البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

المطلب الأول

68 views

حقيقة الفتوى

التعريف بالفتوى:

الفتوى في اللغة: تأتي بمعنى الإظهار والإبانة، والإجابة عن السُّؤال؛ يقال: أفتاه في الأمر: أي أبانه له، والفتوى والفتيا، ما أفتى به الفقيه([1])، وهما اسمان يوضعان موضع الإفتاء، جاء في الصحاح: “واستفتيت الفقيه في مسألة فأفتاني، والاسم الفتيا والفتوى. وتفاتوا إلى الفقيه، إذا ارتفعوا إليه في الفتيا”([2]). فالفتوى والفتيا تبيين المشكل من الأحكام([3]).

يقول الزَّبيدي: “وأفتاه الفقيه في الأمرِ الذي يشكلُ: أبانه له. ويُقال: أفتيتُ فلانًا في رؤيا رآها: إذا عبرتُها له. وأفتيتُه في مسألةٍ: إذا أجبتُه عنها”([4]).

فالفتوى في اللغة إذًا تأتي في سياق توضيح المُشكلاتِ والإجابة عن الأسئلة، وتبيين الأحكام.

 وقد وردت مشتقات لفظ الفتوى في القرآن الكريم سواء بالمدلول العام لها؛ نحو قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَأُ أَفۡتُونِي فِي رُءۡيَٰيَ إِن كُنتُمۡ لِلرُّءۡيَا تَعۡبُرُونَ} [يوسف: 43]؛ يقول السمين الحلبي: “أي: تعبرون الرؤيا”([5]). ومثله قوله تعالى: {يُوسُفُ أَيُّهَا ٱلصِّدِّيقُ أَفۡتِنَا فِي سَبۡعِ بَقَرَٰتٖ}[يوسف: 46]، وأيضًا قوله تعالى حكايةً عن ملكة سبأ: {قَالَتۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَؤُاْ أَفۡتُونِي فِيٓ أَمۡرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمۡرًا حَتَّىٰ تَشۡهَدُونِ} [النمل: 32]. فالفتوى هنا هي طلب التعبير وهو التفسير.

أو المدلول الشرعي: نحو قوله تعالى: {ﭐوَيَسۡتَفۡتُونَكَ فِي ٱلنِّسَآءِۖ قُلِ ٱللَّهُ يُفۡتِيكُمۡ فِيهِنَّ} [النساء: 127]. أي يبين لكم حكم ما سألتم عنه([6])، وقال أيضًا: {ﭐيَسۡتَفۡتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفۡتِيكُمۡ فِي ٱلۡكَلَٰلَةِ} [النساء: 176]. قال ابن فارس: “ويقال: منه فتوى وفتيا”([7]).

فالمعنى الملاحظ للفتوى في الآيات الكريمة هو الجواب عما يشكل من الأحكام، أو الإجابة عن سؤال ما، أو طلب الاستيضاح أو طلب لتعبير الرؤى([8]).

وكذلك وردت مشتقات للفتوى في السُّنَّةِ النَّبويَّة الشريفة بالمدلول الشرعي نحو: قوله صلى الله عليه وآله وسلم لوابِصة بن مَعْبدٍ ((استفت نفسك، البر ما اطمأن إليه القلب، واطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في القلب، وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك))([9]).

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا([10]).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن سعد بن عبادة رضي الله عنه استفتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: إن أمي ماتت وعليها نذر، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: اقضه عنها))([11]).

وأورد الإمام مالك في موطئه عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه كان في قوم يقرؤون القرآن، فذهب عمر لحاجته، ثم رجع وهو يقرأ القرآن، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين، أتقرأ القرآن ولست على وضوء؟! فقال له سيدنا عمر: “مَنْ أفتاك هذا؟ أمسيلمة؟!”([12]).

وأورد عن سالم بن عبد الله أنه سمع أبا هريرة يحدث عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أنه مرَّ به قومٌ مُحْرِمون بالرَّبذةِ. فاستفتوه في لحم صيد وجدوا ناسًا أحلَّة يأكلونه. فأفتاهم بأكله. قال: ثم قدمت المدينة على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فسألته عن ذلك. فقال: “بم أفتيتهم؟” قال: فقلت: أفتيتهم بأكله، قال فقال عمر: “لو أفتيتهم بغير ذلك لأوجعتك”([13]).

الفتوى في الاصطلاح:

للفتوى في اصطلاح الفقهاء تعريفات متعددة، وهي في مجملها قريبة من بعضها ولا تبعد عن معناها في اللغة([14])، فقيل هي: “توقيع عن الله تبارك وتعالى”([15])، وقيل هي: “إخبار عن الله تعالى في إلزامٍ أو إباحة”([16]). وعرفت أيضًا بأنها: “الإخبار عن حكم شرعي لا على وجه الإلزام”([17])، وقيل هي: “تبيين الحكم الشرعي عن دليل لمن سأله عنه”([18]).

ويلاحظ من هذه التعريفات أنها تجتمع حول تعريف واحد([19])، وهو “الإخبار عن الحكم الشرعي لا على وجه الإلزام” وهو قيد هام؛ للتفريق بين الفتوى والقضاء، إذ المفتي يبين الحكم الشرعي في المسألة ويوضحه للمستفتي ولا يلزمه به، أما القاضي فهو يبين الحكم ويلزم به([20]).

والمفتي هو من يتصدر للفتوى بين الناس، وهو فقيه تعينه الدولة ليجيب عَمَّا يشكل من المسائل الشرعية أو القانونية، ودار الفتوى: هي مكان عمل المفتي([21]).

قال ابن حمدان المفتي “هو المخبر بحكم الله تعالى لمعرفته بدليله، وقيل هو: المخبر عن الله بحكمه، وقيل هو المتمكن من معرفة أحكام الوقائع شرعًا بالدليل مع حفظه لأكثر الفقه”([22]).

لذا فيمكن تعريف الفتوى بأنها: “تبيين الحكم الشرعي عن دليل لمن سأل عنه، لا على وجه الإلزام”، وهذا يشمل السؤال في الوقائع وغيرها([23]).

ويمكن التوسع في تعريف الفتوى فنقول: “هي إبانة الحكم عن دليلٍ في المسائل الشرعية أو القانونيَّة أو غيرهما مما يتعلق بسؤال المستفتي وغرضه”.

ولا تسمَّى الفتوى بهذا الاسم إلا إذا اشتملت على أربعة عناصر، هي ما يطلق عليه الأصوليون أركان الفتوى، وهي “المفتي، والمستفتي، والسؤال المستفتى عنه، والإجابة المفتى بها”، وأصل الفتوى هو سؤال المستفتي؛ قال ابن حجر “فتيا أصله السؤال، ثم سمي الجواب به”([24]).

