البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

الفصل الثالث: دور الإفتاء في دعم تنمية الأسرة.

56 views

تدور الإجراءات الوقائية والعلاجية اللازمة لتنمية الأسرة في عدة مناحي لعل من أهمها نشر الوعي الديني الصحيح بأهمية الأسرة ومقومات الاستقرار الأسري؛ فإن الدين داعمٌ ومحفز وميسر لتنمية الأسرة.

وإن الفقه الإسلامي فيه من المرونة ما يفي بحاجات التنمية الأسرية في هذا العصر وبخاصة المتطلبات العلاجية للمشكلات الأسرية، فالفقه قادر على مسايرة القضايا المعاصرة والنوازل والمستجدات والتفاعل معها والتأصيل الشرعي لها ووضعها في الإطار الصحيح والتعامل معها وإيجاد الحلول الشرعية المناسبة على المستوى العام والخاص.

وينبغي أن يتم نشر الوعي الديني بطريقة مخططة مدروسة تبدأ في المناهج التعليمية الأساسية ثم في المراحل التالية لها؛ ويمكن إعداد تأهيلٍ إلزاميٍّ للشباب متزامِن مع تأدية الخدمة الوطنية يُعنى بتنمية الوعي الأسري.

ومن المهم أيضًا نشر الوعي الديني بين فئات المتزوجين حديثًا ووضع خطط وافية لتحديد المشكلات المعتاد حدوثها في بداية الزواج وتأهيل المتزوجين على مواجهتها وتوفير الدعم الكافي لهم في هذا السياق.

وكذلك نشر الوعي الشرعي الكافي بخطر الطلاق وأحكامه بين سائر فئات المتزوجين، وكذلك مواجهة مشكلة تفشي فك عُرى عقد الزواج الناتج عن الطلاق الشفوي بوضع التشريعات والقوانين التي تُقيِّد هذه الظاهرة الخطيرة.

وبنفس القدر الذي يحتله جانب الوعي الديني في تنمية الأسرة وتحقيق الوقاية الكاملة لها يأتي الوعي الاجتماعي كجانب مهم من جوانب الوعي المراد تنميته؛ فالكثير من الأساليب الاجتماعية الخاطئة وجدت طريقها عند مئات الأسر كالتسلط والحماية الزائدة والتدليل والقسوة والإفراط في العقوبة والتمييز بين الجنسين، كل تلك الأنماط الخاطئة يجب أن تتناوله حملات التوعية بهدف الحد منها وتقويضها، والعمل على القضاء عليها بشكل كامل؛ فتلك الأنماط تُخلِّف تشوهات كبيرة في التكوين النفسي والثقافي للطفل الذي يشبُّ وتشبُّ معه تلك التشوهات حتى تصنع شخصيته وتتبلور في إطارها، مما يَصْعُب معه بعد ذلك تداركها وإصلاحها.

إن نشر الوعي والاهتمام بتصحيح الفكر وتقويمه لدى الأسرة هو أول خطوات التنمية الأسرية.

وقد قامت المؤسسات الدينية الوطنية بالفعل في هذا الإطار بجهودٍ ملموسةٍ ظهرت آثارها في السنوات الأخيرة، وكانت على قدر التحدي وأثبتت كفاءتها بشكل لافت للنظر، وكانت دار الإفتاء المصرية بشكل خاص لها حضورها القوي في هذا المضمار، وساعدها على تحقيق ذلك الحضور المؤثِّر إدراكها للأدوات الفاعلة في نشر خطابها الوسطي المعتدل عبر قنوات الاتصال الحديثة مما ساعد على وصولها وتأثيرها في الأسرة المصرية.

ولعل من أهم طرق نشر الوعي الديني بسياقات التنمية الأسرة هو نشره عبر الفتوى فإن للفتوى الصحيحة أثر كبير استقرار حياة الأفراد وأمن المجتمعات حتى لا تنتشر فيها الفتاوى الشاذة.

وفي هذا الجانب الأخير تحديدًا ينبغي أن نُشير إلى الدور المستمر لدور الإفتاء التي دائمًا ما تتوجه بفتاواها لتحقيق المصالح الزوجية والمصلحة العامة، وتتخذ منها هدفًا تنمويًّا في إدارة الخلاف الزوجي عن طريق الإرشاد والنصح، بجانب الفتاوى الرشيدة المراعية لمصالح الشرع ومقاصده.

