البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

الباب الثاني: مقاصد الفتوى في المعاملات المالية

الفصل الأول: منهجيات الفتوى في المعاملات المالية

80 views

لقد قضت سنة الله تعالى أن يحتاج الناس إلى بعضهم فلا يستطيع إنسان أن يقضي جميع احتياجاته ومتطلبات حياته دون الاستعانة بغيره، ومن هنا كان فقه المعاملات الذي ينظم تعاملات الإنسان مع أخيه، وبما أن المجتمع يتسم بالحركة والتطور عبر الأزمنة المختلفة فإن المعاملات التي تدور بين الأفراد تتجدد وتتطور بتطور المجتمع، وهذا هو ما راعته الشريعة الإسلامية التي تتسم بالمرونة والصلاحية لكل زمان ومكان بما تضمنته هذه الشريعة من المبادئ والمقاصد التي توافق كل الأزمنة والعصور.

وفي هذا العصر تسارع نمو المجتمعات الإنسانية، وتقدمت العلوم على اختلاف أنواعها ومجالاتها، فتغيرت الظروف، وابتُكرت معاملات جديدة، واستحدثت صيغ وعقود لم تكن معهودة في الماضي؛ مما استدعى التصدي لبحث هذه القضايا والعقود، ولا يكون ذلك إلا عن طريق فتح باب الاجتهاد لبيان موقف الشريعة منها.

يقول الإمام الشاطبي: «إن الوقائع في الوجود لا تنحصر؛ فلا يصح دخولها تحت الأدلة المنحصرة، ولذلك احتيج إلى فتح باب الاجتهاد من القياس وغيره»([1]).

ولا بد أن تتوافر فيمن يتصدى للإفتاء في هذه المعاملات المالية -بصورها القديمة التي تطورت، والمعاملات المستحدثة التي لم تُعهد في السابق- الصفات التي اشترطها العلماء فيمن يتصدى لهذا المنصب الجليل.

وفيما يلي نعرض للمنهج الأمثل في تناول الفتوى للمعاملات المالية بكافة أنواعها، وهو المنهج الذي سارت عليه دار الإفتاء المصرية، وهو المنهج العلمي الصحيح الذي يسير عليه كل من يريد البحث في المستجدات والنوازل في أي عصر من العصور.

تنقسم مسائل المعاملات المالية إلى نوعين:

النوع الأول: مسائل تناولها الفقهاء الأقدمون بالبحث والدراسة، وبينوا أحكامها، لكنها انتشرت في الآونة الأخيرة وكثر التعامل بها، ويتم التعامل مع هذا النوع من المسائل بمنهج «الاختيار الفقهي»؛ وهذا هو المنهج الذي اتبعته دار الإفتاء المصرية حيث تختار الدار من أقوال الفقهاء الواردة في المسألة محل الاستفتاء ما يناسب الحال.

والاختيار الفقهي نوع اجتهاد؛ إذ يقصد به في هذا الفصل: «اجتهاد الفقيه في معرفة الحكم الشرعي الصحيح في المسائل المختلَف فيها، وذهاب الفقيه إلى قول من أقوال الأئمة أصحاب المذاهب الأربعة وغيرهم».

النوع الثاني: مسائل لم يتناولها الفقهاء الأقدمون بالبحث والدراسة، وهذا النوع من المسائل يتم التعامل معه وفق المنهج الآتي:

أولًا: التخريج على أصول وقواعد المذاهب الفقهية الأربعة؛ حيث تُردُّ الفروع الجديدة والنوازل إلى أدلة الفقه التفصيلية والإجمالية، وكذلك القواعد والضوابط الفقهية؛ لاستنباط الحكم واختياره.

ثانيًا: مراعاة مقاصد الشريعة، ورد المعاملات الحديثة إلى العقود المسماة ما أمكن: حيث تُراعَى مقاصد الشريعة عند استنباط الحكم واختياره، فما كان موافقًا لمقاصد الشريعة أُقر، وما كان مخالفًا لها رُفض وأُبطل، كما أن دار الإفتاء المصرية دائمًا ما تحاول رد المعاملات الجديدة إلى العقود المسماة في الفقه الموروث ما أمكن ذلك، فإن لم يمكن اعتبرته الدار عقدًا جديدًا اجتهدت في بيان حكمه بعرضه على الضوابط العامة للعقود؛ فما وافقها حكمت بصحته وما لا فلا.

ثالثًا: الرجوع إلى أهل الخبرة: حيث عمدت الدار إلى الرجوع إلى أهل الخبرة عند تناولها للمسائل الجديدة من أجل التصور الكامل لها ومعرفة مآلاتها، وغير ذلك مما سيأتي تفصيله في ثنايا هذا الفصل.

رابعًا: مراعاة الاجتهادات الجماعية: فلم تكن الدار بمنأى عن الاجتهادات الجماعية التي هي أقوى من الاجتهادات الفردية؛ حيث تستأنس الدار بهذه الاجتهادات الجماعية.

وفيما يلي نتناول كلا النوعين من مسائل المعاملات المالية، ونفرد كل نوع منهما بمبحث مستقل، على النحو التالي:

المبحث الأول: المسائل التي تناولها الفقهاء الأقدمون بالبحث، وانتشرت في الآونة الأخيرة وكثر التعامل بها

من طبيعة منهج دار الإفتاء المصرية في الإفتاء في مسائل المعاملات المالية التي تناولها الأقدمون بالدراسة وبينوا أحكامها، وانتشرت في العصر الحاضر وكثر التعامل بها، أن الدار كانت تتعامل مع هذا النوع من المسائل بمنهج «الاختيار الفقهي»؛ حيث تختار الدار من أقوال الفقهاء الواردة في المسألة محل الاستفتاء ما يناسب الحال، وكانت الدار منذ نشأتها لا تخرج عن نطاق المذاهب الفقهية الأربعة في الاختيار الفقهي في النوازل في المعاملات المالية، واستمر ذلك إلى شهر سبتمبر لسنة 1989م ذلك التاريخ الذي بدأت معه دار الإفتاء المصرية في توسعة دائرة الاختيار الفقهي ليشمل كل الأقوال الفقهية المعتبرة التي تتفق مع صحيح الدين.

نموذج من اختيار دار الإفتاء المصرية لرأي فقهي من أحد المذاهب الأربعة:

اختارت دار الإفتاء المصرية رأي الحنابلة في جواز البيع مع الشرط الجزائي([2]).

حيث سئلت الدار عن: شركة تعاقدت مع آخر على بضاعة، وقد نُص بعقد الاتفاق على شرط جزائي مؤداه أنه في حالة عدم قيام المتعاقد معه على إحضار البضاعة يُلزم برد ثمنها المدفوع إليه ويضاف إليه أقل ربح كان يمكن أن يحصل عليه دافع الثمن الأصلي في حالة الوفاء، ولما كان المتعاقد معه لم يقم بالتزامه ولم يسلم البضاعة المتعاقد عليها اضطر السائل لرفع الأمر للقضاء طالبًا أصل الثمن مضافًا إليه قيمة الربح بمقتضى الشرط الجزائي، وصدر حكم القضاء بأحقية السائل بثمن البضاعة وقيمة الربح والمصروفات. وطلب السائل بيان: هل يحل شرعًا قيمة هذا الربح الذي حكم به كشرط جزائي؟

فأجابت بقولها: أجاز بعض الفقهاء الشرط الجزائي وأوجب الوفاء به، ورتب عليه أثره من حيث المال المشروط، فقد نص الحنابلة في البيع على أن من اشترى شيئًا ودفع بعض ثمنه واستأجل لدفع الباقي فاشترط عليه البائع أنه إن لم يدفع باقي الثمن عند حلول الأجل يصبح ما عجل من الثمن ملكًا للبائع؛ صح هذا الشرط وترتب عليه أثره، ويصير معجل الثمن ملكًا للبائع إن لم يقم المشتري بدفع الباقي في أجله المحدد([3])، وقالوا: إن القاعدة عندهم في الشروط أنها جائزة في العقود من الطرفين إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا وإلا ما ورد الشرع بتحريمه بخصوصه، ومثل هذا الشرط لم يرد عن الشارع ما يحرمه، وما دام لم يحل حرامًا ولم يحرم حلالًا فإنه يكون مشروعًا.

وجاء في التزامات الحطاب المالكي: «إن الزوجة إذا اشترطت على زوجها في عقد النكاح أنه إذا تزوج عليها يلزم بدفع مبلغ كذا من المال إليها صح الشرط ووجب الوفاء به، وإن تزوج عليها لزمه دفع المال المشروط إليها»([4]). وهذا صريح في اعتبار الشرط الجزائي ووجوب دفع المال المشروط لصاحب الشرط عند عدم الوفاء به، والشرط في حادثة السؤال ليس فيه ما ينافي الشرع، والقدر المشروط ليس فيه جهالة يمكن أن تؤثر في عقد الاتفاق؛ فيكون معتبرًا عند هؤلاء الفقهاء وفي رأيهم الذي نختاره للفتوى؛ لضرورة التعامل وجريان العرف ودفع الحرج، وما دام المشروط عليه الشرط قد امتنع عن الوفاء وصدر عليه حكم قضائي بدفع المال المشروط، فإنه يحل لصاحب الشرط أخذ هذا المال([5]).

وجه اختيار دار الإفتاء المصرية قول الحنابلة في هذه الفتوى:

أفتى الشيخ أحمد هريدي بجواز الشرط الجزائي اختيارًا لقول الحنابلة، والحطاب المالكي، المخالف لقول المذهب الحنفي.

ويرجع السبب في ذلك إلى: صدور حكم قضائي بما عليه الحنابلة.

وقد اتفقت الفتاوى الصادرة عن دار الإفتاء المصرية على كون الشرط الجزائي في أصله جائزًا، غير أنها اختلفت فيما بينها في مدى العمل به على قولين:

القول الأول: العمل به مطلقًا دون النظر إلى سببه، وبه قال كل من الشيخ أحمد هريدي كما في النموذج الذي نحن بصدده، والشيخ عبد اللطيف حمزة([6])، والأستاذ الدكتور: محمد سيد طنطاوي([7])، والأستاذ الدكتور: نصر فريد واصل([8]).

القول الثاني: العمل به في حالة وقوع الضرر وبقدر الضرر فقط، وبه قال الأستاذ الدكتور علي جمعة([9]).

وابتداءً من سبتمبر لسنة 1989م بدأت دار الإفتاء المصرية في توسعة دائرة الاختيار الفقهي ليشمل كل الأقوال الفقهية المعتبرة التي تتفق مع صحيح الدين، ويرجع السبب في ذلك إلى تغير الواقع المعيش.

فإدراك الواقع ركن أساسي من أركان الإفتاء، والذهاب إلى كتب الفروع الفقهية المختلفة وأخذ الأحكام الشرعية منها -وهي المتأثرة بواقع وعرف معين- ثم الإفتاء بها في واقع وعرف مختلف هو من الضلال المبين والجهل الفاحش. ففي عملية الإفتاء لا بد من أمرين:

الأول: إدراك المصادر وفهمها بإتقان على ما تقتضيه أصول اللغة والبلاغة والنحو والصرف، أو ما يسمى -عمومًا- بعلوم الآلة.

الثاني: إدراك الواقع: فعلى المفتي -أثناء فتواه أو اختياره قولًا معينًا- أن يدرس عالم الأشياء([10])… وعالم الأشخاص([11])، وعالم الأحداث، وعالم الأفكار، والمآلات التي تئول إليها فتواه في الواقع، كما يضع نصب عينيه المصادر والنصوص من حيث إحسان الربط بينهما، وإيجاد الجسر الذي يربط ويضبط إنزال النصوص على الواقع، وهذه النظرة لا بد أن تشتمل على المقاصد الكلية للشريعة من حفظ النفس والعقل والدين والعرض والمال، والإجماع، ومراعاة اللغة العربية ودلالتها، ومراعاة النموذج المعرفي الإسلامي وهو ما يسمى بـ«العقيدة» أو «الرؤية الكلية»، و«مراعاة القواعد الفقهية»([12]).

أثر تغير الواقع في الفتوى «الاختيار الفقهي»:

قرر الفقهاء أن الفتوى تختلف باختلاف جهاتها الأربع (الزمان والمكان والأحوال والأشخاص)([13])، وأن الواقع الذي يعيش فيه الإنسان قد يستدعي حكمًا أو قولًا فقهيًّا يناسبه، فإذا تغير الواقع تغيرت الفتوى، والمراد بالأحكام (الفتاوى) القابلة للتغير هنا: الأحكام النسبية المرتبطة بتلك الجهات الأربع، والأحكام الاجتهادية التي استنبطت بدليل القياس أو المصالح المرسلة أو الاستحسان أو غيرها من الأدلة الفرعية، أما الأحكام المطلقة، والأحكام الأساسية النصية بالأمر أو النهي فإنها لا تتغير بتغير الأزمان، ولا بتغير الأماكن، ولا بتغير الناس؛ كوجوب الصلاة والصيام والزكاة والجهاد والأمانة والصدق، وإباحة البيع والشراء، وحرمة الزنا وشرب الخمر([14]).

ولتغير الواقع الذي يترتب عليه تغير الفتوى أمارات وعلامات تدل عليه، وأهمها ما يلي:

 أولًا: تغير حال الناس:

تغير أحوال الناس يعني انتقالهم من حالة خُلُقية إلى حالة خُلُقية أقل منها؛ بحيث تضعف التقوى ويقل الورع وتسوء الأخلاق، ويكثر الكذب والغش، وتقل الثقة في الغير، فهذه وغيرها من الأخلاق السيئة يختلف تعامل المفتي معها عن تعامله مع غيرها من الأخلاق الحسنة؛ فالتغير في حال الناس وأخلاقهم يتبعه تغير في الفتوى؛ وقد حدث ذلك في عهد الصحابة الكرام -رضوان الله عنهم أجمعين- فقد ثبت أن زيد بن خالد الجهني $ قال: «أن النبي r سأله رجل عن اللقطة، فقال: اعرف وكاءها -أو قال: وعاءهاوعفاصها، ثم عرفها سنة، ثم استمتع بها، فإن جاء ربها فأدها إليه. قال: فضالة الإبل؟ فغضب حتى احمرت وجنتاه، أو قال: احمر وجهه، فقال: وما لك ولها، معها سقاؤها وحذاؤها، ترد الماء وترعى الشجر، فذرها حتى يلقاها ربها. قال: فضالة الغنم؟ قال: لك، أو لأخيك، أو للذئب»([15])، فكانت ضوالُّ الإبل في زمن عمر t إبلًا مرسلة تَتَناتج ولا يمسها أحد، حتى إذا كان زمن عثمان بن عفان t أمر بمعرفتها وتعريفها ثم تباع، فإذا جاء صاحبها أعطي ثمنها([16])، وهذا على خلاف ما بيَّنه رسول الله r؛ وذلك لفساد الزمان وجرأة الناس على تناول ضوال الإبل وأخذها، ففهم عثمان t الغاية من أمر الرسول r بترك ضوال الإبل وهو حفظها لصاحبها، فلما فسد الزمان حافظ على المقصود من حديث النبي r وإن خالفه ظاهرًا، ولكنه موافق له حقيقة([17]).

رؤية دار الإفتاء المصرية لحال الناس وأثره في المعاملات:

ترى دار الإفتاء المصرية أن حال الناس قد تغير -غالبًا- فكثر الكذب والغش، وانعدمت الثقة إلى غير ذلك من الأخلاق السيئة مما يؤثر سلبًا على حال الناس في المعاملات المالية ويوقع حرجًا كبيرًا عليهم؛ خاصة أصحاب المال الذين لا يستطيعون استثمار المال بأنفسهم، فلا يأمنون على أموالهم إذا أعطوها لغيرهم؛ ليستغلوها في التجارة والاستثمار خوفًا من ضياعها، أو على الأقل عدم الحصول على الأرباح.

لهذا رأت دار الإفتاء المصرية أن توسع من دائرة اختياراتها الفقهية بما يحفظ على الناس أموالهم، واضعة نصب عينيها في الاختيار الفقهي مقاصد الشريعة الإسلامية والتي منها حفظ المال.

فلو نظرنا مثلًا إلى مسألة تحديد النسبة في المضاربة لوجدنا أن الفتوى في دار الإفتاء المصرية منذ نشأتها قد استقرت على عدم جواز تحديد نسبة الربح في المضاربة بمبلغ ثابت كمائة مثلًا؛ حيث إنه يفسد المضاربة، وهذا يتفق مع أقوال المذاهب الفقهية الأربعة([18])، وابتداء من شهر 9 لسنة 1989م اتجهت الدار إلى اختيار قول فقهي آخر يجيز هذا التحديد، وهو قول الشيخ عبد الرحمن عيسى([19])، والأستاذ الدكتور أحمد شلبي([20])، والأستاذ الدكتور عبد المنعم النمر([21])، والشيخ عبد الوهاب خلاف وغيرهم([22])، وعللت تغير اختيارها الفقهي بقولها: «المضاربة كما يقول بعض الفقهاء تكون حسب اتفاق الشركاء، ونحن الآن في زمان ضعفت فيه ذمم الناس، ولو لم يكن لصاحب المال نصيب معين من الربح لأكله شريكه، وما دام هذا الاتفاق لا يخالف نصًّا من كتاب الله تعالى أو من سنة رسوله r فلا مانع منه شرعًا، ودار الإفتاء تختار هذا القول، وترى أن الأخذ به أولى لرعاية مصالح الناس في زماننا هذا الذي ضعفت فيه الذمم»([23]). وسيأتي تفصيل القول في ذلك في نماذج هذا المطلب.

ثانيًا: التطور المعرفي:

قد تتغير أفكار الناس نتيجة لتأثرهم بأفكار غيرهم واختلاطهم بهم ومطالعتهم لكتبهم، وقد تتغير أوضاعهم أيضًا تبعًا لتلك الحالة، ونتيجة لتلاحم الشعوب وتزاوجها واختلاطها، لا سيما عند الفتوحات والرحلات، وقد استُجِد اليوم من وسائل الإعلام وأساليب الاتصال العلمي ما جعل الاختلاط بين الناس، وتأثر بعضهم ببعض، وتقارب أفكارهم، ونقل بعضهم عن البعض الآخر؛ أكثر سرعة وأعمق تأثيرًا من الأزمان الأولى، فوسائل الإعلام الحديثة؛ كالإذاعة، والتليفزيون، والفضائيات، والمطبوعات، والصحافة وغيرها، وكذلك وسائل المواصلات المتطورة كل ذلك دفع الناس إلى سرعة التأثر والتفاعل، وذلك كله يؤثر على أعراف الناس، وينتقل إلى الأحكام والقوانين([24]).

رؤية دار الإفتاء المصرية لأثر التطور المعرفي على الواقع المعيش في المعاملات المالية:

ترى دار الإفتاء المصرية أن الواقع المعيش في المعاملات المالية قد تَغَيَّر بمجموعةٍ مِن العلوم الضابطة؛ كدراسات الجدوى، وبحوث العمليات، والإحصاء والمحاسبة، وتَغَيَّر كُنْهُ الاتصالات والمواصلات والتقنيات الحديثة([25]).

فالتطور العلمي الهائل الذي شهده عصرنا له كثير من التأثير في معارف الناس ومعلوماتهم في الحكم على الأشياء؛ حيث صار لوسائل التقنية الحديثة والتكنولوجيا المتطورة القدرة على إظهار الكثير من المعلومات التي لم تكن معروفة من قبل، أو التي كانت معروفة بأسلوب ومستوى بسيط، أو كانت معلومات خاطئة (تصوير المسائل)؛ مما كان يجعل الحكم على الظواهر في الماضي أقل بكثير من الحكم عليها اليوم.

فلو نظرنا مثلًا لمسألة التأمين التجاري: فقد كانت الفتوى مستقرة في دار الإفتاء المصرية على حرمتها إلى عهد الدكتور نصر فريد واصل، وكانت الفتوى في التأمين مبنية على وجود الغرر الكبير الذي يمنع من صحة المعاملة، يقول الشيخ جاد الحق علي جاد الحق: «وعقد التأمين على الحياة عقد احتمالي([26]) لاحتوائه على فكرة الغرر والمخاطرة والمقامرة؛ إذ من شأنه أن يُعرِّض أحد المتعاقدين لخسارة جسيمة أو كسب كبير، فهو متوقف على المصادفات أو القضاء والقدر دون أن يتعلق بإرادة الإنسان»([27]).

