البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

الباب الخامس

الفصل الثاني مفهوم إدارة الموارد البشرية

62 views

تعد إدارة الموارد البشرية واحدة من أهم العمليات الإدارية في المؤسسة، حيث إنها تهتم بالعنصر البشري الذي يُنفذ أنشطتها ومشاريعها جميعها، كما أن لهذا العنصر دورًا رئيسيًّا في تحقيق أهدافها، علمًا بأنها عملية تنظيمية تُعنى بالأمور التي لها علاقة بالأفراد العاملين في المؤسسة، كاختيارهم، وتعيينهم، وتدريبهم، وما إلى ذلك من أمور لها علاقة بشئون العمل، بالإضافة إلى الأبعاد الأخرى التي تترتب على حياتهم.

وفي هذا الفصل نتناول مفهوم إدارة الموارد البشرية من خلال المبحثين التاليين:

  • المبحث الأول: تعريف إدارة الموارد البشرية.
  • المبحث الثاني: الفرق بين إدارة الموارد البشرية وغيرها من الإدارات.

المبحث الأول

تعريف إدارة الموارد البشرية

تطور مفهوم «إدارة الموارد البشرية» في علم الإدارة من مفهوم قديم إلى مفهوم حديث يتماشى مع تغيرات العصر وما استجدَّ فيه من تطور فكرية وثقافية وسياسية واجتماعية.

فالمفهوم القديم: يرى أن «إدارة الموارد البشرية» ما هي إلا نشاط روتيني يشتمل على نواحي تنفيذية فقط، مثل: حفظ ملفات أو سجلات العاملين، ومتابعة الغياب والحضور والانصراف، والإجازات. وكانت تسمى وقتها «إدارة الأفراد» أو «إدارة شئون العاملين».

والمفهوم الحديث: ويرى أن «إدارة الموارد البشرية» هي إحدى الوظائف الأساسية في المؤسسة، ولها نفس أهمية الوظائف الأخرى؛ وذلك لأهمية العنصر البشري وتأثيره في نجاح المؤسسة وتنفيذ أهدافها وخططها.

ولذلك تعرف «إدارة الموارد البشرية Human Resources Management» في علم الإدارة الحديث بأنها: «مجموعة الممارسات والسياسات الإدارية المطلوبة لتنفيذ مختلف الأنشطة المتعلقة بالنواحي البشرية التي تحتاج إليها الإدارة لممارسة وظائفها على أكمل وجه؛ من خلال تحديد احتياجات المؤسسة من القوى العاملة، وتوفيرها بالأعداد والكفاءات المحددة، وتنسيق الاستفادة من هذه الثروة البشرية بأعلى كفاءة ممكنة».

وعلى ذلك فإدارة الموارد البشرية في المؤسسات الإفتائية تعني: مجموعة النشاطات التي تستهدف تطوير الفعالية الجماعية لمتصدري الفتوى والباحثين الشرعيين وغيرهم الذين يعملون في المؤسسة الإفتائية. وهي أيضًا: السياسات والإجراءات ذات العلاقة باختيار متصدري الفتوى، وتعيينهم، ووسائل التعامل معهم، وتنظيمهم داخل المؤسسة الإفتائية، وتوفير صلات التعاون بينهم وبين أمناء الفتوى والإدارة الإفتائية، وذلك بزيادة الثقة فيما بينهم؛ مما يساعد على وصول المؤسسة الإفتائية إلى المستويات الإنتاجية القصوى والمتميزة، وبما يضمن تحقيق الأهداف المرجوة في الإفتاء. ولذلك تسمى إدارة الموارد البشرية أيضًا بـ«إدارة رأس المال البشري»(1).

وهذا يستدعي من أية مؤسسة ألا تعامل الإنسان كعنصر من عناصر الإنتاج يُشترى ويُستغل، بل يجب توفير الحياة الكريمة له، ولا يقتصر ذلك في مجال العمل فحسب، بل خارج العمل أيضًا، واحترام كرامته ومشاعره وآرائه.

