي لتلك الفئة التي لا تعبر عن فكر أو معتقد ديني، ومنعها من استكمال دورها في طمس وهدم كافة الآثار والمعالم التاريخية في المنطقة العربية والإسلامية([98]).

وفي الحث على المحافظة على المواقع الأثرية والآثار الدينية أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى جاء فيها: المحافظة على الأماكن والمباني التاريخية والأثرية ذات الطابع التاريخي الديني من المطلوبات الشرعية والمستحبات الدينية التي حثَّت عليها الشريعة؛ لأن فيها تعظيمًا لِمَا عظَّمه الله تعالى من الأيام والأحداث والوقائع والأشخاص والأعمال الصالحة التي حصلت فيها أو ارتبطت بها؛ فهي تُذَكِّر المسلمين بماضيهم وتربط قلوبهم بوقائعه وأيَّامه، والله تعالى يقول في كتابه الكريم: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله} [إبراهيم: 5]، فهذا أمر مُطْلَق بالتذكير بأيام الله؛ التي هي وقائع الله في الأزمنة السابقة، فكُلُّ ما يحصل به هذا التذكير يكون وسيلةً لتحقيقه، فيكون مطلوبًا شرعًا؛ والقاعدة الشرعية “أن الوسائل تأخذ حكم المقاصد”، و “أن المُطْلَق يجري على إطلاقه حتى يأتي ما يقيده”.

ومن الفوائد الجليلة لهذا التذكير أيضًا: أنه يعطي دليلًا واقعيًّا على صحة هذه الوقائع التي حدثت فيها، أما إزالتها وهدمها فهو الذي يكون ذريعةً لإنكار هذه الأحداث مِن أصلِها، وادعاء أنها قضايا مفتعلة ليس لها أساسٌ واقعيٌّ.

وذكرت الفتوى ما رواه الطحاوي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «لا تهدموا الآطامَ، فإنَّها زينةُ المدينةِ»([99]). وآطام المدينة هي حصونها.

وأمَّا دعوى أن تعظيم الأماكن التاريخية مُحَرَّم، وقد يكون من ذرائع الشرك؛ لأنه يؤدِّي إلى أن يعتقد العوام بَرَكَة تلك الأماكن فليست بمُسَلَّمة؛ لأن الشرع لم يَمنع من مُطْلَق تعظيم غير الله، وإنما يَمنع منه ما كان على وجه عبادة المُعَظَّم كما كان يفعل أهل الجاهلية مع معبوداتهم الباطلة فيعتقدون أنها آلهة، وأنها تضر وتنفع من دون الله، وأما ما سوى ذلك مِمَّا يدل على الاحترام والتوقير والإجلال فهو جائزٌ إن كان المُعَظَّم مُستحِقًّا للتعظيم، ولو كان جمادًا من بناءٍ أو غيرِه؛ وقد روى البيهقي بسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيت رفع يديه وقال: «اللهم زِد هذا البيت تشريفًا، وتعظيمًا، وتكريمًا، ومهابة»([100]).

وروى الدارمي عن عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه أنه كان يضع المصحف على وجهه ويقول: «كتاب ربي، كتاب ربي»([101]).

أما كون ذلك من ذرائع الشرك؛ لأنه يؤدي إلى أن يعتقد العوام بَرَكَة تلك الأماكن، فهو مبني على خَلَلٍ في مفهوم الشرك؛ فالشرك تعظيمٌ مع الله أو تعظيمٌ مِن دون الله؛ ولذلك كان سجودُ الملائكة لآدم عليه السلام إيمانًا وتوحيدًا، وكان سجودُ المشركين للأوثان كفرًا وشركًا مع كون المسجود له في الحالتين مخلوقًا، لكن لَمَّا كان سجودُ الملائكة لآدم عليه السلام تعظيمًا لِمَا عَظَّمه الله كما أمر الله كان وسيلةً مشروعةً يَستحق فاعلُها الثواب، ولَمَّا كان سجود المشركين للأصنام تعظيمًا كتعظيم الله كان شركًا مذمومًا يَستحق فاعلُه العقاب.

واعتقاد وجود البَرَكَة أو حصولِها بواسطة مخلوقٍ مُعيَّنٍ لا علاقة له بالشرك مِن قريبٍ أو مِن بعيد، فضلًا عن أن يكون ذريعةً له، إلا أن يُعتقد بأن ذلك المخلوق مؤثرٌ بذاته في إيجاد تلك البَرَكَة على وجه الاستقلال، أمَّا إن اعتقد الإنسان أن البَرَكَة مِن الله، وأنه هو الذي يجعلها في إنسانٍ مُعيَّنٍ أو شيءٍ مُعيَّنٍ أو بُقعةٍ مُعيَّنة، وأن البَرَكَة توجد عند هذه الأشياء لا بها؛ لأنه لا مُؤثِّر في الوجود إلا الله، فهذا عين التوحيد؛ لأنه مِن توحيد الأفعال.

وتبرك الصحابة بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته وآثاره المنفصلة منه بعد انتقاله، وحتى الأماكن التي كان يتردد عليها، معروفة مشهورة في كتب السنة والحديث، ومنها ما رواه البخاري عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس رضي الله عنه “أنَّ أمَّ سليمٍ كانت تبسط للنبي صلى الله عليه وسلم نِطَعًا، فَيَقِيل عندها على ذلك النطع. قال: فإذا نام النبي صلى الله عليه وسلم أخذت من عَرَقه وشعره، فجمعته في قارورة، ثم جمعته في سُكٍّ”. قال: فلما حضر أنس بن مالك الوفاة، أوصى إلىَّ أن يُجعلَ في حنوطه من ذلك السُّك، قال: فجعل في حَنُوطه([102]).

ولم يكن هذا منحصرًا في تبرك المفضول بالفاضل، بل قد جاء ما يفيد مشروعية تبرك الفاضل بالمفضول. فقد ورد في الصحيح تَبرُّك النبي صلى الله عليه وسلم بالمطر؛ فروى مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: قال أنس: أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر، قال: فحَسَر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبَه، حتى أصابه مِن المطر، فقلنا: يا رسول الله! لم صنعت هذا؟ قال: «لأنه حديث عهدٍ بربه تعالى»([103]).

ومن شأن العقلاء في كل الأمم احترام آثار سلفهم ومقدميهم، وقد جرى الصحابة والتابعون وعلماء الأمة وأئمتها من الفقهاء والمحدثين والمؤرخين على تعظيم هذه الأماكن والآثار الدينية، وعدوا ذلك تعظيمًا للشريعة، وجرى على هذا عملُ السلف والخلف، ولم يَقُل أحدٌ مُعتَبَر بمَنْعِ ذلك لأنه شركٌ أو يؤدِّي إلى الشرك([104]).

 

دعم الفتوى للمعاهدات والاتفاقيات الدولية الاقتصادية التي لا تعارض الشريعة الإسلامية:

لقد عُلم مما سبق أنه يجوز شرعًا عقد المعاهدات والاتفاقيات الدولية الاقتصادية وتنظيم المبادلات الخارجية مع غير المسلمين تأييدًا للأصل العام في علاقة المسلمين بغيرهم وإقرارًا لمبدأ حرية التجارة، وتوفيرًا للموارد الضرورية التي يحتاج إليها المسلمون في شئون معايشهم، وعملًا بالسنة التقريرية إذ أقر النبي صلى الله عليه وسلم حلف المطيبين، وكان موضوع الحِلْف هو توزيع الخدمات للحجاج على كل قبيلة من سقاية ورفادة ولواء وندوة؛ قال صلى الله عليه وسلم: «شهدتُ مع عمومتي حلف المطيبين، فما أحب أن أنكثه، وأن لي حمر النعم»([105]).

ولقد كانت هناك معاهدات بين المسلمين وغيرهم، والتي بها ومن خلالها يصير المسلمون مع غيرهم في مرحلة سلم أو مهادنة وموادعة، والوفاء بالعهد هو من أهم الأمور التي حث الإسلام على الالتزام بها.

كما وضع الفقه الدولي الأساس النظري لالتزام الدولة بالمعاهدات الدولية على أساس أن التزامها يقوم على قبولها الصريح بها، مما يجعلها ملتزمة طبقًا لقاعدة العقد شريعة المتعاقدين، وأن عليها تطبيق المعاهدة بحسن نية من أجل إقامة العلاقات الدولية الودية وتنميتها.

وهناك جهود إفتائية لدعم المعاهدات والاتفاقيات الدولية في مختلف المجالات ومنها المجال الاقتصادي بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية، منها فتوى دار الإفتاء المصرية بخصوص التحاكم إلى القوانين الوضعية الدولية، حيث ذهبت الفتوى إلى جواز التحاكم إلى ما كان من القوانين الوضعية غير متصادم مع الشريعة الإسلامية باعتبار تلك القوانين عقودًا أو اتفاقيات مستحدثة لرعاية المصالح الاجتماعية، وبناءً على ما اختاره بعض أهل العلم من أن الأصل في العقود الصحة والجواز إلا ما دلَّ الشرع على بطلانه وتحريمه.

وأما بالنسبة للقانون الدولي فإن كان لا يخالف الشريعة خاصة فيما يتعلق بالأعراض، بل هي مسائل مالية فلا بأس بذلك في هذه الحالة؛ لأن المسلمين لا يعيشون بمعزلٍ عن العالم، ولا بد لهم من التعامل مع غيرهم مما يؤدي إلى توافق ومخالفة كما هي العادة بين البشر، فإن كان كل فريقٍ لا ينزل على رغبة الفريق الآخر، أو لا يوافق على قوانينه أو وجهة نظره في القضية فلا بد من التحاكم إلى من يفض هذا النزاع، ولا يشترط في هذه المعاهدات أن تكون نابعة أصالة من قانون الشريعة، بل تكون وفق ما يراه ولي الأمر من مصلحة المسلمين.

ومن الأدلة على ذلك من القرآن الكريم:

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95].

ووجه الدلالة: أن الله تعالى جعل جزاء الصيد يرجع إلى حكم اجتهادي في مسألة صيد الحرم، وقد احتج بهذه الآية على التحكيم بين علي ومعاوية رضي الله عنهما حين ناظر الخوارج.

كذلك قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء: 35].

قال الإمام القرطبي: وفي هذه الآية دليل على إثبات التحكيم وليس كما تقول الخوارج: إنه ليس التحكيم لأحدٍ سوى الله تعالى، وهذه كلمة حق ولكن يريدون بها الباطل([106]).

ومن الأدلة على ذلك من السنة النبوية:

مراعاة الرسول صلى الله عليه وسلم للأعراف الجارية بين الدول في عدم قتل الرسل أو حبسهم؛ فعن أبي رافع رضي الله عنه قال: بعثتني قريشٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أُلْقِيَ في قلبي الإسلامُ، فقلت: يا رسول الله، إني والله لا أرجع إليهم أبدًا. قال: «إني لا أخيس بالعهد ولا أحبس البُرُدَ، ولكن ارجع فإن كان في نفسك الذي في نفسك الآن فارجع». قال: فذهبت، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأسلمت([107]).

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: لما نزلت بنو قريظة على حكم سعد هو ابن معاذ رضي الله عنه، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قريبًا منه، فجاء على حمار، فلما دنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ»، فجاء، فجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: «إِنَّ هَؤُلاَءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ»، قال: فإني أحكم أن تقتل المقاتلة، وأن تسبى الذرية، قال: «لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ الـمَلِكِ»([108]).

ووجه الدلالة واضحٌ من قبوله صلى الله عليه وسلم من التحكيم نزولًا على قول اليهود.

وانتهت الفتوى إلى جواز التحاكم إلى القوانين الوضعية؛ سواء كانت دولية أو محليَّة، شريطة ألا تتعارض مع الشريعة الإسلامية وثوابتها ومقاصدها([109]).

وفي هذا الصدد نورد قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي، رقم: 160 (17/9) بشأن علاقات الدولة الإسلامية بغيرها وبالمواثيق الدولية: فإن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته السابعة عشرة بعمان (المملكة الأردنية الهاشمية) من 28 جمادى الأولى إلى 2 جمادى الآخرة 1427هـ، الموافق 24-28 يونيو 2006م، جاء ضمن قراره ما يأتي:

1-أن العلاقة بين الدول الإسلامية والدول الأخرى المكونة للمجتمع الدولي، تقوم على السلام ونبذ الحروب، والاحترام المتبادل، والتعاون بما يحقق المصالح المشتركة للإنسانية، في إطار المبادئ والأحكام الشرعية.

2- ضرورة التعاون والتكامل بين الدول الإسلامية في جميع المجالات، مثل إقامة السوق الإسلامية المشتركة، والمناطق الاقتصادية الحرة، وإبرام اتفاقيات التعاون في مختلف المجالات الدولية.

3- ليس هناك مانع شرعي من إبرام الاتفاقيات الدولية التي لا تتعارض مع مبادئ الإسلام وأحكامه، ولا تؤدي إلى هيمنة أي قوة دولية على الدول المتعاقدة أو على الدول الأخرى وذلك في جميع المجالات التي تحقق مصلحة المسلمين([110]).

فإقرار الاتفاقيات الدولية مرهون بموافقة مبادئ الشريعة، وهذا ما أخذت به الدول الإسلامية عند إبرامها للاتفاقيات والمعاهدات الدولية، فعلى سبيل المثال:

صرَّحت مصر في أكثر من اتفاقية دولية بأن تطبيق هذه الاتفاقية مشروط بعدم تعارضها مع الشريعة الإسلامية.

ومن الأمثلة على ذلك الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والتي صدَّقت عليها مصر في 18 سبتمبر سنة 1981م فقد أبدت مصر بعض التحفظات على نصوص بعض الفقرات الخاصة ببعض المواد، وأبدت مصر استعدادها لتطبيق نصوص هذه الفقرات شريطة ألا تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية.

وكذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فقد وقَّعت مصر على هذه الاتفاقية في 4 أغسطس 1967م، ودخلت حيز التنفيذ في 14 أبريل 1982م، وبعد إقرار مصر للاتفاقية أصدرت الإعلان التالي: «خضوعًا للشريعة الإسلامية وبالاتساق معها»([111]).

وهناك نماذج متعددة من الفتاوى التي وردت فيها تحفظات على بنود في بعض الاتفاقيات الدولية لتعارضها مع مبادئ الشريعة الإسلامية نذكر منها: فتوى دائرة الإفتاء الأردنية بشأن بعض بنود اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (اتفاقية سيداو)، والتي تهدف إلى أمرين: الأول: إعطاء المرأة الحرية المطلقة. الثاني: المساواة المطلقة بين الرجال والنساء. فقد جاء في الفتوى: ما جاءت به الاتفاقية هو في بعض مواده متأخر عما جاء في الشريعة الإسلامية، وبعضه مخالف للشريعة صراحة. وانتهت الفتوى إلى أن الموافقة على ما جاء في اتفاقية «سيداو» يصطدم بالشريعة الإسلامية التي بنيت عليها أعرافنا الأصيلة، والتي يجب أن يلتزم بها المشرع للقوانين بموجب الدستور الذي نص على أن دين الدولة الإسلام([112]).

وكذلك قرار مجلس الإفتاء بدائرة الإفتاء الأردنية رقم: (29) عن حكم اتفاقية الرضا بالزواج التي عرضتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ: 7/ 9/ 1412هـ، الموافق: 11/ 3/ 1993م.

فقد تَبَيَّنَ للمجلس أن الاتفاقية تستند في ديباجتها إلى ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية، وإجماع علماء الأمة، فيما يتعلق بقيد الدين لغايات الرضا بالزواج، حيث نصت الديباجة على ما يلي: (للرجل والمرأة متى أدركا سن البلوغ حق التزوج وتأسيس أسرة دون أي قيدٍ بسبب العِرْقِ أو الجنسيةِ أو الدينِ).

ومن المعلوم من الدين بالضرورة أن الشريعة الإسلامية تمنع زواج المسلمة من غير المسلم، وتعتبره باطلاً.

كما أن هذا النص الوارد في ديباجة الاتفاقية يخالف أحكام الدستور الأردني، وبالذات المواد (106.105.2) منه، والذي جاء فيه النص على تطبيق أحكام الشرع الشريف في مسائل الأحوال الشخصية، ومنها الزواج، وما يتعلق به من أحكام.

ويخالف أيضا أحكام قانون الأحوال الشخصية الأردني المعمول به في المملكة، وبالذات المادة (33) منه.

لهذا كله فإن مجلس الإفتاء يقرر بالإجماع عدم الموافقة على ما جاء في هذه الاتفاقية، ويوصي بعدم الانضمام إليها، وعدم المصادقة عليها([113]).

تطبيقات على دعم الفتوى للاتفاقيات الاقتصادية:

يتعين على القائمين على أمر الفتوى إقرار المبادئ التي تقرها الاتفاقيات التجارية العالمية ما دامت لا تتعارض مع الشريعة أو مع القيم الأخلاقية الإسلامية ولا تتعارض مع التشجيع اللازم للتجارة الإسلامية البينية بما يؤدي إلى تحقيق مصالح الدول الإسلامية أولًا.

وهناك العديد من الاتفاقيات الاقتصادية التي تتوافق مع مبادئ الإسلام وتستهدف مصالح الدول الإسلامية، فمثل هذه الاتفاقيات التي يترتب على إبرامها الخير الكثير ينبغي على الفتوى أن تدعمها وتساندها، ومن أمثلة هذه الاتفاقيات: الاتفاقية العربية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية، فقد صرَّحت الدول العربية في ديباجة هذه الاتفاقية الموقَّعة في القاهرة بتاريخ 21/12/2010م أنها اتفقت على بنود هذه الاتفاقية التزامًا منها بالمبادئ الأخلاقية والدينية السامية ولا سيما أحكام الشريعة الإسلامية السمحة، وإدراكًا منها لأهمية التصدي للجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية لما تمثله هذه الجريمة من تهديد لأمن الأمة العربية واستقرارها وعرقلة للتنمية الاقتصادية للبلدان العربية.

والمقصود بالجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية: قيام جماعات إجرامية منظمة بارتكاب جرائم خطيرة من خلال عمل متضافر، ولها تشعبات في أكثر من بلد بواسطة الترهيب أو العنف أو الإفساد أو غيرها من الوسائل، من أجل الحصول بشكل مباشر أو غير مباشر على منفعة مالية أو مادية أو أي هدف غير مشروع([114]).

فأنشطة الجريمة المنظمة عبر الحدود تتصف بأنها لا تقتصر على إقليم الدولة الواحدة فحسب بل تتعداه إلى أقاليم الدول الأخرى.