ثم تغير اختيار دار الإفتاء المصرية في هذه المسألة إلى القول القائل بالجواز؛ لانتفاء الغرر الكبير والضرر والجهالة من خلال العلوم الحديثة؛ كدراسات الجدوى، وبحوث العمليات، والإحصاء والمحاسبة وغيرها؛ يقول الدكتور نصر فريد واصل: «إن الغرر في عقود التأمين -إن وجد- فهو يسير ولا يفضي إلى نزاع بين أطرافه؛ لشيوعه وكثرة انتشاره في كل مجالات الأنشطة الاقتصادية دون أن يترتب على ذلك نزاع، خاصة وأن كل عميل من عملاء التأمين يعرف مقدمًا مقدار ما سيدفعه وما سيحصل عليه، وبذلك لا يتصور وجود الغرر الفاحش المنهي عنه، كما لا يوجد في عقد التأمين التجاري شبهة القمار والمراهنة؛ لأن المقامرة والمراهنة تقومان على الحظ، في حين أن التأمين يقوم على أسس منضبطة وعلى حسابات مدروسة ومحسوبة، والأقرب إلى الصواب أن عقد التأمين التجاري يتفق مع المضاربة المشروطة، ولا يدخل في نطاق الربا؛ لأنها معاملة قائمة على استثمار الأقساط الخاصة بالعملاء بما يعود على شركة التأمين والمؤمن عليهم بالنفع العام بما يحقق التكافل الاجتماعي بين المشتركين في التأمين جميعًا برفع الضرر عند حدوثه لأحدهم بتضامنهم جميعًا بالرضائية الكاملة منهم على ذلك»([28]).

ثالثًا: تغير واقع المعاملات:

ترى دار الإفتاء المصرية أن واقع المعاملات قد تغير بسب انتشار العمل بالشخصية الاعتبارية([29])، فلم يكن الفقه الإسلامي قديمًا يعرف غير الشخص الطبيعي في العقود، والشخص الطبيعي هو الفرد المتمثل في الإنسان، وهو يكتسب الشخصية القانونية بمولده، وهو ما تدور حوله أحكام الفقه التراثي.

وفي العصر الحديث برزت الشخصية الاعتبارية كأهم سمات ذلك العصر، وأثرت تأثيرًا بالغًا في واقع المعاملات الماليَّة في كل مكان، والشخصية الاعتبارية لها أحكام مختلفة عن الشخص الطبيعي([30])، وقد انفصلت الشخصية الاعتبارية تمامًا عن ممثليها وحددت تحديدًا دقيقًا؛ لذا يجب على المفتي أن يدرك هذا الواقع الجديد ولا يتعامل مع الشخص الاعتباري كما يتعامل مع الشخص الطبيعي([31]).

جاء في فتوى لدار الإفتاء المصرية ما نصه: «الشخصية الاعتبارية المتمثلة في الدولة والهيئات والجمعيات العامة لها مِن الأحكام ما يختلف عن أحكام الشخصية الطَّبيعِيَّة؛ حيث اعتبر الفقهاء أربع جهاتٍ لتغير الأحكام مِن بينها «تغير الأحكام على قدر طبيعة الأشخاص»؛ فأقروا -على سبيل المثال- عدمَ استحقاق زكاة على مال الوقف والمسجد وبيت المال، وجوازَ استقراض الوقف بالربح عند الحاجة إلى ذلك»([32]).

نموذج من اختيارات دار الإفتاء المصرية من غير المذاهب الفقهية الأربعة:

شهادات الاستثمار في البنوك.

سئلت الدار عن الحكم الشرعي في شهادات الاستثمار المجموعة (أ) والمجموعة (ب)([33]).

فأجابت بقولها: بالنسبة لشهادات الاستثمار (أ) و(ب) ذات العائد يرى بعض الفقهاء أن تحديد البنك للفائدة زمنًا ومقدارًا على شهادات الاستثمار لا يجوز شرعًا، ويرى آخرون أن هذا التحديد جائز شرعًا ولا شيء فيه، ودار الإفتاء تؤيد الرأي الثاني وترى الأخذ به؛ لأنه لم يرد نص صريح صحيح في المضاربة يمنع من هذا التحديد؛ ولأن هذا التحديد فيه حماية لصاحب المال، كما أن فيه دفعًا للنزاع بين البنك وصاحب المال عند الاختلاف؛ لهذا نرى أن التعامل بهذه الصورة جائز شرعًا، والأرباح الناتجة عن هذا التعامل حلال، ولا شيء فيها، والله سبحانه وتعالى أعلم([34]).

وقالت في فتوى أخرى: إن الأرباح الناتجة عن هذه الشهادات المحددة مقدمًا زمنًا ومقدارًا يرى بعض الفقهاء أنها حرام وغير جائزة شرعًا لهذا التحديد المقدم زمنًا ومقدارًا، ويرى آخرون أن هذا التحديد حلال وجائز شرعًا، وأن التعامل في شهادات الاستثمار وما يشبهها من المعاملات المصرفية هو من قبيل المعاملات المستحدثة التي لا تخضع لأي نوع من العقود المسماة، وهي معاملة نافعة للأفراد وللمجتمع وليس فيها استغلال أو غش أو خداع أو ظلم من أحد طرفي التعامل للآخر، أو هي من قبيل المضاربة الشرعية، ولا يمنع من كونها مضاربة تحديد الربح مقدمًا؛ لأن هذا التحديد لم يرد ما يمنعه من كتاب الله تعالى أو من سنة رسوله r، بل إن هذا التحديد قد يكون مطلوبًا لرفع النزاع بين الناس في معاملاتهم؛ ولكي يعرف كل إنسان حقه. والمضاربات كما يقول بعض العلماء تكون حسب اتفاق الشركاء، ونحن الآن في زمان ضعفت فيه ذمم الناس، ولو لم يكن لصاحب المال نصيب من الربح لأكله صاحبه، ودار الإفتاء ترجح الرأي الثاني وترى أن الأخذ به أولى لرعاية مصالح الناس في زمننا هذا الذي ضعفت فيه الذمم، وأن هذا التعامل جائز شرعًا ولا حرمة فيه([35]).

وجه اختيار دار الإفتاء المصرية من غير المذاهب الفقهية الأربعة:

– تعتبر مسألة إيداع الأموال في البنوك وأخذ العائد عليها من أهم الفتاوى التي تناولتها دار الإفتاء المصرية بالبحث والتأمل؛ وقد أسفر ذلك عن وجود خلاف فقهي بين المفتين الذين تولوا مهمة الإفتاء في الديار المصرية؛ فمنهم من أجازها وأباح أخذ العائد، ومنهم من حرمها وحرم أخذ العائد، ولكل مدركه وأدلته، وسيأتي بيان ذلك عند الحديث عن مراحل الفتوى في النموذج الذي معنا.

– ويعد النموذج الذي معنا الذي يتناول الفتوى التي أصدرها فضيلة الشيخ محمد سيد طنطاوي في 26/9/1989م بخصوص شهادات الاستثمار البنكية معبرًا عن مرحلة جديدة من مراحل الاختيار الفقهي لدار الإفتاء المصرية؛ المتمثل في الاختيار الفقهي من أقوال بعض الفقهاء المعاصرين المخالفة للمذاهب الفقهية الأربعة؛ مما يدل على اتجاه الدار منذ ذاك التاريخ نحو الفقه الواسع الفسيح وعدم التقيد بأقوال المذاهب الفقهية الأربعة في الاختيار الفقهي.

وفيما يلي بيان ذلك من خلال مراحل الفتوى:

– مرحلة التصوير: صورة السؤال عن شهادات استثمارية يصدرها البنك، وهي ذات دخل ثابت محدد مقدمًا زمنًا ومقدارًا([36]).

– مرحلة التكييف: ذهب الشيخ طنطاوي في هذه الفتوى إلى أن إيداع المال في البنك في صورة شهادات استثمار له تكييفان:

الأول: أنه عقد مضاربة؛ حيث إن العائد فيها مشترك بين العامل وهو البنك، ورب المال وهو المودِع، ويتعلق بهذا التكييف أمور:

  • أن تحديد الربح مقدمًا في المضاربة لم يرد ما يمنعه من الكتاب أو السنة.
  • أن تحديد الربح مقدمًا من باب المصلحة المرسلة([37])، وسيأتي بيان ذلك في الفصل الثاني عند الحديث عن أثر المصلحة المرسلة في فتاوى الدار.
  • أن المضاربة تكون حسب اتفاق الشركاء، ونحن الآن في زمان ضعفت فيه ذمم الناس، ولو لم يكن لصاحب المال نصيب من الربح لأكله صاحبه.

الثاني: أنه عقد مستحدث لا يخضع لأي نوع من العقود المسماة، وهو تعامل نافع للأفراد والمجتمع وليس فيه استغلال أو غش أو خداع أو ظلم من أحد طرفي التعامل للآخر، وتُكيف العلاقة التي بين البنك والمودِع على أنها علاقة الوكالة([38])؛ إذ البنك وكيل عن المودع في الاستثمار([39]).

– مرحلة الحكم: بعد أن اعتبر الشيخ طنطاوي هذه المسألة من قبيل المضاربة على التكييف الأول: عرض أقوال الفقهاء، وبين أن منهم من منعها؛ لتحديد الربح مقدمًا الذي يتنافى مع المضاربة الشرعية الصحيحة، ومنهم من أجازها على اعتبار أن تحديد الربح مقدمًا في المضاربة لم يرد ما يمنعه من الشرع الشريف، وأنه قد يكون مطلوبًا لرفع النزاع بين الناس في معاملاتهم خاصة بعد فساد ذمم الكثير من الناس، وأن المضاربة قائمة على التراضي بين طرفيها وهو حاصل.

موقف الفقه الإسلامي من تحديد العائد مقدمًا في المضاربة:

اختلف الفقهاء في حكم تحديد العائد مقدمًا في المضاربة وجعله بنسبة منسوبة لرأس المال لا إلى الأرباح على قولين:

القول الأول: لا يجوز تحديد العائد مقدمًا في المضاربة وجعله بنسبة منسوبة لرأس المال لا إلى الأرباح، وهو قول المذاهب الفقهية الأربعة؛ فقد اتفقت كلمة المذاهب الفقهية الأربعة على أنه لا بد أن يكون الربح في المضاربة جزءًا معلومًا مشاعًا نصفًا أو ثلثًا أو ربعًا، فإن شَرطا عددًا مُقدرًا، بأن شرطا أن يكون لأحدهما مائة درهم من الربح أو أقل أو أكثر والباقي للآخر لا يجوز، والمضاربة فاسدة؛ لأن المضاربة نوع من الشركة، وهي الشركة في الربح، وهذا شرط يوجب قطع الشركة في الربح؛ لجواز أن لا يربح المضارب إلا هذا القدر المذكور، فيكون ذلك لأحدهما دون الآخر، فلا تتحقق الشركة، فلا يكون التصرف مضاربة([40]).

القول الثاني: يجوز التحديد ولا تفسد المضاربة، وممن قال بذلك بعض الفقهاء المعاصرين؛ كالشيخ عبد الرحمن عيسى([41])، والأستاذ الدكتور أحمد شلبي([42])، والأستاذ الدكتور عبد المنعم النمر([43])، والشيخ عبد الوهاب خلاف وغيرهم([44]).

مرحلة الفتوى: بعد التكييف والحكم أفتى الأستاذ الدكتور: محمد سيد طنطاوي بحل التعامل في شهادات الاستثمار وأخذ عائدها، بناء على اختياره القول القائل بأنها مضاربة صحيحة أو عقد مستحدث الأصل فيه الحل.

وبالإباحة قال كل من: الأستاذ الدكتور: طنطاوي في القول الأخير له([45])، والأستاذ الدكتور: نصر([46])، والأستاذ الدكتور: أحمد الطيب([47])، والأستاذ الدكتور: علي جمعة([48])، والأستاذ الدكتور: شوقي علام([49]).

سبب اختلاف الفتوى بين المفتين:

يرجع سبب اختلاف الفتوى بين المفتين إلى اختلافهم في تكييف العلاقة التي بين البنك وصاحب المال (المودِع) أهي علاقة القرض أو المضاربة أو ماذا؟

  • فالفريق الأول الذي ذهب إلى الحرمة ترجح لديه جانب القرضية؛ خاصة وأن القانون المدني المصري يكيف مثل هذا التعامل على أنه قرض؛ فقد جاء في المادة 726 من القانون المدني المصري ما نصه: «إذا كانت الوديعة([50]) مبلغًا من النقود أو أي شيء آخر مما يهلك بالاستعمال، وكان المودَع عنده مأذونًا له في استعماله اعتبر العقد قرضًا»([51]).

والرجوع إلى التكييف القانوني يبدو واضحًا في فتاوى الشيخ جاد الحق؛ حيث يقول رحمه الله تعالى: «وقد جرى اصطلاح الفقهاء على أن الربا هو زيادة مال بلا مقابل في معاوضة مال بمال، وقد دلت نصوص القرآن والسنة وإجماع المسلمين على تحريم الربا بكافة أنواعه وصوره، لما كان ذلك وكانت شهادات الاستثمار من فئة (أ) وفئة (ب) ذات فائدة محددة قدرًا وزمنًا مقدمًا فتعتبر من قبل ربا الزيادة؛ إذ وصفها القانوني: أنها قرض بفائدة»([52]).

ويقوي هذا التكييف أن ملكية صاحب المال (المودِع) تزول نهائيًّا عن المبلغ الذي وضعه في البنك ويصبح للبنك مطلق التصرف، وأن ضمان المال على البنك -فرَّط أو لم يفرِّط- لا على صاحب المال، وهذه هي حقيقة القرض([53]).

وحيث إن كل قرض جر نفعًا فهو ربا([54]) اعتبر هذا التعامل محرمًا؛ لأنه من قبيل الربا.

اعتراض:

اعترضت اللجنة التي شكلها الأستاذ الدكتور محمد سيد طنطاوي للرد على الشبهات المثارة حول فتوى إباحة شهادات الاستثمار([55]) على القول بأن المودع تزول ملكيته عن المال تمامًا مما يجعل المعاملة قرضًا: بأن المودع يتقدم بمحض اختياره للبنك لإيداع أمواله إما بهدف الحفظ أو الأمانة أو بهدف الاستثمار، فإذا كان بهدف الحفظ والأمانة والتي تتمثل في العادة في الحسابات الجارية فإنه لا يتقاضى عنها أي عوائد، أما إذا كان هدفه الاستثمار فإنها تودع في حساب استثماري لأجل محدد وفقًا لرغبة العميل وحاجته لاسترداد هذه الأموال، وكذا رغبته في نظام العائد الدوري الذي يرغب في الحصول عليه، ويمكن لصاحب الوديعة الاستثمارية استردادها في أي وقت بصرف النظر عن تاريخ الاستحقاق، أما القرض فهو مبلغ من المال لا يطالب العميل بسداده إلا في تاريخ الاستحقاق، وبالتالي فإن طبيعة الودائع تختلف عن طبيعة القروض([56]).

  • أما الفريق الثاني الذي يرى الإباحة: فقد اتجهوا إلى اتجاهين:
  • الاتجاه الأول: يمثله كل من الأستاذ الدكتور «محمد سيد طنطاوي»، والأستاذ الدكتور «نصر»، وقد ذهبا إلى الإباحة باعتبار هذا التعامل من قبيل المضاربة، ولا يمنع من صحتها تحديد الربح مقدمًا؛ إذ لم يرد ما يمنعه من كتاب الله تعالى أو من سنة رسوله، كما قد يكون مطلوبًا لرفع النزاع بين الناس في معاملاتهم؛ خاصة بعد فساد ذمم الكثير من الناس، وأن المضاربة قائمة على التراضي بين طرفيها وهو حاصل.

وقد اعتُرض على القول بأن إيداع المال في البنك بعائد يعد من قبيل المضاربة الصحيحة باعتراضات منها:

الاعتراض الأول: هناك فرق بين الربح في المضاربة والربح في شهادات الاستثمار؛ فالربح في المضاربة غير مضمون في حين أن الربح في شهادات الاستثمار مضمون سلفًا([57]).

الرد على الاعتراض:

ردت اللجنة المشتركة السابق ذكرها على هذا الاعتراض بأن رغبات المستثمرين والمدخرين تتعدد؛ فقد يكون في حاجة إلى عائد دوري، وقد يكون في حاجة إلى مدخراته في تاريخ معين لغرض محدد، الأمر الذي يدفعه إلى طلب وضعها في حساب استثماري يتناسب وظروفه، وفي الجانب الآخر فإن البنك يستثمر هذه الأموال في أوجه استثمار متعددة ومتنوعة الآجال والعائد، مثل شراء الأسهم في المشروعات الاقتصادية، أو بطريقة المشاركة المباشرة في المشروعات العملاقة والتي قد يستغرق إنشاؤها عددًا من السنوات دون أن تدر عائدًا؛ حيث إن العائد مرتبط بالتشغيل الاقتصادي للمشروع، أو في تمويل المشروعات الاقتصادية بالدولة -صناعية، تجارية، زراعية، خدمات-، بعضها بغرض تمويل استثماري، وبعضها لتمويل النشاط الجاري، وبالنظر لتباين رغبات المدخرين من ناحية، ومن ناحية أخرى تنوع أوجه استثمار البنك لهذه الأموال، وانطلاقًا من مبدأ تحقيق رغبات المدخرين من جانب، وتنوع وتشابه أوجه الاستثمار لهذه الأموال، واختلاف توقيتات عوائدها من جانب آخر، فقد كان من أنسب الوسائل تحديد العائد المدفوع لأصحاب الأموال بنسبة مئوية من قيمة أموالهم، وفي المقابل تحديد العائد المحصل أيضًا بنسبة مئوية من قيمة التمويل المسموح للعملاء يُراعى عند تحديدها عدد من المؤشرات والمعايير التي تجعل هذا العائد أقرب ما يكون إلى الصواب، ومن هذه المؤشرات والمعايير التكاليف المباشرة وغير المباشرة للأعمال المصرفية: العائد المتوقع للأنشطة الاقتصادية المختلفة، واتجاهات التضخم والأسعار، والأهمية للمشروعات على المستوى القومي، ودرجة المخاطرة في الأنشطة الاقتصادية المختلفة، ووضع السيولة لدى البنك وتوجيهات البنك المركزي بشأن السيولة وتوظيف الأموال وعنصر المنافسة بين البنوك بما يحقق التوازن بين مصالح المودعين والحاصلين على التمويل، علما بأنه يعاد النظر في هذه المعدلات خلال فترات قصيرة في ضوء ما يستجد من متغيرات اقتصادية بصفة عامة، وموقف السيولة لدى البنك بصفة خاصة، ومما هو جدير بالذكر هنا أنه لا يتم استخدام كل مال مستثمر على حدة، وإنما يتم تجميع ما يتوافر لدى البنك من مجموع الأموال لديه في وعاء واحد يكون مصدرًا عامًّا لجميع أوجه الاستخدامات، وعمومًا فإن إجمالي ما يحصل عليه البنك من عوائد لقاء استخدام الأموال المتاحة له أكبر من مجموع ما يؤديه من عوائد لأصحاب الاستثمار بما يقابل مصروفات وأعباء التشغيل لدى البنك ويحقق فائضا مناسبًا لأصحاب رأس مال البنك([58]).

الاعتراض الثاني: أن العامل في المضاربة أمين لا ضمان عليه إلا إذا تعدى أو قصر، في حين أن الجهة المصدرة لشهادة الاستثمار ضامنة لرأس المال سواء تعدت وقصرت أم لا([59]).

الرد على الاعتراض:

أجاب الأستاذ الدكتور نصر على هذا الاعتراض: بأن تضمين البنك هنا جائز، قياسًا على تضمين سيدنا علي بن أبي طالب الصناع؛ حيث ضمنهم سيدنا علي مع أن الأصل عدم تضمينهم لأن الصانع أمين والأمين غير ضامن، وهذا الأصل هو الذي كان مطبقًا في عهد رسول الله r وعهد أبي بكر وعمر وعثمان، ثم ضمنهم علي -كرم الله وجهه- بعد أن كانوا غير ضامنين وبعد أن كانوا مطالبين بأداء اليمين فقط عند الادعاء عليهم بالسلع وإنكارهم لها، أو ادعائهم بأنهم قد أدوها لأصحابها؛ لقوله r: «البينة على المدعي، واليمين على من أنكر»([60])، فضمَّن علي الصناع في عهده على خلاف الأصل الذي كان مطبقًا في عهد رسول الله r وصحابته؛ وذلك لأن عليًّا نظر في تغير ظروف العصر وما رآه من ضعف ذمم بعض الناس وضياع الأموال على أصحابها؛ ولتحقيق العدالة بين الناس لذلك ضمن الصناع في عهده، فكذلك المضاربة([61]).

وقد نوقش هذا القياس: بأنه قياس مع النص، والنص هو الإجماع الذي حكاه ابن رشد فقال: «وأجمعوا على أنه لا ضمان على العامل فيما تلف من رأس المال إذا لم يتعد»([62]). والقياس في مواجهة النص لا يصح([63]).

