البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

تعريف الإلحاد

أولًا: المعنى اللغوي لكلمة (إلحاد):

110 views

إن أهمية ذكر المعنى اللغوي عند ذكر التعريف بالاصطلاحات -وهو أمر متوارث- تكمن في بيان منشأ الكلمة، وحدودها، وإظهار مرحلة التخصيص بمعنى معين، إذا كان المعنى له تعدد ما، كما تكمن أهميته في قابلية المصطلح للتجدد وفهم كيفية استعماله على الوجه الأكمل والأصوب عند ذكر المعنى الاصطلاحي وتعريفه.

هذا وتأتي كلمة إلحاد على وزن إفعال، فاللام والحاء والدال هم أصل الكلمة؛ حيث الهمزة الأولى والألف الثانية زائدتان، وهو أصل يدل في اللغة العربية على (الميل).

– وذلك كما في (اللَّحد للموتى) فقد سمي لحدًا؛ لأنه مائل في أحد جانبيه، قال ابن منظور في اللسان: «الضريح: الشق في وسط القبر، واللَّحد في الجانب»([1]). وقال أيضًا وكذا عبارة المرتضى في التاج: «لأنه قد أميل عن وسط إلى جانبه»([2]).

وقال ابن فارس: «سمي اللحد؛ لأنه مائل في أحد جانبي الجدث. يقال: لحدت الميت وألحدت»([3]).

وقال الأزهري في الزاهر: «قال شمر: اللَّحد واللُّحد حرفُ الشيء وناحيته»([4]).

– ويطلق أيضًا على (الظلم)؛ وذلك لأنه ميل عن الحق إلى الباطل:

وهذا المعنى خصيص بالإلحاد جدًّا هو والميل عن طريق الإسلام الذي سيأتي قريبًا، قال ابن دريد: «وكل مائل عن شيء لاحد وملحد، ولا يقال: لاحد ولا ملحد حتى يميل عن حق إلى باطل»([5]).

وذلك كما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «احتكار الطعام بمكة إلحاد»([6])([7]) أي ظلم([8])، وقال أبو عبيدة: ألحد إلحادًا: جادل ومارى، ولحد: جارَ وظلم، وألحد في الحرم- بالألف- استحلَّ حرمته وانتهكها…»([9]).

وقد تخصَّص هذه اللفظة (ألحد) بالظلم في الحرم، كما جاء في اللسان: «وألحد الرجل أي ظلم في الحرم، وأصله من قوله تعالى: {وَمَن يُرِدۡ فِيهِ بِإِلۡحَادِۢ بِظُلۡمٖ نُّذِقۡهُ مِنۡ عَذَابٍ أَلِيمٖ} [الحج: 25]»([10]). والمراد بهذا الظلم استحلال حرمة الحرم([11]).

قال ابن الجوزي في كشف المشكل من حديث الصحيحين:

«وفي المراد بالإلحاد في الحرم خمسة أقوال: أحدهما: أنَّه الظلم، رواه العوفي عن ابن عباس. وقال عمر بن الخطاب: احتكار الطعام بمكة إلحاد بظلم. وقال مجاهد: هو عمل سيئة. والثاني: أنه الشرك، رواه ابن طلحة عن ابن عباس، وبه قال الحسن وقتادة. والثالث: الشرك والقتل، قاله عطاء. والرابع: أنه استحلال محظورات الإحرام، روي عن عطاء أيضًا. والخامس: استحلال الحرام تعمدًا، قاله ابن جريج»([12]).

وفي الحديث: «لا تلطط في الزكاة ولا تلحد في الحياة»([13])، أي لا يجري منكم ميل عن الحق ما دمتم أحياء.

– ويطلق أيضًا على (الملجأ)، وذلك لأن اللاجئ يميل إليه، قال ابن فارس في مقاييسه: «الملتحد: الملجأ، سمي بذلك لأن اللاجئ يميل إليه»([14]).

