البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

الفصل الأول: الإسلام والتنمية.

68 views

وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: مهمة الإنسان في نظر الإسلام:

المبحث الثاني: التنمية في نظر الإسلام.

المبحث الثالث: أهداف التنمية تتواءم مع مقاصد التشريع الإسلامي.

المبحث الرابع: القضاء على معوقات التنمية.

 

 

أولًا: مهمة الإنسان في نظر الإسلام:

أرشد الإسلام إلى السعي للارتقاء بحياة الناس عبر التنمية الشاملة، ويظهر ذلك في ثلاثة وظائف جعلها الإسلام من مهمة الإنسان، وهي استعمار الأرض واستخلاف الإنسان فيها والإصلاح فيها.

استعمار الأرض:

حدَّد الحق تبارك وتعالى مهمة الإنسان الحضارية في هذا الكون بقوله: {هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها} [هود: 61]، وهذا يعني أن الله قد كلَّف الإنسان بإعمار الأرض وصنع الحضارة فيها، والاستعمار في الآية الكريمة هو طلب العمارة، وعمارة الأرض تأخذ صورًا شتى؛ فهي تشمَل الزراعة، والصناعة، واستخراج ما في باطنها من كنوز وثروات، كذلك تشمل إعمال العقل في كلِّ ما يفيد هذه البشرية وتلك الإنسانية.

استخلاف الإنسان:

أشار القرآن الكريم في أكثر من موضع إلى جعل الله تعالى الإنسان “خليفة”، فقال تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة} [البقرة: 30]؛ فالخلافة هي الوظيفة الوجودية التي من أجلها خُلِق هذا الإنسان في الأرض، وهي تتضمن مسؤولية عظيمة تتمثل في تمكين الإنسان من أمانة الأرض وتسخيره لما فيها من ثروات وخيرات وموارد.

الإصلاح:

جعل الإسلام الإصلاح من جملة التكاليف الشرعية، ويُفهم هذا الوجوب مما ورد في نصوص من الحديث عن عاقبة إهمال القيام بواجب الإصلاح قال تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ} [هود: 116]؛ ففي الآية الكريمة يبين الله تبارك وتعالى أن سبب نجاة الأمم من الهلاك ليس في صلاح أهلها فقط، إنما في إصلاحهم وقيامهم بهذا الواجب.

والعمل والتكسب وحفظ البدن والترفه بالنعم واستخراج ما في الأرض من خيرات، واستصلاحها، وسد حاجات الناس المعتبرة، وتجنب الفساد والإفساد كل ذلك ونحوه من الإصلاح.

ثانيًا: التنمية في نظر الإسلام:

تعد التنمية من المفاهيم الحديثة التي شغلت حيزًا كبيرًا من اهتمامات الدول والمنظمات العالمية والإقليمية.

وهذه التنمية هي عملية تغيير من أجل خدمة الإنسان وتحقيق آماله وغاياته.

وهي شاملة لشتى جوانب الحياة، سواء أكانت اقتصادية أم اجتماعية أم ثقافية أم سياسية أم غير ذلك؛ فالتنمية في معناها الشامل تعني بناء مشروع حضاري متكامل يتوافر فيه التكامل والتوازن بين الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

والتنمية في الإسلام تعني السعي للارتقاء بحياة الناس ماديًّا وروحيًّا بما يسعدهم في دنياهم وأخراهم، وفق السنن التي وضعها الله سبحانه وتعالى في الحياة، من غير إفساد أو إضرار أو إهدار للموارد، وبما يضمن حظوظ الأجيال كلها حاضرها ومستقبلها؛ حتى يتحقق لهم التكريم اللائق بهم.

ويجعل الإسلام من الإنسان ركيزة أساسية للتنمية الشاملة والمستدامة؛ فالإنسان قبل البنيان مبدأ إسلامي سام عظيم يصلح أن يكون شعارًا للتنمية وعليه أساس وضع الخطط والحلول في ضوء احتياجات الإنسان الحالية والمستقبلية.

