البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

المبحث الثاني

70 views

آثار الفتوى المنضبطة على المجتمع

ويشتمل على ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: تحقيق التوازن الفكري في المجتمع.

المطلب الثاني: تحقيق الاستقرار والسكينة في المجتمع.

المطلب الثالث: محاربة الفكر المتطرف، والأفكار الدخيلة على الشرع الحنيف.

 

 

المطلب الأول

تحقيق التوازن الفكري في المجتمع

من المعلوم أن الفتوى يحتاج إليها الناس في كافة مجالات الدين والدنيا، فهي داخلة في باب العقائد، والأحكام، والآداب، والمعاملات، والأنكحة، والجزاءات، والقضاء، ونحو ذلك.

لذا لا بد أن تكون الفتوى على وفق المنهج الصحيح المنضبط؛ حتى يكون لها الأثر الإيجابي في محافظة المجتمع الإسلامي على هويته، ولا زال العلماء الربانيون الملتزمون بالنهج القويم يسددون مسيرة الأمة، ويصححون ما عسى أن يقع فيها من انحرافات تبعًا لمنهج النبي صلى الله عليه وآله وسلم والخلفاء الراشدين وسائر صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم([1]).

وقد حذر العلماء على مدار العصور من التساهل في الفتوى المفضي إلى انسلاخ المجتمع المسلم من هويته وثوابت الدين الحنيف، لذا حذروا من المفتي الماجن الذي يفتي بهواه، وما ذلك إلَّا لضرر ذلك وخطره على الفرد والمجتمع والأمة([2])، وكم في الأمة اليوم ممن يسعى بفتاواه الخارجة عن منهج الوسطية إلى إخراج الأمة من تميزها والتزامها بدينها، كحال فتاوى الغلو ممَّن يُكفرون مجتمعات المسلمين، وأيضًا كحال أصحاب فتاوى التسوية في الميراث بين الرجل والمرأة، ومعارضة آيات المواريث التي جعل الله للمرأة فيه النصف من نصيب الرجل، وكفتوى إباحة أكل الخنزير بحجة أن المحرَّم كانت خنازير سيئة التغذية. فهذه الفتاوى الشاذة وأشباهها ليس الغرض منها إلا سلب الأمة من هويتها الإسلامية، وإخراجها من وسطيتها التي أراد الله لها.

لذا نقول: إن من آثار الفتوى المنضبطة على المجتمع أنها تحافظ على هويته وثوابت هذا الدين الحنيف، متى التزمت المنهج الوسطي الصحيح، مما يحقق بالضرورة التوازن الفكري في المجتمع.

ولقد جعل الله اجتماع الإنسان بغيره وحاجته إليه مما لا يمكن دفعه، وعند اجتماع الإنسان بغيره يحتاج إلى الانتظام وحسن التعايش والطمأنينة على حقوقه، فلا يعتدي أحد على أحد في عرض أو مال أو دم، كما تُصان الحقوق العامة مما شرعه الله عز وجل لانتظام أحوال المسلمين وحُسن تعايُشهم وسلامة مجتمعهم، وتحقيق ذلك هو الأمن الذي هو مطلب لكل أمة([3]).

وقد جاء القرآن الكريم والسنة المشرفة ببيان أهمية الأمن، ففي دعاء إبراهيم عليه السلام ربَّه قوله: {وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِيمُ رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا ٱلۡبَلَدَ ءَامِنٗا وَٱجۡنُبۡنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعۡبُدَ ٱلۡأَصۡنَامَ} [إبراهيم: 35]، وامتنَّ الله تعالى على أهل البلد الحرام بالأمن فقال: {أَوَ لَمۡ نُمَكِّن لَّهُمۡ حَرَمًا ءَامِنٗا يُجۡبَىٰٓ إِلَيۡهِ ثَمَرَٰتُ كُلِّ شَيۡءٖ رِّزۡقٗا مِّن لَّدُنَّا} [القصص: 57]، وعن سلمة بن عبيد الله بن محصن الخطمي عن أبيه -وكانت له صحبة- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا))([4]).

ومعلوم أن الصحة في الأبدان، والأمن في الأوطان من أعظم النعم على الإنسان، فأمن المجتمع يتحقق بحراسة الدين وسياسة الدنيا به، يقول الغزالي: “والمصلحة إما أن تتعلق بالدين أو بالدنيا، فبالعلماء ‌حراسة ‌الدين، وبالأجناد حراسة الدنيا”([5])، وذلك يدور على حفظ الضروريات الخمس من: الدين، والعقل، والنفس، والعرض، والمال، في جانب الوجود بتزكيتها وترقيتها، وفي جانب العدم بحمايتها من الفناء والزوال.

فاستقرار وتحقيق الأمن المجتمعي -من خلال معالجة مشكلاته وقضاياه، والتصدي للتطرف والغلو في الفكر الديني والسياسي ونحو ذلك- يؤدي إلى أن يعم الأمن، وتتحقق السكينة للمجتمع؛ حيث إن الغلو والتشدد في الأفكار والآراء الدينية ونحوها آفة تصيب الإنسان بالعنف وعدم تقبُّل الرأي الآخر، مما يهدد أمن المجتمع وسلامته، وهذا نابع من الدور المحوري للمفتي في تحقيق أمن المجتمع، حيث يتطلب منه فهم حقيقة الأمن، وإدراك الواقع جيدًا، ومآلات فتواه، ومراعاة تحقيق مقاصد الشارع، والالتزام برفع الحرج عن الخَلْق، ومواجهة أصحاب الأفكار العنيفة والمتطرفة التي تسيء إلى الدين والوطن وتهدد أمن المجتمع([6]).

والفتاوى الرشيدة المنضبطة الملتزمة بمنهج الوسطية في الفتوى تدعم هذا الاتجاه وتُقوِّيه، فيُذعن الجميع لنداء الحق، ويسعى لتحقيقه، ولا يجترئ على مخالفته، فتجد لدى أبناء المجتمع الواحد عفَّةً في القول، وأمانةً في المعاملة، وإقامةً لفرائض الدين، واحترامًا للحقوق، وصلةً في الروابط الاجتماعية، والمراقبة الذاتية لكل فرد في المجتمع من قِبل نفسه، واستنكارًا للفاحشة، واستحياءً مِن ترك الفرائض، وامتناعًا عن مقارفة الجريمة، والاكتفاء بما أحل الله لهم، والامتناع عما حرم الله عليهم، وبذلك يحقق المجتمع العبودية لله، وينتشر الأمن بين أفراده، ويَحسُن التعايش بينهم، وينعم بالأمن في ربوع أوطانهم([7])، يقول الله عز وجل: {وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡ‍ٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} [النور: 55].

