البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

الباب الرابع مراجع الفتوى

الفصل الأول المراجع الفقهية وطرق تقسيمها وتبويبها

100 views

تمهيد وتقسيم:

إن التصور العام لموضوعات الفقه الإسلامي على العموم، وللمذاهب المعتمدة على الخصوص؛ يعين المفتين والباحثين في هذا المجال على سرعة الوقوف على مظان الفروع الفقهية في الكتب والأبواب المختلفة، ويضبط لهم الأفكار والأفهام ويرتبها ليستعينوا بها على الفتيا والتعليم، ويُوقِف الدارس المختص بمذهب معين على الترتيب عند المذاهب الأخرى فيسهل له البحث والمراجعة فيها في حال إرادته المقارنة بين مذهبه والمذاهب الأخرى؛ فيتنبه إلى مواطنها بسهولة ويسر، وتفيد أيضا غير المتخصصين في حال إرادتهم التثقيف الفقهي فترسم له خارطة ذهنية لماهية الفقه الإسلامي فلا يخبط فيه خبط عشواء، وتساعد أيضًا في اعتماد تشجير فقهي مناسب للمؤسسات المعنية.

ويمكن أن نتناول الحديث عن المراجع الفقهية وطرق تقسيمها وتبويبها في مبحثين:

  • المبحث الأول: تقسيم الموضوعات الفقهية وتبويبها عند المذاهب الأربعة.
  • المبحث الثاني: تقسيم الموضوعات الفقهية عند الفقهاء المعاصرين.

المبحث الأول

تقسيم الموضوعات الفقهية وتبويبها عند المذاهب الأربعة

يتناول هذا المبحث التبويب الفقهي عند المذاهب الأربعة المعتمدة، وسنبين فيه الأطر العامة التي تشمل المذاهب الأربعة على العموم، ثم بعد ذلك نبين خصائص التبويب في كل مذهب على حدة، ونقدم قبل ذلك نبذة مختصرة عن نشأة التدوين الفقهي وتاريخه حتى عصر الأئمة الأربعة المتبوعين؛ فعلى ذلك سينتظم كلامنا في هذا المبحث في النقاط الست التالية:

  • أولا: التدوين الفقهي حتى عصر الأئمة الأربعة.
  • ثانيا: الأطر العامة للتبويب الفقهي عند المذاهب الأربعة.
  • ثالثا: التبويب الفقهي عند الحنفية.
  • رابعا: التبويب الفقهي عند المالكية.
  • خامسا: التبويب الفقهي عند الشافعية.
  • سادسا: التبويب الفقهي عند الحنابلة.

أولا: التدوين الفقهي.

تدوين الفقه في عهد الرسالة:

تدوين الفقه الإسلامي كباقي العلوم الإسلامية قد مر بمراحل عدة؛ فلم يكن في عصر الرسالة فقها بالمعنى الاصطلاحي، ولم تكن هناك حاجة إلى تدوينه؛ لأنه ما دام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيا فالتشريع يكون على رجاء النزول، فكان الأهم وقتيا هو الحفظ والدراسة والتعليم؛ حتى إذا ما كمل التشريع وتم، ظهرت الحاجة إلى تدوينه مع ظهور النوازل والوقائع الجديدة، فلم يهتم الصحابة في هذا العصر سوى بتدوين الوحي الشريف.

تدوين الفقه في عهد الخلفاء الراشدين:

وفي عهد الخلفاء الراشدين بدأت تتسع دائرة الفقه شيئا فشيئا وظهرت اجتهادات الصحابة -رضوان الله عليهم- لهذه الوقائع، ولكنهم لم يدونوها أيضا لكي يرجع إليها من بعدهم، بل جعلوا كل اهتمامهم لتدوين القرآن الكريم وكتابته؛ خشيةً عليه من ذهاب حفظته، أو الاختلاف فيه، فكان هذا هو الأهم وهو ما بذل فيه الخلفاء الراشدون جهدهم فدونوا القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- ثم جمعوه على لغة واحدة في عهد عثمان بن عفان –رضي الله عنه- وتم نسخه، ثم أرسلت هذه النسخ إلى الأمصار، وأيضا لم يهتموا بتدوين السنة بصورة جماعية كالقرآن الكريم، ولكن أراد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن يكتب السنن فاستشار أصحاب رسول الله  فأشار عليه عامتهم بذلك، فاستخار الله تعالى شهرا ثم عزم على عدم كتابته خشية منه على القرآن فقال: “ذكرت قوما كتبوا كتبا فأقبلوا عليها وتركوا كتاب الله تعالى وإني والله لا ألبس كتاب الله بشيء” ولا ضير في ذلك فالقرآن هو المصدر الأول للتشريع، وما دامت السنة لم تدون في هذا الوقت فمن الأحرى ألا يدون الفقه، إلا الفرائض فقد دونت في هذا العصر، فقد أخرج البيهقي في السنن الكبرى عن الزهري أنه قال: “لولا أن زيد بن ثابت كتب الفرائض لرأيت أنها ستذهب من الناس”(1).

ولكنهم تركوا فتاوى وأحكاما محفوظة في الصدور يتناقلها عنهم صغار الصحابة والتابعين، فقد كان لكل واحد منهم تلاميذ، يحفظون عنه ما يقوله، وما يفتي به، وما يقضي به، وهؤلاء بدورهم بلغوا ما علموا من السابقين إلى اللاحقين.

تدوين الفقه في عهد التابعين:

وفي عهد التابعين اتسعت رقعة البلاد الإسلامية اتسعا كبيرا، مع كثرة النزاعات السياسية وقيام أحزاب لها؛ فأدى ذلك إلى اتساع المسائل والوقائع والأقضية، وكثر في هذا العصر اختلاف الفقهاء في المسائل التي لم يجدوا فيها نصا في كتاب الله –تعالى- أو سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وقد كثرت هذه المسائل بالأخص في البلاد المفتوحة ذات الحضارات والثقافات الواسعة، كمصر والعراق والشام، وظهرت فيها عادات وأعراف متغيرة، وكان من الضروري أن يتصدى علماء وقضاة ومفتو الدولة الإسلامية في كل قطر لهذه المسائل ببيان أحكامها؛ فكان من الطبيعي أن يختلف الحكم في مسائل معينة في بلد معين عن الحكم في هذه المسائل في بلد آخر، ونظرا لانتشار الصحابة في البلدان المفتوحة نجد أيضا تصميم كل مصر على ما قضى به الصحابي الموجود بينهم لثقتهم به، وتتلمذهم عليه، وبذلك عرفوا منهجه وأسلوبه في استنباط الأحكام من مصادرها، يقول القاضي عياض:” فقهاء أصحاب رسول الله  الذين أخذوا عنه العلم وعلموا أسباب نزول الأوامر والنواهي ووظائف الشرائع ومخارج كلامه عليه السلام، وشاهدوا قرائن ذلك وثاقبوا في أكثرها النبي -عليه السلام- واستفسروه عنها مع ما كانوا عليه من سعة العلم، ومعرفة معاني الكلام، وتنوير القلوب وانشراح الصدور، فكانوا أعلم الأمة بلا مرية وأولاهم بالتقليد، لكنهم لم يتكلموا من النوازل إلا في اليسير مما وقع، ولا تفرعت عنهم المسائل، ولا تكلموا من الشرع إلا في قواعد ووقائع، وكان أكثر اشتغالهم بالعمل مما علموا، والذبّ عن حوزة الدين، وتوكيد شريعة المسلمين، ثم بينهم من الاختلاف في بعض ما تكلموا فيه ما يبقي المقلد في حيرة، ويحوجه إلى نظر وتوقف، وإنما جاء التفريع والتنتيج وبسط الكلام فيما يتوقع وقوعه بعدهم، فجاء التابعون فنظروا في اختلافهم، وبنوا على أصولهم، ثم جاء من بعدهم العلماء من أتباع التابعين، والوقائع قد كثرت والنوازل قد حدثت، والفتاوى في ذلك قد تشعبت؛ فجمعوا أقاويل الجميع، وحفظوا فقههم، وبحثوا عن اختلافهم واتفاقهم، وحذروا انتشار الأمر وخروج الخلاف عن الضبط؛ فاجتهدوا في جمع السنن وضبط الأصول، وسألوا فأجابوا، وبنوا القواعد، ومهدوا الأصول، وفرعوا عليها النوازل، ووضعوا في ذلك للناس التصانيف وبوبّوها، وعمل كل واحد منهم بحسب ما فتح عليه ووفق له، فانتهى إليهم علم الأصول والفروع، والاختلاف والاتفاق، وقاسوا على ما بلغهم ما يدل عليه أو يشبه، رضي الله عن جميعهم ووفاهم أجر اجتهادهم”(2)

وشهد هذا العصر تدوين السنة تدوينا رسميا على مستوى الدولة وبأمرها، على يد محمد بن مسلم بن شهاب الزهري وغيره بأمر من الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز، وكان من الطبيعي أن يدون التابعون المصدر الثاني للتشريع، بعد أن دون الصحابة المصدر الأول للتشريع، كما دونت أيضا آثار الصحابة وبعض التابعين، وكانت هذه هي البذرة الأولى لتدوين الفقه الإسلامي.

وأما الجمع مرتبًا على الأبواب فوقع في منتصف القرن الثاني، فأول من جمع مبوبا: ابن جريج بمكة، ومالك ومحمد بن إسحاق بالمدينة، وهشيم بواسط، ومعمر بن راشد باليمن، وعبد الله بن المبارك بخراسان، والربيع بن صَبيح وسعيد بن أبي عروبة وحماد بن سلمة بالبصرة، وسفيان الثوري بالكوفة، وجرير بن عبد الحميد بالري، قال الحافظ ابن حجر: “وكان هؤلاء في عصر واحد فلا يُدرى أيهم أسبق”.

ثم تلا المذكورين كثير من أهل عصرهم، وكانت كتب هؤلاء ممزوجًا فيها الأحاديث بأقوال الصحابة، وفتاوى التابعين إلى رأس المائتين، فرأي بعض الأئمة أن يفرد أحاديث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-خاصة، فصنف عبيد اللَّه بن موسى الكوفي مسندًا، وصنف مسدد البصري مسندًا وأسد بن موسى الأموي ونعيم بن حماد الخزاعي المصري ثم اقتفى الأئمة آثارهم، فقل إمام من الحفاظ إلا وصنف أحاديثه على المسانيد كأحمد بن حنبل وإسحاق بن رهويه، وابن أبي شيبة وغيرهم.