و«الموارد البشرية Human Resources» كمصطلح يعتبر حديثًا، وقد حل محل مصطلحي «الأفراد Personnel» و«القوى العاملة work force». ولقد كانت سنة ١٩٧٠م هي نقطة التحول التاريخية، وذلك عندما قامت الجمعية الأمريكية لإدارة الأفراد -وهي أكبر مؤسسة متخصصة في مجال الإدارة- بتغيير المصطلح إلى «إدارة الموارد البشرية»؛ وذلك حتى يتماشى مع الأدوار الاستراتيجية المتزايدة للموارد البشرية في نطاق المؤسسات أو المنظمات، وليصبح مديرو الموارد البشرية شركاء كاملين في الأعمال المتعلقة بالتخطيط الاستراتيجي.

و«الموارد البشرية» هي: مجموع الأفراد والعاملين المشكلين للقوى العاملة بالمؤسسة. ويُستخدم مصطلح «رأس المال البشري» بشكل مترادف مع مصطلح «الموارد البشرية». ويشير مصطلح «رأس المال البشري» إلى مجموعة المعارف والمهارات والخبرات والتدريب والمؤهلات المتوفرة لدى العاملين بالمؤسسة.

إن الدافع الأساسي للاهتمام بالموارد البشرية في الفكر الإداري التقليدي ناتج عن سعي المؤسسة إلى تحقيق أكبر ربح ممكن، بينما الدافع الإسلامي للاهتمام بالموارد البشرية جاء أساسًا من اهتمام الإسلام بالإنسان, حيث اعتبر الإنسان خليفة الله في الأرض، ورفع الإسلام قيمة العمل عاليًا واعتبره قيمة دينية وحضارية، تحتل أعلى المراتب في سُلَّم القيم الإسلامية، وإن تجريد العمل من طابعه ودوره الإسلامي أفقده أن يكون أكبر وازع يُصلح الخلل ويستدرك القصور في المؤسسات والشركات الخدمية والإنتاجية, بينما اتحاد الجانب الروحي مع الجانب المادي لدى الأفراد يزيد من فعاليتهم, لذلك على إدارة الموارد البشرية في منظمات الأعمال أن تُولي الجانب الروحي والأخلاقي المزيد من الاهتمام فيها.

ولقد ساهمت عدة عوامل متنوعة على الاهتمام بإدارة الموارد البشرية في الفكر الإداري الحديث وإبراز دورها في المؤسسات المعاصرة، وأهم هذه العوامل ما يلي:

  1. تغير نظرة الإدارة للفرد، فبعد أن كانت الإدارة تعتبر الفرد سلعة يبيع قوة عمله في سوق العمل، وأن يمكنه استخدامه وتشغيله وفق قوانين ثابتة كالآلات والمعدات، تغيرت هذه النظرة نتيجة للأبحاث والدراسات، وأصبح ينظر إليه كأهم العوامل في زيادة الإنتاجية وخلق القيمة وتعظيم الثروة. لذا فقد بدأت الإدارة تعامل الفرد العامل كإنسان له كيانه وشعوره، ويتمتع بخصائص شخصية مميزة، ويملك قيمًا وعواطف، ويبذل جهده إذا ما وُضع في موقع المسئولية والمشاركة في اتخاذ القرار.
  2. التطور العالمي والتطور التكنولوجي في مجال اختراع الآلات والوسائل والأساليب الحديثة في تكنولوجيا الإنتاج، الذي حتَّم استخدام قوى عاملة ذات مهارة وكفاءة عالية تستطيع استخدام تلك الآلات والأساليب بفعالية كبيرة. فالإنجازات الهائلة التي حققها التقدم العلمي مثل غزو الفضاء وتشغيل الحاسبات الإلكترونية وجني خيرات الأرض والبحار، لم يكن بالإمكان أن يعم خيرُها البشريةَ لولا مهارة وموهبة الإنسان في كيفية وإتقان استخدامها. ومن المفيد ذكره في هذا الصدد: أن هناك العديد من الدول التي حققت تقدمًا فنيًّا واقتصاديًّا عاليًا بسبب حسن إدارتها لمواردها البشرية.
  3. قياس العمل والتخصص فيه، حيث إن قياس أداء كل فرد أو كمية العمل الواجب تنفيذها خلال مدة زمنية معينة ساهم وإلى حد كبير في تطوير سياسات الأفراد في مجال الأداء، وفي التعرف على محددات الأداء المعنوية واستخدامها بفاعلية أكبر في تحقيق الرغبة في العمل. كما أن المشكلات التي أفرزها تقسيم العمل وتعميق التخصص فيه كالرتابة في الأداء والملل تُلقي على عاتق الإدارة مسئوليات جديدة تقتضي الحل والمعالجة؛ كإرضاء حاجة الشعور بالإنجاز وتحقيق الذات والتقدير الذاتي.
  4. صدور التشريعات والقوانين الحكومية المنظمة للعمل وحماية العاملين؛ وخاصة تلك التشريعات المتعلقة بالأجور، وساعات العمل، والخدمات، وظروف العمل… وغيرها.
  5. إعلان مبادئ حقوق الإنسان وانتشار الأفكار والمعتقدات التي تنادي بضرورة إنقاذ الإنسان من البؤس والشقاء التي يتعرض لها نتيجة استغلاله في المجتمعات الصناعية.
  6. ضغط النقابات العمالية على الإدارة في مجال حقوق العاملين في الدخول والإجازات والخدمات والرعاية الصحية والحماية من العجز والشيخوخة وما شابه ذلك.

