البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

الشُّبهة الثانية: مصداقية السنة النبوية والتشكيك في الحديث النبوي

50 views

هذه الشبهة الإلحادية نستطيع إدراجها تحت عدة أنواع من أنواع الإلحاد: إلحاد الشبهات، وإلحاد التعنت والسفه، وإلحاد “خالف تعرف”.

أما جهة اندراجها تحت إلحاد الشبهات:

فقد ذكرنا مسبقًا أن إلحاد الشبهات قائم على تركيز الملاحدة في هجومهم على الأديان على شبهات علمية أو تاريخية، من خلالها يجعلون الدين أو نصوصه في تناقض، مما يثير الشكوك في صدور العوام أو غير المتخصصين.

وقد كان التيار الإلحادي -خاصة العرب منهم كالنكرانيين- ممن لديهم نظرة معادية للدين الإسلامي مركزين على السنة النبوية والتشكيك فيها، وذلك إما من ناحية مصدرية السنة النبوية للأحكام الشرعية عامة، أو من ناحية بعض الكتب المؤلفة الجامعة للحديث، وكذلك بعض الشخصيات البارزة في علوم الحديث خاصة، وكذلك بعض النصوص الواردة من الجناب النبوي الشريف والتي لم يفهم معناها على الوجه الصحيح، أو لم يفهم سياقها، مما ألجأ البعض من هذه الجهة لإلحاد نستطيع إدراجه تحت نوع إلحاد التعنت والسفه، وإلحاد خالف تعرف، وسوف نبين سبب الاندراج عند التعرض لذلك في محله إن شاء الله.

وقد وُجد لهذه الشبهة الخاصة منها والعامة صدى كبير منذ القدم، ففي أواخر القرن الثاني الهجري قام في الأمة من يدعو إلى إلغاء السنة بالكلية وعدم الاعتداد بها في مصدرية التشريع لأحكام الإسلام، وذلك نتيجة للشبهات التي خلفها الشيعة والخوارج والمعتزلة([1]).

وقد ذكر الإمام الشافعي مناظرة جرت بينه وبين أحد أفراد هؤلاء في باب (حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها) فقال:

قال لي قائل ينسب إلى العلم بمذهب أصحابه: أنت عربيٌّ والقرآن نزل بلسان من أنت منه، وأنت أدرى بحفظه، وفيه لله فرائض أنزلها لو شك شاك قد تلبس عليه القرآن بحرف منها استتبته، فإن تاب وإلا قتلته وقد قال الله عز وجل في القرآن ﴿تِبۡيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ﴾ فكيف جاز عند نفسك أو لأحد في شيء فرض الله أن يقول مرَّة الفرض فيه عام، ومرة الفرض فيه خاص، ومرة الأمر فيه فرض، ومرة الأمر فيه دلالة وإن شاء ذو إباحة؟ وأكثر ما فرقت بينه من هذا عندك حديث ترويه عن رجل عن آخر عن آخر، أو حديثان أو ثلاثة حتى تبلغ به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وجدتك ومن ذهب مذهبك لا تبرئون أحدًا لقيتموه وقدمتموه في الصدق والحفظ ولا أحدًا لقيت ممن لقيتم من أن يغلط وينسى ويخطئ في حديثه، بل وجدتكم تقولون لغير واحد منهم: أخطأ فلان في حديث كذا وفلان في حديث كذا، ووجدتكم تقولون: لو قال رجل لحديث أحللتم به وحرَّمتم من علم الخاصة لم يقل هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أخطأتم أو من حدثكم وكذبتم أو من حدثكم لم تستتيبوه ولم تزيدوا على أن تقولوا له: بئس ما قلت، أفيجوز أن يفرق بين شيء من أحكام القرآن وظاهره واحد عند من سمعه يخبر من هو كما وصفتم فيه؟ وتقيمون أخبارهم مقام كتاب الله وإنكم تعطون بها وتمنعون بها؟([2]).

وتتلخص حجة هؤلاء قديمًا في رد الأخبار كلها في قولهم:

  • إن القرآن حوى بين دفتيه تبيان كل شيء، وتفصيل ما تحتاج إليه الأمة ما لا يدع مجالًا للسنة في دين الله عز وجل وهو رد لحجيتها أصالة.
  • إذا جاءت الأخبار بأحكام جديدة لم ترد في القرآن كان ذلك معارضة من ظني الثبوت وهي الأخبار لقطعية وهو القرآن، ولا يقوى الظني على معارضة القطعي ألبتة وإن جاءت مؤكدة ومؤيدة لحكم القرآن كان الاتباع للقرآن لا للسنة وإن جاءت مبينة لما أجمله القرآن كان ذلك تبيانًا للقطعي الذي يكفر منكر حرف منه بظني لا يكفر من أنكر ثبوته وهو رد لحجيتها من ناحية معارضة القطعي للظني.

تروى السنة عن طريق رجال لا يرتفع احتمال الكذب وخيانة الذاكرة عنهم، ما ينتج عنه رفع الثقة المطلوبة من القطعية واليقين في الشعائر الدينية الثابتة عن طريق هذا المصدر التشريعي في الإسلام، فلا يستساغ أن يثبت بموجبها شيء في دين الله عز وجل، إذ إن السنة كلها لا تعدو مرحلة الظن والوهم، مع أن حسن الظن في الراوي والمروي مما لا مقام له في دين الله عز وجل([3]) وهو رد لحجيتها من طريق التوثيق والثبوت.

وسنتناول هذه الشبهة الهامة من خلال هذه المحاور الآتية:

  • معنى السنة النبوية، وهل السنة النبوية حجة؟ ونتناول فيه الأدلة العقلية والنقلية على حجية السنة النبوية، ونرد على الشبهات الواردة في ذلك.
  • توثيق السنة النبوية وجهود المسلمين، وما تأثير ذلك علينا الآن، ونرد على الشبهات الواردة في ذلك.

معنى السنة النبوية، وهل السنة النبوية حجة؟

السُّنة من حيث التَّعريف اللغوي والاصطلاحي:

للسُّنة معانٍ كثيرة منها ما هو لُغويٌّ، ومنها ما هو عامٌّ، ومنها ما هو خاصٌّ لدى أهل كل عِلم.

فالسُّنة في اللغة: لفظة مشتقة من سَنَّ، قال ابن فارس رحمه الله: «السين والنون أصلٌ واحد مطرد، وهو جريان الشيء واطرادُه في سهولةٍ، والأصل قولهم: سَنَنْتُ الماءَ على وجهي، أَسُنُّهُ سَنًّا، إذا أرسلتَه إرسالًا، ثمَّ اشتُقَّ منه: رجل مسنون الوجه، كأنَّ اللحم قد سُنَّ على وجهه، والحَمَأُ المسنون من ذلك؛ كأنه قد صُبَّ صَبًّا، ومما اشتقَّ منه: السُّنَّة، وهي السِّيرة، وسُنَّة رسول الله عليه السلام: سِيرته.

قال الهذلي:

فَلا تَجْزَعَنْ مِنْ سُنَّةٍ أنتَ سِرْتَها

فأوَّلُ راضٍ سُنَّةً مَن يَسيرُها

وإنّما سُمِّيت بذلك لأنَّها تجري جريًا»([4]).

وفي النهاية لابن الأثير عن لفظة السنة: «والأصل فيها الطَّريقة والسِّيرة، وفي حديثِ المجوس ((سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أهلِ الْكِتَابِ))([5]) أَيْ خُذُوهم على طريقتهم وأجْرُوهم في قَبُول الجِزْية منهم مُجْراهُم»([6]).

وقال ابن منظور رحمه الله: «السُّنَّةُ: الطريقة المحمودة المستقيمة، ولذلك قيل: فلان من أهل السُّنَّة، معناه: من أهل الطريقة المستقيمة المحمودة، وهي مأخوذة من السَّنَن، وهو الطريق، ويقال للخَطِّ الأسود على مَتْن الحمار سُنَّة، والسُّنَّة الطبيعة»([7]).

وقال الراغب الأصفهاني رحمه الله: «السنن جمع سُنَّة، وسُنة الوجه: طريقتُه، وسُنة النبي طريقتُه التي كان يتحراها، وسنة الله قد تقال لطريقة حكمته وطريقة طاعته نحو: ﴿سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلُۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗا﴾ [الفتح: 23]»([8]).

وقال الفيروز آبادي رحمه الله في معنى السنة: «والأصل فيها الطريقة والسيرة، ومنه قول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((مَنْ سنَّ سنةً حسنةً))([9]) أي طرَّق طريقة حسنة، وسنة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- طريقتُه التي كان يتحرَّاها»([10]).

وقال الطبري رحمه الله: «والسُّنَّة هي المثالُ المتبع، والإمام المؤتمُّ به. يقال منه: سنَّ فلان فينا سُنة حسنة، وسنَّ سُنة سيئة، إذا عمل عملًا اتبع عليه من خير وشر، ومنه قول لبيد بن ربيعة:

مِنْ مَعْشَـرٍ سَنَّتْ لَهُمْ آباؤُهُمْوَلِكلِّ قَوْمٍ سُنَّةٌ وَإِمَامُهَا([11])

وكذلك تطلق السُّنة في اللغة على معانٍ عديدة منها: البيان: يقال سنَّ الأمر بيَّنه، وسنَّ الله سُنة: بيَّن طريقًا قويمًا. وتُطلق السُّنة كذلك ابتداء على كلِّ أمرٍ، وتطلق على الأُنموذج الذي يُحتذى، والمثال الذي يُقتدى.

– أما السُّنة النبوية من حيث الاصطلاح فلها معانٍ خاصة في مفهوم أهل العلم بحسب أغراض العلوم الشَّرعية وتخصصها.

فعلماء الحديث يرون أن معنى السُّنة واسع يشمل ما يلي:

كل قولٍ أو فعلٍ أو إقرارٍ، حقيقة أو حكمًا، وسِيرة وصِفة خَلقية وخُلقية، حتى الحركات والسَّكنات في اليقظة والمنام، قبل البعثة وبعدَها.

– وأما علماء الأصول فيرون:

أنها ما أُضيف إلى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- من قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ.

وعلماء الفقه:

يطلقون السُّنة ويريدون بها: المندوب؛ أي غير الفريضة من الأعمال التي طلبها الشَّارع الحكيم، إلَّا أنهم يفرقون بين المندوب والسُّنة؛ بأن المندوب يشمل ما نَدب إليه الشارع سواءٌ ثبت في السُّنة أو من استقراء أصول الشَّريعة.

– وعلماء العقيدة:

يُطلقون السُّنة على هَدي النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في أصول الدِّين، وما كان عليه من العِلم والعمل والهدي.

وقد تطلق السُّنة أيضًا بمعنى الدِّين كله.

بين يدي هذه التعريفات:

هذه التعاريف كلها هي تعبير عن حالة موجودة وواقعة لا مناص عنها، فكل إنسان حي بغض النظر عن كونه نبيا أو لا، له أفعال وأقوال وصفات وهكذا مما ينسب لكل إنسان، والأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانت لهم أفعال وأقوال وأمور وأحوال، مما امتلأت به آيات القرآن الكريم وقصصه، وذلك كحديث الله عن نبيه يوسف عليه السلام، وعن أبيه يعقوب لما حضره الموت قال تعالى:

﴿أَمۡ كُنتُمۡ شُهَدَآءَ إِذۡ حَضَرَ يَعۡقُوبَ ٱلۡمَوۡتُ إِذۡ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعۡبُدُونَ مِنۢ بَعۡدِيۖ قَالُواْ نَعۡبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ ءَابَآئِكَ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ إِلَٰهٗا وَٰحِدٗا وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ ﴾ [البقرة: 133].

وفي حديثه عن إبراهيم كذلك، وفي حديثه عن إسماعيل لما قال الله عز وجل:

﴿وَٱذۡكُرۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ إِسۡمَٰعِيلَۚ إِنَّهُۥ كَانَصَادِقَ ٱلۡوَعۡدِ وَكَانَ رَسُولٗا نَّبِيّٗا٥٤ وَكَانَ يَأۡمُرُ أَهۡلَهُۥ بِٱلصَّلَوٰةِوَٱلزَّكَوٰةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِۦ مَرۡضِيّٗا﴾ [مريم: 54، 55].

فنسب الله سبحانه وتعالى له أمره بالصلاة والزكاة، ونسب الله تعالى لنبينا صلى الله عليه وسلم أقوال وأفعال وجعله قدوة للناس في أفعاله فقال:

﴿لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا﴾ [الأحزاب: 21].

إذن فالتعريفات التي ذكرناها هي تعبير عن حالة واقعة بالفعل لا مناص عنها ولا جدال في واقعيتها، والحديث عن نفي السنة النبوية بمعنى وقوعها هو ضرب من الجنون، كأنه يدعي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتفي بالقرآن يتلوه بلسانه وكفى!

والسؤال الذي نطرحه الآن هو حول حجية هذه السنة النبوية.

إن الحجية لها فلسفة خاصة في الإسلام، فالإجابة عن الحجية هي إجابة لسؤال تساءله المسلم في القديم عن كيف أطبق شريعة الله عز وجل؟

وهذا التفكير أداه إلى أن أمامه نصوصا تشتمل على جمل أو كلام، تلك الجمل مكونة من (نسب) سواء منها ما أصدقه أو لا أصدقه كـ (الماء بارد) و(النار محرقة) و(الشجرة مثمرة) سأل نفسه من أين جاءت هذه الجمل، ماء وبرودة، نار وإحراق، شجرة وإثمار، هذه أمور محسوسة، أنا أرى، أنا أسمع، أنا أستشعر، أنا أشم، أنا أتذوق… إلخ، إذن هناك وسائل للإدراك منها الحواس الخمس، ولذا سموا هذه الجمل بـ (الجمل الحسية) لأن النسبة هنا نشأت من الحس، ثم أسموها الأحكام الحسية، وأحكام هنا تعني جملا.

ولكنهم لم يجدوا كل ما يعبر عنه البشر هكذا، حيث وجدوا أن الإنسان دون أن يستعمل الحس، يمكن أن يتوصل بفكره لا بإحساسه إلى أحكام مثل أن الكل أكبر من الجزء، وأن الموسع الكبير لا يدخل في المضيق الصغير وهما على حالهما، قال عز وجل ﴿حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلۡجَمَلُ فِي سَمِّ ٱلۡخِيَاطِ﴾ [الأعراف: 40]، فهذا مستحيل فيقول العقل، إن دخول الحبل السميك الكبير- أو الجمل (الإبل) على اختلاف في تأويل الآية، في ثقب الإبرة هذا مستحيل، فتنشأ قاعدة عندي، وهي أن اجتماع النقيضين محال، من أين أتينا بهذه القاعدة وبأن هذا محال؟ الجواب: من العقل وليس من الحس، هذا القسم الثاني هو ما أسموه الأحكام العقلية.

فإذا كان الأمر كذلك، فمن أين أتينا بقولنا: الصلاة واجبة، والسرقة حرام، التي هي موضوعات علم الفقه؟ هل من الحس والوجود؟ هل من العقل؟ هل من الحس والعقل معا، أم من شيء آخر؟ فوجد أنه من شيء آخر، وهو الوحي، أي من الله عز وجل الذي قال ﴿أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ﴾ [الإسراء: 78]، وقال ﴿وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقۡطَعُوٓاْ أَيۡدِيَهُمَا﴾ [المائدة: 28]، وحرم علينا الفواحش وأمرنا بالمعروف، وهكذا إلى آخره، فهذه الجمل من هذا النوع إنما قد أتت بـ النسبة التي وصفت الصلاة بأنها واجبة من الشرع، وهذه النسبة جاءت من الشرع، وهذه إذن قسم ثالث أسموه الأحكام الشرعية.

إذن ما مصدر هذه النسب؟! وما مصدر الأحكام؟ وكيف أصل حتى أتحقق إلى أن حسي إنما هو حس صحيح؟ وكيف أتحقق إلى أن النتيجة العقلية هي نتيجة صحيحة؟ وكيف أتحقق من أن هذه النسبة التي وصفت بها أفعال البشر هي فعلا مراد الشارع من شرعه؟

لقد رأى المسلم بداية أنه لا بد أن يكون له مرجعية، وما معنى المرجعية؟ معناها أن أقبل الشيء وأجعله في ذاته برهانا لا يحتاج هو إلى برهان آخر.

لا بد بداية من مرجعية نسلم بها وإلا وصلنا إلى شيء غير معقول من التسلسل، والذي يمضي في المعقولات مع التسلسل لا يصل إلى شيء، يصل إلى متاهة لا إجابة فيها عن أي سؤال، وهذه هي السفسطة، أن الأشياء لا حقائق لها ثابتة، وبناء على السفسطة ينبغي علينا أن نسأل دائما، من خلقنا؟ الله، إذن فمن خلق الله؟ وهكذا فيصبح التسلسل.

فكر الأصولي وقال لنفسه، من أين هذه النسبة؟ ووجد أن هذه النسبة موجودة في مصدرين أساسين: الكتاب، والسنة، قال: إذن فـ(الكتاب) لا بد علينا من أن نعتبره مرجعا، حجة، فيكون مهيمنا علينا، ويكون المرجع الأخير والحجة النهائية التي بها يقف التسلسل وكذلك السنة.

وابتدأ البحث في هذه الأدلة في هذه الحجية([12]).

فإذا كان هذا هو معنى الحجية، إذن فما ركائز هذه الحجية؟

1- نصوص القرآن الكريم.

2- نصوص الأحاديث النبوية الدالة على حجية السنة.

3-إجماع الأمة الإسلامية العلمي والعملي على حجية السنة.

4- العقل وقواعد النظر الصحيحة.

أولا: نصوص القرآن الكريم:

ويجب علينا قبل الولوج في عرض النصوص الدالة على حجية السنة النبوية أن نبين أن القرآن الكريم له عدة خصائص، هذه الخصائص تعيننا على الاستفادة التامة من هذا الخطاب في حجية السنة، هذه السمات هي كالتالي:

أولا: القرآن الكريم كلام الله. ويترتب على ذلك أن المسلم في قراءته وفهمه وتطبيقه لهذا الكتاب الكريم، ينطلق من أنه خطاب إلهي مقدس محفوظ ليس من كلام البشر، ، وما يلزم ذلك من احتوائه على الحقيقة المطلقة، والهيمنة الكاملة على كل صغيرة وكبيرة في هذا الوجود.

ثانيا: أن القرآن الكريم محكم، يقول الله تعالى ﴿كِتَٰبٌ أُحۡكِمَتۡ ءَايَٰتُهُۥ ثُمَّ فُصِّلَتۡ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ [هود: 1]، فصفة الإحكام صفة لازمة للنص القرآني لا تنفك عنه، ولا تنفك عن معانيه المستنبطة بمنهج منضبط.

ثالثا: يتميز القرآن بـ (الإطلاقية) ومعنى إطلاقية القرآن كونه محررا من الزمان والمكان والأشخاص والأحوال، فهو متجاوز لمتغيرات الزمان والمكان التي تحكمها النسبية، ومتجاوز لمحدودية الفكر الإنساني، ومتجاوز لقدرة الكلام الإنساني.

رابعا: عالمية الخطاب القرآني، فهو كتاب رب العالمين إلى كل العالمين([13]).

لقد تجلى تأصيل القرآن الكريم لحجية السنة من خلال:

1- تقرير القرآن الكريم أن السنة النبوية وحي من الله.

2- بيان القرآن الكريم لمهمة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وحقيقة رسالته.

3- تأصيل القرآن الكريم لمبدأ طاعة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-.

4- تحذير القرآن الكريم من عصيان النبي-صلى الله عليه وآله وسلم- وعدم اتباع أوامره.

1- تقرير القرآن الكريم أن السنة النبوية وحي من الله:

وقد تقرر هذا الأمر من خلال نص إلهي قطعي، وحقيقة قرآنية تامة لا معارض لها؛ حيث يقول سبحانه: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ ، إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ﴾ [النجم: 3- 4]. فشهد الله سبحانه وتعالى لنبيه الكريم بالعصمة من الهوى، حيث نفى الله تعالى عن نبيِّه المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم- اتِّباعَ الهوى، وأتبع ذلك ببيان أن كل ما شرعه الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- وكل ما بلغه من أحكامٍ إنما هو بوحي من الله تعالى ﴿إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ﴾ [النجم: 4].

فكل ما ينطق به النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- من إبانة لما في القرآن من إجمالٍ وتفصيل، وشرح لمقاصِدَه، وتفصيل لأحكامَه، فقد دَل منطوق النص القرآني أن هذا كله بوحي من الله تعالى إلى رسولِه -صلى الله عليه وآله وسلم-، وليس بهوى أو اجتهادٍ؛ لذا وجب على المؤمنين اتِّباعه فيه، بتنفيذ أوامره، والانتهاء عن نواهيه.

وقد قرر النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- معنى هذه الحقيقة القرآنية، فعن المقدام بن معد يكرب t أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: ((أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ القُرآنَ وَمِثلَهُ مَعَهُ))([14]).

– ومن خلال هاتين الآيتين الكريمتين: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ ، إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ﴾ [النجم: 3- 4]، قرر علماء الإسلام حقيقة أن السنة النبوية المطهرة بمفهومها الشامل من الأقوال والأفعال والأحوال والتقريرات النبوية الشريفة، تتصف بصفة الحجية؛ لأنها وحي إلهي، وأن لها أثر رئيس في تكوين الشريعة الإسلامية على كافة المحاور العقدية والتشريعية والأخلاقية، مثلها في ذلك مثل القرآن الكريم، وبيَّنوا أنه يترتب على ذلك وجوب الطاعة والاتباع لسنة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-.

– قال الإمام الكرماني عند شرحه لقوله -صلى الله عليه وآله وسلم- ((أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ القُرآنَ وَمِثلَهُ مَعَهُ)): «قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((ألا إني أُوتيت))؛ أي: آتاني الله، ((القرآن ومِثلَه))؛ أي: مِثلَ القرآنِ ((معه)) في وجوب القَبول والعمل به، وهو الوحي الغير المتلوِّ والسُّنَن التي لم يَنطق القرآن بها، قال الله تعالى: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ ، إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ﴾ [النجم: 3- 4]» ([15]).

– ويقول الإمام ملا علي القاري: «قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((ألا)): حرف تنبيه، أي: أنبهكم فتنبهوا ((إني أوتيت))، أي: آتاني الله ((القرآن ومثله))، أي: أعطيت القرآن ومثل القرآن؛ حال كونه منضمًّا ((معه)): وهو يحتمل تأويلين: أحدهما: أنه أوتي من الوحي الباطن غير المتلوِّ مثل ما أعطي من الظاهر، والثاني: أنه أوتي الكتاب وحيًا وأوتي من التأويل مثله، أي: أذن له أن يبين في الكتاب فيعمم ويخصص ويزيد وينقص، فيكون ذلك في وجوب العمل ولزوم قبوله كالظاهر المتلو من القرآن؛ يعني: أوتيت القرآن، وأحكامًا ومواعظ وأمثالًا تماثل القرآن في كونها واجبة القبول؛ أو في المقدار»([16]).

– قال الإمام الغزالي: «الأصل الثاني من أصول الأدلة سنة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وقول رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- حجة؛ لدلالة المعجزة على صدقه ولأمر الله تعالى إيانا باتباعه؛ ولأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، لكن بعض الوحي يتلى فيسمى كتابًا وبعضه لا يتلى وهو السنة»([17]).

قال الخطيب البغدادي: «وقال مخبرًا عن نبيه -صلى الله عليه وآله وسلم-: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ ، إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ﴾ [النجم: 3- 4]، فأخبر أنه لا اختلاف في شيء من القرآن وأنّ كلام نبيه وحي من عنده فدل ذلك على أن كله متفق وأن جميعه مضاف بعضه إلى بعض ومبني بعضه على بعض؛ إما بعطف أو استثناء أو غير ذلك…» ([18]).

– وفي تقرير هذا المعنى قال الإمام ابن حزم رحمه الله:

«لما بينا أن القرآن هو الأصل المرجوع إليه في الشرائع، نظرنا فيه فوجدنا فيه إيجاب طاعة ما أمرنا به رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، ووجدناه عزَّ وجلَّ يقول فيه واصفًا لرسوله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ ، إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ﴾ [النجم: 3- 4]، فصح لنا بذلك أن الوحي ينقسم من الله عز وجل إلى رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- على قسمين، أحدهما وحي متلوٌّ مؤلف تأليفًا معجز النظام وهو القرآن، والثاني وحي مروي منقول غير مؤلف ولا معجز النظام ولا متلو لكنه مقروء، وهو الخبر الوارد عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وهو المبيِّن عن الله عز وجل مراده منا.