الاعتراض الثالث: القول بأن تحديد الربح مقدمًا لم يرد ما يمنعه قول لا يصح؛ إذ قد ورد في السنة المطهرة ما يدل على عدم جواز هذا التحديد المسبق؛ فقد أخرج أبو داود في سننه عن سَعيد بن المُسَيَّبِ، عن سَعْدٍ، قال: «كنَّا نُكْرِي الأرضَ بما على السَّواقي من الزَّرْعِ وما سَعِدَ بالمَاءِ منها، فنهانا رسولُ الله r عن ذلك، وأمَرَنا أن نُكْرِيَها بذَهَبٍ أو فِضَّةٍ»([64]).

وجه الدلالة من الحديث: يدل الحديث على أن المنهي عنه هو المجهول منه دون المعلوم، وأنه كان من عادتهم أن يشترطوا فيها شروطًا فاسدة، وأن يستثنوا من الزرع ما على السواقي والجداول، ويكون خاصًّا لرب الأرض، والمزارعة شركة، وحصة الشريك لا يجوز أن تكون مجهولة، وقد يسلم ما على السواقي ويهلك سائر الزرع فيبقى المزارع لا شيء له، وهذا غرر وخطر([65]).

– والحديث وإن كان واردًا في المزارعة إلا أنه يشمل المضاربة؛ حيث إن الأرض عين تنمى بالعمل كالمال، فإذا حرم هذا في المزارعة والمساقاة حرم كذلك في المضاربة؛ بل من الفقهاء من قال: إن المضاربة في معنى المزارعة؛ بجامع أن الأرض والمال عين تنمى بالعمل، فإذا حرم تحديد حصة العامل مقدمًا في المزارعة وكذا في المساقاة بمكان حرم كذلك في المضاربة بمقدار محدد([66]).

  • الاتجاه الثاني: ويمثله كل من الأستاذ الدكتور: أحمد الطيب، والأستاذ الدكتور: علي جمعة، والأستاذ الدكتور: شوقي علام؛ وقد ذهبوا إلى اختيار القول بالإباحة بعد عرض الخلاف الوارد في المسألة من كونها قرضًا على التكييف الأول، وكونها عقدًا مستحدثًا لم يرد ما يمنعه على التكييف الثاني.

ولم يكن اختيارهم للقول بالإباحة عن طريق ترجيح تكييف على غيره، وإنما كان على النحو التالي:

أولًا: الأستاذ الدكتور أحمد الطيب:

اختار الشيخ الطيب القول بالإباحة؛ عملًا بما قرره مجمع البحوث الإسلامية؛ حيث يقول الشيخ: «أقر مجمع البحوث الإسلامية بجلسته الثالثة في دورته التاسعة والثلاثين يوم الخميس 23 من رمضان سنة 1423هـ/ الموافق 28 من نوفمبر سنة 2002م أن الذين يتعاملون مع بنك الشركة المصرفية العربية الدولية -أو مع غيره من البنوك- ويقومون بتقديم أموالهم ومدخراتهم إلى البنك ليكون وكيلًا عنهم في استثمارها في معاملاته المشروعة مقابل ربح يصرف لهم ويحدد مقدمًا في مدد مع المتعاملين معه عليها. هذه المعاملة بتلك الصورة حلال ولا شبهة فيها؛ لأنه لم يرد نص في كتاب الله أو من السنة النبوية يمنع هذه المعاملة التي يتم فيها تحديد الربح أو العائد مقدمًا ما دام الطرفان يرتضيان هذا النوع من المعاملة».

وبناء على ما أقره مجمع البحوث فلا مانع شرعًا من وضع أموال صديقك في صورة شهادات استثمار، وليس عليك وزر في ذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم([67]).

ثانيًا: الأستاذ الدكتور: علي جمعة، والأستاذ الدكتور شوقي علام:

جاء اختيار كل من الأستاذ الدكتور علي جمعة، والأستاذ الدكتور شوقي علام للقول بالإباحة بعد عرض الخلاف عن طريق القاعدة الفقهية: «من ابتلي بشيء من الخلاف فليقلد من أجاز»([68])؛ يقول الأستاذ الدكتور علي جمعة: «يجب على كل مسلم أن يدرك أن الربا قد حرمه الله I، وأنه متفق على حرمته، ويجب عليه أن يدرك أن أعمال البنوك اختلف في تصويرها وتكييفها والحكم عليها والإفتاء بشأنها، وأن يدرك أن الخروج من الخلاف مستحب، ومع ذلك فله أن يقلد من أجاز، ولا حرمة عليه حينئذ في التعامل مع البنك بكافة صوره أخذًا وإعطاء وعملًا وتعاملًا ونحوها»([69]). وما قاله الأستاذ الدكتور علي جمعة هو عين ما قاله الأستاذ الدكتور شوقي علام([70]).

سؤال: قد يثور التساؤل عن وجه الاختلاف بين الاتجاهين السابقين مع أن كلا منهما أفتى بالإباحة؟

للإجابة عن هذا السؤال نقول: إنه وإن كانت النتيجة واحدة وهي الإفتاء بالإباحة إلَّا أن هناك اختلافًا في الطريق الموصل إليها، وبيانه في النقاط التالية:

  • أصحاب الاتجاه الأول كان الخلاف عندهم في التكييف واقعًا بين كونها قرضًا من ناحية ومعاملة مستحدثة لم يرد ما يمنعها أو مضاربة صحية من ناحية أخرى، بينما أصحاب الاتجاه الثاني فقد كان الخلاف عندهم في التكييف واقعًا بين كونها قرضًا أو مضاربة فاسدة من ناحية وكونها معاملة مستحدثة لم يرد ما يمنعها من ناحية أخرى.
  • لأصحاب الاتجاه الأول ترجيح في الخلاف الوارد؛ حيث رجحوا القول بأنها من قبيل المضاربات الصحيحة، أما أصحاب الاتجاه الثاني فلم يرجحوا تكييفًا على غيره.
  • الإفتاء عند أصحاب الاتجاه الأول مبني على اختيارهم في مرحلة التكييف، أما الإفتاء عند أصحاب الاتجاه الثاني فمبني على القاعدة الفقهية: «من ابتلي بشيء من الخلاف فليقلد من أجاز».

 

 

المبحث الثاني: المسائل التي لم يتناولها الفقهاء الأقدمون بالبحث والدراسة:

ذكرنا أن مسائل المعاملات المالية التي لم يتناولها الفقهاء الأقدمون بالبحث والدراسة يتم التعامل معها وفق المنهج الآتي:

1-التخريج على أصول وقواعد المذاهب الفقهية الأربعة؛ حيث تُردُّ الفروع الجديدة والنوازل إلى أدلة الفقه التفصيلية والإجمالية، وكذلك القواعد والضوابط الفقهية؛ لاستنباط الحكم واختياره.

والتخريج معناه الاستنباط، والاستنباط دائر بين أمرين:

أحدهما: استنباط حكم في مسألة جديدة سواء أكان استنباطًا مباشرًا من الكتاب والسنة كما يقوم به المجتهد المطلق، أم مقيدًا بأصول وقواعد ونصوص الأئمة كما يقوم به المجتهد المقيد.

ثانيهما: استنباط أصول وقواعد الأئمة من خلال الفروع المنقولة عنهم.

والمناسب للتخريج الذي نقصده: هو الأمر الأول؛ حيث إن غرض الدار من تناول النوازل في المعاملات المالية هو بيان حكمها الشرعي لا استخراج أصول الأئمة من خلال تلك النوازل.

وبالنظر في فتاوى دار الإفتاء المصرية في النوازل في المعاملات نجد دار الإفتاء المصرية اتبعت في أغلبها منهج التخريج على أصول المذاهب الفقهية الأربعة.

وهذه الأصول منها ما هو محل اتفاقٍ بين العلماء، ومنها ما هو مختلفٌ فيه.

فالمتفق عليها هي: الكتاب والسنة والإجماع، والجمهور على اعتبار القياس أصلًا رابعًا([71])، وهذه الأصول الأربعة متفِقَةٌ لا تختلف؛ إذ يوافق بعضها بعضًا ويُصدق بعضها بعضًا؛ لأن الجميع حق، والحق لا يتناقض، كما أن جميع هذه الأصول ترجع إلى الكتاب؛ فالكتاب دل على حجية السنة، والكتاب والسنة دلَّا على حجية الإجماع، وهذه الأصول الثلاثة دلت على حجية القياس؛ لذلك يصح أن يقال: إن مصدر هذه الأصول هو القرآن، باعتبار أنه ما عداه بيان له وفرع عنه ومستند إليه.

وأما المختلف فيها فهي: المصلحة المرسلة، والاستحسان، وسد الذرائع، والعرف، وقول الصحابي، والاستصحاب، وإجماع أهل المدينة، وشرع من قبلنا، والأخذ بأقل ما قيل، والاستقراء.

ولقد كان لهذه الأصول -المتفق عليها والمختلف فيها- أثر كبير في فتاوى دار الإفتاء المصرية في النوازل في المعاملات المالية؛ حيث خرجت الدار كثيرًا من تلك الفتاوى على الأصول المتفق عليها جميعها، وعلى أربعة مما اختلف العلماء فيها، وهي: الاستصحاب، والمصلحة المرسلة، وسد الذرائع، والعرف.

نماذج من تخريج نوازل المعاملات المالية على الأصول المتفق عليها بين المذاهب الفقهية الأربعة:

النموذج الأول: المعاملات المالية التي استُدِل عليها بأدلة من الكتاب أو السنة:

التصرف في فوائد شهادات الاستثمار والوديعة

سُئلت الدار عن شخص حصل على فوائد من شهادات الاستثمار والودائع التي أودعها بالبنك، ويقول: كيف أتصرف في هذه الفوائد التي حصلت عليها؟

فأجابت بقولها: سبيل التخلص من المال الحرام الذي حصل عليه السائل من شهادات الاستثمار والودائع التي أودعها بالبنوك وحصل على ربح هذه الودائع هو إنفاق هذا المال في أوجه خير وبر بالمسلمين؛ كبناء المدارس والمستشفيات وعلى الفقراء، وقد استدل الفقهاء على ذلك بخبر الشاة المَصْلِيّة([72]) التي أمر رسول الله r بالتصدق بها بعد أن قدمت إليه فكلمته بأنها حرام، إذ قال r: «أطعموها الأُسارى». أخرجه العراقي عن أحمد بسند جيد([73])، ولما قامر أبو بكر t المشركين -وكان هذا بأمر رسول الله r قبل تحريم القمار- وجاء أبو بكر بما قامر المشركين به، فقال له رسول الله r: «هذا سحت؛ فتصدقْ به»([74])، والله سبحانه وتعالى أعلم([75]).

توجيه الفتوى:

لما كانت أرباح شهادات الاستثمار حرامًا -على القول الأول في دار الإفتاء المصرية- فإنها في هذه الحالة مال خبيث يجب التخلص منه، وهذا ما أفتى به الشيخ عبد اللطيف حمزة أحد أصحاب القول الأول القائل بحرمة الأرباح، وذهب فضيلته إلى أن التخلص منها بإنفاقها في أوجه الخير والبر بالمسلمين؛ كبناء المدارس والمستشفيات، واستدل على ما ذهب إليه بالسنة النبوية المطهرة والمتمثلة في خبر الشاة المصْلية التي طلب التصدق بها، والقمار الذي كان يفعله سيدنا أبو بكر t في أول الإسلام، وبعد تحريمه طلب منه النبي r أن يتصدق به.

النموذج الثاني: تخريج نوازل المعاملات المالية على القياس:

التعويض عن الضرر الأدبي

سئلت الدار عن: شخص يطالب بتعويض مالي من شخص آخر سبَّه مثلًا أو أهان كرامته فقط دون أن يترتب على ذلك ضرر مادي.

فأجابت بقولها: إذا كان الشخص المسئول عنه قد تعرض لإهانة كرامته؛ بسبب ألفاظ نابية مَعِيبَة وُجهت إليه من شخص آخر، وكانت تلك الألفاظ جارحة لشعوره، ماسة بكرامته، ويتأذى بمثلها أمثاله، وأَشْهَدَ على ذلك- فله أن يرفع أمره إلى القضاء مطالبًا الذي أهان كرامته وأساء إليه بتعويض مالي، وللقاضي أن يسمع حجته، ويحكم بالتعويض المالي متى ثبت ذلك الحق بالبينة إن أنكر المدعى عليه أو ثبت ذلك بإقراره.

ولتلك المسألة شاهد من التاريخ الإسلامي، فقد روي أن النبي r اقترض من أعرابي قرضًا، فلما حل وقت الأداء جاء الأعرابي يطلب الدين وأغلظ على الرسول r في الطلب فاستاء لذلك الصحابة، وهمَّ بعضهم بإيذاء الأعرابي؛ لإساءته الأدب مع رسول الله r، فقال لهم -صلوات الله وسلامه عليه-: «دَعُوهُ فإنَّ لصاحِبِ الحقِّ مَقَالًا»([76])، وأمر بإعطائه أكثر من حقه، وهنا مناط الاستشهاد، وذلك أنه لما همَّ بعض الصحابة بإيذاء الأعرابي وترويعه أمر الرسول r بإعطائه أكثر من حقه؛ تعويضًا ماليًّا له بسبب ما لحقه من الترويع والتخويف، على أن الشخص موضوع السؤال إذا كان قد تعرض للسب الذي هو بمعنى القذف والاتهام بالزنا وما في معناه فذلك له حكم خاص به، ورد بشأنه قول الله تعالى: ﴿ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﴾ [النور: 4، 5] ([77]).

وجه تخريج جواز التعويض عن الضرر الأدبي على القياس:

تعد فتوى التعويض عن الضرر الأدبي للشيخ عبد اللطيف حمزة إحدى الفتاوى التي خُرِّجت على أصل القياس؛ حيث اعتبر الشيخ مسألة التعويض عن الضرر الأدبي شبيهة بالزيادة في العطاء للأعرابي الذي هم الصحابة بإيذائه وترويعه.

وفيما يلي بيان ذلك من خلال مراحل الفتوى:

  • مرحلة التصوير: جاءت صورة السؤال على النحو التالي: شخص تعرض لإهانة كرامته؛ بسبب ألفاظ نابية مَعِيبَة وُجهت إليه من شخص آخر، وكانت تلك الألفاظ جارحة لشعوره، ماسة بكرامته، ويتأذى بمثلها أمثاله.
  • مرحلة التكييف: ذهب الشيخ عبد اللطيف إلى أن الصورة المعروضة تكيف على أنها من قبيل الضرر الأدبي؛ حيث اعتُدي على شخص في كرامته.
  • مرحلة الحكم: التعويض عن الضرر الأدبي([78]) يقاس على الزيادة في العطاء للأعرابي الذي هم الصحابة بإيذائه وترويعه؛ بجامع الأذى في كل.

يؤكد ذلك ما جاء في الفتوى من قولها: «فمناط الاستشهاد أنه لما همَّ بعض الصحابة بإيذاء الأعرابي وترويعه أمر الرسول r بإعطائه أكثر من حقه؛ تعويضًا ماليًّا له بسبب ما لحقه من الترويع والتخويف».

  • مرحلة الفتوى: بعد التكييف والحكم أفتى الشيخ بجواز أخذ التعويض عن الضرر الأدبي الذي تعرض له صاحب السؤال.

نماذج من تخريج نوازل المعاملات المالية على الأصول المختلف فيها بين المذاهب الفقهية الأربعة:

النموذج الأول: تخريج نوازل المعاملات المالية على سد الذرائع:

وسد الذرائع أصل من أصول الشريعة الإسلامية، وحقيقته: منع المباحات التي يتوصل بها إلى مفاسد أو محظورات.

ومن نماذج الفتاوى التي خُرِّجت على أصل سد الذريعة: التعامل بالفوركس([79]): 

سئلت الدار عن حكم الشرع في مبادلة العملات الأجنبية في عدد من الأسواق العالمية؛ حيث يدفع العميل مبلغًا من العملات الأجنبية يقوم بإيداعه لوسيط، هو شركة سمسرة أو بنك أو غير ذلك، ويقوم الوسيط في المقابل بإضافة مبلغ من العملات لرفع مقدار ذلك الرصيد المُودَع في حسابه؛ وذلك لتعظيم القدر المالي الذي يدفعه المتعامل لزيادة نسبة المتاجرة في صفقات التبادل، وقد يصل المقدار الذي يضعه الوسيط في حساب العميل من خمسين ضعفًا إلى خمسمائة ضعف مما أودعه المستثمر في حساب هذه الصفقة، ويقوم الوسيط بمبادلتها بعملات أخرى لصالح هذا العميل.

فأجابت بقولها: معاملة الفوركس حرام شرعًا… ومما يدل على تحريم هذه المعاملة أنها تشتمل على كثير من المخالفات الشرعية الأخرى؛ وأهمها:

1- جهالة العملاء الممارسين لهذه المعاملة للقواعد المهنية التي يجب اتباعها لتخفيف احتمالات الخسائر.

2- ممارسة هذه المعاملة تشهد بعدم قدرة العملاء على متابعة العمليات المنفذة، بما يجعلهم لا يستطيعون القيام بالمراقبة التي تسمح لهم بالتأكد من تنفيذ البنك أو السمسار لعملية المضاربة في الأوقات التي تم فيها إصدار الأمر لهم بالشراء؛ وهذا يرجع لارتفاع مقابل تأجير الشاشات التي تسمح للعملاء بذلك، بجانب أن كثيرًا من الشاشات التي تتوفر للعملاء تكون مجرد شاشات محاكاة للشاشات الأصلية بما يعني وجود فارق زمني بين هذه الشاشات والشاشات الأصلية، وهذه المعاملة يعدُّ عنصرُ الوقت من أهم العناصر فيها؛ مما يقتضي أن الخلل فيه سيؤثر بلا شك على ممارستها على الوجه الصحيح.

3- أن العميل ليس لديه سبيل يستطيع الاعتماد عليه في معرفة مهنية السماسرة العاملين في هذه المعاملة إلا بالتعامل معهم؛ بحيث يكون التعاقد معهم مبنيًّا بدرجة كبيرة على الثقة فيهم دون وجود قواعد مهنية يمكن التحاكم إليها.

4- تهدد هذه المعاملة اقتصاديات الدول بصورة واضحة كما سبق أن ذكرنا؛ فمن الممكن أن يؤثر يومُ عملٍ في سوق العملات على عملة دولة، وما وقع في الثمانينيات في دول شرق آسيا شاهد على ذلك.

5- عدم توفر الحماية القانونية في كثير من الدول للمتعاملين بهذه المعاملة؛ حيث يحصل السماسرة على تراخيص مستخرجة من دول أجنبية، كما هو الحال في معظم السماسرة في مصر الذين يحصلون على تراخيص شركاتهم من قبرص؛ بما يعني عدم قدرة العميل على مقاضاة السمسار إذا خالف أوامر العميل أو ارتكب خطأ مهنيًّا جسيمًا ترتب عليه خسارةُ العميل.

6- واقع المعاملة يكشف عن نوع خفي من التغرير بالعملاء؛ وهو أن السمسار الذي يجمع الأموال من العملاء يظهر وكأنه هو المضارب بنفسه، مع أنه ليس إلا مجرد وكيل لسمسار آخر، فإذا وقع أي خلل كان العميل غير قادر على الوصول بأي سبيل لحقه في الضمان، والله سبحانه وتعالى أعلم([80]).

وجه تخريج حرمة الفوركس على سد الذرائع:

تعد فتوى الفوركس للأستاذ الدكتور «شوقي علام» من أهم المسائل التي تناولتها دار الإفتاء بالبحث والتأمل؛ حيث استعانت دار الإفتاء فيها بأهل الخبرة من الاقتصاديين وغيرهم في تصور هذه المسألة([81])، وانتهت الدار في هذه الفتوى إلى حرمة هذا التعامل.

وفيما يلي بيان ذلك من خلال مراحل الفتوى:

  • مرحلة التصوير: جاءت صورة التعامل على النحو التالي: يدفع العميل مبلغًا من العملات الأجنبية يقوم بإيداعه لوسيط، هو شركة سمسرة أو بنك أو غير ذلك، ويقوم الوسيط في المقابل بإضافة مبلغ من العملات لرفع مقدار ذلك الرصيد المُودَع في حسابه؛ وذلك لتعظيم القدر المالي الذي يدفعه المتعامل لزيادة نسبة المتاجرة في صفقات التبادل، وقد يصل المقدار الذي يضعه الوسيط في حساب العميل من خمسين ضعفًا إلى خمسمائة ضعف مما أودعه المستثمر في حساب هذه الصفقة، ويقوم الوسيط بمبادلتها بعملات أخرى لصالح هذا العميل.
  • مرحلة التكييف: يقول الدكتور شوقي في تكييف المعاملة بعد أن أصلها تأصيلًا ماتعًا: «والتحقيق أن معاملة الفوركس مركبة من أربعة عقود، وهي: عقدان جديدان: أحدهما من عقود السمسرة، وثانيهما من عقود التمويل، وعقدان قديمان من العقود المسماة في الفقه الموروث هما: رهن وبيع، وهذا العقد بهذا التركيب من العقود المستحدثة التي لم يرد ذكرها في الفقه الموروث».
  • مرحلة الحكم: ذكر الدكتور شوقي أن اجتماع هذه العقود الأربعة في هذه المعاملة يجعلها غير صحيحة؛ لما تشتمل عليه من الغرر والضرر.

