البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

الفصل الأول: القوامة.

66 views

الأسرة كمجموع بشري من ذكر وأنثى هي اللبنة الأولى والوحدة الاجتماعية الأساسية للمجتمع، وتتجسد فيها أركان المجتمع ومقوماته البنائية، ومهما صَغُرَ حجمها أو عدد أفرادها فإنهم يرتبطون بعلاقات عاطفية واجتماعية ومالية وتنظّمهم حقوق وواجبات، قال الله تعالى: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} [النساء: 4]، وقال جل شأنه: {لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسًا إلا ما أتاها} [الطلاق: 7]، وقال تعالى: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} [البقرة: 233]، وقال تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم} [البقرة: 228]، وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: «… ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف»([1])، ولا يستقيم أمر الأسرة دون قيادة تدير شئونها.

ومن الأمور التي لا تحتاج إلى تأكيد أن هناك فوارق خِلقية بين الرجل والمرأة، ومن الطبيعي أن تختلف الوظائف التي تقوم بها الأنثى عن الوظائف التي يقوم بها الذكر، والإسلام بأحكامه العادلة الحكيمة راعى هذا الاختلاف الخِلقي؛ لأنه شريعة الله عز وجل، قال تعالى: {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}؛ فلأن المرأة بحسب خلقتها الأنثوية أضعف في تكوينها الجسماني في الغالب من الرجل جعل لها الشرع من أنواع الرعاية ما هو داخل في الواجبات التي يكلف بها الرجل، فجعل من واجبات الرجل أن ينفق على زوجته ويهيئ المسكن المناسب لها ما دامت قدرته المالية تساعده على ذلك، فإذا حدث فراق بينها وبين زوجها بالطلاق أو بالموت ولم تكن تملك ما يكفي لتعيش حياة كريمة لائقة بها، رجعت مسئولية الإنفاق عليها إلى ولي أمرها أبًا كان أو جدًّا أو أخًا أو غيرهم من سائر عصبتها.

فإذا انتقلنا إلى جانب الرجل فإننا نجده مكلفًا بأن يدفع مهرًا لمن أراد الزواج بها، وإذا تم الزواج كان مكلفًا بإعداد المسكن المناسب لزوجته، والإنفاق عليها بما يتلاءم مع مستواه ومستواها.

ووجود الفوارق الخِلقية بين المرأة والرجل، وعدم التساوي بين مسئوليات المرأة المالية ومسئوليات الرجل؛ يبرر أن تكون القيادة للرجل في البيت، والقيادة هي القوامة التي يبينها القرآن الكريم في قول الله عز وجل: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم}.

وتتلاءم القوامة للرجل مع طبيعة تكوينه وسرعة حركته في المجتمع وحريتها؛ بالنسبة إلى حركة المرأة وحرية تصرفاتها، وكذلك مع عدم احتياجه للحماية في حركاته الكثيرة في المجتمع لكسب المال.

فلهذا الواجب الذي أناطه الشرع بالرجل كان من العدل والحكمة أن تكون له القيادة لكي يستطيع أداء واجباته بشكل يكون هو مسئولا عنها.

وقوامة الرجل إدارة خاضعة للضوابط والأحكام الشرعية في كتاب الله وسُنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله سبحانه: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} [النساء: 34]، وقال صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، والأمير راع، والرجل راع على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده، فكلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته»([2])، ولا يجوز أن تُفهم قوامة الرجل على أنها مطلقة في كل الأمور ولعامة الرجال على عامة النساء، وإن ما ورد بذات الآية إيضاح لهذا النص بقوله عز وجل: {بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} [النساء: 34] فهي قِوامة خاصة بالأسرة فقط، وفيما يتعلق بالأمور المشتركة بين الزوج والزوجة دون ما عداها، فليس للزوج قوامة على تصرفات زوجته المالية، وكل تصرفاتها في أموالها الخاصة نافذة، وليس لزوجها أن يبطل شيئًا منها، كما لا يتوقف أي من هذه التصرفات على إذن الزوج، كما أن هذه القوامة هي رياسة وتوجيه مقابل التزامات وواجبات يجب أن تُؤدَّى وتُحترَم، فالرجل في الإسلام هو الذي يؤدي الصداق عند الزواج، وهو الذي يُعدّ المسكن وفَرْشه وفراشه، وكل ما يحتاجه، وهو الذي عليه نفقة الزوجة والأولاد، وليس له أن يجبر زوجته على المشاركة في شيء من هذا –ولو كانت ذات مال- وهو في الأغلب الأكبر سنًّا والأكثر اختلاطًا بالناس وخبرة في الأمور العامة، ولابد لكل مجموعة من قائد يقودها في حدود ما أمر الله سبحانه وتعالى؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، والزوج هو المؤهّل بفطرته وملكاته لهذه القيادة.

وهذه الرياسة ليست رياسة قهر وتحكُّم واستبداد، ولكنها تراحُم وتوادّ، ومعاشرة بالحُسنى، وإرشاد إلى الطريق السليم بالحكمة والموعظة الحسنة، يقول المفسرون في قول الله تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} [النساء: 34] «وفيه دليل على أن الولاية تستحق بالفضل لا بالتغلُّب والاستطالة والقهر»، وهي تقوم أساسًا على التشاور، فالنص الكريم يقول عن المسلمين: {وأمرهم شورى بينهم} [الشورى: 38]، وهو نص عام في كل شئون الحياة، كما ود النص الخاص الذي يُرْشِد إلى التشاور في أمور الزوجيّة: {فإن أرادا فصالًا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما} [البقرة: 233]، فإذا أضفنا إلى ذلك قوله عز وجل: {وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهونا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا} [النساء: 19]، وغير ذلك مما ورد في الشرع الحنيف من أن الحياة الزوجية تقوم على السكن والتراحم والمودة، يتبين لنا –بصورة قاطعة- معنى القوامة وحدودها، وأنها أمر تنظيمي وضروري لأي مجموعة من البشر، وليست لأن المرأة جنس أدنى ولا لنقص في إنسانيتها وحقوقها الأساسية.

وعلى هذا فإن استمرار الحياة الزوجية واستقرارها، وتحقيق مقاصد الزواج، وحفظ مصلحة الزوجة كل ذلك يستلزم أن توقن الزوجة برضا أن القِوامة للزوج بحُكم الشرع وفطرة الخلق، وأنها شرعت لمصلحة الأسرة واستقرارها، وأن على الزوج أن يفقه الغرض من هذه القِوامة التي قررها له الشرع والأساس الذي قامت عليه؛ حتى لا يُسيء استعمالها أو يتعسَّف في استخدام ما تُخولَّه هذه القِوامة من سلطة.

فإذا عرف الزوجان ذلك واستوعباه وحرصا على تطبيق ما عرفاه مضت الأمور بينهما بسهولة ويُسر، ولا يستعصي خلاف أو اختلاف على الحل الذي يراه الزوج وتقبل به الزوجة بناء على أمر الشرع لها بطاعة زوجها في غير معصية الله([3]).

 

([1]) تقدم تخريجه.

([2]) تقدم تخريجه.

([3]) ينظر: ميثاق الأسرة في الإسلام (ص 127).

اترك تعليقاً