 

 

 

المطلب الثاني

تحقيق الاستقرار والسكينة في المجتمع

من الآثار المهمة للفتوى المنضبطة: إقامةُ الدين وأحكام الشرع الحنيف بين الناس جميعًا، فإقامة الدين والمحافظة عليه جلبًا للمصلحة ودفعًا للمفسدة أحدُ الضروريات التي جاء الشرع بالمحافظة عليها([8]).

فالإسلام هو دين الأمة المسلمة التي تدين به، وهو خاتم الأديان، ورسولها خاتم الرسل، والإسلام نظام الأمة، وعليه عصبتها واجتماع كلمتها وانتظام أحوالها في شؤونها كلها، وأحكامُه جارية على الفرد والأسرة والمجتمع والدولة([9]).

ومعلوم أن مجالات الفتوى كثيرة ومتنوعة؛ فهي داخلة في مجال العقيدة، والعبادات، وتشمل كافة المعاملات، والأنكحة، والجنايات، والجزاءات، وأحكام القضاء والتقاضي، وعلاقة الدولة بالفرد والمجتمع، وعلاقة الدولة المسلمة بغيرها من الدول والأمم الأخرى ونحو ذلك، فالأمة في حاجة إلى الفتوى المنضبطة ليتحقق الاستقرار والسكينة في المجتمع، وإذا لم يكن بدٌّ من الأطباء في المجتمع لطب الأبدان ليقضوا على المرض وأسبابه أو مداواته لتخفَّ وطأته على المريض، ولا يمكن لغير الأطباء أن يحلوا محل الأطباء في مراجعة كتب الطب لمعالجة أنفسهم أو غيرهم، فمن باب أولى ألا يطب الناس في عباداتهم ومعاملاتهم ومناكحاتهم وكافة أحوالهم الشرعية إلا أهل الفتوى([10])، يقول ابن تيمية: “والشرع طب القلوب، ‌والأنبياء ‌أطباء ‌القلوب والأديان”([11]).

فكما أن الإنسان إذا تُرك من غير علاج فإن المرض يؤذيه أو يهلكه، فكذا إذا تُرك من غير إفتاء ولا توجيه في شؤون عباداته ومعاملاته وأنكحته وغيرها فإنه يضل ويهلك، فكان لا بد للمجتمع من الفتوى وأهلها لإقامة دين الله في المجتمع الإسلامي حمايةً للعقيدة، وإيضاحًا للشريعة، وقد أمر الله عز وجل بتفقُّه طائفة من الأمة لينذروا قومهم وليفقهوهم في دينهم([12])، يقول الله تعالى: {فَلَوۡلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرۡقَةٖ مِّنۡهُمۡ طَآئِفَةٞ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوۡمَهُمۡ إِذَا رَجَعُوٓاْ إِلَيۡهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَحۡذَرُونَ} [التوبة: 122]، يقول ابن القيم: “‌حاجة ‌الناس ‌إلى ‌الشريعة ‌ضرورية ‌فوق ‌حاجتهم إلى كل شيء، ولا نسبة لحاجتهم إلى علم الطب إليها، ألا ترى أن أكثر العالم يعيشون بغير طبيب؟!”([13]).

ومن الآثار المهمة للفتوى المنضبطة أيضًا أنها تجعل المجتمع المسلم في حالة انتظام واتساق مع أحكام الشرع الحنيف في جميع أحواله، ومعلوم أن الله تعالى خلق الإنسان لعبادته كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ٥٦ مَآ أُرِيدُ مِنۡهُم مِّن رِّزۡقٖ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطۡعِمُونِ٥٧ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلۡقُوَّةِ ٱلۡمَتِينُ} [الذاريات: 56- 58]، والعبادة فعل المأمورات شرعًا، وترك المنهيات في جميع شؤون الحياة([14])، يقول الإمام الشافعي: “الناس متعبَّدون بأن يقولوا ويفعلوا ما أُمروا به، وينتهوا إليه لا يجاوزونه؛ لأنهم لم يُعطوا أنفسهم شيئًا، إنما هو عطاء الله، فنسأل الله عطاءً مؤديًا لحقه وموجبًا لمزيده”([15]).

والمسلم يجد في الفتوى المنضبطة طريقًا إلى معرفة أحكام دينه، وهو مأمورٌ بالالتزام بأحكام الشرع والاعتصام بها تصحيحًا لعقيدته وعبادته ومعاملاته طلبًا لمرضاة الله عز وجل ببراءة ذمته من واجبها والفوز بالنعيم يوم القيامة.

ولأجل تحقيق انتظام أحوال المستفتين على أحكام الشريعة السمحة، ينبغي أن تكون الفتوى الصادرة من المفتي منضبطةً ومبنيةً على التيسير والتخفيف على المستفتين، وهذا أصلٌ في الشريعة الإسلامية، فالواجبات التي أمرت بها الشريعة إنما جاءت من عند الله سهلة هينة، لا شدَّة فيها ولا عَنَت، بل إنَّ الشارع الحكيم قد جعل لأهل الأعذار رُخصًا ترفع عنهم الحرج والعَنَت، فالمريض الذي لا يَقوَى على الصوم له أن يفطر، وللمسافر مسافة قصرٍ أن يَجمع ويقصر في الصلاة على الكيفية المذكورة في السنة النبوية، ومن لم يجد الماء أو لم يقدر على استعماله للطهارة ورفع الحدث فله أن يتيمم ويجزئه ذلك عن الوضوء وعن الغسل أيضًا، وغير ذلك من الأحكام الشرعية التي استنبط منها العلماء عدَّة قواعدَ لا بد من التزامها عند الإفتاء، وإنزال الأحكام الشرعية على واقع الناس، ومن تلك القواعد: “المشقة تجلب التيسير”، و”الأمر إذا ضاق اتسع”، و”جلب المصالح ودرء المفاسد”، و”نفي الضرر وارتكاب أخف الضررين”، و”النظر في المآلات”، و”العبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني”، و”سد الذرائع” و”تحكيم العرف”، و”تحقيق المناط” و”الإذن في العقود” وفي مدونات الفتاوى تطبيقٌ حي للقواعد والضوابط على الواقعات([16]).

فكم لمنهج الوسطية في الفتوى من أثرٍ إيجابي في انتظام أحوال المستفتين على الشرع والحياة السعيدة له في الدنيا والآخرة؟!([17]).

 

 

 

المطلب الثالث

محاربة الفكر المتطرف والأفكار الدخيلة على الشرع الشريف

أثر الفتوى المنضبطة في التصدي للغلو:

الغلو لغة: كلمة تقوم على ثلاثة حروف: الغين واللام والحرف المعتل، وهي كما يقول ابن فارس: “‌أصل ‌صحيح ‌في ‌الأمر ‌يدل ‌على ‌ارتفاع ‌ومجاوزة ‌قدر”([18]).