ثالثًا: أهداف التنمية تتواءم مع مقاصد التشريع الإسلامي:

لا تتعارض أهداف التنمية مع المقاصد الشرعية؛ فلا ريب أن الشريعة تسعى إلى تحسين ظروف معيشة الفقراء والقضاء على العَوَز وتوفير الأمن الغذائي والصحي، والإشباع العادل للحاجات الأساسية للإنسان، وضمان تعليم جيد، وتبنِّي نموذج تنموي داخلي يلبي احتياجات الإنسان، وإيجاد تنمية متوافقة مع البيئة، وإقامة مجتمعات متعايشة مستقرة، وربط التكنولوجيا الحديثة بأهداف المجتمع من خلال توعية السكان بأهمية التقنيات المختلفة في المجال التنموي وكيفية استخدامها في تحسين نوعية حياة المجتمع وتحقيق أهدافه المنشودة.

رابعًا: القضاء على معوقات التنمية.

التنمية ليست طريقًا معبدًا سهلًا، ولكنه يحف بالمعوقات التي لابد من القضاء عليها؛ وأحد أهم هذه المعوقات هي الزيادة المُطَّردة في عدد السكان؛ فإنها كما تُعد عقبة في طريق تحقيق النمو الاقتصادي تُعد كذلك سببًا لنشر الفقر والجهل والمرض.

إن كثرة الأولاد وتكرار الإنجاب له تأثير مادي وبدني ومعنوي كبير على الأبوين والأولاد؛ والشريعة إنما تهدف إلى مجتمع قويةٌ أفرادُه بدنيًّا وخُلقيًّا وعلميًّا وثقافيًّا وروحيًّا؛ فالإسلام لا يقصد مجرد وجود نسلٍ كثيرٍ لا قيمة له ولا وزن، وإنما يُريد نسلًا قويًّا، وليس للإسلام غرض في كثرة النسل إن كان يؤدي إلى الجهل والفقر والمرض وعدم الرعاية؛ قال عليه السلام في تتداعى الأمم علينا: «بل أنتم حينئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل»([1]).

إن لتحقيق مقاصد الشريعة طُرقٌ متوازنة، فإذا كان الإنجاب مطلبًا وجوديًّا لاستمرار بقاء الجنس الإنساني ويحقق مقصد حفظ النسل، فالمتأمل في النصوص الشرعيَّة التي تحث عموم الناس على الزواج والتكاثر يجد أنها تشترط لذلك الاستطاعة البدنية والمالية كما في قولِه تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 33]، وقوله عليه السلام: «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ»([2])؛ وإنما كان ذلك من أجل إمكانية القيام بأعباء الأسرة ومسئولياتها ومن ذلك إحسان تربية الأبناء خُلُقيًّا وبدنيًّا وثقافيًّا؛ وإلا لعاد ذلك على مصلحة حفظ النفوس والأموال والأديان والعقول بالنقض؛ فيجب التوازن في تحقيق مقاصد التشريع.

ويلي الزيادة السكانية كمعوق من معوقات التنمية أخطر الأمراض الاجتماعية التي تفتك بحياة الفرد والمجتمع والتي تؤدي إلى تخلف الأمم وضعفها بل وانهيارها وتعطيل التنمية: الفقر والجوع والبطالة؛ فهذه الأمور تنخر في خلايا المجتمعات فتُسهِم في خلق الكثير من الآفات كسوء التغذية والأمراض والجهل.

ومن هنا كان ولابد من تكاتف الجميع للقضاء على معوقات التنمية، والدول وإن قامت بدورها في سبيل ذلك فإن هذا الدور لا يتم إلا بوعي وعمل طوائف المجتمع أفرادًا وجماعات؛ وأهم سبل ذلك هو الحد من الزيادة السكانية.

نحن نحتاج إلى سد جميع الثقوب التي تبتلع أية إنجازات تنموية أهمها ثقب الإرهاب والزيادة السكانية وكلاهما ناتج عن الجهل وقلة الوعي واختلاط المفاهيم.