وتشتمل الجرائم المنظمة على الأفعال الآتية: الاتجار غير المشروع بالمخدرات وغسل الأموال، الاتجار بالأشخاص، تزييف العملات، الاتجار غير المشروع بالأشياء الثقافية وسرقتها، الاتجار غير المشروع بالمواد النووية والأسلحة لإساءة استعمالها، أفعال الإرهاب، وهذه الجرائم لها تأثير بالغ في تعطيل مسيرة التنمية الاقتصادية للدول.

فهذه الاتفاقية تتلاقى مع المقاصد الشرعية التي تهدف إلى القضاء على الجرائم بكل أنواعها؛ حفاظًا على استقرار المجتمعات.

ومن أمثلة هذه الاتفاقيات: الاتفاقية الخاصة بتسجيل العلامات التجارية، فقد انضمت مصر إلى بروتوكول اتفاق مدريد بشأن التسجيل الدولي للعلامات التجارية المعتمد في مدريد في 27/6/1989م، حيث صدَّق عليه رئيس الجمهورية في 27 نوفمبر سنة 2008م، ووافق مجلس الشعب المصري على القرار الجمهوري في جلسته المعقودة في 27 يناير سنة 2009م.

فهذا الاتفاق الدولي يسمح النظام بحماية العلامات التجارية في عدد كبير من البلدان عن طريق التسجيل الدولي الذي يسري في كل من الأطراف المتعاقدة المعينة.

وهو بهذا لا يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية التي تحمي الملكية الفكرية، فالعلامة التجارية من أهم صور الحقوق الفكرية لكثرة تعامل الناس بها ولأن لها قيمة ثمينة، وقد تدر الأرباح الطائلة لصاحبها خاصة إذا كان لها شهرة وسمعة حسنة بين العملاء.

ومن عظمة وشمولية الشريعة الإسلامية أنها اهتمت وسبقت كل الاتفاقيات الدولية في الاعتراف بالحقوق الفكرية عامة، ومن مظاهره ما روي عن أسمر بن مضرس رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فبايعته، فقال: «من سبق إلى ماء لم يسبقه إليه مسلم فهو له»([115]).

فالحديث يدل على أن من سبق إلى اختراع شيء جديد –ومنه العلامة التجارية- فهو أحق به وأحق أن يُنسب ذلك إليه. كما أننا نجد كثيرًا من نصوص الأحاديث النبوية القاضية باحترام الحقوق وحفظها وحرمة التعدي عليها، ومما لا شك فيه أن العلامة التجارية حق لصاحبها، وموضوع العلامة التجارية من مستجدات العصر التي ظهرت ضمن تعامل المجتمعات المعاصرة وقد قامت بتنظيمها القوانين المحلية والاتفاقيات الدولية.

والعلامة التجارية: هي كل إشارة توسم بها البضائع والسلع والمنتجات أو تُعلم تمييزًا لها عما يماثلها من سلع تاجر آخر أو منتجات أرباب الصناعات الآخرين([116]).

وقد دعمت الفتوى المنضبطة إقرار حق الملكية الفكرية والعلامات التجارية الأصلية المسجلة من أصحابها، فذكرت فتوى دار الإفتاء المصرية أن هذه الحقوق هي من الحقوق الثابتة لأصحابها شرعًا وعرفًا، يجري فيها ما يجري في الملك الذي هو حق خالص يختص به صاحبه: مِن جواز انتفاع صاحبها بها على أي وجه مِن الوجوه المشروعة، وجواز معاوضتها بالمال إذا انتفى التدليس والغرر، وتحريم انتفاع الغير بها بغير إذن أصحابها، وحرمة الاعتداء عليها بإتلاف عينها أو منفعتها أو تزويرها أو انتحالها زورًا وكذبًا، فأي صورة من صور التعدي عليها يصدق عليه أنه أكل لأموال الناس بالباطل([117]).

وتلعب العلامة التجارية دورا مهمًّا في مجال التنمیة خاصة في الجانب الاقتصادي، فلولا العلامة التجارية لركدت الأسواق وتوقفت عجلات التنمیة، وعم الكساد، فإن انتعاش السوق يتوقف على ما تقدمه المصانع الخاصة للمستهلك من سلع حديثة وإنتاج سلع جديدة یستفید منها المستهلك؛ مما يؤدي إلى ارتفاع الكسب والإنفاق الذي يؤدي بدوره إلى ارتفاع في القوة الشرائية ومدى الانتفاع بالعلامة التجارية لتحقیق التنمیة الاقتصادية وكیفیة استخدامها كأداة لتحقيقها.

ويجب أن يكون استخدام العلامة التجارية استخدامًا مقصورًا على حدود إقليم الدولة المسجل أمامها أو المودع لديها، بحیث يجب على صاحب العلامة أن یسجل علامته في كل دولة یرید حمایتها في تلك الدولة، حیث أن تسجیل العلامة في دولة معینة لا يؤدي إلى حمایتها خارج نطاق إقليمها مما قد يطرح العديد من المشاكل بالنسبة للمنتجين والمالكين للعلامات الحقيقية.

ومن الاتفاقيات التي دعمتها الفتوى بالفعل: الاتفاقيات الدولية المكافحة لغسيل الأموال مثل اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1988م، وهي الاتفاقية التي اعتُمدت في فيينا، وتعد الحجر الأساس في مكافحة غسيل الأموال القذرة، وضبط تلك الأموال ومصادرتها، وكذلك اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية (اتفاقية باليرمو) التي تم التوقيع عليها في إيطاليا سنة 2000م، والتي قضت بأنه على كل دولة طرف في الاتفاقية أن تتخذ وفقًا للمبادئ الأساسية في قانونها الداخلي التدابير التشريعية وغيرها مما يلزم لتجريم غسيل الأموال، وهاتان الاتفاقيتان تتلاقيان في أهدافهما مع الشريعة الإسلامية في تجريم غسيل الأموال.

وفي هذا الصدد أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى عن حكم غسيل الأموال أيدت فيها ما جاء في هاتين الاتفاقيتين، فقد ذكرت الفتوى أن غسيل الأموال جريمة اقتصادية حديثة تدخل ضمن الجرائم المنظمة؛ كجرائم الإرهاب، وتهريب الأسلحة والمخدرات، والآثار، والقمار، والسرقة، والخطف، والفساد السياسي، وغيرها.

وذكرت تعريف غسيل الأموال كما جاء في “اتفاقية الأمم المتحدة في فيينا”، و”اتفاقية باليرمو” بأنه: “الإخفاء أو التمويه للطبيعة الحقيقية للأموال، ومنشئها، وموقعها، ووجه التصرف بها، وحركتها، والحقوق فيها أو ملكيتها، مع العلم بأنها ناجمة عن جريمة أو عن مشاركة في ارتكاب جريمة”.

وذكرت الفتوى أن جريمة غسيل الأموال من أكبر الجرائم تأثيرًا على المجتمع: اقتصاديًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا؛ حيث تسبب ضررًا على الدخل القومي، وتدهورًا للاقتصاد الوطني، وتشويهًا للعمليات التجارية، وارتفاعًا لُمعدّل السيولة المحليّة بما لا يتوافق مع كميّات الإنتاج، وإضعافًا لروح المنافسة بين التجار، إلى غير ذلك من الآثار السيئة والعواقب الوخيمة.

كما ذكرت أن الدول قد اتفقت على تجريم هذه الظاهرة الخطيرة التي تعمل على ما يُسمَّى “الاقتصاد الموازي” الذي يُدار بعيدًا عن أعين الحكومات؛ فصدرت اتفاقية فيينا عام 1988م، في شأن مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية والأموال الناتجة عنهما واستخدامهما في جريمة غسل الأموال، وتُعَد هذه الاتفاقية من أهم اتفاقيات الأمم المتحدة، لأنها فتحت الأنظار على مخاطر نشاطات غسل الأموال المتحصلة من المخدرات، وأثرها المدمر في النظم الاقتصادية والاجتماعية للدول.

وخلصت الفتوى إلى أن ما يُطلق عليه غسيل الأموال بدأ بمحظور شرعي، وهو التكسب من الجرائم والمحرمات، وانتهى إلى محظور شرعي، وهو تصرف من لا يملك فيما لا يملك، وما لزم عن ذلك من حرمة المعاملة التي بنيت على محرم؛ لأن ما بني على حرام فهو حرام، وآل إلى محظور شرعي وهو الإضرار بالأوطان؛ لما في استباحة غسل الأموال من تهديد الاقتصاد الوطني، فضلًا عن أن ذلك قد يستخدم في تمويل الحركات الإرهابية؛ مما يعود بالضرر الكبير على أمن الوطن وسلامته، كما أنه تحايل وتدليس وكذب حرَّمه الشرع، وعليه فإن غسيل الأموال بكل صوره محرم شرعًا ومجرم قانونًا([118]).

-ومن الاتفاقيات التي ينبغي أن تدعمها الفتوى لارتباطها بحقوق الإنسان في المجال الاقتصادي: الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم حديثة نسبيًّا حيث دخلت حيز النفاذ في 1 تموز/يوليه 2003. ومع بداية آذار/مارس 2009 كان هناك 40 دولة طرف في الاتفاقية فيما وقع عليها فقط 15 دولة أخرى. ومصر من الدول الأطراف في الاتفاقية.

حيث تغطي هذه الاتفاقية مختلف الجوانب ذات الصلة بحقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، وهي أكثر الاتفاقيات الرئيسية لحقوق الإنسان تفصيلًا([119]).

-ومن الاتفاقيات التي تُعد من صور التعاون الاقتصادي الدولي: بروتوكول مكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو، والمكمل لاتفاقية الجريمة المنظمة عبر الوطنية، والذي اعتمدته الأمم المتحدة في 15 نوفمبر 2000م. والذي انضمت إليه مصر في 31 أغسطس سنة 2004م، ووافق عليه مجلس النواب المصري بجلسته المعقودة في أول فبراير سنة 2005م([120]).

وهذا البروتوكول يتوافق مع مقاصد الشريعة، حيث يرى الفقهاء المعاصرون أن الهجرة غير الشرعية على الوجه الذي يحدث في هذا العصر غير جائزة؛ لأنها تستلزم جملة من المخالفات والمفاسد، منها: مخالفة ولي الأمر، وهذه المخالفة غير جائزة ما دام أن ولي الأمر أو الحاكم لم يأمر بمحرم، فقد أوجب الله تعالى طاعة أولي الأمر؛ فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]؛ فولي الأمر إذا أمر بمستحب أو مكروه أو مباح وجب فعله([121]). وذلك لأن طاعة أولي الأمر سبب لاجتماع الكلمة وانتظام المعاش، فللحاكم أن يسن من التشريعات ما يراه محققا لمصالح العباد؛ فإن تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة، والواجب له على الرعية الطاعة والنصرة، ومن أراد أن يهاجر من بلد إلى آخر فعليه الالتزام بالقوانين المتفق عليها بين الدول في هذا الشأن والتي أمر الحاكم بالالتزام بها ونهى عن مخالفتها، ومن ثم تجب طاعته على الفور ولا تجوز الهجرة خارج هذا الإطار الـمنظم لها.

وقد أصدرت دار الإفتاء المصرية في هذا الشأن فتوى في حكم الهجرة غير الشرعية([122]).

-ومؤخرًا أقرَّت مصر اتفاقيات دولية لصالح دعم وتمويل المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، بعد مناقشتها وإقرارها من قِبَل البرلمان المصري، وذلك في إطار دعم الدولة وتشجيعها على إقامة مشروعات متوسطة وصغيرة، لتوفير فرص عمل للشباب والحد من البطالة، ولتشجيع الاستثمار ودعم الاقتصاد. منها:

1 – قرار رئيس جمهورية مصر العربية رقم 17 لسنة 2021 بشأن الموافقة على تعديل البروتوكول التنفيذي الموقع في القاهرة بتاريخ 14 يونيو 2001 بین حكومة جمهورية مصر العربية وحكومة جمهورية إيطاليا الذي عدل بتاريخ 10 مایو 2012م، وعدل مرة أخرى من خلال مذكرات شفهية متبادلة في 2010 بشأن خط الائتمان الإيطالي مع جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر «الصندوق الاجتماعي للتنمية سابقًا» لتمويل المشروعات الصغيرة، الموقع في القاهرة بتاريخ 2/11/2020م.

2 – قرار رئيس جمهورية مصر العربية رقم 109 لسنة 2021، بشأن الموافقة على الخطابات المتبادلة بين حكومة جمهورية مصر العربية وحكومة جمهورية ألمانيا الاتحادية بشأن مشروع «شراكة لخلق الوظائف ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة في جمهورية مصر العربية».

فمثل هذه الاتفاقيات الدولية التي تعقدها الدول وفقًا للمصلحة التي يراها ولي الأمر ولا تتعارض مع الشريعة الإسلامية ينبغي على الفتوى المنضبطة أن تدعمها.

 

 

 

 

المبحث الثالث: دور الفتوى في دعم العدالة الاجتماعية.

تمهيد:

تعتبر العدالة الاجتماعية قيمةً ساميةً ومطلبًا أساسيًّا تنشده المجتمعات الإنسانية على مر العصور، وهي لب غالبية ثورات الشعوب على أنظمتها المستبدة، وحينما قامت ثورة يوليو في مصر سنة 1952م بإعلان مبادئها الستة جعلت أحد هذه المبادئ «إقامة عدالة اجتماعية»، وكان هو المبدأ الخامس ضمن المبادئ التي قامت عليها هذه الثورة، لذلك أولت الحكومات المتوالية اهتمامًا كبيرًا بقضية العدالة الاجتماعية، وانعكس ذلك في اتباع سياسات وإنجاز مشروعات وإصدار قوانين.

وتتغير رؤى النظم الحاكمة وسياساتها نحو تحقيق العدالة الاجتماعية بتغير الظروف المجتمعية والاقتصادية والسياسية للدولة.

ولا شك أن العدالة الاجتماعية هي إحدى النظم الاجتماعية التي من خلالها يتم تحقيق المساواة بين جميع أفراد المجتمع من حيث المساواة في فرص العمل وتوزيع الثروات والامتيازات والحقوق السياسية وفرص التعليم والرعاية الصحية وغير ذلك، ومن ثم يتمتع جميع أفراد المجتمع بغض النظر عن الجنس أو العرق أو الديانة أو المستوى الاقتصادي بعيش حياة كريمة بعيدًا عن التحيز.

وتهدف العدالة الاجتماعية إلى التركيز على تحقيق علاقات عادلة بين الفئات والمجموعات المختلفة داخل المجتمع، وتقع مسئولية تحقيق العدالة الاجتماعية على الحكومات والمنظمات غير الحكومية والأفراد في كل مجتمع.

وتعود نشأة مفهوم العدالة الاجتماعية إلى أوائل القرن التاسع عشر، حيث كان محور العدالة الاجتماعية هو العدالة الاقتصادية وحقوق العمال وتوزيع الثروة للقضاء على التفاوت الطبقي ليتوسع مفهوم العدالة الاجتماعية لاحقًا، ويشمل أوجه عدم المساواة المختلفة بما فيها التمييز العرقي والإثني والتمييز على أساس النوع أو الفئة الاجتماعية.

وقد ظهرت تعريفات عديدة لمفهوم العدالة الاجتماعية واهتمَّ الكُتَّاب والمفكرون بأبعاد عدَّة ضرورية لتحقيق العدالة الاجتماعية، كما يترابط ويتداخل مفهوم العدالة الاجتماعية مع عدة مفاهيم سياسية وأحيانًا يتم الخلط بينه وبين مفاهيم أخرى، وهو ما سنعرض له في هذا المبحث.

مفهوم العدالة الاجتماعية لغة واصطلاحًا:

تفيد معاجم اللغة أن العدالة لفظ يقتضي معنى المساواة، والعدل: ما قام في النفوس أنه مستقيم، والعدل ضد الجور فيقال: عدل الحاكم في الحكم. والعدل: الحكم بالحق. والعدل من الناس: المرضي قوله وحكمه. وعَدَلتُ فلانًا بفلان: إذا سويت بينهما. والاعتدال: توسط بين حالين في كم أو كيف، وكل ما تناسب فقد اعتدل، وكل ما أقمته فقد عدلته. وعدلت الشيء فاعتدل أي سويته فاستوى. وعَدَلتُ الشيء بالشيء أَعْدِلُه عدولًا: إذا ساويته به، واعتدل الشعر: اتزن واستقام. والعدل: الاستقامة([123]).

فتفيد جميع المعاني التي تعرضها المعاجم اللغوية أن العدالة معنى يتقوَّم بعلاقة الأشياء بعضها ببعض، إما بمقارنة بعضها ببعض، وإما بضم بعضها إلى بعض؛ فالعدالة إما قيمة للشيء بعد مقارنته بقيمة الأشياء الأخرى للتأكد من أنه استوفى حقه وسوِّي بما يعدله ولم يغبن بما لا يعدله، وإما اعتدال أي حال تتوسط بين حالين وعدم الميل إلى إحداهما، أو استقامة وفق معايير اجتماعية تستدعي رضا الناس وقبولهم، أو إقامة نظام لاستيفاء الحقوق ومنع الغبن ودفع الاختلال، وبالنظر في هذه المعاني نلاحظ أنها تتناسب مع العدالة الاجتماعية بالمفهوم المعاصر.

مفهوم العدالة الاجتماعية في الفكر الفلسفي والنظم الاقتصادية:

توجد تعريفات متعددة لمفهوم العدالة الاجتماعية، وتختلف هذه التعاريف باختلاف تصورات أصحابها ومعتقداتهم فهي تختلف من فلسفة إلى أخرى، ومن فكر سياسي واجتماعي إلى آخر.

مفهوم العدالة الاجتماعية في الفكر الفلسفي:

بالنظر إلى بدايات الحركة الفلسفية يتضح أنها كانت تميل نحو النظرة الطبقية للمجتمع وتؤيدها، ومن أشهر هؤلاء الفلاسفة أفلاطون (427-347 ق.م)، والذي وضع في كتابه الشهير «الجمهورية» تصورًا للدولة أو المدينة المثالية التي تتحقق فيها العدالة، وذلك بالربط بين الطبيعة التي تحكم الإنسان ومكونات الدولة، فهو يرى أن المجتمع ينقسم إلى ثلاث طبقات متمايزة بحكم الطبيعة الإنسانية، وأن لكل طبقة منها وظيفة هيأتها الطبيعة لها، حيث خصَّ كل طبقة منها بفضيلة تتناسب مع طبيعتها؛ فحين تُختص طبقة الحكام بفضيلة الحكمة، وتُختص طبقة الحراس بفضيلة الشجاعة، فإن فضيلة الطبقة المنتجة من الشعب هي التزامها العفة أو التحكم في الشهوة، هذه الفضائل الثلاث هي الشروط التي يجب توافرها في طبقات الشعب حتى تتوافر العدالة في الدولة، بشرط تأدية كل فرد في الدولة للوظيفة التي هيأتها له طبيعته دون أن يتدخل فرد من طبقة في مهام ووظائف الطبقة الأخرى حتى لا تنتفي العدالة ويشيع الظلم.