فكان الفقه في هذ العصر مختلطا بالسنة وما أثر عن الصحابة والتابعين، ثم دون الفقه بعد ذلك مجردا عن السنة والآثار كما فعل أبو يوسف في كتاب الخراج، وفعله محمد بن الحسن في كتبه الستة التي هي مسائل الأصول في مذهب أبي حنيفة، وكتب النوادر.

كما دون الفقه مجردا عن السنة أيضا في “المدونة” وهي مجموعة مسائل وضعها أسد بن الفرات وأجابه عنها ابن القاسم المصري بما روى عن الإمام مالك، وقد حصل سحنون على نسخة منها ورحل إلى مصر وعرضها على ابن القاسم فعدل عن بعض ما فيها وعدله، ولذلك هي التي اعتمدها أصحاب المذهب.

كما أملى الشافعي فقهه القديم في بغداد في كتاب الحجة ولم يصل إلينا، ولما دخل مصر وأسس بها مذهبه الجديد أملى كتبه الجديدة، ومنها الأم كما سيأتي تفصيله.

ثانيا: الأطر العامة للتبويب الفقهي عند المذاهب الأربعة.

في هذه النقطة نبين الخطوط العريضة والمشتركة عند مصنفي المذاهب الأربعة على سبيل الإجمال، ثم بعد ذلك نتطرق لكل مذهب على حدة بالتفصيل، وبيانها كالآتي:

أ- الغالب في كتب الأئمة أنفسهم أو تلامذتهم عدم التنسيق والترتيب اللائقين؛ لأنهم اشتغلوا بالأهم عن المهم، والأهم هو تدوين المذهب واستقراره ثم يأتي بعد ذلك التبويب والترتيب، ولأن الغالب عند المتقدمين الاستنباط والبسط في الأدلة، بخلاف المتأخرين فالعبرة بجزالة الألفاظ ودقتها وجمع المعاني الكثيرة في الألفاظ القليلة، قال ابن عابدين: “وأنت ترى كتب المتأخرين تفوق على كتب المتقدمين في الضبط والاختصار وجزالة الألفاظ وجمع المسائل، لأن المتقدمين كان مصرف أذهانهم إلى استنباط المسائل وتقويم الدلائل؛ فالعالم المتأخر يصرف ذهنه إلى تنقيح ما قالوه، وتبيين ما أجملوه، وتقييد ما أطلقوه، وجمع ما فرقوه، واختصار عباراتهم، وبيان ما استقر عليه الأمر من اختلافاتهم، فهو كماشطة عروس رباها أهلها حتى صلحت للزواج، تزينها وتعرضها على الأزواج، وعلى كل فالفضل للأوائل كما قال القائل:

كالبحر يسقيه السحاب وما لهفضل عليه لأنه من مائه

نعم فضل المتأخرين على أمثالنا من المتعلمين، رحم الله الجميع وشكر سعيهم”.(3)

وبالتالي فلا يشترط عند المتقدم وجود مناسبة بين الكتب والأبواب لأن المهم عنده هو تقييد العلم وإيضاحه على أي ترتيب كان، ولأن منهم من كان يعتمد على مجالس الإملاء.

ب- تستقر المذاهب على ترتيب وتنسيق مادة الفقه في حالة ظهور المتون والمختصرات المعتبرة في كل مذهب، مع كثرة شروحها وحواشيها، وهي سمة تدل على قناعة أهل المذهب بما وصلوا إليه من اجتهاد ولا مزيد من الاجتهاد إلا أن يكون اختيارا أو اختصارا أو شرحا أو تحشية.

ج- يقسم فقهاء المذاهب -بعد استقرارها-الفقه إما تقسيما ثنائيا، بتقسيم موضوعات الفقه إلى عبادات، ومعاملات فقط كما عند المالكية، أو ثلاثيا بتقسيمه إلى عبادات، ومعاملات وعقوبات كما عند الحنفية، أو رباعيا بتقسيمه إلى عبادات، ومعاملات، وأنكحة، وجنايات كما عند الشافعية والحنابلة.

د- قدم الأئمة كلهم العبادات على غيرها لما لها من شرف العلاقة بين العبد وربه، ولأن المقصود بها التحصيل الأخروي، وهي أهم ما خلق الإنسان له، قال تعالى:”﴿ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﴾ [الذاريات: ٥٦].

ثم رتبوا العبادات على ترتيب حديث ابن عمر المشهور “بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسَةٍ، شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَالْحَجِّ” ، وقد جاء في بعض الروايات تقديم الحج على الصوم. قال النووي: وهذا من باب الترتيب في الذكر دون الحكم(4)؛ لأن صوم رمضان وجب قبل الحج(5). والمعمول به هو رواية تقديم الصوم على الحج.

هـ- هناك موضوعات اختلفت المذاهب في تقسيمها وإلحاقها بين العبادات والمعاملات لترددها بينهما؛ فيغلِّب بعضهم جانب العبادة، ويغلب الآخر جانب المعاملة، وهي: الذكاة والذبائح والصيد والأضحية والعقيقة والأطعمة والأشربة والأيمان والنذور والجهاد.

و- اختلفت المذاهب في الموضوعات التي تلي العبادات مباشرة أهي المعاملات أم الأنكحة، بل حدث الاختلاف في المذهب الواحد كما عند الحنفية.

ز- يستنتج أصحاب كل مذهب -وخاصة في شروحاتهم-مناسبات خاصة تدل على أرجحية هذا الترتيب.

ح- تتأثر بعض المذاهب ببعض في الترتيب الفقهي، وهو واضح في اقتداء الحنابلة بترتيب الشافعية، وكذا تأثر بعض الحنفية بالشافعية، وكذا بعض المالكية بالشافعية، وسنبين ذلك في موضعه.

ثالثا: التبويب الفقهي عند الحنفية.

أول من اعتنى بالتصنيف الفقهي بعد الإمام أبي حنيفة هو أبو يوسف القاضي (ت ١٨٢ه) وكانت كتبه عبارة عن إفراد الأبواب بالتصنيف لكل كتاب من الكتب الفقهية، ككتاب للصلاة وآخر للزكاة إلى آخره، قال ابن النديم: “ولأبي يوسف من الكتب في الأصول والأمالي: كتاب الصلاة، كتاب الزكاة، كتاب الصيام، كتاب الفرائض، كتاب البيوع، كتاب الحدود، كتاب الوكالة كتاب الوصايا، كتاب الصيد والذبائح، كتاب الغصب والاستبراء، ولأبي يوسف إملاء رواه بشر بن الوليد القاضي يحتوي على ستة وثلاثين كتابا مما فرعه أبو يوسف: كتاب اختلاف الأمصار كتاب الرد على مالك بن أنس، كتاب رسالته في الخراج إلى الرشيد، كتاب الجوامع ألفه ليحيى بن خالد يحتوي على أربعين كتابا ذكر فيه اختلاف الناس والرأي المأخوذ به”.(6)

ولعل كتاب الجوامع هذا جمعت فيه هذه الكتب فسمي بالجوامع والله أعلم.

ثم تلاه محمد بن الحسن الشيباني (ت ١٨٩ه) وتفرغ للتصنيف قال السرخسي: “ومن فرغ نفسه لتصنيف ما فرعه أبو حنيفة –رحمه الله- محمد بن الحسن الشيباني”(7)

فصنف الكتب أيضا على الأبواب كل كتاب من الكتب الفقهية على حدة، ثم جمعت تلك الكتب تحت عنوان كتاب واحد وسمي بالمبسوط أو الأصل قال حاجي خليفة: “ألفه مفردا؛ فأولا ألَّف مسائل الصلاة، وسماه: (كتاب الصلاة) و (مسائل البيوع) وسماه: (كتاب البيوع) وهكذا: الإيمان، والإكراه، ثم جمعت فصارت مبسوطا، وهو المراد حيث ما وقع في الكتب: قال محمد في كتاب فلان (المبسوط) كذا”(8).

ويدل على ذلك أن ابن النديم لم يذكر هذا الكتاب باسمه بل ذكر عناوين كتب لكل باب مستقل فقال:” ولمحمد من الكتب في الأصول: كتاب الصلاة، كتاب الزكاة، كتاب المناسك، كتاب نوادر الصلاة، كتاب النكاح، كتاب الطلاق، كتاب العتاق وأمهات الأولاد، كتاب السلم والبيوع، كتاب المضاربة الكبير، كتاب المضاربة الصغير، كتاب الإجارات الكبير، كتاب الإجارات الصغير ،كتاب الصرف، كتاب الرهن، كتاب الشفعة، كتاب الحيض، كتاب المزارعة الكبير، كتاب المزارعة الصغير ،كتاب المفاوضة وهي الشركة، كتاب الوكالة، كتاب العارية، كتاب الوديعة، كتاب الحوالة، كتاب الكفالة، كتاب الإقرار، كتاب الدعوى والبينات، كتاب الحيل، كتاب المأذون الكبير، كتاب المأذون الصغير، كتاب القسمة، كتاب الديات، كتاب جنايات المدبر والمكاتب، كتاب الولاء، كتاب الشرب، كتاب السرقة وقطاع الطريق، كتاب الصيد والذبائح ،كتاب العتق في المرض، كتاب العين والدين، كتاب الرجوع عن الشهادات، كتاب الوقوف والصدقات، كتاب الغصب، كتاب الدور، كتاب الهبة والصدقات، كتاب الأيمان والنذور والكفارات، كتاب الوصايا، كتاب حساب الوصايا، كتاب الصلح والخنثي والمفقود، كتاب اجتهاد الرأي، كتاب الإكراه، كتاب الاستحسان، كتاب اللقيط، كتاب اللقطة، كتاب الآبق”(9).

ولم يشر أنها جمعت في كتاب مع أنه ذكر بعد ذلك كتاب الجامع الصغير، وكتاب الجامع الكبير.

لكننا لا ندري هل كان الجامع لهذه الكتب تحت عنوان واحد هو محمد بن الحسن نفسه، أو أن تلاميذه الراوين لكتبه هم الذين قاموا بذلك الجمع؟

ويرجح محقق طبعة دار ابن حزم أن الرواة هم الذين قاموا بهذا الأمر؛ لأن ابن النديم لم يذكر أحد هذين الاسمين، الأصل أو المبسوط، بل يذكر كل كتاب من كتب الفقه على حدة، كما لا يذكر الحاكم الشهيد ذلك أيضاً، بل يقول في مقدمة الكافي: “قد أودعت كتابي هذا معاني محمد بن الحسن -رحمه الله تعالى-في كتبه المبسوطة”.