وقال تعالى: ﴿إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ﴾ [الحجر: 9]، وقال تعالى: ﴿قُلۡ إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بِٱلۡوَحۡيِۚ وَلَا يَسۡمَعُ ٱلصُّمُّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ﴾ [الأنبياء: 45]، فأخبر تعالى كما قدمنا أن كلام نبيه صلى الله عليه و سلم كله وحي، والوحي ذكر والذكر محفوظ بنص القرآن، فصح بذلك أن كلامه -صلى الله عليه وآله وسلم- كله محفوظ بحفظ الله عزَّ وجلَّ مضمون لنا أنه لا يضيع منه شيء؛ إذ ما حفظ الله تعالى فهو باليقين لا سبيل إلى أن يضيع منه شيء»([19]).

وفي تقرير كون السنة المطهرة وحي من الله سبحانه كالقرآن الكريم: يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه: «فرض الله على الناس اتباع وحيه وسنن رسوله فقال في كتابه: ﴿رَبَّنَا وَٱبۡعَثۡ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَيُزَكِّيهِمۡۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ﴾ [البقرة: 129]. وقال جل ثناؤه: ﴿كَمَآ أَرۡسَلۡنَا فِيكُمۡ رَسُولٗا مِّنكُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِنَا وَيُزَكِّيكُمۡ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمۡ تَكُونُواْ تَعۡلَمُونَ﴾ [البقرة: 151]، وقال: ﴿لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ بَعَثَ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ﴾ [آل عمران: 164]. وقال جل ثناؤه: ﴿هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلۡأُمِّيِّ‍ۧنَ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ﴾ [الجمعة: 2]. وقال: ﴿وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَمَآ أَنزَلَ عَلَيۡكُم مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَٱلۡحِكۡمَةِ يَعِظُكُم بِهِۦۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ﴾ [البقرة: 231]. وقال: ﴿وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمۡ تَكُن تَعۡلَمُۚ وَكَانَ فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكَ عَظِيمٗا﴾ [النساء: 113]. وقال: ﴿وَٱذۡكُرۡنَ مَا يُتۡلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ وَٱلۡحِكۡمَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا﴾ [الأحزاب: 34]. فذكر الله الكتاب، وهو القُرَآن، وذكر الحِكمَة، فسمعتُ مَن أرضى من أهل العلم بالقُرَآن يقول: الحكمة سنة رسول الله… لأن القُرَآن ذُكر وأُتبِعَته الحكمة، وذكرَ الله منَّه على خَلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة، فلم يَجُز -والله أعلم- أن يقال الحكمة هاهنا إلا سنةُ رسول الله؛ وذلك أنها مقرونة مع كتاب الله، وأن الله افترض طاعة رسوله، وحتم على الناس اتباع أمره، فلا يجوز أن يقال لقول: فرضٌ، إلا لكتاب الله، ثم سنة رسوله؛ لِمَا وصفنا، من أن الله جَعَلَ الإيمان برسوله مقرونًا بالإيمان به، وسنة رسول الله مُبَيِّنَة عن الله معنى ما أراد، دليلًا على خاصِّه وعامِّه، ثم قرن الحكمة بها بكتابه، فأتبعها إياه، ولم يجعل هذا لأحد من خلقه غير رسوله»([20]).

– وقد اتفق الكثير من المفسرين على أن لفظة الحكمة في هذه الآيات الكريمة يشير إلى سنة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-.

– يقول ابن جرير الطبري رحمه الله في معنى قوله تعالى: ﴿وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ﴾ [النساء: 113]. يقول: ومن فضل الله عليك يا محمد -مع سائر ما تفضل به عليك من نعمه- أنه أنزل عليك الكتاب، وهو القرآن الذي فيه بيان كل شيء وهدًى وموعظة ﴿وَٱلۡحِكۡمَةَ﴾ يعني: وأنزل عليك مع الكتاب الحكمة، وهي ما كان في الكتاب مجملًا ذكره، من حلاله وحرامه، وأمره ونهيه، وأحكامه، ووعده ووعيده»([21]).

– ويقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: «﴿وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ﴾: وَهُوَ القُرآنُ، وَالحِكمَةَ: وَهِيَ السُّنةُ»([22]).

– يقول الإمام القرطبي: «قَولُهُ تَعَالَى: ﴿وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ﴾ [البقرة: 231]. أَي بِالإِسلَامِ وَبَيَانِ الأَحكَامِ، وَالحِكمَةِ: هِيَ السُّنةُ المُبَيِّنَةُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- مُرَادَ الله فِيمَا لَم يَنُص عَلَيهِ فِي الكِتَابِ»([23]).

2- بيان القرآن الكريم لمهمة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وحقيقة رسالته:

من الدلائل القرآنية على حجية السنة النبوية احتواء القرآن الكريم على آيات تبين أن مهمة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- هي بيان المراد الإلهي من الخلق، بما يستلزم معه وجوب الرجوع إليه -صلى الله عليه وآله وسلم- في كلِّ كبيرة وصغيرة في حياة الناس، وهذه المعاني تظهر بوضوح في الكثير من النصوص القرآنية القطعية والتي تدل على حجية كلام النبي وفعله، وضرورة الالتزام به؛ لأنه صدر من الوحي ونفس المشكاة التي صدر منها القرآن الكريم.

فمن ذلك:

– ﴿لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ بَعَثَ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ﴾ [آل عمران: 164].

– ﴿وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: 44].

– ﴿وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ﴾ [النحل: 64].

– ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ شَٰهِدٗا وَمُبَشِّرٗا وَنَذِيرٗا ، وَدَاعِيًا إِلَى ٱللَّهِ بِإِذۡنِهِۦ وَسِرَاجٗا مُّنِيرٗا﴾ [الأحزاب: 45- 46].

– ﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ لِتَحۡكُمَ بَيۡنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَىٰكَ ٱللَّهُۚ وَلَا تَكُن لِّلۡخَآئِنِينَ خَصِيمٗا﴾ [النساء: 105].

– ﴿إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ شَٰهِدٗا وَمُبَشِّرٗا وَنَذِيرٗا ، لِّتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُۚ وَتُسَبِّحُوهُ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلًا﴾ [الفتح: 8- 9].

فالسنة النبوية ضابط لفهم القرآن والاستنباط منه، فهي شارحة للنص الإلهي مبينة له، فقد أَوكل الله سبحانه إلى الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- مهمة البيان فقال: ﴿وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: 44]. ولذا كان الرجوع إلى بيان الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- مهمًّا في فهم القرآن وتفسيره، فالسنة النبوية بمعناها العام تعدُّ هي البيان التام لمعاني ومقاصد القرآن الكريم وأهدافه، وهذه الحقيقة تمَّ تقريرها في الكثير من كلام أئمة الدين وحملة الشريعة.

– يقول الإمام الشافعي t: «وسُنَنُ رسول الله مع كتاب الله وجهان: أحَدُهما: نص كتاب، فَاتبعَه رسول الله كما أنزل الله، والآخر: جملة، بيَّنَ رسول الله فيه عن الله معنى ما أراد بالجملة، وأوضح كيف فرَضها عامًّا أو خاصًّا، وكيف أراد أن يأتي به العباد، وكلاهما اتَّبع فيه كتاب الله»([24]).

– ويقول: «فلم أعلم من أهل العلم مخالفًا في أنَّ سُنن النبي من ثلاثة وجوه، فاجتمعوا منها على وجهين.

والوجهان يجتَمِعان ويتفرعان: أحدهما: ما أنزل الله فيه نصَّ كتاب، فبينَ رسول الله مثلَ ما نص الكتاب، والآخر: مما أنزل الله فيه جملةَ كتاب، فبين عن الله معنى ما أراد؛ وهذان الوجهان اللذان لم يختلفوا فيهما»([25]).

فالإمام الشافعي يقرر أنه لا خلاف بين أهل العلم في أن بيان معاني كتاب الله هو مهمة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وحقيقة رسالته.

قال الإمام الزركشي: «إذا علم هذا فنقول إن القرآن إنما أنزل بلسان عربي مبين في زمن أفصح العرب، وكانوا يعلمون ظواهره وأحكامه، أما دقائق باطنه فإنما كان يظهر لهم بعد البحث والنظر من سؤالهم النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في الأكثر كسؤالهم لما نزل: ﴿وَلَمۡ يَلۡبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلۡمٍ﴾ فَقَالُوا: أَيُّنَا لَم يَظلِم نَفسَهُ؟! فَفَسرَهُ النبِيُّ -صلى الله عليه وآله وسلم- بِالشِّركِ، واستدل عليه بقوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلشِّرۡكَ لَظُلۡمٌ عَظِيمٞ﴾ وكسؤال عائشة رضي الله عنها عن الحساب اليسير فقال: «ذَلِكَ العَرضُ وَمَن نُوقِشَ الحِسَابَ عُذِّبَ»([26]) وكقصة عدي بن حاتم في الخيط الذي وضعه تحت رأسه وغير ذلك مما سألوا عن آحاد منه»([27]).

يقول الإمام ابن جرير الطبري: «إن مما أنزل الله من القرآن على نبيه -صلى الله عليه وآله وسلم- ما لا يُوصل إلى علم تأويله إلا ببيان الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-. وذلك تأويل جميع ما فيه: من وجوه أمره -واجبه ونَدبِه وإرشاده-، وصنوفِ نَهيه، ووظائف حقوقه وحدوده، ومبالغ فرائضه، ومقادير اللازم بعضَ خَلقه لبعض، وما أشبه ذلك من أحكام آيه؛ التي لم يُدرَك علمُها إلا ببيان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- لأمته. وهذا وجهٌ لا يجوز لأحد القول فيه، إلا ببيان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- له تأويلَه بنصٍّ منه عليه، أو بدلالة قد نصَبها، دالةٍ أمتَه على تأويله»([28]).

– قال الإمام ابن حزم رحمه الله في بيان حقيقة أن السنة النبوية المطهرة مبينة لما أتى في القرآن الكريم من معالم الإسلام وشعائره، وكيف أنه يستحيل على المسلم أن يتجاوز مرجعية السنة إن أراد أن يسلم له دينه:

«في أي قُرآن وجد أن الظهر أربع ركعات، وأن المغرب ثلاث ركعات، وأن الركوع على صفة كذا، والسجود على صفة كذا، وصفة القراءة فيها والسلام، وبيان ما يُجتَنَب في الصوم، وبيان كيفية زكاة الذهب والفضة والغَنَم والإبل والبقر، ومقدار الأعداد المأخوذ منها الزكاة، ومقدار الزكاة المأخوذة، وبيان أعمال الحج من وقت الوقوف بعرفة، وصفة الصلاة بها وبمزدلفة، ورمي الجِمار، وصفة الإحرام وما يجتنب فيه، وقطع يد السارق، وصفة الرضاع المحرِّم، وما يحرم من المآكل، وصفة الذبائح والضحايا، وأحكام الحدود، وصفة وقوع الطلاق، وأحكام البيوع، وبيان الربا والأقضية والتداعي، والأيمان والأحباس والعمرى، والصدقات وسائر أنواع الفقه؟ وإنما في القُرآن جُمَل لو تركنا وإياها لم نَدرِ كيف نعمل فيها، وإنما المرجوع إليه في كلِّ ذلك النقلُ عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، وكذلك الإجماع إنما هو على مسائلَ يسيرة… فلا بد من الرجوع إلى الحديث ضرورة»([29]).

ويقول الإمام أحمد t: «السنة عندنا آثار رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، والسنة تفسر القرآن، وهي دلائل القرآن»([30]). أَي دَلَالَاتٌ عَلَى مَعنَاهُ.

وقال ابن أبي حاتم: «إنَّ الله عزَّ وجلَّ ابتعث محمدًا رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- إلى الناس كافة، وأنزل عليه الكتاب تبيانًا لكل شيء، وجعله موضع الإبانة عنه، فقال: ﴿وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِم﴾ [النحل: 44]، وقال عزَّ وجلَّ: ﴿وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ﴾ [النحل: 64]، فكان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- هو المبين عن الله عز وجل أمره وعن كتابه معاني ما خوطب به الناس، وما أراد الله عز وجل به وعني فيه، وما شرع من معاني دينه وأحكامه وفرائضه وموجباته وآدابه ومندوبه وسننه التي سنَّها، وأحكامه التي حكم بها، وآثاره التي بثها، فلبث -صلى الله عليه وآله وسلم- بمكة والمدينة ثلاثًا وعشرين سنة يقيم للناس معالم الدين، يفرض الفرائض، ويسن السنن، ويمضي الأحكام، ويحرم الحرام، ويحل الحلال، ويقيم الناس على منهاج الحق بالقول والفعل، فلم يزل على ذلك حتى توفَّاه الله عزَّ وجلَّ، وقبضه إليه»([31]).

وقال الشاطبي رحمه الله: «السنة إنما جاءت مبينة للكتاب وشارح ة لمعانيه، ولذلك قال تعالى: ﴿وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِم﴾ [النحل: 44]، وقال: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغۡ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ﴾ [المائدة: 67]، وذلك التبليغ من وجهين: تبليغ الرسالة وهو الكتاب وبيان معانيه، وكذلك فَعَل -صلى الله عليه وآله وسلم- فأنت إذا تأملت موارد السنة وجدتها بيانًا للكتاب، هذا هو الأمر العام فيها…»([32]).

– قال ابن عبد البر رحمه الله: «الآثار في بيان السنة لمجملات التنزيل قولًا وعملًا أكثر من أن تحصى وفيما لوَّحنا به هداية وكفاية، والحمد لله»([33]).

وقال رحمه الله: «أهل البدع أجمع أضربوا عن السنة وتأولوا الكتاب على غير ما بينت السنة، فضلوا وأضلوا، ونعوذ بالله من الخذلان ونسأله التوفيق والعصمة برحمته، وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- التحذير عن ذلك في غير ما أثر منها»([34]).

– وروى الأوزاعي عن حسان بن عطية قال: «كان الوحي ينزل على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، ويحضره جبريل بالسنة التي تفسر ذلك»([35]).

– وقال الإمام الطبري رحمه الله: «تأويلُ القرآن غيرُ مدرك إلا ببيان من جعل الله إليه بيان القرآن»([36]).

وقال ابن تيمية رحمه الله: «اتفق الصحابة والتابعون لهم بإحسان وسائر أئمة الدين أن السنة تُفَسِّر القرآن، وتبينه وتدل عليه، وتعبر عن مجمله»([37]).

فلو نظرنا لما قرره العلماء عن معاني قوله تعالى: ﴿وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ﴾ [النحل: 44]. وما يماثلها من الآيات؛ لوجدنا أنهم يؤكدون على حقيقة أن السنة النبوية بيان للقرآن الكريم، وأن طريق بيان حقائق الدين وإدراك معالم الشريعة لا يكون إلا من خلال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وسنته المطهرة، وقرروا أن أفضل بيان لمعاني القرآن الكريم هو بيان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- الوارد في سنته.

قال ابن رجب الحنبلي: «ووكَل بيانَ ما أُشكلَ من التنزيلِ إلى الرسولِ -صلى الله عليه وآله وسلم-، كما قالَ تعالى: ﴿وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ﴾، وما قُبِضَ -صلى الله عليه وآله وسلم- حتى أكملَ له ولأُمتِهِ الدينَ، ولهذا أنزلَ عليه بعرفةَ قبلَ موتِهِ بمدةٍ يسيرةٍ: ﴿ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗا﴾.

وقالَ -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((تركتُكُم على بيضاءَ نقيةِ، ليلُها كنهارِها، لا يزيغُ عنها إلا هالِكٌ»([38]). ولما شك الناسُ في موتِهِ -صلى الله عليه وآله وسلم- قال عمُّه العباسُ t: والله ما ماتَ رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- حتى ترك السبيلَ نهجًا واضحًا، وأحلَّ الحلالَ وحرَّم الحرامَ، ونكحَ وطلَّقَ، وحاربَ وسَالَمَ، وما كانَ راعِي غنم يتبعُ بها رؤوس الجبالِ يخبِطُ عليها العِضاةَ بمخبطِهِ، ويَمدُرُ حوضَها بيده بأنصبَ ولا أدأبَ من رسولِ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- كان فيكُم([39]).

وفي الجملةِ فما تركَ الله ورسولُه حلالًا إلا مُبيَّنًا ولا حرامًا إلا مُبيَّنًا، لكن بعضَه كان أظهرَ بيانًا من بعضٍ؛ فما ظهرَ بيانُه واشتهرَ، وعُلِمَ من الدينِ بالضرورةِ من ذلكَ لم يبقَ فيه شكٌّ، ولا يُعذرُ أحدٌ بجهلهِ في بلدٍ يظهرُ فيها الإسلامُ، وما كان بيانُه دونَ ذلك فمنه ما اشتهرَ بين حملةِ الشريعةِ خاصةً، فأجمعَ العلماءُ على حِلِّه أو حرمتِهِ، وقد يخفَى على بعضِ من ليس منهُم، ومنه ما لم يشتهر بين حملةِ الشريعةِ أيضًا، فاختلفُوا في تحليلِهِ وتحريمه»([40]).

يقول الإمام الطبري: «﴿وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ﴾ [النحل: 44]. لتعرِّفهم ما أنزل إليهم من ذلك»([41]).

يقول الإمام البغوي: «﴿وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ﴾ أَرَادَ بِالذِّكرِ الوَحيَ، وَكَانَ النبِيُّ -صلى الله عليه وآله وسلم- مُبَيِّنًا لِلوَحيِ، وَبَيَانُ الكِتَابِ يُطلَبُ مِنَ السُّنةِ»([42]).

وقال الإمام القرطبي: «فقال جلَّ ذكره: ﴿وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ﴾ [النحل: 44]. فبين -صلى الله عليه وآله وسلم- مواقيت الصلاة، وعدد الركعات والسجدات، وصفة جميع الصلوات فرضها وسننها، وما لا تصح الصلاة إلا به من الفرائض، وما يستحب فيها من السنن والفضائل، فقال في صحيح البخاري: ((صلوا كما رأيتموني أصلي))([43])… ونقل ذلك عنه الكافة عن الكافة؛ على ما هو معلوم، ولم يمت النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- حتى بين جميع ما بالناس الحاجة إليه، فكمل الدين، وأوضح السبيل»([44]).

ويقول الإمام الجرجاني رحمه الله: «فحفظ الله لنا كتابه العزيز بكلِّ ما فيه من معاني الجمال في ألفاظه وتراكيبه ومعانيه. ثم إن الله حَملَ هذه الأمانة العظيمة نبيه محمد عليه الصلاة والسلام وأمره ببيان هذا المنزل، قال تعالى: ﴿وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُون﴾ [النحل: 44]. وتعهد الله لنبيِّه أن يكون عونًا له في هذا البيان في كلِّ ما يحتاجه المسلم لفهم هذا القرآن العظيم ليظهر الله فيه هذا البيان. ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيۡنَا بَيَانَهُۥ﴾، فقرأ النبي عليه الصلاة والسلام هذا المُنَزلَ على أصحابه، وأقبلوا عليه بقلوبهم الصادقة ذليلين منكسرين خاشعين دراسةً وفهمًا وتدبُّرًا وحفظًا، فبذل عليه الصلاة والسلام كل وسعه وجهده في بيانه، فكان إمام المفسِّرين وقدوتهم، وتفسيره لهذا المنزل هو في حدِّ ذاته منزل؛ لأنه وحيٌ من عند الله فلا يفسر عليه الصلاة والسلام من اجتهاده الخاص أو مما تمليه عليه نفسه؛ بل كان تفسيره معصومًا لا يقبل الخطأ بوجه من الوجوه، ويشهد لذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ٣ إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ﴾ [النجم: 3- 4]»([45]).

قال الإمام السلمي في تفسيره: «قوله عزَّ وجلَّ: ﴿وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِم﴾ [النحل: 44]. قال ابن عطاء: قطع عقول الخلق عن فهم كتابه والإشراف عليه والتبين منه إلا عقل النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فإنه قال له: ﴿وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ﴾ وإن كان فيه أحكام الخلق فالخطاب معك، وأنت صاحب البيان لهم بما أنزل عليك؛ لأنهم في مقام الوحشة وأنت في محل الحضور والإيمان، فبيان الكتاب ما تبيِّنه، وآداب الشريعة ما ترسمه؛ لأنك أنت الأمين في جميع الأحوال»([46]).

– يقول الإمام الطبري في بيان معنى قوله تعالى: ﴿وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ﴾ [النحل: 64]: «يقول تعالى ذكره لنبيه -صلى الله عليه وآله وسلم-: وما أنزلنا يا محمد عليك كتابنا وبعثناك رسولًا إلى خلقنا إلا لتبين لهم ما اختلفوا فيه من دين الله، فتعرِّفهم الصواب منه، والحقَّ من الباطل، وتقيم عليهم بالصواب منه حجةَ الله الذي بعثك بها»([47]).

3- تأصيل القرآن الكريم لمبدأ طاعة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-:

أحد الوجوه التي تظهر لنا الحجية الشرعية للسُّنة النبوية وأثرها التشريعي هو بيان القرآن الكريم لوجوب طاعة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- واقترانها بطاعة الله، فقد بيَّن القرآن الكريم أنَّه ما من رسولٍ أُرسل إلَّا لِيُطاع ويُتَّبع؛ وهو معنى قوله تعالى: ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ﴾ [النساء: 64] وهذا نصٌّ قرآني قطعي مطلق يبين أن اتباع الأنبياء والرسل وطاعتهم هو فريضة إلهية، ثم فصَّل القرآن الكريم هذه المسألة فيما يتعلق بنبينا -صلى الله عليه وآله وسلم- بوصفه النبي الخاتم وآخر المرسلين لأهل الأرض، فأصَّلَ القرآن الكريم لمبدأ طاعة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- عن طريق بيان اقتران طاعة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بطاعة الله عزَّ وجلَّ، ووجوب رد الأمور إلى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، وبيان أن ذلك هو طريق الفلاح، والتحذير من مخالفة أمره وهديه؛ فقد أُمرنا أن لا نخرج عن طاعة الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-، فهو المثل الأعلى والإنسان الكامل والأسوة الحسنة؛ خاتم النبيين، وحبيب رب العالمين -صلى الله عليه وآله وسلم-، ليس هناك بابٌ سواه يوصل إلى ربنا سبحانه وتعالى، أغلق الله كل الأبواب ونسخ كل الشرائع ولم يقبل من أحد إلا أن يدخل إليه من باب المصطفى والحبيب المجتبى -صلى الله عليه وآله وسلم-.

فعلينا أن نقف عند الحدود التي رسمها رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في أقواله، ونتبع منهج حياة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ونسير على هديه اقتداءً به، فنلتزم بالآداب والمبادئ الإسلامية التي جاءنا بها من عند ربه، ونبتعد عن الفتن وعن كل ما حذرنا منه نبينا الكريم -صلى الله عليه وآله وسلم-، ونعمل على نشر مبادئ الأخلاق النبيلة والقيم الرفيعة بين أبنائنا وبناتنا وأهلنا ومن حولنا، فإن فعلنا ذلك نكون قد أطعنا الله ورسوله وسعدنا في حياتنا الدنيا وفي آخرتنا إن شاء الله لنفوز برضوان الله، وبذلك نصل إلى معاني الهداية التي يخبرنا عنها ربنا تبارك وتعالى حيث قال عن ثمرة طاعة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: ﴿وَإِن تُطِيعُوهُ تَهۡتَدُواْ﴾ [النور: 54]، فجعل الله سبحانه وتعالى ثمرة الطاعة تحقيق الهداية وهي ثمرة الوحي الإلهي الذي أنزل على كلِّ الأنبياء والرسل.

قال الإمام الحليمي رحمه الله:

«فمعلوم أنَّ حقوق رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أجلُّ وأعظم وأكرم وألزم لنا وأوجب علينا من حقوق السادات على مماليكهم، والآباء على أولادهم؛ لأن الله تعالى أنقذنا به من النار في الآخرة، وعصم به لنا أرواحنا وأبداننا وأعراضنا وأموالنا وأهلينا وأولادنا في العاجلة، فهدانا به كما إذا أطعناه فيه أدانا إلى جنات النعيم، وأية نعمة توازي هذه النعم وأية منَّة تداني هذه المنن؟

ثم إنه جلَّ ثناؤه ألزمنا طاعته، وتوعَّدنا على معصيته بالنار، ووعدنا باتباعه الجنة، فأي رتبة تضاهي هذه الرتبة، وأي درجة تساوي في العلا هذه الدرجة؟

فحقٌّ علينا أن نحبه ونجله ونعظمه ونهابه أكثر من إجلال كل عبد سيده وكل ولد والده، وبمثل هذا نطق القرآن، ووردت أوامر الله جل ثناؤه»([48]).