وفي مصر القديمة سادت النظرة الطبقية للمجتمع، فقد انقسم المصريون القدامى إلى ثلاث طبقات اجتماعية: أعلاها وأوسعها نفوذًا طبقة الكهنة، وكانت لهم السلطة الكبرى على الشعب والفراعنة، وكانوا يستأثرون بالعلم وبفن الحكم ويستخدمون لغة خاصة هي اللغة الهيروغليفية الشهيرة، وتحت الكهنة تندرج منظمات دينية أربع من العرافين وتضم هذه الطبقة الأولى نفسها، بالإضافة إلى الكهنة، عرافات وكتاب ورجال فن أو علماء (من أطباء ومهندسين وغيرهم)، أما الطبقة الثانية فتضم المحاربين الذين كانوا يعدون نبلاء ، والطبقة الثالثة تضم الشعب، الذي ينقسم إلى طوائف عدة: الفلاحين والصناع والتجار والرعاة وصانعي السفن.

وأما بالنسبة للفكر الفلسفي الليبرالي فبنهاية العصور الوسطى في آواخر القرن الخامس عشر بدأ عصر النهضة الذي امتاز بتوالد الأفكار عن الحريات الفردية والمساواة والعدالة الاجتماعية، وارتفعت الشعارات التي تنادي بحرية التملك وحرية العمل وحرية الإنتاج وحرية الاستهلاك وحرية المعاملات باعتبارها حقوقًا فردية ثابتة للفرد بغض النظر عن فعاليته في المجتمع، وبذلك اقتصرت الوثائق الدستورية في ذلك الوقت على حماية

حريات الفرد من قبل السلطة الحاكمة دون النظر إلى النظام الاجتماعي ككل وما قد ينتج عن ذلك من مظالم مجتمعية وفوارق طبقية.

والعدالة الاجتماعية في الفكر الفلسفي الليبرالي كما صاغها جون رولز، أحد رواد هذا الفكر وأحد فلاسفة العقد الاجتماعي، حيث صاغ مفهومًا للعدالة الاجتماعية بما يعرف بـ«العدالة كإنصاف»؛ فالمجتمع الديمقراطي –من وجه نظره- هو نظام منصف من التعاون بين مواطنين أحرار ومتساويين، وأن العدالة في هذا المجتمع تتحقق من خلال مبدأين يسبق الأول الثاني في التطبيق، هذان المبدآن هما:

المبدأ الأول: المساواة المنصفة بالفرص، وهو يعني أن لكل شخص الحق ذاته، والذي لا يمكن إلغاؤه من الحريات الأساسية المتساوية الكافية والمتسقة مع نظام الحريات للجميع، وهذا المبدأ أصرَّ جون رولز على تطبيقه في مرحلة صياغة الدستور -مكتوبًا أو غير مكتوب- كعقد اجتماعي يقره أفراد المجتمع، ومن ثم يصبح إلزاميًّا لكل من الدولة والمجتمع.

المبدأ الثاني: مبدأ الفرق، وهو ينص على أنه يجب أن تُحقق ظواهر اللا مساواة الاجتماعية والاقتصادية شرطين، أولهما يفيد أن اللا مساواة يجب أن تتعلق بالوظائف والمراكز التي تكون متاحة للجميع في إطار شروط المساواة المنصفة للفرص (المبدأ الأول)، وثانيهما يقتضي أن تكون ظواهر اللا مساواة محققة أكبر مصلحة لجميع أعضاء المجتمع خاصة الأقل مركزًا.

وبذلك فإن مفهوم العدالة كإنصاف كما رآها جون رولز يتضمن ضمان تمتع كل المواطنين بحقوق متساوية في كافة المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية من ناحية، وتحقيق أقصى نفع ممكن للأقل تميزًا بسبب عجزهم عن امتلاك الموارد إما بحكم المولد أو الظروف الاجتماعية من ناحية أخرى، وإذا لم يتحقق النجاح في تحقيق المساواة في توزيع الموارد الاقتصادية توزيعًا عادلًا بين جميع المواطنين فلابد أن يكون التحيز لصالح الأقل تميزًا.

مفهوم العدالة الاجتماعية في النظم الاشتراكية:

العدالة الاجتماعية وفق رؤية سان سيمون -أحد رواد الاشتراكية- تتحقق حينما يحصل الناس على شيء مكافئ في القيمة لما يقدمونه، أو حين يقدمون شيئًا مكافئًا في القيمة لما يحصلون عليه، فيما يعرف بمبدأ الاستحقاق، وهو ما أكده سبنسر –أحد أتباعه- حين وصف المجتمع بأنه عادل إذا تساوى جميع أفراده ما دام كل واحد منهم يضمن أن يتمتع بالحرية ضمن نطاق من التصرفات التي تقيدها حدود حريات الآخرين، وحين تتماثل قيم المكاسب والخسائر التي تكون من نصيب أفراد المجتمع مع قيم المكاسب أو الخسائر التي يكونون سببًا لها.

وهي وفق رؤية المفكر لويس بلانك ترتكز على مبدأ «الاحتياج»، والذي وصفه بعبارة «من كل بحسب قدرته، ولكل حسب احتياجه»، بمعنى توزيع الثروة على أساس الاحتياج، وهو ما وصفه فيخته: بأن الدولة العقلانية يجب أن تضمن توزيع المنافع على جميع مواطنيها، بهدف تمكين كل إنسان من أن يحيا حياة كريمة. وفي هذا المذهب يكون للدولة الدور الرئيس في تحقيق العدالة من خلال تملك وسائل الإنتاج والقيام بالأنشطة الاقتصادية، وهو دور يكاد يلغي مسئولية الأفراد في المجتمع.

مفهوم العدالة الاجتماعية في النظم الرأسمالية:

النظام الرأسمالي تكون فيه ملكية وسائل الإنتاج مقصورة على طبقة بعينها، بينما تحرم منها بقية الطبقات، فتنشأ في المجتمع فوارق شاسعة في توزيع الدخل والثروة، وهذه الفوارق لا ترتبط بالفوارق بين الأفراد في القدرات والملكات، وإنما ترتبط بالتركيز في الثروة في طبقة قد لا تشكل سوى نسبة ضئيلة جدًّا من عدد السكان من جهة، وبتوارث الثروة والمكانة والمواقع المتميزة في النظام من جيل إلى جيل داخل هذه الطبقة من جهة أخرى، كما ترتبط هذه الفوارق بظاهرة الاستغلال الرأسمالي القائم على استخدام ملاك رأس المال للعمل المأجور في إنتاج السلع، ومن ثم ترتبط العدالة الاجتماعية في هذا النظام بمدى شيوع المنافسة فيه، وبالفرص التي قد يتيحها، فالقيود على المنافسة قد تؤدي إلى تركز المنافع في جماعات بذاتها أو في أقاليم بعينها، مما يكرس اللا مساواة ويضيق فرص الحراك الاجتماعي. كما يرى هذا النظام أن العدالة تتحقق وفقًا لآليات السوق بموجب قوانين العرض والطلب، وهو ما يجعل الفئات الضعيفة تحت سطوة الأثرياء، الأمر الذي يزيد المترفين ترفًا، والفقراء فقرًا.

ويعتبر الرأسماليون أن الحرية تكفل المساواة بين الناس في الحقوق، وفي حال وجود فقراء وأغنياء، عمال وأرباب أعمال، فإن الفرد حر في ارتقائه إلى طبقة أفضل، كما هو حر في تحسين أوضاعه، وعليه فهو يتحمل مسئولية فشله في امتلاك حريته، إلا أن ذلك لا يتحقق في أرض الواقع([124]).

العدالة الاجتماعية من منظور إسلامي: 

تنطلق العدالة الاجتماعية من المنظور الإسلامي من العدل الرباني المطلق، ذلك العدل الذي يتزن به الكون كله ولا يختل أبدًا، ويدركه من تدبر آيات الله في الكون، وهذا العدل هو الذي وصف الله به نفسه فقال تعالى في كتابه الكريم: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18]، ونفى سبحانه الظلم عن نفسه في قوله عز وجل: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [ق: 29].

والعدل الإلهي المتصف به رب العالمين لا يكون بالمساواة بين الخلق من كل وجه، وعدم التفريق بينهم البتة، وإنما هو التفريق بين المختلفات، والمساواة بين المتماثلات، ووضع كل شيء في موضعه المناسب له، وذلك بالنظر إلى العواقب الحميدة والغايات المقصودة، وأساس ذلك قيام الرب تبارك وتعالى على تصريف شئون خلقه وفق علم شامل وحكمة بالغة.

ومن ثم جاءت الأديان السماوية جميعها لترسي قواعد العدل الإلهي بين البشر في جميع جوانب حياتهم الخاصة والعامة من خلال تعاليم الدين وسنن الرسل والأنبياء، وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، الذي جاء رحمة للعالمين متممًا لمكارم الأخلاق، القائل: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»([125])؛ فالدين الإسلامي يشمل من القيم والأخلاق والمعاملات الاجتماعية ما يؤكد قيم وأخلاق الأديان السابقة ويتممها، ويشرع لها من التعاليم والأحكام ما يضمن بقاءها واستقرارها في الأمة الإسلامية.

فالعدالة الاجتماعية في الإسلام مفهومها مطلق ومصدرها العدل الإلهي، لا يشوبها اجتهاد عقلي ولا تخيل فلسفي ولا مصالح بشرية، مشتقة من آيات القرآن وسنة النبي الكريم، فقد احتوت آيات القرآن العظيم على آيات كثيرة تتضمن فكرة العدل والنهي عن البغي والظلم، واشتملت السنة النبوية الشريفة على الأقوال والأفعال التي تؤسس لمفهوم العدالة الاجتماعية في المجتمع المسلم، ومن ثم فإن المفهوم المطلق للعدالة الاجتماعية كما ورد في الدين الاسلامي يتضح من خلال المضامين التالية:

الأول: أن مفهوم العدالة الاجتماعية في المجتمع المسلم منصوص عليه في تشريعات سماوية محفوظة في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم يؤمن بها أفراده ويحرصون على تحقيقها ابتغاء مرضاة الله عزَّ وجل واتباعًا لسنة النبي، وهو ما يحفظها ويضمن تحقيقها عصرًا بعد عصر وجيلًا بعد جيل، مما يعني أن حفظ المبادئ والتشريعات في نصوص متفق عليها ومقبولة من قِبَل أفراد المجتمع هو مدخل أساسي لضمان تفعيل تلك المبادئ والحفاظ عليها.

الثاني: تتحقق العدالة الاجتماعية في الإسلام بتحقق نوعين من العدالة، هما:

أ-عدالة الأحكام: وهي تتعلق بالحقوق والواجبات بين أفراد المجتمع، ولقد أوجب الله تعالى العدل فيها قائلًا: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 58]. وفي حادثة المرأة المخزومية التي سرقت وأراد أسامة بن زيد أن يشفع لها عند رسول الله فرد صلى الله عليه وسلم قائلًا: «إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق منهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها»([126]).

ب-عدالة التوزيع: ويقصد بها توزيع ثروات الدولة ومكتسباتها وخدماتها على أبناء المجتمع

توزيعًا عادلًا؛ حيث حدَّد الله سبحانه وتعالى القواعد الهادفة إلى ضمان توزيع عادل لثروات المجتمع ومكتسباته وخدماته، وذلك بوضعها في سياق العبادات التي يحاسب عليها الفرد بالثواب والعقاب، وضبطها بضوابط أخلاقية مجتمعية، واشتراطها بطبيعة التفاوت في الإنتاج والقدرة عليه مع مراعاة الاعتدال فيما يفرض من ضرائب على الأغنياء، ويتم ذلك من خلال إيجاد فرص للتعلم والتعليم والعمل والإنتاج، وإنشاء نظام حماية اجتماعية بهدف المساعدة المنتظمة للفئات المحتاجة والمهمَّشة في المجتمع، وضمان توزيع الثروات الطبيعية كالماء والمراعي والمعادن والأملاك العامة التي يشترك في الانتفاع بها المجتمع كله؛ لتفادي تمركز الثروة في يد أقلية ثرية في المجتمع، ويؤكد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يُمنع فضلُ الماء ليُمنع به الكلأُ»([127])، ومن الآيات الدالة على ضوابط عدالة التوزيع في الإسلام قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأنفال: 41].

الثالث: مسئولية تحقيق العدالة الاجتماعية في المجتمع هي مسئولية مشتركة بين ولي الأمر أو

الحاكم أو الدولة والمجتمع وأفراده ومؤسساته المقتدرة، فالدولة عليها أن ترسي قواعد تشريعات تحقيق العدالة وتنفيذها وتراقبها وتطورها لتفادي تعميق الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، وذلك بتحقيق التوازن بين المصلحة العامة للمجتمع والمصلحة الخاصة للأفراد، ومن جانب آخر فإن الدين الإسلامي يفرض نظام التكافل الاجتماعي بين أبناء المجتمع من خلال فرض الزكاة على الأغنياء، قال تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ، لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج 24، 25]؛ فالزكاة هي إحدى مظاهر التطبيق العملي للعدالة الاجتماعية في الدين الإسلامي، هذا بالإضافة إلى مظاهر أخرى للإسهامات التطوعية للمجتمع في سبيل تحقيق العدالة الاجتماعية كالصدقات التطوعية والأوقاف والمنح والانتفاع بفائض رؤوس الأموال كالإقراض وإعارة الأدوات والآلات والمساعدة بالوقت والجهد، مما ينمي الفعالية الاجتماعية ويقوي النسيج الاجتماعي، قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة: ٢١٩].

 الرابع: يتطلب تحقيق العدالة الاجتماعية في الإسلام ضمان الحريات وتقييدها بالمصلحة العامة للمجتمع، حيث يقر الإسلام جميع أنواع الحريات: الحرية الشخصية، وحرية الفكر والمعتقد وحرية التعلم والحصول على العلم معيارًا لتحقيق العدالة؛ قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: 11]، وحرية التملك، كل ذلك في إطار تحقيق مصلحة المجتمع وأفراده([128]).

مفهوم العدالة الاجتماعية في الواقع المعاصر:

التعريف الذي نختاره لمفهوم العدالة الاجتماعية: «هي تلك الحالة التي ينتفي فيها الظلم والاستغلال والقهر والحرمان من الثروة أو السلطة أو من كليهما، والتي يغيب فيها الفقر والتهميش والإقصاء الاجتماعي، وتنعدم الفروق غير المقبولة اجتماعيًّا بين الأفراد والجماعات والأقاليم داخل الدولة، والتي يتمتع فيها الجميع بحقوق اقتصادية واجتماعية وسياسية وبيئية متساوية وحريات متكافئة، والتي يعم فيها الشعور بالإنصاف والتكافل والتضامن والمشاركة الاجتماعية، والتي يتاح فيها لأعضاء المجتمع فرص متكافئة لتنمية قدراتهم وملكاتهم وإطلاق طاقاتهم من مكامنها وحسن توظيفها لصالح الفرد، وبما يكفل له إمكانية الحراك الاجتماعي الصاعد من جهة، ولصالح المجتمع في الوقت نفسه من جهة أخرى، والتي لا يتعرض فيها المجتمع للاستغلال الاقتصادي وغيره من مظاهر التبعية من جانب مجتمع أو مجتمعات أخرى»([129]).

وعندما تتحقق تلك الحالة في المجتمع فإنه يوصف بأنه مجتمع عادل لا يتعرض للظلم أو القهر من داخله أو من خارجه، ويقوم على مبادئ المساواة التي هي في الواقع جوهر المواطنة، ومبادئ التضامن الاجتماعي واحترام حقوق الإنسان وحرياته وكرامته([130]).

وتُعد العدالة الاجتماعية من أهم المبادئ التي تضمنتها الدساتير الحديثة؛ ذلك أن الحماية الدستورية للعدالة الاجتماعية تفترض أولًا تكريسًا دستوريًّا لفكرة الحقوق الدستورية، ففي المادة (8) من الدستور المصري الجديد 2019م: «يقوم المجتمع على التضامن الاجتماعي، وتلتزم الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير سبل التكافل الاجتماعي، بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين، على النحو الذي ينظمه القانون».

مقومات العدالة الاجتماعية:

تقوم العدالة الاجتماعية على مقومات أساسية تضمن لها التحقق إجرائيًّا على أرض الواقع، وهذه المقومات هي:

الأول: الإيمان بمبدأ العدالة الاجتماعية، والنظر إليها على أنها قيمة سامية ومثل أعلى، وأنها غاية الشعوب ومرادها، وسبيلها نحو الاستقرار والتقدم.

الثاني: إقرار الحقوق ركن أساسي من أركان العدالة الاجتماعية، ينتفي وجودها بانتفاء هذا الشرط، وهي نوعان: إما حقوق مدنية، وهي حقوق المواطنة، وهي حق لكل مواطن في الدولة، مثل حق الصحة والتعليم والأمن والحرية والضمان الاجتماعي وغيرها، وحقوق مقابل عمل أو

نشاط يقوم به المواطن، أو حقوق قضائية لرفع الظلم والفصل بين المتخاصمين.

الثالث: أداء الواجبات المفروضة على المجتمع، فلا معنى للعدالة الاجتماعية في غياب ضمان

الواجبات التي يؤديها الأفراد تجاه بعضهم البعض وتجاه المجتمع، فحتى يكون المجتمع مجتمعًا مستقرا ومنتجًا ومتطورًا بما يعود بالنفع على المجتمع كله فإن على أفراده ومؤسساته الالتزام بواجباتهم تجاهه، ومن هذه الواجبات: واجب الدفاع عن الوطن، والعمل، والتعليم وتنمية القدرات، والمحافظة على الثروات الطبيعية للدولة، والحفاظ على الصحة العامة، وغيرها، وفي المقابل ينبغي على الدولة أن تلتزم بتوفير الفرص لأبنائها ليتمكنوا من أداء واجباتهم نحو أوطانهم.

الرابع: ضمان الحريات الأساسية؛ فتحقيق العدالة الاجتماعية مرهون بتحقيق الحريات الأساسية لكل فرد في المجتمع، ويمكن أن تبرز الصلة بين الحرية والعدالة الاجتماعية من زاوية أن قدرة الجماعات المحرومة من الشعب على التخلص من الفقر والظفر بحقها في الإنصاف مرهونة بما يوفره النظام السياسي من حريات وديمقراطية، تمكنها من التعبير عن مطالبها وتنظيم صفوفها للدفاع عنها وممارسة الضغوط من أجل تحقيق هذه المطالب، وعندما يفتقر النظام السياسي إلى الحرية والديمقراطية، وتحرم هذه الجماعات من فرص التعبير والتنظيم من أجل تضييق الفوارق في توزيع الدخل والثروة، فإن هذه الفوارق تميل إلى الاستمرار بل وإلى الاتساع.