أما الغرر: فقد اتفق الاقتصاديون وخبراء المال على أن معاملة الفوركس قد حوت أكبر قدر من الغرر في العقود المالية الحديثة على الإطلاق، وأنها أصبحت بذلك أشبه بالمقامرة التي تؤدي إلى الخراب المالي على مستوى الأفراد والجماعات والمؤسسات؛ لِمَا تحويه من المخاطرة الكبيرة التي تشتمل عليها هذه المعاملة في أصلها؛ حيث تعدُّ أشدَّ المعاملات في الأسواق المالية خطورة، وتزداد احتمالات الخطورة ضراوة عند ممارسة هذه المعاملة مع الرافعة المالية؛ بحيث تصبح ضربًا من المجازفة التي لا يستطيع معها أحد توقع حجم الخسائر التي تلحق بالعميل.

وأما الضرر: فلِما اشتملت عليه هذه المعاملة من ضرر بالغ يتمثل في إذعان([82]) العميل بتحمله الكامل لنتائج هذه المعاملة شديدة المخاطرة دون أدنى مسئولية على البنك أو السمسار.

  • مرحلة الفتوى: بعد العرض السابق أفتى الدكتور شوقي علام بحرمة التعامل بالفوركس بالصورة المذكورة، وكانت الحرمة مأخوذة من عدة أمور، ومنها سد الذريعة؛ يؤكد ذلك قوله في الفتوى: «… ومما يدل على تحريم هذه المعاملة أنها تشتمل على كثير من المخالفات الشرعية الأخرى، وأهمها:

1- أن العميل ليس لديه سبيل يستطيع الاعتماد عليه في معرفة مهنية السماسرة العاملين في هذه المعاملة إلا بالتعامل معهم؛ بحيث يكون التعاقد معهم مبنيًّا بدرجة كبيرة على الثقة فيهم دون وجود قواعد مهنية يمكن التحاكم إليها.

2- تهدد هذه المعاملة اقتصاديات الدول بصورة واضحة؛ فمن الممكن أن يؤثر يومُ عملٍ في سوق العملات على عملة دولة، وما وقع في الثمانينيات في دول شرق آسيا شاهد على ذلك.

3- عدم توفر الحماية القانونية في كثير من الدول للمتعاملين بهذه المعاملة؛ حيث يحصل السماسرة على تراخيص مستخرجة من دول أجنبية، كما هو الحال في معظم السماسرة في مصر الذين يحصلون على تراخيص شركاتهم من قبرص؛ بما يعني عدم قدرة العميل على مقاضاة السمسار إذا خالف أوامر العميل أو ارتكب خطأ مهنيًّا جسيمًا ترتب عليه خسارةُ العميل».

النموذج الثاني: تخريج نوازل المعاملات المالية على العرف والعادة:

فالمتتبع لفتاوى دار الإفتاء المصرية يجدها تراعي الأعراف والعادات عند النظر في النوازل الفقهية الجديدة أو في الاختيار الفقهي من بين الأقوال الفقهية؛ فتختار للفتوى القول المتوافق مع عرف وعادة صاحب الحال؛ إعمالًا للقاعدة الفقهية «العادة محكمة».

مسألة خلو الرجل:

من المفتين الذين اعتبروا العرف في موضع الاستدلال الأستاذ الدكتور «علي جمعة» كما في فتوى خلو رجل([83]):

فقد سئل عن أولاد كانوا يسكنون مع والدهم في شقة بالإيجار، وقد توفي الوالد وكان قد ترك قطعة أرض فضاء قاموا ببنائها لمسكن مناسب في بلدهم وانتقلوا إليه وأغلقوا الشقة، وجاء صاحب الشقة وطلب الشقة وأعطاهم مبلغًا من المال مقابل التنازل عن العقد.

فأجاب بقوله: إن ما يؤخذ اليوم مما يسمى بـ«الفروغ» أو خلو الرجل أو اليد لا مانع منه شرعًا في تقديري، فللمالك المؤجر أن يأخذ من المستأجر مقدارًا مقطوعًا من المال مقابل الخلو أو الفروغ، ويعد المأخوذ جزءًا معجلًا من الأجرة المشروطة في العقد.

وأما ما يدفع في المستقبل شهريًّا أو سنويًّا فهو بالإضافة إلى ما تم تعجيله يعد جزءًا آخر مكملًا من الأجرة مؤجل الوفاء.

وأما ما يأخذه المستأجر من الفروغ مقابل تنازله عن اختصاصه بمنفعة العقار المأجور لشخص آخر يحل محله فهو جائز أيضًا إذا كانت مدة الإجارة باقية…، وفي واقعة السؤال فإنه يجوز أخذ مقابل إذا ما تبقى من عقد الإيجار مدة ولو كانت بقوة القانون؛ لأن القانون ينزل منزلة العرف، ومعلوم أن المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا([84]).

وجه الاستدلال على جواز خلو الرجل بالعرف:

ذهب الأستاذ الدكتور علي جمعة إلى جواز أخذ المستأجر مبلغًا من المال من المالك لترك العين المستأجرة ما دامت مدة الإجارة باقية، ومن الأدلة التي استشهد بها على ما ذهب إليه «العرف».

وفيما يلي بيان ذلك من خلال مراحل الفتوى:

مرحلة التصوير: جاءت صورة السؤال على أنها تنازل عن عقد الإيجار المفتوح مقابل مبلغ مالي.

مرحلة التكييف: اعتبر الدكتور علي جمعة خلو الرجل من قبيل تنازل المستأجر عن اختصاصه بالمنفعة.

مرحلة الحكم: التنازل عن الاختصاص بالمنفعة جائز شرعًا إذا كانت مدة الإجارة باقية، وإلا كان غصبًا حرامًا، ومن الأدلة على ذلك:

  • العرف؛ حيث إن القانون المصري ذهب إلى أن منفعة عقد الإيجار القديم لا تنتهي بموت المستأجر([85]) وهو ينزل منزلة العرف، كما أن العرف قد جرى على الفراغ بعوض([86]).
  • التخريج على قول الشافعية بجواز التعويض عن الاختصاص؛ حيث يقول الشيخ الشرواني الشافعي: «لا يبعد اشتراط الصيغة في نقل اليد في الاختصاص، ولا يبعد جواز أخذ العوض على نقل اليد فيه كما في النزول عن الوظائف»([87]).

مرحلة الفتوى: بعد تكييف المسألة على أنها تنازل عن الاختصاص بعوض وأنه جائز أفتى الدكتور علي جمعة بجواز الحصول على المبلغ المالي كعوض مقابل التنازل عن عقد الإيجار([88]).

فالدكتور علي جمعة فيرى أن الإجارة وإن كانت واردة على المنفعة إلا أن اختصاص المستأجر بالمنفعة لا يزال مستمرًّا، فإن أراد أن يتنازل عن اختصاصه بهذه المنفعة بعوض فله ذلك، وعليه فالعرف السائد ليس مخالفًا للشريعة.

2-تخريج نوازل المعاملات المالية على القواعد الفقهية:

قرر الفقهاء أنه ينبغي لمن يُنصِّب نفسه للقضاء والفُتيا أن يكون ملمًّا بالقواعد الفقهية قادرًا عليها؛ حتى يتمكّن من الإحاطة بكثير من الفروع الفقهية والقضائية.

ففهم القواعد وحفظها يساعد الفقيه والمفتي على استنباط الأحكام ويطلعه على حقائق الفقه ومآخذه، ويُمَكّنه من تخريج الفروع بطريقة سليمة، ويجعله قادرًا على استنباط الحلول للوقائع الجديدة.

ولقد كان للقواعد الفقهية أثر كبير في فتاوى دار الإفتاء المصرية؛ خاصة ما يتعلق بالنوازل في المعاملات الماليّة.

وقد اعتبر مفتو دار الإفتاء المصرية القواعد الفقهية في التخريج والاستنباط، ومن أبرز القواعد الفقهية التي استنبط من خلالها حكم النوازل في المعاملات المالية:

– القاعدة الأولى: الأمور بمقاصدها.

– القاعدة الثانية: الضرر يُزال.

– القاعدة الثالثة: الضرورات تبيح المحظورات.

– القاعدة الرابعة: إذا اجتمع الحلال والحرام غُلِّب الحرام.

– القاعدة الخامسة: الحرمة إذا لم تتعين حلَّت.

     – القاعدة السادسة: إذا توسطت السلعة فلا ربا.

نماذج الفتاوى المخرجة على القواعد الفقهية:

النموذج الأول: التعامل في البورصة([89])

سُئلت الدار عن حكم شراء وبيع الأسهم([90]) في البورصة المصرية.

فأجابت بقولها: البورصة ما هي إلا سوق للأوراق المالية والمعاملات التجارية.

وبناء على ذلك: فإن التعامل في البورصة بشراء أو بيع أسهم الشركات التي تتعامل فيما أحله الله تعالى جائز شرعًا([91])، بشرط أن يكون الشراء أو البيع بقصد المشاركة في التجارة أو الصناعة، أما إذا كان بقصد المضاربة على هذه الأسهم([92]) فلا يجوز شرعًا([93]).

وجه ارتباط الفتوى بالمنهج:

اعتبر الدكتور علي جمعة قصد السائل من شراء الأسهم الأصلَ الذي تُبنى عليه الفتوى؛ فإن كان القصد صحيحًا -كالمشاركة في التجارة والصناعة- فالتعامل جائز شرعًا، وإن كان القصد فاسدًا -كالمضاربة التي تعني المقامرة على الأسهم- فالتعامل حرام، واعتبار القصد في حقيقته عمل بالقاعدة الفقهية الكلية الكبرى «الأمور بمقاصدها».

النموذج الثاني: التجارة في أشجار الكروم

سئلت الدار عن حكم العمل في أشجار الكروم -العنب- التي يصنع منها الخمر؛ تقليمها وجني ثمارها.

فأجابت بقولها: إذا كانت نوعية كروم العنب التي تعمل فيها خاصّةً بصناعة الخمر ولا يمكن أكله أو عصره كشراب فاكهة طبيعية، فالعمل في هذه الحقول حرام؛ لأنه عمل في مرحلة من مراحل صناعة الخمر، أما إذا كان العنب يصلح للأكل وللعصير وللخمر فلا بأس من العمل في زراعته وتقليمه وجنيه، وعلى كل حال إذا كنت مضطرًا لهذا العمل ولا تجد غيره فيمكنك الاستمرار، ولكن عليك أن تبحث وتجِدّ في الحصول على عمل آخر وتعتبر هذه حالة ضرورة، والضرورة تقدر بقدرها([94]).

وجه ارتباط الفتوى بالقاعدة:

ذهب الدكتور أحمد الطيب إلى أن أشجار عنب الكروم إذا كانت لا تصلح إلا لصناعة الخمور فإن العمل فيها يكون حرامًا، وإذا كان الإنسان لا يجد عملًا آخر وكان مضطرًا إليه فلا مانع من الاستمرار في هذا العمل إلى أن يجد بديلًا عنه، وذلك تخريجًا على القاعدة الفقهية «الضرورات تبيح المحظورات».

النموذج الثالث: بيع أجهزة استقبال الأقمار الأوربية

سئلت الدار عن حكم شراء وبيع أجهزة استقبال الأقمار الصناعية.

فأجابت بقولها: أجهزة استقبال الأقمار الصناعية ومستلزماتها من ريسيفر وأطباق استقبال وغيرها عبارة عن أدوات تعين المشاهد على متابعة ما يدور حوله في مختلف البلاد القريبة والبعيدة والتعرف على أخبارها، وكذلك متابعة ما تبثه القنوات الفضائية في هذه البلاد من برامج مختلفة وكذلك مواد تليفزيونية متباينة منها ما هو جيد ومنها ما هو رديء، والمشاهد هو الذي يقوم باختيار ما يراه على هذه القنوات، وهو أمين على نفسه في أمر الاختيار بين الطيب والخبيث، وقد تقرر شرعًا أن الحرمة إذا لم تتعين حلت، وعليه فكل ما كان ذا استعمالين جاز بيعه والاتجار فيه، وتكون مسئوليته على المستعمل، فإن استعمله في الحلال فحلال، وإن استعمله في الحرام فعليه الحرمة([95]).

3-اعتبار مقاصد الشريعة:

والمقصود بمقاصد الشريعة: المعاني والأهداف الملحوظة في جميع أحكامه أو معظمها، أو هي الغاية من الشريعة والأسرار التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكامها([96]).

واعتبار مقاصد الشريعة في فتاوى النوازل في المعاملات المالية يأتي على نوعين:

الأول: اعتبار المقاصد في الاختيار الفقهي لحكم نوازل المعاملات المالية.

الثاني: اعتبار المقاصد في تخريج واستنباط حكم نوازل المعاملات المالية.

أ-اعتبار المقاصد في الاختيار الفقهي لحكم نوازل المعاملات المالية:

إن من الأسباب التي تجعل المفتي يختار قولًا من الأقوال ويقدمه على غيره أن يكون محققًا لمقصد من مقاصد الشريعة، وهذا قد يجعل المفتي يغير من اختياره الفقهي من وقت لآخر؛ فما يصلح في زمان ويكون محققًا لمقاصد الشريعة قد يتغير فيكون التمسك به مناقضًا لها.

وبالنظر في الفتاوى الصادرة عن دار الإفتاء المصرية في المعاملات المالية نجد الاختيار الفقهي من أقوال الفقهاء أحد أركان المنهج الذي سارت عليه عند تناولها لتلك المسائل، وأن لمقاصد الشريعة أثرًا كبيرًا في تلك الاختيارات؛ حيث تختار من الأقوال الواردة -وإن كان مرجوحًا- ما يكون محققًا لمقصد من مقاصد الشريعة ما لم يصادم نصًّا مقطوعًا به.

وفيما يلي نموذج من الفتاوى التي كان الاختيار الفقهي فيها راجعًا إلى مقاصد الشريعة:

إجارة الشجر

فقد سئلت الدار عن حكم الشرع في شراء التمور على رءوس النخيل -التحضير- قبل انطلاق الموسم في فترة اخضرار التمور؛ أي قبل نضوجها، علمًا بأنها يمكن أن تتعرض لعدة آفات منها الأمطار والحرارة وغيرها مما يجعلها عرضة لفشل عملية التأبير خلال هذه الفترة إلى أن تصبح تمرًا صالحًا للأكل.

فأجابت بقولها: مثل هذا لا يصح بيعًا؛ لأن الشرع قد نهى عن بيع الثمرة قبل بُدُوِّ صلاحها، ولا يصح سَلَمًا؛ لأن المسلَم فيه ليس موصوفًا في الذمة بل هو موجود، وإنما يمكن أن يصح على وجه استئجار الشجر؛ فيؤجر المزارع أرضه التي فيها النخل للتاجر مدة معينة بأجرة معلومة؛ فيأخذها التاجر كما هي في الوقت الذي يتفق عليه مع المزارع لمدة معلومة، ويتكفل بكل شيء فيها، ولا علاقة للمزارع صاحب الأرض بأي شيء يحصل في الثمرة خلال هذه المدة.

والقول بصحة استئجار الشجر هو مذهب حرب الكرماني([97]) وأبي الوفاء بن عقيل من الحنابلة، واختيار الشيخ ابن تيمية.

وبناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنه يجوز لأصحاب النخيل وغيرها من الشجر أن يأخذوا بهذا القول لحاجة الناس إليه([98]).

وجه اختيار حل استئجار الشجر بالمقاصد:

ذهب الدكتور علي جمعة إلى جواز التعامل المذكور تحت مسمى استئجار الشجر، وذلك عن طريق الاختيار الفقهي، بناء على المقاصد. حيث علل اختياره بقوله: «يجوز لأصحاب النخيل وغيرها من الشجر أن يأخذوا بهذا القول لحاجة الناس إليه».

ب-اعتبار المقاصد في تخريج واستنباط حكم نوازل المعاملات المالية:

يأتي الاعتبار الثاني للمقاصد عند دار الإفتاء المصرية في فتاوى النوازل في المعاملات المالية في معرِض التخريج والاستنباط؛ حيث تستنبط الدار أحكام بعض نوازل المعاملات المالية عن طريق المقاصد؛ فترد النازلة إلى المقصد الذي تندرج تحته.

وإذا كان العلماء قد قرروا أن المقاصد لا يمكن أن تكون بمفردها دليلًا مستقلًّا تستنبط منه الأحكام، فإنه يمكن القول بأن ذكر الدار لمقاصد الشريعة في الفتوى في معرِض التخريج والاستنباط أشبه ما يكون بذكر القواعد الفقهية المتفق على حجيتها في معرِض التخريج والاستنباط؛ فهي في أصلها ضوابط تكشف عن معاني مستنبَطة من النصوص وتجمعها في قواعد عامة تُعين الفقيه وتوجِّهه في عملية الاستنباط، كما أنها يمكن أن تستخدم في بعض الحالات في استنباط بعض الأحكام والحُكْم على بعض الوقائع، خاصة فيما لا يوجد فيه نص خاص، لا لأنها في نفسها دليل مستقل، وإنما لكونها مستقاة من دليل.

وفيما يلي نموذج من الفتاوى التي اعتبرت الدار المقاصد فيها في معرِض التخريج والاستنباط:

أذون الخزانة([99]):

سئلت الدار عن الحكم الشرعي للتعامل في أذون الخزانة التي يقوم بإصدارها البنك المركزي المصري لحساب وزارة المالية؛ حيث إن الغرض من إصدارها دعم الوعي الادخاري لدى جمهور المتعاملين وتمويل خطة التنمية في الدولة، وتمويل عجز الموازنة، أي: تمويل العجز عن طريق مدخرات حقيقية بدلًا من تمويل العجز بطبع بنكنوت مما يزيد مشكلة التضخم، وأن وزارة المالية هي التي تتحمل ما يغله الاستثمار في هذا الوعاء الاستثماري، وأن نسبة العائد تتخذ من الاستثمار في الأذون مقدمًا.

فأجابت بقولها: حيث إن الأغراض التي صدرت من أجلها هذه الأذونات أغراض شريفة ونافعة؛ إذ لا يشك عاقل في أن دعم الوعي الادخاري لدى أبناء الأمة، وتمويل خطة التنمية في الدولة، وسد النقص في عجز الموازنة، والعمل على تقليل نسبة التضخم وعلى الاستغناء عن الاقتراض من الجهات الخارجية… إلخ، كل ذلك من المقاصد التي حضت عليها شريعة الإسلام وأمرت أتباعها بتحقيقها؛ لما فيها من وجوه الخير التي تساعد الأمة على التقدم والرقي، وحيث إن تحديد نسبة الربح أو العوائد مقدمًا لا يوجد ما يمنع منه شرعًا ما دام هذا التحديد قد تم بالتراضي المطلق والمشروع بين طرفي التعامل، وحيث إن هذه المعاملة أيضًا خالية من الغش والخديعة والاستغلال ومن كل ما حرمه الله تعالى، ونافعة للأفراد والجماعات؛ لذا فدار الإفتاء المصرية ترى أن التعامل في أذون الخزانة حلال، والأرباح التي تأتي عن طريقها حلال، والله سبحانه وتعالى أعلم([100]).

وجه تخريج واستنباط جواز أذون الخزانة بالمقاصد:

ذهب الأستاذ الدكتور محمد سيد طنطاوي في هذه الفتوى إلى إباحة أذون الخزانة؛ وذلك تخريجًا على مقاصد الشريعة، حيث بدأ فتواه ببيان أن هذه الأذون تساعد على دعم الوعي الادخاري لدى أبناء الأمة، وتمويل خطة التنمية في الدولة، وسد النقص في عجز الموازنة، والعمل على تقليل نسبة التضخم وعلى الاستغناء عن الاقتراض من الجهات الخارجية.

ثم بيَّن الشيخ رحمه الله تعالى أن كل هذه الأمور التي تساعد عليها أذون الخزانة من المقاصد التي حضت عليها شريعة الإسلام وأمرت أتباعها بتحقيقها؛ لما فيها من وجوه الخير التي تساعد الأمة على التقدم والرقي، ثم بين منهجه في تحديد نسبة الربح مقدمًا وأنه جائز، وعلى ذلك أفتى بجواز أذون الخزانة مراعاة لمقاصد الشريعة.

4-استحداث عقود جديدة غير المسماة في الفقه:

لقد تعارف الناس قديمًا عقودًا مشهورة في الفقه الإسلامي؛ كالبيع، والمضاربة، والسلم، والإجارة، والرهن، وغيرها، وكانت هذه العقود محققة لحاجاتهم ومعرِّفة لحقوقهم والتزاماتهم، غير أن حياة الناس في تطور مستمر، ومصالحهم في تشابك متزايد، ومجتمعاتهم في تطور ونمو متواصل، الأمر الذي يجعل تلك العقود المشهورة غير كافية لتحقيق مصالح الناس، فلا تقف الشريعة الإسلامية عائقًا أمام مصالح الناس بل تجيز استحداث عقود جديدة؛ إذ الشريعة الغراء تراعي أحوال الناس وتقر كل ما من شأنه تحقيق مصالحهم.