فالفتوى إذًا مرتبطة بالمستفتي طالب الاستفتاء، والمفتي المجيب عليه، وبالسؤال أو الموضوع المسؤول عنه، وأخيرًا بالجواب الصادر من المفتي جوابًا على سؤال المستفتي.

 

 

 

 

 

 

 

حكم الفتوى:

الفتوى في الأصل فَرضٌ على الكفاية([25])؛ إذا قام بها البعض سقط التكليف عن الباقين، على ما هو شأن سائر فروض الكفايات([26])([27])، وإلا أثم الجميع.

قال المواق المالكي: “نَقَل أبو عمر عن الحسن ما نصه: ست إذا أدَّاها قومٌ كانت موضوعة عن العامة، وإذا اجتمعت العامة على تركها كانوا آثمين: الجهاد في سبيل الله -يعني سد الثغور والضرب في العدو- والفتيا، وغسل الميت، والصلاة عليه، والصلاة في الجماعة وحضور الخطبة”([28]).

وإنما كانت الفتوى في أصلها فرض كفاية؛ إذ إنه لا بد للمسلمين من يبين لهم أحكام دينهم فيما يقع لهم وما يستجد لهم من نوازل ومستجدات على الوجه الصحيح، ولا شك أنه لا يجيد ذلك كل أحد، فوجب أن يقومَ بهذا الدور من لديه القدرة على ذلك ممن توافرت له أهلية الإفتاء.

ولم تكن الفتوى فرض عين على المكلفين بداية؛ لأنها تقتضي تحصيل علوم جمة، فلو كلفها كل واحد لأفضى ذلك إلى تعطيل أعمال الناس ومصالحهم وحوائجهم اليومية؛ لانصرافهم إلى تحصيل علوم بخصوصها، وانصرافهم عن غيرها من العلوم النافعة، شأنها في ذلك شأن باقي فروض الكفايات؛ فليس من المعقول أن يتوافد الناس جميعًا على الفتيا، وينصرفوا عن شؤونهم اليومية، وتحصيل العلوم الأخرى؛ لما يؤدي إلى أضرار متعددة يترتب عليها انهيار المجتمعات.

يقول الغزالي: “فالإجماع منعقد على أن العَاميَّ مُكلَّف بالأحكام، وتكليفه طلب رتبة الاجتهاد محال؛ لأنه يؤدي إلى أن ينقطع الحرث والنسل وتتعطل الحرف والصنائع، ويؤدي إلى خراب الدنيا لو اشتغل الناس بجملتهم بطلب العلم، وذلك يرد العلماء إلى طلب المعايش ويؤدي إلى اندراس العلم، بل إلى إهلاك العلماء وخراب العالم، وإذا استحال هذا لم يبق إلا سؤال العلماء”([29]).

ومن الأدلة على فرضية الإفتاء:

1- قوله تعالى: {وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُۥ لِلنَّاسِ وَلَا تَكۡتُمُونَهُۥ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمۡ وَٱشۡتَرَوۡاْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ فَبِئۡسَ مَا يَشۡتَرُونَ} [آل عمران: 187].

2- وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((من سُئلَ عن علمٍ ثم كتمه أُلجم يوم القيامة بلجامٍ من نار))([30]).

ولهذا نَصَّ الإمام النووي على أن من فروض الكفاية القيام بإقامة الحجج العلمية، وحل المشكلات في الدِّين، ودفع الشبه، والقيام بعلوم الشرع كالتفسير والحديث والفروع الفقهية بحيث يصلح للقضاء والإفتاء للحاجة إليهما([31]).

إذًا فالإفتاء في أصله فرض كفاية إلا أنه قد يتعين على الشخص المسؤول ويصير فرض عين، وذلك بشروط منها:

الأول: أن لا يوجد في الناحية غيره ممن يتمكن من الإجابة، فإن وجد عالم آخر يمكنه الإفتاء لم يتعين على الأول، بل له أن يحيل على الثاني، والجواب عليهما على الكفاية، وقيل: إذا لم يحضر الاستفتاء غيره تعين عليه الجواب، وليس له أن يحيله على غيره، والصحيح أنه لا يتعين عليه بذلك([32])؛ ما دام أنَّه يوجد في الناحية من هو متأهل للفتوى أهلا لها؛ لما ورد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه قال: “أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل أحدهم عن المسألة، فيردها هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا، حتى ترجع إلى الأول”([33]).

قال الشيخ اللَّقاني: “فإن لم يكن في القطر متأهل له -أي: للإفتاء- إلا واحد تعين عليه، وإن كان فيه غيره، فهو فرض كفاية يتوجه الخطاب به على الجميع ابتداءً، فإذا قام به البعض سقط وجوبه عن الباقين على ما هو شأن سائر فروض الكفاية”([34]).

الثاني: أن يكون المسؤول عالمًا بحكم الله تعالى في نازلة السائل بالفعل، أو بالقوة القريبة من الفعل، إما باجتهاده إن كان مجتهدًا، وإما بتقليد إن كام مقلدًا -فيفتيه بنص من قلده- وإلا لم يلزم تكليفه بالجواب، لما عليه من المشقة في تحصيله.

الثالث: أن لا يمنع من وجوب الجواب مانع، كأن تكون المسألة عن أمرٍ غير واقع، أو عن أمرٍ لا منفعة فيه للسائل، إلى نحو ذلك([35]).

وإذا كانت الفتيا فرض عين بالضوابط السابقة أو فرض كفاية، فإنها تحرم على الجاهل بصواب الجواب([36])؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلۡسِنَتُكُمُ ٱلۡكَذِبَ هَٰذَا حَلَٰلٞ وَهَٰذَا حَرَامٞ لِّتَفۡتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ لَا يُفۡلِحُونَ}  [النحل: 116]، وقوله تعالى: {قُلۡ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلۡفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلۡإِثۡمَ وَٱلۡبَغۡيَ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَأَن تُشۡرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} [الأعراف: 33]، وقوله تعالى أيضًا: {وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡ‍ُٔولٗا} [الإسراء: 36]، ولقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((من أفتي بِفُتيا غير ثَبْتٍ فإنما إثمه على من أفتاهُ))([37]).

أما عن حكم الاستفتاء: فإن استفتاء السائل الذي لا يعلم حكم مسألته أو نازلته واجب عليه([38])؛ لوجوب العمل عليه حسب حكم الشرع؛ ولأنه إذا أقدم على العمل من غير علم فقد يرتكب الحرام، أو يترك في العبادة ما لا بد منه؛ قال الغزالي: “فالعامي يجب عليه الاستفتاء واتِّباع العلماء”([39]).

