البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

الفصل الثالث: الفتوى في عهد الأئمة المجتهدين

76 views

تمهيد وتقسيم:

يعتبر هذا الطور من أهم أطوار الفتوى حيث إنه يتميز بالثراء وتكامل النماء للفتوى، وأيضا يشتمل على التنوع الذي يسد حاجة البيئات المختلفة، ويمتد هذا الطور إلى منتصف القرن الرابع الهجري تقريبا، وسنتناول الحديث عن الفتوى في عصر الأئمة المجتهدين في المباحث الثلاثة التالية:

  • المبحث الأول: أبرز الأحداث التي أثرت في المسيرة الإفتائية في عصر الأئمة المجتهدين.
  • المبحث الثاني: المتصدرون للفتوى في عصر الأئمة المجتهدين.
  • المبحث الثالث: سمات الفتوى في عصر الأئمة المجتهدين.

المبحث الأول

أبرز الأحداث التي أثرت في المسيرة الإفتائية في عصر الأئمة المجتهدين

اتسعت رقعة الإسلام في هذا العصر وعمت حضارته معظم البلدان، “ولا ريب في أنه قد كان لذلك أثر كبير في العلوم والفنون والآداب، وخاصة الفقه وما يتصل به؛ لأن اتساع الحضارة وتشابك التعامل وانفساح أفق الفكر وحرص الناس على احترام شعائر الله والاعتزاز بقوة الدولة، كل ذلك يقتضي استحداث صور تبتغي موضعها من دين الله وتقدير المسلمين، فلا جرم أن هذا الطور قد كان بحق طور التدوين والإمامة المذهبية في العلوم والفنون.

ومن مميزات هذا الطور الحركة العلمية في الأمصار الإسلامية فقد نمت تلكم الحركة نموا عظيما بما كان للمدنيات القديمة من أبين الآثار في رؤوس المفكرين من العرب عن طريق الذين دخلوا في الإسلام من الفرس والروم والمصريين دخولا حملتهم عليه بساطة العقيدة الإسلامية وسماحة شرائعه، مع ظمأ الفطرة الإنسانية الدائب إلى الدين، وبدخول هؤلاء في المحيط الإسلامي كبارا معهم أفكارهم، أو صغارا نشئوا في كنف المسلمين؛ أفادت الدولة خيرا كثيرا، وتلاقي الثقافات المختلفة واختلاف المثقفين من مختلف البيئات لا جرم أنه تلقيح للعقول وتنقيح للأفكار”(1)

وتعرف هذه الفترة من تاريخ الحضارة الإسلامية -التي قامت على تقديس العلم- بعهد التدوين “لأن حركة الكتابة والتدوين نشطت فيه، فدونت السنة، وفتاوى المفتين من الصحابة والتابعين وتابعيهم، وموسوعات في تفسير القرآن، وفقه الأئمة المجتهدين، ورسائل في علم أصول الفقه؛ ولأن مواهب عدد كبير من رجال الاجتهاد والتشريع ظهرت فيه وسرت فيهم روح تشريعية كان لها أثر خالد في التقنين، واستنباط الأحكام لما وقع وما يحتمل وقوعه.

وهذا هو العهد الذهبي للتشريع الإسلامي، فقد نما فيه ونضج وأثمر ثروة تشريعية أغنت الدولة الإسلامية بالقوانين والأحكام على سعة أرجائها واختلاف شئونها وتعدد مصالحها.”(2)

وظهور التدوين وشهرته في عصر الأئمة المجتهدين لا ينفي وجود جهود سابقة في عصر الصحابة والتابعين عنيت بتدوين السنة والفتاوى، إلا أن التدوين في هذا الطور قد أخذ شكلا واضحا من التنظيم والتخصص، فنشأ عن ذلك وجود المؤلفات المستقلة في معظم فروع العلم، فبعد أن كان التدوين مختلطا أصبح قريبا إلى فصل العلوم عن بعضها.