فيقال: غلا الرجل في الأمر: إذا جاوز حده، وغلا في الأمر غلوًّا: جاوز فيه الحد([19]).

الغلو اصطلاحًا: تجاوز العبد حدَّه نحو الشدة مما يخرجه عن موجب النصوص الشرعية في اعتقاد أو عمل([20]).

والغلو منهي عنه شرعًا، كما قال تعالى: {يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَا تَغۡلُواْ فِي دِينِكُمۡ} [النساء: 171].

وعن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: ((قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ الْعَقَبَةِ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ: هَاتِ الْقُطْ لِي، فَلَقَطْتُ لَهُ حَصَيَاتٍ هُنَّ حَصَى الْخَذْفِ، فَلَمَّا وَضَعْتُهُنَّ فِي يَدِهِ، قَالَ: بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ))([21]).

فجعل الزيادة في صفات الحصى التي تُرمى بها الجمرة من الغلو، وهكذا كل زيادة في عمل فوق الحد المشروع([22]).

وتظهر ملامح الغلو في الفتوى في عدة أمور، يمكن إجمالها في أمرين:

أولًا: الفتاوى الخاصة بأمور العقيدة: وذلك بجنوح المفتي في فتواه إلى أمر خارج عن نصوص الكتاب والسنة نحو التشديد، كالتكفير بالذنب، كما هو مذهب الخوارج، فأهل السنة لا يكفرون أحدًا من أهل القبلة بذنب، فإذا كان التكفير بالذنب من الغلو، فكيف إذا أدى تكفير المسلم إلى استحلال دماء رجال وأموالهم من مسلمين ومستأمنين، وذلك بالقتل وهدم المنشآت العامة والصناعية عامة وخاصة بالتفجير أو غيره؟! فكل ذلك ضلالٌ في الاعتقاد، وبغيٌ على العباد والبلاد([23]).

فإذا خرجت الفتوى في الأمور العقدية بشكل فيه غلو أدَّى ذلك إلى ما نشاهده اليوم من أعمال إجرامية وتخريبية باسم فتوى فلان وفلان من المنتسبين لتلك الجماعات الإرهابية والمتطرفة، فالفتاوى التي تصدر عن تلك الجماعات دائمًا ما تكون دافعًا لأتباعهم لارتكاب سلسلة من الجرائم الكبرى بحق الأمة الإسلامية، حيث دفعتهم تلك الفتاوى المضللة إلى ارتكاب ما يأتي:

  1. تكفير حكام وعموم المسلمين بمجرد الوقوع في المعاصي.
  2. ثم تكفير عامة من لم يقنع بقولهم هذا من المسلمين، فكفَّروا المجتمعات المسلمة.
  3. فقاتلوا المسلمين، وخرجوا على حكامهم.

وهكذا صور كثيرة من الظلم والاعتداء وإيهان قوة المسلمين، ارتكبها هؤلاء لأجل غلو من يتصدر للفتوى من أصحاب تلك الأفكار المنحرفة([24]).

ثانيًا: الفتاوى الخاصة بالأحكام العملية: ويتحقق الغلو فيها بأحد ثلاثة أمور:

الأمر الأول: إذا كانت الفتوى تشتمل على إلزام النفس أو الآخرين بما لم يوجبه الله عز وجل عبادةً وترهُّبًا مما يخالف المشروع في نوافل العبادات، وذلك كما نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم زينب رضي الله عنها عن تكليف نفسها بالعبادة فوق الطاقة، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: ((دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ، فَقَالَ: مَا هَذَا الحَبْلُ؟ قَالُوا: هَذَا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ، فَإِذَا فَتَرَتْ تَعَلَّقَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا، حُلُّوهُ، لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ))([25]).

ولكن يجب الإشارة هنا إلى أمر مهم، وهو -كما نقل ابن حجر- قول ابن المنير: “وليس المراد منع ‌طلب ‌الأكمل ‌في ‌العبادة، فإنه من الأمور المحمودة؛ بل منع الإفراط المؤدي إلى الملال، أو المبالغة في التطوع المفضي إلى ترك الأفضل، أو إخراج الفرض عن وقته، كمن بات يصلي الليل كله ويغالب النوم إلى أن غلبته عيناه في آخر الليل فنام عن صلاة الصبح في الجماعة، أو إلى أن خرج الوقت المختار، أو إلى أن طلعت الشمس فخرج وقت الفريضة، وفي حديث محجن بن الأدرع عند أحمد: ((إنكم لن تنالوا هذا الأمر بالمغالبة وخير دينكم اليسرة)). وقد يستفاد من هذا الإشارة إلى الأخذ بالرخصة الشرعية، فإن الأخذ بالعزيمة في موضع الرخصة تنطُّع”([26]).

إذن فليس من الغلو التزام شخص رأيًا فيه الحزم والتحوط لدينه مما تتقبله النصوص الشرعية وتشهد له إذا كان الاجتهاد فيه سائغًا، أو أخذ به عن تقليد لعالم مجتهد موثوق في دينه وعلمه([27]).

الأمر الثاني: إذا كانت الفتوى تدعو إلى تحريم الطيبات التي أباحها الله تعالى إذا كان تحريمها على وجه التعبُّد، كتحريم أكل اللحم والفواكه، كما في قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُحَرِّمُواْ طَيِّبَٰتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ٨٧ وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَٰلٗا طَيِّبٗاۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيٓ أَنتُم بِهِۦ مُؤۡمِنُونَ} [المائدة: 87، 88]

وننوه في هذا المقام إلى أنه ليس من الغلو ترك المشتبهات في مطعم ومشرب وغير ذلك، مما يشك في جواز تناوله أو استخدامه ونحو ذلك([28]).

الأمر الثالث: إذا كانت الفتوى تدعو إلى ترك الإنسان ما يحتاجه من ضروراته، مثل الأكل والشرب والنوم والنكاح، كما في حديث الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه، يقول: ((جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي))([29]).

يقول ابن حجر العسقلاني: “قوله: ((فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)) المراد بالسنة: الطريقة لا التي تقابل الفرض، والرغبة عن الشيء: الإعراض عنه إلى غيره، والمراد: مَن تَرَك طريقتي وأَخَذ بطريقة غيري فليس مني، ولمح بذلك إلى طريق الرهبانية، فإنهم الذين ابتدعوا التشديد كما وصفهم الله تعالى، وقد عابهم بأنهم ما وَفُّوه بما الْتزَمُوه. وطريقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحنيفية السمحة، فيُفطِر ليتقوَّى على الصوم، وينام ليتقوَّى على القيام، ويتزوَّج لكسر الشهوة وإعفاف النفس وتكثير النسل، وقوله: ((فَلَيْسَ مِنِّي)) إن كانت الرغبة بضرب من التأويل يُعذر صاحبه فيه، فمعنى ((فَلَيْسَ مِنِّي)): أي على طريقتي، ولا يلزم أن يخرج عن الملة، وإن كان إعراضًا وتنطعًا يفضي إلى اعتقاد أرجحية عمله فمعنى ((فَلَيْسَ مِنِّي)): ليس على ملتي؛ لأن اعتقاد ذلك نوع من الكفر”([30]).