فعلى السائل إذًا مساءلة أهل العلم على نازلته التي ليس عنده فيها علم؛ وذلك لقول الله تعالى: {فَسۡ‍َٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} [النحل: 43]. فأمر سبحانه من لا يعلم بالرجوع إلى أهل العلم وقبول أقوالهم فيما كان من أمر دينهم، “وعلى ذلك نصت الأمة من لدن الصدر الأول ثم التابعين إلى يومنا هذا”([40]).

قال القرطبي: “فرض العامي الذي لا يشتغل باستنباط الأحكام من أصولها؛ لعدم أهليته فيما لا يعلمه من أمر دينه ويحتاج إليه: أن يقصد أعلم من في زمانه وبلده، فيسأله عن نازلته فيمتثل فيها فتواه، لقوله تعالى: {فَسۡ‍َٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} “([41]).

فأما إذا لم يجد المكلف من يفتيه في واقعته فإنه يسقط عنه التكليف بالعمل إذا لم يكن له به علم، لا مِن اجتهاد معتبر ولا من تقليد؛ لأنه يكون من باب التكليف بما لا يطاق، والقدرة هي مناط التكليف؛ إذ إنَّ شَرْط التكليف عند الأصوليين هو العلم بالمكلف به، وهذا غير عالم بالحكم عاجز عن الوصول إليه، فيكون حكمه حكم ما قبل ورود الشرع، وكمن لم تبلغه الدعوة([42]).

 

مكانة الفتوى:

الفتوى ركيزة من ركائز الدين، وعمود من أعمدته الرئيسة التي لا يمكن الاستغناء عنها؛ إذ هي من أهم الوسائل الموصلة إلى الحكم الشرعي بالنسبة لعوام المكلفين بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم، ولا سبيل للمكلف إلا اتباع ما جاءت به الفتوى الصادرة من أهل الاختصاص من أحكام شرعية تهدي المكلف إلى الحكم الموافق للشرع، وبالتالي ترفع عنه مشقة البحث عن الحكم بنفسه لِافتقاره إلى أدوات البحث والاستنباط الشرعي.

كما أنَّ للفتوى مكانة عظيمة، ومنزلة كبيرة تجليها نصوص الشرع الشريف، منها قوله تعالى: ﭐﱡوَيَسۡتَفۡتُونَكَ فِي ٱلنِّسَآءِۖ قُلِ ٱللَّهُ يُفۡتِيكُمۡ فِيهِنَّ وَمَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِﱠ [النساء: 127]، وقوله تعالى: {يَسۡتَفۡتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفۡتِيكُمۡ فِي ٱلۡكَلَٰلَةِ} [النساء: 176] فيخبرنا سبحانه أنه هو الذي يفتي عباده، فالفتوى تصدر أساسًا عن الله عز وجل، فهي خطاب من الله تعالى كالحكم الشرعي تمامًا. وكفى في بيان منزلة الفتوى ومكانتها شرفًا وجلالة توليها من قبل رب الأرباب ومسبب الأسباب بنفسه عز وجل.

يقول ابن القيم: “فإذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا ينكر فضله، ولا يجهل قدره، وهو من أعلى المراتب السَّنِيَّات، فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسماوات؟!”([43]).

وقد تولَّى صلى الله عليه وآله وسلم منصب الإفتاء في حياته باعتبار التبليغ، فكل ما يلفظ به هو وحي من الله عز وجل كما قال تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ} [النجم: 3، 4]، وكان ذلك من مقتضى رسالته صلى الله عليه وآله وسلم، وقد كلَّفه الله تعالى بذلك حيث قال: {بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلزُّبُرِۗ وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44].

فكانت فتاويه صلى الله عليه وسلم جوامع الأحكام، ومشتملة على فصل الخطاب، وقد أمرنا سبحانه بالرد والرجوع إليها حيث يقول سبحانه: {فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلًا} [النساء: 59]([44]).

فأي شرف وأي مكانة أن يقوم المفتي بأمر هو في الأصل يصدر عن رب العزة سبحانه وتعالى؛ قال ابن الصلاح: “الفتيا: توقيع عن الله تبارك وتعالى”([45]).

وباعتبار التبليغ يصدر عن سيد الخلق أجمعين سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فالمفتي هو خليفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أداء وظيفة البيان وتبيين الأحكام، وقد تولَّى هذه الخلافة بعده صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه الكرام رضوان الله عليهم، ثم أهل العلم بعدهم إلى يومنا هذا.

فالإفتاء هو تبيين أحكام الله تعالى وتطبيقها على أفعال الناس، فهو قول عن الله تعالى، حيث يقول المفتي للمستفتي: حق عليك أن تفعل، أو حرام عليك أن تفعل ذلك، ومن ثَمَّ شبه الإمام القرافي المفتي “بالترجمان عن مراد الله تعالى”([46]).

كما جعله النووي وابن القيم “بمنزلة الوزير الموقع عن المَلِك”([47])، ونَصَّ الشاطبي على أنَّه “مخبر عن الله كالنبي، وموقع للشريعة على أفعال المكلفين بحسب نظره كالنبي، ونافذ أمره في الأمة بمنشور الخلافة كالنبي، ولذلك سموا أولي الأمر، وقرنت طاعتهم بطاعة الله ورسوله في قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡ} [النساء: 59]([48]). ونُقِل عن ابن المنكدر قوله: “العالِم بين الله وبين خلقه، فلينظر كيف يدخل بينهم؟”([49]).                          

ومما يبرز مكانة الفتوى أيضًا: أنها من أرقى العلوم الفقهيَّة وأَعْظَمها شأنًا؛ فهي وإن كانت فرعًا من فروع علم الفقه، إلا أنها لا يتأهل لها كل دارس للفقه، بل لها علومها الخاصة إضافة إلى علم الفقه، نص عليها الفقهاء والأصوليون في كتبهم عند حديثهم على هذا الفن.

قال فضيلة الشيخ محمد العباسي المهدي الحفني، مفتي الديار المصرية الأسبق في مقدمة كتابه “الفتاوى المهدية”: “إنه من المعلوم لدى ذوي الفهوم أن من أجَلِّ العلوم قدرًا، وأسْنَاها حِكمةً، وأدَقِّها سرًّا، وأشْمَخها رتبةً، وأعلاها وأعظمها قيمة وأغلاها، وأفضلِ ما تَحَلَّتْ به العلماء، وامتازت بروايته النبلاء -علمَ الفقه… إذ عليه مدار صحة العبادات، وإليه المرجع في استقامة المعاملات… وناهيك بفن أثنى عليه لسان النبوة، ونوَّه بذكره وأظهر شأنه وسُموَّه، فقد قال خاتم النبيين: ((مَنْ يُرِدِ الله بِه خَيْرًا يُفَقِّهه فِي الدِّينِ)).