وتتبنى دار الإفتاء المصرية رأي جمهور الفقهاء الذي يذهب إلى جواز استحداث عقود جديدة وعدم التقيد بالعقود المسماة في الفقه الإسلامي، فهذا قول جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة([101])، واختاره ابن تيمية([102]).

وقد استدلوا على ذلك بأدلة من الكتاب والسنة والاستصحاب:

فمن الكتاب:

1-قوله تعالى: ﴿ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﴾ [المائدة: 1].

2-قوله تعالى: ﴿ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﴾ [الإسراء: 34].

وجه الدلالة من الآيتين: أن الله I أوجب الوفاء بكل عقد دون استثناء، وهذا يدل على أن تحريم شيء من العقود والشروط التي يتعامل بها الناس تحقيقًا لمصالحهم بغير دليل شرعي تحريم لم يحرِّمه الله تعالى؛ فيكون الأصل في العقود والشروط هو الإباحة([103]).

ومن السنة:

ما روي أن النبي r قال: «المسلمون على شروطهم إلا شرطًا حرم حلالًا أو أحل حرامًا»([104]).

وجه الدلالة من الحديث: هذا الحديث يدل على جواز الصلح والشروط مطلقًا، إلا ما خالف الشرع، وهذا ينطبق على كل العقود قديمها وحديثها، فيحكم على ما كان فيها من شروط بالجواز ما لم تكن شروطًا جائرة محرمة؛ مما به يعلم صلاحية هذه الشريعة لكل زمان ومكان([105]).

 ومن الاستصحاب:

استدل الجمهور أيضًا على جواز استحداث العقود بالاستصحاب؛ فهناك فرق بين العبادات والمعاملات: أما العبادات فيجب ورود الشرع بها، وأما المعاملات -ومنها العقود- فلا تتطلب ورود الشرع بها، فيكفي في صحتها ألا تحرمها الشريعة؛ استصحابًا للمبدأ الأصولي، وهو أن الأصل في الأفعال والأقوال والأشياء هو الإباحة؛ لأن القصد من المعاملات رعاية مصالح الناس، فكل ما يحقق مصالحهم يكون مباحًا([106]).

وهذا الرأي هو الراجح؛ تيسيرًا على الناس، ورفعًا للحرج عنهم؛ حيث إن المعاملات التجارية قد اتسع أفقها، وتعددت أنواعها ووسائلها، فوجدت عقود لم تكن من قبل، ولو توقف المسلمون عند العقود القديمة لتعطلت كثير من مصالح الناس ووقعوا في حرج شديد، وهذا يخالف مقصدًا من مقاصد الشريعة الإسلامية وهو رفع الحرج عن المكلفين.

وترى دار الإفتاء المصرية أنه يشترط لجواز استحداث عقود جديدة غير المسماة في الفقه الإسلامي أن تكون خالية من الغرر والضرر، ومحققة لمصالح أطرافها؛ فإن اشتملت العقود على الغرر أو الضرر أو لم تكن محققة لمصالح أطرافها فهي غير مأذون فيها شرعًا.

نماذج من فتاوى المعاملات المالية التي اعتبرتها الدار عقودًا مستحدثة:

النموذج الأول: أذون الخزانة:

سئلت الدار عن حكم الشرع في الاستثمار في أذون الخزانة المصرية.

فأجابت بقولها: أذون الخزانة هي نوع من الأوراق المالية التي يقوم بإصدارها البنك المركزي لحساب وزارة المالية، أي أن البنك يكون وسيطًا بين الأشخاص والدولة، وتتميز بأنها قصيرة الأجل لا تزيد غالبًا على عام، ويصدر إذن الخزانة عادة بخصم إصدار؛ أي أنه يباع بأقل من قيمته الاسمية، وتلتزم الحكومة دفع القيمة الاسمية للإذن كاملة في تاريخ الاستحقاق، والفرق بين القيمة الاسمية والمبلغ المدفوع في الإذن هو مقدار العائد الذي يجنيه المستثمر. والهدف من إصدارها كما هو مقرر في علم الاقتصاد: هو دعم الوعي الادخاري لدى جمهور المتعاملين، وتمويل خطة التنمية في الدولة، وتمويل عجز الموازنة؛ مما يقلل من مشكلة التضخم المالي في الدولة، ويُجنِّب مشكلات إصدار البنكنوت وزيادة كمية المعروض منه في المجتمع، وما يترتب عليه من زيادة في الأسعار وظلم بَيِّنٍ لمحدودي الدخل؛ فهو من قبيل السياسات النقدية التي لا بد منها مع جَعْل وسيط التبادل بين الناس هذه الأوراق المطبوعة، والخروج عن قاعدة ربطها بالذهب، وهو ما يُعرَف بـ«التعويم»، والأرباح المقدمة على هذه الأذون إنما هي لتشجيع الأفراد على الاكتتاب فيها… كما أن هذه الأذون إنما هي في الحقيقة عقود تمويل وليست قروضًا؛ لأن القرض عقد إرفاق مبناه على الفضل ومكارم الأخلاق بسد الحاجات وكشف الكُرَب، فإذا كان فيه استغلال الغني لحاجة الفقير بإغراقه في الفوائد وتراكم الديون المركبة كان ظلمًا بيِّنًا، أما إذن الخزانة فهو عقد جديد قائم على تبادل المصالح والمنافع التي سبق الإشارة إليها، والذي عليه العمل والفتوى أنه يجوز إحداث عقود جديدة من غير المُسمَّاة في الفقه الموروث؛ كما رجحه الشيخ ابن تيمية وغيره من الفقهاء…، والله سبحانه وتعالى أعلم([107]).

توجيه اعتبار أذون الخزانة عقدًا جديدًا:

ذهب الأستاذ الدكتور علي جمعة، والأستاذ الدكتور شوقي علام في هذه الفتوى إلى اعتبار أذون الخزانة عقود تمويل جديدة لا تخضع للعقود المسماة في الفقه الإسلامي، وأن الأرباح المقدمة عليها إنما هي لتشجيع الأفراد على الاكتتاب فيها.

وفيما يلي بيان ذلك من خلال مراحل الفتوى:

  • مرحلة التصوير: جاءت صورة أذون الخزانة محل الاستفتاء على أنها: نوع من الأوراق المالية يقوم بإصدارها البنك المركزي لحساب وزارة المالية؛ بحيث يكون البنك وسيطًا بين الأشخاص والدولة، وهي قصيرة الأجل لا تزيد غالبًا على عام، وتباع بأقل من قيمتها الاسمية، وتلتزم الحكومة دفع القيمة الاسمية للإذن كاملة في تاريخ الاستحقاق، والفرق بين القيمة الاسمية والمبلغ المدفوع في الإذن هو مقدار العائد الذي يجنيه المستثمر.

والهدف من إصدارها هو دعم الوعي الادخاري لدى جمهور المتعاملين، وتمويل خطة التنمية في الدولة، وتمويل عجز الموازنة؛ مما يقلل من مشكلة التضخم المالي في الدولة، ويُجنِّب مشكلات إصدار البنكنوت وزيادة كمية المعروض منه في المجتمع، وما يترتب عليه من زيادة في الأسعار وظلم بَيِّنٍ لمحدودي الدخل.

  • مرحلة التكييف: جاء تكييف أذون الخزانة على أنها عقود تمويل جديدة، ويرجع السبب في ذلك إلى كون أحد طرفيها شخصًا اعتباريًّا وهو الدولة، فهو تمويل ثلاثي الأطراف، وأطرافه هي: مموِّل ومتمثل في الأشخاص، ومموَّل ومتمثل في الدولة، ووسيط ومتمثل في البنك المركزي.
  • مرحلة الحكم: جاء الحكم على المسألة من أمرين:

الأول: يجوز استحداث عقود جديدة غير المسماة ما دامت خالية من الغرر والضرر والربا، ومحققة لمصالح أطرافها.

وأذون الخزانة عقود جديدة خالية من الغرر والضرر والربا، ومحققة لمصالح أطرافها؛ فتكون جائزة.

فأما خلوها من الغرر: فيرجع إلى أن الواقع المعيش قد تغير بمجموعة من العلوم الضابطة؛ كدراسات الجدوى، وبحوث العمليات، والإحصاء، والمحاسبة، وتغير فيه كنه الاتصالات والمواصلات والتقنيات الحديثة، الأمر الذي يؤثر في بيان حقيقة الشيء وما تئول إليه؛ فترتفع الجهالة والغبن اللذان يؤديان إلى النزاع بين الناس.

وأما خلوها من الضرر: فإنه لا ضرر لأحد طرفيها؛ إذ الدولة تنتفع بمال التمويل لسد احتياجاتها وغيره كما سبق ذكره، والأشخاص ينتفعون بما تدفعه لهم الدولة من أرباح، بل إن الضرر يوجد في عدم إصدارها.

وأما خلوها من الربا: فيرجع إلى خروج الذهب والفضة من تعامل الناس كوسيطٍ للتبادل، ومخزونٍ للقيمة، ومعيارٍ للأثمان، وكانا مقبولَيْنِ قبولًا عامًّا، وأصبح وسيطُ التبادل يفتقد مِعيارِيَّته للأثمان وخَزْنه للقيمة، فلا يجري الربا في أوراق البنكنوت هذه بعد تعويمها وفصلها عن قاعدة الذهب.

النموذج الثاني: تمويلات الصندوق الاجتماعي:

سئلت الدار عن حكم الشرع في الحصول على قرض من الصندوق الاجتماعي للتنمية للبدء في مشروع، علمًا بأن هذا الصندوق تابع لمجلس الوزراء -أي الحكومة-ويعفي المشاريع المموَّلة من خلاله من الضرائب لمدة ثلاث سنوات، ويحدد فائدة 7% على قيمة القرض في حالة الربح، أمَّا في حالة التعثر فإنه يلغي الفائدة، ويقوم بعمل دراسة جدوى للتأكد من النجاح بإذن الله، هل هذا النوع من القروض حرام أو حلال؟

فأجابت بقولها: عقود التمويل الاستثمارية بين البنوك والهيئات العامة وبين الأفراد أو المؤسسات -والتي يتقرر الصرف فيها بناء على دراسات الجدوى للمشاريع والاستثمارات المختلفة- هي في الحقيقة عقود جديدة تحقق مصالح أطرافها، والذي عليه الفتوى أنه يجوز إحداث عقود جديدة من غير المسمَّاة في الفقه الموروث ما دامت خالية من الغرر والضرر، محققة لمصالح أطرافها، كما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، والله سبحانه وتعالى أعلم([108]).

وبإجابة أخرى قالت: هذا يُكَيَّف شرعًا على أنه عقد تمويلٍ بين الصندوق وبين الطرف القائم على المشروع، وعقودُ التمويل الاستثمارية أو العقارية بين البنوك أو الهيئات أو الجمعيات العامة مِن جهةٍ وبين الأفراد أو المؤسسات والشركات مِن جهةٍ أخرى هي في الحقيقة عقودٌ جديدةٌ تحقق مصالح أطرافها، والذي عليه الفتوى أنه يجوز إحداثُ عقودٍ جديدةٍ مِن غير المُسَمَّاة في الفقه الموروث ما دامت خاليةً مِن الغرر والضرر، محققةً لمصالح أطرافها، كما رجحه الشيخ ابن تيمية الحنبلي وغيره…، ويجب وجوبًا محتمًا عدمُ تسمية هذا العقد بالقرض؛ فإن ذلك يسبب لَبسًا مع قاعدة «كلُّ قرضٍ جَرَّ نَفعًا فهو ربا»، والقرض مِن عقود الإرفاق، أما التمويل فهو مِن عقود المُعَاوَضَة.

وبِناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإذا كان العقد المسئول عنه تمويلًا استثماريًّا مبنيًّا على دراسات الجدوى وحسابات الاستثمار، وكان خاليًا مِن الغرر والضرر، محققًا لمصالح أطرافه فهو جائزٌ ولا حرج فيه شرعًا([109]).

توجيه اعتبار تمويلات الصندوق الاجتماعي عقدًا جديدًا:

ذهب الأستاذ الدكتور علي جمعة، والأستاذ الدكتور شوقي علام إلى جواز التعامل مع الصندوق الاجتماعي للتنمية، وذلك بناء على اعتبار التمويل الذي يقدمه الصندوق عقدًا جديدًا لا يخضع للعقود المسماة، وأرجعا السبب في ذلك إلى كون الصندوق الاجتماعي شخصية اعتبارية، وأن صرف الصندوق للمال لا يتأتى إلا عن طريق تقديم طالب التمويل دراسات الجدوى للمشروع الذي يريد تمويله، ونبها على تسمية هذا التعامل تمويلًا لا قرضًا؛ حيث إن القرض من عقود الإرفاق([110])، والجهة الممولة لم تنشأ للإرفاق وإنما أنشئت لتداول الأموال بحثًا عن الأرباح وهي حقيقة المعاوضة([111]).

5-الاستئناس بقرارات المجامع الفقهية «الاجتهاد الجماعي»:

تستأنس دار الإفتاء المصرية بقرارات المجامع الفقهية «الاجتهاد الجماعي» في فتاوى النوازل في المعاملات المالية، وتذكر غالبًا في فتواها نص قرار المجمع الذي تستأنس به.

وإنما عبَّرنا بـ«الاستئناس» دون «الالتزام»؛ لأن دار الإفتاء المصرية ترى أن قرارات المجامع الإسلامية الفقهية ليست ملزمة؛ لأنها لا تعبر عن الإجماع الأصولي، وإنما تعبر عن رأي الأكثرين من العلماء؛ يدل على ذلك أنه قد صدرت فتاوى عن دار الإفتاء المصرية تخالف مقررات المجامع الفقهية، ومن أشهر هذه الفتاوى: فتوى إباحة أرباح شهادات الاستثمار الصادرة في عهد الأستاذ الدكتور محمد سيد طنطاوي في شهر سبتمبر عام 1989م، واستمرت الفتوى في الدار في هذه المسألة على هذا النحو حتى عام 2002م؛ حيث صدر قرار مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف بحل عائد شهادات الاستثمار البنكية، ومن حين صدوره صارت الدار تستأنس بهذا القرار في فتاويها.

نماذج من فتاوى دار الإفتاء المصرية في النوازل في المعاملات المالية استؤنس فيها بقرارات المجامع الفقهية:

النموذج الأول: بيع المزاد عن طريق موقع إلكتروني

سئلت الدار عن حكم بيع المزاد عن طريق موقع إلكتروني؛ بحيث يشترك العميل في المزاد بشراء رصيد عن طريق بطاقات شحن خاصة بالموقع، مثل بطاقات شحن الهاتف المحمول، ويقوم العميل بإدخال رقم البطاقة ويُحول له رصيد بقيمة البطاقة، وبهذا الرصيد يكون للعميل عدد مرات مزايدة، وقيمة البطاقة هي قيمة عدد مرات المزايدة، ولا علاقة لها بسعر المنتج. ومدة المزادات تكون معلومة وواضحة لكل مزاد: اثنتا عشرة ساعة أو ست ساعات أو ساعتان… إلخ. وفي حالة المزايدة في آخر عشر ثوان قبل انتهاء المزاد يتم إمداد الوقت بقيمة معلومة هي عشرون ثانية، والمزايد لا يقوم بالمزايدة في حال كان هو آخر مزايد. وبعد انتهاء المزاد يكون الرابح هو من قام بآخر عملية مزايدة على المنتج قبل انتهاء مدة المزاد، ويحق له شراء المنتج بالسعر الذي انتهى عليه المزاد.

ولا يحق لأي عميل -حتى الرابح- قام بالمزايدة على المنتج استرداد قيمة بطاقة قام باستخدامها في عملية المزايدة، وإذا رغب العميل غير الرابح في شراء المنتج بسعره الحقيقي الموجود بالأسواق يمكن خصم قيمة بطاقات الرصيد التي قام باستخدامها في عملية المزايدة من سعر المنتج الحقيقي وشراء هذا المنتج.

فأجابت بقولها: إذا كان الحال كما ورد بالسؤال فنفيد بشرعية المشروع المعروض بصوره المتعددة، فهذه صورة بيع المزاد، ولكن بصورة حديثة عن طريق تقنية الشبكة الدولية للمعلومات. وجمهور الفقهاء يجيزون بيع المزاد، ويستندون في ذلك لما رواه أصحاب السنن -وقال الترمذي: حسن- عن أنس بن مالك t: «أن رسول الله r باع حِلسًا وقَدَحًا وقال: مَن يشتري هذا الحلس والقدح؟ فقال رجل: أخذتُهما بدرهم. فقال النبي r: مَن يزيد على درهم؟ من يزيد على درهم؟ فأعطاه رجل درهمين، فباعهما منه»([112]). قال الترمذي: «والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، لم يروا بأسًا ببيع من يزيد في الغنائم والمواريث»([113]).

ويحسن هنا أن نورد ما جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي عن عقد المزايدة، حيث قرر ما يلي:

1- عقد المزايدة: عقد معاوضة يعتمد دعوة الراغبين نداء أو كتابة للمشاركة في المزاد، ويتم عند رضا البائع.

2- يتنوع عقد المزايدة بحسب موضوعه إلى بيع وإجارة وغير ذلك، وبحسب طبيعته إلى اختياري كالمزادات العادية بين الأفراد، وإلى إجباري كالمزادات التي يوجبها القضاء وتحتاج إليه المؤسسات العامة والخاصة والهيئات الحكومية والأفراد.

3- إن الإجراءات المتبعة في عقود المزايدات من تحرير كتابي وتنظيم وضوابط وشروط إدارية أو قانونية يجب ألا تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية.

4- طلب الضمان ممن يريد دخول الشراء في المزايدة جائز شرعًا، ويجب أن يرد لكل مشارك لم يَرسُ عليه العطاءُ، ويحتسب الضمان المالي من الثمن لمن فاز في الصفقة.

5- لا مانع شرعًا من استيفاء رسم الدخول -قيمة دفتر الشروط- بما لا يزيد عن القيمة الفعلية لكونه ثمنًا له.

6- يجوز أن يعرض المصرف الإسلامي أو غيره مشاريع استثمارية ليحقق لنفسه نسبة أعلى من الربح سواء أكان المستثمر عاملًا في عقد مضاربة مع المصرف أم لا.

7- النجش حرام([114])، ومن صوره:

أ) أن يزيد في ثمن السلعة من لا يريد شراءها ليغري المشتري بالزيادة([115]).

ب) أن يتظاهر من لا يريد الشراء بإعجابه بالسلعة وخبرته بها ويمدحها ليغر المشتري فيرفع ثمنها.

ج) أن يدعي صاحب السلعة أو الوكيل أو السمسار ادعاءً كاذبًا أنه دُفعَ فيها ثمنٌ معينٌ ليدلس على من يسوم.

د) ومن الصور الحديثة للنجش المحظورة شرعًا اعتماد الوسائل السمعية والمرئية والمقروءة التي تذكر أوصافًا رفيعة لا تمثل الحقيقة أو ترفع الثمن لتغر المشتري وتحمله على التعاقد([116])، والله سبحانه وتعالى أعلم([117]).

توجيه الفتوى:

ذهب الأستاذ الدكتور علي جمعة إلى جواز بيع المزاد عن طريق موقع إلكتروني، واستأنس بقرار مجمع الفقه الإسلامي في جدة.

النموذج الثاني: حقوق الملكية الفكرية:

سئلت الدار عن الحكم الشرعي فيمَن يقوم بالاعتداء على حقوق الملكية الفكرية؟

فأجابت بقولها: هذه الحقوق ملك لأصحابها، يجري فيها ما يجري في الملك الذي هو حق خالص يختص به صاحبه: من جواز انتفاعه بها على أي وجه من الوجوه المشروعة، وجواز معاوضتها بالمال إذا انتفى التدليس والغرر، وتحريم الانتفاع بها بغير إذنه، وحرمة الاعتداء عليها بإتلافها أو إتلاف منفعتها أو تزويرها أو انتحالها زورًا وكذبًا.

وبذلك صدرت قرارات المجامع الفقهية الإسلامية، فجاء في القرار رقم 5 لمجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في مؤتمره الخامس بالكويت من 1-6 جمادى الأولى 1409هـ ما يأتي:

«أولًا: الاسم التجاري، والعنوان التجاري، والعلامة التجارية، والتأليف والاختراع أو الابتكار، هي حقوق خاصة لأصحابها، أصبح لها في العرف المعاصر قيمة مالية معتبرة لتَمَوُّل الناس لها، وهذه الحقوق يُعتَدُّ بها شرعًا، فلا يجوز الاعتداء عليها.