ويَرْجِع الغلو في الفتوى إلى العديد من الأسباب من أهم تلك الأسباب ما يلي:

السبب الأول: الغلو في سد الذرائع:

فقد دلَّت النصوصُ الكثيرةُ على اعتبار سد الذرائع والأخذ به حمايةً لمقاصد الشريعة، وتوثيقًا للأصل العام الذي قامت عليه الشريعة من جلْب المصالح ودرء المفاسد([31])، يقول ابن القيم: “‌فإذا ‌حرَّم ‌الرب ‌تعالى ‌شيئًا ‌وله ‌طرق ‌ووسائلُ تُفضي ‌إليه فإنه يُحرِّمها ويمنع منها، تحقيقًا لتحريمه، وتثبيتًا له، ومنعًا أن يُقرَب حماه، ولو أباح الوسائل والذرائع المُفضية إليه لكان ذلك نقضًا للتحريم، وإغراءً للنفوس به، وحكمته تعالى وعلمه يأبَى ذلك كل الإباء، بل سياسة ملوك الدنيا تأبَى ذلك؛ فإنَّ أحدهم إذا منع جنده أو رعيته أو أهل بيته من شيء ثم أباح لهم الطرق والأسباب والذرائع الموصلة إليه لعُدَّ متناقضًا، ولحصل من رعيته وجنده ضد مقصوده، وكذلك الأطباء إذا أرادوا حسم الداء منعوا صاحبَه من الطُّرق والذرائع الموصلة إليه، وإلا فسد عليهم ما يرومون إصلاحه، فما الظنُّ بهذه الشريعة الكاملة التي هي في أعلى درجات الحكمة والمصلحة والكمال؟ ومن تأمل مصادرها ومواردها علم أن الله تعالى ورسوله سد الذرائع المفضية إلى المحارم بأن حرمها ونهى عنها، والذريعة: ما كان وسيلة وطريقًا إلى الشيء”([32]).

ويحدث الإشكال في اعتبار قاعدة سد الذرائع ما قد تؤول المبالغة في الأخذ بها إلى تعطيل مصالح راجحة مقابل مصلحة أو مفسدة متوهمة يظنها الفقيه؛ فيُغلق الباب إساءةً للشرع من حيث لا يشعر، كمن ذهب إلى منع زراعة العنب خشية اتخاذه خمرًا، والمنع من المجاورة في البيوت خشية الزنا، فهذه الأمثلة وغيرها اتفقت الأمة على عدم سده؛ لأن مصلحته راجحة فلا تُترك لمفسدَة مرجوحة متوهَّمة([33]).

فالمبالغة في الأخذ بسد الذرائع جعل بعضَ من يتصدر للإفتاء في عصرنا الحاضر يحكم على كثير من الاختراعات والوسائل التقنية والعلمية وغير ذلك بعدم جواز استخدامها أو الانتفاع بها، وحجتهم في ذلك سد الذرائع لأنها قد تُستخدم في أمور مخالفة للشرع الشريف.

والناظر في كثير من النوازل المعاصرة في مجال الاقتصاد والطب والعلوم والتكنولوجيا وكافة المجالات العلمية والإنسانية لا تزال في تطور وتجدُّد مستمر، ولا تزال تَرِد على الناس من المستجدات والوقائع بحكم اتصالهم بالأمم الأخرى من العادات والنظم ما لو أغلق المفتي فيه على الناس الحكم وشدَّد من غير دليل وحُجة لانفضَّ الناس مِن حول الدين، وغرقوا فيها من غير حاجة للسؤال، ولذلك كان من المهم سد الذرائع المفضية إلى مفاسدَ راجحة وإن كانت ذريعة في نفسها مباحة، كما ينبغي فتح الذرائع إذا كانت تفضي إلى طاعات وقربات مصلحتها راجحة ([34]).

السبب الثاني: المبالغة في الأخذ بالاحتياط عند كل خلاف:

فمبالغة من يتصدر للإفتاء في الأخذ بالاحتياط عندما تُعرض له المسائل الخلافية، فيؤدي ذلك إلى إفتاء الناس في تلك المسائل بالحرمة وعدم الجواز، أو الوجوب والفرضية، ويكون مبنى هذه الفتوى على سد الذرائع دون التفريق بين أحوال الناس وظروفهم، فهذا يوقع الناس في حرج كبير، كمن يُفتي بمنع المرأة من العمل والمشاركة في الحياة العامة، وكذا من يحرم كافة أنواع التصوير الفوتوغرافي والتلفزيوني، مع العلم بأننا في أشد الحاجة إلى هذا النوع من التصوير في عصرنا الحاضر، وكمن يفتي بحرمة التعامل مع البنوك في كافة أنواع التعامل، وغير ذلك من المسائل الخلافية التي ينبغي أن يتسع فيها رأي المفتي، فلا ينغلق على الأخذ بالاحتياط سدًّا للذريعة، فيضر الناس بفتواه، ويعطل عليهم مصالحهم وحاجاتهم([35]).

ومما ينبغي التنبيه عليه في هذا المقام أن العمل بالاحتياط سائغ في حق الإنسان في نفسه؛ لما فيه من الورع واطمئنان القلب، أما إلزام العامة واعتباره منهجًا في الفتوى فإن ذلك مما يُفضي إلى وضع الحرج عليهم([36]).

وأما قاعدة: “استحباب الخروج من الخلاف”([37]) فليست على إطلاقها، بل اشترط العلماء في استحباب العمل بها شروطًا هي كالتالي:

  1. ألا يؤدِّي الخروج من الخلاف إلى الوقوع في محذور شرعي من ترك سُنة ثابتة أو اقتحام مكروه أو ترك للعمل بقاعدة مقرَّرة.
  2. ألا يكون دليل المخالف معلومَ الضعف، فهذا الخلاف لا يلتفت إليه.
  3. ألا يؤدي الخروج من الخلاف إلى الوقوع في خلاف آخر.
  4. ألا يكون العامل بالقاعدة مجتهدًا، فإن كان مجتهدًا لم يجُز له الاحتياط في المسائل التي يستطيع الاجتهاد فيها، بل ينبغي عليه أن يفتيَ الناس بما ترجَّح عنده من الأدلة والبراهين([38]).