ولما كان فن الفتوى من أكبر مزاياه الجليلة، وأنضر محاسنه الفائقة الجميلة، لم تزل الجهابذة في سائر القرون والأعْصَار، وعامة البلاد والأمصار، ناشرين لواءه بين الأنام، قائمين بحمل أعبائه أحمد قيام… فلعمري إن هؤلاء العصابة هم في الحقيقة أهل الإصابة؛ لعموم الحاجة إليه، واعتماد الخاصة والعامة في حوادثهم عليه؛ فجزاهم الله تعالى عن دينه أحسن جزائه، ووالى عليهم جليل إحسانه وجزيل نعمائه، حيث أوضحوا مَحجَّتَه، وأبرزوا حُجَّته، وميزوا بين الغث والسمين، والصدَف من الدُّر الثمين؛ خدمةً منهم لتلك الخُطَّة الشريفة، وقيامًا بواجب الشريعة المُنيفة”.

إنَّ حاجة الناس إلى الفتوى وتبيين الحكم الشرعي المنضبط مع قواعد الشرع الحنيف فيما يتعرضون لهم من نوازل وحوادث ومستجدات، لا تقل عن حاجتهم إلى حفظ الدين والنفس والمال والعقل والنسل، بل هي السبيل الذي يتوقف عليه حفظ هذه الضروريات الخمس؛ إذ إن الفتوى المنضبطة من الأمور العظام التي يتوقف عليها إقامة الدين والدنيا.

وننوه على أنه مع هذه الدرجة العالية والمنزلة الرفيعة للإفتاء، إلا أنه ينبغي ألا تدفع هذه المنزلة الناس للإقبال عليه، والإسراع في ادِّعاء القدرة عليه، سواء أكان ذلك بحسن نية وهي تحصيل الثواب والفضل دون توافر الشروط والأحكام والآداب المشترطة للإفتاء، أم بسوء نية كالرياء والرغبة في التسلط والافتخار بين الناس، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ((أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار))([50]). وقال صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه: ((لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها))([51]).

فالإفتاء -مع جلالة منزلته ومكانته السابقة الإشارة لها- عظيم الخطر على من يتولاه؛ لأن المفتي موقِّع عن الله تعالى، ومخبرٌ بأحكام شريعته، التي أرسل الله تعالى الرسل وأنزل عليهم الكتب لأجل تبليغها للناس([52]).

يقول النووي: “اعلم أن الإفتاء عظيم الخطر كبير الموقع كثير الفضل؛ لأن المفتي وارث الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وقائم بفرض الكفاية لكنه معرض للخطأ، ولهذا قالوا: المفتي موقع عن الله تعالى”([53]).

ولخَطَر الفتوى وعظيم مكانتها؛ فقد رُوِي عن السلف وفضلاء الخَلَف في التوقف عن الفتيا أشياء كثيرة معروفة عنهم؛ منها:

ما ورد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه قال: “أدركت مائة وعشرين من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول”([54]). وفي رواية: “ما أحد منهم يحدث حديثًا إلا ودَّ أن أخاه كفاه الحديث، ولا يسأل عن فتيا، إلا ودَّ أن أخاه كفاه الفتيا”([55]).

وعن الشعبي والحسن وأبي حصين التابعين رضي الله عنهم قالوا: “إن أحدكم ليفتي في المسألة، ولو وردت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه لجمع لها أهل بدر”([56]).

وعن الشافعي وقد سئل عن مسألة فلم يجب فقيل له، فقال: “حتى أدري أن الفضل في السكوت أو في الجواب”([57]).

وعن الأثرم قال: سمعت أحمد بن حنبل يكثر أن يقول: “لا أدري”، وذلك فيما عرف الأقاويل فيه([58]).

وعن مالك أنه ربما كان يسأل عن خمسين مسألة فلا يجيب في واحدة منها، وكان يقول: “من أجاب في مسألة فينبغي قبل الجواب أن يعرض نفسه على الجنة والنار، وكيف يكون خلاصه في الآخرة، ثم يجيب”([59]).

وسئل رحمه الله تعالى عن مسألة فقال: “لا أدري”، فقيل: هي مسألة خفيفة سهلة، فغضب، وقال: “ليس في العلم شيء خفيف”([60]).

وعن أبي حنيفة أنه قال: “لولا الفَرَقُ من الله تعالى أن يضيع العلم ما أفتيت، يكون لهم المهنأ وعليَّ الوزر”([61]). وأقوال السلف والخلف في هذا كثيرة معروفة لا يتسع المقام لذكرها؛ مما يوضح لنا جانبًا من جوانب عظمة الفتوى، وخطورتها، ومكانتها في الإسلام، وقدرها بين المسلمين.

 

أنواع الفتوى:

تتنوع الفتوى إلى أنواع متعددة، نظرًا لاعتبارات متعددة، أهمها ما يلي:

أولًا: من حيث العموم والخصوص: تتنوع إلى:

أ- الفتوى العامة: وهي التي تتعلق بعموم المسلمين، أو بالمجتمع ككل، مما يعرف بقضايا النوازل العامة، أو الفتاوى المتعلقة بالشأن العام، وهموم المجتمع وقضاياه العامة.

ب- الفتوى الخاصة: وهي التي تتعلق بسائل بعينه، أو بحسب واقعة السؤال، والفتوى الخاصة مبنية على أساس الضرورة، فلا تعم جميع الأحوال والأزمان والأماكن والأشخاص إذ إن الضرورة تقدر بقدرها، وهي حالة استثنائية تنتهي بمجرد انتهاء موجبها؛ لذا عرفها بعض الباحثين المعاصرين بأنها: “استثناء فرد بحكم خاص لسبب”، أو أنها “تبيين حكم شرعي لفرد على وجه لا يشمل غيره؛ لسبب معتبر”([62]).

ثانيا: من حيث المصدر –صدورها وإنشاؤها-: تتنوع الفتوى إلى:

أ- الفتوى الفردية: وهي صدور الفتوى من مفتٍ واحد، بطريقة فردية، بناء على اجتهاده في المسألة، أو بتقليده للغير.

ب- الفتوى المجمعية: وهي التي تصدر بطريقة جماعية من مجموعة من الأشخاص المؤهلين للاجتهاد في القضية المعروضة مما لها ارتباط في الغالب بحياة عموم المسلمين أو بعض أفراده في قُطْرٍ ما أو مجتمع ما من المجتمعات، وذلك ببذل الجهد في البحث والنظر في هذه القضية، ثمَّ التشاور فيما بينهم؛ لاستنباط أو تنزيل الحكم الشرعي المناسب لتلك القضية([63]).