فمن النماذج القرآنية الدالة على اقتران طاعة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بطاعة الله:

– ﴿قُلۡ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَۖ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡكَٰفِرِينَ﴾ [آل عمران: 32].

– ﴿وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ﴾ [آل عمران: 132].

– ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلًا﴾ [النساء: 59].

– ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَلَوۡ أَنَّهُمۡ إِذ ظَّلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ جَآءُوكَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسۡتَغۡفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّابٗا رَّحِيمٗا﴾ [النساء: 64].

– ﴿مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَۖ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ حَفِيظٗا﴾ [النساء: 80].

– ﴿وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَٱحۡذَرُواْۚ فَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ﴾ [المائدة: 92].

– ﴿يَسۡ‍َٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡأَنفَالِۖ قُلِ ٱلۡأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصۡلِحُواْ ذَاتَ بَيۡنِكُمۡۖ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ﴾ [الأنفال: 1].

– ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَوَلَّوۡاْ عَنۡهُ وَأَنتُمۡ تَسۡمَعُونَ﴾ [الأنفال: 20].

– ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ لِمَا يُحۡيِيكُمۡۖ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَقَلۡبِهِۦ وَأَنَّهُۥٓ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ﴾ [الأنفال: 24].

– ﴿وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ﴾ [النور: 56].

– ﴿وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ﴾ [الحشر: 7].

فهذه الآيات الكريمة تقرر وجوب طاعة الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- ولا تفرق بينها وبين طاعة الله عزَّ وجلَّ.

يقول الإمام الطبري: «القول في تأويل قوله: ﴿مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَۖ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ حَفِيظٗا﴾ هذا إعذارٌ من الله إلى خلقه في نبيه محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-، يقول الله جلَّ ذكرُه لهم: من يطع منكم أيها الناس رسولي -محمدًا- إليكم فقد أطاعني بطاعته إياه، فاسمعوا قوله وأطيعوا أمرَه، فإنه مهما يأمركم به من شيء فمن أمري يأمركم، وما نهاكم عنه من شيء فمن نهيي، فلا يقولنَّ أحدكم: إنما محمد بشر مثلنا يريد أن يتفضَّل علينا»([49]).

ويقول الإمام الرازي في تفسير قوله تعالى: ﴿مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَ﴾: «والمعنى أن مَن أطاع الرسول لكونه رسولًا مبلغًا إلى الخلق أحكام الله فهو في الحقيقة ما أطاع إلا الله، وذلك في الحقيقة لا يكون إلا بتوفيق الله، ومَن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظًا؛ فإن مَن أعماه الله عن الرشد وأضله عن الطريق، فإن أحدًا من الخلق لا يقدر على إرشاده»([50]).

وقيل لسهل التستري ما معنى قوله: «القرآن حبل الله بين الله وبين عباده»؟ قال: لا طريق لهم إليه إلَّا به، وبفهم ما خاطبهم فيه للمراد منهم به، والعمل بالعلم لله مخلصين فيه، والاقتداء بسنة محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- المبعوث إليهم، كما قال تعالى:﴿مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَ﴾ [النساء: 80]. يعني من يطع الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- في سنته فقد أطاع الله في فرائضه ([51]).

ويقول الإمام الجصاص في كتابه أحكام القرآن: بَابُ وُجُوبُ طَاعَةِ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وآله وسلم-.

قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ﴾ وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ﴾ وَقَالَ تَعَالَى: ﴿مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَ﴾ وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا﴾. فَأَكَّدَ جَلَّ وَعَلَا بِهَذِهِ الْآيَاتِ وُجُوبَ طَاعَةِ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وَأَبَانَ أَنَّ طَاعَتَهُ طَاعَةُ الله، وَأَفَادَ بِذَلِكَ أَنَّ مَعْصِيَتَهُ مَعْصِيَةُ الله، وَقَالَ الله تَعَالَى: ﴿فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63] فَأَوْعَدَ عَلَى مُخَالَفَةِ أَمْرِ الرَّسُولِ، وَجَعَلَ مُخَالِفَ أَمْرِ الرَّسُولِ وَالْمُمْتَنِعَ مِنْ تَسْلِيمِ مَا جَاءَ بِهِ وَالشَّاكَّ فِيهِ خَارِجًا مِنْ الْإِيمَانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا﴾([52]).

قال الإمام الواحدي في تفسيره: «قوله جلَّ جلاله: ﴿مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَ﴾ [النساء: 80] قال ابن عباس: يريد إنَّ طاعتكم لمحمد -صلى الله عليه وآله وسلم- طاعة لله. وقال الحسن: جعل الله طاعة رسوله طاعته، وقامت به الحجة على المسلمين.

وذكر الشافعي في الرسالة في باب فرض طاعة الرسول هذه الآية، وقال: إنَّ كل فريضة فرضها الله في كتابه كالحج والصلاة والزكاة؛ لولا بيان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ما كنا نعرف كيف نأتيها، ولا كيف يمكننا أداء شيء من العبادات، وإذا كان الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- من الشريعة بهذه المنزلة، كانت طاعته على الحقيقة طاعة لله عز جل»([53]).

قال الراغب الأصفهاني رحمه الله: «قوله تعالى: ﴿مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَۖ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ حَفِيظٗا﴾ [النساء: 80]. نبَّه بذلك على حجة ظاهرة في وجوب طاعة نبيه -صلى الله عليه وآله وسلم-.

وبيانه: أنه إذا كان طاعة الله واجبة، وطاعته لا تتم إلا بطاعته؛ لأن عامة أوامره لا سبيل إلى الوقوف عليها إلا من جهته، وما لا يتم الواجب إلا به فواجب كوجوبه، اقتضى ذلك أنَّ من أطاع رسول الله فقد أطاعه، فنبَّه بذلك على مقابله، وهو أن مَن عصى رسوله فقد عصى الله»([54]).

يقول ابن كثير رحمه الله: «يخبر تعالى عن عبده ورسوله محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- بأنَّ مَن أطاعه فقد أطاع الله، ومن عصاه فقد عصى الله، وما ذاك إلا لأنه ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى»([55]).

قال الشاطبي رحمه الله: «وسائر ما قُرِنَ فيه طاعة الرسول بطاعة الله فهو دالٌّ على أن طاعةَ الله ما أمر به ونهى عنه في كتابه، وطاعةَ الرسول ما أمر به ونهى عنه ممَّا جاء به ممَّا ليس في القرآن، إذ لو كان في القرآن لكان من طاعةِ الله، والرد إلى الله هو الرد إلى الكتاب، والرد إلى الرسول هو الرد إلى سُنَّته بعد موته»([56]).

قال أبو الوليد الباجي: «وأما سُنَّة الرسول عليه السلام فأصل ذلك في كتاب الله عزَّ وجلَّ، قال الله تعالى: ﴿مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَ﴾ [النساء: 80] فأوجب الله عز وجل علينا طاعة رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- كما أوجب علينا طاعته نفسه سبحانه.

وقرن طاعته بطاعته، وأمر بأخذ ما أتى به والانتهاء عما نَهَى عنه، وأخبر أنه ولَّاه بيان ما نزل إليهم، وقال تعالى: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ٣ إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ﴾ [النجم: 3- 4] إلى آيات كثيرة تدلُّ على وجوب السُّنة كوجوب الكتاب»([57]).

ويقول الإمام ابن عجيبة الحسني t في تفسير قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلًا﴾ [النساء: 59]. أعاد العامل في قوله: ﴿وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ﴾، إشارة إلى استقلال الرسول بالطاعة.

ويقول الإمام الشاشي في كتابه الأصول: خبر رَسُول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- بِمَنْزِلَة الْكتاب فِي حق لُزُوم الْعلم وَالْعَمَل بِهِ؛ فَإِنَّ من أطاعه فقد أطَاع الله، فَمَا مر ذكره من بحث الْخَاص وَالْعَام والمشترك والمجمل فِي الْكتاب فَهُوَ كَذَلِك فِي حق السُّنة؛ إِلَّا أِنَّ الشُّبْهَة فِي بَاب الْخَبَر فِي ثُبُوته من رَسُول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- واتصاله بِهِ([58]).

4- تحذير القرآن الكريم من عصيان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وعدم اتباع أمره:

ومن مظاهر بيان حجية السنة النبوية ومرجعيتها الشرعية في القرآن الكريم ما جاء من الآيات الكريمة التي تحذر من معصية النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بما يدل دلالة واضحة على حجية أمره ومرجعية سنته؛ إذ كيف يتوعَّد الله سبحانه بعقوبة مَن يخالف أمر رسول الله وهديه وسنته لو لم تكن واجبة الاتباع.

لو لم يصرح القرآن الكريم بما يفيد ذلك المعنى وهو التحذير من عصيان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لكان فيما سبق الكفاية؛ إذ إن خلاف المأمور به منهي عنه، وبما أن طاعة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- مأمور بها على سبيل القطع كما بينا، فمعصيته ومخالفة أمره منهي عنها بداهة؛ لكن القرآن الكريم ذكر ذلك صراحة في مواضع أخرى، وإن دل هذا على شيء فيدل على عظم ذلك الأمر وتأكيد النهي عن مخالفة الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-.

فيقول الله عز وجل:

– ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا﴾ [النساء: 65].

– ﴿وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلۡهُدَىٰ وَيَتَّبِعۡ غَيۡرَ سَبِيلِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصۡلِهِۦ جَهَنَّمَۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا﴾ [النساء: 115].

– ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَكُمُ ٱلرَّسُولُ بِٱلۡحَقِّ مِن رَّبِّكُمۡ فَ‍َٔامِنُواْ خَيۡرٗا لَّكُمۡۚ وَإِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا﴾ [النساء: 170].

– ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَشَآقُّواْ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡهُدَىٰ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيۡ‍ٔٗا وَسَيُحۡبِطُ أَعۡمَٰلَهُمۡ﴾ [محمد: 32].

– ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلٗا مُّبِينٗا﴾ [الأحزاب: 36].

– ﴿وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ﴾ [الحشر: 7].

– ﴿وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُۥ يُدۡخِلۡهُ نَارًا خَٰلِدٗا فِيهَا وَلَهُۥ عَذَابٞ مُّهِينٞ﴾ [النساء: 14].

– ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ وَمَن يُشَاقِقِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ﴾ [الأنفال: 13].

– ﴿فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63].

فهذه نماذج من النصوص القرآنية المتعددة التي تقرِّر حقيقة أن هذا الدين ومعالمه وأركانه قائم على طاعة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- واتباع هديه والتأسي به، وأن حقيقة الإيمان لا تدرك إلا من خلال الالتزام بسنته الشريفة على مستوى العقيدة والأحكام والأخلاق، ونحذر من مخالفة أمره، وعلى هذه المعاني علماء المسلمين عبر العقود والقرون:

– يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا﴾ [النساء: 65]: «يُقْسِم تعالى بنفسه الكريمة المُقدَّسة أنه لا يؤمن أحد حتى يُحَكِّمَ الرَّسولَ -صلى الله عليه وآله وسلم- في جميع الأمور، فما حَكَم به فهو الحقُّ الذي يجب الانقياد له باطنًا وظاهرًا، ولهذا قال: ﴿ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا﴾ [النساء: 65] أي: إذا حكَّموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجًا مما حكمت به، وينقادون له في الظَّاهر والباطن، فيُسَلِّمون لذلك تسليمًا كلِّيًّا من غير ممانعةٍ، ولا مدافعةٍ، ولا منازعة»([59]).

وفي تفسير قوله تعالى: ﴿فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63] يقول رحمه الله: «أي: عن أمر رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وهو سبيله ومنهاجه وطريقته وسُنته وشريعته، فتوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله، فما وافق ذلك قُبِلَ، وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعلِه كائنًا مَنْ كان… فليحذر وليخشَ مَنْ يُخالف شريعة الرسول باطنًا أو ظاهرًا ﴿أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ﴾ أي: في قلوبهم من كفرٍ أو نفاقٍ أو بدعة ﴿أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أي: في الدُّنيا بقتلٍ أو حَدٍّ، أو حبسٍ، أو نحوِ ذلك»([60]).

– وعن قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلٗا مُّبِينٗا﴾ [الأحزاب: 36].

يقول الإمام الطبري رحمه الله: «يقول تعالى ذكره: لم يكن لمؤمن بالله ورسوله، ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله في أنفسهم قضاء أن يتخيَّروا من أمرهم غير الذي قضى فيهم، ويخالفوا أمر الله وأمر رسوله وقضاءهما فيعصوهما، ومن يعص الله ورسوله فيما أمَرا أو نهيَا ﴿فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلٗا مُّبِينٗا﴾، يقول: فقد جار عن قصد السبيل، وسلك غير سبيل الهدي والرشاد»([61]).

ويقول الإمام الطحاوي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: ﴿وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْ﴾ [الحشر: 7]. «فأوجب عزَّ وجلَّ علينا بذلك قبول ما أتانا به رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قولًا؛ كما أوجب قبول ما تلاه علينا قرآنا، وقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فيما حدثنا عيسى بن إبراهيم الغافقي قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن ابن المنكدر، وأبي النضر، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه أو غيره يذكره عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: ((لألفين أحدكم متكئًا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا أدري، ما وجدناه في كتاب الله عزَّ وجلَّ اتبعناه))([62])([63]).

قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: «وقوله ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ﴾ يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة: أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحقُّ الذي يجب الانقياد له باطنًا وظاهرًا؛ ولهذا قال: ﴿ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا﴾ أي: إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجًا مما حكمت به، وينقادون له في الظاهر والباطن فيسلِّمون لذلك تسليمًا كليًّا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة»([64]).

وقال الإمام فخر الدين الرازي: «اعلم أنَّ قوله تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ﴾ قسم من الله تعالى على أنهم لا يصيرون موصوفين بصفة الإيمان إلا عند حصول شرائط، أولها: قوله تعالى: ﴿حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ﴾ وهذا يدل على أنَّ من لم يرض بحكم الرسول لا يكون مؤمنًا» ثم قال: «فلزم بحكم هذه الآية أنه لا يحصل الإيمان إلا بحكمه وإرشاده وهدايته، وحقَّقوا ذلك بأن عقول أكثر الخلق ناقصة وغير وافية بإدراك هذه الحقائق، وعقل النبي المعصوم كامل مشرق، فإذا اتصل إشراق نوره بعقول الأمة قويت عقولهم وانقلبت من النقص إلى الكمال، ومن الضعف إلى القوة، فقدروا عند ذلك على معرفة هذه الأسرار الإلهية. والذي يؤكد ذلك أنَّ الذين كانوا في زمان الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- كانوا جازمين متيقنين كاملي الإيمان والمعرفة، والذين بعدوا عنه اضطربوا واختلفوا، وهذه المذاهب ما تولَّدت إلا بعد زمان الصحابة والتابعين» ([65]).

وقوله تعالى: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلۡهُدَىٰ وَيَتَّبِعۡ غَيۡرَ سَبِيلِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصۡلِهِۦ جَهَنَّمَۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا﴾ [النساء: 115]. قال فيه الإمام أبو البركات النسفي في تفسيره: «﴿وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلۡهُدَىٰ﴾ ومن يخالف الرسول من بعد وضوح الدليل وظهور الرشد، ﴿وَيَتَّبِعۡ غَيۡرَ سَبِيلِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ أى: السبيل الذى عليه من الدين الحنيفي، وهو دليل على أن الإجماع حجة لا تجوز مخالفتها كما لا تجوز مخالفة الكتاب والسنة؛ لأن الله تعالى جمع بين اتباع غير سبيل المؤمنين وبين مشاقة الرسول في الشرط، وجعل جزاءه الوعيد الشديد فكان اتباعهم واجباً كموالاة الرسول ﴿نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ﴾ نجعله والياً لما تولى من الضلال وندعه وما اختاره في الدنيا ﴿وَنُصۡلِهِۦ جَهَنَّمَ﴾ في العقبي ﴿وَسَآءَتۡ مَصِيرًا﴾ قيل هي في طعمةَ وارتداده»([66]).

وقال فيها الفخر الرازي أيضًا: «دلَّت هذه الآية على أنه يجب الاقتداء بالرسول عليه الصلاة والسلام في أفعاله؛ إذ لو كان فعل الأمة غير فعل الرسول لزم كون كل واحد منهما في شق آخر من العمل فتحصل المشاقة، لكن المشاقة محرمة، فيلزم وجوب الاقتداء به في أفعاله»([67]).

وعن قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلٗا مُّبِينٗا﴾ [الأحزاب: 36]. يقول الإمام الطبري: «يقول تعالى ذكره: لم يكن لمؤمن بالله ورسوله ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله في أنفسهم قضاء أن يتخيروا من أمرهم غير الذي قضى فيهم، ويخالفوا أمر الله وأمر رسوله وقضاءهما فيعصوهما، ومن يعص الله ورسوله فيما أمرا أو نهيا ﴿فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلٗا مُّبِينٗا﴾ يقول: فقد جار عن قصد السبيل، وسلك غير سبيل الهدي والرشاد.

وذكر أن هذه الآية نزلت في زينب بنت جحش حين خطبها رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- على فتاه زيد بن حارثة؛ فامتنعت من إنكاحه نفسها. ذِكْر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا….﴾ إلى آخر الآية، وذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- انطلق يخطب على فتاه زيد بن حارثة، فدخل على زينب بنت جحش الأسدية فخطبها، فقالت: لست بناكحته، فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((فانكحيه))، فقالت: يا رسول الله أؤمر في نفسي، فبينما هما يتحدثان أنزل الله هذه الآية على رسوله ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ…﴾ إلى قوله ﴿ضَلَٰلٗا مُّبِينٗا﴾ قالت: قد رضيته لي يا رسول الله مَنكحًا؟ قال: ((نعم)) قالت: إذن لا أعصي رسول الله، قد أنكحته نفسي»([68]).

فانظر رعاك الله إلى أنَّ مخالفة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- لا تجوز حتى في الأمور الشخصية، كالزواج والطلاق، التي لا ترجع عادة إلى الإنسان نفسه، ولذا يقول الله عزَّ وجلَّ: ﴿ٱلنَّبِيُّ أَوۡلَىٰ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ مِنۡ أَنفُسِهِمۡ﴾.

وقال الإمام القشيري في كلامه عن تلك الآية: «الافتيات عليه في أمره والاعتراض عليه في حكمه وترك الانقياد لإشارته… قرع لباب الشِّرك، فمن لم يمسك عنه سريعًا وقع في وهدته»([69]).

وأما عن قوله تعالى: ﴿فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63] فيقول الإمام الفخر الرازي: «وهذا يدلُّ على أن مخالفته معصية عظيمة، وفي هذه الآيات دلائل على أنَّ من رد شيئًا من أوامر الله أو أوامر الرسول عليه الصلاة والسلام فهو خارج عن الإسلام، سواء ردَّه من جهة الشك أو من جهة التمرد»([70]).

ويقول الحافظ ابن كثير الدمشقي: «أي: عن أمر رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وهو سبيله ومنهاجه وطريقته وسُنته وشريعته، فتوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله، فما وافق ذلك قُبِلَ، وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعلِه كائنًا مَنْ كان… فليحذر وليخشَ مَنْ يُخالف شريعة الرَّسول باطنًا أو ظاهرًا ﴿أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ﴾ أي: في قلوبهم من كفرٍ أو نفاقٍ أو بدعة ﴿أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أي: في الدُّنيا بقتلٍ أو حَدٍّ، أو حبسٍ، أو نحوِ ذلك»([71]).

وقال أبو عبد الرحمن السلمي في تفسيره: «قال أبو سعيد الخراز: الفتنة هو إسباغ النعم على الاستدراج من حيث لا يعلم العبد. قال الجنيد رحمه الله: الفتنة هو انتكاس القلب حتى لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا. قال النووي: الفتنة هي الاشتغال بشيء دون الله. قال رويم: الفتنة للعوام، والبلاء للخواص. قال أبو بكر بن الطاهر: الفتنة مأخوذ بها، والبلاء معفو عنه ومثاب عليه»([72]).

ثانيا: نصوص السنة النبوية.

ولسنا هنا في علاقة الدور المستحيلة منطقيا، بأن يقول قائل كيف تستدل على حجية السنة النبوية من خلال السنة؟!

والإجابة على ذلك أنا نقول أنه من قبيل الاستئناس الذي يؤدي إلى تضافر الأدلة وتواردها على محل وهو حجية السنة النبوية، فإما أن يكون النبي نص على حجية سنته، أو عدم ذلك، أو لم يصرح بهذا ولا ذاك، فإن صرح بعدم حجيتها فذاك مسقط للاستدلال بها، وكذلك إن لم يحدث التصريح مضعف لموقف الحجية.

وإليك أيها القارئ الكريم جملة من تلك الأحاديث:

قال -صلى الله عليه وآله وسلم- ((أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ القُرآنَ وَمِثلَهُ مَعَهُ))([73]).

يقول الإمام الزركشي :: «أحسن طريق التفسير أن يفسر القرآن بالقرآن، فما أُجمل في مكان فقد فصل في موضع آخر، وما اختصر في مكان فإنه قد بُسط في آخر، فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة فإنها شارحة للقرآن وموضحة له، قال تعالى: ﴿وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ﴾ ولهذا قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه)) يعني السُّنة، فإن لم يوجد في السنة يرجع إلى أقوال الصحابة فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرائن، ولما أعطاهم الله من الفهم العجيب، فإن لم يوجد ذلك يرجع إلى النظر والاستنباط»([74]).

وقال رحمه الله: «قوله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((ألا إني أوتيتُ القرآن ومثله معه))، وفي حديث: الذي سأله عن العمرة فأخذه ما كان يأخذه عند نزول الوحي ثم سري عنه فقال: ((اصنع في عمرتِكَ ما تصنع في حجَّتِكَ))([75]). وهو حديث صحيح، وهو دليل قطعي على أن السُّنة كانت تنزل كما ينزل القرآن وهو أخذ نزول الوحي وأعظمها([76])، وصرَّح الشافعي رحمه الله في الرسالة بأن السنة مُنزلة كالقرآن»([77]).

– قال الإمام شرف الدين الطيبي: «قوله: ((ألا إني أوتيت)) يحتمل هذا وجهين من التأويل؛ أحدهما: أنه أوتي من الوحي الباطن غير المتلو مثل ما أعطى من الظاهر، والثاني: أنه أوتي الكتاب وحيًا، وأوتي من التأويل مثله، أي أذن له أن يبين ما في الكتاب، فيعمِّم ويخصص، ويزيد وينقص، فيكون ذلك في وجوب العمل به ولزوم قبوله كالظاهر المتلو من القرآن. وقيل: ((ومثله معه)) أي أحكامًا ومواعظ وأمثالًا تماثل القرآن في كونها وحيًا، أو كونها واجبة القبول، وتنزه نطق رسوله عن الهوى، وأمر بمتابعته فيما يأمر وينهي، فقال عزَّ من قائل: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ﴾، وقال الله تعالى: ﴿وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْ﴾»([78]).

– يقول الإمام شهاب الدين التُّورِبِشْتِي من أئمة الحنفية: «أشار -صلى الله عليه وآله وسلم- بقوله هذا إلى ما آتاه الله من الفهم في الكتاب والهمة من بيان الأحكام وتفصيل الحلال والحرام، أو أراه في المنام، أو نفث في روعه روح القدس من الحكم والأمثال، فكل ذلك من أقسام الوحي الذي آتاه الله؛ سوى القرآن، والقرآن من تلك الأقسام مخصوص بالرتبة العظمى، والمنزلة الكبرى؛ لأنه كلام الله وحيه وتنزيله، ثم إنه يمتاز عما سواه من هذه الأقسام في أحكام التلاوة، ومس المكتوب منه، وكل ذلك في حق العمل والحكم به سواء؛ لأن الكل من عند الله، وقد نزه نطق نبيه عن الهوى، وأمر باتباعه فيما يأمر وينهي، فقال سبحانه: ﴿وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْ﴾ [الحشر: 7]»([79]).

