البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

أولًا: المصادر التراثية للإفتاء

«منار أصول الفتوى وقواعد الإفتاء بالأقوى» للَّقَّاني

63 views

أولًا: التعريف بالمؤلف:

أـ اسمه ونسبتُه:

هو أبو الإمداد إبراهيم بن إبراهيم بن حسن بن علي بن عبد القدوس بن الولي الشهير محمد بن هارون برهان الدين اللقَّاني المالكي.

يُنسب رحمه الله إلى لقانة من محافظة البحيرة بمصر.

ب ـ نشأتُه وشيوخُه:

أحد الأعلام المشار إليهم بسعة الاطلاع في علم الحديث والدراية والتبحر في الكلام، وكان إليه المرجع في المشكلات والفتاوي في وقته بالقاهرة.

كان قوي النفس عظيم الهيبة، تخضع له الدولة ويقبلون شفاعته، وهو منقطع عن التردد إلى واحد من الناس، يصرف وقته في الدرس والإفادة، وله نسبة هو وقبيلته إلى الشرف لكنه لا يظهره تواضعًا منه.

وقد جمع الشيخ اللقاني رحمه الله جزءًا في مشيخته سماه «نثر المآثر فيمن أدرك من القرن العاشر» ذكر فيه كثيرًا من مشايخه، من أجَلِّهم:

العلامة محمد البكري الصديقي، والشيخ الإمام محمد الرملي شارح المنهاج، والعلامة أحمد بن قاسم صاحب الآيات البينات، وغيرهم من الشافعية. وشيخ الإسلام علي بن غانم المقدسي، والشمس محمد التحريري، والشيخ عمر بن نجيم من الحنفية. والشيخ محمد السنهوري، والشيخ أحمد المنياوي، وعبد الكريم البرموني مؤلف الحاشية على مختصر خليل، وغيرهم من المالكية. ومن مشايخه في الطريق الشيخ أحمد البلقيني الوزيري، والشيخ محمد بن الترجمان، وجماعة كثيرة غيرهم، وذكر أنه لم يكثر عن أحد منهم مثل ما أكثر عن الإمام الهمام أبي النجا سالم السنهوري، ويليه الشيخ محمد البهنسي، ويليه الشيخ يحيى القرافي المالكي.

 

ج ـ أشهر تلاميذُه:

قد أخذ عن الشيخ اللقاني كثير من الأجلاء منهم:

ولده عبد السلام، والشمس البابلي، والعلاء الشبراملسي، ويوسف الفيشي، ويس الحمصي، وحسين النماوي، وحسين الخفاجي، وأحمد العجمي، ومحمد الخرشي المالكي وغيرهم ممن لا يحصى كثرة، ولم يكن أحد من علماء عصره أكثر تلامذة منه.

د ـ أبرز مصنفاته:

ألف الشيخ اللقاني التآليف النافعة ورغب الناس في استكتابها وقراءتها، وأنفع تأليف له منظومته في علم العقائد التي سماها «بجوهرة التوحيد» أنشأها في ليلة بإشارة شيخه في التربية والتصوف الشيخ الشرنوبي. وله أيضًا: «توضيح ألفاظ الأجرومية»، و«قضاء الوطر من نزهة النظر في توضيح نخبة الأثر»، و«إجمال الوسائل وبهجة المحافل بالتعريف برواة الشمائل»، و«عقد الجمان في مسائل الضمان»، و«نصيحة الإخوان باجتناب شرب الدخان»، و«حاشية على مختصر خليل»، و«نثر المآثر فيمن أدرك من القرن العاشر».

ه ـ وفاتُه:

كانت وفاته رحمه الله وهو راجع من الحج سنة إحدى وأربعين وألف (1041ه)، ودفن بالقرب من عقبة أيلة بطريق الركب المصري([1]).