يقول الدكتور يعقوب الباحسين -في بيان بعض آثار العمل بالاحتياط في كل خلاف حصل-: “ووجه الشبه في معارضة هذه القاعدة لرفع الحرج، هو أنه إذا كان وجوب الاحتياط يعني وجوب الإتيان بجميع محتملات التكليف، أو اجتنابها عند الشك بها، فإن في ذلك تكثيرًا للأفعال التي سيأتي بها المكلف أو سيجتنبها، وفي هذه الزيادة في الأفعال ما لا يتلاءم مع إرادة التخفيف والتيسير ورفع الحرج، بل قال بعض العلماء: إنه لو بنى المكلف يومًا واحدًا على الالتزام بالاحتياط في جميع أموره مما خرج من موارد الأدلة القطعية لوجد من نفسه حرجًا عظيمًا، فكيف لو بنى ذلك جميعَ أوقاته، وأمر عامَّة المكلفين حتى النساء وأهل القرى والبوادي؛ فإن ذلك مما يؤدي إلى حصول الخلل في نظام أحوال العباد، والإضرار بأمور المعايش”([39]).

ومن هنا تتضح وظيفة المفتي في سلوك منهج الوسطية والاعتدال في الفتوى، فيرد شارد الأمة نحو الغلو إلى طريق الجادة والصواب، بالتزام هدي الكتاب والسنة، فلا اعتقادَ إلا بما جاء في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولا تكفير إلا بما جاء كذلك فيهما، ولا إلزام بحكم ولا سلوك إلا بما ألزم به الكتاب والسنة، فلا تحريم للطيبات ولا ترك للضرورات التي يحتاجها الإنسان من نكاح وطعام وشراب ونوم([40]).

أثر الفتوى المنضبطة في التصدي للجفاء:

الجفاء لغة: كلمة تقوم على ثلاثة حروف: الجيم، والفاء، والحرف المعتل، وهي كما يقول ابن فارس: “أصل واحد يدلُّ على نُبُوِّ الشيء عن الشيء… وكذلك كل شيء إذا لم يلزم شيئًا، يقال: جفا عنه يجفو… والجفاء: خلاف البِر، والجفاء: ما نفاه السيل، ومنه: اشتقاق الجفاء”([41]).

الجفاء اصطلاحًا: الميل إلى طرف التفريط بالتساهل وترك أوامر الله عز وجل والإعراض عنها، أو إتيان ما نهى الله عز وجل عنه، سواء أكان ذلك في الاعتقاد أو العمل، فهو قصور دون بلوغ الوسطية بالجنوح إلى التقصير([42]).

والفتوى المنضبطة هي التي تحمل الناس على التمسك بأحكام الشرع الشريف، والله عز وجل قد أمر بالتمسك بدينه، كما قال تعالى: {وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِي مُسۡتَقِيمٗا فَٱتَّبِعُوهُۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِيلِهِۦۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153]، ويقول تعالى: {قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} [آل عمران: 31] ففي الآيتين وجوب التمسك بما أمر الله عز وجل به وعدم التفريط في ذلك([43]).

وكذا السنة جاءت بما جاء به الذكر الحكيم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ))([44]).

ومخالفة ذلك بالتفريط في هدي الكتاب والسنة جفاء منهي عنه([45])، يقول الله تعالى: {وَٱعۡبُدۡ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأۡتِيَكَ ٱلۡيَقِينُ} [الحجر: 99]، ففي الآية الأمر بالتمسك بهدي الكتاب والسنة حتى يلقى الإنسان ربه وهو غير مفرط في حقه.

ويقول تعالى: {وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّتِي نَقَضَتۡ غَزۡلَهَا مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةٍ أَنكَٰثٗا} [النحل: 92]، فهو نهي للإنسان عن ترك طاعة ربه بعد القيام بها.

وحَذَّر الله عز وجل من الإعراض عن أوامره وإتيان نواهيه كما في قوله تعالى: {فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].

وتظهر ملامح الجفاء في الفتوى في عدة أمور، يمكن إجمالها في أمرين:

أولًا: الفتاوى الخاصة بأمور العقيدة: وذلك بجنوح المفتي في فتواه إلى أمر خارج عن نصوص الكتاب والسنة نحو الجفاء مما يؤدي إلى التفريط في فعل المأمور به أو المنهي عنه في مسائل الاعتقاد، وذلك كالمرجئة الذين ينفون دخول العمل في مسمى الإيمان، ويقولون: يكفي الإنسان لأن يكون مسلمًا مجرد تصديقه بالقلب أو نطقه بالشهادتين ولو لم يعمل مع تمكُّنه من العمل، ويقولون بأنه لا يضر مع الإيمان ذنب أو معصية أصلًا، بل مَن صَدق بقلبه فهو مؤمن كامل الإيمان([46]).

وإنما قادهم إلى ذلك التمسك بنصوص الوعد مما فيه وعد الله عباده الموحدين بدخول الجنة والنجاة من النار أو بالمغفرة والرحمة والعفو مع عمل السيئات، مثل قول الله تعالى: {قُلۡ يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسۡرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} [الزمر: 53]، ثم صاروا مع هذا إلى تأويل نصوص الوعيد، ومن تأويلاتهم أن مَن كفَّره الشارع فإنما كفره لعدم معرفته بالله، ولانتفاء تصديق القلب بالله عز وجل، وكذا أوَّلوا نصوص الوعيد بأنه إنما قصد بها تخويف الناس لينزجروا عما نُهوا عنه، وليس للوعيد حقيقة تنطبق عليها([47]).

وأهل الوسط -أهل السنة والجماعة- قالوا: إن الإيمان قول واعتقاد وعمل، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فلا بد من التصديق بالقلب والقول والعمل([48]).

ثانيًا: الفتاوى الخاصة بالأحكام العملية: وذلك بأن تتضمن الفتوى الإعراض أو التساهل في الأحكام العملية المأمور بها أو المنهي عنها شرعًا، فمن أعرض أو تساهل عن القيام بما أمر الله عز وجل به، أو فعل ما نهى الله عز وجل عنه فقد جفا في دين الله عز وجل، وذلك دركات بعضها أعظم من بعض، منها: الإصرار على الصغائر وفعل الكبائر، مثل: ترك الصلاة أو الصيام أو الزكاة أو الحج، أو الإعراض عن شيء من أحكام الإسلام من الترخص الذي يجفو بصاحبه عن الامتثال، ناهيك عمن يقع في ذلك تحت تبريرات فاسدة، كمن يبرر للاختلاط والسفور، ومعارضة آيات المواريث بتسوية المرأة بالرجل مما جعل لها فيه النصف من نصيب الرجل، ويطعن في شرعية تعدد الزوجات، ومن ينادي بإباحة الربا بحجة الضرورة، ويُجوِّز أكل الخنزير بحجة أن المحرم منها كان خنازير سيئة التغذية، ويُسوِّغ الحكم بغير ما أنزل الله، أو يُفتي بجواز زواج الكافر من المسلمة، وغير ذلك من وجوه الجفاء والانحراف نحو التفريط في شريعة الله ودينه، فمن كانت غايته أن يأخذ بالسهل من الأمور وموافقة الأهواء وتقليد الأمم غير الإسلامية من غير نظرٍ في دلالة كتاب ولا سنة على وفق قواعد الاستنباط الصحيح، فإن ذلك يؤدي إلى الانسلاخ من الأحكام والابتعاد عن الشرع والتهاون في مسائل الحلال والحرام في المطاعم والمشارب والمعاملات المالية والمناكح وغيرها، مدعيًا أن لا حرج في الدين، والأخذ بالمقاصد دون الدلالات الجزئية -فقد أخطأ وضلَّ السبيل، فلا يجوز أن تُعارَض الصرائح بدلالات متوهَّمة، ولا أن تنقلب الوسائلُ غاياتٍ، أو أن تتغلب الوسائل على الغايات.