– وقال الإمام المُظَهري من أئمة الحنفية: ((أوتيت القرآن ومثله معه))([80]) يعني: آتاني الله القرآنَ، ومِثلَ القرآن مع القرآن، ومعنى «مثل القرآن» في وجوب القَبول والعمل به. يعني: كما يجب العمل بالقرآن فكذلك يجب بأحاديثي؛ لأني لا أتكلم من تلقاء نفسي، بل مما أتاني الله وأمرني به، قال الله تعالى: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ٣ إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ﴾ [النجم: 3- 4]»([81]).

– قال الإمام عبد الحق الدهلوي رحمه الله: «قوله: ((ومثله معه)). يعني أحكامًا تماثل القرآن في كونها وحيًا، غير أن الوحي نوعان: متلوٌّ يتعلق بألفاظه أحكام كصحة الصلاة به، وحرمة المس للمحدث والجنب، وغيرُ متلوٍّ لا يكون كذلك»([82]).

– وجاء في عون المعبود: ((وَمِثْلَهُ مَعَهُ)) أي: الوحي الباطن غير المتلو، أو تأويل الوحي الظاهر وبيانه بتعميم وتخصيص وزيادة ونقص، أو أحكامًا ومواعظ وأمثالًا تماثل القرآن في وجوب العمل أو في المقدار»([83]).

وقوله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((يُوشِكُ الرَّجُلُ مُتَّكِئًا على أَرِيكَتِهِ يُحَدَّثُ بحديثٍ من حديثِي، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله عزَّ وجلَّ، فما وجدنا فيه من حلالٍ استحللناه، وما وجدنا فيه من حرامٍ حرَّمناهُ، ألا وإنَّ ما حرَّمَ رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- مثلُ ما حرَّمَ الله))([84]).

ووجه الدلالة من هذا الحديث الشريف: يأتي من قوله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((ألا وإنَّ ما حرَّمَ رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- مثلُ ما حرَّمَ الله)). فمعناه يدل على أنَّ ما جاءت به السنة النبوية هو في التشريع من حيث المرجعية والحجية مثل ما جاءت به نصوص القرآن الكريم؛ لأنهما وحي من الله تعالى، وقد فهم ذلك علماء الإسلام على مرِّ القرون، فعلى سبيل المثال بوَّب الخطيب البغدادي في كتاب الكفاية في علم الرواية بابًا فقال: «باب ما جاء في التسوية بين حُكم كتاب الله تعالى وحُكم سنة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في وجوب العمل ولزوم التكليف»([85]).

– وعن المعاني المستفادة من هذا النص النبوي الشريف يقول الإمام بدر الدين العيني: «فيه من الأحكام: تعظيم حديث رسول الله عليه السلام وتعظيم أوامره ونواهيه. وفيه أن ما حرم الله وحرم رسوله سواء، وأن تحريم الرسول من تحريم الله. وفيه أن مخالفة الرسول كمخالفة الله تعالى»([86]).

– قال الإمام نور الدين السندي: «ما حرم رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- هو عين ما حرم الله؛ فإن التحريم يضاف إلى الرسول باعتبار التبليغ؛ وإلا هو في الحقيقة لله، والمراد أنه مثله في وجوب الطاعة ولزوم العمل به.

قال الخطابي: يحذر بذلك مخالفة السنن التي سنَّها رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- مما ليس له في القرآن ذكر على ما ذهب إليه الخوارج والروافض؛ فإنهم تعلقوا بظاهر القرآن وتركوا التي قد ضمنت بيان الكتاب فتحيروا وضلوا. قال: وفي الحديث دليل على أنه لا حاجة بالحديث أن يعرض على الكتاب، وأنه مهما ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- كان حجة بنفسه»([87]).

وعن أبي هريرة t: أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: ((مَن أطاعني فقد أطاع الله، ومَن عصاني فقد عصى الله، ومَن أطاع أميري فقد أطاعني، ومَن عصى أميري فقد عصاني))([88]).

قال الإمام أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي: «وقوله: ((من أطاعني فقد أطاع الله)) هذا منتزع من قوله تعالى: ﴿مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَ﴾ [النساء: 80]. وذلك أنه -صلى الله عليه وآله وسلم- لَمَّا كان مُبَلِّغًا أمر الله وحُكْمَهُ، وأمر الله بطاعته؛ فمن أطاعه فقد أطاع الله، ونفَّذ حكمه»([89]).

قال القاضي عياض رحمه الله: «وقوله: ((من أطاعني فقد أطاع الله، ومن يعصني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعصِ الأمير فقد عصاني)) بيِّنٌ؛ لأن الله تعالى قد أمر بطاعة رسوله، فمن عصاه فقد عصى أمر الله، وأمر الرسول بطاعة أميره، فمن عصاه فقد عصى أمر رسوله، ولا خلاف في وجوب طاعة الأمراء فيما لا يخالف أمر الله وما لم يأمر بمعصية»([90]).

قال الإمام القسطلاني رحمه الله: «قوله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((من أطاعني فقد أطاع الله)) لأني لا آمر إلا بما أمر الله به فمن فعل ما آمره به فإنما أطاع مَن أمرني أن آمره، ((ومن عصاني)) فيما أمرته به أو نهيته ((فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني)).

وقال الخطابي: كانت قريش ومَن يليهم من العرب لا يدينون لغير رؤساء قبائلهم، فلما كان الإسلام وولي عليهم الأمراء أنكرته نفوسهم وامتنع بعضهم من الطاعة، فأعلمهم -صلى الله عليه وآله وسلم- بأن طاعتهم مربوطة بطاعته ليطيعوا مَن أمَّره عليه الصلاة والسلام عليهم ولا يستعصوا عليه لئلَّا تتفرق الكلمة»([91]).

يقول يحيى بن هبيرة رحمه الله: «في هذا الحديث ما يدل على أن طاعة الله عز وجل في طاعة رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وعصيان الله في عصيان رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وأن طاعة الأمير من جانب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وكل أمير ولايته من شرع رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، فإنه من جانب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فطاعته طاعة لرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-»([92]).

يقول أبو الوليد القرطبي: «قال تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ﴾ [النساء: 65]. فقارن تعالى طاعته بطاعة رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وبطاعة أولي الأمر من عباده»([93]).

وفي إشارة إلى أن طاعة الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- هي طريق الله وباب الأنوار والبركات، يقول الإمام ابن عجيبة الحسني t:

«وقال عليه الصلاة والسلام: ((مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ الله…)). الإشارة: اتباع الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- رُكنٌ من أركان الطريقة، وشرط في إشراق أنوار الحقيقة، فمَن لا اتباع له لا طريق له، ومن لا طريق له لا وصول له. قال الشيخ زروق t: أصول الطريقة خمسة أشياء: تقوى الله في السر والعلانية، واتباع النبيِّ -صلى الله عليه وآله وسلم- في الأقوال والأفعال، والإعراض عن الخلق في الإقبال والإدبار، والرجوع إلى الله في السراء والضراء، والرضا عن الله في القليل والكثير»([94]).

وعن أبي هريرة t: أن النبيَّ -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: ((إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض))([95]).

قال ابن عبد البر رحمه الله: «الهدي كل الهدي في اتباع كتاب الله، وسنة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فهي البينة لمراد كتاب الله، إذا أشكل ظاهره أبانت السنة عن باطنه، وعن مراد الله منه»([96]).

قال الإمام المناوي رحمه الله: ((تركت فِيكُم)) أي: إني تَارِك فِيكُم بعدِي -كما عبر به في رواية: ((شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي)) أي طريقتي التي بعثت بها ((ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض)) فهما الأصلان اللذان لا عدول عنهما، ولا هدى إلا بهما، والعصمة والنجاة في التَّمَسُّك بهما، فوجوب الرجوع للكتاب والسنة معلوم من الدين بالضرورة»([97]).

وعن معاني هذا الحديث الشريف يقول الشيخ محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد الحسني الصنعاني: ((تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما)) أي لا يكون لكم عذر في الضلال بعدهما؛ بأن تقولوا ما جاءنا نذير، أو لا يضلكم الله بسبب بقائهما فيكم، أو ما لن تضلوا إن تمسكتم بهما كما قيده به في غير هذا. ((كتاب الله وسنتي)) بدل من شيئين، أو خبر مبتدأ محذوف، والسنة: الطريقة وهي هنا أقواله وأفعاله وتقريراته. ((ولن يتفرقا)) أي: الكتاب والسنة، أي أنهما محفوظان باقية حجتهما على الأمة»([98]).

وعن سالم بن عبد الله بن عمر، أن عبد الله بن عمر حدَّثه أنه كان ذات يومٍ عند رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- مع نفرٍ من أصحابه، فأقبل عليهم رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فقال: ((يا هؤلاء، ألستم تعلمون أني رسول الله إليكم؟)) قالوا: بلى، نشهد أنك رسول الله، قال: ((ألستم تعلمون أن الله أنزل في كتابه من أطاعني فقد أطاع الله؟)) قالوا: بلى، نشهد أنه من أطاعك فقد أطاع الله، وأن من طاعة الله طاعتك، قال: ((فإن من طاعة الله أن تطيعوني))([99]).

فهذا نصٌّ نبوي قاطع يصرح ويقرر بأن الله عز وجل افترض على العباد طاعة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، وأن طاعة الله تتحقق من خلال طاعة الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-.

قال الإمام السيوطي رحمه الله: «عن ربيع بن خثيم قال: حرفٌ وأيما حرفٍ: ﴿مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَ﴾ فوَّض إليه فلا يأمر إلا بخير»([100]).

وروى الخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع بسنده عن الحكم بن عميرٍ الثمالي، وكانت له صحبةٌ من رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((إن هذا القرآن صعبٌ مستصعبٌ لمن كرهه ميسرٌ لمن تبعه، وإن حديثي صعبٌ مستصعبٌ لمن كرهه ميسرٌ لمن تبعه، مَن سمع حديثي فحفظه وعمل به جاء يوم القيامة مع القرآن، ومن تهاون بحديثي فقد تهاون بالقرآن ومن تهاون بالقرآن خسر الدنيا والآخرة))([101]).

-جاء في روح البيان في تفسير القرآن: «وسئل سهل رحمه الله عن شرائع الإسلام فقال: ما آتاكم الرسول من خبر الغيب ومكاشفة الرب فخذوه باليقين، وما نهاكم عنه من النظر إلى غير الله فانتهوا عنه»([102]).

وروى الطبراني في معجمه الكبير فقال: حدثنا أحمد بن النضر العسكري، ثنا أحمد بن النعمان الفراء المصيصي، ثنا عبد الرحمن بن عثمان الحاطبي، عن أبيه، عن عبد الله بن محمد الجهني، عن عبد الله بن الحسن بن علي، عن أبيه قال: صعد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- المنبر يوم غزوة تبوك، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ((أيها الناس، إني والله ما آمركم إلا بما أمركم الله به، ولا أنهاكم إلا عما نهاكم الله عنه، فأجملوا في الطلب، فو الذي نفس أبي القاسم بيده إن أحدكم ليطلبه رزقه كما يطلبه أجله، فإن تعسر عليكم شيءٌ منه فاطلبوه بطاعة الله عز وجل))([103]).

أحاديث نبوية تتكلم عن مبدأ طاعة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، يأمر ويحثُّ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فيها أمته على اتباعه، ويحذرهم من مخالفته:

قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: «قال: ((كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى))، قالوا: يا رسول الله، ومن يأبى؟ قال: ((من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى))([104]).

يقول الإمام المناوي: «قوله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى)) بامتناعه عن قبول الدعوى، أو بتركه الطاعة التي هي سبب لدخولها؛ لأن مَن ترك ما هو سبب شيء لا يوجد بغيره فقد أبى أي امتنع، والمراد أمة الدعوة، فالآبي هو الكافر بامتناعه عن قبول الدعوة، وقيل: أمة الإجابة، فالآبي هو العاصي منهم. استثناهم تغليظًا وزجرًا عن المعاصي. قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: ((من أطاعني)) أي انقاد وأذعن لما جئت به ((دخل الجنة)) وفاز بنعيمها الأبدي؛ بيَّن أن إسناد الامتناع عن الدخول إليهم مجاز عن الامتناع لسببه وهو عصيانه بقوله: ((ومن عصاني)) بعدم التصديق أو بفعل المنهي ((فقد أبى)) فله سوء المنقلب بإبائه، والموصوف بالإباء إن كان كافرًا لا يدخل الجنة أصلًا، أو مسلمًا لم يدخلها مع السابقين الأولين»([105]).

ويقول الملا علي القاري: «قوله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى)) تنبيهًا على أنهم ما عرفوا هذا ولا ذاك، أو التقدير: من أطاعني وتمسك بالكتاب والسنة دخل الجنة، ومن اتبع هواه وزال عن الصواب وضل عن الطريق فقد دخل النار، ووضع أبى موضع هذا وضعا للسبب موضع المسبَّب، ولهذا أورد الحديث في باب الاعتصام بالكتاب والسنة» ([106]).

وقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((مَن أطاعني فقد أطاع الله، ومَن عصاني فقد عصى الله، ومَن أطاع أميري فقد أطاعني، ومَن عصى أميري فقد عصاني))([107]).

وعن هذا الحديث يقول الإمام أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي: «وقوله: ((من أطاعني فقد أطاع الله)) هذا مُنْتَزَعٌ من قوله تعالى: ﴿مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَ﴾ [النساء: 80]. وذلك أنه -صلى الله عليه وآله وسلم- لَمَّا كان مُبَلِّغًا أمر الله وحُكْمَهُ، وأمر الله بطاعته؛ فمن أطاعه فقد أطاع الله، ونفَّذ حكمه»([108]).

وقال القاضي عياض: «وقوله: ((من أطاعني فقد أطاع الله، ومن يعصني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعصِ الأمير فقد عصاني)) بيِّنٌ؛ لأن الله تعالى قد أمر بطاعة رسوله، فمن عصاه فقد عصى أمر الله، وأمر الرسول بطاعة أميره، فمن عصاه فقد عصى أمر رسوله، ولا خلاف في وجوب طاعة الأمراء فيما لا يخالف أمر الله وما لم يأمر بمعصية»([109]).

وقال الإمام القسطلاني: «قوله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((من أطاعني فقد أطاع الله)). لأني لا آمر إلا بما أمر الله به، فمن فعل ما آمره به فإنما أطاع مَن أمرني أن آمره ((ومن عصاني)) فيما أمرته به أو نهيته ((فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني)).

وقال الخطابي: كانت قريش ومَن يليهم من العرب لا يدينون لغير رؤساء قبائلهم، فلما كان الإسلام وولي عليهم الأمراء أنكرته نفوسهم وامتنع بعضهم من الطاعة، فأعلمهم -صلى الله عليه وآله وسلم- بأن طاعتهم مربوطة بطاعته ليطيعوا مَن أمَّره عليه الصلاة والسلام عليهم ولا يستعصوا عليه لئلَّا تتفرق الكلمة»([110]).

ويقول يحيى بن هبيرة: «في هذا الحديث ما يدل على أن طاعة الله عزَّ وجلَّ في طاعة رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وعصيان الله في عصيان رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وأن طاعة الأمير من جانب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وكل أمير ولايته من شرع رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، فإنه من جانب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فطاعته طاعة لرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-»([111]).

وفي إشارة إلى أن طاعة الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- هي طريق الله وباب الأنوار والبركات، يقول الإمام ابن عجيبة الحسني t: «وقال عليه الصلاة والسلام: ((مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ الله…)) الإشارة: اتباع الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- رُكنٌ من أركان الطريقة، وشرط في إشراق أنوار الحقيقة، فمَن لا اتباع له لا طريق له، ومن لا طريق له لا وصول له. قال الشيخ زروق t: أصول الطريقة خمسة أشياء: تقوى الله في السر والعلانية، واتباع النبيِّ -صلى الله عليه وآله وسلم- في الأقوال والأفعال، والإعراض عن الخلق في الإقبال والإدبار، والرجوع إلى الله في السراء والضراء، والرضا عن الله في القليل والكثير»([112]).

وعن أبي موسى، عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: ((إنَّما مثلي ومثل ما بعثني الله به، كمثل رجل أتى قومًا، فقال: يا قوم، إني رأيت الجيش بعيني، وإني أنا النذير العريان([113])، فالنجاء، فأطاعه طائفة من قومه، فأدلجوا، فانطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذبت طائفة منهم، فأصبحوا مكانهم، فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني فاتبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذب بما جئت به من الحق))([114]).

قال القسطلاني في شرحه للحديث: «قال الطيبي: هذا التشبيه من التشبيهات المفرقة، شبَّه ذاته -صلى الله عليه وآله وسلم- بالرجل وما بعثه الله به من إنذار القوم بعذاب الله القريب بإنذار الرجل قومَه بالجيش المصبح، وشبه من أطاعه من أمته ومن عصاه بمن كذب الرجل في إنذاره وصدقه، وفي قول الرجل: ((أنا النذير… إلخ)). أنواع من التأكيد، أحدها: قوله ((بعيني)) لأن الرؤية لا تكون إلا بهما، وثانيها ((وإني أنا))، وثالثها ((العريان)) فإنه دلَّ على بلوغ النهاية في قرب العدوِّ»([115]).

وروي أن عبد الله بن عمر كان ذات يومٍ عند رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- مع نفرٍ من أصحابه، فأقبل عليهم رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فقال: ((يا هؤلاء، ألستم تعلمون أني رسول الله إليكم؟)) قالوا: بلى نشهد أنك رسول الله، قال: ((ألستم تعلمون أن الله أنزل في كتابه من أطاعني فقد أطاع الله؟)) قالوا: بلى، نشهد أنه من أطاعك فقد أطاع الله، وأن من طاعة الله طاعتك، قال: ((فإن من طاعة الله أن تطيعوني))([116]).

فهذا نص نبوي صريح في تعضيده -صلى الله عليه وآله وسلم- ما جاء في القرآن الكريم؛ من أن طاعة رسول الله هي من طاعة الله عزَّ وجلَّ.

كان يمكن الاكتفاء بما سبق فهو كافٍ ووافٍ، ولكن إمعانًا في الاستدلال نذكر جملة أخرى من أقوال المعصوم -صلى الله عليه وآله وسلم- التي يأمر فيها ويحثُّ أمته على اتباعه، ويحذرهم من مخالفته:

فعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم…)) ([117]).

قال الإمام النووي عند شرحه لهذا الحديث: «هذا من قواعد الإسلام المهمة، ومن جوامع الكلم التي أعطيها -صلى الله عليه وآله وسلم-، ويدخل فيها ما لا يحصى من الأحكام»([118]).

وقال الإمام ابن حجر العسقلاني: «فينبغي للمسلم أن يبحث عما جاء عن الله ورسوله، ثم يجتهد في تفهم ذلك والوقوف على المراد به، ثم يتشاغل بالعمل به؛ فإن كان من العلميات يتشاغل بتصديقه واعتقاد حقيته، وإن كان من العمليات بذل وسعه في القيام به فعلًا وتركًا»([119]).

وقال القرطبي: «وقوله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((ما نهيتكم عنه فاجتنبوه)) أي: لا تقدموا على فعل شيء من المنهي عنه وإن قلَّ؛ لأنه تحصل بذلك المخالفة؛ لأن النهي: طلب الانكفاف المطلق، والأمر المطلق على النقيض من ذلك؛ لأنه يحصل الامتثال بفعل أقل ما ينطلق عليه الاسم المأمور به على أي وجه فعل، وفي أي زمان فعل»([120]).

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، يسألون عن عبادة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-؟ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- إليهم، فقال: ((أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني))([121]).

قال الإمام ابن حجر العسقلاني في شرحه لهذا الحديث: «قوله: ((فمَن رغب عن سُنتي فليس مني)) المراد بالسنة الطريقة لا التي تقابل الفرض، والرغبة عن الشيء الإعراض عنه إلى غيره. والمراد مَن ترك طريقتي وأخذ بطريقة غيري ((فليس مني))، ولمَّح بذلك إلى طريق الرهبانية، فإنهم الذين ابتدعوا التشديد كما وصفهم الله تعالى، وقد عابهم بأنهم ما وفوه بما التزموه، وطريقة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- الحنيفية السمحة، فيفطر ليتقوَّى على الصوم، وينام ليتقوى على القيام، ويتزوج لكسر الشهوة وإعفاف النفس وتكثير النسل، وقوله: ((فليس مني)) إن كانت الرغبة بضرب من التأويل يعذر صاحبه فيه، فمعنى ((فليس مني)) أي على طريقتي، ولا يلزم أن يخرج عن الملة، وإن كان إعراضًا وتنطعًا يفضي إلى اعتقاد أرجحية عمله، فمعنى ((فليس مني)) ليس على ملتي؛ لأن اعتقاد ذلك نوع من الكفر»([122]).

وفي بيان شدة جُرم المعرض عن سنة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول الإمام القسطلاني: «قوله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((فمن رغب)) أعرض ((عن سُنَّتي)) طريقتي وتركها ((فليس مني)) إذا كان غير معتقد لها، والسنة مفرد مضاف يعم على الأرجح؛ فيشمل الشهادتين وسائر أركان الإسلام، فيكون المعرض عن ذلك مرتدًّا، وكذا إن كان الإعراض تنطعًا يفضي إلى اعتقاد أرجحية عمله، وأما إن كان ذلك بضرب من التأويل كالورع لقيام شبهة في ذلك الوقت أو عجزًا عن القيام بذلك أو لمقصود صحيح فيعذَر صاحبه»([123]).

عن عبد الله بن عمرو أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: ((إن لكل عملٍ شِرَّةً([124])، وإن لكل شِرَّةٍ فَترةً، فمن كانت شرته إلى سُنتي فقد أفلح، ومن كانت شِرته إلى غير ذلك فقد هلك))([125]).

يقول العلامة المناوي: ((إن لكل عملٍ شِرَّةً، وإن لكل شِرَّةٍ فَترةً، فمن كانت شرته)) أي طريقتي التي شرعتها ((فقد اهتدى))([126]) أي سار سيرة مرضية حسنة ((ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك)) الهلاك الأبدي وشقي الشقاء السرمدي»([127]).

ففي هذا الحديث الشريف يوضح لنا النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: أن طريق الفلاح للمسلم أن تكون همته متابعة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، والتطلع إلى معرفة سُنته في سائر الأحوال، وأخبرنا -صلى الله عليه وآله وسلم- أن من كانت همته إلى غير سنة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فهو هالك لا محالة، وعبر بالفعل الماضي إمعانًا في تحقق الهلاك.

قال الإمام مالك t: «السنة سفينة نوح من ركبها نجا، ومَن تخلف عنها غرق»([128]).

قال الإمام الزهري: «كان ما مضى من علمائنا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة»([129]).

عن العرباض بن سارية t: أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ»([130]).

قال سيدنا أبو بكر الصديق t يقول: «لست تاركًا شيئًا كان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يعمل به إلا عملتُ به، وإني لأخشى إن تركت شيئًا من أمره أن أزيغ»([131]).

وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: «سنَّ رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وولاة الأمور بعده سننًا؛ الأخذ بها تصديق لكتاب الله، واستكمال لطاعة الله، وقوة على دين الله، ليس لأحد تبديلها ولا تغييرها، ولا النظر فيما خالفها، من اقتدى بها فهو مهتد، ومن استنصر فهو منصور، ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولَّاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرًا»([132]).

وعن هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه t قال: «السُّنن السنن فإن السنن قوام الدين»([133]).

عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((من أكل طيبًا وعمل في سُنةٍ وأمن الناس بوائقه دخل الجنة)). قالوا: يا رسول الله، إن هذا في أمتك لكثيرٌ. قال: ((وسيكون في قومٍ من بعدي))([134]).

يقول الشيخ أبو بكر بن العربي: «وقد أنبأتكم في غير موضع أن الصلاح والخير ليس بكثرة الصيام والصلاة، ولا بالصلاة والسكون؛ وإنما هو بأن تكون أقوال العبد وأفعاله على مقتضى السنة»([135]).

أحاديث يأمر فيها النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أمته بحفظ كلامه وسنته وهديه وتبليغ ذلك لأمته:

عن عبد الله بن مسعود t: أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: ((نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها؛ فرُب حامل فقهٍ إلى مَن هو أفقه منه، ثلاثٌ لا يغل عليهن قلب مسلمٍ: إخلاص العمل لله، ومناصحة أئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم؛ فإن الدعوة تحيط من ورائهم))([136]).