هذا بخصوص علاج مشكلة ارتفاع نسب الطلاق الذي يُمثل أحد عوائق التنمية الأسرية، ومن أبرز العوائق والإشكالات أيضًا أمام هذه العملية القضية الأضخم والهم الشاغل اليوم في المجتمع، وهو زيادة النسل؛ فهي الإعصار الذي يلتهم كل ثمار التنمية حقيقة وتتلاشى أمامه سائر الجهود والإنجازات الاقتصادية.

لقد تكرست العديد من المفاهيم والقيم السلبية فيما يخص زيادة النسل على مدار سنوات عديدة؛ فاستقر في وجدان الكثير من الأسر قيم زائفة حول التباهي بعدد الأولاد، وكون كثرتهم أمرًا إيجابيًّا في حد ذاته، وساعد على ذلك خطابٌ جامدٌ تبنته تيارات متأخرة فكريًّا، دفعت في اتجاه ترسيخ تلك القيم، وأطلقت حملاتٍ متتابعة لتقويض أية جهود لتنظيم عملية النسل ومواجهة خطر الانفجار السكاني.

إن زيادة عدد الأولاد في ظل أوضاعٍ اقتصاديةٍ متردية للأسرة لا يَنتُج عنه أي شيء يدعو إلى الفخر بحالٍ من الأحوال؛ فالأسرة البسيطة التي لا يتعدى دخلها ما يسمح بإعالة طفل واحد وتسعى في إنجاب خمسة أطفال لا شك أنها تعيش ظروفًا صعبة، وينشأ أطفالها في مناخٍ من العوز والحاجة بلا رعاية صحية أو تعليمية ملائمة، وهذا الحال لا يمكن أن يكون موافقًا لمقاصد الشريعة الإسلامية التي وضعت حفظ النسل والمال والعقل والحياة والدين كمقاصد تشريعية حاكمة، وأرادت لذلك الإنسان أن يعيش حياة كريمة، ودارت التشريعات في إطار تلك المقاصد والمصالح حيثما كانت؛ فكلما كانت المفسدة متيقنة أو المصلحة متيقنة تأكدنا أن ثمة تشريعٌ لجلب المصلحة أو دفع المفسدة.

إن تلك العوائق الكبيرة بجانب غيرها من المشكلات المجتمعية المتجذرة يجب أن تواجَه بمجوعة كبيرة من الأدوات العلاجية ويأتي في مقدمتها الفتوى المنضبطة الرشيدة.

دار الإفتاء المصرية كمثال نموذجي في دعم الإفتاء لتنمية الأسرة:

كانت دار الإفتاء المصرية دومًا في صف تحقيق لم شمل المصريين المخلصين الوطنيين تحت راية واحدة هي راية الوطن وفي سبيل غاية واحدة هي تقدم وازدهار الوطن وتحقيق التنمية الشاملة لصالح المواطن المصري.

ولقد أوضحت دار الإفتاء المصرية موقفها بجلاء من التنمية الشاملة والمستدامة في بيان لها بعنوان “مَغْزَى الحث على استدَامةِ عمارة الأرض في المفهوم الإسلامي”، وقد بينت فيه حرص الإسلام على دفع الإنسان دفعًا متواصلًا وحثيثًا لتحقيق عمارة الأرض التي استُخْلِفَ فيها والاستفادة مما سخَّره الله فيها بالعمل لينفع نفسه وغيره في تحقيق حاجاته وإشباعها.

وفي مجال التنمية انصبت الكثير من جهود دار الإفتاء المصرية على تنمية الأسرة بصفة خاصة، فمن المقرر أن المهمة الأساسية لدار الإفتاء المصرية منذ إنشائها عام 1895هـ هي إصدار الفتاوى الشرعية في مختلف القضايا الخاصة والعامة في سائر المجالات الدينية وما تعلَّق بالشريعة من القضايا الاقتصادية والاجتماعية وغيرها من القضايا، ومع كثرت المسائل وتشعُّبها في الآونة الأخيرة تعددت النوازل والوقائع المستحدثة وكثُرت في مختلف المناحي، وكان أكثرها ما يتعلق بالأمور الأسرية من زواج وطلاق ومشكلات أُسرية؛ مما دفع دار الإفتاء المصرية إلى القيام بجهود عدة في تنفيذ العديد من الآليات الوقائية والعلاجية لتنمية الأسرة؛ منها:

أ- بذلت دار الإفتاء المصرية جهودًا دؤوبة في سبيل مكافحة الأفكار التكفيرية الهدامة التي تعوق كل مشروعات التنمية والإعمار وتقوض دعائم التقدم والاستقرار.