وبناء على ما سبق تنامى الاهتمام بإدارة الموارد البشرية في المؤسسات الحديثة، وأصبحت الموارد البشرية تمثل أهمية استراتيجية لنجاح أية مؤسسة؛ لأنه من المستحيل أن يتحقق الاستخدام الأمثل لموارد المؤسسة الأخرى -المالية والمادية- إذا كانت المؤسسة تفتقر إلى الأفراد ذوي المهارات والمؤهلين والقادرين على أداء وظائفهم المطلوبة منهم.

ومن أجل ذلك برزت العديد من وظائف إدارة الموارد البشرية، والتي تتمحور حول إدارة الأشخاص الموجودين بالمؤسسة من خلال أساليب واستراتيجيات محددة تعمل على رفع أدائهم وحل مشكلات العمل وتحقيق المؤسسة لجميع أهدافها المنشودة. وقد تم تحديد وظائف إدارة الموارد البشرية في التالي: تخطيط الموارد البشرية، والوصف الوظيفي، والاستقطاب والاختيار والتعيين، والتدريب والتنمية، وتقييم الأداء، وتنمية المسار الوظيفي، وتقييم الوظائف وتصميم هيكل الأجور، وتنظيم علاقات العمل، والرعاية المتكاملة، والانضباط وإنهاء علاقة العمل(2).

1 وذلك في مقابل «رأس المال المادي» وهو أموال وممتلكات المؤسسة، و«رأس المال المعنوي» وهو سمعة المؤسسة ومكانتها في سوق العمل.

2 سوف يتم تناول تلك الوظائف بالتفصيل في الباب الثالث.

المبحث الثاني

الفرق بين إدارة الموارد البشرية وغيرها من الإدارات

يمكن تقسيم الإدارات المتعددة داخل المؤسسات بصفة عامة إلى ثلاثة قطاعات:

أ) القطاع الإداري:

ويشمل عدة إدارات؛ ومن أبرزها:

  1. إدارة التخطيط: ووظيفتها: إعداد الخطة الاستراتيجية العامة للمؤسسة بالتنسيق مع الإدارات الأخرى، ومتابعة تنفيذ تلك الخطة، ودراسة المشاكل والمعوقات التي تصادف تنفيذها.
  2. إدارة الجودة: ووظيفتها: التأكد من تقديم سلعة أو خدمة مطابقة للمعايير المرضية للعميل والمناسبة للشركة.
  3. إدارة الشئون القانونية:ووظيفتها: تقديم المشورة القانونية في جميع ما يحال للإدارة من مشاكل وشكاوى قانونية، ومباشرة التحقيقات في المخالفات التي تحال إليها من الإدارات الأخرى، وإعداد وصياغة ودراسة العقود التي تبرمها الإدارة، وتمثيل المؤسسة أمام الجهات القضائية.
  4. إدارة العلاقات العامة: ووظيفتها: فتح قنوات اتصال بين المؤسسة وغيرها من المؤسسات والجهات التي تتعامل معها، تنظيم المؤتمرات والملتقيات والمعارض وورش العمل والندوات العلمية المختلفة الخاصة بالمؤسسة.
  5. إدارة التطوير: ووظيفتها: تطوير أداء الجهاز الإداري المؤسسة، ومعالجة أوجه القصور داخل المؤسسة، ومواكبة المتغيرات والمستجدات المستقبلية في مجال عمل المؤسسة.

ب) القطاع الفني:

وهذا النوع من الإدارات الفنية يختلف من مؤسسة لأخرى، حسب نوعية نشاطها والمجال العلمي الذي تنتمي إليها. ومن أبرز إدارات هذا القطاع بصفة عامة:

  1. إدارة المشروعات: ووظيفتها:تنظيم وإدارة الموارد المتاحة في المشاريع، بطريقة يمكن من خلالها إنجاز المشروع بنجاح، في ظل مراعاة عوامل الجودة والوقت والتكلفة المتاحة.
  2. إدارة الأبحاث: ووظيفتها: إعداد الأبحاث والدراسات العلمية المتطورة التي تمكِّن المؤسسة من تطوير أنشطتها الفنية وتحسينها.

ومن أمثلة الإدارات الفنية في دور وهيئات الإفتاء: «إدارة الفتوى الشفوية، وإدارة الفتوى الهاتفية، وإدارة الفتوى المكتوبة، وإدارة الفتوى الإلكترونية، وإدارة فتوى المواريث، وإدارة الحساب الشرعي، وإدارة الأبحاث الشرعية، وإدارة تدريب المفتين».

ج) القطاع المالي:

ويشمل عدة إدارات؛ ومن أبرزها:

  1. إدارة المشتريات: ووظيفتها:الحصول على متطلبات المؤسسة واحتياجاتها من مختلف الأصناف.
  2. إدارة الحسابات: ووظيفتها:تأمين كافة الأعمال المحاسبية اللازمة لتدقيق الإيرادات والنفقات الخاصة بالمؤسسة، وإعداد السجلات والبيانات القانونية المطلوبة منها، وإعداد القوائم المالية الختامية، وتطبيق أحكام القوانين المالية والمحاسبية.

ومن خلال العرض السابق يتبين لنا الفرق بين إدارة الموارد البشرية وغيرها من الإدارات:

فإدارة الموارد البشرية وظيفتها الأساسية: تحديد احتياجات المؤسسة من القوى العاملة، وتوفيرها بالأعداد والكفاءات المحددة مع المحافظة عليها، وتنسيق الاستفادة من هذه الثروة البشرية بأعلى كفاءة ممكنة.

فإدارة الموارد البشرية تختص بـ«العنصر البشري». أما إدارة التخطيط فتختص بـ«الخطة الاستراتيجية العامة للمؤسسة»، وإدارة الجودة تختص بـ«مطابقة السلع أو الخدمات للمعايير المرضية للعميل»، وإدارة الشئون القانونية تختص بـ«الجوانب القانونية للمؤسسة»، وإدارة العلاقات العامة تختص بـ«الاتصال بين المؤسسة وغيرها»، وإدارة التطوير تختص بـ«تطوير أداء المؤسسة»، وإدارة المشروعات تختص بـ«تنفيذ المشاريع»، وإدارة الأبحاث تختص بـ«إعداد الأبحاث والدراسات العلمية المطوِّرة للمؤسسة»، وإدارة المشتريات تختص بـ«توفير احتياجات المؤسسة»، وإدارة الحسابات تختص بـ«إيرادات ونفقات المؤسسة».

اترك تعليقاً