ثانيًا: يجوز التصرف في الاسم التجاري أو العنوان التجاري أو العلامة التجارية ونقل أي منها بعوض مالي، إذا انتفى الغرر والتدليس والغش، باعتبار أن ذلك أصبح حقًّا ماليًّا.

ثالثًا: حقوق التأليف والاختراع أو الابتكار مصونةٌ شرعًا، ولأصحابها حق التصرف فيها، ولا يجوز الاعتداء عليها، والله أعلم».

وبناءً على ذلك: فإن الاعتداء على حقوق الملكية الفكرية هو أمر محرم شرعًا، وفيه تضييع لحقوق الناس وأكل لأموالهم بالباطل، والله سبحانه وتعالى أعلم([118]).

توجيه الفتوى:

ذهب الأستاذ الدكتور علي جمعة إلى حرمة الاعتداء على حقوق الملكية الفكرية، واستأنس بقرار مجمع الفقه الإسلامي في جدة.

6-الرجوع إلى أهل الخبرة في فتاوى النوازل في المعاملات المالية:

لقد تقرر فقهًا أن الفتوى تمر بمراحل أربعة هي: التصوير، والتكييف، والحكم، وتنزيل الحكم على الواقعة المسئول عنها.

وتُعد «مرحلة التصوير» أولى مراحل الفتوى الأربعة؛ إذ بها تدرك تفاصيل السؤال، فمعلوم أن «الحكم على الشيء فرع عن تصوره»، فلا بد من تصور الشيء قبل الحكم عليه.

ولقد تغير الواقع المعيش -خاصة في المعاملات المالية- تغيرًا شديدًا وكثرت معه النوازل الفقهية، وهذه النوازل منها ما يمكن للمفتي أن يستقل بتصوره وفهمه وإدراكه، ومنها ما لا يمكن له ذلك فيحتاج إلى الرجوع إلى أهل الخبرة والاختصاص في ذلك المجال، لا للحكم عليها من الناحية الشرعية إذ هي مهمته وإنما لإبراز ماهيتها.

المراد بأهل الخبرة:

أهل الخبرة مصطلح عُرف بتعريفات متعددة منها:

  • أقوام من الناس لهم معرفة بشئون الحياة وفنونها في الطب والزراعة… إلخ([119]).
  • أشخاص لهم دراية خاصة بمسألة من المسائل([120]).
  • العالم ببواطن فن من الفنون بحيث يستحق أن ينسب إليه ويعد من أرباب صناعته؛ كالطبيب، والمهندس، والفلكي، والاقتصادي، والكيميائي، ونحوهم من أهل الاختصاص في مجالاتهم([121]).

حكم العمل بقول أهل الخبرة:

الاستعانة بأهل الخبرة والاعتماد على آرائهم وأقوالهم أمر مشروع؛ بل قد يكون متعينًا؛ خاصة في المسائل التي يتعذر على المجتهد إدراك حقائقها والجوانب المؤثرة في حكمها بنفسه؛ كالمسائل الطبية والاقتصادية التي تتسم بالدقة والتعقيد، والقضايا التي تحتاج إلى ملكات خاصة ولا يحسنها إلا أربابها؛ كالخرص([122]) مثلًا([123])، وممن ذهب إلى ذلك من الفقهاء ابن فرحون([124])، وابن جزي([125])، والشيرازي([126])، وابن القيم([127]).

ومشروعية الرجوع إلى أهل الخبرة فيما يشكل أمره ثابتة بالكتاب والسنة:

فمن الكتاب:

  • قوله تعالى: ﴿ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﴾ [الأنبياء: 7].

وجه الدلالة: طلب الله تعالى سؤال أهل الذكر فيما لا يعرفه الناس، ويرى بعض المفسرين([128]) أن أهل الذكر هنا: كل من يُذكرُ بعلم وتحقيقٍ([129])، وهذا دليل على طلب الرجوع إلى أهل الخبرة فيما أشكل على العلماء وغيرهم، والآية وإن كانت نزلت في مشركي مكة إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب([130]).

ومن السنة:

عن عتاب بن أسيد t قال: «أمر رسول الله r: أن يخرص العنب كما يخرص النخل وتؤخذ زكاته زبيبًا»([131]).

وجه الدلالة من الحديث: يدل الحديث على مشروعية الرجوع إلى أهل الخبرة والعمل بقولهم فيما لا يمكن إدراكه؛ حيث إن النبي r أذن في الخرص وهو من عمل أهل الخبرة؛ لأن الخارص يخبر عن تقدير الثمر، وهذا لا يتأتى إلا لخبير عارف([132]).

ومحل عمل أهل الخبرة والاختصاص في الفتوى يكون في «مرحلة التصوير»؛ حيث إن تصوير واقعة السؤال أهم مراحل الفتوى الأربعة؛ إذ ينبني عليها ما بعدها من تكييف وحكم وتنزيل للحكم على الواقعة؛ فالتصوير الدقيق المطابق لواقع النازلة المسئول عنها شرط أساس لصدور الفتوى بشكل صحيح؛ إذ الحكم على الشيء فرعٌ عن تَصَوِّره.

وتقع مسئولية التصوير على السائل أصالة؛ لأنه صاحب الحالة المسئول عنها، ومع ذلك فإن من شأن المفتي أن يتحرى عن المعاملة محل الفتوى بواسطة السؤال عن الجهات الأربع التي تختلف الأحكام باختلافها، وهي: الزمان والمكان والأشخاص والأحوال، كما أن من شأنه أيضًا أن يتأكد من كون السؤال يتعلق بالفرد أو الجماعة أو الأمة وعموم المسلمين؛ وكذلك يجمع أكبر قدر من المعلومات عن المسألة محل الفتوى، فيعرف نشأتها وعناصرها وأنواعها وكيفية وقوعها وخصائصها وأطرافها وتطورها، وتزداد أهمية تصوير الواقعة إذا تعلقت بالمعاملات المستحدثة ذات التفاصيل المركبة والمعقدة التي تحتاج لمزيد النظر كمسائل التسويق الشبكي([133]) والفوركس وغيرها، فإن استطاع المفتي تحصيل ذلك بنفسه فلا ضير، وإن لم يستطع استعان بأهل الخبرة والاختصاص، ويقضي هذا الجمع الرجوع إلى المختصين، لا سيما في العلوم البعيدة عن التخصص الشرعي كالاقتصاد وغيرها.

ويُعد الرجوع إلى أهل الخبرة والاختصاص أحد الأصول الرئيسة التي تعتمد عليها دار الإفتاء المصرية عند تعرضها للنوازل الفقهية في المعاملات المالية.

فبالنظر في الفتاوى الصادرة عن دار الإفتاء المصرية في فتاوى النوازل في المعاملات المالية نجد الرجوع إلى أهل الخبرة والاختصاص واضحًا جليًّا فيها؛ خاصة في مرحلة التصوير.

نماذج من الفتاوى الصادرة عن دار الإفتاء المصرية التي تم فيها الرجوع إلى أهل الخبرة:

النموذج الأول: التأمين على الحياة:

سئلت الدار عن حكم الدين في التأمين على الحياة.

فأجابت بقولها: …، وبدراسة وثائق التأمين التجاري بجميع أنواعه الصادرة عن شركة الشرق للتأمين وغيرها من الشركات الأخرى تبين أن أكثر بنودها ما هي إلا قواعد تنظيمية مقررة من قبل شركات التأمين إذا ارتضاها العميل أصبح ملتزمًا بما فيها، وأن أكثر هذه البنود في مجموعها لا تخالف الشريعة الإسلامية، غير أن هناك بعض البنود يجب إلغاؤها أو تعديلها لتتمشى مع أحكام الشريعة، وتتفق مع ما قررته قيادات التأمين في محضر اجتماعهم برئاسة مفتي الجمهورية بدار الإفتاء المصرية المؤرخ 25/ 3/ 1997 وذلك في البنود التالية:

البند المتضمن: رد قيمة الأقساط بالكامل إذا كان المؤمن عليه على قيد الحياة عند انتهاء مدة التأمين.

يجب تعديل هذا البند إلى: «رد قيمة الأقساط بالكامل إذا كان المؤمن عليه على قيد الحياة عند انتهاء مدة التأمين مع استثماراتها بعد خصم نسبة معينة نظير الأعمال الإدارية التي تقوم بها الشركة»… إلخ([134]).

توجيه الفتوى:

تعد فتوى التأمين على الحياة من أهم الفتاوى التي تناولتها دار الإفتاء بالبحث والتأمل، ويُعد الأستاذ الدكتور نصر فريد واصل أول من أفتى بحله بعد أن كانت الفتوى قبله على الحرمة تارة.

وجاء اتجاه الدكتور نصر إلى الإباحة بعد مراجعة القائمين على التأمين من أهل الاختصاص لتصوره وبيان حقيقته؛ فبعد أن بيَّن في الفتوى أن أكثر بنود عقد التأمين في مجموعها لا تخالف الشريعة الإسلامية إلا بعض البنود التي يجب إلغاؤها أو تعديلها لتتمشى مع أحكام الشريعة، بين أن قيادات التأمين في محضر اجتماعهم برئاسة مفتي الجمهورية بدار الإفتاء المصرية المؤرخ 25/3/1997م قرروا إلغاء هذه البنود التي تخالف الشريعة.

النموذج الثاني: الفوركس «بيع العملات في البورصة»:

سئلت الدار عن الحكم الشرعي في معاملة مستحدثة تتعلق بمبادلة العملات الأجنبية في عدد من الأسواق العالمية؛ حيث يدفع العميل مبلغًا من العملات الأجنبية يقوم بإيداعه لوسيط، هو شركة سمسرة أو بنك أو غير ذلك، ويقوم الوسيط في المقابل بإضافة مبلغ من العملات لرفع مقدار ذلك الرصيد المُودَع في حسابه؛ وذلك لتعظيم القدر المالي الذي يدفعه المتعامل لزيادة نسبة المتاجرة في صفقات التبادل، وقد يصل المقدار الذي يضعه الوسيط في حساب العميل من خمسين ضعفًا إلى خمسمائة ضعف مما أودعه المستثمر في حساب هذه الصفقة، ويقوم الوسيط بمبادلتها بعملات أخرى لصالح هذا العميل.

وقد اصطلح على تسمية هذه المعاملة اختصارًا بـ«الفوركس FOREX».

وقد ظهر من كثرة الأسئلة شدة الاحتياج إلى هذه الفتوى؛ لوقوع الاضطراب فيما يتعلق بها؛ فسعت أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية إلى دراسة واقع هذه المعاملة لبيان حكمها الشرعي وتوضيح وجه اللبس فيها. وقُيِّدَت الفتوى برقم 398 لسنة 2013م.

فأجابت بقولها: إن انتشار معاملة بعينها يتطلب عند الإفتاء فيها قدرًا كبيرًا من الحرص والتحري في كل مراحل الإفتاء…، وقد قابَلَتْ أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية عددًا من الخبراء الذين يمثلون أهم نوعين من هؤلاء الممارسين لهذه المعاملة؛ فقابلت: خبراء يمثلون البنوك، وخبراء يمثلون شركات السمسرة.

كما لم يفت أمانةَ الفتوى بدار الإفتاء المصرية الاستعانةُ بالخبراء من علماء الاقتصاد؛ حيث قابلتهم الأمانة… إلخ([135]).

توجيه الفتوى:

ذهب الدكتور شوقي علام إلى حرمة الفوركس، وفي مرحلة تصوير المسألة رجع فضيلته إلى أهل الخبرة والاختصاص من أهل البنوك، وأهل السمسرة، وأهل الاقتصاد؛ لبيان حقيقة الفوركس وأثرها.

 

([1]) الموافقات للشاطبي (5/38).

([2]) يقصد بالشرط الجزائي: اتفاق المتعاقدين على تقدير سابق للمبلغ المستحق بتأخير تنفيذ الالتزام بعمل. انظر: المعايير الشرعية لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (ص34- 1430ه/2009م)، المعاملات المالية المعاصرة للدكتور وهبة الزحيلي (ص178)، ط: دار الفكر المعاصر، بيروت – دار الفكر، دمشق، الطبعة الثالثة، 1427ه/ 2006م.

([3]) انظر: المغني لابن قدامة (4/175)، الشرح الكبير على متن المقنع (4/58)، حاشية الروض المربع (4/408).

([4]) انظر: تحرير الكلام في مسائل الالتزام للحطاب المالكي (ص331)، ط: دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1404هـ/ 1984م.

([5]) الفتوى للشيخ أحمد هريدي رقم 227، سجل 103، بتاريخ 13/6/1968م.

([6]) جاء في فتوى للشيخ عبد اللطيف حمزة ما نصه: «أجاز بعض الفقهاء الشرط الجزائي فأوجب الوفاء به ورتب عليه أثره من حيث المال المشروط… والشرط في حادثة السؤال ليس فيه ما ينافي الشرع، والقدر المشروط ليس فيه جهالة يمكن أن تؤثر في عقد الاتفاق؛ فيكون معتبرًا عند هؤلاء الفقهاء وفي رأيهم الذي نختاره للفتوى؛ لضرورة التعامل وجريان العرف ورفع الحرج، وما دام المشروط عليه الشرط قد امتنع عن الوفاء فإنه يحل لصاحب الشرط أخذ هذا المال الذي كان قد دفع مقدمًا، والله سبحانه وتعالى أعلم». انظر فتوى رقم 65/117، بتاريخ 14/10/1982م.

([7]) جاء في فتوى للشيخ طنطاوي ما نصه: «إن بعض الفقهاء أجاز الشرط الجزائي وأوجب الوفاء به ورتب عليه أثره من حيث المال المشروط… لما كان ذلك ففي واقعة السؤال، فإن الشرط الوارد فيها ليس فيه ما ينافي الشرع، والقدر المشروط في غرامة التأخير ليس فيه جهالة يمكن أن تؤثر في عقد الاتفاق، وبالتالي يكون هذا الشرط معتبرًا عند هؤلاء الفقهاء وفي رأيهم الذي نختاره للفتوى؛ لضرورة التعامل وجريان العرف ورفع الحرج، وما دام المشروط عليه الشرط لم يلتزم بالوفاء بالمدة المحددة في العقد ولم يف به، فإنه يحل لصاحب الشرط أخذ هذا المال كغرامة للتأخير عن الوفاء بالشرط المذكور. وبهذا علم الجواب عما جاء بالسؤال، والله سبحانه وتعالى أعلم». انظر: فتوى رقم 377/124، بتاريخ 5/3/1990م.

([8]) جاء في فتوى للشيخ نصر ما نصه: «أجاز بعض الفقهاء الشرط الجزائي وأوجب الوفاء به ويترتب عليه أثره من حيث المال المشروط… وعلى ذلك يجب على من أخل بالتزامه الوفاء بما التزم به، ووجوب دفع المال المشروط لصاحب الشرط عند عدم الوفاء بما التزم به، ويكون المبلغ المحدد في هذه الحالة من حق البائع يتصرف فيه كيف شاء؛ لأنه أصبح ملكًا له بمقتضى هذا الشرط. ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال إذا كان الحال كما ذكر السائل، والله سبحانه وتعالى أعلم». انظر: فتوى رقم 359/153، بتاريخ 25/8/1999م.

([9]) جاء في فتوى للشيخ علي جمعة ما نصه: «وفيما يخص الشروط الجزائية الملحقة بعقود البيع فإن المفتى به أنه لا يصح منها إلا ما كان مقابل ضرر حقيقي، وعلى قدر الضرر الفعلي، فلا يجوز إعمال الشرط الجزائي في حالة عدم لحوق ضرر؛ لمجرد التشبث بحرفية العقد، ولا يجوز أخذ الزائد عن مقابل الضرر الفعلي. وتقدير الضرر مردُّه لأهل الخبرة والرأي». انظر فتوى رقم 663/170، بتاريخ 3/12/2006م.

وما قاله الدكتور علي جمعة يتفق مع ما ذهب إليه مجمع الفقه الإسلامي؛ حيث إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية عشر بالرياض في المملكة العربية السعودية، من 25 جمادى الآخرة 1421هـ إلى غرة رجب 1421هـ (23- 28 سبتمبر 2000م) قرر ما يلي:

– الشرط الجزائي في القانون هو اتفاق بين المتعاقدين على تقدير التعويض الذي يستحقه من شُرط له عن الضرر الذي يلحقه إذا لم ينفذ الطرف الآخر ما التزم به، أو تأخر في تنفيذه.

– يجوز أن يكون الشرط الجزائي مقترنًا بالعقد الأصلي، كما يجوز أن يكون في اتفاق لاحق قبل حدوث الضرر.

– يجوز أن يشترط الشرط الجزائي في جميع العقود المالية ما عدا العقود التي يكون الالتزام الأصلي فيها دينًا؛ فإن هذا من الربا الصريح.

– لا يعمل بالشرط الجزائي إذا أثبت من شُرط عليه أن إخلاله بالعقد كان بسبب خارج عن إرادته، أو أثبت أن من شُرط له لم يلحقه أي ضرر من الإخلال بالعقد.

– يجوز للمحكمة بناء على طلب أحد الطرفين أن تعدل في مقدار التعويض إذا وجدت مبررًا لذلك، أو كان مبالغًا فيه. انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (ص670، 671- العدد 12).

([10]) مثاله: عندما يأتي شخص ويسأل عن حكم الشرع في منتج أو سلعة معينة جديدة، فهذه السلعة من عالم الأشياء، وتحتاج من المفتي إلى إدراك معين حتى يفتي بحكم الله فيها، فلو أراد المفتي أن يبحث في الحكم الشرعي لخل التفاح مثلًا، فهو يتساءل: ما مشكلته، ما رائحته، ما مكوناته، ما تأثيره، هل به كحول، هل يحتوي على شحم خنزير، وإذا كان يحتوي على كحول ما نوعه، هل هو الإثيلي الذي يسبب الإسكار أو مثيلي؟… وهذا الإدراك تهتم به مجموعة من العلوم؛ كالكيمياء، والفيزياء، والتحليل الغذائي، بل والطب؛ لمعرفة مدي تأثير هذه المكونات على صحة الإنسان نفعًا وضرًّا، وعلى المفتي أن يسأل الخبراء والمختصين، بل نقول: إن دقة فتواه تتوقف على مدى فهمه من الخبير لغته واصطلاحاته، بل وحتى طريقة عمله. انظر: موسوعة الفتاوى المؤصلة لدار الإفتاء المصرية (2/9).

([11]) مثاله: يتحدث الفقهاء الأقدمون عن الشخص الطبيعي وأهليته… إلخ، لكن الواقع الآن أصبح فيه ما يسمى بـ«الشخصية الاعتبارية» المختلفة تمامًا عن الشخصية الطبيعية، فعلى المفتي أن يدرك هذا الواقع الجديد ولا يتعامل مع الشخص الاعتباري كما يتعامل مع الشخص الطبيعي. انظر: بحث لدار الإفتاء المصرية بعنوان: إدراك الواقع وأثره في الفتوى، منشور على موقعها بتاريخ 19/3/2013م، برابط:

http: //www.dar-alifta.org: AR: ViewFatawaConcept.aspx?ID 115

([12]) انظر: ضوابط الاختيار الفقهي (ص33-37)، الطريق إلى التراث د.علي جمعة (ص20- ط: نهضة مصر، الطبعة الثانية لسنة 2005م)، موسوعة الفتاوى المؤصلة لدار الإفتاء المصرية (2/7-10).

([13]) وعدها ابن القيم خمسة؛ حيث أضاف النيات؛ فقال: «فصل في تغيير الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد». انظر: إعلام الموقعين (3/11).

([14]) انظر: مدى تغير الأحكام بتغير الجهات الأربع (ص83، 84)، وانظر أيضًا: رسائل ابن عابدين (2/125)، القواعد الفقهية د.عزام (ص198)، درر الحكام في شرح مجلة الأحكام لعلي حيدر (1/47- ط: دار الجيل، الطبعة الأولى، 1411هـ/ 1991م).

([15]) متفق عليه: أخرجه البخاري واللفظ له، كتاب في اللقطة، باب إذا لم يوجد صاحب اللقطة بعد سنة فهي لمن وجدها (2492)، ومسلم، كتاب اللقطة (1722).

([16]) أخرجه مالك في الموطأ (51- تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، ط: دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1406هـ/ 1985م)، والبيهقي في السنن الكبرى (1280).

والأثر صحيح. انظر: البدر المنير لابن الملقن (7/170- ط: دار الهجرة للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى، 1425هـ/ 2004م).

([17]) انظر: مدى تغير الأحكام بتغير الجهات الأربع (ص100)، وانظر بحث لدار الإفتاء بعنوان: عوامل تغير الفتوى، منشور على موقعها بتاريخ 11/12/2012م، برابط:

http: //dar-alifta.org.eg: AR: ViewFatawaConcept.aspx?ID 128

([18]) انظر: بدائع الصنائع (6/85، 86)، حاشية ابن عابدين (5/648)، الذخيرة للقرافي (6/38)، مواهب الجليل (5/358)، حاشية الدسوقي (3/517)، روضة الطالبين (5/123)، مغني المحتاج (3/403)، شرح منتهى الإرادات (2/215)، كشاف القناع (3/508).

