البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

مصطلح الإلحاد في الترجمات الغربية (Atheism) وبيان معناه

62 views

ترجم مصطلح الإلحاد في كتب المعاجم العربية الخاصة بالفلسفة والمصطلحات الكلامية إلى كلمة (Atheism)، وهي تنحدر من الكلمة الإغريقية (Atheos) التي سرت إلى اللغة الإنجليزية في وسط القرن السادس عشر الميلادي، والتي تعني حرفيًّا: بلا إله([1])، حيث نراه يتكون من جزئين، الجزء الأول (Theism): والذي يعني: الإيمان بأن الإله موجود([2])، والجزء الثاني منه وهو حرف (A) يمثل النفي، ولنتعرض الآن لشيء من التفصيل للمصطلح الإنجليزي، حيث تكمن أهمية هذا العرض في نقطتين:

أولًا: أنه قد تمَّ تداول المصطلح في العديد من المؤلفات العربية؛ خاصة الفلسفية، كما أنه تمَّ تعريف الإلحاد كمصطلح عربي بدلالة المقابل الإنجليزي في الكثير من هذه المؤلفات، بل خصَّص البعض المصطلح العربي بدلالة اتجاه معين من اتجاهات تعريف المصطلح الأجنبي كما سيأتي.

ثانيًا: أن اللغة في حقيقتها مرآة للواقع، والمصطلحات هي صورة للتاريخ وماصدقاتها، ولذا فإن التعرض لبيان المصطلح الأجنبي هو تعرض بدوره لتاريخ الإلحاد الغربي.

ثالثًا: أن شرح المصطلح الأجنبي مع ما بيناه من شرح المصطلح العربي يمهد الخطوات والآليات للتعامل السليم مع كل من (الإلحاد العربي) و(الإلحاد الغربي)، ذلك لأن الواقع والتاريخ والأحداث تنعكس بدورها على الشعوب، وبالطبع ثمة تغاير كبير بين ما مرت به دول كالدول الأوربية عما مرت به المنطقة العربية، كما سيأتي بيانه.

شرح المصطلح:

كما ذكرنا فإن تفسير المصطلح (Atheism) هو بدلالة لفظة (Theism)، وتعني الأخيرة الإيمان بأن الإله موجود([3])، ثم مع إضافة (A) إليها ظهر لنا هذا المصطلح المطلق على النفي.

مع أن هذا يدل على علاقة واضحة بين اللفظين، إلا أن تداول اللفظ بين الكتاب والفلاسفة يجعلون هذا المذهب مرادفًا للمذهب المادي (Matrialism) والمذهب الطبيعاني (Natruralsm) وهذا مما يعطي انطباعًا على عدم العلاقة بين مصطلح (Theism) والمشتق منه (Atheism).

ونرجع الآن إلى التعريف فنقول:

إن المتعرضين لهذا التعريف ذهبوا اتجاهين بخصوص هذا النفي، فالاتجاه الأول يجعل معنى هذا النفي الإنكار والتكذيب بوجود الإله أصلا، والاتجاه الثاني يجعل معنى هذا النفي حالة نفسية أو شعورية بعدم وجود الإله، والاتجاهان مبنيان بالأساس على تفسير الإيمان في مصطلح (Theism):

الاتجاه الأول: يفسر (Theism) على هذا الاتجاه بأنه قضية منطقية، وبهذا فهي تحتمل الصدق والكذب، فـ(Theism) هي قضية تعني: الإيمان بأن الإله موجود([4])، والإيمان على هذا الاتجاه يعني: ما تمَّ الإيمان به؛ لا الحالة الشعورية والنفسية التي تحصل للمؤمن، ولعل هذا التفريق هو كالتفريق عند المتكلمين عند كلامهم على المصدر أنه ينظر له باعتبارين:

الاعتبار الأول: (المعنى المصدري)، والاعتبار الثاني: (المعنى الحاصل بالمصدر)، وذلك لأن المعنى الحاصل بالمصدر هو الأثر([5])، فالمعنى المصدري بخصوص الإيمان المذكور وهي (الحالة الشعورية والنفسية بتصديق وجود الإله) لا تخضع لمعايير القضية المنطقية من الصدق والكذب، فهي من قبيل الأحوال والتي هي أمور عدمية([6]). بخلاف المعنى الحاصل بالمصدر والذي يعني (الإيمان بشيء)، فهو يشير لما يشتمل عليه الخبر، وهو بذلك الاعتبار قابل للصدق والكذب، وقابل للاحتجاج له أو ضده.

وعلى هذا فإن تفسير (Atheism) بمرجعية من اللفظ (Theism) وإذا كان الـ (Theism) هي خبر أو قضية تعني بأن (الله موجود) وليس حالة شعورية بوجود الله -كما أسلفنا-. إذن:

(Atheism) ليس غياب الحالة الشعورية، بل هو نفي للوجود الخارجي للإله([7]).