وقد اشتدَّت وطأة الجفاء في هذا الزمان، فصار الأعداء يخططون لإيقاع الأمة فيه، فإذا كان الجفاء يشكل خطرًا على الفرد، فخطره على الأمة عظيم؛ لأنه يخرجها عن وسطيتها ويجعلها رهينة الجفاء، فتصبح الأمة في وضع فاسدٍ، فيكون الإسلام لديها اسمًا ورسمًا بلا حقيقة، وذلك من أعظم الشر والفساد في الدين والدنيا.

والواجب على المفتي حمْل الناس على الوسطية باتباع أحكام الكتاب والسنة أمرًا ونهيًا وإباحةً في اعتقاد أو عمل، وحملهم عن الجفاء بالتمسك بهدي الكتاب والسنة([49]).

ويَرْجِع الجفاء في الفتوى إلى العديد من الأسباب، من أهم تلك الأسباب ما يلي:

السبب الأول: التعصُّب للمذهب أو للآراء أو لأفراد العلماء:

تقوم حقيقة التعصُّب على اعتقاد المتعصب أنه قبض على الحق النهائي في الأمور الاجتهادية الذي لا جدال ولا مراء فيه، فيؤدي إلى انغلاقٍ في النظر، وحُسن ظنٍّ بالنفس، وتشنيع على المخالف والمنافس، مما يولد منهجًا متشددًا يتبعه الفقيه أو المفتي بإلزام الناس بمذهبه في النظر وحرمة غيره من الآراء والمذاهب، مما يوقعه وإياهم في الضيق والعنت بالانغلاق على هذا القول أو ذاك المذهب دون غيره من الآراء والمذاهب الراجحة([50]).

يقول الإمام أحمد رحمه الله: “من أفتى الناس ليس ينبغي أن يحمل الناس على مذهبه ويشدد عليهم”([51]).

ويقول الشيخ ابن تيمية: “وإذا نزلت بالمسلم نازلة يستفتي من اعتقد أنه يفتيه بشرع الله ورسوله من أي مذهب كان، ولا يجب على أحد من المسلمين تقليد شخص بعينه من العلماء في كل ما يقول، ولا يجب على أحد من المسلمين التزام مذهب شخص معين غير الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في كل ما يوجبه ويخبر به، بل كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويُترك إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم”([52]).

فالفتوى المنضبطة هي التي يراعي فيها المفتي حالَ المستفتين وواقعهم، ولا يصحُّ بحالٍ أن ينغلقَ المفتي على مذهبه، ويحمل الناس عليه في كل واقعة تعرض له، فقد تَعرِض له مسائلُ لا تُسعِفه نصوص مذهبه في معالجتها، فيحكم بعدم مشروعية تلك الأمور لأنها لم تَرِد في نصوص مذهبه الفقهي، فالتعصب للمذهب أدَّى به إلى الانفصال عن الواقع المتجدد بشكل مستمر.

وكذلك لا يختلف الحال والأثر إذا كان التعصب لآراء وأقوالِ طائفةٍ أو إمام معين لا يُخرَج عن اجتهادهم، وافقوا الحق أو خالفوه، فالناظر في أحوال الناس المعاصرة وما أصابها من تغيُّر وتطوُّر لم يسبق له مجتمع من قبلُ مع ما فيه من تشابُك وتعقيد، يتأكد لديه أهمية معاودة النظر في كثير من المسائل الفقهية التي بُنيت على التعليل بالمناسبة، أو قامت على دليل المصلحة أو العرف السائد: كنوازل المعاملات المعاصرة من أنواع البيوع والسَّلَم والضمانات والحوالات… وغيرها، وقد يكون التمسك بنصوص بعض الفقهاء وشروطهم التي ليس فيها نصٌّ صريح أو إجماع من التضييق والتشدُّد الذي يُنافي يُسر وسماحة الإسلام، وخصوصًا إن احتاج الناس لمثل هذه المعاملات التي قد تدخل في كثير من الأحيان في باب الضرورة أو الحاجة المُلحَّة([53]).

ومن ذلك ما نراه في مجتمعنا المعاصر من شدَّة الحاجة لمعرفة بعض أحكام المعاملات المعاصرة التي تنزل بحياة الناس، ولهم فيها حاجة ماسَّة، أو مرتبطة بمعاشهم الخاص من غير انفكاك، والأصل الشرعي فيها الحِل، وقد يطرأ على تلك المعاملات ما يخلُّ بعقودها، مما قد يُقرِّبها نحو المنع والتحريم، فيعمد الفقيه لتغليب جهة الحُرمة والمنع في أمثال تلك العقود التي تشعَّبت في حياة الناس، مع أنَّ الأصل في العقود الجواز والصحة([54])، والأصل في المنافع الإباحة([55]).

فالجفاء ينتج عن تلك الفتوى التي اتسم المفتي فيها بالتعصُّب للمذهب الفقهي، فأدى ذلك حتمًا إلى انفلات الناس من ربقة الدين والتكاليف الشرعية، وذلك بأن أصبح حالهم هو البحث عن الأقوال الشاذة والمرجوحة فيقلدونها ولن يعدموها، وإما أن ينبذوا التقيد بالأحكام الشرعية في معاملاتهم وهي الطامة الكبرى، ولو وسَّع الفقهاء والمفتون على الناس في أمثال تلك العقود والمعاملات، وضبطوا لهم صور الجواز، واستثنوا منها صور المنع، ووضعوا لهم البدائل الشرعية، لكان خيرًا من أن يحملوا الناس على هذا المركب الخشن من المنع العام والتحريم التام لكل تلك العقود والمعاملات النازلة([56]).