([19]) انظر: المعاملات الحديثة وأحكامها للشيخ عبد الرحمن عيسى (ص35- ط: مطبعة مخيمر، الطبعة الأولى).

([20]) انظر: الاقتصاد في الفكر الإسلامي لأحمد شلبي (ص133 وما بعدها- ط: مكتبة النهضة المصرية).

([21]) انظر: الاجتهاد للدكتور النمر (ص327 وما بعدها).

([22]) انظر: معاملات البنوك وأحكامها الشرعية للشيخ طنطاوي (ص225 وما بعدها)، وجريدة الأهرام في 1/7/1989م.

([23]) انظر: فتوى للشيخ محمد سيد طنطاوي برقم 57/128 بتاريخ 30/7/1991م، وفتوى للدكتور نصر فريد واصل برقم 154/161 بتاريخ 20/10/2001م.

([24]) انظر: مدى تغير الأحكام بتغير الجهات الأربع (ص107، 108).

([25]) انظر: فتوى للدكتور شوقي علام برقم 300/184 بتاريخ 2/9/2013م، وفتوى للشيخ طنطاوي برقم 29/133 بتاريخ 6/11/1992م.

([26]) يقصد بالعقد الاحتمالي: أن المؤمِّن وقت الإبرام لا يعرف مقدار ما يأخذ ولا مقدار ما يعطي؛ إذ أن ذلك متوقف على وقوع الكارثة أو عدم وقوعها، وكذلك الحال بالنسبة للمؤمَّن له، فمقدار ما يأخذ أو يعطي متوقف أيضًا على وقوع الكارثة أو عدم وقوعها. انظر: أسبوع الفقه الإسلامي مجموعة بحوث المؤتمر الذي عقد في دمشق في الفترة من 16-21 شوال 1380ه/ 6 ابريل 1960م (ص461- ط: المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب بالقاهرة 1382ه/ 1963م).

([27]) انظر: فتوى الشيخ جاد الحق برقم 268، سجل 105، بتاريخ 14/1/1980م.

([28]) انظر الفتوى للدكتور نصر برقم 61/1000 بتاريخ 30/4/2001م.

([29]) عُرِّفت الشخصية الاعتبارية بتعريفات متعددة منها:

1-عرفها الدكتور السنهوري بأنها: إعطاء صفة الأهلية القانونية للشركة أو نحوها، واعتبار ذمتها مستقلة ومنفصلة عن أهلية الشركاء المساهمين، بحيث تكون للشركة ذمة مالية خاصة بها. انظر: الوسيط في شرح القانون المدني (5/228- ط: دائرة المعارف القانونية، 2000م).

2-عرفها الدكتور توفيق حسن فرج بأنها: مجموعة من الأشخاص أو مجموعة من الأموال ترمي إلى تحقيق غرض معين، ويعترف لها القانون بالشخصية القانونية، ويكون لها كيانها المستقل عن شخصية المكونين لها، وعن شخصية من قام بتخصيص الأموال. انظر: المدخل للعلوم القانونية النظرية العامة للقانون والنظرية للحق (ص742- ط: الدار الجامعية، الطبعة الثالثة 1993م).

3- عرفتها دار الإفتاء المصرية بأنها: مجموعة من الأشخاص والأموال يتوفر لها كيان ذاتي مستقل تستهدف تحقيق غرض معيَّن وتتمتع بالشخصية القانونية في حدود هذا الغرض. انظر: موسوعة الفتاوى المؤصلة (3/424).

([30]) تختلف الشخصية الاعتبارية عن الشخصية الطبيعية، ويمكن بيانه على النحو التالي:

1- الشخص الاعتباري له وجود قانوني، أي: تقديري اعتباري لا حسِّي، أما الشخص الطبيعي فذو وجود مادي محسوس.

2- الشخص الاعتباري يُعرَف بـ«تعدد الجهات»؛ حيث يمكن أن يوجد في أكثر من جهة في وقت واحد بتعدد فروعه، وأن يثبت له أكثر من وصف؛ كأن يكون بائعًا ومشتريًا، ووكيلًا أو نائبًا عن الغير، وغير ذلك من مختلف التصرفات.

3- الشخص الاعتباري لا نفس له ناطقة؛ لذلك لا يتحمل ما يتحمله الشخص الطبيعي الذي تفرض عليه طبيعته البشرية الاتصاف ببعض صفات البشر؛ كالشجاعة والكرم والنخوة وغير ذلك من مكارم الأخلاق.

4- الشخص الاعتباري وجوده تبعي، أي: يكون تابعًا دائمًا لوجود مجموعة أشخاص طبيعيين أو أموال، أما الشخص الطبيعي فوجوده مستقل بنفسه في الواقع والاعتبار.

5- الشخصية القانونية تثبت للشخص الطبيعي بمجرد ولادته، خلافًا للشخص الاعتباري الذي يتوقف إعطاؤه الشخصية القانونية على الاعتراف القانوني.

6- الشخص الطبيعي لا ينحصر نشاطه في نشاط معيَّن، بل له كامل الحرية ما لم يخالف النظام العام أو القانون، بخلاف الشخص الاعتباري حيث ينص القانون المصري على أن نشاطه مقيَّد بما أنشئ من أجله.

7- أهم ما يميِّز الشخص الاعتباري هو الاستمرارية، فاستمرارية الشخص الطبيعي محدَّدة بموته، فلكل إنسان أجل مسمى، بينما الشخص الاعتباري وإن كان وجوده القانوني ينتهي بالانحلال أو التصفية؛ إلا أنه يتسم بالدوام، ولا يتأثر سلبًا بموت أحد أعضائه أو انسحابه في الغالب، بل من الممكن أن يمتد عبر أجيال لا تنتهي، وهو بذلك ينفصل عن أشخاص أصحابه أو مؤسِّسيه. انظر: موسوعة الفتاوى المؤصلة من دار الإفتاء المصرية (3/424)، العقود المستجدة ضوابطها ونماذج منها تأليف: الدكتور محمد بن علي القري، بحث منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي (العدد العاشر 2/20567).

([31]) انظر: بحث لدار الإفتاء المصرية بعنوان إدراك الواقع وأثره في الفتوى، منشور على موقعها بتاريخ 19/3/2013م، برابط:

http: //www.dar-alifta.org: AR: ViewFatawaConcept.aspx?ID 115

([32]) انظر فتوى للدكتور شوقي علام برقم 300/184 بتاريخ 2/9/2013م، وفتوى للدكتور علي جمعة برقم 1615/168 بتاريخ 19/6/2006م.

([33]) شهادات الاستثمار ثلاثة أنواع:

1- شهادات استثمار ذات طبيعة متزايدة (أ)، ويقصد بها: الشهادة التي يبقى المال لدى البنك لفترة طويلة قد تمتد إلى عشر سنوات، وقبل انتهاء هذه المدة لا يجوز لصاحبها استرجاع قيمتها، ويكون له زيادة تصاعدية على المال والفائدة، وفي نهاية المدة يحصل صاحب الشهادة على القيمة الاسمية يضاف عليها ما تراكم من فوائد بالنسبة المتفق عليها.

2- شهادات استثمار ذات عائد سنوي (ب)، وهي شهادات يعطى لصاحبها الفوائد المستحقة لشهادة كل سنة وبعضها كل ستة أشهر حسب شروط الإصدار، وفي نهاية المدة له أن يسترجع القيمة الاسمية أصل المال.

3- شهادات الاستثمار ذات الجوائز، ويجري عليها السحب (ج) وتسمى الشهادات ذات الجوائز؛ حيث تتم عملية سحب دورية ليفوز فيها بعض حملة تلك الشهادات بجوائز مالية ولا يترتب عليها فوائد لحامل السند.

انظر: البورصة في الفقه الإسلامي للأستاذ الدكتور السيد السخاوي (ص140- مودع بدار الكتب المصرية برقم 7197/2004م)، موقف الشريعة الإسلامية من البنوك وصندوق التوفير وشهادات الاستثمار المعاملات المصرفية والبديل عنها التأمين على الأنفس والأموال تأليف: رمضان حافظ السيوطي (ص31- ط: دار السلام، القاهرة، الطبعة الأولى، 1425هـ/ 2005م).

([34]) الفتوى للشيخ طنطاوي برقم 211/124 بتاريخ 26/9/1989م.

([35]) الفتوى للشيخ طنطاوي برقم 46/126 بتاريخ 10/6/1990م، وانظر نفس الفتوى للدكتور نصر برقم 118/127 بتاريخ 12/11/1997م.

([36]) ذكر الشيخ طنطاوي هذا التصوير في فتوى له بعنوان: شهادات الادخار برقم 124/123، بتاريخ 31/5/1988م.

([37]) يقول الشيخ طنطاوي: «إن تحديد الربح مقدمًا بالنسبة للبنوك وغيرها هو على التحقيق من باب المصالح المرسلة التي يراها كثير من الفقهاء حجة شرعية تبنى عليها الأحكام». انظر فتوى للشيخ طنطاوي برقم 23/133، بتاريخ 21/3/1991م.

([38]) الوكالة في اللغة التفويض، يقال: وكلت الأمر إليه وكلًا -من باب وعد- ووُكولًا: فوضته إليه واكتفيت به. والوكالة أن يعهد إلى غيره أن يعمل له عملًا. انظر: المصباح المنير (2/670)، المعجم الوسيط (2/1055).

وفي الاصطلاح عرفت بتعريفات متعددة منها:

1- عرفها التمرتاشي بأنها: إقامة الغير مقام نفسه في تصرف جائز معلوم. انظر: تنوير الأبصار وعليه شرح الدر المختار بحاشية ابن عابدين (5/510).

2- عرفها ابن عرفة المالكي بأنها: نيابة ذي حق غير ذي إمرة ولا عبادة لغيره فيه غير مشروطة بموته. انظر: شرح حدود ابن عرفة للرصاع (ص327).

3- عرفها الخطيب الشربيني بأنها: تفويض شخص ما له فعله مما يقبل النيابة إلى غيره ليفعله في حياته. انظر: مغني المحتاج (3/231).

4-عرفها الحجاوي بأنها: استنابة جائز التصرف مثله فيما تدخله النيابة. انظر: الإقناع في فقه الإمام أحمد (2/232).

([39]) انظر فتوى للشيخ طنطاوي برقم 23/133، بتاريخ 21/3/1991م.

([40]) انظر: بدائع الصنائع (6/85، 86)، حاشية ابن عابدين (5/648)، الذخيرة للقرافي (6/38)، مواهب الجليل (5/358)، حاشية الدسوقي (3/517)، روضة الطالبين (5/123)، مغني المحتاج (3/403)، شرح منتهى الإرادات (2/215)، كشاف القناع (3/508).

([41]) انظر: المعاملات الحديثة وأحكامها (ص35).

([42]) انظر: الاقتصاد في الفكر الإسلامي (ص133 وما بعدها).

([43]) انظر: الاجتهاد للدكتور النمر (ص327 وما بعدها).

([44]) انظر: معاملات البنوك وأحكامها الشرعية للشيخ طنطاوي (ص225 وما بعدها)، وجريدة الأهرام في 1/7/1989م.

([45]) انظر: فتوى للشيخ طنطاوي برقم 46/126، بتاريخ 10/6/1990م.

([46]) انظر: فتوى للشيخ نصر برقم 118/127، بتاريخ 12/11/1997م.

([47]) انظر فتوى للشيخ الطيب برقم 119/2000، بتاريخ 24/2/2003م.

([48]) انظر: فتوى للشيخ علي جمعة برقم 152/174، بتاريخ 18/9/2008م.

([49]) انظر: فتوى للشيخ شوقي علام برقم 292/186، بتاريخ 19/3/2014م.

([50]) الوديعة في اللغة بمعنى الترك، فهي مأخوذة من الفعل ودع بمعنى ترك. انظر: الصحاح (3/1296)، المصباح المنير (2/653).

وفي الاصطلاح عرفت بتعريفات متعددة منها:

  • عرفها النسفي بأنها: تسليط الغير على حفظ ماله. انظر: كنز الدقائق (ص531).
  • عرفها الشيخ خليل بأنها: توكيل بحفظ مال. انظر: مختصر خليل (ص187).
  • عرفها النووي بأنها: المال الموضوع عند أجنبي ليحفظه. انظر: روضة الطالبين (6/324).
  • عرفها البهوتي بأنها: المال المدفوع إلى من يحفظه بلا عوض لحفظه. انظر: شرح منتهى الإرادات (2/352).

([51]) انظر: الموسوعة الوافية في شرح القانون المدني للمستشار أنور العروسي (5/463- ط: شركة ناس، الطبعة الخامسة، 2012م- 2013م).

([52]) انظر: فتوى للشيخ جاد الحق برقم 99/115، بتاريخ 12/2/1981م.

([53]) انظر: قضايا فقهية معاصرة د. أحمد لطفي (2/72)، عمليات البنوك من الوجهة القانونية لجمال الدين عوض (ص57- ط: دار النهضة، الطبعة الثالثة).

([54]) لا خلاف بين الفقهاء في أن اشتراط الزيادة في بدل القرض للمقرض مفسد لعقد القرض، سواء أكانت الزيادة في القدر، بأن يرد المقترض أكثر مما أخذ من جنسه، أو بأن يزيده هدية من مال آخر، أو كانت في الصفة، بأن يرد المقترض أجود مما أخذ، وأن هذه الزيادة تعد من قبيل الربا. انظر: بدائع الصنائع (7/395)، تبيين الحقائق (6/29)، الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص226- ط: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1419هـ/ 1999م) ، حاشية ابن عابدين (5/166)، البيان والتحصيل (6/457)، القوانين الفقهية (ص293)، مواهب الجليل (4/546)، شرح مختصر خليل للخرشي (5/232)، نهاية المحتاج (4/225)، حاشية البجيرمي (2/355)، تكملة مجموع النووي للمطيعي (13/172)، شرح منتهى الإرادات (2/102)، كشاف القناع (3/304)، الموسوعة الفقهية الكويتية (33/130).

وقد نقل ابن قدامة عن ابن المنذر قوله: أجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك، أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. انظر: المغني لابن قدامة 4/240.

([55]) بعد أن أصدر الشيخ طنطاوي فتواه بحل شهادات الاستثمار والبريد انهالت الأسئلة على دار الإفتاء للاستفسار عن ذلك، كما كثرت الاعتراضات على هذه الفتوى، مما دعا فضيلة الشيخ إلى تكوين لجنة من علماء الشريعة وقيادات العمل المصرفي لدراسة هذه الاعتراضات ووضع الردود عليها، وكانت لجنة قيادات العمل المصرفي تتكون من السادة: محمد علي البربري نائب محافظ البنك المركزي. محمد علي حافظ رئيس مجلس إدارة بنك مصر. إسماعيل حسن محمد رئيس مجلس إدارة بنك الإسكندرية. عبد الكريم محمد عبد الحميد نائب رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي. الدكتور محمد المتولي الموجي المدير العام بالبنك الأهلي.

وكانت اللجنة الشرعية تتكون من السادة:

– الدكتور محمد سيد طنطاوي: مفتي الديار المصرية.

– الدكتور عبد الرحمن العدوي: عضو مجمع البحوث الإسلامية.

– الدكتور محمد إبراهيم الجيوشي: العميد السابق لكلية الدعوة جامعة الأزهر.

– الدكتور محمود زقزوق: عميد كلية أصول الدين جامعة الأزهر، وعضو مجمع البحوث الإسلامية.

– الدكتور عبد المعطي محمد بيومي: العميد السابق لكلية أصول الدين جامعة الأزهر.

كما حضرها من رجال الإعلام الأستاذ: رجب البنا مساعد رئيس تحرير جريدة الأهرام.

وقد نشرت إجابات اللجنة المصرفية بكاملها في مجلة الأهرام الاقتصادي عدد مارس سنة 1992م. انظر: فتوى للشيخ طنطاوي برقم 29/133، بتاريخ 6/11/1991م.

([56]) انظر: فتوى للشيخ طنطاوي برقم 29/133، بتاريخ 6/11/1991م.

([57]) انظر الاعتراض في: البورصة في الفقه الإسلامي المعاصر (ص191)، وانظر أيضا: موسوعة القضايا الفقهية والاقتصاد الإسلامي للدكتور علي السالوس (ص101- ط: مكتبة دار القرآن، الشرقية، مصر – دار الثقافة، الدوحة، قطر، الطبعة السابعة، 2002م)، المعاملات المالية المعاصرة د. وهبة الزحيلي (ص385)، المعايير الشرعية (ص185)، تطوير الأعمال المصرفية للدكتور سامي حمود (ص366- ط: دار التراث، القاهرة، الطبعة الثالثة، 1400ه/ 1991م)، موقف الشريعة الإسلامية من البنوك وصندوق التوفير (ص45).

([58]) انظر الرد في: فتوى للشيخ طنطاوي برقم 29/133، بتاريخ 6/11/1991م.

([59]) انظر: البورصة في الفقه الإسلامي المعاصر (ص191)، موسوعة القضايا الفقهية والاقتصاد الإسلامي (ص101)، الاقتصاد الإسلامي والقضايا الفقهية المعاصرة لعلي أحمد السالوس (1/135- ط: دار القرآن، مصر – دار الثقافة، قطر، الطبعة السابعة)، المعاملات المالية المعاصرة د. وهبة الزحيلي (ص385)، المعايير الشرعية (ص185)، موقف الشريعة الإسلامية من البنوك وصندوق التوفير (ص44).

([60]) أخرجه الدارقطني في سننه (3190) من حديث أبي هريرة. والبيهقي في السنن الكبرى (16445) من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده.

والحديث ضعيف. انظر: التلخيص الحبير (4/74).

([61]) انظر: الرد للشيخ نصر في فتوى بعنوان: شهادات الاستثمار برقم 106/145، بتاريخ 8/3/1998م.

([62]) انظر: بداية المجتهد لابن رشد (4/21).

([63]) انظر: موقف الشريعة الإسلامية من البنوك وصندوق التوفير (ص49).

([64]) أخرجه أبو داود، كتاب البيوع، باب في المزارعة (3391).

والحديث ضعيف. انظر: بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام لابن القطان (3/175- ط: دار طيبة الرياض، الطبعة الأولى، 1418هـ/ 1997م).

([65]) انظر: عون المعبود شرح سنن أبي داود، تأليف: محمد العظيم آبادي (9/179- ط: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية، 1415هـ).

([66]) انظر: البورصة في الفقه الإسلامي المعاصر (ص194)، الاقتصاد الإسلامي والقضايا الفقهية المعاصرة للسالوس (1/145).

([67]) انظر: فتوى الشيخ الطيب برقم 119/2000 بتاريخ 24/2/2003م.

([68]) سيأتي تفصيل هذه القاعدة في فصل التخريج على القواعد الفقهية.

([69]) انظر فتوى للشيخ علي جمعة برقم 10/168، بتاريخ 5/1/2005م.

([70]) انظر فتوى للشيخ شوقي علام برقم 292/186، بتاريخ 19/3/2014م.

([71]) انظر: الموافقات للشاطبي (3/165)، شرح الكوكب المنير لابن النجار الحنبلي (2/5).

([72]) المَصْلِيّة أي: المشوية يقال: صليت اللحم وغيره: إذا شويته فأنا أَصْلِيه صَلْيًا، إِذا فعلتَ ذلك وأنت تُرِيدُ أن تشويَه، فإذا أردتَ أنك تُلقِيه فيها إلقاء كأنك تُرِيدُ الإحراقَ قلت: أصليتُه بالألف إصلاءً، وكذلك صلَّيته أُصَلِّيه تَصْلِيَة. انظر: تهذيب اللغة (12/167)، الصحاح (6/2403).

وقصة الشاة المصلية: «أن رسول الله r زار قومًا من الأنصار في دارهم، فذبحوا له شاة، وصنعوا له منها طعامًا، فأخذ من اللحم شيئًا ليأكله، فمضغه ساعة لا يسيغه، فقال: ما شأن هذا اللحم؟ فقالوا: شاة لفلان، ذبحناها حتى يجيء صاحبها، فنرضيه من لحمها. فقال رسول الله r: أطعموها الأسارى». والقصة أخرجها الإمام الطبراني في المعجم الأوسط (1602- ط: دار الحرمين، القاهرة).

([73]) أخرجه أحمد في مسنده (22509)، والطبراني في المعجم الأوسط (1602). وانظر حكم العراقي على الحديث بأنه جيد الإسناد في: المغني عن حمل الأسفار (ص581).

([74]) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (17457- ط: مكتبة نزار مصطفى الباز، السعودية، الطبعة الثالثة، 1419هـ) من حديث البراء بن عازب. وذكره السيوطي في الدر المنثور في التفسير بالمأثور (6/479- ط: دار الفكر، بيروت).