ولكن قال السرخسي عن محمد بن الحسن: “إنه جمع المبسوط لترغيب المتعلمين والتيسير عليهم ببسط الألفاظ وتكرار المسائل في الكتب ليحفظوها شاءوا أو أبوا”(10).

وظاهرها يدل على أن محمد بن الحسن نفسه هو من جمعه تحت هذا العنوان، والله أعلم.

وأما الجامع الصغير فلم يرتب أيضا بل رتبه الحسن بن أحمد الزعفراني، يقول حاجي خليفة: “قال الشيخ، الإمام: الحسن بن منصور الأوزجندي الفرغاني الحنفي المشهور بقاضيخان في شرحه للجامع الصغير: واختلفوا في مصنفه، قال بعضهم: هو من تأليف أبي يوسف ومحمد، وقال بعضهم: هو من تأليف محمد، فإنه حين فرغ من تصنيف المبسوط، أمره أبو يوسف أن يصنف كتاباً ويروي عنه، فصنف ولم يرتب مسائله، وإنما رتبه أبو عبد الله: الحسن بن أحمد الزعفراني، الفقيه، الحنفي”(11) .

وفي مقدمة شرح الجامع الصغير بعد الثناء والحمد: فإن محمد بن الحسن (رحمه الله) وضع كتابا في الفقه وسماه الجامع الصغير قد جمع فيه أربعين كتابا من كتب الفقه ولم يبوب الأبواب لكل كتاب منها كما بوب كتب المبسوط، ثم إن القاضي الإمام أبا طاهر الدباس بوبه ورتبه ليسهل على المتعلمين حفظه ودراسته ثم إن الفقيه أحمد بن عبد الله بن محمود تلميذه كتبه عنه ببغداد في داره وقرأه عليه في شهور سنة اثنين وعشرين وثلاث مائة والله أعلم. أهـ

قال اللكنوي في شرحه: “قوله ولم يبوب الأبواب إلخ أي جمع مسائل متفرقة في كتاب مثلا مسائل الصلاة في كتاب الصلاة ومسائل الصوم في كتاب الصوم ولم يفصل الأبواب تحت كل كتاب”(12).

وأما الجامع الكبير قال حاجي خليفة: “قال الشيخ أكمل الدين: هو كاسمه لجلائل مسائل الفقه جامع كبير، قد اشتمل على عيون الروايات، ومتون الدرايات، بحيث كاد أن يكون معجزاً، ولتمام لطائف الفقه منجزاً، شهد بذلك بعد إنفاد العمر فيه، داروه ولا يكاد يلم بشيء من ذلك عاروه، ولذلك امتدت أعناق ذوي التحقيق نحو تحقيقه، واشتدت رغباتهم في الاعتناء بحلى لفظه وتطبيقه، وكتبوا له شروحاً، وجعلوه مبيناً مشروحاً”(13).

ثم أصبحت كتب محمد بن الحسن الستة: (المبسوط والزيادات والجامع الصغير والسير الصغير والجامع الكبير) ظاهر الرواية؛ وإنما سميت بظاهر الرواية؛ لأنها رويت عن محمد بروايات الثقات، فهي ثابتة عنه إما متواترة أو مشهورة عنه.

وأصبحت كتبه الأخرى تسمى كتب النوادر، كالكيسانيات، والهارونيات، والجرجانيات، والرقيات، وإنما قيل لها غير ظاهر الرواية؛ لأنها لم ترو عن محمد بروايات ظاهرة ثابتة صحيحة كالكتب الأولى، أو في غير كتب محمد بن الحسن كالمحرر للحسن بن زياد وغيره، ومنها كتب الأمالي المروية عن أبي يوسف.

ثم جمع كتب ظاهر الرواية الحاكم الشهيد (ت ٣٣٤ هـ) في كتاب الكافي، قال السرخسي: “رأى الحاكم الشهيد أبو الفضل محمد بن أحمد المروزي-رحمه الله-إعراضا من بعض المتعلمين عن قراءة المبسوط لبسط في الألفاظ وتكرار في المسائل؛ فرأى الصواب في تأليف المختصر بذكر معاني كتب محمد بن الحسن –رحمه الله-المبسوطة فيه، وحذف المكرر من مسائله؛ ترغيبا للمقتبسين، ونعم ما صنع”(14). وهو كتاب معتمد في نقل المذهب، شرحه جماعة من المشايخ، منهم الإمام شمس الأئمة السرخسي وهو المشهور بالمبسوط.

وتبويب هذه الكتب الأربعة كما هو مبين في الجدول:

المبسوط “الأصل”الجامع الكبيرالجامع الصغيرالكافي للحاكم الشهيد
الصلاةالصلاةالصلاةالصلاة
الحيضالزكاةالزكاةالزكاة
الزكاةالأيمانالصومالصوم
(كتاب المناسك مفقود)النكاحالحجالحيض والنفاس
الصومالدعوىالنكاحالمناسك
نوادر الصومالإقرارالطلاق وفيه الخلعالنكاح
التحريالشهاداتالظهار وفيه الرجعة والعدةالطلاق وفيه الظهار واللعان
الاستحسانالطلاقالعتاق وفيه الولاءالعتق
الأيمانالمناسكالأيمانالمكاتب
البيوع والسلمالقضاءالحدودالولاء
الصرفالضمانالسرقةالأيمان
الرهنالبيوعالسيرالحدود
القسمةالرهنالبيوع وفيه السلم والشفعةالسرقة
الهبةالشركةالكفالةالسير
الإجاراتالوصاياالحوالةالاستحسان
الشركةالمكاتبالضمانالتحري
المضاربةالشفعةالقضاءاللقيط
الرضاعالوكالةالوكالةاللقيطة
الطلاقالحوالة والكفالةالدعوىالإباق
العتاقالصلحالإقرارالمفقود
المكاتب (الصغير)الإجارةالصلحالغصب
اللقيطالمضاربةالمضاربةالوديعة
العتق في المرضالجناياتالوديعةالعارية
الصيد والذبائحالعاريةالشركة
الوصاياالهبةالصيد
الوصايا في الدين والعينالإجاراتالذبائح
الفرائضالمكاتبالصيد
المكاتب (الكبير)المأذونالوقف
الولاءالغصبالهبة
الجناياتالمزارعة وفيه الكراهةالبيوع
الدياتالأشربةالصرف
الدورالصيدالشفعة
الحدودالرهنالقسمة
السرقة وقطع الطريقالجناياتالإجارات
الإكراهالوصاياأدب القاضي
السير في أرض العربمسائل متفرقةالشهادات
الخراجالرجوع عن الشهادة
العشرالدعوى
الدعوى والبيناتالإقرار
الشرابالوكالة
الإقرارالكفالة
الوديعةالصلح
العاريةالرهن
الحجرالمضاربة
العبد المأذون له في التجارةالمزارعة
الشفعةالشرب
الخنثىالأشربة
فرائض الخنثىالإكراه
المفقودالحجر
جُعل الآبقالمأذون الكبير
العقلالديات
الحيلالجنايات
اللقطةالمعاقل
المزارعةالوصايا
النكاحالعين والدين
الحوالة والكفالةالعتق في المرض
الصلحالدور
الوكالةالفرائض
الشهاداتفرائض الخنثى
الرجوع عن الشهاداتالخنثى
الوقفحساب الوصايا
الصدقة الموقوفةاختلاف أبي حنيفة وأبي ليلى
الغصبالشروط
الحيل

فأنت ترى أن ترتيب “الأصل” مشوش فكتاب الحيض بعد الصلاة، وأخّر النكاح وجعله بعد المزارعة مع أنه قدم قبله الرضاع والطلاق وجعله في وسط البيوع وكذا قطع البيوع بمباحث الجنايات والحدود ثم استأنف مباحث المعاملات، وكذا الكافي لأنه تبع الأصل، والجامع الكبير اضطرب الترتيب فيه أكثر كما هو واضح في الجدول، وذلك بخلاف الجامع الصغير لأنه قد خضع للترتيب.

ثم من أتى بعد هؤلاء صرف العناية إلى التنسيق والترتيب، فصنف الطحاوي (ت ٣٢١ هـ) مختصرا ثم اختصره ورتبه على ترتيب مختصر المزني الشافعي، وهو خال الطحاوي، ثم صنف القدوري (ت ٤٢٨ه) مختصره، وهو قريب من ترتيب الطحاوي، ثم صنف السمرقندي (ت ٥٤٠ هـ) تحفة الفقهاء جعله تتميما للقدوري واعتنى بالتقسيم والتفصيل، قال حاجي خليفة: “ورتب أحسن ترتيب”(15) وانتفع به الكاساني (ت٥٨٧ ه) في بدائع الصنائع، وزاد في الترتيب والتقسيم يقول في مقدمته: “وقد كثر تصانيف مشايخنا في هذا الفن قديما، وحديثا، وكلهم أفادوا، وأجادوا غير أنهم لم يصرفوا العناية إلى الترتيب في ذلك سوى أستاذي وارث السنة، ومورثها الشيخ الإمام الزاهد علاء الدين رئيس أهل السنة محمد بن أحمد بن أبي أحمد السمرقندي – رحمه الله تعالى – فاقتديت به فاهتديت إذ الغرض الأصلي، والمقصود الكلي من التصنيف في كل فن من فنون العلم هو تيسير سبيل الوصول إلى المطلوب على الطالبين، وتقريبه إلى أفهام المقتبسين، ولا يلتئم هذا المراد إلا بترتيب تقتضيه الصناعة، وتوجبه الحكمة، وهو التصفح عن أقسام المسائل، وفصولها، وتخريجها على قواعدها، وأصولها ليكون أسرع فهما، وأسهل ضبطا، وأيسر حفظا فتكثر الفائدة، وتتوفر العائدة فصرفت العناية إلى ذلك”(16).