فهذا الحديث الشريف مشتمل على دعاء من النبي عليه الصلاة السلام لمن اشتغل بسنته وبلغها وعمل بها أن يجعله ذا نضرة وبهجة، بحيث يكون وجهه مشرقًا مضيئًا في الدنيا والآخرة، فتكون عليه البهجة في الدنيا، ويكون ذا نضرة وبهجة في الآخرة، وقد جاء في القرآن الكريم: ﴿وُجُوهٞ يَوۡمَئِذٖ نَّاضِرَةٌ٢٢ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٞ﴾ [القيامة:22 – 23].

يقول الإمام أبو بكر بن العربي: «قال علماء الحديث: ما من رجل يطلب الحديث إلا كان على وجهه نضرة؛ لقول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((نضَّر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها…)) الحديث([137]).

قال أبو سليمان الخطابي: «قوله: ((نضر الله امرأ)) معناه: الدعاء له بالنضارة، وهي النعمة والبهجة، ويقال: نضره الله بالتخفيف والتثقيل، وأجودهما التخفيف، وقيل: ليس هذا من حسن الوجه، إنما معناه: حسن الجاه والقدر في الخلق»([138]).

ونقول بل الدعاء ينتج منه للمعنيين ببركة تبليغ السنة.

قال ابن عبد البر رحمه الله: «قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((نضر الله عبدًا سمع مقالتي، فوعاها، ثم أدَّاها إلى مَن لم يسمعها)) فندب السامع لحديثه أن يؤديه كما سمعه، ودعا له إذا فعل ذلك، ولا وجه للتبليغ إلا القبول، وإلا لم يكن للتبليغ فائدة»([139]).

– عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- خطب الناس يوم النحر فقال: ((يا أيها الناس أي يومٍ هذا؟))، قالوا: يومٌ حرامٌ، قال: ((فأي بلدٍ هذا؟))، قالوا: بلدٌ حرامٌ، قال: ((فأي شهرٍ هذا؟))، قالوا: شهرٌ حرامٌ، قال: ((فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرامٌ، كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا)) فأعادها مرارًا، ثم رفع رأسه فقال: ((اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت)) قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما: فوالذي نفسي بيده، إنها لوصيته إلى أُمته ((فليبلغ الشاهد الغائب، لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعضٍ))([140]).

فلولا أن سُنته حجة على من سمعها وعلى من بلغته، ولولا أنها باقية إلى يوم القيامة لم يأمرهم بتبليغها، فعلم بذلك أن الحجة بالسُّنة قائمة على مَن سمعها من فِيه عليه الصلاة والسلام، وعلى من نقلت إليه بالأسانيد الصحيحة، فالأمر بالتبليغ يلزم منه أن يكون هذا الأمر له مرجعية شرعية، وإلا فما الفائدة من تبليغه للأمة من بعده -صلى الله عليه وآله وسلم-؟!

وفي هذا الحديث الشريف دلالة على التصريح بنقل العلم، وإشاعة السنن والأحكام، والنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أرفق الناس بأُمته، فلا يكلفهم ما ليس بواجب عليهم ولا طائل ورائه ولا حاجة لهم به، فلما أمر -صلى الله عليه وآله وسلم- بتبليغ كلامه وهديه الشريف، وكلف الناس بهذا الأمر، دلَّ ذلك على مرجعيته الشرعية وحجية سُنته الشريفة، وعلى الأهمية الشرعية لهذا الأمر.

– يقول الإمام الشافعي: «فلما ندب رسول الله إلى استماع مقالته وحفظها وأدائها امرأ يؤديها، دلَّ على أنه لا يأمر أن يؤدى عنه إلا ما تقوم به الحجة على مَن أدى إليه؛ لأنه إنما يؤدى عنه حلال يؤتى وحرام يجتنب، وحدٌّ يُقام، ومالٌ يؤخذ ويعطى، ونصيحة في دينٍ ودنيا»([141]).

قال البيهقي: «ولولا ثبوت الحجة بالسنة لما قال -صلى الله عليه وآله وسلم- في خطبته بعد تعليم من شهده أمر دينهم: ((ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع))([142]).

عن أبي ذر t قال: ((أمرنا رسول -صلى الله عليه وآله وسلم- أن لا نغلب على أن نأمر بالمعروف، وننهى عن المنكر، ونعلم الناس السنن))([143]).

والشاهد من هذا الحديث: أمر النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- الصحابة الكرام أن يعلموا الأمة سنة نبيهم -صلى الله عليه وآله وسلم-؛ لما لها من الأثر في تكوين شريعة الإسلام، وقد بذل الصحابة الكرام الجهود العظيمة في توصيل سُنة رسول الله إلى أمته، وعملوا على بيان معانيها العلمية والعملية، وذلك لأنهم يدركون أنهم بذلك يبلغون حقيقة الإسلام.

فالاشتغال بتبليغ السنة النبوية وبيان معناها والذب عنها من أفضل القربات، وإحياء السنن ونشرها بين الناس وتعليم الناس هذه السنن النبوية الكريمة – من الدعوة إلى الله عز وجل التي أمرنا بها؛ كما في قوله تعالى: ﴿وَٱدۡعُ إِلَىٰ رَبِّكَۖ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ﴾ [القصص: 87]، وقال سبحانه: ﴿وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾ [آل عمران: 104].

يقول الإمام النووي رحمه الله: «الانشغال بالحديث من أجل العلوم الراجحات، وأفضل أنواع الخير، وآكد القربات، وكيف لا يكون كذلك وهو مشتمل مع ما ذكرناه على بيان حال أفضل المخلوقات عليه من الله الكريم أفضل الصلوات والسلام والتبريكات، ولقد كان أكثر اشتغال العلماء بالحديث في الأعصار الخاليات، حتى لقد كان يجتمع في مجلس الحديث من الطالبين ألوف متكاثرات، فتناقص ذلك وضعفت الهمم فلم يبقَ إلا آثار من آثارهم قليلات، والله المستعان على هذه المصيبة وغيرها من البليات.

وقد جاء في فضل إحياء السنن المماتات أحاديث كثيرة معروفات مشهورات، فينبغي الاعتناء بعلم الحديث والتحريض عليه لما ذكرنا من الدلالات، ولكونه أيضا من النصيحة لله تعالى وكتابه ورسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- وللأئمة والمسلمين والمسلمات، وذلك هو الدين كما صحَّ عن سيد البريات صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وذريته وأزواجه الطاهرات.

ولقد أحسن القائل: من جمع أدوات الحديث استنار قلبه واستخرج كنوزه الخفيات، وذلك لكثرة فوائده البارزات والكامنات، وهو جدير بذلك فإنه كلام أفصح الخلق، ومن أعطي جوامع الكلمات -صلى الله عليه وآله وسلم- صلوات متضاعفات، وأصحُّ مصنَّف في الحديث بل في العلم مطلقًا الصحيحان للإمامين القدوتين أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري وأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري، فلم يوجد لهما نظير في المؤلفات؛ فينبغي أن يعتنى بشرحهما وتشاع فوائدهما، ويتلطف في استخراج دقائق المعلوم من متونهما وأسانيدهما»([144]).

– روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمرٍو: أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: ((بلغوا عني ولو آيةً، وحدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومَن كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار))([145]).

فأوجب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- على أمته التبليغ كما أوجب الله عزَّ وجلَّ التبليغ عنه، والتحذير الشديد من الكذب في الحديث على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، يوضح لنا أن الحديث الشريف حجة شرعية؛ لأنه لولا أنه له أثر تشريعي ومرجعية شرعية لما ترتب على الكذب فيه هذا الوعيد الشديد، وذلك لأن الكذب فيه والادعاء على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يؤدي إلى إخفاء حكم الله، أو تغيره، أو تحريفه، مما يؤدي إلى ضياع معالم الدين وتشويه الشريعة.

قال الإمام القسطلاني رحمه الله: «ولا ريب أن أداء السنن إلى المسلمين نصيحة لهم من وظائف الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين… فعلى العالِم بالسُّنة أن يجعل أكبر همه نشر الحديث، فقد أمر النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بالتبليغ عنه حيث قال: ((بلغوا عني ولو آية)) الحديث رواه البخاري رحمه الله.

قال المظهري: أي بلغوا عني أحاديثي ولو كانت قليلة. قال البيضاوي رحمه الله: «ولو آية» ولم يقل ولو حديثًا؛ لأن الأمر بتبليغ الحديث يفهم منه بطريق الأولوية، فإن الآيات مع انتشارها وكثرة حملتها تكفل الله تعالى بحفظها وصونها عن الضياع والتحريف»([146]).

هذه هي النصوص النبوية التي تدل على حجية السنة النبوية، ونختم في هذا الباب بمجموعة من الأدلة العقلية فنقول:

ثم إن القول بعدم حجية السنة يكر على الشرع بالبطلان، فلو تصورنا أن دين الإسلام تقوم أسسه وشرائعه فقط على ما ورد من المعاني والأوامر في آيات القرآن الكريم، وأنه لا حاجة لنا بسنة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، لأدى هذا الأمر إلى بطلان دين الإسلام واختلال شريعته.

فقد حدثنا القرآن عن الغيبيات بدون تفصيل، وتكلم عن أصول العقائد والعبادات الأحكام، ومنطلقات القيم والأخلاق وطالبنا بأن نلتزم بالمنهج الإلهي الصحيح.

فنحن هنا أمام موقفين لا ثالث لهما:

الأول: أن نكتفي بنص القرآن في العقائد والعبادات والقيم والتصورات المختلفة تجاه قضايا الكون والحياة، دون الرجوع للبيان النبوي.

الثاني: أن نلتزم بالمنهج الحق الذي أرشدنا إليه الإسلام وأجمعت عليه الأمة، والذي يلزمنا بحجية السنة النبوية ومرجعيتها.

فنجد أن الموقف الأول سوف ينتج لنا ملايين الشرائع والأفهام غير المنضبطة من خلال الاعتماد على النص القرآني دون البيان النبوي، وذلك على مستوى العقيدة والأحكام والقيم، بل إن هذا المسلك يقودنا إلى النسبية المطلقة التي لا توجد فيها ضوابط في الفهم ولا في التطبيق، مما يؤدي في نهاية الأمر إلى نسف الثوابت من حياتنا كلها.

وتصديق ذلك الكلام يظهر لنا جليًا واضحًا عند النظر لحال الجماعات المنحرفة والتيارات الضالة، التي استقلت بقراءة مستقلة مبتدعة للنص القرآني، انفصلت فيه عن الهدي المحمدي، نتج عنها العديد من صور الانحراف الفكري والعملي([147]).

بل إن استبعاد السنة النبوية يكرُّ على معاني النص القرآني بالهجر، فلا ندري ما هي الصلاة الحقيقية التي أرادها الله من عباده، ولا ما هو الصيام، ولا الحج ولا الزكاة ولا الزواج ولا الطلاق…. إلى آخر شرائع الإسلام الكثيرة، وكذلك يؤدي ذلك المسلك إلى تعطيل عمل الآيات التي تأمرنا بالرجوع لسنة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-.

فإذا أراد المكلف أن ينفذ ما في القرآن الكريم من الأوامر والشرائع بدون النظر في السنة النبوية، فإن ذلك يستحيل عليه، ولا بد أن يقع في التبديل والتحريف، فالعقل هنا يأمره بالرجوع لصاحب الشريعة -صلى الله عليه وآله وسلم-، لكي يخبره كيف يؤدي ما افترض الله عليه، وكيف ينفذ أوامر الله.

وهنا نعيد التذكير بقولنا أن السنة النبوية هي المذكرة التفسيرية المعصومة للنص القرآني، فمن أراد أن يخرج بالنموذج الإسلامي الصحيح الذي يرتضيه الله عز وجل، فلا بد من أن تكون قراءته للنص القرآني متلازمة مع السنة النبوية المطهرة المتضمنة للأقوال والأفعال والأحوال والتقريرات الصادرة من النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-.

أما إذا التزمنا بالأمر الثاني وهو حجية السنة النبوية، فإن ذلك هو المحجة البيضاء والمنهج القويم. وهو السبيل لتحقيق معاني قوله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ٥٢ صِرَٰطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ أَلَآ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلۡأُمُور﴾ [الشورى: 52- 53]([148]) .

وفي نهاية هذه النقطة، لنطرح هذ السؤال ونقول: هل القرآن مستغن بنفسه عن السنة؟

فنقول: إن عدم العمل بالسنة المبيِّنة للقرآن ليس إلا رفضًا للقرآن نفسه؛ لأنه يؤدي إلى تعطيل آيات كثيرة منه؛ فقد فرض الله في كتابه طاعة رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم-، فقال سبحانه وتعالى: ﴿وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ﴾ [آل عمران: 132]، وقال أيضًا: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلًا﴾ [النساء: 59]، وقال أيضًا: ﴿مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَ﴾ [النساء: 80]، وكذلك أمرنا سبحانه وتعالى بالانتهاء إلى حكم رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فيما حكم فيه والتسليم له في قضائه؛ قال تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا﴾ [النساء: 65]، والمراد: فوربك لا يؤمنون حتى يجعلوك حكمًا بينهم في جميع أمورهم، لا يحكمون أحدًا غيرك فيما اختلف بينهم واختلط، ثم لا يجدون في أنفسهم إثمًا بإنكارهم ما قضيت، وينقادوا لأمرك وقضائك انقيادًا لا يخالفونه في شيء([149])، وقال تعالى أيضًا: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلٗا مُّبِينٗا﴾ [الأحزاب: 36]، فكل من قبل عن الله فرائضه في كتابه قبل عن رسول الله سننه بفرض الله طاعة رسوله على خلقه والانتهاء إلى حكمه، وكل من قَبِلَ عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فعن الله قَبِلَ([150]).

حكي أن الشافعي- رحمه الله- كان جالسًا في المسجد الحرام فقال: لا تسألوني عن شيء إلا أجبتكم فيه من كتاب الله تعالى. فقال رجل: ما تقول في المحرم إذا قتل الزنبور؟ فقال: لا شيء عليه. فقال: أين هذا في كتاب الله؟ فقال: قال الله تعالى: ﴿وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾ [الحشر: 7] ثم ذكر إسنادًا إلى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال:((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي))([151]) ثمَّ ذكر إسنادًا إلى عمر -رضي الله عنه- أنه قال: للمحرم قتل الزنبور. قال الواحدي: فأجابه من كتاب الله مستنبطًا بثلاث درجات ([152]).

وقال الإمام الفخر الرزاي: «قال الواحدي: روي في حديث العسيف الزاني أن أباه قال للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: اقض بيننا بكتاب الله. فقال عليه السلام: ((والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله))، ثم قضى بالجلد والتغريب على العسيف، وبالرجم على المرأة إن اعترفت([153]). قال الواحدي: وليس للجلد والتغريب ذكر في نص الكتاب، وهذا يدل على أن كلَّ ما حكم به النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فهو عين كتاب الله»([154]).

ويقول ابن القيم: «فلا تعارض- أي السنة- القرآن بوجه ما، فما كان منها زائدًا على القرآن فهو تشريع مبتدأ من النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- تجب طاعته فيه ولا تحل معصيته، وليس هذا تقديمًا لها على كتاب الله، بل امتثال لما أمر الله به من طاعة رسوله، ولو كان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- لا يطاع في هذا القسم لم يكن لطاعته معنى وسقطت طاعته المختصة به، وإنه إذا لم تجب طاعته إلا فيما وافق القرآن لا فيما زاد عليه لم يكن له طاعة خاصة تختص به وقد قال الله تعالى: ﴿مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَۖ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ حَفِيظٗا﴾ [النساء: 80]، وكيف يمكن أحدًا من أهل العلم أن لا يقبل حديثًا زائدًا على كتاب الله فلا يقبل حديث تحريم المرأة على عمتها ولا على خالتها، ولا حديث التحريم بالرضاعة لكل ما يحرم من النسب، ولا حديث خيار الشرط، ولا أحاديث الشفعة، ولا حديث الرهن في الحضر مع أنه زائد على ما في القرآن، ولا حديث ميراث الجدة، ولا حديث تخيير الأمة إذا أعتقت تحت زوجها، ولا حديث منع الحائض من الصوم والصلاة، ولا حديث وجوب الكفارة على من جامع في نهار رمضان، ولا أحاديث إحداد المتوفي عنها زوجها مع زيادتها على ما في القرآن من العدة»

ثم قال: «ولو تتبعنا هذا لطال جدًّا، فسنن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أجل في صدورنا وأعظم وأفرض علينا أن لا نقبلها إذا كانت زائد على ما في القرآن؛ بل على الرأس والعينين… فلو ساغ لنا رد كل سنة زائدة كانت على نص القرآن لبطلت سنن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- كلها إلا سنة دل عليها القرآن، وهذا هو الذي أخبر النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بأنه سيقع ولا بد من وقوع خبره»([155]). وهو يشير بذلك إلى قوله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكئ على أريكته، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه حلالا استحللناه. وما وجدنا فيه حرامًا حرمناه، وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله))([156]).

إن دعوة الاستغناء عن السنة في فهم وتوضيح الكتاب هو إلغاء لوظيفة من وظائف النبوة، نص عليها القرآن نصًا قاطعًا، لا يحتمل شبهة تأويل أو تأوُّل؛ كما في قوله تعالى: ﴿وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُون﴾ [النحل: 44] و«التبيين» هنا غير «التبليغ» الذي هو الوظيفة الأولى للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم-؛ كما في قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغۡ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَۖ وَإِن لَّمۡ تَفۡعَلۡ فَمَا بَلَّغۡتَ رِسَالَتَهُۥ﴾ [المائدة: 67] و«التبيين» و«التبليغ» وظيفتان للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ذكرهما القرآن الكريم، وينبغي أن نفرق بينهما، فالتبليغ: تأدية النص كما أنزل من غير تغيير على الإطلاق، لا بزيادة ولا نقصان، ولا تقديم ولا تأخير، أما التبيين فهو الإيضاح والتفسير، وكشف مراد الله تعالى من خطابه لعباده، حتى يتسنى لهم إدراكه وتطبيقه، والعمل به على وجه صحيح.

والتبليغ مسئولية المبلغ وهو المؤتمن عليها، والتبيين مهمة فرضتها حاجة الناس لفهم ما خوطبوا به وبلَّغوه، وإدراك دلالته الصحيحة ليطبقوه تطبيقًا صحيحًا.

واختلاف الناس في فهم القرآن ما بين مصيب ومخطئ، واختلافهم في درجات الإصابة، ودركات الخطأ برهان بين على حاجتهم إلى تبيين لكتاب ربهم، وهو ما قام به رسول الله الذي أُنزل عليه هذا الكتاب([157]).

والاستقلال بفهم الشريعة وتفاصيلها وجميع أحكامها من القرآن وحده متعذر من غير بيان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- كما سيتضح من الأمثلة التالية:

1- قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ﴾ [البقرة: 43]، هذا خطاب يُفهم منه وجوب الصلاة والزكاة، ولكن ما ماهية هذه الصلاة التي أوجبها؟ وما كيفيتها؟ وما وقتها؟ وما عددها؟ وعلى من تجب؟ وفي أي مال تجب؟ وما مقدراها؟ وما شروط وجوبها؟ كل هذا تكفلت السنة بتبيينه.

2- قوله سبحانه: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱرۡكَعُواْ وَٱسۡجُدُواْۤ﴾ [الحج: 77]، ففهمنا وجوب الركوع والسجود، ولكن ما هي كيفيتهما؟ ومتى نركع ونسجد؟ وهل هناك عدد معين لذلك؟

3- قوله عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۚ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، فما المراد بهذه الصلاة؟ أهي عين الصلاة التي أوجبها الله علينا أم شيء آخر؟

4- قوله تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ يَكۡنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلۡفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٖ﴾ [التوبة: 34] يفهم منه تحريم الكنز ووجوب الإنفاق، ولكن ما المراد بهذا الإنفاق؟ أهو إنفاق جميع المال، كما فهمه الصحابة حين نزول الآية، أم إنفاق بعضه؟ وما مقدار هذا البعض؟

5- قوله سبحانه: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَيۡتِ مَنِ ٱسۡتَطَاعَ إِلَيۡهِ سَبِيلٗا﴾ [آل عمران: 97] يفيد وجوب الحج على المسلمين، ولم توضح الآية ماهية هذا الحج، وإنما شرحته السنة الفعلية للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم-.

6 – قوله عزَّ وجلَّ: ﴿ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يَلۡبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلۡمٍ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلۡأَمۡنُ وَهُم مُّهۡتَدُونَ﴾ [الأنعام: 82]، فما المراد بالظلم الذي جعل الله انتفاءه شرطًا للأمن والاهتداء؟ هل هو الظلم بالمعنى المعروف؟

7- قوله عزَّ من قائل: ﴿وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقۡطَعُوٓاْ أَيۡدِيَهُمَا جَزَآءَۢ بِمَا كَسَبَا نَكَٰلٗا مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ﴾ [المائدة: 38]، ففهمنا وجوب قطع يد كل منهما، ولكن ما هذا السرقة الموجبة للقطع؟ وما نصابها؟ وما كيفية القطع؟ وهل يتكرر القطع عند تكرر السرقة؟ وهكذا، وفي القرآن الكثير من ذلك([158]).

يقول ابن حزم: «في أي قرآن وجد أن الظهر أربع ركعات، وأن المغرب ثلاث ركعات، وأن الركوع على صفة كذا، والسجود على صفة كذا، وصفة القراءة فيها والسلام، وبيان ما يجتنب في الصوم، وبيان كيفية زكاة الذهب والفضة والغنم والإبل والبقر، ومقدار الأعداد المأخوذ منها الزكاة ومقدار الزكاة المأخوذة، وبيان أعمال الحج من وقت الوقوف بعرفة، وصفة الصلاة بها وبمزدلفة، ورمي الجمار، وصفة الإحرام وما يجتنب فيه، وقطع يد السارق، وصفة الرضاع المحرم، وما يحرم من المآكل، وصفة الذبائح والضحايا، وأحكام الحدود، وصفة وقوع الطلاق، وأحكام البيوع، وبيان الربا، والأقضية، والتداعي، والإيمان، والأحباس، والعمرى([159])، والصدقات، وسائر أنواع الفقه، وإنما في القرآن جمل لو تُركنا وإيَّاها لم ندرِ كيف نعمل فيها؟ وإنما المرجوع إليه في كل ذلك النقل عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، وكذلك الإجماع إنما هو على مسائل يسيرة قد جمعناها كلها في كتاب واحد وهو المرسوم بكتاب المراتب، فمن أراد الوقوف عليها فليطلبها هنالك فلا بد من الرجوع إلى الحديث ضرورة، ولو أن امرأ قال لا نأخذ إلا ما وجدنا في القرآن لكان كافرًا بإجماع الأمة، ولكان لا يلزمه إلا ركعة ما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل وأخرى عند الفجر؛ لأن ذلك هو أقل ما يقع عليه اسم صلاة، ولا حد للأكثر في ذلك، وقائل هذا كافر…».

ثم قال: «ولو أن امرأ لا يأخذ إلا بما اجتمعت عليه الأمة فقط؛ ويترك كل ما اختلفوا فيه مما قد جاءت فيه النصوص لكان فاسقًا بإجماع الأمة، فهاتان المقدمتان توجب بالضرورة الأخذ بالنقل»([160]).

آيات توهم من ظاهرها صدق شبهة الاكتفاء بالقرآن:

1- قوله سبحانه: ﴿مَّا فَرَّطۡنَا فِي ٱلۡكِتَٰبِ مِن شَيۡءٖ﴾ [الأنعام: 38]. والمراد من الكتاب في الآية اللوح المحفوظ وليس القرآن، فإن اللوح المحفوظ هو الذي حوى كل شيء، وهو المشتمل على جميع أحوال المخلوقات على التفصيل التام، كما قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة))([161]).