فالنظام الاجتماعي العادل هو الذي يتيح لأعضائه حرية أكبر وخيارات أكثر، ويجعل الموارد العامة متاحة للجميع على قدم المساواة، كما يضع سياساته وينظم مؤسساته على نحو يمكِّن الأكثرية الساحقة من استثمار تلك الفرص والموارد.

الخامس: المشاركة المجتمعية؛ فالعدالة الاجتماعية مسئولية الدولة والمجتمع معًا؛ فلا يمكن تحقيق العدالة إلا في إطار وجود دولة يتساوى الجميع فيها أمام القانون، ويكون واجب السلطة هو العمل على تحقيق التوازن والعدالة بين مصالح جميع أفراد المجتمع، من خلال وضع السياسات وتطبيق الإجراءات عبر وسائل مختلفة، وإذا كانت المسئولية الأولى في ضمان وتحقيق العدالة الاجتماعية تقع على عاتق الدولة ومؤسساتها الحكومية، إلا أن المجتمع بأفراده ومؤسساته يتحملون معها قسطًا وافرًا من هذه المسئولية، ومن ضرورة المساهمة في تحقيقها إجبارًا (الواجبات) أو اختيارًا (المشاركة والتطوع).

السادس: المساواة العادلة، وهي تعني أن أفراد المجتمع متساوون في الحقوق والحريات والواجبات، ولا تمييز بينهم لعوامل الجنس أو العرق أو الدين أو اللون أو الموقع الجغرافي أو غيرها، لكن المساواة ليست مطلقة بمعناها القانوني فقط -المساواة أمام القانون- وإنما يكون التمايز والتفاوت فيها هو عين العدالة؛ فالمساواة بمعناها الاجتماعي تراعي التمايز في الواقع الاجتماعي بين المواطنين، كالتمييز بين المتعلم والأمي، والعامل والعاطل، والغني والفقير، والسوي والمعاق، والطفل والشاب، والشيخ والكهل، والصحيح والمريض، وغيرها من الخصائص الاجتماعية التي يصبح التعامل فيها بالتماثل مجافيًا للعدالة الاجتماعية هدفًا ووسيلةً. ومنها أيضًا: المساواة في حفظ الكرامة الإنسانية من خلال المساواة في أساليب التعامل مع أفراد المجتمع حين تقدم لهم حقوقهم أو عند تأديتهم لواجباتهم أو ممارستهم لحرياتهم.

السابع: المصلحة المجتمعية الشاملة؛ إذ العدالة الاجتماعية تستهدف مصلحة المجتمع كله بحالته الجمعية، في إطار من التوازنات والترجيحات للصالح العام؛ فالنظم العادلة هي التي تضع قواعد للسلوك الفردي في المجتمع يجعله يوازن بين المصلحة الشخصية والمصلحة العامة للمجتمع. ففي كل المعاملات الفردية الخاصة يجب أن يكون الصالح العام هو الهدف الأساسي الذي يحافظ عليه المجتمع، فينبغي أن تستهدف التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والبشرية للمجتمع كله، بمعنى ينافي النظرة الفردية للأفراد في مجتمعهم، والتي تشجع التفاوت الطبقي وتعززه، وانما تستهدف النظرة المجتمعية الشاملة التي يستفيد منها كافة الشعب ويشارك فيها([131]).

العدالة الاجتماعية كأساس ومقوم للنظام الاقتصادي:

لا شك أن بين الاقتصاد والعدالة الاجتماعية ارتباطًا واضحًا؛ ذلك أن للنمو الاقتصادي أثره الايجابي في تنمية ورفع مستوى المعيشة وما يترتب عليه من تحقيق العدالة الاجتماعية، ولذلك تخصص الدساتير المعاصرة فصولًا كاملة للمقومات الاقتصادية إدراكًا منها لعلاقتها الحيوية بفكرة العدالة؛ مما شكَّل ملمحًا جديدًا من الملامح الاجتماعية للاقتصاد الحر عُرِف باسم «اقتصاد السوق الاجتماعي»([132])، والذي صار أحد أهم الأهداف الرئيسة لمشروع الاتحاد الأوروبي؛ فالعدالة الاجتماعية في المجال الاقتصادي تفترض بطالة ضئيلة، وشروط أفضل للعمل؛ وحماية اجتماعية للطبقات الفقيرة.

إن تحقيق العدالة الاجتماعية في المجال الاقتصادي يفترض توزيع الاستثمارات والخدمات دون تفرقة؛ بحيث ينال كل مواطن وكل إقليم حقه العادل في التنمية، واستنادًا إلى مبدأ المساواة في مجال الحقوق الاجتماعية؛ فإن تبني سياسة تقوم على التمييز الايجابي قد لا يكون أمرًا مقبولًا؛ ولكن القضاء الدستوري المعاصر يقرر بدستورية التمييز الإيجابي في غير الحقوق السياسية ما دام أن هذا التمييز مسوغ باعتبارات اجتماعية واقتصادية.

وفي الدساتير العربية الحديثة يظهر هذا الملمح بارزًا فالدستور المصري الجديد 2019م على سبيل المثال خصص فصلًا كاملًا للمقومات الاقتصادية، ونصت المادة (27) منه: «يهدف النظام الاقتصادي إلى تحقيق الرخاء في البلاد من خلال التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، بما يكفل رفع معدل النمو الحقيقي للاقتصاد القومي، ورفع مستوى المعيشة، وزيادة فرص العمل وتقليل معدلات البطالة، والقضاء على الفقر. ويلتزم النظام الاقتصادي بمعايير الشفافية والحوكمة، ودعم محاور التنافسية وتشجيع الاستثمار، والنمو المتوازن جغرافيًّا وقطاعيًّا وبيئيًّا، ومنع الممارسات الاحتكارية، مع مراعاة الاتزان المالي والتجاري والنظام الضريبي العادل، وضبط آليات السوق، وكفالة الأنواع المختلفة للملكية، والتوازن بين مصالح الأطراف المختلفة، بما يحفظ حقوق العاملين ويحمي المستهلك. ويلتزم النظام الاقتصادي اجتماعيًّا بضمان تكافؤ الفرص والتوزيع العادل لعوائد التنمية وتقليل الفوارق بين الدخول والالتزام بحد أدنى للأجور والمعاشات يضمن الحياة الكريمة، وبحد أقصى في أجهزة الدولة لكل من يعمل بأجر، وفقًا للقانون».

وبهذا النص الجديد تصبح العدالة الاجتماعية أساسًا ومقومًا للنظام الاقتصادي، مما يعني أنها تشكِّل هدفًا دستوريًّا يفرض قيودًا تمثل حدًّا أدنى على السلطات العامة، على عكس العدالة الاجتماعية في المجال الضريبي التي تشكل مبدأ دستوريًّا. ومن هنا تظهر نتائج دسترة العدالة الاجتماعية بشكل قوي في صورة العدالة الضريبية؛ والتي بموجبها يتعين توزيع الأعباء العامة بين أعضاء الجماعة تبعًا للمقدرة التكليفية للملتزم بها. وهو ما يتطلب ضرورة التقدير الحقيقي للمال الخاضع للضريبة كشرط لتحقيق عدالة حقيقية؛ الأمر الذي يستلزم وضع شروط شكلية وموضوعية تتعلق أولًا بمدى مشروعية الضريبة ودستوريتها؛ وثانيًا مدى العدالة في تطبيقها على من تساوت مراكزهم؛ وطبقًا للمادة (38) من الدستور المصري الجديد فإن العدالة الاجتماعية أساس الضرائب وغيرها من التكاليف المالية العامة. ولا يكون إنشاء الضرائب العامة ولا تعديلها ولا إلغاؤها إلا بقانون، ولا يُعفى أحد من أدائها في غير الأحوال المبينة في القانون. ولا يجوز تكليف أحد بأداء غير ذلك من الضرائب والرسوم إلا في حدود القانون. وطبقًا لذلك نصَّت المادة (17) من الدستور المصري الجديد: «تكفل الدولة توفير خدمات التأمين الاجتماعي. ولكل مواطن لا يتمتع بنظام التأمين الاجتماعي الحق في الضمان الاجتماعي، بما يضمن له حياة كريمة، إذا لم يكن قادرًا على إعالة نفسه وأسرته، وفي حالات العجز عن العمل والشيخوخة والبطالة».

كما يتقرر أيضًا أن الموقع الجغرافي يمكن أن يؤخذ في الاعتبار بحيث يجوز للمشرع -من أجل تحفيز إنشاء وظائف- أن يقرر الموافقة على إعفاءات أو تخفيض من الضرائب ولمدة معينة

للمشروعات الواقعة في بعض المناطق التي يكون وضع العمل فيها حرجًا بشكل خطير، وذلك من أجل النهوض بالأقاليم الفقيرة؛ ما دام أن هذه السياسة مؤقتة بمدة معينة([133]).

الجهود الإفتائية في دعم العدالة الاجتماعية:

لقد قامت الفتوى بدور كبير لا يمكن إغفاله في إبراز دعوة الإسلام إلى العدالة الاجتماعية بكافة صورها، ودعمت هذه العدالة أيضًا، وذلك من خلال العديد من الفتاوى، فمن الفتاوى التي وردت فيها إشارات كثيرة إلى منهج الإسلام في الحث على العدالة الاجتماعية والمساواة بين البشر فتوى الشيخ جاد الحق علي جاد الحق رحمه الله بتاريخ 1 أبريل 1979م، فقد جاء في ثنايا الفتوى:

يلزم أن يستقر في الأذهان أن شريعة الإسلام قامت على اعتبارات من الدين والأخلاق والعدالة المطلقة بين الناس على اختلاف عقائدهم الدينية، وهي في تقديسها لهذه العدالة لم ترع المسلمين وحدهم بل كافة المواطنين، وحين حرمت التعدي والظلم وغيرهما من الموبقات لم تفرق بين المسلم وغير المسلم؛ قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله} [المائدة: 8]، أي: لا ينبغي أن يحملكم أي خلاف مع آخرين بسببٍ ما -كالمخالفة في الدين- على مجانبة العدل في الأحكام، ومن ثم فإن الإسلام سوَّى في الحكم والأحكام بين طوائف الناس جميعًا، ومن هنا فإن غير المسلمين إنما يلتزمون بالقانون الإسلامي كقانون فقط لا مساس فيه بالعقيدة ولا ما يتبعها من الأمور اللصيقة بها كمسائل الزواج والطلاق، ففي هذا الخصوص يقرر فقه الإسلام أن غير المسلمين يُتركون وما يدينون.

وأضافت الفتوى: أن الشريعة كقانون مطبقة فعلًا على جميع المصريين دون حرج أو اعتراض؛ فهذه قوانين الميراث والوصية الوقف والولاية على المال جميعها مصدرها الوحيد فقه الشريعة الإسلامية والكل راضٍ بها، ووحدة الأمة مصونة في ظلها. وقد كانت البلاد العربية في إبان حضارتها يحكمها قانون واحد يتمثل في الشريعة الإسلامية التي ظلت سائدة مطبقة تطبيقًا شاملًا في مختلف النواحي على مدى قرون طويلة دون تفريق بين المسلم وغير المسلم، بل الكل أمام قانونها سواء كما يأمر بذلك النص القرآني الكريم سالف الذكر.

وقررت الفتوى أن طبيعة العقوبات في الشريعة لا تفرق في العقوبة بين الأفراد فقالت الفتوى: إن توفير الأمن في الأمة وتقويم السلوك أمر متعلق بالنظام العام في الدولة، وهو في نفسه لا يمس عقيدة دينية ولا يحد منها، ولقد عاشت وحدة الوطن في ظل القانون الإسلامي أكثر من ثلاثة عشر قرنًا من الزمان أمن فيه غير المسلمين قبل المسلمين على أموالهم وأعراضهم وأنفسهم؛ فالمسلم يقتص منه عدلًا بقتل غير المسلم كما يُرْجَم إذا زنى بغير المسلمة كما تُقطع يده إذا سرق المال. والحال كذلك بالنسبة للجاني إذا كان غير مسلم؛ لأن القصد هو سلامة المجتمع كله ومعاقبة المجرم أيًّا كان دينه ليصلح المجتمع.

ومن هذا يتضح أن طبيعة العقوبات في الشريعة لا تسمح بالتفريق في العقوبة بين الأفراد لأي سبب أو وصف من الأوصاف؛ إذ العقوبة مقررة للجريمة حتى تسري النصوص الجنائية على الكافة([134]).

فقد بيَّنت هذه الفتوى أن الإسلام لا يفرق بين أفراد المجتمع أيًّا كانت عقائدهم في إعطاء الحقوق والحفظ على الحريات والكرامة الإنسانية، وأوضحت أن الإسلام لا يفرق في إيقاع العقوبات بين أفراد المجتمع.

ومن الفتاوى التي نال فيها الحديث عن العدالة الاجتماعية نصيبًا وافرًا فتوى الشيخ حسنين محمد مخلوف رحمه الله بتاريخ 3 أبريل سنة 1948م، فقد جاء في ثنايا الفتوى:

الحق الذي لا مرية فيه أن في الشريعة الإسلامية ما يكفل تحقيق العدالة الاجتماعية بأوسع معانيها بالنسبة للأفراد والجماعات، فقد اعتبرت الفرد قوامًا للجماعة، وسنَّت له النظم الصالحة لحياته في نفسه، وباعتباره عضوًا في أسرته وفي عشيرته وفي أمته وفي المجتمع الإنساني عامة ليكون لبنة متينة في بنائه وعضوًا قويًّا في كيانه. كما اعتبرت الجماعة عضدًا للفرد وظهيرًا له في أداء رسالته والتمتع بحقوقه والقيام بواجباته. ووثَّقت الصلة بين الفرد والجماعة بالتكافل في كثير من الحقوق والواجبات، ولم تدع شأنًا من شئون الفرد والجماعة إلا أنارت فيه السبيل وكشفت عما فيه من خير وشر، وقررت أسمى المبادئ وأعدل النظم في الاجتماع والسياسة الثقافة والاقتصاد وما إلى ذلك مما يكفل للأمة إذا هي استمسكت بها القوة والسلطان والحياة المشرقة الرافهة التي يسودها التعاون على البر والخير، ويظلها الأمن والسلام.

وقد عابت الفتوى على الأمم الغربية الرأسمالية التي استعمرت الدول ونهبت خيراتها فقالت:

اندفعت أمم من الغرب بدافع الجشع والطمع وعبادة المال إلى استعمار البلاد الشاسعة واستعباد الأمم الضعيفة واستغلال مواردها واحتكار مرافقها، ولبست لذلك مسوح الرهبان خداعًا للشعوب وتغريرًا بالعقول، فمرة تزعم أنها إنما أقدمت على ذلك لترقيها وترفع مستواها وتسعد أهلها اجتماعيًّا وثقافيًّا واقتصاديًّا، ومرة تزعم أنها إنما تبسط يدها عليها وتتحكم في مواردها وخيراتها لتنقذ الطبقة الدنيا من مخالب الرأسمالية، وهي في كل هذه المظاهر الكاذبة مخادعة مرائية لا تبغي إلا السيادة والغلب واحتكار الأمم الضعيفة والشعوب المفككة كما تحتكر الأمتعة والسلع، وهذا أبشع صور الاحتكار وأفحش أساليبه.

وقررت الفتوى منهج الإسلام في إقرار أسمى المبادئ في نظام الملكية فقالت: أما الإسلام الحنيف فقد ساير سنن الوجود وطبيعة العمران وقرر أسمى المبادئ في نظام الملكية؛ فأباح الملكية المطلقة للأفراد، وأوجب بجانب ذلك على الأغنياء في أموالهم حقوقًا يؤدونها للفقراء والمساكين وذوي الحاجة سدًّا لخلتهم وينفقون منها في المصالح العامة التي تعود بالخير على المجتمع. وفي آيات القرآن والأحاديث النبوية من الحث على أداء هذه الحقوق والترهيب من الإخلال بها، والترغيب في التصدق والإنفاق والبر والمواساة ما لو اتَّبعه المسلمون كانوا أسعد الأمم حالًا وأهنأها بالًا، وأبعدها عما نراه من المآثم والشرور، أوجب الزكاة في الأموال تؤخذ من الأغنياء وترد على الفقراء، وهي الركن المالي في دعائم الإسلام، وأمر بالبر والاحسان لذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل. وقال تعالى: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} [آل عمران: 92]، وضاعف مثوبة الصدقات فقال تعالى: {مثل الذين ينفقون أموالهم فى سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم} [البقرة: 261]، وحثَّ على صدقة السر فقال تعالى: {إن تبدوا الصدقات فنعما هى وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم} [البقرة: 271]، إلى غير ذلك من الآيات التي عدلت الأغنياء بالفقراء وأسعدت الفقير بحظٍّ من ثمرات ملكية الغني يسد خلته ويكفي حاجته، وبجانب ذلك حثَّ القرآن في كثير من الآيات على العمل والكسب، ونهت السنة عن البطالة وإراقة ماء الوجه بالسؤال والاستجداء كيلا يتَّكل الفقراء على الأغنياء ويعيشوا عليهم عالة يتكففونهم، وفي ظلال هذه التعاليم التي يكمل بعضها بعضًا يعيش العامل والفقير والغني عيشة راضية مطمئنة لا يشوبها كدر ولا ينغصها ألم.

فقد أبرزت الفتوى منهج الإسلام القائم على التوازن، فهو يحثُّ على الإنفاق وسد خلة الفقراء، وفي الوقت نفسه يشجع على العمل وينهى عن البطالة وسؤال الناس.

وأضافت الفتوى: احترم الإسلام حق الملكية فأباح لكل فرد أن يتملك بالأسباب المشروعة ما يشاء من المنقولات والعقارات، وأباح له استثمارها والانتفاع بها في نطاق الحدود التي رسمها، وخوَّله حق الدفاع عنها كالدفاع عن النفس والعرض ولو بقتل الصائل عليها، وأوجب عليه صيانتها ونهاه عن إضاعتها وصرفها في غير المشروع من وجوهها استكمالًا لوسائل العمران.

كما جاء في الفتوى أيضًا: وشرع الإسلام أسباب ملكية الأعيان والمنافع وطرائق انتقالها من مالك إلى آخر، وأقام للتعامل بين الناس نظمًا وحدودًا تكفل صيانة حق الملكية، وتمكن المالك من استيفاء حقه والانتفاع بثمرة ملكه، وتخوِّل المستأجر الانتفاع بملك غيره، وحرَّم من وسائل التعامل ما يقضي إلى التهارج والتقاتل كالربا في صوره المختلفة، والعقود التي فيها جهالة وغرر ومخاطرة، وحرَّم الغصب والسرقة وأكل أموال الناس بالباطل، وسنَّ الحدود والعقوبات جزاء لمن ينتهك حرمة الملكية ويتعدى حدودها المشروعة؛ قال تعالى: {ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون} [البقرة: 229].