ثانيًا: التعريف بالمصدر ومحتوياته:

كتاب «منار أصول الفتوى وقواعد الإفتاء بالأقوى» كتبه اللقاني إجابة للشيخ جمال الدين -خطيب مدينة القيروان في عصره- عن سؤاله في حكم الطَّلاقِ ثلاثًا بكلمة واحدة، فناقش الإمام اللقاني هذه المسألة في كتابه هذا مع إيراد فتاوى بعض المفتين المجيزين لهذه المسألة؛ مستشهدين بحديث المبتوتة، والرد عليهم([2]).

وقد قسم الإمام اللقاني كتابه هذا إلى مقدمة وواحد وثلاثين فصلًا وخاتمة، استفتح هذا التقسيم ببيان بعض المصطلحات والمسائل الأصوليَّة المتعلقة بأصول الدين وعلم الكلام، وكانت نظرته ثاقبة في ذلك؛ إذ لا يخفى على أحدٍ أن عِلمَ أصول الدين وثيق الصلة بعلم أصول الفقه الذي يستمد منه علم الفتوى والإفتاء، فكأنه يريد ربط العلوم المتعلقة بموضوع كتابه ليزيده بذلك ثقلًا وعلمًا.

وكعادة السابقين في التدوين في علم الفتوى أفرد اللقاني جزءًا من كتابه للحديث عن صفة وأحكام المفتي والمستفتي والآداب اللازم توافرها في كلٍّ، ثم خصص جزءًا من كتابه لبيان اصطلاحات الإمام مالك رحمه الله في المذهب ليفقهها المتصدرون للفتوى، وقد سبقه في ذلك الإمام ابن حمدان في كتابه «صفة المفتي والمستفتي».

وكان ذلك كله بشكل عام في قضية الفتوى والإفتاء، ثم شرع في بيان مسألة الطلاق ثلاثًا بكلمة واحدة، وبيَّن الأمور التي تحل بها المطلقة ثلاثًا.

ثالثًا: القيمة العلمية للمصدر:

يعتبر كتاب «منار أصول الفتوى وقواعد الإفتاء بالأقوى» للإمام اللقاني من أهم كتب السادة المالكية في علم الفتوى والإفتاء؛ إذ هو من الكتب القليلة في المذهب المالكي المفردة بالتصنيف في هذه القضية، هو وكتاب الإمام الخشني «أصول الفتيا في الفقه على مذهب الإمام مالك»، إلا أن كتاب الخشني في الفروع الفقهية وليس في أصول الإفتاء وآدابه وقواعده، أما اللقاني فيتحدث عن أصول الفتوى من جهة أصولية، يبين فيها الأصول التي يلزم المفتي اعتمادها، وكيف يتعامل مع الفتوى، وما هي أوصاف المفتي والمستفتي؟

فكتاب اللقاني قد تميز بأنه قعد وضبط لعملية الفتوى والإفتاء، الأمر الذي يحتاج إليه في العصر الحديث، وعالج أمور الفتوى والإفتاء بطريقة مغايرة لتلك التي قدمها بعض المالكية؛ كالإمام الخشني والقرافي وابن فرحون في مؤلفاتهم، وجمع بين أصول الفقه وأصول الفتوى مع إيراد نماذج فقهية تعين على فهم ذلك.

كما يحتوي على نقول مهمة من أمهات الكتب الأصولية والفقهية، وعلى مناقشات وتحريرات وتنبيهات قيمة، خصوصًا في مجال أصول الفقه([3]).

والكتاب وإن كان في أصول الفتوى عند المالكية، إلا أنه قد تضمن آراء شافعية منتقاة من كتابي المجموع والروضة للنووي، ومن كتاب أدب المفتي والمستفتي لابن الصلاح. فقد ناقش اللقاني مختلف الآراء المتعلقة بالفتوى داخل المذهب وخارجه من غير تعصب أو تحيز([4]).