وظهرت في هذا الطور أيضا المذاهب الفقهية المتميزة واتضحت أصولها، وتمايز أتباعها، وكثر الخلاف في الفروع نتيجة لتعدد مناهج الاستنباط، التي لم تكن هناك حاجة تقتضيها في عصر الرسالة، “ففي عهد الرسول لم يقع اختلاف في حكم الواقعة؛ لأن المرجع التشريعي واحد، وأنه في عهد الصحابة لما تعدد رجال التشريع منهم وقع بينهم اختلاف في بعض الأحكام، وصدرت عنهم في الواقعة الواحدة فتاوى مختلفة، وأن هذا الاختلاف كان لا بد أن يقع بينهم؛ لأن المراد من النصوص يختلف باختلاف العقول ووجهات النظر؛ ولأن السنة لم يكن علمهم بها وحفظهم لها على السواء، وربما وقف بعضهم منها على ما لم يقف عليه الآخر؛ لأن المصالح التي تستنبط لأجلها الأحكام يختلف تقديرها باختلاف البيئات التي يعيش فيها رجال التشريع، فلهذه الأسباب اختلفت فتاويهم وأحكامهم في بعض الوقائع والأقضية مع اتفاقهم على مصادر التشريع، وترتيب رجوعهم إليها والمبادئ التشريعية العامة. أي أنهم اختلفوا في الفروع فقط، ولم يختلفوا في أصول التشريع، ولا في خطته، ولكن لما آلت السلطة التشريعية في القرن الثاني الهجري إلى طبقة الأئمة المجتهدين اتسعت مسافة الخلاف بين رجال التشريع، ولم تقف أسباب اختلافهم عند الأسباب الثلاثة التي بني عليها اختلاف الصحابة، بل جاوزتها إلى أسباب تتصل بمصادر التشريع وبالنزعة التشريعية وبالمبادئ اللغوية التي تطبق في فهم النصوص، وبهذا لم يكن اختلافهم في الفتاوى والفروع فقط، بل كان اختلافًا أيضا في أسس التشريع وخططه، وصار لكل فريق منهم مذهب خاص يتكون من أحكام فرعية استنبطت بخطة تشريعية خاصة.

ويرجع اختلاف الخطة التشريعية للأئمة المجتهدين إلى اختلافهم في أمور ثلاثة: الأول: في تقدير بعض المصادر التشريعية. والثاني: في النزعة التشريعية. والثالث: في بعض المبادئ اللغوية التي تطبق في فهم النصوص.”(3)

1 معالم الشريعة، (ص٢١٦) وما بعدها.

2 علم أصول الفقه وخلاصة تاريخ التشريع (ص٢٤٣).

3 علم أصول الفقه وخلاصة تاريخ التشريع (ص: ٢٤٩).

المبحث الثاني

المتصدرون للفتوى في عصر الأئمة المجتهدين

تصدر للفتوى في هذا العصر جملة من الأئمة المجتهدين توافر لها ما لم يتوافر لغيرها من البيئة المناسبة للاجتهاد حيث دونت السنة وأصبح من السهل الاطلاع على دواوينها ويمكن تقسيم المتصدرون إلى الفتوى في هذا الطور إلى طبقات على النحو التالي:

١- المجتهدون الكبار:

وهم أصحاب المذاهب المعروفة والمندثرة، وكل منهم له منهجه الخاص في الاجتهاد تأصيلا وتفريعا، كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد أصحاب المذاهب الأربعة، التي يعتنقها الكثرة الكاثرة من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.

وكان يعاصر هؤلاء أئمة لا يقلون عنهم منزلة، وإن اندثرت مذاهبهم كالأوزاعي بالشام، والليث بن سعد بمصر، وابن أبي ليلى والثوري بالعراق . . . إلى غير هؤلاء ممن زخرت بهم كتب الخلاف والتفاسير وشروح الأحاديث والآثار.

٢- المجتهدون المنتسبون:

وهم أصحاب هؤلاء الأئمة وتلاميذهم، وهم يتفقون مع إمامهم في القواعد والأصول، وقد يختلفون معه في التفريع، وآراؤهم تعتبر من المذهب الذي ينتسبون إليه، حتى ولو كان رأيه غير مروي عن صاحب المذهب كأبي يوسف ومحمد وزفر من أصحاب أبي حنيفة، وكعبد الرحمن بن القاسم وابن وهب من أصحاب مالك، وكالمزني للشافعي.