وهذا هو المعنى الذي حاكاه الدكتور عبد المنعم حنفي في معجمه، وقد سقناه قبلًا بقوله: إن الإلحاد هو الكفر بالله، والملحد: هو الذي يحكم على عبارة (الله موجود) بأنها قضية كاذبة([8]).

الاتجاه الثاني: وهو الاتجاه الذي يرى أن الإيمان في تعريف (Theism) هو حالة شعورية نفسانية؛ ولذلك فإن (Atheism) هي نفي للإيمان بهذا المعنى، وهو لا يعني بالضرورة عدم وجود الإله خارجًا، ولذلك يعرف على أنه غياب (Absence) وليس نفيًا أو إنكارًا.

وهذا التعريف هو ما يراه البعض كـ”ديفيد رمزي ستيل” (David Ramsay Steele) ممن يدعي أن (Atheism) هو غياب الإيمان فقط، وليس جحودًا وإنكارًا للمعتقدات الإيمانية بوجود الإله([9])، وكذلك الفيلسوف أنتوني فلو([10])، وستيفين بوليفانت في دليل أوكسفورد المرجعي للإلحاد (oxford handbook of atheism) حيث فضلوا هذا التعريف لكونه مظلة تشمل العديد من الأنماط والمذاهب الفكرية الموسومة بالإلحاد، والتي يمكن بعد ذلك تصنيفها سواء بالقوة أو الضعف([11]).

([1]) انظر: الإلحاد المفهوم والأنماط، المجلة الاجتماعية القومية (ص130) تأليف: محمود أحمد عبد الله، المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، مجلد 53، العدد 3،  2016م. و:

Bullivant, Stephen and Michael Ruse (eds.), 2013, The Oxford Handbook of Atheism, Oxford: Oxford University Press.p 11.

([2]) انظر: الموقع الإلكتروني لموسوعة ستانفورد الفلسفية (Atheism and Agnosticism).

([3]) انظر: الموقع الإلكتروني لموسوعة ستانفورد الفلسفية (Atheism and Agnosticism).

([4]) انظر: المرجع السابق.

([5]) المعنى المصدري والمعنى الحاصل بالمصدر: يستعمل المصدر في الحاصل منه وهو الأثر والحدث، وأما المعنى المصدري فهو إيجاد وإيقاع الأثر والحدث، قال العلَّامة الترمسي رحمه الله:

«المصدر يستعمل بمعنيين، الأوَّل: المعنى المصدري، وهو تأثير الفاعل أعني تعلق قدرته بالمفعول فهو أمر اعتباري نسبي، والثاني: الحاصل بالمصدر، وهو تقارنه القدرة كالحركات والسكنات، ويقال له بهذا المعنى: الحدث لحدوثه عن فاعل ومفعول مطلقًا… وأما المعنى المصدري والحاصل به فذهب بعض الفضلاء إلى أن صيغ المصدر حقيقة فيهما زاعمًا أنه مذهب السيد -أي الشريف الجرجاني- ونقل عن بعضهم أنه حقيقة في المعنى المصدري، مجاز في الحاصل به».

وعلى هذا الفرق خلاف في أمور كثيرة، وذلك كالتكليف في أصول الفقه، كالتكليف بالصلاة مثلا، هل التكليف بالصلاة يعني التكليف بالحركات والسكنات وهو الحاصل بالمصدر، أم التكليف يعني تحصيلها وذلك بالتأثير فيها والكسب لها، وهذا هو المعنى المصدري، وهذا هو المعنى فوق بين الإيمان بالمعنى المصدري والمعنى الحاصل بالمصدر.

انظر: رسالة في بيان الحاصل بالمصدر، مجلة الجامعة الإسلامية (610- 616) لأمير بادشاه، تحقيق: حسين عيدان مطر الشمري، العدد 47، 2018م. وموهبة ذي الفضل على شرح العلامة ابن حجر مقدمة بافضل (1/ 3) للعلامة محمد محفوظ بن عبد الله الترمسي، المطبعة العامرة الشرفية، مصر، 1326هـ

([6]) انظر: الغرر البهية في شرح البهجة الوردية (1/ 153).

([7]) انظر: الموقع الإلكتروني لموسوعة ستانفورد الفلسفية:

(Atheism and Agnosticism).

([8]) المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة (89) للدكتور عبد المنعم الحفني.

([9]) David Ramsay Steele, Atheism Explained from folly to philosophy, open court, Chicago and La Salle, Illinois, p 3.

([10]) انظر: الموقع الإلكتروني لموسوعة ستانفورد الفلسفية:

(Atheism and Agnosticism).

([11]) انظر: الموقع الإلكتروني لموسوعة ستانفورد الفلسفية:

(Atheism and Agnosticism).

Bullivant, Stephen and Michael Ruse (eds.), 2013, The Oxford Handbook of Atheism, Oxford: Oxford University Press.p 12.

اترك تعليقاً