رابعًا: نماذج إفتائية:

1- قال اللقاني رحمه الله: «اعلم أن الحُكمَ إما طلب أو غير طلب، فأما الطلب فإنما يكون لفعل؛ لأنه المقدور للمكلف دون عدم الفعل. والفعل إما كف أو غير كف، وعلى التقديرين لا بد أن ينتهض الإتيان به سببًا للثواب؛ لأنه طاعة، وأما تركه في جميع وقته فقد ينتهض سببًا للعقاب وقد لا ينتهض. فهذه أربعة أقسام:

فإن كان طلبًا لفعل غير كف ينتهض تركه في جميع وقته سببًا للعقاب فوجوب.

وإن انتهض فعله خاصة سببًا للثواب فندب.

وإن كان طلبًا للكف عن فعل ينتهض ذلك الفعل سببًا للعقاب فتحريم.

وإن انتهض الكف خاصة سببًا للثواب فكراهة.

وأما غير الطلب فإن كان تخييرًا بين الفعل والكف عنه فإباحة وإلا فوضعي».

2- وقال: «اعلم أن المطلق والمقيد كالعام والخاص، فما جاز تخصيص العام به يجوز تقييد المطلق به، وما لا فلا».

3- وقال: «الأصح عندهم أن مُسمَّى اللفظ الشرعي أوضح من مسماه اللغوي في عرف الشرع؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم بُعث لبيان الشرعيات؛ فيحمل على الشرعي».

4- وقال: «المفتي مع الله تعالى كالمترجم مع القاضي، ينقل ما وجده عن القاضي واستفاده منه بإشارةٍ أو عبارةٍ أو فعل أو تقرير أو ترك».

5- وقال عن حكم الإفتاء: «إن لم يكن في القطر متأهل له إلا واحد تعين عليه، وإن كان فيه غيره فهو فرض كفاية يتوجه الخطاب به على الجميع ابتداء، فإذا قام به البعض سقط وجوبه عن الباقين على ما هو شأن سائر فروض الكفاية».

6- وقال: «اعلم أن المفتي كيف كان لا تحل له المبادرة إلى ما لا يتحققه».

7- وقال: «يجب على من حدثت له نازلة شرعية ليس عنده فيها علم، أو كان يُتهم فيها أن يستفتي من عُرفَ علمه وعدالته، ولو بإخبار الثقات العارفين إن لم يكن هناك استفاضة، فإن لم يكن عَارفًا بذلك وجب عليه البحث عن علمه بسؤاله الناس، ولا يجوز له استفتاء من انتسب إلى ذلك وانتصب للتدريس وغيره من مناصب العلماء بمجرد انتسابه وانتصابه».

8- وقال: «من لم تطمئن نفسه لجواب مفتي استحب له استفتاء غيره».

9- وقال: «قال العلماء: ينبغي للإمام أن يبحث ويسأل أهل العلم المشهورين في عصره عمن يصلح للفتوى ليمنع من لا يصلح لها؛ إذ يجب عليه منعه وتوعده بالعقوبة إن عاد لتعاطيها؛ لأنه من دفع الفساد في الدين».

10- وقال: «قال علماؤنا: من أفتى رجلًا فأتلف بفتواه مالًا فإن كان مجتهدًا فلا شيء عليه، وإلا فقال المازري: يضمن ما تلف بسبب فتواه».

([1]) ينظر: ترجمته في: خلاصة الأثر (1/ 6)، شجرة النور الزكية (1/ 421)، الأعلام (1/ 28).

([2]) ينظر: منار أصول الفتوى وقواعد الإفتاء بالأقوى، لإبراهيم بن إبراهيم بن حسن بن علي اللقاني، تحقيق: عبد الله الهلالي، وزارة الأوقاف المغربية، (ص 3)، وقد طبع الكتاب في (486) صفحة.

([3]) ينظر: مقدمة منار أصول الفتوى وقواعد الإفتاء بالأقوى (ص 3).

([4]) ينظر: السابق (ص: 93).

اترك تعليقاً