ومن الأمثلة في هذا المجال أيضًا ما يقع في الآونة الأخيرة أيام الحج من تزايد مطرد لأعداد الحجاج وما ينجم عنه من تزاحم عنيف ومضايقة شديدة أدت إلى تغيُّر اجتهاد كثير من العلماء المفتين في كثيرٍ من المسائل، ومخالفة المشهور من المذاهب تخفيفًا على الناس من الضيق والحرج، وكم سيحصل للناس من شدة وكرب لو تمسك أولئك العلماء بأقوال أئمتهم أو أفتوا بها دون اعتبار لتغير الأحوال والظروف واختلاف الأزمنة والمجتمعات([57]).

فرمي الجـمار في أيام التشريق يبدأ من زوال الشمـس حتى الغـروب، وعلى رأي الجمهور لا يجزئ الرمي بعد المغرب([58]).

ومع ذلك اختار كثير من المحققين وجهات الإفتاء جواز الرمي ليلًا مراعاةً للسَّعة والتيسير على الحجاج من الشدَّة والزحام([59]).

ولعل الداعي يتأكد لمعاودة النظر في حكم الرمي قبل الزوال وخصوصًا للمتعجل في اليوم الثاني من أيام التشريق؛ لما ترتب على الرمي بعد الزوال في السنوات الماضية من ضيق وحرج شديد، ولا يخفَى أن القاعدة في أعمال الحج كما أنها قائمة على اتباع سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قائمة أيضًا على رفع الحرج والتيسير، وقد أفتى بالجواز بعضُ الأئمة من التابعين، وهو مذهب الأحناف([60]).

السبب الثاني: التمسك بظاهر النصوص فقط:

إنَّ تعظيم النصوص وتقديمَها أصل ديني ومطلب شرعي لا يصحُّ للمجتهد نظر إذا لم يأخذ بالنصوص ويعمل بها، ولكن الانحراف يحصل بالتمسك بظواهر النصوص فقط دون فقهها ومعرفة مقصد الشرع منها([61])، ومما يدل على وجود هذا الاتجاه ما ذكره الدكتور صالح المزيد بقوله : “وقد ظهر في عصرنا من يقول : يكفي الشخص لكي يجتهد في أمور الشرع أن يقتنيَ مصحفًا مع سنن أبي داود وقاموس لغوي”([62]).

وهذا النوع من المتطفلين لم يشموا رائحة الفقه، فضلًا أن يجتهدوا فيه، فهؤلاء أقرب شيء إلى ألسنتهم وأقلامهم إطلاق كلمة التحريم دون مراعاةٍ لخطورة هذه الكلمة، ودون تقديم الأدلة الشافية من نصوص الشرع وقواعده سندًا للتحريم وحملًا للناس على أشد مجاري التكليف، والله عز وجل قد حذَّر من ذلك حيث قال سبحانه: {وَلَا تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلۡسِنَتُكُمُ ٱلۡكَذِبَ هَٰذَا حَلَٰلٞ وَهَٰذَا حَرَامٞ لِّتَفۡتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ لَا يُفۡلِحُونَ} [النحل: 116].

فكم من المعاملات المباحة حُرِّمت، وكثير من أبواب العلم والمعرفة أُوصدت، وأُخرج أقوام من الملَّة، زاعمين في ذلك كله مخالفة القطعي من النصوص، والثابت من ظاهر الأدلة، وليس الأمر كذلك عند العلماء الراسخين([63]).

يقول ابن القيم: “‌لا ‌يجوز ‌للمفتي ‌أن ‌يشهد ‌على ‌الله ‌ورسوله ‌بأنه ‌أحل ‌كذا أو حرمه أو أوجبه أو كرهه إلا لما يعلم أن الأمر فيه كذلك مما نص الله ورسوله على إباحته أو تحريمه أو إيجابه أو كراهته، وأما ما وجده في كتابه الذي تلقاه عمن قلده دينه فليس له أن يشهد على الله ورسوله به، ويغُرَّ الناسَ بذلك، ولا علم له بحكم الله ورسوله. قال غير واحد من السلف: ليحذر أحدكم أن يقول: أحل الله كذا، أو حرم الله كذا، فيقول الله له: كذبتَ، لم أحل كذا، ولم أحرمه”([64]).

وهذا التحذير من إصدار أحكام الله تعالى قاطعةً في النوازل والواقعات من دون علمٍ راسخ لا شكَّ أنه يُفضي إلى إعنات الناس، والتشديد عليهم بما ينافي سماحة الشريعة ورحمتها بالخَلْق([65])، مما يحمل الناس على الجفاء من أحكام الشرع الحنيف والشريعة الغراء.

وقد وقع في العصور الأخيرة مَن كفَّر المجتمعات والحكومات حتى جعلوا فعل المعاصي سببًا للخروج عن الإسلام، ومن أولئك القوم ما قاله أحدهم([66]): “إن كلمة عاصٍ هي اسم من أسماء الكافر، وتساوي كلمة كافر تمامًا، ومرجع ذلك إلى قضية الأسماء أنه ليس في دين الله أن يسمى المرء في آنٍ واحد مسلمًا وكافرًا”([67]).

فهذا المنهج القائم على النظر الظاهر للنصوص دون معرفة دلالاتها أعْنَتَ الأمةَ، وأوقع المسلمين في الشدَّة والحَرَج والجفاء من أحكام الشريعة، ولعله امتدادٌ للخوارج في تشديدهم وتضييقهم على أنفسهم والناس، أو الظاهرية في شذوذهم نحو بعض الأفهام الغريبة والآراء العجيبة([68]).

 

([1]( ‌‌أثر الفتوى في تأكيد وسطية الأمة، للشيخ عبد الله آل خنين (ص 29).

([2]( ظاهرة الفتاوى الشاذة وأثرها على المجتمعات الإسلامية، للدكتور محمود عبد العزيز يوسف أبو المعاطي حجاب (ص 50)، ط. ضمن أبحاث مؤتمر الفكر الإسلامي بين الأصالة والمعاصرة، بكلية الدراسات الإسلامية للبنات بالإسكندرية، جامعة الأزهر الشريف.

([3]( ‌‌أثر الفتوى في تأكيد وسطية الأمة، للشيخ عبد الله آل خنين (ص 31).

([4]( أخرجه الترمذي في جامعه (4/ 574).

([5]( إحياء علوم الدين، للغزالي (2/ 140).

([6]) دور المفتي في تحقيق الأمن المجتمعي، للدكتور علي جمعة (ص 32)، ط. ضمن أبحاث مؤتمر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، تحت عنوان: “دور الفتوى في استقرار المجتمعات” 2017م.

([7]( ‌‌أثر الفتوى في تأكيد وسطية الأمة، للشيخ عبد الله آل خنين (ص 31، 32).

([8]( المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، للدكتور يوسف حامد العالم (ص 203)، ط. المعهد العالمي للفكر الإسلامي.

([9]( ‌‌أثر الفتوى في تأكيد وسطية الأمة، للشيخ عبد الله آل خنين (ص 9).