أما أصحاب أحمد فكانوا رواة فقط لأحاديثه وآرائه الفقهية ولم يؤثر عن أحد منهم أنه خالف إمامه في أصل أو فرع، ومنهم أبو بكر الأثرم وأبو داود السجستاني وأبو إسحاق الحربي.

٣- مجتهدو المذاهب:

وهم لا يختلفون مع أئمتهم لا في الأصول ولا في الفروع، ولكن يخرجون المسائل التي لم يرد عن الإمام وأصحابه رأي فيها، ملتزمين منهج الإمام في استنباط الأحكام.

وربما يخالفون إمامهم في المسائل المبنية على العرف، ويعبرون عن هذه المسائل بأنها ليست من قبيل اختلاف الدليل والبرهان، ولكن لاختلاف العرف والزمان، بحيث لو اطلع إمامهم على ما اطلعوا عليه لذهب إلى ما ذهبوا إليه، وهؤلاء هم الذين يعتمد عليهم في تحقيق المذهب وتثبيت قواعده وجمع شتاته.

٤- المجتهدون المرجحون:

وهؤلاء مهمتهم ترجيح بعض الروايات على بعض، مراعين القواعد التي وضعها المتقدمون في هذا الباب، وبعض العلماء جعلوا هاتين الطبقتين – مجتهدو المذهب، والمجتهدون المرجحون – طبقة واحدة.

٥- طبقة المستدلين:

وهؤلاء لا يستنبطون ولا يرجحون قولا على قول، ولكن يستدلون للأقوال، ويبينون ما اعتمدت عليه، ويوازنون بين الأدلة من غير ترجيح للحكم، ولا بيان لما هو أجدر بالعمل.

وأنت إذا دققت النظر رأيت أن هذه الطبقة لا تقل قدرا عن سابقتيها، إذ لا يعقل أن يكون اشتغالهم بالاستدلال للأحكام لا ينتهي إلى ترجيح رأي على رأي، ومن هنا فالأولى أن تكون هذه الطبقات الثلاث متداخلة.

وممن عدوا في هذه الطبقات الثلاث كمجتهدي مذهب أو من أهل الترجيح أو المستدلين، من الحنفية: أبو منصور الماتريدي، وأبو الحسن الكرخي، والجصاص الرازي، وأبو زيد الدبوسي، وشمس الأئمة الحلواني، وشمس الأئمة السرخسي إلخ.

ومن المالكية: أبو سعيد البرادعي، واللخمي، والباجي، وابن رشد، والمازري، وابن الحاجب، والقرافي.

ومن الشافعية: أبو سعيد الإصطخري، والقفال الكبير الشاشي، وحجة الإسلام الغزالي.

ومن الحنابلة: أبو بكر الخلال، وأبو القاسم الخرقي، والقاضي أبو يعلى الكبير.

وبالرجوع إلى هؤلاء المذكورين نجد أن المؤرخين اختلفوا في تقديرهم وفي طبقاتهم ، ولكنهم مجمعون على أن هؤلاء لهم قدم صدق في تثبيت هذه المسائل ، ولهم الأثر البعيد في بقائها وتثبيت أركانها .(1)

1 الموسوعة الفقهية الكويتية، (١/٣٤-٣٧).

المبحث الثالث

سمات الفتوى في عصر الأئمة المجتهدين

كان للفتوى في هذا العصر سمات خاصة ميزتها عن غيرها من العصور، حيث استقرت مدارسها واتضحت مناهجها، ويمكن إجمال هذه السمات في النقاط التالية:

  1. كانت مصادر التشريع في هذا العهد أربعة:

القرآن، والسنة، والإجماع، والاجتهاد بالقياس أو بأي طريق من طرق الاستنباط. فكان المفتي إذا وجد نصا في القرآن أو السنة يدل على حكم ما استفتي فيه، وقف عند النص ولا يتعدى حكمه، وإذا لم يجد في الواقعة نصا ووجد سلفه من المجتهدين أجمعوا في هذه الواقعة على حكم، وقف عنده وأفتى به، وإذا لم يجد نصا على حكم الواقعة ولا إجماعا على حكم فيها، اجتهد واستنبط الحكم بالطرق التي أرشد إليها الشارع للاستنباط.(1)

