البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

تطور المذهب الحنفي

64 views
إن ملامح المذهب الحنفي قد تشكَّلت في حياة الإمام أبي حنيفة رحمه الله، الذي أرسى القواعد ورسم المنهج، ووضع أقدام أصحابه وتلامذته على الطريق الصحيح، فما تركهم إلا وقد تشكلت عندهم تلك الملكة الفقهية القادرة على الاجتهاد والاستنباط. فقد رحل الإمام ولم يرحل علمه ولم تنطوِ صحيفة حسناته، فقد ورَّث علمًا وخلَّف مجتهدين وفقهاء. وإذا كان الإمام أبو حنيفة لم يُعرف عنه أن كتب كتابًا مبوبًا في الفقه، إلا أن تلاميذه كان معروفًا عنهم أنهم يدونون آراءه، ويقيدونها، وربما كان ذلك بإملائه أحيانًا، فكانوا يتناولون المسألة اليوم واليومين والثلاثة، والشهر والشهرين حتى يستبين لهم الحكم فيها، ثم يأمر الإمام أبو حنيفة أصحابه بكتابتها، وكان في العشرة المتقدمين في التدوين: أبو يوسف، وزفر بن الهذيل، وداود الطائي، وأسد بن عمرو، ويوسف بن خالد السمتي، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة، لكن الإمام محمد بن الحسن الشيباني فاق جميع أصحاب الإمام أبي حنيفة في التدوين؛ لشدة تحريه وفقهه وحفظه، حتى صارت كتبه المعتمدة في نقل رأي أبي حنيفة وأبي يوسف وجميع كتب ظاهر الرواية التي عليها التعويل في نقل المذهب الحنفي هي من كتب محمد بن الحسن، وسوف نناقش ذلك بالتفصيل فيما يأتي من مطالب(55). فلم يقصر تلامذة الإمام في حمل تلك الأمانة، بل ساروا على نهج أستاذهم وأتموا ما بدأه، فكان لهم أثرٌ بارزٌ في تطوير المذهب الحنفي وإثرائه، ونشره في الآفاق.

(55) ينظر: المدخل المفصل إلى الفقه الحنفي لصلاح أبو الحاج (ص: 593) دار الفتح للدراسات والنشر- مركز أنوار العلماء للدراسات- الطبعة الأولى- 1438هـ/ 2017م.