واشتهر أنه شرح للتحفة حتى قالوا: شرح تحفته وزوجه ابنته؛ لأنه لما أتمه: عرضه على السمرقندي، فاستحسنه، وزوجه ابنته: فاطمة وكانت فقيهة كأبيها، وصنف المرغيناني (ت ٥٩٣ه) بداية المبتدي جمع فيه بين القدوري والجامع الصغير ورتبه كترتيب الجامع، ثم شرع في شرحه شرحا مطولا ثم خشي أن يهجر لطوله، فشرحه شرحا متوسطا وهو المعروف بالهداية؛ فاعتنى بها الفقهاء شرحا وتحشية، ثم صنف أبو الفضل عبدالله الموصلي (ت ٦٨٣ه) المختار للفتوى، ثم شرحه في الاختيار، وصنف ابن الساعاتي (ت ٦٩٤ه) مجمع البحرين جمع فيه: (مسائل القدوري) و (منظومة الخلاف للنسفي) مع زيادات ورتبه، قال حاجي خليفة: “فأحسن ترتيبه، وأبدع في اختصاره”( )، مع أن ترتيبه هو ترتيب القدوري، وصنف النسفي (ت ٧١٠ه) الوافي ثم لخصه في كنز الدقائق وتبع ترتيب الهداية، ولكنه زاد كتاب الفرائض ثم اعتمد هذا الترتيب أيضا إبراهيم الحلبي (ت ٩٥٦ه) في ملتقى الأبحر الذي جعله مشتملا على مسائل (القدوري) و(المختار) و(الكنز) و(الوقاية في مسائل الهداية) بعبارة سهلة وأضاف إليه: بعض ما يحتاج إليه من مسائل: (مجمع البحرين) ونبذة من: (الهداية) وقدم من أقاويلهم ما هو الأرجح وأخر غيره، واجتهد في التنبيه على الأصح والأقوى، وفي عدم ترك شيء من مسائل الكتب الأربعة، ثم صنف التمرتاشي (ت ١٠٠٤ه) تنوير الأبصار وجامع البحار جمع فيه: مسائل المتون المعتمدة، عوناً لمن ابتلي بالقضاء والفتوى، وهو على ترتيب الكنز أيضا، وقد شرحه الحصفكي (ت ١٠٨٨ ه) في الدر المختار، وحشى عليه خاتمة المتأخرين ابن عابدين (ت ١٣٠٦ه) المشهورة برد المحتار.

وهذا جدول بتبويب أهم المتون المذكورة التي عليها المعوَّل عند الحنفية

مختصر الطحاويمختصر القدوريتحفة الفقهاءبدائع الصنائعالهدايةالمختار للفتوىالكنز وملتقى الأبحر وتنوير الأبصار
الطهارةالطهارةالطهارةالطهارةالطهاراتالطهارةالطهارة
الصلاةالصلاةالصلاةالصلاةالصلاةالصلاةالصلاة
الزكاةالزكاةالجنائزالزكاةالزكاةالزكاةالزكاة
الصيامالصومالزكاةالصومالصيامالصومالصوم
الحجالحجالصومالاعتكافالحجالحجالحج
البيوعالبيوعالمناسكالحجالنكاحالبيوعالنكاح
الاستبراءالرهنالبيوعالنكاحالرضاعالشفعةالرضاع
الرهنالحجرالنكاحالأيمانالطلاقالإجارةالطلاق
المدايناتالإقرارالطلاقالطلاقالعتاقالرهنالإعتاق
الحجر الصلحالإجارةالعتاقالظهارالأيمانالقسمةالأيمان
الكفالة والحوالة والضمانالشفعةالأيماناللعانالحدودأدب القاضيالحدود
الشركةالشركةالإجارةالرضاعالسرقةالحجرالسرقة
الوكالةالمضاربةالشركةالنفقةالسيرالمأذونالسير
الإقراراتالوكالةالمضاربةالحضانةاللقيطالإكراهاللقيط
العاريةالكفالةالصرفالإعتاقاللقطةالدعوىاللقطة
الغصبالحوالةالرهنالتدبيرالإباقالإقرارالآبق
الشفعةالصلحالشفعةالاستيلادالمفقودالشهاداتالمفقود
المضاربةالهبةالذبائحالمكاتبالشركةالوكالةالشركة
المساقاةالوقفالصيدالولاءالوقفالكفالةالوقف
الإجاراتالغصبالأضحيةالإجارةالبيوعالحوالةالبيوع
المزارعةالوديعةالغصبالاستصناعالصرفالصلحالصرف
أحكام الأرضين المواتالعاريةالدياتالشفعةالكفالةالشركةالكفالة
العطايا والوقوفاللقيطالحدودالذبائح والصيودالحوالةالمضاربةالحوالة
اللقطة والآبقالخنثىالسرقةالاصطيادأدب القاضيالوديعةالقضاء
اللقيطالمفقودالهبةالتضحيةالشهاداتاللقيطالشهادة
الفرائضالآبقالوديعةالنذرالوكالةاللقطةالوكالة
الوصاياإحياء المواتالعاريةالكفاراتالدعوىالآبقالدعوى
الوديعة قسمة الغنائمالمأذونالدعوى والبيناتالأشربةالإقرارالمفقودالإقرار
النكاحالمزارعةالإقرارالاستحسانالصلحالخنثىالصلح
الطلاقالنكاحالوصاياالبيوعالمضاربةالوقفالمضاربة
القصاص والديات والجراحاتالرضاعالوكالةالكفالةالوديعةالهبةالوديعة
قتال أهل البغيالطلاقالكفالةالحوالةالعاريةالعاريةالعارية
المرتدالإيلاءالحوالةالوكالةالهبةالغصبالهبة
الحدودالظهارالصلحالصلحالإجاراتإحياء المواتالإجارة
السرقةالنفقاتالمزارعةالشركةالمكاتبالشربالمكاتب
الأشربةالعتاقالإكراهالمضاربةالولاءالمزارعةالولاء
السير والجهادالمكاتبالقسمةالهبةالإكراهالمساقاةالإكراه
الصيد والذبائحالولاءالمأذونالمزارعةالحجرالنكاحالحجر
الضحاياالجناياتالسيرالمعاملةالمأذونالرضاعالمأذون
السبقالدياتالشربالشربالغصبالطلاقالغصب
الكفارات والنذور والأيمانالحدودالأشربةالأراضيالشفعةالعتقالشفعة
أدب القاضيالسرقةالحظر والإباحةالمفقودالقسمةالمكاتبالقسمة
الدعوى والبيناتالأشربةالاستحساناللقيطالمزارعةالولاءالمزارعة
العتاقالصيد والذبائحالسبقاللقطةالمساقاةالأيمانالمساقاة
المكاتبةالأضحيةالمفقودالإباقالذبائحالحدودالذبائح
الولاءالأيماناللقيط واللقطةالسباقالأضحيةالأشربةالأضحية
المفقودالدعوىالخنثىالوديعةالكراهيةالسرقةالكراهية
الإكراهالشهاداتالشهاداتالعاريةإحياء المواتالسيرإحياء الموات
القسمةأدب القاضيالرجوع عن الشهاداتالوقف والصدقةالأشربةالكراهيةالأشربة
المأذونالقسمةأدب القاضيالدعوىالصيدالصيدالصيد
الكراهةالإكراهالوقف والصدقةالشهادةالرهنالذبائحالرهن
السيرآداب القاضيالجناياتالأضحيةالجنايات
البغاةالقسمةالدياتالجناياتالديات
الحظر والإباحةالحدودالمعاقلالدياتالمعاقل
الوصاياقطاع الطريقالوصاياالوصاياالوصايا
الفرائضالسيرالخنثىالفرائضالخنثى
الغصبالفرائض
الحجر
الإكراه
المأذون
الإقرار
الجنايات
الخنثى
الوصايا
القرض

فأنت ترى أن (القدوري والمختار) بعد العبادات المعاملات ثم الأنكحة ثم الجنايات وتبعوا في ذلك الطحاوي الذي تبع المزني الشافعي، بخلاف الباقين ما عدا التحفة فإنهم جعلوا الأنكحة تلي العبادات مباشرة ثم المعاملات ثم الجنايات وهو ما استقر عليه المذهب بعد ذلك، أما التحفة فهي كما ترى مترددة بين الطريقتين، فإنه جعل البيوع من المعاملات بعد العبادات ثم جعل بعده النكاح والطلاق ثم أكمل باقي المعاملات، ولم يتبعه الكاساني على ذلك.

رابعا: التبويب الفقهي عند المالكية.

أول من صنف في المذهب الإمام مالك نفسه فألف الموطأ ليكون كتاب حديث وفقه، ولذلك قدمه المالكية على سائر الكتب ففي فتح العلي المالك عن شيخ المغرب أبي محمد صالح: “إنما يفتي بقول مالك في الموطأ، فإن لم يجده في النازلة فبقوله في المدونة، فإن لم يجد فبقول ابن القاسم فيها، وإلا فبقوله في غيرها وإلا فبقول الغير في المدونة وإلا فأقاويل أهل المذهب”(17).

وقد رتبه الإمام مالك ترتيبا فقهيا ولكن اختلفت النسخ في تقديم وتأخير بعض الأبواب، وأكثر ما يوجد فيها ترتيب الباجي وهو أن يعقب الصلاة بالجنائز، ثم الزكاة، ثم، الصيام ثم اتفقت النسخ، إلى آخر الحج ثم اختلفت بعد ذلك.

ثم بعد الموطأ تأتي المدونة يقول ابن رشد الجد: “فحصلت –أي المدونة-أصل علم المالكيين، وهي مقدمة على غيرها من الدواوين بعد موطأ مالك -رحمه الله -. ويروى أنه ما بعد كتاب الله كتاب أصح من موطأ مالك -رحمه الله -، ولا بعد الموطأ ديوان في الفقه أفيد من المدونة. والمدونة هي عند أهل الفقه ككتاب سيبويه عند أهل النحو، وككتاب إقليدس عند أهل الحساب، وموضعها من الفقه موضع أم القرآن من الصلاة، تجزئ من غيرها ولا يجزئ غيرها منها”(18).

وأصلها لأسد بن الفرات كما ذكرنا من قبل، ثم أخذها سحنون (ت ٢١٤ه) وكان قد تفقه قبلها على مذهب الإمام مالك، فنظر فيها ثم رحل إلى عبد الرحمن بن قاسم (ت ١٩١ه) الذي تتلمذ على الإمام مالك أكثر من عشرين سنة فحررها مع ابن قاسم وناقشه فيها مناقشة فقيه يفهم، فهذبها مع سحنون.