([10]( ‌‌أثر الفتوى في تأكيد وسطية الأمة، للشيخ عبد الله آل خنين (ص 9، 10).

([11]( مجموع الفتاوى، لابن تيمية (34/ 210).

([12]( ‌‌أثر الفتوى في تأكيد وسطية الأمة، للشيخ عبد الله آل خنين (ص 10).

([13]( مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة، لابن القيم (2/ 2)، ط. دار الكتب العلمية، بيروت.

([14]( ‌‌أثر الفتوى في تأكيد وسطية الأمة، للشيخ عبد الله آل خنين (ص 25).

([15]( الرسالة، للشافعي (ص 486)، ط. مصطفى البابي الحلبي- مصر.

([16]( صناعة الفتوى وفقه الأقليات، لابن بيه (ص 232)، ط. مركز الموطأ، مسار للطباعة والنشر دبي، الإمارات.

([17]( ‌‌أثر الفتوى في تأكيد وسطية الأمة، للشيخ عبد الله آل خنين (ص 27).

([18]( مقاييس اللغة، لابن فارس (4/ 387).

([19]( الصحاح، للجوهري (6/ 2448).

([20]( ‌‌أثر الفتوى في تأكيد وسطية الأمة، للشيخ عبد الله آل خنين (ص 11).

([21]( أخرجه النسائي في سننه (5/ 268).

([22]( فتح الباري، لابن حجر (13/ 278).

([23]( ‌‌أثر الفتوى في تأكيد وسطية الأمة، للشيخ عبد الله آل خنين (ص 12).

([24]( ينظر: بحوث ندوة أثر القرآن في تحقيق الوسطية ودفع الغلو (1/ 204)، ط. وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد – المملكة العربية السعودية.

([25]( أخرجه البخاري (2/ 54).

([26]( فتح الباري، لابن حجر (1/ 94).

([27]( ‌‌أثر الفتوى في تأكيد وسطية الأمة، للشيخ عبد الله آل خنين (ص 13).

([28]( ‌‌أثر الفتوى في تأكيد وسطية الأمة، للشيخ عبد الله آل خنين (ص 13).

([29]( أخرجه البخاري (7/ 2).

([30]( فتح الباري، لابن حجر (9/ 105).

([31]( التيسير في الفتوى معالم وضوابط، للدكتور مسفر بن علي القحطاني (ص10)، ط. ضمن أبحاث المؤتمر العالمي منهجية الإفتاء في عالم مفتوح، دولة الكويت.

([32]( إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم (3/ 109).

([33]) ينظر: شرح تنقيح الفصول، للقرافي (ص 448، 449).

([34]) ينظر: شرح تنقيح الفصول، للقرافي (ص 449)، وإعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم (3/ 109).

([35]( التيسير في الفتوى معالم وضوابط، للدكتور مسفر بن علي القحطاني (ص 11).

([36]) التيسير في الفتوى معالم وضوابط، للدكتور مسفر بن علي القحطاني (ص 11).

([37]) الأشباه والنظائر، للسيوطي (ص 136)، والفروق، للقرافي (4 / 210).

([38]) ينظر: الأشباه والنظائر للسيوطي (ص 137)، ورفع الحرج، للدكتور صالح بن حميد (ص 337- 348)، ورفع الحرج، للدكتور يعقوب الباحسين (ص 115- 130).

([39]) رفع الحرج، للدكتور يعقوب الباحسين (ص 115، 116).

([40]( ‌‌أثر الفتوى في تأكيد وسطية الأمة، للشيخ عبد الله آل خنين (ص 14).

([41]( مقاييس اللغة، لابن فارس (1/ 465).

([42]( ‌‌أثر الفتوى في تأكيد وسطية الأمة، للشيخ عبد الله آل خنين (ص 15).

([43]( ‌‌أثر الفتوى في تأكيد وسطية الأمة، للشيخ عبد الله آل خنين (ص 15).

([44]( أخرجه البخاري (9/ 94).

([45]( ‌‌أثر الفتوى في تأكيد وسطية الأمة، للشيخ عبد الله آل خنين (ص 15).

([46]( ينظر: فتح الباري، لابن حجر (1/ 187).

([47]( مجموع الفتاوى، لابن تيمية (19/ 150).

([48]( ‌‌أثر الفتوى في تأكيد وسطية الأمة، للشيخ عبد الله آل خنين (ص 15).

([49]( أثر الفتوى في تأكيد وسطية الأمة، للشيخ عبد الله آل خنين (ص 17،  18).

([50]( التيسير في الفتوى معالم وضوابط، للدكتور مسفر بن علي القحطاني (ص 11).

([51]) الآداب الشرعية والمنح المرعية، لابن مفلح (2/ 59).

([52]) مجموع الفتاوى، لابن تيمية (20 / 208، 209).

([53]( التيسير في الفتوى معالم وضوابط، للدكتور مسفر بن علي القحطاني (ص 7).

([54]) ينظر: الفتاوى الكبرى، لابن تيمية (4/ 79).

([55]) ينظر: البحر المحيط في أصول الفقه، للزركشي (1/ 215).

([56]) ينظر: الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، للحجوي (1/ 215)، ط. دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان.

([57]( التيسير في الفتوى معالم وضوابط، للدكتور مسفر بن علي القحطاني (ص 8).

([58]) ينظر: الكافي، لابن عبد البر (1 / 355)، ومغني المحتاج، للخطيب الشربيني (2 / 377)، والمبدع في شرح المقنع، لبرهان الدين ابن مفلح (3 / 250).

([59]) ينظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، للكاساني (2/ 137).

([60]) ينظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، للكاساني، والمبسوط، للسرخسي (4 / 68)، ورسالة في فقه الحج والعمرة، للدكتور عبد الرحمن النفيسة (ص 22- 25)، ط. ضمن العدد (33) من مجلة البحوث الفقهية المعاصرة.

([61]( التيسير في الفتوى معالم وضوابط، للدكتور مسفر بن علي القحطاني (ص 8).

([62]) فقه الأئمة الأربعة بين الزاهدين فيه والمتعصبين له، للدكتور صالح المزيد (ص 66).

([63]( التيسير في الفتوى معالم وضوابط، للدكتور مسفر بن علي القحطاني (ص 9).

([64]( إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم (4/ 134).

([65]( التيسير في الفتوى معالم وضوابط، للدكتور مسفر بن علي القحطاني (ص 9).

([66]( المقصود به: ماهر بكري، أحد أعضاء التكفير والهجرة.

([67]) الغلو في الدين، للدكتور عبد الرحمن اللويحق (ص 273).

([68]( التيسير في الفتوى معالم وضوابط، للدكتور مسفر بن علي القحطاني (ص 10).

اترك تعليقاً