وقد حظي الإفتاء الجماعي في العقود الأخيرة باهتمامٍ مُتزايدٍ من قِبَل العلماء المعاصرين والمؤسسات والمجامع الفقهية ذات الطابع الإفتائي؛ نظرًا لأهميته وما يتيحه من التشاور وتبادل الآراء، وإحكام القول في بعض المسائل وخاصة ذات الاعتبار العام.

والإفتاء الجماعي له صور، منها:

– وجود كيانات أو هيئات دولية تضم عددًا من العلماء المجتهدين، من عموم البلدان والأقطار المختلفة، بحيث تجتمع لدراسة وبحث القضايا المعروضة؛ لإصدار الرأي فيها عن اتفاق أو أغلبية([64]).

– وجود هيئات مماثلة لكنها محلية تقتصر على عددٍ محدودٍ من علماء البلد الواحد، أو المذهب الواحد.

– اجتماع عدد من العلماء والباحثين على شكل جمعيات، أو بصفةٍ غير منتظمة من بلدٍ واحدٍ أو من عدة بلدان، وقيامهم بدراسة قضية ما، وإصدار رأيهم الجماعي فيها.

وتعدُّ الفتوى الصادرة عن الاجتهاد الجماعي في بعض القضايا ذات الشأن العام، من أهم وسائل الفتوى المنضبطة، والقضاء على ظاهرة فوضى الآراء الشاذة وبأخص في المسائل المتعلقة بالشأن العام، وذلك كما سيأتي إيضاحه في سياق هذا الكتاب بمشيئة الله تعالى.

ثالثًا: من حيث الحكم: تتنوع إلى:

أ– الفتوى في الأحكام الاعتقادية والأصولية: وهي مسائل الاعتقادات والإلهيات والسمعيات؛ كالإيمان بالله وما يتصف به من صفات، والإيمان بالرسل عليهم السلام، وسائر الغيبيات، وكل ما يتعلق بشؤون اليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، إلى غير ذلك مما يتعلق بمسائل العقيدة.

ولخطورة هذا النوع من الأحكام نصَّ الفقهاء على أنه يجب على المفتي الانتباه والحذر عن الإفتاء فيها، فعليه أن يقتصد في الإجابة، وأن يكون جوابه بالقَواعدِ الإجماليَّة، وأن يتجنب التفصيل فيها إلا فيما فيه نصوص قَطعيَّة، بل على المفتي أن “يمنع السائل وسائر العامة من الخوض في ذلك أصلا، ويأمرهم بأن يقتصروا فيها على الإيمان المجمل من غير تفصيل، وأن يقولوا فيها وفيما ورد من الآيات والأخبار المتشابهة: إن الثابت فيها في نفس الأمر كل ما هو اللائق فيها بالله تعالى وبكماله وعظمته وجلاله وتقديسه من غير تشبيه ولا تجسيم ولا تكييف ولا تأويل ولا تفسير ولا تعطيل”([65]).

ب- الفتوى في الأحكام العملية: وهي مسائل العبادات والمعاملات والعقوبات والأنكحة، إلى نحو ذلك؛ إذ يدخل في هذا النوع الأحكام التكليفية كلها: (الواجب، والمحرم، والمكروه، والمندوب، والمباح)، ويدخل فيه أيضًا الأحكام الوضعية كالإفتاء بصحة العبادة أو التصرف أو بطلانهما. والأحكام الشرعية العملية بهذا المعنى أوسع نطاقًا للفتوى؛ لأنها متعلقة بكل الأفعال البشرية([66]).

رابعًا: من حيث الحدوث والوقوع: تتنوع إلى:

أ- الفتوى الواقعية: وهي أن يسأل المستفتي عما وقع له فعلا، وهو محتاج إلى السؤال لمعرفة الحكم الموافق للشرع في نازلته، وعلى المفتي -إن لم يوجد غيره- المبادرة إلى جوابه على الفور، ولا يجوز تأخير بيان الحكم عن وقت الحاجة.

ب الفتوى الافتراضية: وهي أن يسأل المستفتي عن الحادثة قبل وقوعها له، فهذه لا تخلو من ثلاث حالات:

الأولى: أن يكون في المسألة نصٌّ من الكتاب أو السنة أو الإجماع، فيجوز للمفتي في هذه الحالة -ولا يجب عليه- بيان الحكم، وذلك بحسب الإمكان.

الثانية: أن تكون الحادثة بعيدة الوقوع أو غير ممكنة الوقوع، وإنما هي من المقدرات، فيكره للمفتي الكلام فيها؛ لأن السلف الصالح كانوا يكرهون الكلام عما لم يقع، ولأن الفتوى بالرأي إنما تجوز للحاجة والضرورة، وليست هناك حاجة أو ضرورة.

الثالثة: أن تكون الحادثة غير نادرة الوقوع، وغرض السائل الإحاطة بعلمها؛ ليكون على بصيرة إذا وقعت، فيستحب للمفتي هنا الجواب بما يعلم إن رأى المصلحة في ذلك([67]).

رابعًا: من حيث الموضوع وواقعة السؤال: تتنوع إلى:

أ- الفتوى في المسائل التقليدية: وهي الأحكام المقررة في الشرع، والمنصوص عليها في القرآن الكريم أو السنة النبوية أو إجماع الفقهاء، ويلحق بذلك أيضًا المسائل التي تناولها الفقهاء وعلماء الشريعة بالبحث سابقًا، ويسهل الوقوف على معرفة الحكم الشرعي فيها من خلال مراجعة المصادر الفقهية.

ب- الفتوى في النوازل المعاصرة والحوادث المستجدة، والقضايا والمشكلات التي برزت في العصر الحديث، ولم يتناولها الفقهاء المتقدمون بالبحث والدراسة، وتحتاج إلى نظر وبحث وتكييف فقهي في ضوء أدوات الاجتهاد المعاصر، وإدراك الواقع المعيش.

ولا شك أن هذا النوع أدق وأصعب من النوع السابق، ويحتاج إلى المفتي الماهر بصناعة الفتوى؛ لما يحتاجه هذا النوع من فهمٍ عميقٍ للمسألة، وتصوير دقيق وتكييف صحيح لها، ومراعاة للظروف المحيطة بها؛ لتنزيل الحكم الشرعي الذي يتناسب معها، وربما احتاج في ذلك إلى مشاورة أهل فنه من المجتهدين -المشورة والإفتاء الجماعي- أو الرجوع والاستعانة بأهل الاختصاص في العلوم الأخرى؛ لبيان الواقع الحقيقي المحيط بالنَّازلةِ المعروضة، ومن ثمَّ إصدار الحكم الشرعي المنضبط مع قواعد الدين الحنيف.