وقد صحَّحت الفتوى المفاهيم وردَّت على من يزعم أن الإسلام يرفض وجود طبقة تحتكر الثروة، فقد جاء في الفتوى: وقال آخرون: إن الإسلام يرفض وجود طبقة تحتكر الثروة، وإنه حق لو كان هناك احتكار، ولكنه في الواقع حديث عن وهم وخيال، فليس هناك طبقة تحول بقوتها بين الناس وأسباب الغنى والثراء وتمنعهم بحولها من التملك والشراء، وليس هناك احتكار من أحد للثروة بالمعنى المفهوم من الاحتكار، بل هناك نواميس طبيعية وسنن اجتماعية قضت بتفاوت الناس في القوى والمدارك والعمل والإنتاج، فكان منهم طوائف العُمَّال والصُّنَّاع والزُّرَّاع، وفيهم الجُهَّال والعلماء والأغبياء والأذكياء والكسالى والمجدُّون، ولهذا التفاوت آثاره الطبيعية في الكسب والتملك، كما قضت هذه السنن بخضوع التعامل بين الناس لقاعدة العرض والطلب والحاجة والاستغناء، وليس وجود طبقة عاجزة عن التملك بطريق الشراء مما يسوِّغ حسبان القادرين عليه محتكرين ما دام مرد الأمر فيه إلى عوامل أخرى ليس بينها حجر فريق على حرية فريق([135]).

فقد أظهرت هذه الفتوى مضامين مفهوم العدالة الاجتماعية كما جاء بها الإسلام، فقد بيَّنت أن الإسلام اعتنى بشأن الفرد باعتباره عضوًا في جسد المجتمع، وأن الإسلام دعا إلى التكافل بين أفراد هذا المجتمع، وحثَّ على سد خلة المحتاجين، وفي الوقت نفسه شجَّع على العمل ونهى عن البطالة واستجداء الناس، ومَنَحَ الناس الحريات ومنها حرية التملك والبيع والشراء، وأن سنة الله تعالى الكونية اقتضت تفاوت الناس في قواهم وقدراتهم ومواهبهم، ومن آثار ذلك اختلافهم في الكسب والتملك.

دعم الفتوى لحقوق الإنسان:

إن تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها هو شرط أساسي لتحقيق العدالة الاجتماعية، فتمتع الإنسان بحقوقه المختلفة من ممارسة الحريات والحصول على المأكل والمشرب والتعليم والمسكن والرعاية الصحية هي جوهر العدالة الاجتماعية.

وقد اهتمت الفتوى بإقرار حقوق الإنسان، ومن الجهود الإفتائية في هذا الصدد: فتوى دار الإفتاء المصرية التي تناولت فلسفة الإسلام تجاه حقوق الإنسان، فقد بيَّنت الفتوى: أن الإسلام هو الحضارة الوحيدة التي قدمت مفهومًا متكاملًا لحقوق الإنسان، والأصل في ذلك قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70]. وألمحت الفتوى إلى أنَّ الإسلام قد أعطى الإنسان عمومًا -كإنسان دون تفرقة بين لون وجنس ودين- حقوقًا كثيرة جدًّا سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وحقوق الأسرة وحقوق المرأة وحقوق الطفل وغيرها.

ويأتي على رأس قائمة حقوق الإنسان: حق الحياة؛ لأنه أساس جميع الحقوق وسابق عليها وبدونه تصبح باقي الحقوق لا قيمة لها.

وأشارت الفتوى إلى أنه بمراجعة سريعة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة عام 1948م والذي يعتبره الكثيرون نقلة نوعية في مجال حقوق الإنسان نجده يركز على ثلاثة حقوق أساسية وهي: الأخوة والمساواة والحرية.

فالأخوَّة أكد عليها الإسلام خاصة حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجرًا فآخى بين الأوس والخزرج والمهاجرين والأنصار غنيهم وفقيرهم قويهم وضعيفهم منطلقًا من قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]. وأشار القرآن للأخوَّة البشرية عموًما حين قال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13]، فكل البشر يرجعون إلى أب واحد وهو آدم، وأم واحدة وهي حواء.

أما المساواة: وهي التماثل الكامل أمام القانون، وتكافؤ كامل إزاء الفرص، وتوازن بين الذين تفاوتت حظوظهم من الفرص المتاحة؛ فانطلاقًا من مبدأ الإخاء الإنساني بنى الإسلام علاقة الإنسان بأخيه على مبدأ المساواة المطلقة أمام القانون حتى يستقر العدل ويسود الحق، وتنمحي كل أثارة من ظلم وإجحاف؛ فلا تمييز بين فرد وآخر لأي اعتبار سوى التقوى والعمل الصالح، وحتى هذا الاعتبار لا يعطي لصاحبه حقًّا زائدًا على غيره، ولكنه فقط يفرض التقدير والاحترام له من المجتمع دون محاباة أو نيل ما ليس له بحق؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس لعربي على عجمي فضل، ولا لعجمي على عربي فضل، ولا لأسود على أبيض ولا لأبيض على أسود فضل إلا بالتقوى»([136]).

وقد تميز الإسلام عن كل العهود والمواثيق المتعلقة بحقوق الإنسان حيث جعل معيار التفاضل التقوى، وهو معيار يدفع إلى الرقي والسمو بالإنسان كإنسان، ويجعله أفضل لنفسه وللمجتمع الذي يعيش فيه، وبذلك يكون الإسلام قد هدم كل المعايير الزائفة التي كانت منتشرة في المجتمعات البشرية.

أما حق الحرية سواء كانت دينية أو فكرية أو مدنية أو سياسية فإن للإسلام قصب السبق فيها، ويكفي أن نقرأ المادة الأولى في الإعلان العالمي التي تقول: “يولد الناس أحرارًا متساوين في الكرامة وفي الحقوق»، والمادة الثانية: «إن لكل إنسان أن يتمسك بجميع الحقوق والحريات لا فرق بين شخص وآخر».

أما في الإسلام فقد جعل باب الحرية مفتوحًا على مصراعيه، ففي الحرية الدينية جعل للإنسان كامل الحرية في اختيار عقيدته: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256]، {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29].

وجاء في «وثيقة أمن عمر بن الخطاب لأهل إيلياء»: [أعطاهم أمانًا لأنفسهم، وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم.. أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من حيزها ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم ولا يكرهون على دينهم ولا يضارَّ أحد منهم]([137])، وجاء مثله في «معاهدة عمرو بن العاص لأهل مصر»([138]).

كما اهتم الإسلام بالحرية المدنية بأن يكون للإنسان حرية التصرف في أموره الشخصية والمالية، ويقابلها الرق والعبودية التي يفقد فيها الإنسان هذه الحرية ولا يكون له أهلية التصرف، فقد جعل لكل فرد سيادة ذاتية يملك، ويرث، ويبيع، ويشتري، ويرهن، ويكفل، ويهب، ويوقف، ويوصي، ويتصرف، ويتزوج وهكذا في كل ما يحقق له مصلحة فردية أو جماعية([139]).

وموقف الإسلام من الرق وسعيه للقضاء عليه وتجفيف منابعه واضح ظاهر لكل ذي عقل منصف. كما اهتم الإسلام بالحرية السياسية وجعل لكل إنسان الحق في تولي الوظائف الإدارية صغراها وكبراها حتى رئاسة الدولة.

كذلك اهتم الإسلام اهتمامًا بالغًا بحق العدالة وأعطى لكل إنسان مهما كانت مكانته ومهما كان منصبه حق التمتع بهذه العدالة فأمر بذلك صراحة: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل: 90]، ليس هذا فحسب، بل نهى أن تكون العداوة أو الخلاف في العقيدة أو الرأي مدعاة لمخالفة العدل: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8].

وخلصت الفتوى إلى أن مفاهيم حقوق الإنسان في الإسلام تميزت عن الإعلانات والعهود والمواثيق الدولية بعدة مزايا:

أولًا: من حيث الأسبقية والإلزامية؛ حيث مر عليها أكثر من أربعة عشر قرنًا، والوثائق الدولية وليدة العصر الحديث، كما أن حقوق الإنسان في المواثيق الدولية عبارة عن توصيات أو أحكام أدبية، أما في الإسلام فهي فريضة تتمتع بضمانات جزائية؛ حيث إن للسلطة العامة حق الإجبار على تنفيذ هذه الفريضة.

ثانيًا: ومن حيث العمق والشمول؛ لأن مصدرها هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أما مصدر الحقوق في القوانين والمواثيق فهو الفكر البشري، والبشر يخطئون أكثر مما يصيبون، ويتأثرون بطبيعتهم البشرية بما فيها من ضعف وقصور وعجز عن إدراك الأمور، بل وتتحيز في كثير من الأحيان، كما أنها في الإسلام تشمل جميع الحقوق.

ثالثًا: من حيث حماية الضمانات؛ حيث إنها في الإسلام جزء من الدين جاءت في أحكام إلهية تكليفية لها قدسية تحد من العبث بها، ويجعلها أمانة في عنق كل المؤمنين فكون حقوق الإنسان تمثل عقيدة وسلوكًا طبيعيًّا للإنسان هو الضمان الوحيد لاحترامها([140]).

فهذه الفتوى التي تقرِّر حقوق الإنسان لها ارتباط وثيق بدعم العدالة الاجتماعية؛ إذ إنَّ هناك ارتباطًا وثيقًا بين فكرة العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، وما نشاهده على الساحة العالمية من انحدار في العدالة الاجتماعية فإنه يعود إلى حرمان عدد كبير من الأفراد من الحقوق الأساسية التي يكفلها لهم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ فالتضرر من الحروب والجوع والفقر والتمييز العنصري وغير ذلك من التحديات العديدة التي يواجهها كثير من الأفراد والضحايا يمثل دليلًا واضحًا على عدم الاهتمام بحقوق الإنسان، والتي ترتبط بشكل كبير بالعدالة الاجتماعية.

ومن الفتاوى التي تناولت حق المساواة في الإنسانية بين الرجل والمرأة: فتوى دار الإفتاء المصرية للدكتور أحمد الطيب، فقد جاء في هذه الفتوى: من أبرز حقوق الإنسان في الإسلام حق المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات؛ فبعد أن كانت المرأة قبل الإسلام كائنًا رخيصًا محتقرًا لا شأن له ولا قدر، جاء الإسلام فرفع مكانتها وأعلى شأنها وأعطاها حق المشاركة في كل مجالات الحياة مساواة بالرجل، فأعطاها الحق في اختيار دينها وفي إبداء رأيها في اختيار شريك حياتها، وفي التعليم، وفي الميراث، والتملك، وإجراء التصرفات المدنية والتجارية، وأعطاها حقًّا كاملًا في المشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية بما يتفق مع طبيعتها وعدم الإخلال بحقوق غيرها عليها؛ زوجًا كان أو أبًا أو غيره.

ودلَّلت الفتوى على ذلك بأن القرآن الكريم قد أشار إلى تقرير هذه المساواة بين الرجل والمرأة في الإنسانية وفي الحقوق والواجبات في كثير من آياته، منها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء: 1]، فهذه الآية تقرر أصل الذكر والأنثى وأنهما من نفس واحدة وهي آدم عليه السلام.

ومنها قوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [آل عمران: 195]، فالآية قررت المساواة بين الذكر والأنثى في الجزاء، كما قررت المساواة بينهما في العمل.

وفي تقرير هذه المساواة أيضًا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنما النساء شقائق الرجال([141])»([142]).

دعم الفتوى لمفهوم المواطنة القائم على المساواة:

ومن الفتاوى التي تدعم العدالة الاجتماعية: فتوى دار الإفتاء المصرية التي عزَّزت قيام الدولة المدنية وأصلت لها تأصيلًا شرعيًّا، وهي الدولة التي تقوم على أساس المواطنة التي قوامها المساواة في الحقوق والواجبات، وسيادة القانون الذي يتساوى أمامه كل المواطنين على اختلاف عقائدهم وأجناسهم، فقد جاء في هذه الفتوى: دعا الإسلام إلى التعايش الديني مع جميع الناس بمختلف أجناسهم وأعراقهم وألوانهم، وانتماءاتهم وطوائفهم وأديانهم؛ حيثُ كانت الغاية الأساس من التنوع البشري والتعدد الإنساني هو التعارُف لا التناكر، والتكامل لا التصارع؛ كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13]. وبنى النبي صلى الله عليه وسلم المجتمع المدني بناءً جديدًا، وأعاد صياغته بطريقة تقضي على الشتات والفُرقة وتُسرع في الجمع والوحدة؛ فكان إقرارُ مبدأ التعايش بين مختلف القبائل والفصائل والديانات والطوائف في الدولة الإسلامية الأُولى هو أحد أهم أهداف النبي صلى الله عليه وسلم عقب هجرته إلى المدينة؛ ليضمَن تنظيم العلاقات بين المسلمين من جهة، وبينهم وبين غيرهم من أصحاب الديانات والانتماءات الأخرى من جهة أخرى، في إطارٍ من التسامح الديني والحرية العقائدية في ممارسة الشعائر والطقوس الدينية؛ حيث تميز أهل المدينة وقتَها بالتنوع العرقي والقبلي والديني؛ فكان فيهم المسلمون، واليهود، والعرب المشركون، والمنافقون.

ولتحقيق ذلك وضع النبي صلى الله عليه وسلم “الدستور الإسلامي”، وأسَّس من خلاله مفهوم «المواطنة» الذي يقوم على المساواة في الحقوق والواجبات، دون النظر إلى أي انتماء ديني أو عرقي أو مذهبي أو أي اعتبار آخر، وأقام به منظومة التعايش والتسامح بين الانتماءات القبلية والعرقية والدينية، وسُمِّي “بصحيفة المدينة”، أقرَّ فيها الناس على أديانهم، وأنشأ بين المواطنين عقدًا اجتماعيًّا قوامه: التناصر، والتكافل، والمساواة، وحرية الاعتقاد، والتعايش السلمي، وغير ذلك.

وقد اشتمل هذا الدستور على بنود أهمها:

-مسئولية الجميع في الدفاع عن الدولة وحدودها ضد الأعداء؛ حيث تقول عن أطراف الوثيقة: “عليهم النصر والعون والنصح والتناصح والبر من دون الإثم”.

-الأمن الاجتماعي والتعايش السلمي بين جميع مواطني دولة المدينة؛ حيث قال: “أنه من خرج آمن، ومن قعد آمن بالمدينة، إلا من ظلم وأثم، وأن الله جار لمن بر واتقى”، كما حفظ حق الجار في الأمن والحفاظ عليه كالمحافظة على النفس؛ حيث قال: “وأن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم”.

-إقرار مبدأ المسئولية الفردية، وتبدأ هذه المسئولية من الإعلان عن النظام، وأخذ الموافقة عليه، وهو ما أكدته الوثيقة بقولها: “أنه لا يكسب كاسب إلا على نفسه، وأن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره، وأنه لا يأثم امرؤ بحليفه وأن النصر للمظلوم”.

وخلصت الفتوى إلى أن المجتمع المدني الذي لا فرقة ولا شتات فيه، ويقوم على إقرار مبدأ التعايش بين مختلف الفصائل والديانات والطوائف، وينظمه دستورٌ يعطي كل ذي حقٍ حقه، ويلزم كل واحد بما يجب عليه هو هذا المجتمع الذي أسسه الإسلام، وأرسى قواعده ودعا البشرية إلى الالتزام به([143]).

دعم الفتوى للعدالة الضريبية:

تُعد عملية فرض الضريبة في الأنظمة الاقتصادية المعاصرة ضرورة حتمية لتحقيق الأهداف المالية والاقتصادية والاجتماعية، وعليه فالنظام الضريبي نظام إجباري لا اختياري تظهر معالمه عبر سن قوانين وتشريعات تحدد مختلف الأوعية الضريبية المفروضة، وكذا مختلف الفئات المكلفة بدفع العبء الضريبي.

وإقامة نظام ضريبي بسيط وعادل يتماشى وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي يعتبر من التحديات التي تواجه الحكومة في مختلف البلدان، وذلك بربط النظام الضريبي بعملية التنمية وإعادة توزيع الدخل أو الثروة، والعمل على تقليص الفجوات بين الفئات المختلفة للمجتمع، مع الأخذ بعين الاعتبار تعزيز حصيلة الإيرادات العامة من جهة، ومصلحة المكلفين من جهة أخرى (تحقيق العدالة الضريبية)([144]).

ويعتبر مبدأ العدالة من أهم سمات النظام الضريبي الفعَّال، والتي يجب على المشرع وأصحاب القرار الأخذ بها عند وضع أي نظام ضريبي، وهذا من أجل الوصول إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، ومن ثم التوزيع الأمثل للدخل أو الثروة.

ويمكن تعريف العدالة الضريبية بأنها «التزام جميع أفراد المجتمع (المكلفين) بدفع الضرائب المستحقة عليهم كل حسب مقدرته التكليفية، على أن تتحدد هذه المقدرة بشكل عادل».

كما تتمثل عدالة النظام الضريبي في مساهمة كل مكلف بالضريبة في الحصيلة الإجمالية للضرائب بما يتوافق مع مقدار ما يحصل عليه من الخدمات والمنافع العامة، ومن ثم تكون الضريبة عادلة في حالة تساوي المنفعة الحدية التي يحصل عليها المكلف جراء استفادته من الخدمات العامة المقدمة من طرف الدولة، مع التكلفة الحدية (الضرائب) التي يتحملها المكلف لتمويل النفقات العامة([145]).

ومن الفتاوى التي أصَّلت لمفهوم الضرائب ومشروعيتها وأهميتها للدولة والمجتمع فتوى دار الإفتاء المصرية([146])، فقد افتتحت الفتوى بتعريف الضرائب بأنها: مقدارٌ محدَّدٌ من المال تفرضه الدولة في أموال المواطنين دون أن يقابل ذلك نفعٌ مخصوص، فتُفْرَض على المِلْك والعَمَل والدخْل نظير خدمات والتزامات تقوم بها الدولة لصالح المجموع، وهي تختلف باختلاف القوانين والأحوال([147]).

ثم جاء في الفتوى: أنَّ الأمور التي تخضعُ فيها المصلحة للظروف والأحوال، فإن شريعة الإسلام تَكِلُ الحكمَ فيها إلى أربابِ النظر والاجتهاد والخبرة في إطار قواعدها العامة، ومن أمثلة ذلك: ما يفرضه وليُّ الأمر من ضرائبَ على الأغنياءِ في وقتٍ معينٍ ولظروفٍ معينةٍ، فإن هذا الفعل قابلٌ للإبقاء تارةً، وللإلغاء أو التعديل تارةً أخرى على حسب ما تستلزمه مصلحة الأمة.

