البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

الفصل الثالث آثار مراعاة آداب الفتوى

المبحث الثاني أثر مراعاة آداب الفتوى على المستفتي

88 مشاهدة

ولمراعاة آداب الفتوى أيضًا من قِبَل المفتي وكذا المستفتي أثرٌ على المستفتي، نذكر من ذلك:

1- وضوح الجواب في الفتوى:

وأثر مراعاة هذا الأدب: ألَّا يفهم المستفتي الفتوى على وجهٍ باطل، فتزِلَّ قدمُه في غير ما أراد الشرع، ويخالف بعمله نهج الشريعة الغراء، وقد أكد العلماء أهمية تحرير ألفاظ الفتوى، وضربوا الأمثلة بما يتناسب مع عصرهم، ومن ذلك ما ذكره العلامة البهوتي، حيث قال: “ويحرم على مفتٍ إطلاق الفتيا في اسم مشترك، قال ابن عقيل: إجماعًا؛ فمن سئل: أيؤكل أو يشرب أو نحوه برمضان بعد الفجر؟ لا بد أن يقول: الفجر الأول أو الفجر الثاني”([1]).

2- البعد عن الألفاظ متعددة الاحتمالات:

فعلى المفتي ألَّا تكون فتواه بألفاظ مجملة، وفائدة ذلك: إبعاد المستفتي عن الحيرة والتردُّد والاحتمال، فلو سُئل مثلًا عن الزكاة ما مصارفها؟ فلا ينبغي أن يجيب: الأصناف الثمانية المذكورة في كتاب الله، بل لا بد أن يعيِّن هذه الأصناف ويُعَدِّدها له؛ حتى لا يتركه في حيرة من أمره، وما زاده استفتاؤه إلا إيهامًا.

3- أن تكون الفتوى بألفاظ موجزة واضحة مفهومة المعنى:

فتكون الفتوى مستوفيةً لما يحتاج إليه المستفتي في سؤاله، بعيدةً عن الإطناب والحديث عما لم يسأل عنه ولا أثر له في الفتوى، بخلاف الإطناب والتفصيل الذي تحتاجه وتقتضيه الفتوى مراعاةً لحال المستفتي وسؤاله.

وأثر مراعاة هذا الأدب: أن ذلك أقْربُ إلى فهم المستفتي محل مسألته، فكثرة الكلام ينسي بعضه بعضًا، والإطناب قد يثني عن المطلوب.

4- ذكر دليل الحكم في الفتوى:

سواء كان عن نص من الكتاب أو السنة أو إجماع أو اجتهاد، ويذكر علته وحكمته، وإذا كانت المسألةُ مما اختلفت فيها أنظارُ المجتهدين فيندب للمفتي أن يذكرَ في فتواه الأدلَّةَ التي جعلته يرجِّحُ أو يأخذ بفتواه هذه.

وأثر مراعاة هذا الأدب: أنه أدْعَى للقبول بانشراح صدر وفهم لمبنى الحكم، وذلك أدْعَى إلى الطاعة والامتثال، وفي كثير من فتاوى النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الحكمة والدليل على فتواه؛ كحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تزوج المرأة على العمة والخالة، وقال: إنكن إذا فعلتن ذلك قطعتن أرحامكن))([2])، وقوله في وضع الجوائح: ((أرأيت إذا منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه؟))([3]).

5- عدم الجزم في الفتوى:

ينبغي ألا يجزم المفتي بأنَّ قولَه في الفتيا هو حكمُ الله إلا بنصٍّ قاطع الثبوت والدلالة، ويتجنَّب ذلك في الأمور الاجتهاديَّة، ويقول: الحكم شرعًا بكذا والله أعلم، وذلك بناءً على ما يَصِلُ إليه من الدليل الذي يغلبُ على ظنه أنه حكم الشرع.

وأثر هذا الأدب: أن يدركَ المستفتي أنَّ هذا الحكمَ هو ما أدَّاه إليه اجتهادُ المفتي، وهو ظني قد يُصيب فيه وقد يخطئ، فيعينه ذلك على تقبُّل ما يسمعه من آراء أخرى في المسألة، فلو جزم المفتي بأنَّ هذا حكمُ الله ربما حمل ذلك المستفتي على إنكار غيره من آراء في المسألة، ورمي أصحابها بالزندقة، وربما بالكفر.

6- التأني في الفتوى:

فلا يكون المفتي متسرعًا، فيصدر حكمه من دون تفكير ولا رويَّة.

وأثر مراعاة هذا الأدب: أنه ربما أفْضى تسرُّعه إلى الخطأ، والبُعد عن الحقيقة، وفي التأني السلامة، وثقة المستفتي بمفتيه، وتعظيم قدره عنده، فهو لا يصدر حُكمًا إلا بعد أن يتحققَ منه، وتكتمل عنده أركانه، فيكون أقْربَ إلى الصواب، وأبْعدَ عن الشطط والخطأ.

7- اجتناب التفصيل في مسائل العقيدة:

وأثر مراعاة هذا الأدب: أن يمنع المستفتي من الخوض فيما لم يكلف فيه ولا ينفعه، ولا يدعه يوحل قدمه في براثن الشبهات، تحتاط به حتى تهلكه، وإعراض المفتي عن خوضه معه فيها إعلام له ألا يشغل نفسه بما لا يعود عليه نفعه، وأن اشتغاله بطلب علم الواجبات من الحلال والحرام أولى به.

 

8- مراعاة حال المستفتين:

فيفتيه المفتي بما هو الأوفقُ لحاله، فقد يناسب حاله أن يُفتيَه بما فيه تغليظٌ عليه زجرًا له، وقد يناسب حاله أن يُفتيَه بما فيه تخفيفٌ عليه ترغيبًا له.

وأثر مراعاة هذا الأدب: حمل المستفتي على ما فيه الأصلح له في الحالين، فالمفتي كالطبيب يدلُّ المستفتي على ما يناسب حاله، فقد يكون هناك مستفتٍ التخفيفُ عليه يهلكه ولا يسعفه إلا التشديد، وقد يكون التشديد يقنطه ويبعده، ولا يقبل به إلا التخفيف.

([1]) شرح منتهى الإرادات، للبهوتي، (3/ 483).

([2]) أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب النكاح، باب حرمة المناكحة، برقم (4116) (9/ 426).

([3]) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب: إذا باع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، ثم أصابته عاهة فهو من البائع، برقم (2198) (3/ 77).

اترك تعليقاً