خامسًا: من حيث الصياغة: تتنوع الفتوى إلى([68]):

أ-الفتوى الشفوية: وهي أن تصدر الفتوى مشافهة بالنطق من المفتي بحيث يسمعها المستفتي ويدرك معانيها، وتعد الفتوى بالقول من أوضح أنواع الفتوى وأكثرها استعمالًا في الشرع؛ ومن مميزاتها: إمكان تحديد الجواب للمستفتي، والأخذ والرد معه إلى أن يتضح له المقصود ويتميز له، والفتوى بالقول هي الأصل في عملية الإفتاء([69])؛ يقول ابن الصلاح: “يجب على المفتي حيث يجب عليه الجواب أن يبينه بيانًا مُزيحًا للإشكال، ثم له أن يجيب شفاهًا باللسان”([70]).

ب- الفتوى بالفعل: وتكون في الأمور العملية المصحوبة بالهيئات الخاصة؛ حيث يكون البيان به أيسر مما عداها، كهيئات الصلاة، وغالبًا ما يحتاج مع الفعل إلى قول؛ ليعلم المستفتي أن الفعل بيان للشرع.

فإذا أرد المفتي بيان أمر للمستفتي فبإمكانه أن يفعله أمامه، ويطلب منه أن يأخذه عنه.

كما أن للمفتي أن يطلب من المستفتي أن يعمل الشيء أمامه ويصححه له حال الخطأ، ويقرره حال الصواب، وهذا النوع يكون أحيانًا أدل وأدق من سابقته.

ج- الفتوى بالكتابة: وهي تدوين الفتوى، وتقييدها بالخط، سواء كان ذلك التقييد في كتابٍ، أو ورقةٍ، أو موقع إلكتروني كما هو الحال في العصر الحاضر، إلى غير ذلك من ألوان الكتابة المختلفة.

وتعد كتابة الفتوى وصياغتها: من أفضل الأنواع وأقواها، خاصة في العصر الحاضر؛ حيث إنها تتميز عن غيرها، بضبط وإحكام القول فيها، فلا يتبعثر ذهن المستفتي، ويمكنه الرجوع إليها متى احتاج لها.

د- الفتوى بالإشارة: وتكون في الشيء الذي جوابه بـ: (نعم أو لا)، أو نحوهما مما يفهم بالإشارة، بتحريك اليد أو الرأس أو نحوهما.

هـ- الفتوى بالإقرار: وهو أن يترك المفتي الإنكار على تصرف معين شاهده ولم يعقب عليه، فسكوته دال على جواز ذلك التصرف، فإنه إن لم يكن هذا التصرف صحيحًا، لما سكت عنه المفتي؛ لأنه لا يقر على تصرف غير جائز يصدر بحضرته([71]).

وننوه هنا على أن الإفتاء بالفعل أو الكتابة أو الإشارة أو الإقرار إضافة إلى الإفتاء بالقول، إنما هو من خصائص الفتوى، وذلك بخلاف القضاء؛ حيث القضاء لا يكون إلا بالقول فقط.

سادسًا: من حيث ذكر الدليل: تتنوع إلى:

أ- الفتوى المختصرة: وهي التي تقتصر في بيان الحكم الشرعي على الراجح لدى المفتي، مع ذكر بعض أدلتها، وقد تصدر الفتوى مجردة من الدليل، كما قد يشار أحيانًا في الفتوى المختصرة إلى آراء الفقهاء في المسألة باختصار، وذلك على حسب المقام، وحال السائل وغرضه.

ب- الفتوى المطولة: وهي التي تقوم على تأصيلٍ للحكم الشرعي بتمهيدٍ وبيانٍ وعرض لآراء الفقهاء في المسألة ونصوصهم وأدلتهم، ثم بيان الراجح من الخلاف الفقهي ودليله، وذلك على حسب المقام وغرضه، وذلك في الوقائع الهامة التي تتعلق بالأمة والمجتمع، والأحكام غير المألوفة للناس، فيحسن للمفتي الإطناب فيها بالحث والإيضاح والاستدلال، وبيان الحكم والعواقب، ليحصل الامتثال التام([72])([73]).

يتجلى مما سبق أنَّ للفتوى أنواعًا متعددة لاعتبارات وحيثيات مختلفة، فبعضها يرجع إلى كونها عامة وخاصة، والبعض يرجع إلى كيفية إصدارها، ومنها ما يرجع إلى النظر للحكم الصادر، إلى غير ذلك مما سبق الإشارة إليه.

وفي إطار دراستنا لـمفهوم “الفتوى المنضبطة، المنطلقات والآثار” سنرتكز على بعض هذه التقسيمات، نحو الفتوى من حيث العموم والخصوص: (الفتوى العامة، والفتوى الخاصة)، والفتوى من حيث إصدارها (الفتوى الجماعية، والفتوى الفردية)؛ ببيان أن الفتاوى ذات الشأن العام تحتاج من الضوابط والآليات ما لا يتطلب في غيرها كي نصل للفتوى المنضبطة الصحيحة، التي يترتب عليها تبعًا استقرار المجتمعات كأحد أهم آثار الفتوى المنضبطة… كل هذا وغيره سيتضح في ثنايا هذا الكتاب بمشيئة الله تعالى.

 

 

([1]) القاموس المحيط للفيروزآبادي، (1/ 1320)، ط. مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت- لبنان، الطبعة: الثامنة، سنة 1426هـ- 2005م.

([2]) الصحاح، للفارابي، (6/ 2452)، ط. دار العلم للملايين– بيروت، الطبعة: الرابعة، سنة 1407هـ- 1987م.

([3]) تهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري، (14/ 234)، دار إحياء التراث العربي- بيروت، الطبعة: الأولى، سنة 2001م. ولسان العرب لابن منظور، (15/ 147- 148)، ط. دار صادر- بيروت، الطبعة: الثالثة، سنة 1414هـ.

([4]) تاج العروس، للزبيدي، (39/ 211)، ط. دار الهداية.

([5]) الدر المصون، للسمين الحلبي، (3/ 350)، ط. دار القلم- دمشق، سنة 2016م.

([6]) الجامع لأحكام القرآن “تفسير القرطبي”، للقرطبي، ط. دار الكتب المصرية- القاهرة، الطبعة: الثانية، سنة 1384هـ- 1964م.

([7]) معجم مقاييس اللغة، لابن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، ط. دار الفكر، سنة 1399هـ- 1979م.