ثم نظر سحنون فيها نظراً آخر فبوبها وذيّل أبوابها بالحديث والآثار، إلا كتباً منها مفرقة، بقيت على أصل اختلاطها في السماع، فسميت لذلك بالمختلطة، يقول القاضي عياض: “فهذه هي كتب سحنون المدونة والمختلطة، وهي أصل المذهب المرجح روايتها على غيرها، عند المغاربة، وإياها اختصر مختصروهم وشرح شارحوهم، وبها مناظرتهم ومذاكرتهم”(19)، ثم رتب المختلطة أبو المشترَى -بفتح الراء- سليمان بن عبد الملك بن المبارك قال القاضي عياض: “وهو الذي بوّب الكتب المختلطة الباقية على سحنون من المدونة”(20)

وكذلك دون عبد الملك بن حبيب (ت ٢٣٨ه) كتاب “الواضحة” وجمعه من روايات ابن قاسم وأصحابه، وانتشرت في الأندلس، واعتمدوها، وكذلك ألف تلميذ بن حبيب محمد بن أحمد العتبي (ت ٢٥٤ه) كتاب المستخرجة من الأسمعة المعروف “بالعتبية” نسبة لمصنفها جمعه من سماع ابن قاسم وأشهب وابن نافع عن مالك، وما سمعه من يحي بن يحيى وأصبغ وغيرهم عن ابن قاسم، ثم ألف محمد بن إبراهيم بن زياد المعروف بـابن المواز (ت ٢٦٩ه) كتاب “الموازية” نسبة لمصنفها، قال أبو العباس الهلالي في شرح خطبة مختصر خليل: “من أجل ما ألفه المالكية وأصحه مسائل وأبسطه كلاما وأوعبه، وقد رجحه القابسي على سائر الأمهات، قال لأن صاحبه قصد إلى بناء فروع أصحاب المذهب على أصولهم، وغيره إنما قصد جمع الروايات، ونقل نصوص السماعات”(21).

وهذه الكتب الأربعة ( المدونة، الواضحة، العتبية، الموازية) يطلق عليها “الأمهات” فقام ابن أبي زيد القيرواني (ت ٣٨٦ه) بجمع ما في الأمهات في كتابه المسمى بـ”النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات” فجاء جامعا للأصول والفروع، كما صنف أيضا الرسالة، واختصر المدونة، وهذبها أيضا معاصره أبو سعيد البراذعي (ت ٣٧٢ه) قال القاضي عياض: “وقد ظهرت بركة هذا الكتاب على طلبة الفقه، وتيمنوا بدرسه وحفظه، وعليه معول أكثرهم بالمغرب والأندلس”(22).

وعكف المالكية على هذه الكتب بالشرح والتخريج والتفريع، وغالبها على ترتيب المدونة، حتى رأى جلال الدين ابن شاس (ت٦١٦ه) إعراض الطلبة عن المذهب لتكرير مسائله، وعدم الترتيب اللائق يقول: “حتى اعتقد بعضهم أنه لا يمكن ترتيبه، بل يشق ويتعذر، ولا تنحصر مسائله تحت ضوابط، بل تتباين وتتبتر، فصرفهم عدم اعتناء أئمة المذهب بترتيبه عن استفادة ما اشتمل عليه من تحقيق المعاني النفيسة الدقيقة، واستنباط الأحكام الجارية على سنن السلف الصالح بأحسن طريقة، واستثارة الأسباب والحكم التي هي على التحقيق عين الحقيقة، فكانوا كالمعرض عن المعاني النفيسة لمشقة فهمها، والمضرب عن الجواهر الثمينة لتكلف نظمها، وقد استخرت الله تعالى، وشرعت في نظم المذهب؛ بأسلوب يوافق مقاصدهم ورغباتهم، ويخالف ظنونهم فيه ومعتقداتهم، فحذفت التكرار الذي عيبوا أئمة المذهب إذ لم يحذفوه، وحللت النظام الذي كرهوه، ثم نظمته على ما جنحوا إليه وألفوه، ولم يترك أئمة المذهب سلوك هذا الطريق لاستهجانه لديهم، ولا لتعذره عليهم، بل لأنهم قصدوا بتصانيفهم محاذاة سؤالات المدونة إذ كانت ما بين شرح وتلخيص وتنكيت وشبه ذلك على الكتاب المذكور، وهو كما قد علم سؤالات لم يعتن موردها بترتيبها، وحيث قصد الترتيب بعض المتأخرين منهم، أتى فيه بما لم يسبق إليه، ولما كان كتاب الوجيز، لأبي حامد الغزالي -رحمه الله- من آخر ما حُرر مما حَرره غيره من متقدمي الأئمة ومتأخريهم، فكان غاية منتهى التحرير، لخصت المذهب في هذا المجموع على القرب من محاذاته، فنظمت فيه فرائد درر أحكامه المكنونة، وأظهرت جواهر معانيه النفيسة المصونة، واستخرجت بالفحص والتأمل خفايا حكمه الدفينة، وسميته لانتظامه وكماله: عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة”(23).

فتأثير الشافعية في المالكية من ناحية التنسيق والترتيب ظهر من ههنا، وتبعه على ذلك القرافي (ت ٦٨٤ه) في الذخيرة يقول فيه:” ولما وهبني الله من فضله؛ أن جعلني من جملة طلبته، الكاتبين في صحيفته، تعين علي القيام بحقه بحسب الإمكان، واستفراغ الجهد في مكافأة الإحسان، فوجدت أخيار علمائنا -رضي الله عنهم- قد أتوا في كتبهم بالحكم الفائقة، والألفاظ الرائقة، والمعاني الباهرة، والحجج القاهرة، غير أنهم يتبعون الفتاوى في مواطنها حيث كانت، ويتكلمون عليها أين وجدت، مع قطع النظر عن معاقد الترتيب، ونظام التهذيب؛ كشراح المدونة وغيرها، ومنهم من سلك الترتيب البديع، وأجاد فيه الصنيع؛ كالإمام العلامة كمال الدين صاحب الجواهر الثمينة -رحمه الله- واقتصر على ذلك مع اليسير من التنبيه على بعض التوجيه، وأنت تعلم أن الفقه -وإن جل- إذا كان مفترقا تبددت حكمته، وقلت طلاوته وبعدت عند النفوس طلبته، وإذا رتبت الأحكام مخرجة على قواعد الشرع، مبنية على مآخذها نهضت الهمم حينئذ لاقتباسها، وأعجبت غاية الإعجاب بتقمص لباسها”(24).

وصنف ابن الحاجب (ت ٦٤٦ه) كتاب “جامع الأمهات” و”المختصر الفرعي” وقد جمع فيه ابن الحاجب الطرق في المذهب من كتب الأمهات؛ فاعتنى به المالكية وشرحوه وممن شرحه العلامة ضياء الدين خليل (ت ٧٧٦ه) ثم اختصر أيضا مختصر ابن الحاجب في مختصره المنسوب إليه وحرره أتم تحرير حتى صار هو المعتمد في الفتيا والتدريس، واشتدت العناية به؛ لجمعه واستيعابه، وكثر شارحوه حتى أصبح لا يعول عند المتأخرين إلا عليه، يقول الحطاب عنه: “من أجل المختصرات على مذهب الإمام مالك، مختصر الشيخ العلامة ولي الله تعالى خليل بن إسحاق الذي أوضح به المسالك؛ إذ هو كتاب صغر حجمه، وكثر علمه، وجمع فأوعى، وفاق أضرابه جنسا ونوعا، واختص بتبيين ما به الفتوى، وما هو الأرجح والأقوى، ولم تسمح قريحة بمثال، ولم ينسج ناسج على منواله”(25).

وقد رتبه على قسمين الأول في العبادات والملحق به كالجهاد والأطعمة والنكاح، والثاني في المعاملات والملحق به كالحدود والجنايات، وجعل تحت كل قسم أبوابا، وليس كتبا نحو (باب الصلاة، باب البيع….) وهكذا، وممن شرحه العلامة أبو البركات أحمد الدردير (ت١٢٠١ه) اقتصر فيه على فتح مغلقه، وتقييد مطلقه وبين فيه المعتمد من أقوال المذهب المالكي واقتصر فيه على بيان الراجح الذي تجب به الفتوى، وهذا الشرح هو الملقب بالشرح الكبير، ثم اختصر أيضا مختصر خليل، فاقتصر فيه على أرجح الأقوال، وبدل غير المعتمد بالمعتمد، مع تقييد ما أطلقه وحقه التقييد، وسماه “أقرب المسالك لمذهب الإمام مالك” ثم شرحه في الشرح الصغير، وصنف محمد الأمير(ت ١٢٣٢ه) “المجموع” ثم شرحه في “ضوء الشموع ولا يختلف كثيرا في ترتيبه عن مختصر خليل وأقرب المسالك.

وهذا جدول بتبويب أهم المتون المذكورة التي عليها المعوَّل عند المالكية:

المدونةالنوادرعقد الجواهر الثمينةالذخيرةمختصر خليل وأقرب المسالكالمجموع
الوضوءالطهارةالطهارةالطهارةالطهارةالطهارة
الصلاة ٢الصلاةالصلاةالصلاةالصلاةالصلاة
الجنائزالجنائزالجنائزالصيامالزكاةالزكاة
الصيامالصومالزكاةالزكاةالصيامالصوم
الحج ٣الاعتكافالصومالحجالحجالاعتكاف
الجهادالزكاةالاعتكافالجهادالذكاةالحج
الصيدالحجالحجالنذرالأضحية والعقيقةالذكاة
الذبائحالجهادالجهادالأطعمةاليمينالتضحية
الضحاياالسبق والرميعقد الذمةالأشربةالجهادالأيمان
العقيقةالأيمان والنذورقسم الفيء والغنائمالذبائحالمسابقةالنذور
النذورالضحاياالسبق والرميالأضحيةالنكاحالجهاد
طلاق السنةالصيدالأيمانالعقيقةالخلعالجزية
الأيمان بالطلاقالذبائحالنذورالصيدالطلاقالنكاح
النكاح ٣الاستبراءالضحايا والعقيقةالنكاحالإيلاءالإيلاء
التخيير والتمليكالعدةالصيدالبيوعالظهارالظهار
الرضاعالرضاعالذبائحالصلحاللعاناللعان
الظهارطلاق السنةالأطعمةالإجارةالعدةالعدة
الإيلاءالشروط في النكاحالأشربةالقراضالرضاعالرضاع
اللعانالخيارالنكاحالعاريةالنفقةالنفقات
الاستبراءالمفقودالصداقالوصاياالبيعالحضانة
العتق ٢الخلعالقسم والنشوزالقسمةالسلمالبيع
المكاتبالظهارالخلعالشفعةالرهنالسلم
التدبيرالإيلاءالطلاقالوكالةالدين والتفليسالرهن
أمهات الأولاداللعانالرجعةالشركةالحجرالفلس
الولاءاللعانالإيلاءالرهونالصلحالحجر
المواريثالصرفالظهارالتفليسالحوالةالصلح
الصرفالبيوعاللعانالحجرالضمانالحوالة
السلم ٣الجعل والإجارةالعدةالغصبالشركةالضمان
الآجالتضمين الصناعالرضاعاللقطةالوكالةالشركة
البيوع الفاسدةالرواحل والدوابالنفقاتالللقيطالإقرارالوكالة
البيعين بالخيارأكرية الدور والأرضينالبيعالوديعةالوديعةالإقرار
المرابحةالصلحالسلم والقرضالحمالةالعاريةالاستلحاق
الغررالوكالاتالرهنالحوالةالغصبالوديعة
الوكالاتالقراضالتفليسالإقرارالشفعةالعارية
العراياالمساقاةالحجرالأقضيةالقسمةالغصب
التجارة إلى أرض العدوالشركةالصلحالشهاداتالقراضالشفعة
التدليس بالعيوبالمزارعةالحوالةالوثائقالمساقاةالقسمة
الصلحالمغارسةالضمانالدعاوىالمغارسةالقراض
تضمين الصناعالأقضيةالشركةالأيمانالإجارةالمساقاة
الجعل والإجارةالشهاداتالوكالةالعتقالجعلالمغارسة
كراء الرواحل والدوابالدعوى والبيناتالإقرارالتدبيرإحياء المواتالإجارة
كراء الدور والأرضينالإقرارالوديعةالكتابةالوقفالجعل
المساقاةالمديان والتفليسالعاريةأمهات الأولادالهبةإحياء الموات
الجوائحالحمالة والحوالةالغصبالجناياتاللقطة والآبق واللقيطالوقف
الشركةالرهونالشفعةموجبات الضمانالقضاءالهبة
القراضالإكراهالقسمةالجراحالشهادةاللقطة والآبق واللقيط
الأقضيةالغصبالقراضالفرائضالدماء والقصاصالقضاء
الشهاداتالاستحقاقالمساقاة والمزارعةالجامعالباغيةالشهادات
الدعوىالوديعةالإجارةالردةالدماء والقصاص
المِديانالعاريةالجعالةالزناالبغي
التفليساللقطة والإباقإحياء المواتالقذفالردة
المأذونالأراضي وإحياء المواتالوقفالسرقةالزنا
الكفالة والحمالةالقضاء في الكلأ والآبارالهبةالمحاربالقذف
الحوالةالقضاء في نفي الضرراللقطةشرب الخمرالسرقة
الرهنالأرحيةاللقيطالإعتاقالحرابة
الغصبالقضاء في البنيانالأقضيةالتدبيرالشرب
الاستحقاقالشفعةالشهاداتالكتابةالعتق
الشفعة ٢القسمالدعوى والبيناتأم الولدالتدبير
القسمة ٢الوصاياالجراحالوصاياالكتابة
الوصايا ٢الحُبُس السنةالدياتالفرائضأم الولد
الهباتالهباتكفارة القتلالولاء
الحبس والصدقةالعتقدعوى الدمالوصايا
الوديعةالمدبرالجنايات الموجبة للعقوباتالفرائض
العاريةالخدمةموجبات الضمان
اللقطةالمكاتبالعتق
الآبقأمهات الأولادالتدبير
حريم الآبارالاستلحاقالكتابة
الحدودالولاءأمهات الأولاد
الرجمالجناياتالوصايا
الأشربةالجراحالفرائض
السرقةالحدود في الزناالجامع
المحاربينالأشربة
الجراحاتالقذف
الجناياتالسرقة
الدياتالمحاربين
المرتدين

تنبيه: الرقم المذكور في كتب المدونة بعد العنوان معناه أن هذا العنوان مقسم إلى أول وثان وثالث، فمثلا (الصلاة ٢) معناه أن في المدونة كتابين بعنوان: كتاب الصلاة الأول، ثم بعده كتاب الصلاة الثاني، وهكذا في الباقين.

خامسا: التبويب الفقهي عند الشافعية.

لقد اعتنى مؤسس المذهب بالتقعيد والتصنيف، فقد حفظ الموطأ صغيرا وعرضه على الإمام مالك، وأُعجب مالك بقراءته مع حداثة سنه، وعنده تفقه الشافعي، ثم رحل إلى بغداد ووجد بها تصانيف محمد بن الحسن، فدرسها وأتقنها، ثم رجع إلى مكة وكانت بها أول مجالسه، ثم عاد الشافعي إلى بغداد بعد أن تكاملت علومه وبلغ رتبة الاجتهاد، بعد أن درس مناهج الاستنباط المختلفة، واستطاع أن يخرج منها بمنهج له محدد، على إثر ذلك كان له مذهب خاص، فنشر مذهبه ببغداد وناظر عليه، وخلف بها كثيرا من مصنفاته كالرسالة القديمة والحجة والمبسوط، وعددا من أصحابه على رأسهم إمام المذهب الحنبلي، وأراد الشافعي التحول إلى مصر وسأل الربيع عن أهلها فقال الربيع: تركتهم على ضربين:

فرقة منهم قد مالت إلى قول مالك وأخذت به، واعتمدت عليه، وذبَّت عنه وناضلت عنه، وفرقة قد مالت إلى قول أبي حنيفة فأخذت به، وناضلت عنه، فقال الشافعي: أرجو أن أقدم مصر -إن شاء الله-وآتيهم بشيء أشغلهم به عن القولين جميعا، قال الربيع: ففعل ذلك -والله-حين دخل مصر(26).

ودخل الشافعي مصر سنة (١٩٩ه) وبها صنف على مذهبه الجديد، ومنه الأم أملاه على أصحابه، والربيع المرادي (ت ٢٧٠ه) قيده بأمره ورواه عنه، وترتيب الأم الأصلي يختلف عن المطبوع الآن، فالترتيب الأصلي الأبواب فيه متداخلة في الكتاب الواحد، ويتعرض الشافعي فيه للمسألة الواحدة في أكثر من موضع، وفي مواضع متباعدة، والمطبوع ليس على الترتيب الذي وضعه الشافعي؛ لأن الأم قد أعاد ترتيبه الإمام سراج الدين البلقيني وضم الأبواب المتشابهة إلى بعضها، كما ضم بعض الأبواب من كتب أخرى غير الأم، ووضعه مع الأبواب في الأصل ولما رأى ذلك طابعو النسخة البولاقية وضعوه في الهامش حتى لا يختلط بنص الأم، وقد رتبه البلقيني على ترتيب مختصر المزني، وأما الترتيب الأصلي فهو في المخطوطة المحفوظة بمكتبة أحمد الثالث بتركيا وهي كاملة، وكذا بالمكتبة المحمودية بالمدينة المنورة وهي كاملة أيضا(27)

كما تصدر للتصنيف تلامذة الشافعي، فصنف البويطي (ت ٢٣١ه) “المختصر” المنسوب إليه، وهو أقرب إلى الترتيب الأصلي للأم، ويلاحظ فيه تداخل الموضوعات في الأبواب مع فصل العبادات بكتاب النكاح قبل الحج ثم كتاب الحج، وفي أثناء كتاب النكاح أبواب من المعاملات كما سيأتي توضيحه في الجدول.

وصنف المزني (ت ٢٦٤ه) “المختصر” المنسوب إليه، وعليه اعتمد الأئمة في الشرح فشرحه الكثيرون وعولوا عليه وعلى ترتيبه، كأبي علي بن أبي هريرة (ت ٣٤٥ه) في “التعليقة الكبيرة” وأبي علي الطبري (ت ٣٥٠ه) في “الإفصاح”، والماوردي (ت٤٥٠ه) في “الحاوي الكبير”، وإمام الحرمين أبي المعالي الجويني (ت ٤٧٨ه) في “نهاية المطلب في دراية المذهب” كما صنف معاصره أبو إسحاق الشيرازي (ت ٤٧٦ه) “التنبيه” و”المهذب”.

ثم اختصر الغزالي (ت٥٠٥ه) “النهاية” في “البسيط”، واختصر “البسيط” في “الوسيط”، واختصر “الوسيط” في “الوجيز”، وشرح الرافعي (ت ٦٢٣ه) الوجيز في شرحين: صغير ولم يسمه، وكبير وهو المعروف بـ “العزيز”، الذي اختصره النووي (ت ٦٧٦ه) في “روضة الطالبين” وجرى على ترتيب الأصل إلا في مواضع كما قال في كتاب الضحايا الذي جعله بعد كتاب الحج: “اعلم أن الإمام الرافعي -رحمه الله-ذكر كتاب الضحايا، والصيد والذبائح، والعقيقة، والأطعمة، والنذور، في أواخر الكتاب بعد المسابقة، وهناك ذكرها المزني، وأكثر الأصحاب. وذكرها طائفة منهم هنا، وهذا أنسب، فاخترته، والله أعلم”(28).

وأما الرافعي فملتزم بترتيب الوجيز، والغريب أن النووي في المنهاج لم يلتزم بالأنسب كما ذكر هنا، بل جعله في أواخر الكتاب بعد السير، كما هو موضح بالجدول الآتي، واختصر “الروضة” الشرف المقري (ت ٨٧٣ه) في “الروض” وشرحه شيخ الإسلام زكريا في “أسنى المطالب”، كما جرى على ترتيب الوجيز عبد الغفار القزويني (ت ٦٦٥ه) في “الحاوي الصغير” وهو تلميذ الرافعي، قيل: إنه تضمن مقصود العزيز في ورقات، وكثرت شروحه واعتنى العلماء به، ونظمه ابن الوردي (ت٧٤٩ه) في “بهجة الحاوي” وشرحه شيخ الإسلام زكريا بشرحين كبير المسمى بـ”بالغرر البهية” وصغير المسمى بـ”خلاصة الفتاوى المحوية”

كما صنف الرافعي أيضا “المحرر” واختصره النووي أيضا في “منهاج الطالبين” وحرر فيه المذهب وجرى فيه على اصطلاح سار عليه الشافعية من بعده، يقول في مقدمته:” وأتقن مختصر “المحرر” للإمام أبي القاسم الرافعي -رحمه الله تعالى- ذي التحقيقات، وهو كثير الفوائد، عمدة في تحقيق المذهب، معتمد للمفتي وغيره من أولى الرغبات، وقد التزم مصنفه -رحمه الله- أن ينص على ما صححه معظم الأصحاب ووفى بما التزمه وهو من أهم أو أهم المطلوبات، لكن في حجمه كبر يعجز عن حفظه أكثر أهل العصر إلا بعض أهل العنايات، فرأيت اختصاره في نحو نصف حجمه ليسهل حفظه مع ما أضمه إليه إن -شاء الله تعالى- من النفائس المستجدات، منها التنبيه على قيود في بعض المسائل هي من الأصل محذوفات، ومنها مواضع يسيرة ذكرها في المحرر على خلاف المختار في المذهب كما ستراها إن -شاء الله تعالى- واضحات، ومنها إبدال ما كان من ألفاظه غريبا أو موهما خلاف الصواب بأوضح وأخصر منه بعبارات جليات، ومنها بيان القولين والوجهين والطريقين والنص ومراتب الخلاف في جميع الحالات”(29).