يقول الإمام الطاهر بن عاشور: «وجملة: ﴿مَّا فَرَّطۡنَا فِي ٱلۡكِتَٰبِ مِن شَيۡءٖ﴾ معترضة لبيان سعة علم الله تعالى وعظيم قدرته، فالكتاب هنا بمعنى المكتوب، وهو المكنى عنه بالقلم المراد به ما سبق في علم الله وإرادته الجارية على وفقه؛ كما تقدم في قوله تعالى: ﴿كَتَبَ عَلَىٰ نَفۡسِهِ ٱلرَّحۡمَةَ﴾ [الأنعام: 12]، وقيل: الكتاب القرآن. وهذا بعيد إذ لا مناسبة بالغرض على هذا التفسير، فقد أورد كيف يشتمل القرآن على كل شيء»([162]).

2- قوله تعالى: ﴿وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ تِبۡيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِينَ﴾ [النحل: 89].

ينبغي أن نعلم أن البيان في القرآن على نوعين: بيان بطريق النص القرآني، وذلك: مثل بيان أصول الدين وعقائده، وبيانه وجوب الصلاة والزكاة والصوم والحج، وحل البيع و النكاح، وحرمة الربا والفواحش، وحل أكل الطيبات، وحرمة أكل الخبائث.

وبيان بطريق الإحالة على دليل من الأدلة الأخرى التي اعتبرها الشارع في كتابه أدلة وحججًا على خلقه، فكل حكم مما بينته السنة أو الإجماع أو القياس أو غير ذلك من الأدلة المعتبرة، فالقرآن مبين له؛ لأنه بين مُدْرَكَهُ([163]) ووجهنا نحوه، وأرشدنا إليه، وأوجب علينا العمل به، ولولا إرشاده لهذا المُدرك، وإيجابه العمل بمقتضاه لما علمنا ذلك الحكم وعملنا به، فالقرآن إذن هو أساس التشريع، وإليه ترجع جميع أحكام الشريعة الإسلامية بهذا المعنى([164]).

وقد شرح الشوكاني المقصود في هذه الآية فقال: ﴿وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ﴾ [النحل: 89] أي: القرآن… ومعنى كونه ﴿تِبۡيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ﴾ [النحل: 89] أن فيه البيان لكثير من الأحكام، والإحالة فيما بقي منها على السنة، وأمرهم باتباع رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- فيما يأتي به من الأحكام، وطاعته كما في الآيات القرآنية الدالة على ذلك»([165]).

ويقول الإمام ابن عاشور موضِّحًا معنى قوله ﴿لِّكُلِّ شَيۡءٖ﴾ في الآية: «وكل شيء يفيد العموم إلا أنه عموم عرفي في دائرة ما لمثله تجيء الأديان والشرائع: من إصلاح النفوس، وإكمال الأخلاق، وتقويم المجتمع المدني، وتبين الحقوق، وما تتوقف عليه الدعوة من الاستدلال على الوحدانية، وصدق الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-، وما يأتي في خلال ذلك من الحقائق العلمية والدقائق الكونية، ووصف أحوال الأمم، وأسباب فلاحها وخسارها، والموعظة بآثارها بشواهد التاريخ، وما يتخلل ذلك من قوانينهم وحضاراتهم وصنائعهم.

وفي خلال ذلك كله أسرار ونكت من أصول العلوم والمعارف صالحة لأن تكون بيانًا لكل شيء على وجه العموم الحقيقي إن سُلِك في بيانها طريق التفصيل، واستنير فيها بما شرح الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- وما قفاه به أصحابه وعلماء أمته، ثم ما يعود إلى الترغيب والترهيب من وصف ما أعد للطائعين وما أعد للمعرضين، ووصف عالم الغيب والحياة الآخرة.

ففي كل ذلك بيان لكلِّ شيء يقصد بيانه للتبصر في هذا الغرض الجليل، فيؤول ذلك العموم العرفي بصريحه إلى عموم حقيقي بضمنه ولوازمه، وهذا من أبدع الإعجاز»([166]).

وبهذا يتبين أنه لا وجه لمن يريد فتنة المسلمين وهدم الدين بدعوى الاكتفاء بالقرآن، وهو في الأساس يريد إزاحة السنة، وبعد ذلك يبدأ في إزاحة القرآن، وينبغي على المسلم التمسك بدينه كما نقل إليه من لدن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وأصحابه- حتى يومنا هذا- كما أن في تلك الدعوة مخالفة صريحة للقرآن الذي يدعي بعضهم الاكتفاء به.

توثيق السنة النبوية وجهود المسلمين ، والشبهات الواردة على ذلك

إن التوثيق من الأمور ذات الأهمية البالغة في الإسلام، فمن أهم خصائص الأمة الإسلامية أنها اتصفت بأنها أمة التوثيق والتثبت والسند، ومما مَنَّ الله به على المسلمين أن أبدعُوا علم التوثيق على غير مثال سابق، فلم يأخذوه من أمة خلت، ولم يقلدوا أحدًا من الناس، فكان من العلوم التي وضعوها وكملتْ غاية الكمال، وعلم التوثيق مثله في ذلك مثل (علم الفهم) أو ما يسمى (بأصول الفقه)، فإنه علم بديع نشأ من حضارة المسلمين، وهذان العِلمان يحتاجهما العالِم الذي يتمسك بالمنهج العلمي فيوثق مصادره ويتأكد من معلوماته حتى لا يقع في عقلية الخرافة ولا في حد الانطباع اللذان لا ضابط لهما ولا رابط.

وقد علمنا الإسلام التوثيق في النقل، فأكَّدَ الكتاب الكريم ذلك، وأرشد النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أتباعه إليه، وربَّاهم عليه، ثم أخذ المسلمون قضية التوثيق كجزءٍ مهمٍّ من منهجهم العلمي في التعامل مع النصوص، والتعامل مع الواقع، والتعامل مع الحياة، قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ﴾ [الحجرات: 6]. وفي قراءة حمزة والكسائي وخلف المتواترة ﴿فتثبتوا﴾ وقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((إياكم والظَّن، فإن الظَّنَّ أكذب الحديث))([167]). ويقول -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((إنَّ اللهَ كَرِهَ لكم قيل وقال، وكثرةَ السؤال، وإضاعةَ المال))([168]).

وينطوي التوثيق أيضًا على تحديد طرق البحث وشروط الباحث، وترتيب الأدلة، والرؤية الكلية، وعدم إهمال الجزئيات، وتأصيل المسائل، وتفصيلها، ووضع المصطلحات بإزاء المفاهيم، والاعتماد على الحقائق دون الانطباعات والرغبات والأوهام.

فإذا فُقد التَّوثيق، تكوَّن العقل الخرافي الذي ينكر أول ما ينكر حجية المصادر، وينتج هذا غالبًا من الجهل، وفي بعض الأحيان من الهوى، ومعرفة أن الالتزام بالمصادر سوف يكون ثقيلا على نفس المنكِر، كما أنَّ العقل الخرافيَّ ينكر ثانيًا طرق البحث، ومن هنا يختلط عنده العلم بالممارسة، فيعترف في ظاهر القول بالعلمِ ويدعو إليه، ولكنَّه بمفهومٍ آخر يقصرُه على المجال الحسي، ويجعل ما فوق الحس شيئًا مختلفا وليس علمًا، مرة يسميه الإيمان، ومرة يسميه العقل الخرافي، وهذا نتيجة خطأ في تعريف العلم وفي إدراك مجالاته وطرق بحثه.

ويتصف العقل الخرافي ثالثًا بإنكار التخصص، وإذا اعترف به بلسانه، فلا يعترف به في عقيدته وحاله. ورابعًا: يهرب العقل الخرافي من الأدلَّة ومن البحث عنها وفيها؛ لأن ذلك يحتاج إلى علم هو يفتقده، وإلى جهد ووقت ليسَا متاحيْن له، ويعتمد على الشبهات والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡ‍ُٔولٗا﴾ [الإسراء: 36].

كما أنَّ العقل الخرافي خامسًا هو عقل مجتزئ، يَفصِلُ المسائل عن أصولها، ويَفْصِلُها أيضًا عن علاقتها بغيرها، ويفصلها عن مآلها، ويَفْصِلها عن دليلها، وهذا العقل الذي اجتزأ المسألة كثيرًا ما نواجهه بمثال ذلك الذي قرأ قوله تعالى: ﴿فَوَيۡلٞ لِّلۡمُصَلِّينَ﴾ [الماعون: 4] ولم يتم الآية: ﴿ٱلَّذِينَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ﴾ [الماعون: 5]. وقرأ أيضًا قول الله سبحانه: ﴿لَا تَقۡرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ﴾ ولم يكمل: ﴿وَأَنتُمۡ سُكَٰرَىٰ﴾ [النساء: 43]. وذلك العقلُ موجودٌ في كل زمان ومكان، حيث قال مندوبهم:

ما قال ربك ويل للأولى سكروا

ولكن قال ويل للمصلين

ومن خصائص العقل الخرافي سادسًا التداعي، بتصور لزوم ما لا يلزم، وهو ما يغبش عليه فهم المسائل، ودراستها. وسابعًا: التعميم وهو ما يسمى الشغب، وفيه حديث رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكُهم))([169]). والصفة الثامنة للعقلية الخرافية: الخلط بين المصطلحات، والتلبيس في المفاهيم، وصاحب هذه العقلية يشعر بلذة عظيمة عندما يمارس ذلك، وتغبش عليه هذه الطريقة الحقائق البسيطة الواضحة ﴿لِمَ تَلۡبِسُونَ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ وَتَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ﴾ [آل عمران: 71].

وهو تاسعًا يعتمد على الأوهام، وعلى الانطباعات، وعلى الرغبات، ويعتمد على ما درج عليه ونشأ فيه، ولذلك يرى نفسه أنه هو الحق المطلق، قال تعالى: ﴿أَفَرَءَيۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلۡمٖ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمۡعِهِۦ وَقَلۡبِهِۦ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِۦ غِشَٰوَةٗ فَمَن يَهۡدِيهِ مِنۢ بَعۡدِ ٱللَّهِۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [الجاثية: ٢٣]. وقال سبحانه: ﴿بَلۡ قَالُوٓاْ إِنَّا وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰٓ أُمَّةٖ وَإِنَّا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم مُّهۡتَدُونَ﴾ [الزخرف: ٢٢]. وهذا الذي يحدثه افتقاد التوثيق.

وتحت وطأة الاستخفاف بالتوثيق والمنهج العلمي، ضلَّ كثير من فئات البشر، فخرج علينا من يدعو بصريح العبارة إلى نبذ العملية العلمية ومنهجها التوثيقي الرصين، وقد يدعو إلى إعمال العقل دون الرجوع إلى مكونات العلم الأخرى كالنقل الصحيح الصريح، ويظن بذلك أنه أرشد الناس إلى الصراط المستقيم، واللافت أنَّنا نرى بعض الناس يعجب بهذا الخرف لكنَّه لا يستمر في إعجابه مدة طويلة، بل إنه يغير رأيه سريعًا، ولا يمثل له هذا الخرف شعورا للأعماق، بل هي فكرة تأتي وتروح، يقول ربنا سبحانه وتعالى فيها: ﴿فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذۡهَبُ جُفَآءٗۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمۡكُثُ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ كَذَٰلِكَ يَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَالَ﴾ [الرعد: ١٧]. فهذا هو الفرق بين طريق الإيهام إذا أُريد به هدم العلم، وبين طريق التوثيق العلمي إذا أريد به التمتع بالعلم لعبادة الله وعمارة الأرض وتزكية النفس.

ونحن ندعو الشباب إلى التوثيق القائم على العقلية العلمية، ونُحذِّرهم من العقلية الخرافية وتداعياتها، وننبههم إلى أن هذا النمط القديم الجديد إنما يبرز كلَّ حين فيحدث جلبة وضوضاء من أجل أن يلفت لنفسه الأنظار، غافلًا أن الحكماء والعلماء والعقلاء يدركون أن عقلية الخرافة سوف تؤدي -حتمًا وبلا تردُّد- إلى السطحية التي ينهار معها البناء الفكري، وتنهار بها الحضارة، فالبناء الحضاري لا يقوم إلا على أسس عميقة قوية ينشئها التوثيق، وهو أداة إذا فقدناها، فقدنا عمق هويتنا وجذور حضارتنا([170]).

والتوثيق من النظريات الحاكمة لعلم أصول الفقه، فإذا كان القرآن والسنة والإجماع وغير ذلك من أدلة تحتاج إلى نقل ورواية، فإنه ينبغي علينا التأكد من صحة ثبوت ما بين أيدينا في هذ العصر، ومن أنه منسوب نسبة صحيحة إلى مصدره، سواء كان هذا المصدر هو النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في قرآنية القرآن، أو في نسبة الحديث إليه، أو في نسبة الحديث أو الأثر إلى الصحابي، أو في نسبة قول معين إلى بعض الأئمة من المسلمين، ووحتى يمكن أن نحكم بأن هناك جماعة مجتهدة في عصر معين قد اتفقوا على حكم معين.

كل هذا لأننا لم نحضر تلك العصور، وكل جيل تسبقه أجيال لم يرها ولم يسمع من أهلها مباشرة، بل إن الصحابة أنفسهم لم يصاحب واحد منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ينطق القرآن من أول البعثة إلى نهاية المطاف، في الليل والنهار، وفي السفر والحضر، وفي البيت وخارج البيت، وفي الأرض والسماء، وكل أحيانه- مصاحبة يستطيع أن يدعي بها أنه قد سمع القرآن كله وشاهد أسباب النزول كلها في صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولما كان الأمر كذلك فقد أجمع المسلمون على أننا لا نستطيع- ولو اجتمعت الإنس والجن كما أقر الإمام النحاس- أن نرتب القرآن طبقا لنزوله؛ فلذلك القرآن الذي بين أيدينا إنما هو العرضة الأخيرة لجبريل على النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه لم ينزل هكذا جملة واحدة، بل نزل مفرقا عبر ثلاثة وعشرين عاما، حيث كان ينزل جبريل بالمقطع ويقول له ضعه ما بين آية كذا، وآية كذا،في سورة كذا، واستمر هذا الحال إلى أن انتقل الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- إلى الرفيق الأعلى، فهذا أمر قد سد، وأصبح الترتيب الذي نرى القرآن عليه الآن في سوره وآياته مجمعا عليه ولا اختلاف فيه.

وهذا القرآن سمعه الصحابة في عرضته الأخيرة وتم نقله شفهيا بين الأستاذ والتلميذ، وبين الأب والابن، وبين الجيل، والجيل الذي بعده، ينقلون فيه القرآن كما تلقوه، وإرادة الله عز وجل أن يحدث بعض الغرائب والعجائب النحوية في النص القرآني، فإذا بالعربي ينقلها كما سمعها،وهذا يعد تأكيدا على التزامهم بما ذهبوا إليه وبما سمعهوه، حتى ولو كان مخالفا لآرائهم النحوية، أو كان مخالفا للغة قبيلتهم وهذا في القرآن كثير.

ونحن الآن نركز على كيفية نقل القرآن، فقد نقل إلينا جيلا فجيل، وفي كل جيل كان يقوم الحفاظ بتعليمه للصغار كما هو، وكانت القراءات العشر موجودة منذ عصر الصحابة، حتى أتينا إلى القرن الثاني الهجري فوجدوا أنها ينبغي أن تحفظ كما هي، فقام أكبر العلماء في كل قراءة ليضبطوها فنسب إليهم (قراءة حفص عن عاصم، وقراءة ورش، وقراءة حمزة، وقراءة أبي عمرو، وقراءة الكسائي، وقراءة ابن عامر، وقراءة أبي جعفر، وقراءة يعقوب، وهكذا…) وعرفت بأسماء أئمتها الأوائل تخفيفا ورمزا، فنقول: قراءة نافع؛ لأن نافعا هذا كان قد التزم بقراءة معينة تلقاها عن شيخه أبي جعفر، وأبو جعفر تلقاها عن شيخه، وهكذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي القرن الثامن جاء محمد بن محمد بن محمد بن الدوسري، وجمع الأسانيد التي سمعنا بها القرآن في الروايات العشر، فجاءت أكثر من ألف سند.

فلو أن أحدا من البشر جاء وسألني: كيف تتيقن من أن ما بين دفتي المصحف الذي بين يديك هو الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم؟ أو الذي صدر منه؟ أقول: إنني سمعت فلانا (وهو شخص معروف لدينا: معلوم متى ولد، وأين عاش، وكيف تعلم، وسيرته كلها معلومة لدينا) وهذا الشيخ قال إنه سمعها من شيخه (وهو شخص معروف كذلك) وهكذا إلى أن يعدد بضعا وعشرين شخصا بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم وليس بسند واحد بل بألف سند.

وكل هؤلاء الذين نسمعهم في الإذاعة والذين يكتبون أسماءهم في المصحف في لجنة تصحيح المصحف بالأزهر قد تلقوا هذا القرآن كلمة كلمة، وحرفا حرفا، وتلقوا كيفية أداء النطق لكل حروفه عن شيوخهم وصولا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وكل طريق من هذه الطرق يسمى سندا، وكل سند مكون من حلقات، وكل حلقة تمثل شخصا عالما، وكل عالم من هذه العلماء معروف لدينا تمام المعرفة([171]).

الثبوت والسنة:

هذا السند ظهرت فائدته أكثر وأكثر في قضية السنة، لأن القرآن بطبيعة نظمه، ولقداسة نصه ولأنه محدد (يبدأ بالفاتحة وينتهي بالناس) فقد تواترت الناس على تلاوته، وعلى حفظه، وعلى نقله كما هو، ولكن السنة ليست هكذا، فمنهم من سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم من لم يسمع، ومنهم من سمع فأخطأ السمع، ومنهم من فهم ما سمعه ومنهم من لم يفهم، ومنهم من كان متيقظا ومنهم من خلط بين واقعتين، ومنهم من روى بالمعنى ومنهم من التزم بالنص، وكل هذه الأشياء لا وجود لها في نقل وثبوت القرآن الكريم.

فاحتجنا إلى نظرية في السنة، واهتم العلماء بوضع علوم لتلك السنة كعلم الرجال، وعلم مصطلح الحديث، وعلم الحديث (دراية ورواية) وهكذا- بأكثر مما اهتموا في نقل القرآن، فأقاموا مجموعة من العلوم كونت في مجملها نظرية الثبوت وأكدتها.

فذهبوا للسند يدرسونه، فوجدوا حديثا له سند واحد، سمعه من النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابي واحد، ثم سمعه من ذلك الصحابي تابعي واحد، ثم في الجبل الذي بعده سمعه واحد فقط …إلخ، ورأوا أن هناك من الأحاديث ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم اثنان، ومنها ما سمعه أربعة وخمسة، إلى مائة صحابي، ولكن هذا الذي سمعه عشر إذ به في الطبقة الثانية يسمعه عشرون عن العشرة، ومن العشرين يصبح مائة مائتين، ويزيد مع الأجيال والزمن وهكذا، وقد نجد أن صحابيا واحدا سمع حديثا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم سمعه منه سبعمائة فرد. إذن عندما نرسم شجرة للأسانيد نجدها جد متداخلة ومتمايزة، فشرعوا يفكرون في تنميط هذا الخضم الهائل من المعلومات التي عندهم.

فحديث إنما الأعمال بالنيات حديث متفق عليه لم يروه عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- سوى عمر رضي الله عنه، ثم بعد ذلك يصل منفردا عن علقمة، وعن الأسود إلى يحيى بن سعيد، ومن يحيى بن سعيد يعد له الحافظ ابن حجر أكثر من سبعمائة سند، في حين أن قول الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- ((من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)) وجدنا له مائة وعشرن صحابيا يروونه عن الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- وكون الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- كان يرفع يديه بالتكبير عند الانتقال من هيئة لأخرى في الصلاة رواه أكثر من عشرين صحابيا.

وهكذا وجدنا أحاديث كثيرة قد تواتر عليها جمع كثير من الصحابة، فسموها الأحاديث المتواترة، والأحاديث المتواترة التي بين أيدينا لا تزيد عن 250 حديثا بهذه الأسانيد الكثيرة لكل حديث، والذي تحت أيدينا من الأحاديث نحو ستين ألف حديث، إنما يرويها الواحد ووالاثنان والثلاثة والأربعة.

وسموا الحديث الذي له أربعة أو خمسة أسانيد أو طرق بالحديث المشهور، وسموا الحديث الذي له سندان بالحديث العزيز، لأنه نادر، وسموا الحديث الذي له سند واحد بالحديث الغريب، فإن كان صحابيا واحدا هو الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم يسمونه بالغريب المطلق، لأنه لن يتحول في يوم من الأيام إلى سندين وسيكون غريبا دائما.

ومن هنا كان المحدثون ينسبون الحديث إلى الصحابي فيقولون: حديث أبي هريرة، أو أبي سعيد الخدري، أو ابن عمر رضي الله عنهما، ولهذا حكمة، ذلك لأن الصحابي ليس معصوما من الخطأ والنسيان، وعلى سبيل المثال فإن عائشة رضي الله عنها سمعت ابن عمر رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه)) أي يعذب لما يفعله أهله من العويل والنحيب، فقال: أما إني لا أتهم عبد الرحمن بالكذب، ولكن السمع يخطئ كيف هو من قوله عز وجل: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰ﴾ فرأي عائشة رضي الله عنها أن السمع يخطئ إذ هناك احتمالية أن يكون ذلك الخطأ بغض النظر عن أيهما كان الصحيح، فهذه قضية أخرى، إننا عندنا بحث الثبوت نعلم أنه عندما يكون شخص واحد قد سمع فإن السمع قد يخطئ.

فأخذ علماء الحديث من هذا أنه لا بد في الثبوت من شروط في الناقل ونشترط فيه أن يكون ضابطا بألا يكون مغفلا، وأن يكون عدلا، أي لا يكون كاذبا أو فاسقا، وبالرغم من ذلك، إلا أن الحديث الذي ورد بسند واحد كله، ورواته كلهم ثقات، فإننا نسميه بالحديث (الصحيح) لكنه يكون ظنيا، خشية أن يكون واحد من هؤلاء الثقات قد أخطأ السمع مثلا، أو تعرض لعوارض النقص البشرية، وهي النسيان والخطأ والمرض والفهم الخطأ، والكذب أيضا، فقلنا إنه لا يمكن أن يصل بهذا إلى اليقين بل يصل إلى القول الراجح، فقد يترجح سند ما عندي بنحو تسعة وتسعين بالمائة، لكن إن أتى أحدهم وقال: إنني لا أؤمن بهذا الحديث، لأنه يعارض القرآن أو يتعارض مع حديث آخر أو أنه يصطدم مع أساسيات الدين التي فهمناها من القرآن، فلا أفسقه ولا أكفره، وقد أختلف معه في الرأي.

وإن قال إنما أرد هذا الحديث لأنه لا يعجبني فإن هذا الشخص يفسق ولا نكفره، لأنه أنكر شيئا ضمنيا فمن أنكر بحجة فلا شيء عليه، وكل الأئمة أنكروا بحجة، ومن أنكر بلا حجة فقد خرج عن الجماعة، وخرج عن المعقول ورد الشيء من غير برهان ولا دليل، وفي هذا فسق، لأننا دائما نبحث عن البرهان والدليل والحجة([172]).

شبهة عدالة الصحابة:

يطعن البعض سواء من الملحدين أو غيرهم من المتأثرين بالتيارات الاستشراقية في السنة النبوية بقضية عدالة الصحابة، وذلك بسبب بعض التصرفات التي وردت منهم، كبشير بن الخصاصية، ومعاوية بن أبي سفيان، والمغيرة بن شعبة، وبسر بن أرطأة، وعمرو بن العاص، فهؤلاء الخمسة أحدهم زنا، والآخر قتل بعض أهل اليمن، وأحدهم اغتصب الخلافة اغتصابا([173]).

وحتى نجيب عن هذه الشبهة تعريف الصحابي:

قال السخاوي: «الصحابي لغة: يقع على من صحب أقل ما يطلق عليه اسم صحبة، فضلًا عمَّن طالت صحبته وكثرت مجالسته».

ثم قال: «وفي الاصطلاح: رائي النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- اسم فاعل من رأى، حال كونه مسلمًا عاقلًا ذو صحبة على الأصح، كما ذهب إليه الجمهور من المحدثين والأصوليين وغيرهم، اكتفاء بمجرد الرؤية ولو لحظة، وإن لم يقع معها مجالسة ولا مماشاة ولا مكالمة؛ لشرف منزلة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فإنه كما صرح به بعضهم إذا رآه مسلم أو رأى مسلمًا لحظة طبع قلبه على الاستقامة؛ لأنه بإسلامه متهيئ للقبول، فإذا قابل ذلك النور العظيم أشرف عليه، فظهر أثره على قلبه وعلى جوارحه.