وأضافت الفتوى: أنَّ الدولة لها ما يُسَمَّى بالموازنة العامة، والتي تجتمع فيها الإيرادات العامة والنفقات العامة، وإذا كانت النفقات العامة للدولة أكبرَ من الإيرادات العامة فإنَّ ذلك معناه عجز في ميزانية الدولة، يتعيَّنُ على الدولة تعويضُه بعِدَّةِ سُبل منها: فرض الضرائب([148])، إلَّا أنه ينبغي أن يُرَاعَى في فرْض الضرائبِ عدم زيادة أعباء محدودي الدخل وزيادة فقرهم، وأن توجه الضرائب إلى الفئات التي لا يجهدها ذلك كطبقة المستثمرين، ورجال الأعمال الذين يجب عليهم المساهمة في واجبهم تجاه شعبهم ووطنهم.

فقد أشارت هذه الفتوى إلى مفهوم العدالة الضريبية المشار إليه آنفًا؛ وذلك تحقيقًا للعدالة الاجتماعية.

ثم أصَّلت الفتوى لمفهوم الضرائب ومشروعية فرضها فجاء في الفتوى: ومن المقرَّر في الشريعة الغرَّاء أن الحقَّ الواجب في مال المسلم ليس قاصرًا على الزكاة المفروضة، ويدلُّ على ذلك قوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177]، فالآية قد جُمِعَ فيها بين إيتاء المال على حبه وبين إيتاء الزكاة بالعَطْفِ المقتضِي للمُغايرة، وهذا دليلٌ على أن في المال حقًّا سوى الزكاة لتصح المُغايرة.

قال الفخر الرازي: «اختلفوا في المراد من هذا الإيتاء؛ فقال قوم: إنها الزكاة. وهذا ضعيف؛ وذلك لأنه تعالى عطف الزكاة عليه بقوله: ﴿وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ﴾، ومن حق المعطوف والمعطوف عليه أن يتغايرا، فثبت أن المراد به غير الزكاة، ثم إنه لا يخلو إما أن يكون من التطوعات أو من الواجبات، لا جائز أن يكون من التطوعات؛ لأنه تعالى قال في آخر الآية: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾. وقف التقوى عليه، ولو كان ذلك ندبًا لما وقف التقوى عليه، فثبت أن هذا الإيتاء وإن كان غير الزكاة إلا أنه من الواجبات»([149]).

وقال الإمام ابن حزم: «وفُرِض على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم، ويُجبرهم السلطان على ذلك إن لم تقم الزكوات بهم»([150]).

وكان الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أوَّلَ مَن اجتهد في فرض أموال تُؤْخَذ من الناس من غير زكاة أموالهم لتحقيق المصالح العامة؛ كالخراج الذي هو الغلة، ويطلق الخراج على الجزية وغيرها مما يفرض دفعه سواء على الرؤوس أو الأراضي.

وقد نقل الحافظ ابن رجب الحنبلي في “الاستخراج لأحكام الخراج” عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه قال: «وإنما كان الخَرَاج في عهد عمر رضي الله عنه»([151]).

يعني أنه لم يكن في الإسلام قبل خلافة عمر رضي الله عنه؛ فضريبةُ الخراج لم تكن مفروضةً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في عهد خليفته الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وفَعَلَ عمرُ رضي الله عنه ذلك بعد استشارته لكبار الصحابة من المهاجرين والأنصار.

وكذلك فإن من القواعدِ الفقهية الكلية المقرَّرة عند العلماء: أنه “يُتَحَمَّلُ الضرر الخاص لدفع الضرر العام”، وأنه “يجب تحمُّل الضرر الأدنى لدفع ضرر أعلى وأشدَّ”، ولا ريبَ أن هذه القواعد الفقهية لا يؤدي إعمالُها إلى إباحة الضرائبِ فحسب، بل يُحتم فَرْضها وأخْذها تحقيقًا لمصالح الأمة والدولة، ودرءًا للمفاسدِ والأضرار والأخطار عنها. يقول الإمام ابن حزم في “المحلى”: «وفَرْضٌ على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم، ويُجْبِرهم السلطان على ذلك إن لم تقم الزكوات بهم».

ومن القواعدِ المقررة أيضًا: أَنَّ “الضرورة تُقَدَّر بقدرها”، فيجب ألا يتجاوز بالضرورة القدر الضروري، وأن يُرَاعَى في وضعها وطُرُق تحصيلها ما يُخَفِّف وقعها على الأفراد، وهو مَرْعيٌّ الآن حيث لا تحتسب الضرائب إلا بناءً على دراسات وأبحاث وإحصاءات تَضْمَن تطبيق القاعدة السابقة.

وقد عزَّزت الفتوى ما ذهبت إليه بنقولٍ عن فقهاء المذاهب المتبوعة يقرون فيها الضرائب([152]).

وقررت الفتوى أن الضرائب إنما تفرضُها الدولةُ لتغطي نفقات الميزانية، وتسُدَّ حاجاتِ البلاد من الإنتاج والخدمات، وتُقيمَ مصالحَ الأمة العامة العسكرية والاقتصادية والثقافية وغيرها، وتنهضَ بالشعب في جميع الميادين، حتى يتعلمَ كلُّ جاهل، ويعملَ كلُّ عاطل، ويشبعَ كلُّ جائع، ويأمنَ كلُّ خائف، ويُعالَجَ كلُّ مريض، فإنها واجبةٌ، وللدولة الحقُّ في فرْضِها وأخْذِها من الرعية.

ومن الفتاوى التي أبرزت آثار التهرب الضريبي على الاقتصاد الوطني: القرار الصادر عن مجلس الإفتاء والبحوث بدائرة الإفتاء الأردنية، قرار رقم: (197) (6/2014م) بتاريخ (23/ربيع الثاني/1435هـ)، الموافق (23/2/2014م)؛ فقد نظر مجلس الإفتاء والبحوث والدراسات الإسلامية في السؤال الوارد عما يُلحقه التهرب الضريبي من أضرار في الاقتصاد الوطني، واعتداء على المال العام بطريقة تمس أمن الاقتصاد الوطني.

فبعد الدراسة ومداولة الرأي قرر المجلس ما يأتي:

الأمن الاقتصادي الوطني، وصيانة المال العام، مقاصد شرعية وأمانة يجب على الجميع أداؤها والمحافظة عليها كما أمر الله عز وجل حين قال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 58]، وهذه مسؤولية جماعية كما قال عليه الصلاة والسلام: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» متفق عليه.

وأول راع هم أصحاب الولاية الذين تحملوا أسباب معايش الناس وأمورهم، فواجبهم أن يكونوا وكلاء عن الشعوب في أداء ما أمر الله به من الإحسان في إدارة موارد الأوطان، وتحقيق العدالة في الفرض والتوزيع، وترشيد النفقات، ومكافحة الفساد، وحرص على رعاية مبادئ الشريعة في الاقتصاد الوطني، ومشاركة حقيقية للشعب في ذلك، من خلال نواب يحملون رسالة حقيقية جوهرها قيم الإسلام ومصالح الناس، ويؤدون دورهم الرقابي على الأداء المالي للسلطة التنفيذية، مما يساهم في توقف التهرب الضريبي، وسيجد دافع الضريبة حينئذ سعادته في مساهمته لصالح أمته ووطنه.

وكذلك أصحاب الأموال عليهم مسؤولية تجاه المال العام والضريبة، وهم يعلمون أن الأمانة في حفظها وأدائها تساهم في مسيرة الإصلاح والنهضة المنشودة، فلا يجوز أن يمتنع أحدهم عن ذلك لما قد يرى مِن تقصير الآخرين، ولا تغره قلة السالكين ولا كثرة المتخلفين، بل يمتثل ما أمر الله عز وجل به في قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119]([153]).

فقد أبرز هذا القرار تأثير التهرب الضريبي على الاقتصاد الوطني، والذي يؤثر بدوره على تحقيق العدالة الاجتماعية؛ فإن الضرائب تهدف عــادةً إلــى تحقيــق عدة غايــات ذات علاقــة مباشرة بالمصالــح الاقتصاديــة والاجتماعيــة للدولــة، ولعــل أهــم هــذه الأهـداف يتمثـل فـي المسـاهمة فـي تحقيـق العدالـة الاجتماعيـة مـن خـلال إعـادة توزيـع الثـروة فـي المجتمـع، إلـى جانـب المسـاهمة فـي تحقيـق التنميــة وتقليــص التفــاوت بيــن فئــات المجتمع.

دعم الفتوى لجهود الدولة في تحقيق العدالة الاجتماعية:

لقد أولت الدولة المصرية اهتمامًا بالغًا بتحقيق العدالة الاجتماعية منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم في عام 2014م.

وشملت أوجه تحقيق العدالة الاجتماعية المجالات الآتية:

1-توفير السكن اللائق.

2-تطوير منظومتي الصحة والتعليم.

3-توفير الحماية الاجتماعية.

ففيما يتعلق بتوفر السكن اللائق فقد بذلت الدولة جهودًا منها: تطوير المناطق العشوائية وغير المخططة وإطلاق مشروع سكن لكل المصريين.

وقد قامت الدولة بجهود متعددة من أجل النهوض بمنظومتي الصحة والتعليم من خلال إطلاق الحكومة المصرية عام 2016م رؤية مصر 2030، والتي احتوت على محورين كاملين لكل من الصحة والتعليم، كما أطلقت الحكومة في عام 2018م المشروع القومي لإصلاح التعليم الذي يقوم على طرح نظام تعليمي جديد بدأ تطبيقه في سبتمبر 2018م.

كما عزَّزت الدولة البنية التحتية المعلوماتية للمدارس منذ عام 2014م، فجهزت نحو 9 آلاف معمل مدرسي و27 ألف فصل مطور وملايين الأجهزة اللوحية «التابلت» مجانًا للطلاب.

واعتمدت سياسة الحكومة منذ عام 2014 على التوسع في إنشاء الجامعات الأهلية فأنشأت 4 جامعات أهلية حتى عام 2020م.

كما وضعت الحكومة العديد من الاستراتيجيات لتطوير المنظومة الصحية؛ وذلك لتقديم الخدمة بشكل أفضل للمواطن مثل: الاستراتيجية القومية للسكان وخطتها التنفيذية من عام 2015-2020م، والمشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية من 2021-2023م، والذي يهدف للارتقاء بجودة حياة المواطن المصري والأسرة المصرية، والاستراتيجية الوطنية لمناهضة ختان الإناث 2016-2020م، وقد قدمت الحكومة العديد من البرامج والمبادرات الخاصة بعلاج ومكافحة الأمراض الأكثر تأثيرًا في المواطن المصري مثل التجربة المصرية في القضاء على فيروس سي وعلاج 1.5 مليون شخص في الفترة من 2014-2018م، وقد قدمت الدولة المصرية عام 2021م ملفها كأول دولة في العالم خالية من فيروس سي.

ومن جهود الدولة في النهوض بالمنظومة الصحية أيضًا: مبادرة رئيس الجمهورية لدعم صحة المرأة المصرية: التي انطلقت عام 2019م، وبحلول عام 2022م أعلنت وزارة الصحة والسكان فحص 23 مليونًا و906 آلاف و809 سيدة.

ومنها: المبادرة الرئاسية للكشف المبكر عن الاعتلال الكلوي: التي انطلقت في عام 2020م، وفي ضوء المبادرة تم فحص أكثر من مليون و400 ألف مواطن بالمجان حتى فبراير 2022م.

وقد توسعت الدولة المصرية خلال الفترة الممتدة من عام 2015 و2018 في إنشاء وتطوير 67 مستشفى و44 مركز متخصصًا للأمراض.

أما في مجال الحماية الاجتماعية: فقد قدَّمت الدولة منذ عام 2014م العديد من البرامج التي تستهدف بعض الفئات الأكثر احتياجًا في المجتمع، فأضيف العديد من الإصلاحات التشريعية؛ كصدور قانون جديد للتأمينات الاجتماعية رقم 148 لسنة 2019، وقانون التأمين الصحي الشامل رقم 2 لسنة 2018.

بالإضافة إلى إطلاق برنامج «تكافل وكرامة» للتحويلات النقدية المشروطة وغير المشروطة؛ وهو برنامج موسع للحماية الاجتماعية أطلقته الدولة عام 2015م، وشمل البرنامج الاستهداف المباشر للأسر الفقيرة والاستهداف الفئوي للنساء والمسنين والأشخاص ذوي الإعاقة.

وقد وجهت الدولة العديد من البرامج التي تهدف إلى تمكين المواطن اقتصاديًّا بدلًا من تقديم الإعانات الاغاثية وأبرز تلك البرامج:

1-مبادرة حياة كريمة: التي تستهدف توسيع مظلة الحماية الاجتماعية الشاملة بالتركيز على تلبية احتياجات المواطنين في القرى الأكثر احتياجًا، وتستهدف الوصول لـ 4670 قرية، وتمثل نسبة السكان المستفيدين منها 57% من إجمالي سكان مصر.

2-مبادرة سكن كريم: وهي مبادرة أطلقتها وزارة التضامن في نوفمبر 2017م، بهدف تحسين الأوضاع الصحية والبيئية، وتطوير منازل الأسر الفقيرة. وحتى عام 2020م استفادت 58 ألف أسرة في أكثر من 200 قرية.

وفيما يخص تقديم الدعم الغذائي، ففي عام 2014م استحدثت منظومة نقاط الخبز غير المستخدمة بتكلفة إضافية قدرها 4.4 مليار جنيه، وزيد الدعم النقدي الشهري للفرد على بطاقات التموين حتى وصل إلى 50 جنيه عام 2019م بزيادة قدرها 140%، وقد بلغت قيمة الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية 327.699 مليار جنيه في العام المالي 2019-2020 وفقًا لبيانات الموازنة العامة([154]).

وقد صدرت العديد من الفتاوى الداعمة لجهود الدولة في تحقيق العدالة الاجتماعية، نذكر منها: فتوى صرف الزكاة لصندوق تحيا مصر، والذي تتمثل نشاطاته وأهدافه في الآتي:

1) السكن: بناء بديل للعشوائيات، رفع كفاءة القرى، فرش المنازل الجديدة.

2) أطفال بلا مأوًى: بناء دور الرعاية والصرف عليها، تعليم الأطفال وتدريبهم بهدف إيجاد فرص عمل.

3) المشروعات الصغيرة والمتوسطة: مشروعات تمكين الشباب، مشروعات تمكين المرأة المعيلة.

4) برنامج رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة: يشمل البرنامج التدريب والتأهيل لفرص العمل المتاحة والتي تتناسب مع احتياجات السوق وإمكانات المواطن، هذا بالإضافة إلى الكشف والعلاج بالنسبة لفيروس C.

فكان مما جاء في الجواب: جعلت الشريعةُ الإسلامية كفايةَ الفقراء والمساكين آكد ما تصرف فيه الزكاة؛ فإنهم في صدارة مصارفها الثمانية في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60]؛ تأكيدًا لأولويتهم في استحقاقها، وأن الأصلَ فيها كفايتُهُم وإقامةُ حياتهم ومعاشهم؛ سَكَنًا وكِسوةً وإطعامًا وتعليمًا وعلاجًا، وخَصَّهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالذِّكر في حديث إرسال معاذٍ رضي الله عنه إلى اليَمَن: «فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم»([155]).

وهذه البنود الأربعة المسؤول عنها داخلةٌ كلُّها في مصارف الزكاة الشرعية:

أمّا السَّكن: فتوفيره من الأمور الأساسية المعتبرة في كفاية الفقراء والمساكين، ويدخل فيه ما ذُكر في البند الأول: من الأبنية البديلة للعشوائيات، ورفع كفاءة القرى الفقيرة، وفرش المنازل الجديدة للفقراء، وقد نص الفقهاء على ذلك؛ منهم الإمام النووي فقد قال في “المجموع” عند قول الإمام الشيرازي: [الفقير هو الذي لا يجد ما يقع موقعًا من كفايته فيدفع إليه ما تزول به حاجته]: [قال أصحابنا: والمعتبر في قولنا (يقع موقعًا من كفايته): المطعمُ، والملبس، والمسكن، وسائر ما لا بد له منه، على ما يليق بحاله، بغير إسراف ولا إقتارٍ، لنفس الشخص، ولمن هو في نفقته]([156]).

وأمَّا الأطفال الذين بلا مأوًى: فبناء دور الرعاية لهم وتجهيزها والصرف عليها داخلٌ كذلك في السكن الذي هو من أساسيات كفاية المحتاجين في الزكاة.

وكذلك الحال في تعليم هؤلاء الأطفال وتدريبهم وتأهيلهم؛ فالإنفاق على ذلك له مدخلان في مصارف الزكاة:

أولهما مصرف الفقراء والمساكين: وذلك بإعدادهم وبنائهم بناءً يُغنيهم عن تكفف الناس ويمكِّنهم من ممارسة حياتهم الطبعية التي تكفل انخراطهم في عجلة المجتمع وانسلاكهم في بنائه وضمان دخول ثابتة تكفيهم ومن يعولون.

وثانيهما: مصرف (في سبيل الله)؛ فإن هذا المصرف يدخل فيه الجهاد باللسان والسنان، والجهاد بالسنان يكون لصد العدوان ورفع الطغيان، أما باللسان فيكون بالدعوة إلى الله تعالى وطلب العلم، ومن العلماء من جعل الصرف على طلبة العلم داخلًا أيضًا في مصرف الفقراء والمساكين؛ حيث جعلوا من مصارف الزكاة كفايتَه ومن يعول لتمكينه من التفرغ لطلب العلم؛ صرح بذلك الحنفية والشافعية والحنابلة([157])، وهو مقتضى مذهب المالكية([158]).

وأمَّا إقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة؛ بعمل مشروعات للشباب والمرأة المعيلة: فهو داخل في مصارف الزكاة أيضًا؛ وذلك لأن العطاء في الزكاة مبني على أن يأخذ مستحقُّها منها ما يُخرِجه من حدِّ الحاجة إلى حدِّ الكفاية والاستغناء عن الناس؛ فإن كان صاحب حرفة أُعطِي من الآلات في حرفته ما يكفيه لتمام النفقة عليه وعلى عياله، وإن كان صاحب علم أُعطي من المال ما يُغنِيه وعياله ويُفَرِّغه لهذا العلم طيلة عمره من كُتُب وأُجرة تعلُّم ومعلِّم وغيرها، وهكذا.

