البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

أدب المفتي والمستفتي

الفصل الثالث آثار مراعاة آداب الفتوى

81 views

تناولنا في الفصلين السابقين الآدابَ المتعلقة بالمفتي والمستفتي بما في ذلك الآداب العلمية، والسلوكية، إلى جانب الإشارة إلى بعض الأحكام المتعلقة بهما التي يجب على كل منهما أن يتحلى ويتأدب بها؛ حتى نصلَ إلى الهدف المنشود، وهو معرفةُ حكمِ الله تعالى في الواقعة أو النازلة المسؤول عنها بطريقة صحيحة، مما يعودُ بالنفع عليهما -المفتي والمستفتي- وعلى المجتمع.

فالمفتي هو أحد أركان الفتوى، وقد ذكرنا له جملةً من الآداب والأحكام التي ينبغي أن يتحلَّى ويتأدب بها، بعضها يرجع إلى آداب علمية نحو: مسؤوليته عن فتواه، والتأني فيها قبل إصدار الحكم، وتفصيل الجواب إذا كانت تستدعي ذلك، وذكر الحجة والدليل فيها، والاعتماد على المصادر الشرعية للفتوى، والمشاورة عند الإشكال، والتوقُّف والامتناع عن الفتوى عند خفاء المسألة، ووضوح الفتوى والبعد عن الألفاظ المبهمة متعددة الاحتمالات، وعدم إلقاء السائل في الحيرة والارتياب، وإرشاده وتوجيهه إلى ما ينفعه.

وبعضها الآخر يرجعُ إلى آداب سلوكية، نحو: حسن الهيئة والسيرة، وإخلاص النية لله سبحانه وتعالى، والاستعانة بالله والدعاء قبل الفتوى، والحلم والوقار وترك الغضب، والإنصاف وترك الميل في الفتوى، والرفق وحسن التعامل، والمحافظة على أسرار المستفتين.

والمستفتي هو ثاني أركان الفتوى، وقد ذكرنا له أيضًا جملةً من الآداب والأحكام التي ينبغي أن يتحلَّى ويتأدب بها، بعضها يرجع إلى آداب علمية نحو: وجوب الاستفتاء إذا وقع للمستفتي حادثة ليعلم حكمها، وتحري المفتي الأهل والكفء، والاستفتاء فيما ينفع المستفتي، وهل يجوز للمستفتي الأخذ بأي مذهب شاء؟ وموقف المستفتي من تعدُّد أقوال المفتين، وتجديد السؤال عند تكرار الواقعة للمستفتي، والاستفتاء بالتوكيل والإنابة، والبيان الدقيق للسؤال.

وبعضها الآخر يرجع إلى آداب سلوكية نحو: حفظ المستفتي الأدب مع المفتي، وحسن عرض السؤال عليه، وعدم مطالبة المفتي بالحجة والدليل على ما أفتاه به، والبعد عن امتحان المفتي وإحراجه، وتفهُّم صمت المفتي وتجاهله بعضَ المواقف، وعدم إقحام المفتين في معاركَ لم يكونوا طرفًا فيها.

ولا شكَّ أن لكل أدبٍ من هذه الآداب والأحكام أهميةً لدى المفتي والمستفتي التي تعود بالنفع عليهما وعلى المجتمع ككل.

فمراعاة المفتي هذه الآداب له أثرٌ على نفسه وعلى المستفتي أيضًا، ومراعاة الأخير هذه الآداب له أثرٌ عليه وعلى المفتي أيضًا، فهي عملية مزدوجة يؤثر كلٌّ منهما في الآخر، وفي الجملة فإنَّ مراعاة هذه الآداب له أثر على العملية الإفتائية، وإن كنا قد أشرنا لها في طيات هذا الكتاب، إلا أننا في هذا الفصل نسلط ونركز الضوء عليها لأهميتها.

لذا فإننا نخصص الكلام في هذا الفصل لآثار مراعاة آداب الفتوى على نحو ما مر، فنخصص المبحث الأول: لأثر مراعاة آداب الفتوى على المفتي.

والثاني: لأثر مراعاة آداب الفتوى على المستفتي.

والثالث والأخير: لأثر مراعاة آداب الفتوى على المجتمع، وذلك على النحو التالي بيانه.

اترك تعليقاً