وممن نص على الاكتفاء بها أحمد، فإنه قال: من صحبه سنة أو شهرًا أو يومًا أو ساعة، أو رآه فهو من أصحابه، وكذا قال ابن المديني: من صحب النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أو رآه ولو ساعة من نهار، فهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم»([174]) ثم أضاف عددًا من القيود التي تجمع أفراد المُعرَّفين وتمنع من دخول غيرهم، وعليه فيمكننا أن نعرِّف الصحابي في الإصطلاح استنادًا على ما قاله جماهير العلماء واتفقوا عليه: هو كل من لقي النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، بعد بعثته، يقظة لا في منام، وهو مسلم، ومات على ذلك.

«فكل من لقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم» تُدخل من اجتمع به ولم يره كسيدنا عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه، وتشمل جميع مَن كانوا في حجة الوداع ممَّن لم يرهم رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- لكنهم نظروا له.

«وبعد بعثته» تخرج من لقيه قبل البعثة ولو كان مؤمنًا به كبحيرا الراهب.

«ويقظة لا في منام» تخرج كل من رأى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في المنام ولم يره حال حياته الشريفة في الدنيا فهو ليس صحابيًّا بالإجماع.

«وهو مسلم» تخرج كل من لقيه وهو كافر كأبي جهل وأمية بن خلف والعاص بن وائل وغيرهم من كفار قريش.

«ومات على ذلك» تخرج من ارتد عن الإسلام بعد رؤية النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- كعبد الله بن جحش الذي تنصر ببلاد الحبشة ومات على ذلك.

ويدخل في الصحابة من انطبقت عليه الشروط من الجن، فهم مكلفون، ورسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أُرسل إليهم قطعًا، قال تعالى:

﴿وَإِذۡ صَرَفۡنَآ إِلَيۡكَ نَفَرٗا مِّنَ ٱلۡجِنِّ يَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوٓاْ أَنصِتُواْۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوۡاْ إِلَىٰ قَوۡمِهِم مُّنذِرِينَ٢٩ قَالُواْ يَٰقَوۡمَنَآ إِنَّا سَمِعۡنَا كِتَٰبًا أُنزِلَ مِنۢ بَعۡدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٖ مُّسۡتَقِيمٖ٣٠ يَٰقَوۡمَنَآ أَجِيبُواْ دَاعِيَ ٱللَّهِ وَءَامِنُواْ بِهِۦ يَغۡفِرۡ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمۡ وَيُجِرۡكُم مِّنۡ عَذَابٍ أَلِيمٖ٣١ وَمَن لَّا يُجِبۡ دَاعِيَ ٱللَّهِ فَلَيۡسَ بِمُعۡجِزٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَيۡسَ لَهُۥ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءُۚ أُوْلَٰٓئِكَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ٣٢﴾ [الأحقاف: 29: 32].

تعريف العدالة وصفاتها:

قال الخطيب البغدادي: «إن العدل هو من عرف بأداء فرائضه ولزوم ما أمر به، وتوقي ما نهي عنه، وتجنب الفواحش المسقطة، وتحري الحق والواجب في أفعاله ومعاملته، والتوقي في لفظه ما يثلم الدين والمروءة، فمن كانت هذه حاله فهو الموصوف بأنه عدل في دينه، ومعروف بالصدق في حديثه، وليس يكفيه في ذلك اجتناب كبائر الذنوب التي يسمى فاعلها فاسقًا، حتى يكون مع ذلك متوقيًا لما يقول كثير من الناس إنه لا يعلم أنه كبير، بل يجوز أن يكون صغيرًا، نحو الكذب الذي لا يقطع على أنه كبير، ونحو التطفيف بحبة وسرقة باذنجانة وغش المسلمين بما لا يقطع عندهم على أنه كبير من الذنوب؛ لأجل أن القاذورات وإن لم يقطع على أنها كبائر يستحق بها العقاب، فقد اتفق على أن فاعلها غير مقبول الخبر والشهادة؛ إما لأنها متهمة لصاحبها ومسقطة له ومانعة من ثقته وأمانته، أو لغير ذلك، فإن العادة موضوعة على أن من احتملت أمانته سرقة بصلة وتطفيف حبة، احتملت الكذب، وأخذ الرشا على الشهادة ووضع الكذب في الحديث والاكتساب به، فيجب أن تكون هذه الذنوب في إسقاطها للخبر والشهادة بمثابة ما اتفق على أنه فسق يستحق به العقاب، وجميع ما أضربنا عن ذكره مما لا يقطع قوم على أنه كبير، وقد اتفق على وجوب رد خبر فاعله وشهادته، فهذه سبيله في أنه يجب كون الشاهد والمخبر سليمًا منه، والواجب عندنا أن لا يرد الخبر ولا الشهادة إلا بعصيان قد اتفق على رد الخبر والشهادة به، وما يغلب به ظن الحاكم والعالم أن مقترفه غير عدل ولا مأمون عليه الكذب في الشهادة والخبر، ولو عمل العلماء والحكام على أن لا يقبلوا خبرًا ولا شهادة إلا من مسلم بريء من كل ذنب قل أو كثر؛ لم يمكن قبول شهادة أحد ولا خبره؛ لأن الله تعالى قد أخبر بوقوع الذنوب من كثير من أنبيائه ورسله، ولو لم يرد خبر صاحب ذلك وشهادته بحال لوجب أن يقبل خبر الكافر والفاسق وشهادتهما، وذلك خلاف الإجماع فوجب القول في جماع صفة العدل بما ذكرناه»([175]).

ذكر الأدلة من القرآن والسنة والإجماع على عدالة الصحابة:

الأدلة من القرآن:

قال الله تعالى: ﴿وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلۡأَوَّلُونَ مِنَ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحۡسَٰنٖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُ وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي تَحۡتَهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ﴾.

وقال تعالى: ﴿كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ وَلَوۡ ءَامَنَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَٰبِ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۚ مِّنۡهُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ﴾.

وقال تعالى: ﴿مُّحَمَّدٞ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلۡكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيۡنَهُمۡۖ تَرَىٰهُمۡ رُكَّعٗا سُجَّدٗا يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٗاۖ سِيمَاهُمۡ فِي وُجُوهِهِم مِّنۡ أَثَرِ ٱلسُّجُودِۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِۚ وَمَثَلُهُمۡ فِي ٱلۡإِنجِيلِ كَزَرۡعٍ أَخۡرَجَ شَطۡ‍َٔهُۥ فَ‍َٔازَرَهُۥ فَٱسۡتَغۡلَظَ فَٱسۡتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِۦ يُعۡجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلۡكُفَّارَۗ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِنۡهُم مَّغۡفِرَةٗ وَأَجۡرًا عَظِيمَۢا﴾.

الأدلة من السنة:

امتلأت السنة الشريفة بالأحاديث التي تدل على فضائل الصحابة؛ مما يؤكد على أن الصحابة كلهم عدول ثقات، ونذكر من هذه الفضائل:

– ثناء النبي عليهم وتفضيلهم على من سواهم، وذلك في قوله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده، لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما أدرك مُدَّ أحدهم، ولا نصيفه))([176]).

– جعله -صلى الله عليه وآله وسلم- قرن الصحابة خير القرون فقد جاء في الحديث: ((خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم))([177]).

– ذكر عليه الصلاة والسلام أن الصحابة مختارون من قبل الله سبحانه فقال: ((إن الله اختار أصحابي على الثقلين سوى النبيين والمرسلين))([178]).

– جعلهم رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- شهداء الله في الأرض، فعن أنس رضي الله عنه، قال: مروا بجنازة، فأثنوا عليها خيرًا، فقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((وجبت)) ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرًّا، فقال: ((وجبت)) فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما وجبت؟ قال: ((هذا أثنيتم عليه خيرًا، فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرًّا، فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض))([179]).

– جعل وجودهم علامة على الأمان والخير في الأمة فقال: ((النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون))([180]).

– نهى عن سبهم وإيذائهم في عدة أحاديث منها قوله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((من سب أصحابي فعليه لعنة الله، والملائكة، والناس أجمعين))([181]). وقوله عليه الصلاة والسلام: ((من حفظني في أصحابي ورد علي حوضي، ومن لم يحفظني في أصحابي لم يرني يوم القيامة إلا من بعيد))([182]). و ما روي عنه -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضًا بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله عز وجل، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه))([183]).

و أجمع العلماء على عدالة الصحابة يقول ابن الصلاح في مقدمته: «الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة، ومن لابس الفتن منهم فكذلك بإجماع العلماء الذين يعتد بهم في الإجماع، إحسانًا للظن بهم، ونظرًا إلى ما تمهد لهم من المآثر، وكأن الله سبحانه وتعالى أتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشريعة، والله أعلم»([184]).

كلام العلماء على عدالة الصحابة:

يقول القاضي عياض: «ومن توقيره وبره -صلى الله عليه وآله وسلم- توقير أصحابه وبرهم، ومعرفة حقهم، والاقتداء بهم، وحسن الثناء عليهم، والاستغفار لهم، والإمساك عما شجر بينهم، ومعاداة من عاداهم، والإضطراب عن أخبار المؤرخين، وجهلة الرواة، وضلال الشيعة والمبتدعين القادحة في أحد منهم، وأن يلتمس لهم فيما نقل عنهم من مثل ذلك فيما كان بينهم من الفتن أحسن التأويلات، ويخرج لهم أصوب المخارج، إذ هم أهل ذلك، ولا يذكر أحد منهم بسوء، ولا يغمص عليه أمر. بل تذكر حسناتهم وفضائلهم وحميد سيرهم، ويسكت عما وراء ذلك»([185]).

وقال حجة الإسلام الغزالي: «اعلم أن كتاب الله مشتمل على الثناء على المهاجرين والأنصار وتواترت الأخبار بتزكية النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- إياهم بألفاظ مختلفة… وما من واحد إلا وورد عليه ثناء خاص في حقه يطول نقله، فينبغي أن تستصحب هذا الاعتقاد في حقهم ولا تسيء الظن بهم؛ كما يحكى عن أحوال تخالف مقتضى حسن الظن، فأكثر ما ينقل مخترع بالتعصب في حقهم ولا أصل له، وما ثبت نقله فالتأويل متطرق إليه ولم يجز ما لا يتسع العقل لتجويز الخطأ والسهو فيه، وحمل أفعالهم على قصد الخير وإن لم يصيبوه»([186]).

وقال في كتابه إحياء علوم الدين: «وأن يحسن الظن بجميع الصحابة ويثني عليهم؛ كما أثنى الله عز وجل ورسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- عليهم أجمعين، فكل ذلك مما وردت به الأخبار وشهدت به الآثار، فمن اعتقد جميع ذلك موقنًا به كان من أهل الحق وعصابة السنة، وفارق رهط الضلال وحزب البدعة»([187]).

وأفرد العلماء مؤلفات مستقلة في تراجم الصحابة وسيرهم وما جاء في فضلهم، فألَّف ابن عبد البر «الاستيعاب في معرفة الأصحاب»، وكتب ابن الأثير «أُسد الغابة في معرفة الصحابة»، وصنف ابن حجر العسقلاني «الإصابة في تمييز الصحابة»، وغير ذلك من المؤلفات القديمة والحديثة التي ذكرت لنا أخبارهم وكيف تحملوا الدين عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وعانوا في الحفاظ عليه ونشره وإيصاله إلينا أيما معاناة، يقول ابن عمر رضي الله عنه: «لا تسبوا أصحاب محمد، فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم عمره»([188]) ليس من فراغ، وهو في هذا ينهى أولئك الرِّعاع الذين تطاولوا على الصحابة وليسوا منهم، وقد حدث هذا بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-.

ما يثار حول الصحابة من التشكيك والشبه:

وذلك بسبب ما ورد من الاقتتال بينهم بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وما جرى في الفتنة من أحداث، ومن اقتراف آحادهم بعض الذنوب والكبائر، وما نقل من أخبار تدل على حبهم للدنيا وما إلى ذلك من أمورٍ، فالجواب يتمثل في عدة نقاط حتى تتضح الصورة كاملة:

أولًا: إن المغرضين ممن تظاهروا بالإسلام وهو منهم براء قد وضعوا العديد من الأخبار المكذوبة بهدف النيل منهم، لأنهم إذا سقطوا سقط الدين، وفي هذا يقول الإمام مالك: «إنما هؤلاء أقوام أرادوا القدح في النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فلم يمكنهم ذلك، فقدحوا في أصحابه حتى يقال رجل سوء ولو كان رجلًا صالحًا لكان أصحابه صالحين»([189]).

وما ذكره العلماء والإخباريون في كتبهم من مثل هذه الأخبار إنما كان بهدف الجمع ليس إلا، فهم يذكرونها بأسانيدها ليخرجوا من العهدة، ومنهج الجمع هذا من مناهج التصنيف لا ينتبه له إلا المتخصصون، فذكر حديث أو خبر في كتاب لا يعني تصحيحًا له إلا إذا صرح المؤلف بذلك.

ثانيًا: الصحابة رضوان الله عليهم هم أكمل خلق الله بعد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وهذا بشهادة القرآن الكريم، وشهادة الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- لهم كما سبق، وكما أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- مؤتمن على الوحي، هم أيضًا مؤتمنين عليه، فما وصلنا قرآن ولا سنة إلا عن طريقهم، وفي ذلك يقول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((إن الله عز وجل اختار أصحابي على جميع العالمين إلا النبيين والمرسلين))([190])، فيجب حمل ما بدر منهم من أفعال موهمة للتنقص- إن صحت- على أحسن محمل، فهم أولى الناس بحسن الظن.

ثالثًا: الصحابة رضوان الله عليهم مع كمالهم ووصولهم لأعلى المراتب لكنهم ليسوا بمعصومين، فربما يقع منهم الخطأ والذنب بل والكبائر أحيانًا، على أنهم أسرع الناس توبة إلى الله، وأقلهم وقوعًا في ذلك، وكبارهم محفوظون منه أصلًا فهم سادة الأولياء، أما الاقتتال الذي حدث بينهم كان عن اجتهاد قطعًا لا عن تنافس على الدار الفانية، وبناء على هذا فعلينا أن لا نخوض فيما شجر بينهم؛ احترامًا لجنابهم الشريف، ولأن ذلك قد يوقع ضعيف العقل فيما لا تحمد عُقباه، مع العلم بأن الحق كان مع سيدنا علي بن أبي طالب عليه السلام، وأن سيدنا معاوية- رضي الله عنه- اجتهد وجانبه الصواب هو ومن معه من كُمَّل الصحابة، وقد صرَّح النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بكل هذا قبل وفاته، بتفاصيل عجيبة، وهو من جملة معجزاته -صلى الله عليه وآله وسلم-، وليس هذا محل بسطه، والذي نشير إليه أن الأمر كان محتومًا، وقدر الله واقع، ولله حكمة في ذلك.

رابعًا: إن الطوائف الإسلامية ونعني بهم هنا الشيعة وفرقها المتعددة([191]) التي غالت بالمدح أو الذم في بعض الصحابة، فجعلت سيدنا عليًّا رضي الله عنه معصومًا، ومنها من وصفه بالألوهية، وعلى الجانب الآخر وصفوا سيدنا معاوية رضي الله عنه بالكفر أو النفاق، قد أسهمت تلك الفرق بشكل كبير في خلق جوٍّ ملائمٍ لأعداء الدين المندسين للطعن في الصحابة، ما لم يكونوا هم الذين وراء نشأة هذه التيارات والفرق من الأساس، حيث اختلقوا أحاديث ووضعوها، وحملوا أحاديث قالها النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في المنافقين على المؤمنين لأجل خدمة غايتهم، فلا يسمع لكلامهم، ولا يؤبه له، ولا يُعتبر من الأساس([192]).

وأيضا نجد أن الصحابة الذين رأوا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وصلوا إلى 114 ألفا، أما الذين وصلت إلينا روايتهم من طبقة الصحابة فعددهم نحو 1700 صحابي فقط، أما الذين عرفنا أسمائهم رجالا ونساء فكانوا ثمانية آلاف، أي أن العدد قليل ومحصور، وتزخر كتب الحديث وعلومه وشروحه بأسماء هؤلاء الصحابة، ولم يكن هناك من قدح فيه من الـ 1700 صحابي إلا خمسة: بشير بين الخصاصية، ومعاوية بن أبي سفيان، والمغيرة بن شعبة، وبسر بن أرطأة، وعمرو بن العاص، وبقية الصحابة لم يقدح فيهم أحد، أما الخمسة السابقون فيعود القدح فيهم غلى بعض الجرائم التي ارتكبها كل منهم، فأحدهم زنا، والآخر قتل بعض أهل اليمن، وأحدهم اغتصب الخلافة اغتصابا، وهكذا فعلوا أمورا معروفة، ولكن كم رروا من أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-؟ لو جئنا إلى الأحاديث التي رووها نجد أنها لا شيء بالنسبة لعدد أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقد رووا من (20 إلى 30) حديثا من أصل 60 ألف حديث.

ولكن العلماء في نفس الوقت قالوا: إن هؤلاء الخمسة لا تنفى عنهم الصحبة، فإن اقترفوا بعض الذنوب إلا أنه يجب ألا نسبهم، ويجب أن نتغاضى عن أخطائهم، حيث نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن سب الصحابة، وكذلك لأنهم التقوا بالرسول صلى الله عليه وسلم وماتوا وهم مؤمنون، بل منهم من جاهد في سبيل الله، وإن كنا نكره أفعالهم المخالفة للشريعة، لكن لا نسحب خطئا واحدا على مجمل حياة هذا الصحابي فهذا ليس من العدل([193]).

([1]) انظر: القرآنيون وشبهاتهم حول السنة (ص 93) لخادم حسين إلهي نجش، مكتبة الصديق، الطبعة الثانية، 1421هـ- 2000م.

([2]) جماع العلم (ص 4) للإمام الشافعي، دار الآثار، الطبعة الأولى، 1423هـ- 2002م.

([3]) انظر: القرآنيون وشبهاتهم حول السنة (ص 95).

([4]) معجم مقاييس اللغة (3/ 60) لأبي الحسين أحمد بن فارس- تحقيق: عبد السلام محمد هارون- دار الفكر- 1399هـ – 1979م.

)[5]) أخرجه مالك في الموطأ (42)، وابن أبي شيبة في مصنفه (10765)، وأبو يعلى الموصلي في مسنده (862)، والشاشي في مسنده (257)، والبيهقي في الكبرى (9/ 319) من حديث عبد الرحمن بن عوف. قال في التلخيص الحبير (3/ 375): «وهو منقطع».

([6]) انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 409) لمجد الدين ابن الأثير- تحقيق: طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي- المكتبة العلمية- بيروت- 1399هـ – 1979م.

([7]) انظر: لسان العرب (س. ن. ن) لابن منظور- دار صادر- بيروت- الطبعة الثالثة- 1414هـ.

([8]) انظر: مفردات غريب القرآن (ص245).

[9])) أخرجه مسلم في كتاب العلم، باب من سنَّ سنةً حسنةً أو سيئةً… (1017) من حديث جرير بن عبد الله بزيادة قوله: ((في الإسلام)).

([10]) انظر: بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز (3/ 267) لأبي طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي- تحقيق: محمد علي النجار- المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية- لجنة إحياء التراث الإسلامي- القاهرة.

([11]) انظر: جامع البيان في تأويل القرآن (7/ 230) لمحمد بن جرير الطبري- تحقيق: أحمد محمد شاكر- مؤسسة الرسالة- الطبعة الأولى- 1420هـ – 2000م.

([12]) انظر: تاريخ أصول الفقه (ص 58 وما بعدها) للإمام العلامة الدكتور علي جمعة.

([13]) انظر: قراءة في فكر الإمام علي جمعة وجهوده في خدمة السنة النبوية (1/ 62- 66).

([14]) جزء من حديث أخرجه أبو داود في كتاب السنة، باب في لزوم السنة (4604)، وأحمد في مسنده (4/ 130).

([15]) شرح مصابيح السنة للإمام البغوي (1/ 169) لمحمد بن عز الدين الكرماني المعروف بابن الملك- تحقيق ودراسة: لجنة مختصة من المحققين بإشراف: نور الدين طالب- إدارة الثقافة الإسلامية- الطبعة الأولى- 2012م.

([16]) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (1/ 246) ملا علي القاري- دار الفكر، بيروت- الطبعة الأولى، 1422هـ – 2002م.

([17]) المستصفى من علم الأصول (1/ 384) ومعه كتاب فواتح الرحموت – أبو حامد الغزالي- ضبط وتعليق: إبراهيم محمد رمضان – دار الأرقم بن أبي الأرقم.

([18]) الفقيه والمتفقه: (1/ 535) الخطيب البغدادي – تحقيق: عادل بن يوسف الغزازي – دار ابن الجوزي – السعودية – الطبعة الثانية – 1421هـ.

([19]) الإحكام في أصول الأحكام (1/ 96- 98) لابن حزم- تـحقيق: أحمد محمد شاكر- دار الآفاق الجديدة- بيروت.

([20]) الرسالة (1/ 73).

([21]) جامع البيان في تأويل القرآن (9/ 200) لابن جرير الطبري- المحقق: أحمد محمد شاكر- مؤسسة الرسالة- الطبعة الأولى- 1420هـ – 2000م.

([22]) تفسير القرآن العظيم (1/ 335) لابن كثير- تحقيق: محمد حسين شمس الدين- دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1419هـ.

([23]) الجامع لأحكام القرآن (3/ 157) للإمام القرطبي، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية، القاهرة، الطبعة الثانية، 1384هـ.

([24]) الرسالة (1/ 90).

([25]) المصدر السابق (1/ 91).

([26]) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب من نوقش الحساب عذب (6536).

([27]) البرهان في علوم القرآن (1/ 14- 15).

([28]) جامع البيان في تأويل القرآن (1/ 74).

([29]) الإحكام في أصول الأحكام (1/ 79).

([30]) انظر: مجموع الفتاوى (4/ 102).

([31]) الجرح والتعديل (1/ 1) لابن أبي حاتم – طبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية- بحيدر آباد الدكن- الهند-دار إحياء التراث العربي – بيروت- الطبعة: الأولى، 1271هـ – 1952م.

([32]) الموافقات (3/ 230) الشاطبي- المحقق: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان- الناشر: دار ابن عفان- الطبعة: الأولى- 1997م.

([33]) انظر: جامع بيان العلم وفضله (2/ 1195) ابن عبد البر- تحقيق: أبو الأشبال الزهيري- دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية- الطبعة: الأولى، 1414هـ- 1994م.

([34]) المصدر السابق (2/ 1199).

([35]) انظر: الجامع لأحكام القرآن (1/ 39).

([36]) جامع البيان في تأويل القرآن (2/ 283).

([37]) مجموع الفتاوى (17/ 432).

([38]) أخرجه ابن ماجه في مقدمة سننه، باب اتباع سُنة الخلفاء الراشدين المهديين (43)، وأحمد في مسنده (4/ 126)، والحاكم في مستدركه (1/ 96)، وأبو نُعيم في مستخرجه (1/ 36) من حديث عبد الرحمن بن عمرو السُّلَمي. قال أبو نُعيم: «وهذا حديث جيدٌ من صحيح حديث الشاميين».

([39]) أخرجه الدارمي في سننه (84) من حديث عكرمة مرسلًا.

([40]) روائع التفسير (الجامع لتفسير الإمام ابن رجب الحنبلي) (1/ 616) عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن السلامي- جمع وترتيب: طارق بن عوض الله- دار العاصمة- المملكة العربية السعودية- الطبعة الأولى 1422ه- 2001م.

([41]) جامع البيان (17/ 211).

([42]) معالم التنزيل في تفسير القرآن (5/ 21) أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي- تحقيق: محمد عبد الله النمر- عثمان جمعة ضميرية- سليمان مسلم الحرش- دار طيبة للنشر والتوزيع- الطبعة الرابعة، 1417هـ- 1997م.

([43]) تقدم تخريجه.

([44]) الجامع لأحكام القرآن (9/ 113).

([45]) دَرجُ الدُّرر في تَفِسيِر الآيِ والسُّوَر (1/ 17) لأبي بكر عبد القاهر الجرجاني- دراسة وتحقيق: (الفاتحة والبقرة) وَليد بِن أحمد بن صَالِح الحُسَين، (وشاركه في بقية الأجزاء): إياد عبد اللطيف القيسي- مجلة الحكمة، بريطانيا – الطبعة الأولى- 1429هـ – 2008م.