والسنة مع كونها كانت من قبل مرجعا للتشريع، يرجع إليه أهل الفتوى حين لا يجدون نصا في القرآن، صارت في هذا الطور موضعا لرفض جماعة من الناس وعدم الأخذ بها، مقتصرين في طلبهم أحكام الله تعالى على القرآن وحده، مع تسليمهم –شاءوا أم أبو- بأن السنة بيان للقرآن؛ ولذلك لزمهم أكبر المحاذير، وأفضى بهم مذهبهم هذا إلى عظيم من الأمر، فقالوا في أداء الصلاة والزكاة: إن من يجيء بما يقع عليه اسم صلاة وأقل ما يقع عليه اسم زكاة فقد أدى ما عليه دينا، ولا ضرورة للوقت، ولو صلى المسلم ركعتين في كل يوم أو في كل مجموعة أيام لكان قد قام بأمر الله.

وهو –كما ترى- كلام لا يقول به إلا مَفتون، ولا يقبله إلا مغبون في عقله ودينه، فإن السنة بالإضافة إلى القرآن، كاللوائح التنفيذية بالإضافة إلى القوانين العامة.

وقد ناقش هذا الرأي وأبطله الإمام الشافعي رضي الله عنه مناقشة الفاقه البصير القادر على الحجاج والإفحام.(2)

ولا زالت لأفكار هؤلاء صدى يسمع من حين لآخر.

  1. عناية الحكام بالفقه والفقهاء والمفتين، وتظهر هذه العناية بتقريبهم الفقهاء، والرجوع إلى فتاويهم.
  2. ثراء الفتاوى وتنوعها بسبب اتساع البلاد الإسلامية، فقد كانت تمتد من أسبانيا إلى الصين، وفي هذه البلاد الواسعة عادات وتقاليد مختلفة تجب مراعاتها ما دامت لا تخالف نصوص الشريعة، فاختلفت الاجتهادات بناء على اختلاف العادات والتقاليد.
  3. ظهور المجتهدين الكبار ذوي الملكات الفقهية الراسخة، فعملوا على تنمية الفقه، وسد حاجات الدولة من التنظيمات والقوانين، وأنشأوا المدارس التي ضمت نوابغ الفقهاء.

فتكونت الملكة التشريعية لكثير من أفذاذهم أمثال: أبي حنيفة وأصحابه، ومالك وأصحابه، والشافعي وأصحابه، وأحمد وأصحابه، وغيرهم من معاصريهم من الأئمة والمجتهدين، واقتدوا بهذه الملكات على تنمية الفقه الإسلامي وسد الحاجة التشريعية للدولة. فالبيئة الإسلامية في ذلك العهد أنضجت عقول ذوي المذاهب من رجالها؛ لأن العقول الراجحة كالبذر الصالح إذا وجد التربة الطيبة والجو الملائم آتى ثمراته، ولا خير في صلاح البذر إذا خبثت التربة وفسد الجو، كما أنه لا خير في طيب التربة، وحسن الجو إذا فسد البذر.(3)

  1. تدوين السنة، فقد دونت السنة، وعرف صحيحها وضعيفها، فكان في ذلك تسهيل لعمل الفقهاء، وتوفير الجهد عليهم، فقد وجدوا السنة بين أيديهم يصلون إليها دون كبير عناء، والسنة هي مادة الفقه ومصدره الثاني، وقد تنبه رواتها إلى أهمية تدوينها زيادة في التثبت والتوثيق حتى يقطعوا الطريق على الطاعنين فيها، فقاموا بتصنيفها بضم الأحاديث التي هي من نوع واحد، بعضها إلى بعض؛ كأحاديث الصلاة، وأحاديث الصيام، وما إلى ذلك، وقد برزت هذه الفكرة في جميع الأمصار الإسلامية في أوقات متقاربة؛ حتى لا يعرف الناس من له فضيلة السبق إلى ذلك.