كما أن تنظيم النسل يُعد حلًّا أكيدًا في هذا العصر للزيادة السكانية، وعليه تقوم المصلحة التي هي مصدرٌ من مصادر التشريع، وهو طريق لتحقيق التنمية المستدامة، ولا يتعارض تنظيم النسل مع الإيمان بالقضاء والقدر ولا يُعدُّ اعتراضًا ولا تدخلًا في قدر الله تعالى؛ لأن تنظيم النسل ما هو إلا لون من مباشرة الأسباب التي أمرنا الله تعالى بمباشرتها لتنظيم حياتنا، ولا يتعارض تنظيم النسل مع ما جاء في القرآن الكريم من النهي عن قتل الأولاد خشية الفقر؛ فهذا التشريع متعلق بقتل النفس أو قتل الجنين الذي له روحٌ مستقرة، ولا يمكن أن يكون حجةً أو أساسًا للقول بأن القرآن الكريم ينهى عن تنظيم النسل؛ كما أن تنظيم النسل لا يتعارض مع قوله صلى الله عليه وسلم: «تناكحوا تكثروا»؛ فالحديث فيه الحض على الزواج والنهي عن الرهبنة، والتباهي إنما يكون بالقوة والكيف الذي تتمتع به الذرية عن طريق توفير الرعاية والعناية الكافية.

كما يُعد السعي لحل مشكلة الزيادة السكانية أحد طرق تحقيق التنمية لأنه يحقق الرفاه الاقتصادي للأفراد ويوفر لهم حياة كريمة، ولكن من أهم طرق تحقيق هذه الحياة الكريمة أيضًا القضاء على الفقر، وللشريعة الإسلامية آليات فريدة في القضاء على هذه المشكلة تشكلت في هويتها وحضارتها، فلقد مرت بالمسلمين أوقات عصيبة كان الفقر قد أطبق على كثير منهم، خاصة بعد هجرة النبي r إلى المدينة المنورة، وقد تعامل النبي مع هذه الأوقات بطريقة رشيدة وحلول ناجعة تحفظ كرامة المسلم وتصون ماء وجهه؛ فآخى بين المهاجرين والأنصار، وعمل على تطبيق فريضة الزكاة، وأمر بالصدقة والتبرع، وحث على العمل لزيادة الإنتاج.

إن قضية التوزيع للناتج على الأفراد في المجتمع تحظى بأهمية كبيرة في تشريعات الإسلام، وهنا يتميز الإسلام عن النظم الاقتصادية المعاصرة في أنه يُقرر ضمان توفير حد الكفاية لكل فردٍ في المجتمع؛ مسلمًا أو غير مسلم، والنصوص الشرعية الدالة على ذلك لا تحتاج إلى بيان.

إن القضاء على الفقر في المجتمعِ غايةٌ أصيلةٌ في الشريعة الإسلامية لم تصل إليها بعدُ مدارك الفكر الاقتصادي الحديث، فغايةُ أملهم هو التخفيف من مستوى الفقر، وشتان بين هدف القضاء على الفقر برمته وضمان كفالة مستوى الكفاية لكل فرد في الإسلام، وبين هدف التخفيف من حدة الفقر في النظم الاقتصادية الوضعية.

إن الشريعة تسعى إلى تحقيق الغنى والكفاية بين الناس والقضاء على الفقر والحرمان لتضييق الفوارق الاقتصادية القائمة بين أبناء الأمة وإخراج الفقراء من مذلة الفقر والحاجة التي تقف دائما شبحًا مخيفًا يهدد أمن المجتمع واستقراره، وفي سبيل ذلك أوصدت الشريعة كل طرق الظلم والغش والإضرار بالمجتمع التي قد تؤدي إلى احتكار الثروة بصورة هائلة، كما شرعت العديد من الوسائل الكفيلة بمقاومة الفقر والحاجة.

والوصول إلى الغنى والكفاية كما أنه من مقاصد الشريعة فهو أيضًا من أهداف التنمية؛ فتطبيق التنمية يُعد أحد؛ بل أهم طرق الوصول إلى هذا الهدف.

وإن الطابع التعاوني الخيري قد مثَّل ركنًا أساسيًّا للشريعة الإسلامية؛ فقد حث الإسلامُ على مساعدة الآخرين والتعاون على فعل الخيرات، كما مهَّد الإسلام طرقًا عدة لنفع الناس؛ منها ما هو فرضٌ كالزكاة ونحوها، ومنها ما يقوم به المسلم على سبيل التطوع والبر؛ مثل الصدقة والوقف.

 

([1]( تقدم تخريجه.

([2]) تقدم تخريجه.

اترك تعليقاً