([46]) تفسير السلمي (1/ 367) لأبي عبد الرحمن السلمي- تحقيق: سيد عمران- دار الكتب العلمية- 1421هـ- 2001م.

([47]) جامع البيان (17/ 236).

([48]) انظر: الجامع لشعب الإيمان (3/ 95) لأبي بكر البيهقي- تحقيق: عبد العلي عبد الحميد حامد، مكتبة الرشد بالرياض بالتعاون مع الدار السلفية ببومباي بالهند، الطبعة الأولى: 1423هـ – 2003م.

([49]) جامع البيان في تأويل القرآن (8/ 561).

([50]) مفاتيح الغيب التفسير الكبير (10/ 149) أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثالثة: 1420هـ.

([51]) تفسير التستري (18) أبو محمد سهل بن عبد الله بن يونس بن رفيع التستري، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى: 1423هـ.

([52]) أحكام القرآن (2/ 267) لأبي بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص، الحنفي. تحقيق: عبد السلام محمد علي شاهين ـ دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان – الطبعة الأولى، 1415هـ – 1994م.

([53]) الوسيط في تفسير القرآن المجيد (2/ 84- 85) لأبي الحسن الواحدي، النيسابوري، الشافعي- تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود، علي محمد معوض، الدكتور أحمد محمد صيرة، الدكتور أحمد عبد الغني الجمل، الدكتور عبد الرحمن عويس- دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان- الطبعة: الأولى، 1415هـ – 1994م.

([54]) تفسير الراغب الأصفهاني (3/ 1343) للراغب الأصفهاني- مدار الوطن، الرياض.

([55]) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (2/ 321).

([56]) الموافقات (4/ 321).

([57]) الإشارة في أصول الفقه (ص21) أبو الوليد سليمان الباجي، تحقيق: محمد حسن محمد حسن إسماعيل، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1424هـ – 2003م.

([58]) أصول الشاشي (ص269) لأبي علي أحمد بن محمد بن إسحاق الشاشي، دار الكتاب العربي، بيروت.

([59]) تفسير القرآن العظيم (2/ 306).

([60]) تفسير القرآن العظيم (6/ 82).

([61]) جامع البيان في تأويل القرآن (20/ 271).

([62]) أخرجه أبو داود في كتاب السنة، باب في لزوم السنة (4605)، والترمذي في كتاب العلم، باب ما نهي عنه أن يقال عند حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم (2663)، وابن ماجه في مقدمة سننه، باب تعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتغليظ على من عارضه (13)، وابن حبان في صحيحه (13) والحاكم في المستدرك (368) وقال الترمذي: «حسن صحيح». وصححه الحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.

([63]) أحكام القرآن الكريم (1/ 60) لأبي جعفر الطحاوي، تحقيق: الدكتور سعد الدين أونال، مركز البحوث الإسلامية التابع لوقف الديانة التركي، إستانبول، الطبعة الأولى.

([64]) تفسير القرآن العظيم (2/ 306).

([65]) مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير للرازي(10/ 128) – دار إحياء التراث العربي – بيروت – طـ 1420 هـ.

([66]) مدارك التنزيل وحقائق التأويل لأبي البركات النسفي (1/ 396)، دار الكلم الطيب – بيروت، طـ 1419هـ.

([67]) مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير للرازي (11/ 219-220)، – دار إحياء التراث العربي – بيروت – طـ 1420 هـ.

([68]) جامع البيان في تأويل القرآن (20/ 271).

([69]) لطائف الإشارات المعروف بتفسير القشيري (3/ 162)، الهيئة المصرية العامة للكتاب – مصر – الطبعة الثالثة.

([70]) مفاتيح الغيب (10/ 121)، – دار إحياء التراث العربي – بيروت – طـ 1420هـ.

([71]) تفسير القرآن العظيم (6/ 82).

([72]) حقائق التفسير لأبي عبد الرحمن السلمي (2/ 57) – دار الكتب العلمية – لبنان / بيروت – 1421هـ.

([73]) جزء من حديث أخرجه أبو داود في كتاب السنة، باب في لزوم السنة (4604)، وأحمد في مسنده(17174) من طريق حريز بن عثمان بن عبد الرحمن بن أبي عوف عن المقدام بن معدي كرب به مرفوعًا.

([74]) البرهان في علوم القرآن (2/ 175- 176) لأبي عبد الله الزركشي- المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم- دار إحياء الكتب العربية، الطبعة الأولى: 1376هـ – 1957م.

([75]) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب غزوة الطائف (4329)، ومسلم في كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة وما لا يباح وبيان تحريم الطيب عليه (1180) من حديث يعلى بن أمية t.

([76]) أي تعرضه ﷺ لحالة من الشدة بسبب نزول الوحي عليه، وقد وصفت ذلك أم المؤمنين عائشة في حديث متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله ﷺ؟ (2) ومسلم في كتاب الفضائل، باب عرق النبي ﷺ في البرد وحين يأتيه الوحي (2333) من حديث عروة بن الزبير عن عائشة ل قالت: إن الحارث بن هشام t سأل رسولَ الله ﷺ فقال: يا رسول الله، كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله ﷺ: ((أحيانًا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشده عليَّ، فيفصم عني وقد وعيتُ عنه ما قال، وأحيانًا يتمثل لي الملك رجلًا فيكلمني فأعي ما يقول)). قالت عائشة رضي الله عنها: ولقد رأيتُه ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقًا.

([77]) البحر المحيط في أصول الفقه (8/ 251) أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي – الناشر: دار الكتبي – الطبعة: الأولى، 1414هـ – 1994م.

([78]) شرح الطيبي على مشكاة المصابيح المسمى بـ (الكاشف عن حقائق السنن) (2/ 629) شرف الدين الحسين بن عبد الله الطيبي، المحقق: د. عبد الحميد هنداوي، مكتبة نزار مصطفى الباز (مكة المكرمة، الطبعة الأولى: 1417هـ – 1997م.

([79]) الميسر في شرح مصابيح السنة (1/ 87) فضل الله بن حسن بن حسين بن يوسف أبو عبد الله، شهاب الدين التُّورِبِشْتِي – المحقق: د. عبد الحميد هنداوي- الناشر: مكتبة نزار مصطفى الباز- الطبعة: الثانية، 1429 هـ – 2008 م.

([80]) تقدم تخريجه.

([81]) المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 267) الحسين بن محمود بن الحسن، مظهر الدين الزَّيداني الكوفي الضرير الشِّيرازيُّ الحَنَفيُّ المشهور بالمُظهري، تحقيق: لجنة مختصة من المحققين بإشراف: نور الدين طالب، دار النوادر، وهو من إصدارات إدارة الثقافة الإسلامية، وزارة الأوقاف الكويتية، الطبعة الأولى: 1433هـ – 2012م.

([82]) لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح (1/ 481) عبد الحق بن سيف الدين بن سعد الله البخاري الدِّهلوي الحنفي – تحقيق وتعليق: الأستاذ الدكتور تقي الدين الندوي- الناشر: دار النوادر، دمشق – سوريا-الطبعة: الأولى، 1435 هـ – 2014 م.

([83]) عون المعبود شرح سنن أبي داود، ومعه حاشية ابن القيم: تهذيب سنن أبي داود وإيضاح علله ومشكلاته (12/ 231)- محمد أشرف بن أمير بن علي بن حيدر، أبو عبد الرحمن، شرف الحق، الصديقي، العظيم آبادي – الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت- الطبعة: الثانية، 1415 هـ.

([84]) أخرجه أبو داود في كتاب السنة، باب لزوم السنة (4604) دون قوله «أَلَّا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ الله ﷺ مِثْلُ مَا حَرَّمَ الله»، وبتمامه الترمذي في كتاب العلم، باب ما نهي عنه أن يقال عند حديث النبي ﷺ (2664)، وابن ماجه في كتاب الإيمان وفضائل الصحابة والعلم، باب تعظيم حديث رسول الله ﷺ والتغليظ على من عارضه (12) من حديث المقدام بن معد يكرب t. قال الترمذي: «هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه».

([85]) انظر: الكفاية في علم الرواية (ص8) أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي- المحقق: أبو عبد الله السورقي، إبراهيم حمدي المدني، المكتبة العلمية، المدينة المنورة.

([86]) نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (13/ 154) بدر الدين العيني، المحقق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، الطبعة الأولى: 1429هـ – 2008م.

([87]) حاشية السندي على سنن ابن ماجه (1/ 9) نور الدين السندي، دار الجيل، بيروت.

([88]) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب يقاتل من وراء الإمام ويتقى به (2957)، ومسلم في كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية (1835).

([89]) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (4/ 35)- أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي، تحقيق: محيي الدين ديب ميستو، أحمد محمد السيد، يوسف علي بديوي، محمود إبراهيم بزال، دار ابن كثير، دمشق – بيروت، دار الكلم الطيب، دمشق، بيروت، الطبعة الأولى: 1417 هـ – 1996م.

([90]) إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 240) القاضي عياض بن موسى بن عياض بن عمرون، المحقق: الدكتور يحيى إسماعيل، دار الوفاء، مصر الطبعة الأولى: 1419هـ – 1998م.

([91]) إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (10/ 216) أحمد بن محمد بن أبي بكر بن عبد الملك القسطلاني، المطبعة الكبرى الأميرية، مصر، الطبعة السابعة: 1323هـ.

([92]) الإفصاح عن معاني الصحاح (6/ 175) لابن هبيرة- المحقق: فؤاد عبد المنعم أحمد، دار الوطن: 1417هـ.

([93]) المقدمات الممهدات لبيان ما اقتضته رسوم المدونة من الأحكام الشرعيات والتحصيلات المحكمات لأمهات مسائلها المشكلات (2/ 255) أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي- خرج آياته وأحاديثه: الشيخ زكريا عميرات- دار الكتب العلمية بيروت- لبنان.

([94]) البحر المديد (1/ 411) أحمد بن محمد بن المهدي بن عجيبة الحسني الإدريسي الشاذلي الفاسي أبو العباس- دار الكتب العلمية ـ بيروت – الطبعة الثانية / 2002 م ـ 1423 هـ.

([95]) أخرجه البزار في مسنده (8993) والدارقطني في سننه (4606) والحاكم في مستدركه (319) واللفظ له، والبيهقي في الكبرى (20363).

([96]) الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار وشرح ذلك كله بالإيجاز والاختصار (26/ 99) أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري القرطبي- تحقيق: عبد المعطي أمين قلعجي، دار قتيبة، دمشق، دار الوعي، حلب، الطبعة الأولى: 1414هـ – 1993م.

([97]) التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 447) زين الدين محمد المدعو بعبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري، مكتبة الإمام الشافعي، الرياض الطبعة الثالثة: 1408هـ – 1988م.

([98]) التَّنوير شرح الجامع الصغير (5/ 33) محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد الحسني، الكحلاني ثم الصنعاني، أبو إبراهيم، عز الدين،- المحقق: د. محمد إسحاق محمد إبراهيم- الناشر: مكتبة دار السلام، الرياض- الطبعة: الأولى، 1432هـ – 2011م.

([99]) أخرجه أحمد في مسنده (5679)، وأبو يعلى في مسنده (5450)، وابن حبان في صحيحه (2109)، والطبراني في الكبير (12/ 321/ 13238). قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 67): «رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح».

([100]) الدر المنثور (2/ 598) عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي الناشر: دار الفكر – بيروت.

([101]) أخرجه الخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (1573) من حديث الحكم بن عمير الثمالي.

([102]) روح البيان في تفسير القرآن (9/ 427) إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي، تحقيق: عبد اللطيف حسن عبد الرحمن، دار الكتب العلمية، بيروت.

([103]) أخرجه الطبراني في الكبير(3/ 84/ 2737).

(([104] رواه البخاري في صحيحه في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله ﷺ، (9/ 92) برقم (7280)، دار طوق النجاة، صـ 1422هـ.

([105]) فيض القدير شرح الجامع الصغير (5/ 12) للإمام عبد الرؤوف المناوي- المكتبة التجارية الكبرى – مصر- الطبعة: الأولى، 1356هـ.

([106]) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (1/ 225) علي بن (سلطان) محمد، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري- الناشر: دار الفكر، بيروت – لبنان – الطبعة: الأولى، 1422هـ – 2002م.

([107]) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب يقاتل من وراء الإمام ويتقى به (2957)، ومسلم في كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية (1835).

([108]) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (4/ 35)- أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي، تحقيق: محيي الدين ديب ميستو، أحمد محمد السيد، يوسف علي بديوي، محمود إبراهيم بزال، دار ابن كثير، دمشق – بيروت، دار الكلم الطيب، دمشق، بيروت، الطبعة الأولى: 1417هـ – 1996م.

([109]) إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 240) القاضي عياض بن موسى بن عياض بن عمرون، المحقق: الدكتور يحيى إسماعيل، دار الوفاء، مصر الطبعة الأولى: 1419هـ – 1998م.

([110]) إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (10/ 216) أحمد بن محمد بن أبي بكر بن عبد الملك القسطلاني، المطبعة الكبرى الأميرية، مصر، الطبعة السابعة: 1323هـ.

([111]) الإفصاح عن معاني الصحاح (6/ 175) لابن هبيرة- المحقق: فؤاد عبد المنعم أحمد، دار الوطن: 1417هـ.

([112]) البحر المديد (1/ 411) أحمد بن محمد بن المهدي بن عجيبة الحسني الإدريسي الشاذلي الفاسي أبو العباس- دار الكتب العلمية ـ بيروت – الطبعة الثانية / 2002م – 1423هـ.

(([113] قوله ﷺ ((النذير العريان)) قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: «أصله أن رجلا من خثعم طرقه عدوهم فسلبه ثيابه فأنذر قومه فكذبوه فاصطلموا وقيل: لأن العادة أن ينزع ثوبه ويلوح به ليري من بعد وشرطه أن يكون على مكان عال».

(([114] رواه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله ﷺ (9/ 93) برقم (7283)، دار طوق النجاة، الطبعة الأولى 1422هـ.

(([115] إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري للقسطلاني (10/ 306)، المطبعة الكبرى الأميرية، ط 1323هـ.

([116]) تقدم تخريجه.

([117]) متفق عليه، أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله ﷺ (2788) ومسلم في كتاب الفضائل، باب توقيره ﷺ وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه أو لا يتعلق به تكليفٌ وما لا يقع ونحو ذلك (1337) من حديث أبي هريرة t.

([118]) شرح صحيح مسلم للنووي (9/ 102).

([119]) فتح الباري (13/ 263).

([120]) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (6/ 157- 158).

([121]) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح (5063)، ومسلم في كتاب النكاح، باب النكاح من سنته ﷺ (3384).

([122]) فتح الباري شرح صحيح البخاري (9/ 105- 106) أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي- الناشر: دار المعرفة – بيروت، 1379هـ – رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي- قام بإخراجه وصححه وأشرف على طبعه: محب الدين الخطيب.

([123]) إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (8/ 4).

([124]) الشرة: الهمة والنشاط والحرص. انظر: التنوير شرح الجامع الصغير (4/ 89) للأمير الصنعاني.

([125]) أخرجه أحمد في مسنده (6958) وابن حبان في صحيحه (11).

(([126] بهذا اللفظ.

(([127] فيض القدير (2/ 514)، المكتبة التجارية الكبرى- مصر– الطبعة الأولى 1356.

([128]) أخرجه الهروي في ذم الكلام (872)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (14/ 9).

([129]) أخرجه الدارمي في سننه (97) من طريق أبي المغيرة، عن الأوزاعي، عن يونس بن يزيد، عن الزهري.

([130]) أخرجه أبو داود في كتاب السنة، باب في لزوم السنة (4607)، والترمذي في كتاب العلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع (2676)، وابن ماجه في كتاب الإيمان وفضائل الصحابة والعلم، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين (42) من حديث العرباض بن سارية t.

قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح».

([131]) الإبانة الكبرى لابن بطة (1/ 245) أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبري المعروف بابن بطة العكبري – المحقق: رضا معطي، وعثمان الأثيوبي، ويوسف الوابل، والوليد بن سيف النصر، وحمد التويجري – الناشر: دار الراية للنشر والتوزيع، الرياض.

([132]) إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/ 159) محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية – المحقق: محمد حامد الفقي- الناشر: مكتبة المعارف، الرياض، المملكة العربية السعودية.

([133]) السنة (ص34) أبو عبد الله محمد بن نصر بن الحجاج المروزي- مؤسسة الكتب الثقافية- بيروت- الطبعة: الأولى- 1408هـ.

([134]) أخرجه الترمذي في كتاب القيامة والرقائق والورع (2520) والحاكم في المستدرك (7073). قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه».

([135]) عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي (1/ 231) القاضي محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي المعافري المالكي، دار الكتب العلمية، بيروت.

([136]) أخرجه الترمذي في كتاب العلم، باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع (2658) من حديث عبد الله بن مسعود t. قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح».

([137]) أحكام القرآن (4/ 128) القاضي أبو بكر بن العربي، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار إحياء الثراث العربي بيروت، الطبعة الأولى.

([138]) شرح السنة للبغوي (1/ 236) تحقيق: شعيب الأرناؤوط، محمد زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، دمشق، بيروت- الطبعة الثانية: 1403هـ – 1983م.

([139]) الاستذكار (27/ 163).

([140]) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب الخطبة أيام منى (1679).

([141]) الرسالة (ص401).

([142]) انظر: مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة (ص9).

([143]) أخرجه أحمد في مسنده (21460) والدارمي في سننه (560) والبيهقي في شعب الإيمان (6989) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 389) «فيه راو لم يسم وبقية رجاله ثقات».

([144]) صحيح مسلم بشرح النووي (1/ 4).

([145]) أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل (3461).

([146]) إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (1/ 4).

([147]) انظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (1/ 304) للجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الرابعة 1407هـ‍ – 1987م.

([148]) قراءة في فكر الإمام (1/ 140، 141).

(([149] انظر: فتح القدير للشوكاني (1/ 558)، دار ابن كثير، دار الكلم الطيب – دمشق – بيروت.

(([150] انظر: الرسالة للإمام الشافعي (ص21)، مكتبة الحلبي، ط 1358.

([151]) جزء من حديث أخرجه أبو داود في كتاب السنة ، باب في لزوم السنة (4607) والترمذي في كتاب العلم ، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع (2676)، وابن ماجه في كتاب الإيمان وفضائل الصحابة والعلم، باب اتباع سنة الخلفاء الراشديين المهديين (42)، من حديث العرباض بن سارية. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

(([152] انظر: تفسير الرازي (12/ 527)، دار إحياء التراث العربي – بيروت.

([153]) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب الحدود، باب الاعتراف بالزنا (6827)، ومسلم في كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنا (1697) من حديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما.

(([154] تفسير الرازي (12/ 527، 528)، دار إحياء التراث العربي – بيروت.

(([155] إعلام الموقعين عن رب العالمين (2/ 308، 309)، مكتبة الكليات الأزهرية، طـ 1388هـ.

([156]) أخرجه الترمذي في كتاب العلم باب ما نهي عنه أن يقال عند حديث النبي ﷺ (2664).

(([157] السنة بيانًا للقرآن، للدكتور إبراهيم الخولي (ص 5،4).

(([158] حجية السنة للشيخ عبد الغني عبد الخالق ص (323- 326).

(([159] «العمرى: بضم فسكون ففتح اسم من الإعمار. جعل الدار ونحوها لشخص مدة عمر هذا الشخص» معجم لغة الفقهاء، (1/ 321) حرف العين – دار النفائس – الطبعة الثانية 1408 هـ.

(([160] الإحكام في أصول الاحكام لابن حزم (2/ 79، 80)، دار الآفاق الجديدة – بيروت.

(([161] جزء من حديث ابن عباس رضي الله عنه أخرجه عبد بن حميد في مسنده (636)، وأبو يعلى في معجمه (96)، والطبراني في الكبير (11/ 223)، وله شاهد بنحوه من حديث أبي هريرة أخرجه البخاري تعليقًا في كتاب النكاح، باب ما يكره من التبتل والخصاء (5076)، والنسائي في كتاب النكاح، باب النهي عن التبتل (3215)، والطبراني في الأوسط (6814)، والقضاعي في مسنده (603)

(([162]التحرير والتنوير لابن عاشور (7/ 217)، الدار التونسية للنشر – تونس، ط1984م.

(([163]المُدرك: بضم الميم، الدليل؛ لأن الدليل محل إدراك الحكم. انظر حاشية العطار على جمع الجوامع (2/ 249)، والمصباح المنير (1/ 192).

(([164]حجية السنة للشيخ عبد الغني عبد الخالق (ص 385).

(([165] فتح القدير للشوكاني (3/ 224)، دار ابن كثير – الكلم الطيب، دمشق – بيروت، الطبعة الأولى 1414هـ.

(([166] التحرير والتنوير (14/ 253)، الدار التونسية للنشر – تونس، 1984م.

([167]) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب النكاح، باب لا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع (5143) ومسلم في كتاب البر والصلة، باب تحريم الظن والتجسس والتنافس (2563) من حديث أبي هريرة.

([168]) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب في الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس، باب ما ينهى عن إضاعة المال (2408) ومسلم في كتاب الأقضِية، باب النهي عن كثرة المسألة من غير حاجة (593) من حديث المغيرة بن شعبة.

([169]) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب النهي عن قول هلك الناس (2623) من حديث أبي هريرة t.

([170]) قراءة في فكر الإمام (1/ 153).

([171]) تاريخ أصول الفقه (ص 71- 72).

([172]) تاريخ أصول الفقه (ص 72- 77).

([173]) المرجع السابق (ص 77).

(([174] فتح المغيث (3/ 91: 93) دار الكتب العلمية – لبنان.

(([175] الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (1/ 80) دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد.

(([176] تقدم تخريجه.

([177]) متفق عليه بلفظ: ((خير الناس قرني))؛ أخرجه البخاري في كتاب الشهادات، باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد (2652)، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم (2533) من حديث عبد الله بن مسعود.

([178]) أخرجه البزار (2763- كشف الأستار) من حديث جابر بن عبد الله. قال ابن حجر: «رجاله موثقون». انظر: الإصابة في تمييز الصحابة (1/ 28).

([179]) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ثناء الناس على الميت (1367)، ومسلم في كتاب الجنائز، باب فيمن يثني عليه خير أو شر من الموتى (949).

([180]) أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب بيان أن بقاء النبي صلى الله عليه وسلم أمان لأصحابه، وبقاء أصحابه أمان للأمة (2531).

(([181] أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 142) من حديث عبد الله بن عباس.

(([182] أخرجه الطبراني في الأوسط (1025)، والكبير (12/ 283) من حديث عبد الله بن عمر.

(([183] أخرجه الترمذي في كتاب المناقب، باب فيمن سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (3862)، وأحمد في المسند (20548) وابن حبان (7256) من حديث عبد الله بن مغفل.

(([184] مقدمة ابن الصلاح (ص295) دار الفكر – سوريا.

(([185] الشفا بتعريف حقوق المصطفى ﷺ (2/ 116) دار الفيحاء – عمان.

(([186] الاقتصاد في الاعتقاد (1/ 131) دار الكتب العلمية – بيروت.

(([187] إحياء علوم الدين (1/ 93) دار المعرفة – بيروت.

(([188] أخرجه ابن ماجه في افتتاح الكتاب في الإيمان وفضائل الصحابة والعلم باب فضل أهل بدر (162).

(([189] الصارم المسلول على شاتم الرسول (1/ 580) الحرس الوطني السعودي.

(([190] تقدم تخريجه

(([191] «الشيعة ثلاثة أصناف عند أبو الحسن الأشعري: الشيعة الغالية وهم خمسة عشر فرقة، والشيعة الإمامية وهم الرافضة وهم أربع وعشرون فرقة، والشيعة الزيدية وهم ست فرق» موسوعة الفرق والجماعات والمذاهب الإسلامية لدكتور/ عبد المنعم الحنفي (صـ265).

([192]) انظر: قراءة في فكر الإمام ().

([193]) انظر: تاريخ أصول الفقه (ص 79) .

اترك تعليقاً