فاعتمد الأئمة هذا الكتاب لما فيه من خلاصة تحريرات إماما المذهب الرافعي والنووي، يقول ابن حجر الهيتمي: “قد أجمع المحققون على أن الكتب المتقدمة على الشيخين لا يعتد بشيء منها إلا بعد كمال البحث والتحرير حتى يغلب على الظن أنه راجح مذهب الشافعي”(30).

واختصر شيخ الإسلام زكريا “منهاج الطالبين” وسماه “منهج الطلاب” فاختصر الاسم والمسمى، ثم شرحه في “فتح الوهاب”، وكثرت الشروح للمنهاج حتى جاء القرن العاشر فحرر تلاميذ شيخ الإسلام زكريا المذهب مرة أخرى، وتم ذلك على يد ابن حجر الهيتمي (ت ٩٧٤ه) وشمس الدين محمد الرملي (ت ١٠٠٤ه) ولكل منهما شرح على المنهاج الأول في ” تحفة المحتاج” والثاني في “نهاية المحتاج” حتى أن المحققين بعدهما قرروا أنه لا تجوز الفتوى بما يخالفهما على تفصيل يعرف من مظانه.

ثم صنف تلميذ ابن حجر زين الدين أحمد المليباري (ت ٩٨٧ه) متنا صغيرا وهو المسمى بـ”قرة العين بمهمات الدين” ثم شرحه في “فتح المعين”.

وهذا جدول بتبويب أهم المتون المذكورة التي عليها المعوَّل عند الشافعية

مختصر البويطيمختصر المزنيالمهذبالوجيزالمنهاجقرة العين
الطهارةالطهارةالطهارةالطهارةالطهارةالصلاة
الصلاةالصلاةالصلاةالتيممالصلاةالزكاة
الزكاةالجنائزالجنائزالحيضصلاة الجماعةالصوم
الصيامالزكاةالزكاةالصلاةالجنائزالحج
النكاحالصيامالصيامصلاة الجماعةالزكاةالبيع
القراضالاعتكافالاعتكافصلاة المسافرينالصيامالوكالة والقراض
الخطبةالحجالحجالجمعةالاعتكافالإجارة
الرضاعالبيعالبيوعصلاة الخوفالحجالعارية
النشوزالرهنالرهنصلاة العيدينالبيعالهبة
الغصبالتفليسالصلحصلاة الخسوفالسلمالوقف
النفقةالحجرالحوالةصلاة الاستسقاءالرهنالإقرار
الإيلاءالصلحالضمانصلاة الجنائزالتفليسالوصية
الظهارالحوالةالشركةالزكاةالشركةالفرائض
اللعانالكفالةالوكالةالصيامالوكالةالنكاح
الطلاقالشركةالوديعةالاعتكافالإقرارالجناية
العدة والحيضالوكالةالعاريةالحجالعاريةالردة
الحجالإقرارالغصبالبيعالغصبالحدود
البيوعالعاريةالشفعةالسلم والقرضالشفعةالجهاد
الرهنالغصبالقراضالرهنالقراضالقضاء
الشركةالشفعةالمساقاةالتفليسالمساقاةالدعوى والبينات
القراضالقراضالإجارةالحجرالإجارةالإعتاق
الغصبالمساقاةالسبق والرميالصلحإحياء الموات
التفليسالإجارةإحياء المواتالحوالةالوقف
الحجرإحياء المواتاللقطةالضمانالهبة
الشفعةالعطايا والحبساللقيطالشركةاللقطة
الصلحاللقطةالوقفالوكالةاللقيط
اختلاف العراقيينالفرائضالهباتالإقرارالجعالة
الاحتباسالوصاياالوصاياالعاريةالفرائض
الإجاراتالوديعةالعتقالغصبالوصايا
المساقاةقسم الفيء والغنائمالمكاتبالشفعةالوديعة
قسم الفيءالنكاحعتق أمهات الأولاجالقراضقسم الفيئ
الجزيةالخلعالفرائضالمساقاةقسم الصدقات
الدياتالطلاقالنكاحالإجارةالنكاح
قتل العمدالظهارالصداقالجعالةالصداق
القسامةاللعانالخلعإحياء المواتالقسم والنشوز
المرتدالعددالطلاقالوقفالخلع
الأيمان والنذورالرضاعالإيلاءالهبةالطلاق
الضحاياالنفقةالظهاراللقطةالرجعة
العقيقةالقتلاللعاناللقيطالإيلاء
الصيدالحدودالأيمانالفرائضالظهار
الذبائحدفع الصائلالعدةالوصاياالكفارة
السيرالسيرالرضاعالوديعةاللعان
السنة في الجهادالصيد والذبائحالنفقاتقسم الفيءالعدد
قتال أهل البغيالضحاياالجناياتقسم الصدقاتالرضاع
الدعوى والبيناتالسبق والرميالدياتالنكاحالنفقات
الأيمان والنذورقتال أهل البغيالصداقالجراح
الشهاداتأدب القاضيالسيرالقسم والنشوزالديات
من الرسالةالأقضيةالحدودالخلعالقسامة
من اختلاف الحديثالشهاداتالأقضيةالطلاقالبغاة
اختلاف مالك والشافعيالدعوى والبيناتالشهاداتالرجعةالردة
القرعةالمدبرالإقرارالإيلاءالزنا
السبق والرميالمكاتبالظهارحد القذف
الولاءأمهات الأولادالكفاراتقطع السرقة
المدبراللعانالأشربة
المكاتبالعدةالصيال
الرضاعالسير
النفقاتالجزية
الجراحالصيد والذبائح
الدياتالأضحية
دعوى الدمالأطعمة
الجنايات الموجبة للعقوباتالمسابقة
الموجبة للضمانالأيمان
السيرالنذر
الصيد والذبائحالقضاء
الضحاياالشهادات
الأطعمةالدعوى والبينات
السبق والرميالعتق
الأيمانالتدبير
أدب القضاةالكتابة
الشهاداتأمهات الأولاد
الدعاوى والبينات
العتق
التدبير
الكتابة
أمهات الأولاد

سادسا: التبويب الفقهي عند الحنابلة.

لم يترك الإمام أحمد كتابا جامعا في الفقه كما فعل الإمام الشافعي، وسبب ذلك يرجع إلى أن الإمام أحمد كان يكره أن يصنف الكتب، أو أن يكتب عنه تلامذته غير الحديث مخافة أن يشتغلوا بآرائه وفتاويه عن حديث رسول الله  ولذلك سأله ابنه عبد الله فقال له: لم كرهت وضع الكتب وقد عملت المسند؟ فقال: عملت هذا الكتاب إماما إذا اختلف الناس في سنة رسول الله  رجع إليه”(31).

ولذلك لم يصنف كتابا في الفقه يرجع إليه كما صنف المسند في الحديث، وإن كانت له بعض الكتب والرسائل ككتابه في “الأشربة” و”المناسك الكبير” و”الفرائض”، وكذا تلامذته لم يصنفوا كتابا جامعا في الفقه، وإنما روى بعضهم مسائل تروى عنه، فروى ابناه عبد الله وصالح مسائل أبيهما وأجوبته عليها، وكذا أبو بكر الأثرم ، وكذا إسحاق بن منصور وغيرهم وكان أكثر من روى الفقه عنه أبو بكر المروزي (ت ٢٧٥ه) كان من أقرب تلامذة الإمام أحمد إليه، وهو الذي تولى غسله لما مات، وروى عن الإمام فقها كثيرا ، وكانت روايته للفقه أكثر من روايته للحديث، ثم اهتم أتباع تلامذته بفقه الإمام وجمعه وكان أشهرهم أبو بكر الخلال (ت ٣١١ه) أخذ عن أبي بكر المروزي فشغف شغفا شديدا بفقه أحمد، فرحل إلى البلاد المختلفة فأخذ عن أبناء الإمام أحمد صالح وعبد الله، وحنبل ابن عم الإمام أحمد، وحرب الكرماني وغيرهم ممن لا يحصون كثرة، قال ابن أبي يعلى:” يكثر تعدادهم، ويشق إحصاء أسمائهم، سمع منهم مسائل أحمد، ورحل إلى أقاصي البلاد فِي جمع مسائل أحمد، وسماعها ممن سمعها من أحمد، وممن سمعها ممن سمعها من أحمد فنال منها، وسبق إلى ما لم يسبقه إليه سابق، ولم يلحقه بعده لاحق، وكان شيوخ المذهب يشهدون له بالفضل والتقدم”(32).

فظل يجمع المسائل المروية عن الإمام، وصنف الجامع الكبير المسمى بـ “الجامع لعلوم الإمام أحمد” لم يصنف في المذهب مثله وكان الخلال يدرِّسه لتلاميذه في جامع المهدي ببغداد، ومن هذه المدارسة انتشر المذهب الحنبلي فهو بذلك أحيا فقه الحنابلة، ولولاه لندرس، ثم صنف عمر بن الحسين الخِرَقي (ت ٣٣٤ه) “المختصر” المنسوب إليه، اشتمل على خلاصة ما في جامع أبي بكر الخلال، فاشتهر هذا المختصر وكثرت عليه الشروح فشرحه القاضي أبو يعلى الفراء (ت ٤٥٨ه) وأشهر من شرحه ابن قدامة المقدسي (ت ٦٢٠ه) في “المغني” وهو اسم على مسمى أثنى عليه أهل مذهبه ومخالفوهم، فهو حاوى للفقه الإسلامي على شتى مذاهبه، مشتمل على الخلاف العالي، والدليل والتعليل قال ابن مفلح:” اشتغل الموفق بتأليف المغني أحد كتب الإسلام، فبلغ الأمل في إنهائه، وهو كتاب بليغ في المذهب، تعب فيه وأجاد، وجمل به المذهب”، ومما اشتهر عن العز ابن عبد السلام أنه قال:” ما رأيت في كتب الإسلام مثل كتاب المغني للشيخ موفق الدين في جودته وتحقيق ما فيه”.