قال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص581): «رواه البيهقي في الدلائل من حديث ابن عباس، وليس فيه أن ذلك كان بإذنه r، وهو عند الترمذي وحسنه، والحاكم وصححه دون قوله أيضًا: هذا سحت فتصدق به».

([75]) الفتوى للشيخ عبد اللطيف حمزة رقم 128، سجل 120، بتاريخ 17/7/1985م، وانظر أيضًا: فتوى بعنوان حكم العربون عند عدم إتمام الصفقة وكيفية التخلص منه للشيخ جاد الحق برقم 101، سجل 115، بتاريخ 17/2/1981م.

([76]) أخرجه البخاري، كتاب الوكالة، باب الوكالة في قضاء الديون (2306).

([77]) الفتوى للشيخ عبد اللطيف حمزة رقم 1، سجل 120، بتاريخ 23/8/1984م. وانظر فتوى بنفس العنوان للدكتور نصر برقم 37/141، بتاريخ 10/7/1997م.

([78]) اختلف الفقهاء المعاصرون في حكم التعويض عن الضرر الأدبي على قولين:

القول الأول: الجواز، وبه قال أكثر الفقهاء المعاصرين؛ كالشيخ شلتوت حيث يقول: «التعويض هو المال الذي يحكم به على من أوقع ضررًا على غيره في نفس أو مال أو شرف، والتقدير في تعويض الشرف من باب التعزير الذي وكلت الشريعة أمره إلى الحاكم». انظر: الإسلام عقيدة وشريعة للشيخ شلتوت (ص415- ط: دار الشروق، الطبعة الثامنة عشرة، 1421هـ/ 2001م).

وبه قال أيضًا الدكتور فتحي الدريني. انظر كتابه: الحق ومدى سلطان الدولة في تقييده (ص88- ط: مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثالثة، 1404هـ/ 1984م).

والدكتور محمد فوزي فيض الله. انظر: نظرية الضمان في الفقه الإسلامي العام (ص92).

والدكتور محمد سراج. انظر: ضمان العدوان في الفقه الإسلامي لسراج (ص156- ط: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت، الطبعة الأولى، 1414هـ/ 1993م).

والدكتور وهبة الزحيلي. انظر: نظرية الضمان أو أحكام المسئولية المدنية والجنائية في الفقه الإسلامي دراسة مقارنة (ص24-25- ط: دار الفكر، دمشق، الطبعة الثامنة، 2008م).

القول الثاني: لا يجوز التعويض عن الضرر الأدبي، وبه قال الشيخ علي الخفيف. انظر: الضمان في الفقه الإسلامي للشيخ الخفيف (ص44- ط: دار الفكر العربي، دمشق، الطبعة الأولى، 1997م).

والشيخ مصطفى الزرقا. انظر: الفعل الضار للزرقا (ص19-24- ط: دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى، 1418هـ).

([79]) تعتمد فكرة الفوركس على مبادلة العملات الأجنبية في عدد من الأسواق العالمية؛ حيث يدفع العميل مبلغًا من العملات الأجنبية يقوم بإيداعه لوسيط، هو شركة سمسرة أو بنك أو غير ذلك، ويقوم الوسيط في المقابل بإضافة مبلغ من العملات لرفع مقدار ذلك الرصيد المُودَع في حسابه؛ وذلك لتعظيم القدر المالي الذي يدفعه المتعامل لزيادة نسبة المتاجرة في صفقات التبادل، وقد يصل المقدار الذي يضعه الوسيط في حساب العميل من خمسين ضعفًا إلى خمسمائة ضعف مما أودعه المستثمر في حساب هذه الصفقة، ويقوم الوسيط بمبادلتها بعملات أخرى لصالح هذا العميل وغيرها. انظر: فتوى للدكتور شوقي علام برقم 357/184، بتاريخ 17/11/2013م.

([80]) الفتوى للدكتور شوقي علام برقم 357/184، بتاريخ 17/11/2013م.

([81]) سيأتي بيان ذلك عند الحديث عن أثر أهل الخبرة.

([82]) يقصد بالإذعان: «العقد الذي يملي فيه أحد طرفيه شروطه ويقبلها الطرف الآخر دون أن يكون له حق مناقشتها أو تعديلها». انظر: ضوابط العقود للبعلي (ص314- ط: دار التوفيق النموذجية، الطبعة الأولى).

([83]) خلو الرجل يقصد به: المال الذي يدفعه شخص مقابل تنازل المنتفع بعقار عن حقه في المنفعة أو حقه في الانتفاع به، والعقار يشمل الأرض والدار والمحل التجاري. انظر: المعاملات المالية المعاصرة للزحيلي (ص560).

([84]) الفتوى للدكتور علي جمعة برقم 27/166 بتاريخ 17/4/2004م.

([85]) جاء في المادة 601 من القانون المدني المصري أنه لا ينتهي الإيجار بموت المؤجر ولا بموت المستأجر. انظر: القانون المدني (ص112- ط: الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، الطبعة الحادية عشرة، 2007م).

([86]) تنص المادة 594 من القانون المدني المصري على أنه للمستأجر حق التنازل عن الإيجار أو الإيجار من الباطن، وذلك عن كل ما استأجره أو بعضه ما لم يقض الاتفاق بغير ذلك. انظر: القانون المدني (ص110).

([87]) انظر: حاشية الشرواني بهامش تحفة المحتاج (4/217)، وانظر أيضا: حاشية الجمل (3/6)، حاشية البجيرمي على الخطيب (3/4).

([88]) ممن قال بالإباحة من الفقهاء المعاصرين الدكتور سعد الدين الكبي. انظر: المعاملات المالية المعاصرة في ضوء الإسلام (ص465- ط: المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1423ه/ 2002م). والدكتور وهبة الزحيلي؛ حيث يقول: الخلو المتعارف عليه اليوم يجوز؛ قياسًا على النزول عن الوظائف بالمال. انظر: المعاملات المالية المعاصرة (ص573).

وبالإباحة صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي؛ فقد جاء في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من ‏‏18-22 جمادى الآخرة 1408 هـ، الموافق 6-12 فبراير 1988م، ما يلي: ‏

أولًا: إذا اتفق المالك والمستأجر على أن يدفع المستأجر للمالك مبلغًا مقطوعًا زائدًا عن ‏الأجرة الدورية (وهو ما يسمى في بعض البلاد خلوًّا)، فلا مانع شرعًا من دفع هذا المبلغ ‏المقطوع على أن يعد جزءًا من أجرة المدة المتفق عليها، وفي حالة الفسخ تطبق على هذا ‏المبلغ أحكام الأجرة.‏

ثانيًا: إذا تم الاتفاق بين المالك وبين المستأجر أثناء مدة الإجارة على أن يدفع المالك إلى ‏المستأجر مبلغًا مقابل تخليه عن حقه الثابت بالعقد في ملك منفعة بقية المدة، فإن بدل خلو ‏هذا جائز شرعًا؛ لأنه تعويض عن تنازل المستأجر برضاه عن حقه في المنفعة التي باعها ‏للمالك.‏

أما إذا انقضت مدة الإجارة، ولم يتجدد العقد صراحة أو ضمنا عن طريق التجديد ‏التلقائي حسب الصيغة المفيدة له، فلا يحل بدل الخلو؛ لأن المالك أحق بملكه بعد انقضاء ‏حق المستأجر.‏

ثالثًا: إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأول وبين المستأجر الجديد أثناء مدة الإجارة على ‏التنازل عن بقية مدة العقد لقاء مبلغ زائد عن الأجرة الدورية، فإن بدل الخلو هذا جائز ‏شرعًا، مع مراعاة مقتضى عقد الإجارة المبرم بين المالك والمستأجر الأول، ومراعاة ما ‏تقضي به القوانين النافذة الموافقة للأحكام الشرعية.‏ انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (العدد الرابع، الجزء الثالث: 2329)، موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة للسالوس (ص657)، وانظر أيضا فتاوى المعاملات الشائعة للصادق عبد الرحمن الغرياني (ص26- ط: دار السلام، الطبعة الثانية، 1423ه/ 2003م).

([89]) عُرفت البورصة بأنها: سوق مستمر ثابتة المكان تقام في مراكز التجارة والمال في مواعيد محددة يغلب أن تكون يومية، يجتمع فيها أصحاب رءوس الأموال والسماسرة ومساعدوهم للتعامل في الأوراق المالية وفقًا لنظم ثابتة ولوائح محددة. انظر: إدارة البنوك وصناديق الاستثمار وبورصات الأوراق المالية د. محمد سويلم (ص267- ط: دار الفجر، 1905م).

([90]) يقصد بالأسهم: جزء من رأس مال شركة المساهمة، حيث يقسم رأس مال الشركة عند تأسيسها إلى أجزاء متساوية يمثل كل جزء منها سهمًا، ويمثل هذا السهم بصك يثبت ملكية المساهم له، ويسمى هذا الصك أيضا سهمًا. انظر: أحكام التعامل في الأسواق المالية المعاصرة د. مبارك بن سليمان (1/114- ط: كنوز إشبيليا، الطبعة الأولى، 1426هـ/ 2005م)، وانظر أيضًا: البورصة في الفقه الإسلامي المعاصر (ص2-3).

([91]) اختلف الفقهاء المعاصرون في حكم تداول الأسهم بيعًا وشراء على قولين:

القول الأول: الحرمة مطلقًا، وبه قال الشيخ النبهاني، انظر: النظام الاقتصادي في الإسلام للشيخ النبهاني (ص176- ط: دار الأمة، بيروت، الطبعة السادسة، 1425ه/ 2004م). والدكتور عيسى عبده، انظر: العقود الشرعية الحاكمة للمعاملات المالية المعاصرة د. عيسى عبده (ص18-19- ط: النهضة الجديدة، الطبعة الأولى، 1397هـ/ 1977م).

القول الثاني: الإباحة بشرط عدم تعارضها مع أحكام الشريعة الإسلامية؛ بأن تتعامل فيما أحله الله وتبتعد عن كل ما حرمه الله تعالى، وبه قال الشيخ علي الخفيف، انظر: الشركات في الفقه الإسلامي (ص97). والدكتور محمود شلتوت، انظر: الفتاوى (ص355). والشيخ محمد يوسف موسى، انظر: أحكام التعامل في الأسواق المالية المعاصرة (1/148، 149). والدكتور السيد حافظ السخاوي، انظر: البورصة في الفقه الإسلامي المعاصر (ص10-18). وهو رأي هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات الإسلامية، انظر: المعايير الشرعية للهيئة المذكورة (ص297). وهو اختيار دار الإفتاء المصرية كما في هذه الفتوى.

([92]) يقصد بالمضاربة هنا عمليات بيع وشراء يقوم بها أشخاص لا بقصد استلام أرباح الأسهم أو فوائد السندات وإنما لجني ربح من الفروق الطبيعية التي تحدث في الأسعار بين وقت وآخر وتسمى أرباحًا رأسمالية. انظر: بورصة الأوراق المالية لمحمود أمين زويل (ص51).

([93]) الفتوى للدكتور علي جمعة برقم 1185/166، بتاريخ 17/2/2004م، وانظر فتوى أخرى للدكتور نصر برقم 256/141، بتاريخ 18/9/1997م، وفتوى للدكتور أحمد الطيب برقم 491/2000، بتاريخ 26/3/2002م.

([94]) الفتوى للدكتور أحمد الطيب برقم 384/162، بتاريخ 11/5/2002م.

([95]) الفتوى للدكتور علي جمعة برقم 37/164، بتاريخ 11/10/2003م.

([96]) التعريف للدكتور الزحيلي انظر: أصول الفقه الإسلامي د. وهبة الزحيلي (2/1017- ط: دار الفكر، دمشق، سوريا، الطبعة الأولى، 1406هـ/ 1986م).

([97]) هو حرب بن إسماعيل بن خلف، الحنظلي الكرماني، صاحب الإمام أحمد، كان فقيهًا حافظًا، نقل عن الإمام أحمد فقهًا كثيرًا. توفي سنة 280هـ. انظر: طبقات الحنابلة (1/145)، طبقات الحفاظ للسيوطي (ص274).

([98]) الفتوى للدكتور علي جمعة برقم 142/178، بتاريخ 5/8/2010م.

([99]) أذون الخزانة هي: نوع من الأوراق المالية التي يقوم بإصدارها البنك المركزي لحساب وزارة المالية، أي أن البنك يكون وسيطًا بين الأشخاص والدولة، وتتميز بأنها قصيرة الأجل لا تزيد غالبًا على عام، ويصدر إذن الخزانة عادة بخصم إصدار؛ أي أنه يباع بأقل من قيمته الاسمية، وتلتزم الحكومة دفع القيمة الاسمية للإذن كاملة في تاريخ الاستحقاق، والفرق بين القيمة الاسمية والمبلغ المدفوع في الإذن هو مقدار العائد الذي يجنيه المستثمر. انظر: فتوى للدكتور علي جمعة في سجلات دار الإفتاء المصرية برقم 56، لسنة 2012م، الأسهم والسندات في الفقه الإسلامي لأحمد الخليل (ص83).

([100]) الفتوى للشيخ طنطاوي برقم 28/133، بتاريخ 6/11/1991م.

([101]) انظر: المبسوط للسرخسي (22/90)، حاشية ابن عابدين (6/22)، حاشية العدوي على شرح مختصر خليل للخرشي (6/42)، نهاية المحتاج (6/222)، حاشية الجمل (4/142)، الفروع لابن مفلح (7/145)، مطالب أولي النهى (3/608)، الأشباه والنظائر للسبكي (1/253)، شرح التلويح على التوضيح (1/89)، شرح القواعد الفقهية للزرقا (ص106)، القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة (2/815).

([102]) انظر: نظرية العقد لابن تيمية (ص209- ط: مركز الكتاب للنشر)، الفتاوى الكبرى لابن تيمية (4/6).

([103]) انظر: الفتاوى الكبرى لابن تيمية (4/83)، تقسيمات العقود في الفقه الإسلامي (ص145)، موسوعة الفتاوى المؤصلة (3/332).

([104]) أخرجه الحاكم في المستدرك -واللفظ له- (7059)، وكذا أخرجه الترمذي، أبواب الأحكام عن رسول الله r، باب ما ذكر عن رسول الله r في الصلح بين الناس (1352).

([105]) انظر: موسوعة الفتاوى المؤصلة (3/333)، وانظر أيضًا: عقود المناقصات في الفقه الإسلامي عاطف محمد حسين أبو هربيد (ص33- رسالة ماجستير في الفقه المقارن، كلية الشريعة، الجامعة الإسلامية، غزة).

([106]) انظر: تقسيمات العقود في الفقه الإسلامي (ص141).

([107]) الفتوى للدكتور علي جمعة، برقم 50/182، بتاريخ 1/2/2012م، وانظر فتوى للدكتور شوقي علام، برقم 288/184، بتاريخ 2/9/2013م.

([108]) الفتوى للدكتور علي جمعة برقم 1615/168، بتاريخ 19/6/2006م.

([109]) الفتوى للدكتور شوقي علام برقم 300/184، بتاريخ 2/9/2013م.

([110]) يعد القرض من عقود الإرفاق والمعونة؛ فموضوعه الإرفاق ابتداء، وقد يشترط فيه ما يخرجه عن موضوعه؛ كأن يشترط رده بزيادة. انظر: مغني المحتاج (3/34)، خبايا الزوايا للزركشي الشافعي (ص263- ط: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الكويت، الطبعة الأولى، 1402هـ)، حاشية الجمل (3/261)، المنثور في القواعد الفقهية (3/186).

([111]) المعاوضة قسمان: محضة وغير محضة؛ فالمحضة: ما يفسد العقد فيها بفساد العوض. وغير المحضة ما لا يفسد. وقيل: المعاوضة المحضة ما يقصد فيها المال من الجانبين، والمراد بالمال ما يعم المنفعة وغيرها مما يتمول؛ كالبيع والإجارة. وغير المحضة هي ما يقصد فيها المال من جانب واحد كالخلع ما لم تكن كذلك. انظر: المنثور في القواعد الفقهية (3/186)، الموسوعة الفقهية الكويتية (5/230).

([112]) أخرجه أبو داود، كتاب الزكاة، باب ما تجوز فيه المسألة (1614)، والترمذي وحسَّنه، في أبواب البيوعِ عن رسولِ الله r، باب ما جاء في بيعِ مَن يَزِيدُ (1218)، وابن ماجه، أبواب التجارات، باب بيع المزايدة (2198).

والحديث حسن. انظر: مجمع الزوائد لأبي الحسن الهيثمي (4/84- ط: مكتبة القدسي، القاهرة، 1414هـ/ 1994م).

([113]) انظر: سنن الترمذي (3/514).

([114]) يدل على حرمة النجش ما روي أن رسول الله r، قال: «لا تلقوا الركبان، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا يبع حاضر لباد». متفق عليه، أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب النهي للبائع أن لا يحفل الإبل والبقر والغنم (2150)، ومسلم، كتاب النكاح، باب تحريم الخطبة على خطبة أخيه حتى يأذن أو يترك (1413).

([115]) انظر هذه الصورة في: العناية شرح الهداية (6/476)، الشرح الكبير للدردير (3/67)، مغني المحتاج (2/392)، المغني لابن قدامة (4/160)، شرح منتهى الإرادات للبهوتي (2/41).

([116]) مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد (8)، 2/169، 170.

([117]) الفتوى للدكتور علي جمعة برقم 77/176، بتاريخ 28/12/2009م.

([118]) الفتوى للدكتور علي جمعة برقم 147/174، بتاريخ 14/8/2008م.

([119]) التعريف للدكتور عبد الحسيب يوسف. انظر: القاضي والبينة، تأليف د. عبد الحسيب يوسف (ص319- ط: مكتبة المعالي، الكويت 1987م).

([120]) التعريف للدكتور أحمد بهنسي. انظر: نظرية الإثبات في الفقه الجنائي الإسلامي، تأليف د. أحمد بهنسي (ص179- ط: الشركة العربية للطباعة والنشر بالقاهرة 1962م).

([121]) التعريف للدكتور أحمد الضويحي. انظر: الاستعانة بأهل الاختصاص في الاجتهاد للدكتور أحمد بن عبد الله الضويحي (ص418- بحث منشور في مجلة العدل، العدد 42، ربيع الآخر 1430ه).

([122]) الخرص في اللغة: يطلق على الكذب، ومنه قوله تعالى ﴿ﭟﭠ﴾ [الذاريات: 10] أي الكذابون، ويطلق ويراد به التقدير بالظن، يقال: خرص النخل والكرم حزر ما عليه من الرطب تمرًا ومن العنب زبيبًا. انظر: المعجم الوسيط (1/227)، الصحاح للجوهري (3/1035).

وفي الاصطلاح: أن يطوف بالشجرة ويرى جميع ثمرتها ويقول: خرصها كذا وكذا رطبًا، ويجيء منه كذا وكذا يابسًا. انظر: سبل السلام للصنعاني (1/533- ط: دار الحديث)، فتح الباري لابن حجر (3/344).

([123]) انظر: الخبير في النوازل الفقهية للدكتور أحمد الضويحي (ص436)، ط: مركز التميز البحثي في فقه القضايا المعاصرة، جامعة الإمام محمد بن سعود بالسعودية، 1431هـ/ 2010م.

([124]) انظر: تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام لابن فرحون (2/81)، ط: مكتبة الكليات الأزهرية، الطبعة الأولى، 1406هـ/ 1986م).

([125]) انظر: القوانين الفقهية (175).

([126]) انظر: المهذب (3/124).

([127]) انظر: الطرق الحكمية لابن القيم (ص3)، ط: دار البيان.

([128]) هو: أبو السعود.

([129]) انظر: تفسير أبي السعود (5/116).

([130]) انظر: قول أهل الخبرة في الفقه الإسلامي (ص20)، وانظر أيضًا: التفسير الوسيط (8/158).

([131]) أخرجه أبو داود، كتاب الزكاة، باب في خرص العنب (1603)، والنسائي، كتاب الزكاة، باب شراء الصدقة (2618). والحديث صحَّحه ابن خزيمة (2317).

([132]) انظر: قول أهل الخبرة في الفقه الإسلامي (ص23، 24).

([133]) تعتمد فكرة التسويق الشبكي على قيام البائع الذي يرغب في التسويق لسلعته بوضع حافز مادي تشجيعًا للمشتري كلما جاء عدد معين من المشترين الآخرين نتيجة لتسويق ذلك المشتري، وتزيد نسبة الحافز بناء على زيادة عدد المشترين. انظر: فتوى للدكتور علي جمعة برقم 48/180، بتاريخ 12/12/2011م.

([134]) الفتوى للدكتور نصر برقم 358/140، بتاريخ 20/50/1997م.

([135]) الفتوى للدكتور شوقي علام برقم 357/184، بتاريخ 17/11/2013م.

اترك تعليقاً