([8]) فالإفتاء يصدق في الأصل في كل علم، فكل من بَيَّن مسألة لآخر فقد أفتاه، ولكن اشتهر في العرف إطلاق “الإفتاء” على المسائل الشرعية فقط، فللفتوى إذًا حقيقة عرفية، وهي إطلاقها على ما يتعلق بالشرع دون غيره من المجالات.

ينظر: أصول الفتوى والقضاء في المذهب المالكي، لمحمد رياض، (ص175- 176)، ط. مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء- المغرب، الطبعة الأولى، سنة 1416هـ- 1996م.

([9]) أخرجه أحمد في “المسند”، (29/ 527). والدارمي في “سننه”، باب: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك (3/ 1649).

([10]) متفق عليه: أخرجه البخاري في “صحيحه”، باب: كيف يقبض العلم، (1/ 31). ومسلم في “صحيحه”، باب رفع العلم وقبضه، (4/ 2058).

([11]) متفق عليه: أخرجه البخاري في “الصحيح” واللفظ له، باب: ما يستحب لمن توفي فجأة أن يتصدقوا عنه، وقضاء النذور عن الميت، (4/ 9). ومسلم في “الصحيح”، باب: الأمر بقضاء النذر، (3/ 1260).

([12]) موطأ الإمام مالك، (1/ 200).

([13]) المرجع السابق، (1/ 352).

([14]) إلا أنَّ معناها في اللغة أعم منها في الاصطلاح.

([15]) أدب المفتي والمستفتي، لعثمان بن عبد الرحمن، أبي عمرو تقي الدين المعروف بابن الصلاح، (ص24)، ط. مكتبة العلوم والحكم- المدينة المنورة، الطبعة: الثانية، 1423هـ- 2002م.

([16]) الذخيرة، للقرافي (10/ 121)، ط. دار الغرب الإسلامي- بيروت، الطبعة الأولى، سنة 1994م.

([17]) مواهب الجليل، للحطاب، (1/ 32)، ط. دار الفكر، الطبعة: الثالثة، سنة: 1412هـ- 1992م. وينظر أيضا: الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام المعروف بشرح ميارة، لأبي عبد الله، محمد بن أحمد بن محمد الفاسي، ميارة (1/ 7)، ط. دار المعرفة.

([18]) صفة الفتوى والمفتي والمستفتي، لأبي عبد الله أحمد بن حمدان بن شبيب بن حمدان النميري الحرَّاني الحنبلي، (ص4)، المكتب الإسلامي- بيروت، الطبعة: الثالثة، 1397هـ.

([19]) باستثناء التعريف الثاني للإمام القرافي للفتوى بأنها: “إخبار عن الله تعالى في إلزام أو إباحة”.

([20]) كشاف القناع عن متن الإقناع، لمنصور بن يونس البهوتي الحنبلي، (6/ 299)، دار الكتب العلمية.

([21]) المعجم الوسيط، لإبراهيم مصطفى وآخرين، (2/ 673- 674)، مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ط. دار الدعوة.

([22]( صفة الفتوى، لابن حمدان، (ص4)، مرجع سابق.

([23]) الموسوعة الفقهية الكويتية (32/ 20).

([24]) فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن حجر أبي الفضل العسقلاني الشافعي، (1/ 165)، ط. دار المعرفة- بيروت، سنة 1379هـ.

([25]) مختصر العلامة خليل، للشيخ خليل بن إسحاق بن موسى ضياء الدين الجندي المالكي المصري، (ص88)، ط. دار الحديث- القاهرة، الطبعة: الأولى، سنة 1426هـ- 2005م. وآداب الفتوى والمفتي والمستفتي، لأبي زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، (ص13)، ط. دار الفكر- دمشق، الطبعة: الأولى، 1408هـ. وصفة الفتوى، لابن حمدان، (ص3)، مرجع سابق.

([26]) كالقيام بعلوم الشرع، ودفع الضرر عن المسلمين، والقضاء، والشهادة، والإمامة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورد السلام، وتجهيز الميت، والصلاة عليه، إلى نحو ذلك.

([27]) منار أصول الفتوى وقواعد الإفتاء بالأقوى، للفقيه المالكي إبراهيم اللقاني، (ص239)، ط. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية- المملكة المغربية، سنة 1423هـ- 2002م.

([28]) التاج والإكليل لمختصر خليل، لأبي عبد الله المواق المالكي، (4/ 538)، ط. دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، سنة 1416هـ- 1994م.

([29]) المستصفى، للغزالي، (ص372)، دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1413هـ- 1993م.

([30]) أخرجه أبو داود في “سننه”، باب كراهية منع العلم، (3/ 321)، والترمذي في “سننه”، باب ما جاء في كتمان العلم، (5/ 29).

([31]) فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب، لأبي زكريا الأنصاري، (2/ 208)، ط. دار الفكر للطباعة والنشر، سنة 1414هـ- 1994م. وشرح العلامة جلال الدين المحلي على منهاج الطالبين، المطبوع مع حاشيتي قليوبي وعميرة، (4/ 215)، ط. دار الفكر- بيروت، سنة 1415هـ- 1995م.

([32]) أدب المفتي والمستفتي، لابن الصلاح، (ص108- 109)، مرجع سابق. والمجموع شرح المهذب، للنووي، (1/ 45)، دار الفكر.

([33]) الفقيه والمتفقه، للبغدادي، (2/ 23)، دار ابن الجوزي- السعودية، الطبعة: الثانية، سنة 1421هـ.

([34]) منار أصول الفتوى، لإبراهيم اللقاني، (ص239)، مرجع سابق.

([35]) أدب المفتي والمستفتي، لابن الصلاح، (ص109)، والمجموع للنووي، (1/ 45)، مرجع سابق. ومنار أصول الفتوى، لإبراهيم اللقاني، (ص267- 268)، مرجع سابق. وحكم الإفتاء بحث منشور على موقع دار الإفتاء المصرية: www.dar-alifta.org

([36]) صفة الفتوى، لابن حمدان، (ص6)، مرجع سابق.

([37]) رواه ابن ماجه في “السنن”، باب: اجتناب الرأي والقياس، (1/ 20). والحاكم في “المستدرك”، (1/ 183).

([38]) أدب المفتي والمستفتي، لابن الصلاح، (ص158)، مرجع سابق. وآداب الفتوى والمفتي والمستفتي، للنووي، (ص71)، مرجع سابق. وصفة الفتوى، لابن حمدان، (ص68)، مرجع سابق. ومنار أصول الفتوى، لإبراهيم اللقاني، (ص255)، مرجع سابق.

([39]) المستصفى، للغزالي، (ص372)، مرجع سابق.