وعلى ذلك: فيجوز استثمار الزكاة في المشاريع الإنتاجية والاستثمارية التي تخدم مستحقي الزكاة من الفقراء والمحتاجين والغارمين وغيرهم، وذلك بشرط أن يتم تمليك المشروع للفقراء، ولا تكون ملكيتها للصندوق، وإلا صارت وقفًا لا زكاة، واشتراط التملك للفقراء يدل عليه ظاهر الآية الكريمة: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ الله وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ الله وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60]، واللام تقتضي الملك، قال العلَّامة الخطيب الشربيني الشافعي في “مغنى المحتاج”: «أضاف الأصناف الأربعة الأولى بلام الملك والأربعة الأخيرة بفي الظرفية للإشعار بإطلاق الملك في الأربعة الأولى، وتقييده في الأربعة الأخيرة، حتى إذا لم يصل الصرف في مصارفها استرجع بخلافه في الأولى»([159]).

وأمَّا عمل برنامج لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة؛ بما يشمل التدريب والتأهيل لفرص العمل المتاحة التي تتناسب مع احتياجات السوق وإمكانات المواطن، والكشف والعلاج لفيروس C: فهو داخل في مصارف الزكاة كذلك؛ فإنه لا يخفى ما في تنمية مهارات ذوي الاحتياجات الخاصة ورفع كفاءتهم في المجالات الفنية والمهنية المختلفة من إيجاد فرص عمل تمكنهم من إعالة أسرهم وذويهم بشكلٍ كافٍ، علاوةً على ما في ذلك من قضاء على البطالة التي هي من أكبر أسباب الفقر وانتشار الجريمة.

وهذا داخل في مصارف الزكاة من جهة مصرف الفقراء والمساكين؛ لأن المحتاجين هم المستفيد مِن خدمات هذا الصندوق بمشروعاته المتكاملة، ومن جهة مصرف {وفِي سَبِيلِ الله}؛ لأنه عبارة عن إنشاء منظومة متكاملة لتعليم قطاع كبير من المواطنين الذين يؤدي تحسُّنُ مستواهم التعليمي والمهني إلى تَطَوُّر معدلات التنمية المجتمعية، وزيادة القوة الاقتصادية للدولة، والتعليم داخل في مصرف (في سبيل الله)؛ فإن العلم هو الذي يبني الأمم، ويساهم في إعداد القوة المأمور به شرعًا، وتطوُّرُ العصر وتنوع آليات القوة فيه يستتبع تطوُّرَ أسباب الإعداد وتنوع جهاته وتعدد وسائله، ولا ريب أن من ذلك تحسين منظومة التعليم والتدريب المهني؛ فإن موازين القُوَى لم تَعُدْ محصورة في وسائل الحرب، بل بناء القوة يبدأ مِن بناء الفرد وقدرته على الإنتاج.

أما بالنسبة للكشف والعلاج لمرضى فيرس «سي» فإنه يجوز الإنفاق عليهم من أموال الزكاة؛ من خلال توفير الكشف والعلاج والرعاية المتكاملة للمريض المحتاج حتى يشفى، ولا يخفى أن القضاء على الأمراض والأوبئة الفتاكة من أهم مقومات حياة الإنسان ومعيشته، وفيه تحقيق لأعظم المقاصد الكلِّية العليا للشريعة الغراء وهو حفظ النفس. وأغلب المرضى هم من المحتاجين الذين يفتقدون الرعاية الصحية المناسبة والتغذية السليمة التي تحول دون وصول هذه الوباء إليهم، وهم المستفيد الأعظم من خدمات هذا المشروع، كما أن ذلك داخلٌ أيضًا في مصرف {وفي سبيل الله}([160]).

ومن الجهود الإفتائية لدعم المبادرات والمشروعات التي تقوم بها الدولة في إطار تحقيق العدالة الاجتماعية: فتوى دار الإفتاء المصرية عن اعتبار التبرع من أجل القضاء على الالتهاب الكبدي الفيروسي سي في مصر بابًا من أبواب الزكاة.

فقد جاء في الفتوى: لا يخفى أن القضاء على الأمراض والأوبئة الفتاكة من أهم مقومات حياة الإنسان ومعيشته، وفيه تحقيق لأعظم المقاصد الكلية العليا للشريعة الغراء وهو حفظ النفس؛ يقول الإمام الشاطبي في “الموافقات”: «إن المقصود بمشروعيتها: رَفْعُ رَذِيلَةِ الشُّحِّ، وَمَصْلَحَةُ إِرْفَاقِ الْمَسَاكِينِ، وَإِحْيَاءُ النفوس المعرضة للتلف»([161]).

وأضافت الفتوى: أن قيام الدولة المصرية بتبني برنامج قومي للقضاء على فيروس سي: من خلال إنشاء مراكز علاج متخصصة، وتوفير أحدث علاج متوافر عالميًّا، إضافة إلى الرعاية المتكاملة للمريض حتى يشفى يصح دخوله في مصارف الزكاة دخولًا أوليًّا من أكثر من جهة: فهو من جهةٍ أُولَى: داخلٌ في مصرف الفقراء والمساكين؛ لأن أغلب المرضى هم من المحتاجين الذين يفتقدون الرعاية الصحية المناسبة والتغذية السليمة التي تحول دون وصول هذا الوباء إليهم، وهم المستفيد الأعظم من خدمات هذا البرنامج القومي المتكامل، وهو وإن لم يكن فيه تملُّكٌ مباشر لأفرادهم إلَّا أن الدولة تتصرف فيه عنهم بما هو أنفع لهم، وفائدته الأساسية تعود على ذلك القطاع العريض من المجتمع الذي يحتاج احتياجًا أوَّليًّا إلى رفع مستواه العلاجي، كما أن الوصول إلى هذا المنظومة المتخصصة المتكاملة من العلاج الحديث لهذا الوباء وأمثاله بتكاليفه الوصفية والتجهيزية والدوائية لا يمكن أن يحققه عموم الأفراد بأنفسهم مهما بلغت قدرتهم المادية، وإنما يحتاج إلى ضرورة تدخل الدولة بميزانيتها الضخمة لتوفيرها لرعاياها، واشتراط التمليك للزكاة من الشروط المختلف فيها بين الفقهاء، ومن يشترطونه إنما يجعلونه حيث يتصور التمليك، أما حيث يتعسَّر أو يتعذَّر فلا يُشتَرَط؛ كما في قضاء الديون، وكما في مصرف في سبيل الله، وكما في المؤسسات والهيئات الاعتبارية.

وهو من جهةٍ ثانيةٍ: داخلٌ في مصرف في سبيل الله؛ لأنه عبارة عن إنشاء منظومة متكاملة لعلاج قطاع كبير من المواطنين الذين يؤدي تحسُّنُ مستواهم الصحي إلى تَطَوُّر معدلات التنمية المجتمعية، وزيادة القوة الاقتصادية للدولة؛ فإن العقل السليم في الجسم السليم، وكل ذلك يساهم في إعداد القوة المأمور به شرعًا، وتطوُّرُ العصر وتنوع آليات القوة فيه يستتبع تطوُّرَ أسباب الإعداد وتنوع جهاته وتعدد وسائله، كما هو الشأن في تحسين منظومة التعليم والبحث العلمي؛ فإن موازين القُوَى لم تَعُدْ محصورة في وسائل الحرب، كما أن بناء القوة يبدأ مِن بناء الفرد وقدرته على الإنتاج.

وقد توسَّع كثير من العلماء في مفهوم هذا المصرف؛ فجعلوه مجالًا لصرف الزكاة عند الحاجة في كل القُرَب وسبل الخير ومصالح الناس العامة؛ أخذًا بظاهر اللفظ في قوله تعالى: {وَفِي سَبِيلِ اللهِ}، وهو ما عليه فتوى دار الإفتاء المصرية منذ عهد فضيلة الشيخ عبد المجيد سليم رحمه الله تعالى([162]).

ومن الفتاوى التي دعمت العدالة الاجتماعية فيما يتعلق بالمنظومة الصحية: فتوى دار الإفتاء المصرية بشأن الاستفادة من التأمين الصحي لغير المستحق له، حيث تكفل الدولة التأمين الصحي لكل المواطنين وفقًا للقانون، فقد جاء في المادة (18) من الدستور المصري المعدل 2019م: «وتلتزم الدولة بإقامة نظام تأمين صحي شامل لجميع المصريين يغطي كل الأمراض، وينظم القانون إسهام المواطنين في اشتراكاته أو إعفاءهم منها طبقاً لمعدلات دخولهم»، ومن ثم فلا يحق لأحد أن يعتدي على حق غيره في الاستفادة من هذا التأمين، ومن ثم فقد جاء في الفتوى: توفير العلاج للعاملين بقطاعات الدولة العامة والخاصة عن طريق هيئة التأمين الصحي هو من الاحتياجات الأساسية التي تدعمها الدولة، وتلتزم بتوفيرها، سواء كانت خدمات تشخيصية، أو علاجية، أو تأهيلية، أو فحوصات طبية أو معملية، فتتحمل الدولة أعباء ذلك من أجل تقديم الرعاية الطبية للمؤمن عليهم طبقًا للأوضاع والمستويات المقرَّرة، وذلك كله في حدود السياسة العامة التي يضعها المجلس الأعلى للتأمين الصحي، والتي تتفاوت لوائحها حسب جهات العمل المنظمة لها.

والاستفادة من التأمين الصحي لغير المستحقين له يُعد شرعًا ضربًا من ضروب الاعتداء على المال العام، واستيلاء على حق الغير بغير حق، وفي ذلك ظلمٌ وعدوان على الحقوق وأكلٌ لها بالباطل، وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، بينكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا»([163]).

كما أن قيام العاملين بوزارة الصحة أو مَن استُؤمن على إيصال هذا الدواء إلى مواضعه المخصصة له بإعطائه لمن لا يستحقه ولمن لم يُؤذَن لهم في الاستفادة منه حسب اللوائح يُعَدُّ أيضًا خيانةً للأمانة التي ائتمنهم الله تعالى عليها ورسولُه صلى الله عليه وسلم، وائتمنهم عليها المجتمع؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: 27]، وقال سبحانه: {إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} [الأنفال: 58].

كما أن في فعلهم هذا تبديد للمال العام؛ لأنهم مستأمنون على هذا الدواء المدعوم حتى يحصل عليه المستفيدون، فتفريطهم في الأمانة مشاركة في الاستيلاء على حقوق الناس، كما أن في فعلهم هذا مخالفة لولي الأمر، وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59].

وقد جعل الشرع الشريف حفظ الأمانةِ ومراقبة الله تعالى في القول والعمل أمرًا واجبًا شرعًا؛ صيانة للحقوق وتبرئةً للذِّمَّة؛ فقال تعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58]، وقال جلَّ شأنه: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المؤمنون: 8].

وهذه النصوص عامة في جميع الأمانات الواجبة؛ سواء كانت من حقوق الله تعالى وحقوق نبيه صلى الله عليه وسلم من الأوامر والنواهي، أو كانت من الحقوق المتعلقة بالعباد كالودائع والرهائن ونحوهما، أو من الحقوق المتعلقة بواجب الإنسان تجاه وطنه ومجتمعه؛ كالخدمة العسكرية، والحفاظ على المال العام، واحترام النظام والقانون، ونحو ذلك([164]).

وقد ساهمت الفتوى أيضًا في قضية دعم السلع الأساسية باعتباره من مقومات العدالة الاجتماعية؛ فإن العدالة الاجتماعية تستهدف التوزيع العادل للموارد والخدمات، بحيث يستحق هذا الدعم أصحاب الأجور المتدنية، ومن الفتاوى التي تناولت هذه القضية: فتوى دار الإفتاء المصرية عن بيع الدقيق المدعم في السوق السوداء، فقد جاء في هذه الفتوى:

الدقيق المُدَّعم إنما قامت الدولة بتدعيمه من أجل أن يصل مخبوزًا إلى شرائح من المجتمع تعاني من شظف العيش، وضيق الرزق، وقلة موارد الرزق، وهو مع ما فيه من ترفق بأصحاب الحوائج وتلطف بحالهم الضيقة؛ هو واجب الدولة تجاههم، وطريقة من طرق رفع مستواهم المادي بإيصال المال إليهم بصورة غير مباشرة، وهي: صورة الخبز المدعم، وبيع أصحاب المخابز لهذا الدقيق المدعم معناه الحيلولة بين مستحقي الدعم وبينه، فيئول الحال أن يكون فعلُهم هذا اعتداءً على أموال الناس –كافَّة- الداخلين في هذه الشرائح، وفي ذلك ظلم بيِّن، وعدوان على حقوق الناس، وأكل لها بالباطل، وفي ذلك يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29]، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، بينكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا»([165]).

وبيع الدقيق المدعم في السوق السوداء على هذا حرام شرعًا؛ من حيث كونه استيلاء على مال الغير بغير حق، ويزيد في كِبر هذا الذنب كون المال المعتدى عليه مالًا للفقراء والمحاويج الذين يحتاجون إلى مَن يرحمهم ويحافظ لهم على مالهم وينميه ويزيده، لا إلى مَن ينتهبه ويعتدي عليه بصورة مباشرة أو غير مباشرة([166]).

 

([1]) انظر: المدخل إلى فقه المعاملات المالية للدكتور محمد عثمان شبير (ص15، 16)، دار النفائس-الأردن، الطبعة الثانية، 1430هـ-2010م.

([2]) مبادئ القانون التجاري للمستشار بندر بن حمدان العتيبي (ص7)، مكتبة القانون والاقتصاد-الرياض، الطبعة الأولى، 1437هـ-2016م.

([3]) انظر: مدخل لدراسة علم القانون لمهند وليد الحداد وخالد وليد الحداد (ص216-218)، مؤسسة الوراق للنشر والتوزيع.

([4]) انظر: المصدر السابق (ص219، 220).

([5]) انظر: المصدر السابق (ص220، 221).

([6]) انظر: مجلس الدولة للدكتور عصمت عبد المجيد بكر (ص91-94)، دار الكتب العلمية-بيروت.

([7]) إطار إسلامي للصحوة الإسلامية لأنور الجندي (ص102)، دار الفضيلة. وانظر: المقارنات التشريعية بين القوانين الوضعية المدنية والتشريع الإسلامي للشيخ سيد عبد الله حسين (1/41-59)، دار السلام-القاهرة.

([8]) انظر: المقارنات التشريعية بين القوانين الوضعية المدنية والتشريع الإسلامي (1/50، 51).

([9]) متفق عليه: أخرجه البخاري، رقم (7144)، ومسلم، رقم (1839)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

([10]) درر الحكام في شرح مجلة الأحكام لعلي حيدر (4/603)، دار الجيل-بيروت.

([11]) الفروق للقرافي (2/103)، عالم الكتب.

([12]) انظر: دور الشريعة الإسلامية في القانون الوضعي دراسة مقارنة للدكتور علي نجيدة، بحث بالمجلة القانونية والقضائية الصادرة عن مركز الدراسات القانونية والقضائية بوزارة العدل بدولة قطر، العدد (1) يونيو 2015م (ص18-20).

([13]) انظر: جهود تقنين الفقه الإسلامي للكتور وهبة الزحيلي (ص27)، مؤسسة الرسالة-بيروت.

([14]) انظر: المدخل الفقهي العام، مصطفى الزرقا (1/259، 262)، دار القلم-دمشق، الطبعة الثانية، 2004م.

([15]) انظر: حركة التجديد في تقنين الفقه الإسلامي للدكتور يونس وهبي ياووز (ص61، 62)، دار الكتب العلمية-بيروت.

([16]) انظر: الدرر البهية من الفتاوى الكويتية (5/18، 19)، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت.

([17]) انظر: الدرر البهية من الفتاوى الكويتية (6/31، 32).

([18]) انظر: الدرر البهية من الفتاوى الكويتية (6/321، 322).

([19]) انظر: الدرر البهية من الفتاوى الكويتية (7/41).

([20]) انظر: موقع دائرة الإفتاء الأردنية، فتوى بحثية رقم (3582)، بتاريخ: 09-08-2020م.

([21]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية، الفتوى رقم: (17266)، بتاريخ: 18 أغسطس 2020م.

([22]) انظر: قانون العقوبات معلقًا عليه بأحدث أحكام محكمة النقض لمحمود ربيع خاطر (ص92-95)، دار محمود-القاهرة.

([23]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية، الفتوى رقم: (13113)، بتاريخ: 09 أبريل 2015م.

([24]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية، فتوى بتاريخ: 03 فبراير 2013م.

([25]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية، الفتوى رقم: (14723)، بتاريخ: 23 أكتوبر 2018م.

([26]) انظر: الشرکات التجارية في القانون الكويتي المقارن للدكتور أبو زيد رضوان (ص377)، دار الفكر العربي-القاهرة، 1978م.

([27]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية، فتوى بحثية، رقم (252)، بتاريخ: 28 سبتمبر 2015م.

([28]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية، فتوى رقم (13238)، بتاريخ: 05 ديسمبر 2016م.

([29]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية، فتوى رقم (15599)، بتاريخ: 03 يناير 2018م.

([30]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية، فتوى رقم (13914)، بتاريخ: 17 أغسطس 2017م.

([31]) انظر: مدخل الى قانون الملكية الفكرية للدكتور طارق ثابت (ص7، 8)، مركز الكتاب الأكاديمي-عمان-الأردن.

([32]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية، الفتوى رقم: (13071)، بتاريخ: 18 أكتوبر 2007م.

([33]) انظر: موقع دائرة الإفتاء الأردنية، فتوى بحثية رقم: (655)، بتاريخ: 22-04-2010م.

([34]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية، الفتوى رقم: (16566)، بتاريخ: 29 ديسمبر 2021م.

([35]) انظر: الجريدة الرسمية، العدد (22) مكرر في 2 يونيه سنة 2002م (ص40).

([36]) انظر: الجريدة الرسمية، العدد (22) مكرر في 2 يونيه سنة 2002م (ص49).

([37]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية، فتوى بتاريخ: 03 يوليه 2005م.

([38]) انظر: حماية المصنفات في إطار البث عبر القنوات الفضائية للدكتور سمير حامد الجمال، بحث بمجلة الحقوق الصادرة عن مجلس النشر العلمي بجامعة الكويت، العدد الأول، السنة 38، مارس 2014م (ص455، 456، 462).

([39]) انظر: الجريدة الرسمية، العدد (22) مكرر في 2 يونيه سنة 2002م (ص67، 68).

([40]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية، الفتوى رقم: (14096)، بتاريخ: 28 مارس 2016م.

([41]) انظر: بدائع الصنائع للكاساني (6/28)، مغني المحتاج للخطيب الشربيني (3/245).

([42]) انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير (3/387)، ط. دار الفكر، الروضة للنووي (3/305)، ط. المكتب الإسلامي، شرح منتهى الإرادات للبهوتي (3/194)، ط. عالم الكتب.

([43]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية، الفتوى رقم: (15463)، بتاريخ: 11 فبراير 2020م.

([44]) انظر: صحيح البخاري (3/92).

([45]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية، فتوى للدكتور علي جمعة بتاريخ: 05 سبتمبر 2004م.