ويطلق على (الميل عن دين الله سبحانه وتعالى).

وهذا كما ذكرنا من أكثر المعاني قربًا والتصاقًا بكلمة (الإلحاد)، قال ابن فارس في مقاييسه: «يقال: ألحد الرجل، إذا مال عن طريقة الحق والإيمان»([15]). وقال الفيومي في المصباح المنير: «لحدَ الرَّجل في الدين لحدًا وألحد إلحادًا طعن، قال بعض الأئمة: والملحدون في زماننا هم الباطنية الذين يدعون أنَّ للقرآن ظاهرًا وباطنًا، وأنهم يعلمون الباطن؛ فأحالوا بذلك الشريعة لأنَّهم تأولوا بما يخالف العربية التي نزل بها القرآن»([16]).

وعلى هذا فالمعنى اللغوي للإلحاد يشتمل على أيِّ معنى فيه ميل عن أو في دين الله سبحانه وتعالى، سواء كان هذا الميل إنكارًا للدين والألوهية والرسالة المحمدية بالكلية، أو جزئيًّا، أو كان تشكُّكًا لأنه مخالف للإيمان والعقيدة كما سيأتي توضيحه في النقطة التالية.

([1]) انظر: لسان العرب (باب الحاء، فصل الضاد مع الراء).

([2]) لسان العرب، وتاج العروس للمرتضى الزبيدي (باب الدال، فصل اللام مع الحاء).

([3]) انظر: مقاييس اللغة (5/ 236) لابن فارس، تحقيق: عبد السلام هارون، دار الفكر، 1399هـ- 1979م.

([4]) الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي (ص248) للأزهري، تحقيق: مسعد عبد الحميد السعدني، دار الطلائع.

([5]) انظر: جمهرة اللغة (1/ 505) لابن دريد، تحقيق: رمزي منير بعلبكي، دار العلم للملايين- بيروت، الطبعة الأولى، 1987م.

([6]) أخرجه الطبراني في الأوسط (1485) من طريق أبي عاصم، قال: أنبأنا عبد الله بن المؤمل، قال: أنبأنا عمر بن عبد الرحمن بن محيصن، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عمر رضي الله عنهما. قال الهيثمي: «رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عبد الله بن المؤمل؛ وثقه ابن حبان، وغيره، وضعفه جماعة». انظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (4/ 101) للهيثمي، تحقيق: حسام الدين القدسي، مكتبة القدسي، القاهرة، 1414هـ- 1994م.

([7]) لسان العرب (باب الدال، فصل اللام مع الحاء).

([8]) انظر: جامع الأصول في أحاديث الرسول (6906) لابن الأثير، تحقيق: عبد القادر الأرناؤوط، مكتبة الحلواني- مطبعة الملاح- مكتبة دار البيان، الطبعة الأولى، 1392هـ- 1972م.

([9]) انظر: المصباح المنير (ل ح د).

([10]) لسان العرب (باب الدال، فصل اللام مع الحاء).

([11]) الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي (ص248) للأزهري، تحقيق: مسعد عبد الحميد السعدني، دار الطلائع.

([12]) انظر: كشف المشكل من حديث الصحيحين (2/ 389) لابن الجوزي، تحقيق: علي حسين البواب، دار الوطن- الرياض.

([13]) ذكره التقي الهندي في كنز العمال (10/ 623) تحقيق: بكري حياني وصفوة السقا، مؤسسة الرسالة، الطبعة الخامسة، 1401هـ- 1981م.

([14]) انظر: مقاييس اللغة (5/ 236) لابن فارس، تحقيق: عبد السلام هارون، دار الفكر، 1399هـ- 1979م.

([15]) انظر: مقاييس اللغة (5/ 236) لابن فارس، تحقيق: عبد السلام هارون، دار الفكر، 1399هـ- 1979م.

([16]) انظر: المصباح المنير (ل ح د).

اترك تعليقاً