([40]) الفصول في الأصول، لأبي بكر الجصاص، (4/ 281- 282)، ط. وزارة الأوقاف الكويتية، الثانية، 1414هـ- 1994م.

([41]) الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، (2/ 212)، مرجع سابق.

([42]) الموافقات، للشاطبي، (5/ 334)، ط. دار ابن عفان، الطبعة: الأولى، سنة 1417هـ- 1997م. وينظر أيضًا: صناعة الإفتاء، للدكتور علي جمعة، (ص17)، ط. نهضة مصر، الطبعة الأولى، سنة: 2008م.

([43]) إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، (1/ 9)، ط. دار الكتب العلمية- بيروت، الطبعة: الأولى، سنة 1411هـ- 1991م.

([44]) المرجع السابق نفسه.

([45]) أدب المفتي والمستفتي، لابن الصلاح، (ص24)، مرجع سابق.

([46]) ينظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (32/ 23).

([47]) آداب الفتوى والمفتي والمستفتي، للنووي، (ص14)، مرجع سابق. وإعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، (1/ 9)، مرجع سابق. وينظر أيضًا: الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، لمحمد الحجوي الثعالبي الجعفري الفاسي، (1/ 129)، ط. دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، الطبعة: الأولى، سنة 1416هـ- 1995م.

([48]) الموافقات، للشاطبي، (5/ 257)، مرجع سابق.

([49]) آداب الفتوى والمفتي والمستفتي، للنووي، (ص14)، مرجع سابق.

([50]) أخرجه الدارمي، في “سننه”، باب الفتيا وما فيه من الشدة، (1/ 258).

([51]) متفق عليه: أخرجه البخاري في “صحيحه”، باب: من لم يسأل الإمارة أعانه الله عليها، (9/ 63). ومسلم في “صحيحه”، باب النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها، (3/ 1456).

([52]) صناعة المفتي: “الإفتاء بغير علم”، بحث منشور على موقع دار الإفتاء المصرية: www.dar-alifta.org

([53]) آداب الفتوى والمفتي والمستفتي، للنووي، (ص13- 14)، مرجع سابق.

([54]) أخرجه البيهقي في “المدخل إلى السنن الكبرى”، باب: التوقي عن الفتيا والتثبت فيها، (1/ 433). والبغدادي في “الفقيه والمتفقه”، باب: القول في السؤال عن الحادثة والكلام فيها قبل وقوعها، (2/ 23).

([55]) ذكرها البغدادي في “الفقيه والمتفقه”، باب: القول في السؤال عن الحادثة والكلام فيها قبل وقوعها، (2/ 23).

([56]) أخرجه ابن بطة في “إبطال الحيل”، (ص62). والبيهقي في “المدخل إلى السنن الكبرى”، باب: التوقي عن الفتيا والتثبت فيها، (1/ 434). وذكره ابن الصلاح في “أدب المفتي والمستفتي” (ص76).

([57]) أورده النووي في “آداب الفتوى والمفتي” (ص15).

([58]) أخرجه البغدادي في “الفقيه والمتفقه”، (2/ 371). وذكره ابن الصلاح في “أدب المفتي والمستفتي” (ص79).

([59]) ذكره القاضي عياض في “ترتيب المدارك”، (1/ 179). وابن الصلاح في “أدب المفتي والمستفتي” (ص79- 80).

([60]) ذكره القاضي عياض في “ترتيب المدارك”، (1/ 184). وابن الصلاح في “أدب المفتي والمستفتي” (ص80).

([61]) ذكره البغدادي في “الفقيه والمتفقه”، (2/ 356)، وابن الجوزي في “تعظيم الفتيا”، (1/ 125).

([62]) الفتوى الخاصة “دراسة تأصيلية”، د/ نوال بنت حسن بن سليمان الغنام، (ص865)، بحث مقدم لمؤتمر الفتوى واستشراف المستقبل، جامعة القصيم- المملكة العربية السعودية، عام 1435هـ- 2016م.

([63]) الاجتهاد الجماعي المعاصر “إشكاليات التطبيق ومقترحات المعالجة والتطوير”، د. نبيل جمعة العبري، (ص597)، بحث منشور في مجلة الشارقة للعلوم الشرعية والدراسات الإسلامية، المجلد 17، العدد (1)، لسنة 1441هـ- 2020م.

([64]) فقد ظهر في الآونة الأخيرة ظهور عدد من المؤسسات والهيئات الشرعية المتخصصة، ذات الطابع الإفتائي الجماعي في مواجهة النوازل والمستجدَّات، على رأس تلك المؤسسات “الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم” التي أنشئت عام 2015م، ككيان ومظلة جامعة للمؤسَّسات الإفتائيَّة.

([65]) صفة الفتوى والمفتي والمستفتي لابن حمدان (ص44- 45)، مرجع سابق. وانظر أيضًا: أدب المفتي والمستفتي لابن الصلاح (1/ 153- 154)، مرجع سابق.

([66]) أصول الفتوى والقضاء، لمحمد رياض، (ص198). مرجع سابق.

([67]) إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، (4/ 120)، مرجع السابق، ومعالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة، لمحمد الجيزاني، (1/ 508)، دار ابن الجوزي، الطبعة: الخامسة، 1427هـ.

([68]) ينظر: الفتيا ومناهج الإفتاء، للأشقر، (ص77- 78)، ط. مكتبة المنار الإسلامية، الطبعة الأولى، سنة 1396هـ- 1976م. وضوابط الفتوى في الشريعة الإسلامية، (ص54- 57)، لمحسن صالح الدوسكي، ط. مكتبة نزار مصطفى الباز- السعودية، الطبعة الثانية، سنة: 1428هـ- 2007م.

([69]) المجموع شرح المهذب، للنووي، (1/ 90)، مرجع سابق. وصفة الفتوى والمفتي والمستفتي، لابن حمدان، (ص64)، مرجع سابق.

([70]) أدب المفتي والمستفتي، لابن الصلاح، (ص134)، مرجع سابق. وآداب الفتوى والمفتي والمستفتي، للنووي، (ص44)، مرجع سابق.

([71]) ينظر: الموافقات، للشاطبي، (5/ 265)، مرجع سابق.

([72]) الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام، لأبي العباس شهاب الدين القرافي، (ص364)، دار البشائر الإسلامية، بيروت- لبنان، الطبعة: الثانية، سنة 1416هـ- 1995م. وإعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، (4/ 125- 126)، مرجع سابق.

([73]) ينظر: أنواع الفتوى، بحث منشور على موقع دار الإفتاء المصرية: www.dar-alifta.org

اترك تعليقاً