ب- ننطلق في دار الإفتاء المصرية في مساندتنا للدولة المصرية من قناعات دينية منهجية وسطية ترفض وتحارب أفكار تلك الجماعات كان من أهمها الأفكار التي تدعو إلى وجوب زيادة النسل وتحريم تحديد النسل وتعمل على تشجيع عملية الانفجار السكاني والذي كان أحد أكبر معوقات التنمية الأسرية.

جـ- إدارة الإرشاد الزوجي:

تم إنشاء مركز الإرشاد الزواجي منذ ثلاثة سنوات، ويُعد هذا المركز أولَ مركزٍ متخصص في هذا الشأن في جمهورية مصر العربية، ثم تلاه إنشاء الكيانات الحكومية الأخرى التي تقوم بدورٍ قد يتشابه مع دور مركز الإرشاد الزواجي بدار الإفتاء المصرية في الهدف ولكنه يختلف عنه في الأدوات والمنطلَقات والآثار؛ حيث يقوم مركز الإرشاد الزواجي بدار الإفتاء المصرية بعدة أدوار في هذا الشأن، وهي:

أولًا: الدور التثقيفي: ويشمل: إعداد كتيبات وإجراء بحوث وعقد لقاءات في المجال.

ثانيًا: الدور الإرشادي: ويشمل: عقد جلسات إرشادية زواجية والقيام بعملية التنشئة الزوجية المجتمعية بالعمل على نشر ثقافة التوافق الزواجي على كافة المستويات؛ الأزواج وأسرهم والمحيطين بهم.

ثالثًا: الدور التدريبي: ويشمل:

(أ): إعداد برامج التدريب التأهيلي والوقائي لمنخفضي التوافق الزواجي الراغبين في الطلاق وللمقبلين على الزواج على أيدي متخصصين في مجال علم النفس الاجتماعي والإرشاد الأسري وعلماء الدين.

(ب) إعداد دورات لإدارة عملية الطلاق الآمن؛ فقد أضحى من المهم تطبيق برنامج لزيادة التسامح بين الزوجين المطلقين حتى تقل مشكلات التوافق اللاحقة لهم ولأطفالهم.

(جـ) تدريب الكوادر القادرة على التعامل مع منخفضي التوافق الزواجي والراغبين في الطلاق.

رابعًا: الدور الاستشاري: ويشمل: التخطيط ووضع السياسات المتعلقة بالمجال، وكذلك تقديم مقترحات بتعديلات تشريعية خاصة بإجراءات كل من الزواج والطلاق، وفي هذا السياق نقترح إدخال تعديل تشريعي يُلزم الراغبين في الطلاق وكذلك المقبلين على الزواج بتقديم إفادة بحضورهم دورة للتوافق الزواجي، كما تسعى دار الإفتاء المصرية لإصدار رخصة طلاق تصدُر قبل توثيق عملية الطلاق عند المأذون ولا يوثق بدونها طلاق ويعتبر الزوج الممتنع عن الحصول على الرخصة إذا كان يرغب في الطلاق مخالفًا للقانون وتوضع عقوبة لهذه المخالفة، وكذلك يسعى المركز إلى تبني تقديم استشارات للوزارات المعنية والمؤسسات الخاصة ثم على المستوى الإسلامي والدولي.

د- المقبلين على الزواج: تم تنفيذ عدة دورات تدريبية للمقبلين على الزواج.

هـ- لقاءات شباب الجامعات: تم عمل العديد من اللقاءات مع شباب الجامعات في مجال التوعية الأسرية.

و- الموشن جرافيك: تم إطلاق عدد خمسة عشرة حملة توعوية عبر مختلف وسائل السوشيال ميديا تهتم بموضوعات الأسرة وتصحيح المفاهيم الدينية.

 

اترك تعليقاً