ومن أهل الطبقة الأولى في هذا الطور: الإمام مالك بن أنس في المدينة، وسفيان الثوري أمير المؤمنين في الحديث بالكوفة، وحماد بن سلمة، وغيرهم، وكان الحديث في هذه المدونات ممتزجا بأقوال وفتاوى الصحابة والتابعين، على نحو ما ترى في موطأ الإمام مالك.

وقد جاء بعد هؤلاء من أهل العلم من رأى إفراد حديث رسول الله  عن غيره؛ فألفوا ما يعرف بالمسانيد، كمسند عبد الله بن موسى الكوفي، وأسد بن موسى المصري، والإمام الجليل أحمد بن حنبل، فقد أثبت هؤلاء الأحاديث مسندة إلى رواتها، فيذكرون مسند أبي بكر الصديق مثبتين فيه كل ما روى عنه، ثم يذكرون بعده أصحاب النبي واحدا بعد واحد على هذا النسق.

ثم جاء بعد هذه الطبقة طبقة رأت ثروة عظيمة من هذه الأحاديث؛ فآثرت الاختيار، وفي طلعة هذه الطبقة الإمامان الجليلان: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري المتوفى بعد منتصف القرن الثالث، ومسلم بن الحجاج النيسابوري المتوفي بعده بقليل، فقد صنفا صحيحيهما بعد التحري الدقيق، فكان إليهما المنتهى في ذلك، وحذا حذوهما: أبو داود السجستياني، وأبو عيسى الترمذي وباقي أصحاب السنن.(4)

  1. دونت أيضًا الفتاوى، واتضحت مناهجها، وامتازت عن الفقه.

وفي هذا العهد – أيضًا – ظهر الفقه الافتراضيّ ( التّقديريّ ) وقد عظم هذا اللّون من الفقه في مدرسة العراق من قبل ظهور أبي حنيفة رضي اللّه عنه وتلاميذه ، وإن كان قد تزايد الاشتغال بهذا الفنّ في عهدهم وعهد تلاميذهم .

وكان الفقهاء – أمام هذا اللّون من الفقه – على ضربين : كارهون له لأنّ الاشتغال به غير مجدٍ ، وقد يجرّ إلى الجدل المفضي إلى النّزاع . وآخرون يؤيّدونه ويقولون : إنّما نعدّ لكلّ حادثةٍ حكمها حتّى إذا وقعت لا نتحيّر في معرفة هذا الحكم . ولكلّ رأيٍ وجهته ووجاهته . ولسنا بصدد المقارنة بين الرّأيين ، وإن كنّا نرى أنّ الإسراف في هذا اللّون من الفقه بافتراض مسائل مستحيلة الوقوع عادةً اشتغال بما لا يجدي وعبث ، واللّه لا يحبّ العابثين . وأمّا افتراض مسائل ممكنة الوقوع ولكن لم تقع فلا بأس به ، فقد رأينا في كتب الفقه مسائل منثورةً كان المتقدّمون يرونها مستحيلةً الوقوع قد وقعت بالفعل ، كانقلاب الجنس من الذّكورة إلى الأنوثة وبالعكس ، وكمسائل التّلقيح الصّناعيّ ، إلى غير ذلك من نقل الأعضاء من الموتى إلى الأحياء ، أو من الأحياء بعضهم لبعضٍ ، فإنّ الفقه الافتراضيّ في مثل هذه المسائل فتح لنا بابًا كان يصعب علينا أن نلجه . وقد مهّد الفقهاء القدامى رضي اللّه عنهم لنا طريقًا مستقيمًا .(5)

1 علم أصول الفقه وخلاصة تاريخ التشريع (ص٢٤٦).

2 معالم الشريعة، (ص٢٢١).

3 علم أصول الفقه وخلاصة تاريخ التشريع (ص٢٤٤).

4 راجع معالم الشريعة(ص٢١٩) وما بعدها.

5 الموسوعة الفقهية الكويتية، (١/٣٤).

اترك تعليقاً