([46]) انظر: موسوعة الفقه والقضاء في شرح قانون التجارة الجديد للمستشار محمد عزمي البكري (2/524)، دار محمود-القاهرة.

([47]) انظر: بدائع الصنائع للكاساني (5/ 276)، ط. دار الكتب العلمية، الهداية للمرغيناني (6/ 396)، مطبوع مع “فتح القدير” و”العناية”، ط. دار الفكر.

([48]) انظر: الكافي لابن عبد البر (2/712)، ط. مكتبة الرياض الحديثة، البيان والتحصيل لابن رشد الجد (7/317)، ط. دار الغرب الإسلامي، بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد الحفيد (3/200)، ط. دار الحديث، القاهرة، مغني المحتاج للخطيب الشربيني (2/430-432)، ط. دار الكتب العلمية، الإنصاف للـمرداوي (4/359)، ط. دار إحياء التراث العربي.

([49]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية، فتوى بحثية رقم (196)، بتاريخ: 26 أغسطس 2014م.

([50]) أخرجه ابن ماجه، رقم (2246).

([51]) منهاج الطالبين وعمدة المفتين للنووي (ص100)، دار الفكر.

([52]) فتح القدير للكمال ابن الهمام (6/397)، دار الفكر.

([53]) انظر: موقع دائرة الإفتاء الأردنية، فتوى بحثية رقم (3130)، بتاريخ: 06-10-2015م.

([54]) انظر: نظرية العقد في القوانين المدنية العربية (دراسة مقارنة)، للدكتور عصمت عبد المجيد بكر (ص489)، دار الكتب العلمية.

([55]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية، الفتوى رقم: (15462)، بتاريخ: 23 يناير 2020م.

([56]) انظر: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج للخطيب الشربيني (3/485)، دار الكتب العلمية.

([57]) انظر: موقع دائرة الإفتاء الأردنية، فتوى بحثية رقم (3246)، بتاريخ: 17-11-2016م.

([58]) البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم المصري (7/187)، دار الكتاب الإسلامي، الطبعة الثانية.

([59]) انظر: موقع دائرة الإفتاء الأردنية، فتوى بحثية رقم (1982)، بتاريخ: 10-01-2012م.

([60]) أخرجه أبو داود في سننه، رقم (3502)، وابن ماجه (2192).

([61]) انظر: موقع دائرة الإفتاء الأردنية، فتوى بحثية رقم (3442)، بتاريخ: 16-12-2018م.

([62]) انظر: إجراءات التنفيذ العيني الجبري في نقل حق الملكية العقارية للدكتور غزوان محمود غناوي الزهيري (ص99)، دار زهران للنشر والتوزيع-عمان-الأردن، الطبعة الأولى 2017م.

([63]) انظر: التكامل الاقتصادي بين الدول الإسلامية ودوره في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر إليها، للدكتورة عبير فرحات علي، بحث بمجلة مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر، العدد (16)، 2002م (ص11).

([64]) انظر: التكامل الاقتصادي العربي وتحديات العولمة مع رؤية إسلامية، للدكتور نزيه عبد المقصود محمد مبروك، بحث بمجلة كلية الشريعة والقانون بطنطا، العدد (22)، 2007م، الجزء الأول (ص59، 60).

([65]) الإقليمية الجديدة، المنهج المعاصر للتكامل الاقتصادي الإقليمي، لمحمد لحسن علاوي، بحث بمجلة الباحث العدد (7) جامعة قاصدي مرباح، ورقلة-الجزائر، 2010م (ص115).

([66]) انظر: أساليب ومقومات التكامل الاقتصادي بين البلاد الإسلامية، للدكتور أحمد عرفة أحمد يوسف (ص23، 24)، دار التعليم الجامعي-الإسكندرية.

([67]) انظر: التكامل الاقتصادي العربي على ضوء الطروحات النظرية والمرجعيات القانونية تجارب وتحديات، لخليفة مراد، رسالة ماجستير، جامعة باتنة-الجزائر، 2005م (ص47، 48).

([68]) أخرجه البخاري، رقم (481)، ومسلم، رقم (2585).

([69]) أخرجه البخاري، رقم (2442)، ومسلم، رقم (2580).

([70]) انظر: أثر العملية التكاملية على الأداء الاقتصادي للبلدان الإسلامية، للدكتور بوشامة مصطفى، بحث بمجلة الأبحاث الاقتصادية، جامعة سعد دحلب-البليدة-الجزائر، العدد (4) ديسمبر 2010م (ص76).

([71]) إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم (3/11)، دار الكتب العلمية-بيروت.

([72]) انظر: دائرة الإفتاء الأردنية، الفتوى رقم (2658)، بتاريخ: 23-08-2012م.

([73]) أخرجه مسلم، رقم (2586).

([74]) سياسة التصنيع في ضوء مقاصد الشريعة، للدكتور باسم الجميلي (ص297)، دار الكتب العلمية-بيروت.

([75]) انظر: الأصول العامة للعلاقات الدولية في الإسلام وقت السلم، للدكتور أحمد عبد الونيس شتا (ص78، 79)، المعهد العالمي للفكر الإسلامي-القاهرة، 1996م.

([76]) انظر: المبسوط للسرخسي (10/92)، دار المعرفة-بيروت، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج للخطيب الشربيني (6/67)، دار الكتب العلمية، المغني لابن قدامة (9/352)، مكتبة القاهرة.

([77]) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (9/112)، رقم (18031).

([78]) انظر: الخراج لأبي يوسف (ص 148، 149)، المكتبة الأزهرية للتراث.

([79]) انظر: ضوابط التجارة في الاقتصاد الإسلامي، لمحمد نجيب الجوعاني (ص433، 434)، دار الكتب العلمية-بيروت.

([80]) انظر: الخراج لأبي يوسف (ص149)، روضة الطالبين للنووي (10/319، 320)، المكتب الإسلامي، القوانين الفقهية لابن جزي (ص217)، دار الكتب العلمية-بيروت، المغني لابن قدامة (9/352).

([81]) أخرجه ابن ماجه، رقم (2153)، والبيهقي في السنن الكبرى (6/50)، رقم (11151).

([82]) أخرجه البخاري، رقم (2216).

([83]) انظر: الأموال، للقاسم بن سلام (ص641)، دار الفكر-بيروت.

([84]) المغني لابن قدامة (9/352).

([85]) انظر: ضوابط التجارة في الاقتصاد الإسلامي (ص434).

([86]) الوفاء بالمعاهدات والمواثيق الدولية وجزاء الإخلال بها، للدكتور عبد المجيد بن يكن، بحث بالمجلة العربية في العلوم الإنسانية والاجتماعية الأردنية، العدد الصادر في 28 سبتمبر 2017م، (ص172).

([87]) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (6/596)، رقم (13080)، المحقق: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية-بيروت.

([88]) أخرجه الترمذي، رقم (1352).

([89]) أخرجه البخاري، رقم (2731).

([90]) انظر: التحالفات السياسية في العصر الحديث من المنظور الإسلامي، لصهيب مصطفى آميدي (ص223، 224)، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1981م.

([91]) السياسة الشرعية في التحفظ على المعاهدات في القانون الدولي وأحکام الشريعة الإسلامية، المملکة العربية السعودية نموذجًا، للدكتور حسن بن محمد سفر، بحث بمجلة البحوث القانونية والاقتصادية، الصادرة عن کلية الحقوق-جامعة المنصورة، المجلد 1، العدد 1، أكتوبر 2011م (ص283).

([92]) انظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، جمع وترتيب: أحمد بن عبد الرزاق الدويش (1/431، 432)، رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء-الرياض.

([93]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية، الفتوى رقم (13022)، بتاريخ: 12 ديسمبر 2011م.

([94]) انظر: أحسن الكلام في الفتاوى والأحكام للشيخ عطية صقر (7/413-415)، مكتبة وهبة-القاهرة.

([95]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية، مرصد الإفتاء: تهديدات داعش باستهداف الأهرامات تستهدف ضرب موسم السياحة وحرمان مصر من النقد الأجنبي (المركز الإعلامي بدار الإفتاء المصرية ١٠-٦-٢٠١٦م).

([96]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية، مرصد الإفتاء يحذِّر من انعكاسات سلبية على السياحة والاستثمار الأجنبي جراء دعوة الظواهري لخطف الأجانب (المركز الإعلامي بدار الإفتاء المصرية ٢٧-٧-٢٠١٦م).

([97]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية، الفتوى رقم (16455)، بتاريخ 22 أكتوبر 2014م.

([98]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية. مرصد الإفتاء منددًا بهدم «داعش» لقصر ملك الدولة الأشورية بالعراق: مخالفة لصحيح الإسلام وعلى المجتمع الدولي التكاتف من أجل حماية التراث الإنساني (المركز الإعلامي بدار الإفتاء المصرية ١٧-٥-٢٠١٦م).

([99]) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/194).

([100]) أخرجه البيهقي في معرفة السنن والآثار (7/200)، رقم (9796).

([101]) أخرجه الدارمي في سننه (4/2109)، رقم (3393)، والبيهقي في شعب الإيمان (3/512)، رقم (2037).

([102]) أخرجه البخاري، رقم (6281).

([103]) أخرجه مسلم، رقم (898).

([104]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية، الفتوى رقم (216)، بتاريخ 27 أكتوبر 2014م.

([105]) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (ص199)، رقم (567)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار البشائر الإسلامية-بيروت، وأحمد في مسنده، رقم (1655).

([106]) الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (5/179)، ط. دار الكتب المصرية.

([107]) أخرجه أبو داود، رقم (2758).

([108]) متفق عليه: أخرجه البخاري، رقم (3043)، ومسلم، رقم (1768).

([109]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية، الفتوى رقم (14134)، بتاريخ 03 يناير 2017م.

([110]) انظر: موقع مجمع الفقه الإسلامي الدولي. الرابط: https://iifa-aifi.org/ar/2221.html

([111]) انظر: جريمة الاتجار بالبشر في التشريعات العربية والاتفاقيات الدولية، لرضا السيد عبد العاطي (ص107-109)، دار محمود-القاهرة.

([112]) انظر: موقع دائرة الإفتاء الأردنية، الفتوى رقم (912)، بتاريخ 10-08-2010م.

([113]) انظر: موقع دائرة الإفتاء الأردنية. الرابط: الرابط:

https://www.aliftaa.jo/Decision.aspx?DecisionId=30#.YsWRXc1ByM8

([114]) انظر: داء الجريمة سياسة الوقاية والعلاج، للدكتور علي محمد جعفر (ص28)، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر-بيروت.

([115]) أخرجه أبو داود، رقم (3071).

([116]) انظر: الوجيز في الملكية الصناعية والتجارية لصلاح الدين الناهي (ص233)، دار الفرقان-عمَّان.

([117]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية، الفتوى رقم (13071)، بتاريخ 18 أكتوبر 2007م.

([118]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية، فتوى رقم (15211)، بتاريخ 12 سبتمبر 2019م.

([119]) انظر: موقع مكتبة حقوق الإنسان.

([120]) انظر: الجريدة الرسمية العدد 21 في 26 مايو سنة 2005م.

([121]) انظر: الفتاوى الفقهية الكبرى لابن حجر الهيتمي (1/278)، ط. المكتبة الإسلامية.

([122]) انظر: الفتاوى الإسلامية من دار الإفتاء المصرية (37/320-327)، القاهرة، 2010م.

([123]) انظر: لسان العرب لابن منظور (11/430-434)، مادة «عدل».

([124]) انظر: التشريعات الدستورية المصرية على ضوء معايير العدالة الاجتماعية في التعليم دراسة تحليلية (ص612-616).

([125]) أخرجه بهذا اللفظ البيهقي في السنن الكبرى (10/323)، رقم (20782)، وفي رواية بلفظ «صالح الأخلاق»، أخرجه أحمد في مسنده، رقم (8952)، والبخاري في الأدب المفرد، رقم (273).

([126]) متفق عليه: أخرجه البخاري، رقم (3475)، ومسلم، رقم (1688).

([127]) متفق عليه: أخرجه البخاري، رقم (2353)، ومسلم، رقم (1566)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

([128]) انظر: التشريعات الدستورية المصرية على ضوء معايير العدالة الاجتماعية في التعليم دراسة تحليلية لأسماء الهادي إبراهيم عبد الحي، بحث بمجلة كلية التربية جامعة الأزهر، العدد (170) الجزء الرابع، أكتوبر سنة 2016م (ص609-612).

([129]) الآفاق المستقبلية لتحقيق العدالة والتنمية في اقتصاد الربيع العربي: حالة مصر، لإبراهيم حسن العيسوي، بحث بمجلة التنمية والسياسات الاقتصادية، المعهد العربي للتخطيط، المجلد (15)، العدد (1)، يناير 2013م (ص199، 200).

([130]) المصدر السابق (ص200).

([131]) انظر: التشريعات الدستورية المصرية على ضوء معايير العدالة الاجتماعية في التعليم دراسة تحليلية (ص619-621).

([132]) ظهر هذا المصطلح خلال فترة ما بين الحربين العالميتين، ويهدف إلى التوفيق والتوازن بين الفعالية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، ويرتكز على ثلاثة محاور: المنافسة ودحر الاحتكار، وخلق نوع من التكافؤ في الفرص، وتدخل الدولة عندما تعجز آليات السوق عن القيام بدورها؛ فجوهر اقتصاد السوق الاجتماعي هو تدخل الدولة لتوجيه بعض الإنفاق والاستثمار لتلبية الاحتياجات الاجتماعية وتقليل الفروقات الطبقية وضمان الاستقرار الاجتماعي باعتباره الأساس المادي للانطلاقة الاقتصادية. ويتسم نظام اقتصاد السوق الاجتماعي بمجموعة من الخصائص أهمها: المرونة، والتي تعني إمكانية الرفع أو التقليص من تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي حسب مراحل تطور الدولة والضرورة والاحتياج، وكذا الانفتاح الذي يجعل هذا النظام يتميز بالكفاءة والتطور والابتكار نظرًا لقدرته على التعامل مع المتغيرات والأحداث الداخلية والخارجية. (انظر: اقتصاد السوق الاجتماعي والعدالة الاجتماعية، أية علاقة؟ لعائشة سالمي ومحمد سمير عياد، بحث بالمجلة الجزائرية للأمن الإنساني، السنة الخامسة، المجلد (5)، العدد (1)، يناير 2020م/ص47-49).

([133]) انظر: القيمة الدستورية لمبدأ العدالة الاجتماعية والحماية القضائية له، للدكتور عليان بوزيان، بحث بمجلة الأكاديمية للدراسات الاجتماعية والإنسانية الجزائرية، العدد (10)، يونيو 2013م، (ص110، 111).

([134]) انظر: الفتاوى الإسلامية من دار الإفتاء المصرية (10/3685، 3686)، القاهرة، طبعة 1980م.

([135]) انظر: الفتاوى الإسلامية من دار الإفتاء المصرية (1/90-104)، القاهرة، 2010م.

([136]) أخرجه الطبراني في معجمه الكبير (18/12)، رقم (16).

([137]) انظر: تاريخ الرسل والملوك، لابن جرير الطبري (3/609)، دار التراث-بيروت.

([138]) انظر: الإسلام وحقوق الإنسان، لزكريا البري (ص26)، بدون ناشر.

([139]) انظر: المصدر السابق (ص46).

([140]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية، الفتوى رقم: (13901)، بتاريخ: 16 أغسطس 2011م.

([141]) أخرجه أبو داود، رقم (236)، والترمذي، رقم (113)، من حديث عائشة رضي الله عنها.

([142]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية. الفتوى رقم: (14776)، بتاريخ: 06 يونيو 2003م.

([143]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية. الفتوى رقم: (16440)، بتاريخ: 17 نوفمبر 2016م.

([144]) انظر: العدالة الضريبية كمدخل لتحقيق العدالة الاجتماعية لكشيتي حسين، بحث بمجلة البحوث في العلوم المالية والمحاسبية الصادرة عن جامعة محمد بوضياف بالمسيلة-الجزائر، المجلد (6)، العدد (1) سنة 2021م. (ص361).

([145]) انظر: المصدر السابق (ص362).

([146]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية، الفتوى رقم (15500)، بتاريخ: 10 فبراير 2020م.

([147]) انظر: المعجم الوسيط (1/537)، ط. دار الدعوة، تاج العروس للزبيدي (3/249)، ط. دار الهداية.

([148]) انظر: نحو رؤية لتشخيص وعلاج الموازنة العامة في مصر، للدكتور إيهاب محمد يونس، بحث منشور بمجلة النهضة الصادرة عن كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، المجلد الثالث عشر، العدد الثاني، إبريل 2012م، ص7).

([149]) مفاتيح الغيب للفخر الرازي (5/216)، ط. دار إحياء التراث العربي.

([150]) المحلى بالآثار لابن حزم (4/281)، ط. دار الفكر.

([151]) الاستخراج لأحكام الخراج لابن رجب الحنبلي (ص16)، ط. دار الكتب العلمية.

([152]) رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين الحنفي (5/330)، ط. دار الفكر، الاعتصام للشاطبي (2/619)، ط. دار ابن عفان، المستصفى للغزالي (ص177)، ط. دار الكتب العلمية.

([153]) انظر: موقع دائرة الإفتاء الأردنية. الرابط:

https://www.aliftaa.jo/Decision.aspx?DecisionId=251#.YuYpZ-hByM8

([154]) انظر: موقع المرصد المصري. الرابط: https://marsad.ecss.com.eg/70588/.

([155]) أخرجه البخاري، رقم (1395).

([156]) المجموع شرح المهذب للإمام النووي (6/189-191)، ط. دار الفكر.

([157]) انظر: رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين (2/340)، ط. دار الفكر، المجموع للنووي (6/190)، ط. دار الفكر، دقائق أولي النهى للبهوتي (1/454)، ط. عالم الكتب.

([158]) انظر: شرح مختصر خليل للخرشي (2/215)، ط. دار الفكر.

([159]) مغنى المحتاج للخطيب الشربيني (4/173)، ط. دار الكتب العلمية.

([160]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية، فتوى بتاريخ: 17 يوليه 2016م.

([161]) الموافقات للشاطبي (3/121)، ط. دار ابن عفان.

([162]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية، فتوى بتاريخ: 11 أكتوبر 2015م.

([163]) متفق عليه: أخرجه البخاري، رقم (67)، ومسلم، رقم (1679)، من حديث أبي بَكرةَ رضي الله تعالى عنه.

([164]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية، الفتوى رقم: (15670)، بتاريخ: 12 أكتوبر 2020م.

([165]) تقدم تخريجه.

([166]) انظر: موقع دار الإفتاء المصرية، الفتوى رقم (13070)، بتاريخ: 08 مارس 2008م.

اترك تعليقاً