ثم صنف غلام الخلال وهو عبد العزيز بن جعفر (ت ٣٦٣ه) “الشافي” و”التنبيه” و”المقنع” و”الخلاف مع الشافعي”، وله اختيارات خالف فيها اختيارات شيخه أبي بكر الخلال، وكان يقول:” سمع مني الخلال نحو عشرين مسألة وأثبتها في كتابه”ـ وكانت عنده نسخة من مختصر الخرقي، فطالعها وكتب عليها خالفني الخرقي في مختصره في ستين مسألة، ولم يسمها، قال القاضي أبو الحسين فتتبعتها فوجدتها ثمانية وتسعين مسألة.

ثم تتابع المصنفون في المذهب فأشهر من صنف بعدهم القاضي أبو يعلى ألف “المجرد” و”التعليقة الكبيرة” في مسائل الخلاف، و”الأحكام السلطانية” وغيرها، وصنف أبو الخطاب الكلوذاني (ت ٥١٠ه) “الهداية” و”رؤوس المسائل” و”الانتصار في المسائل الكبار” في الخلاف، وغيرها، ثم صنف ابن قدامة بخلاف المغني السابق، “العمدة” و”المقنع” و”الكافي”، واشتهر المقنع اشتهار الخرقي، وكثرت شروحه وقد جعله علاء الدين المرداوي (ت٨٨٥ه) مدار كتابه “الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف” يقول في مقدمته:” فإن كتاب ” المقنع ” في الفقه تأليف شيخ الإسلام موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي -قدس الله روحه ونور ضريحه- من أعظم الكتب نفعا، وأكثرها جمعا، وأوضحها إشارة، وأسلسها عبارة، وأوسطها حجما، وأغزرها علما، وأحسنها تفصيلا وتفريعا، وأجمعها تقسيما وتنويعا، وأكملها ترتيبا، وألطفها تبويبا، قد حوى غالب أمهات مسائل المذهب، فمن حصلها فقد ظفر بالكنز والمطلب، فهو كما قال مصنفه فيه ” جامعا لأكثر الأحكام ” ولقد صدق وبر ونصح، فهو الحبر الإمام؛ فإن من نظر فيه بعين التحقيق والإنصاف، وجد ما قال حقا وافيا بالمراد من غير خلاف، إلا أنه -رحمه الله تعالى -أطلق في بعض مسائله الخلاف من غير ترجيح؛ فاشتبه على الناظر فيه الضعيف من الصحيح، فأحببت -إن يسر الله تعالى- أن أبين الصحيح من المذهب والمشهور، والمعمول عليه والمنصور، وما اعتمده أكثر الأصحاب، وذهبوا إليه، ولم يعرجوا على غيره ولم يعولوا عليه”(33)ـ ثم اختصره في كتابه المسمى بـ “التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع” فقيد فيه الروايات المطلقة، وصحح ما أطلق فيه الوجهين أو الأوجه، وفسر ما أُبهم فيه من حكم أو لفظ، وزاد مسائل محررة، فجاء كتابه تصحيحا لغالب كتب المذهب، ولذلك قال عبد القادر بدران: ” وبالجملة فهذا الفاضل يليق بأن يطلق عليه مجدد مذهب أحمد في الأصول والفروع(34)“.

ثم جاء بعده تقي الدين أحمد ابن النجار الشهير بالفتوحي (ت ٩٧٢ه) فجمع المقنع مع التنقيح في كتاب سماه “منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات” يقول عبد القادر بدران: “فعكف الناس عليه وهجروا ما سواه من كتب المتقدمين كسلا منهم ونسيانا لمقاصد علماء هذا المذهب(35)“.

وشرحه البهوتي (ت١٠٥١ه) في “دقائق أولى النهى” وصنف الشيخ موسى الحجاوي كتابه “الإقناع لطالب الانتفاع” وحذا به حذو صاحب المستوعب بل أخذ معظم كتابه ومن المحرر والفروع والمقنع وجعله على قول واحد، وشرحه البهوتي أيضا في “كشاف القناع” فصار معول المتأخرين على هذين الكتابين وعلى شرحيهما، وصنف مرعي بن يوسف الكرمي (ت ١٠٣٣ه) متنه المشهور “دليل الطالب لنيل المطالب”، و”غاية المنتهى في جمع الإقناع والمنتهى” سلك فيه مسالك المجتهدين في التصحيح والاختيار والترجيح.

ونظرا لأن الإمام أحمد آخر الأربعة، وقد دون مذهبه متأخرا من تلامذة تلامذته -كما سبق-فإنهم اعتمدوا على ترتيب من سبقهم وهم الشافعية، فترتيب مختصر الخرقي كترتيب مختصر المزنى ثم استقر الترتيب عند ابن قدامة في المقنع وعليه جرى أئمة المذهب، يقول ابن مفلح في أول كتاب الطهارة:” بدأ المؤلف بذلك اقتداء بالأئمة، منهم الشافعي… وبدءوا بربع العبادات اهتماما بالأمور الدينية فقدموها على الدنيوية، وقدموا ربع المعاملات على النكاح وما يتعلق به، لأن سبب المعاملات وهو الأكل والشرب ونحوهما ضروري يستوي فيه الكبير، والصغير، وشهوته مقدمة على شهوة النكاح، وقدموا النكاح على الجنايات والمخاصمات، لأن وقوع ذلك في الغالب إنما هو بعد الفراغ من شهوة البطن والفرج، وهذه مناسبة حسنة ذكرها المتولي في تتمته”(36).

والمتولى شافعي وكتاب التتمة هو “تتمة الإبانة” في فقه الشافعية.

وهذا جدول بتبويب أهم المتون المذكورة التي عليها المعوَّل عند الحنابلة:

الخرقيالهدايةالمقنعدليل الطالب
الطهارةالطهارةالطهارةالطهارة
الصلاةالصلاةالصلاةالصلاة
الجنائزالجنائزالجنائزالجنائز
الصيامالصيامالصيامالصيام
الحجالاعتكافالاعتكافالاعتكاف
البيوعالحجالمناسكالحج
الرهنالجهادالجهادالجهاد
المفلسالبيوعالبيعالبيع
الحجرالرهنالحجرالحجر
الصلحالحوالةالشركةالشراكة
الحوالة والضمانالضمانالعاريةالعارية
الإقرار بالحقوقالصلحالغصبالغصب
الغصبالتفليسالوقفالوقف
الشفعةالحجرالوصاياالوصية
المساقاةالوكالةالفرائضالفرائض
الإجارةالإجارةالعتقالعتق
إحياء المواتالجعالةالنكاحالنكاح
الوقوفالسبق والنضالالصداقالصداق
الهبة والعطاياالوديعةالخلعالخلع
اللقطةالعاريةالطلاقالطلاق
الوصاياالغصبالرجعةالإيلاء
الفرائضاللقطةالإيلاءالظهار
الولاءاللقيطالظهاراللعان
الوديعةالوقفاللعانالعدة
قسم الفيءالعطايا والهباتالعددالرضاع
النكاحالوصاياالرضاعالنفقات
الصداقالعتقالنفقاتالجنايات
الوليمةالنكاحالجناياتالديات
عشرة النساءالصداقالدياتالحدود
الخلعالخلعالحدودالتعزير
الطلاقالطلاقالأطعمةالأطعمة
الإيلاءالرجعةالصيدالصيد
الظهارالإيلاءالأيمانالأيمان
اللعانالظهارالقضاءالقضاء
العددالقذف واللعانالشهاداتالشهادات
الرضاعالعددالإقرارالإقرار
النفقةالرضاع
الجراحالنفقات
ديات النفسالجنايات
المرتدقتال أهل البغي
الحدودالمرتد
القطع في السرقةالصيد والذبائح
قطاع الطريقالأطعمة
الأشربةالأيمان
الجهادالأقضية
الجزيةأدب القاضي
الصيد والذبائحالدعاوى والبينات
الأضاحيالشهادات
السبق والرميالإقرار
الأيمان والنذورالفرائض
الكفارات
جامع الأيمان
النذور
أدب القاضي
القسمة
الشهادات
الأقضية
الدعاوى والبينات
العتق
المدبر
المكاتب
أمهات الاولاد

تنبيه: في المقنع وما بعده مواضيع (الربا والسلم والقرض والرهن والكفالة والحوالة والصلح) هي أبواب داخل كتاب البيوع، ومواضيع (المساقاة والإجارة والسبق) هي أبواب داخل كتاب الشركة ومواضيع (الشفعة والوديعة وإحياء الموات والجعالة واللقطة واللقيط) تحت كتاب الغصب، وموضوع (الهبة والعطية) داخل تحت كتاب الوقف.

1 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (١٢١٩٠).

2 ترتيب المدارك وتقريب المسالك، القاضي عياض (١/ ٦١، ٦٢).

3 رد المحتار على الدر المختار (١/ ٢٨).

4 الفتح المبين بشرح الأربعين لابن حجر الهيتمي، (ص ١٩١).

5 شرح متن الأربعين النووية في الأحاديث الصحيحة النبوية، الإمام النووي (ص٢٩).

6 الفهرست لابن النديم (ص٢٨٦).

7 المبسوط (١/٣).

8 كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، حاجي خليفة (٢/١٥٨١).

9 الفهرست (ص٢٨٧، ٢٨٨).

10 المبسوط (١/٣)

11 كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (١/٥٦٣)

12 النافع الكبير، الإمام اللكنوي (ص٦٧- ٦٩).

13 كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (١/٥٦٩)

14 المبسوط (١/٣)

15 كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (١/٣٧١).

16 بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (١/٢).

17 فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك، للشيخ عليش المالكي (١/٧٣).

18 المقدمات الممهدات، ابن رشد القرطبي (١/٤٤).

19 ترتيب المدارك وتقريب المسالك (٣/٢٩٩)

20 ترتيب المدارك وتقريب المسالك (٦/١٤٦)

21 نور البصر في شرح خطبة المختصر ، أبو العباس الهلالي (ص١٨٩).

22 ترتيب المدارك وتقريب المسالك (٧/٢٥٧):

23 عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة، ابن شاس (١/ ٣، ٤).

24 الذخيرة (١/ ٣٥، ٣٦).

25 مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (١/٢)

26 مناقب الشافعي للبيهقي(١/٢٣٨).

27 انظر مقدمات تحقيق الأم للدكتور رفعت فوزي عبد المطلب

28 روضة الطالبين وعمدة المفتين، النووي (٣/١٩٢)

29 منهاج الطالبين وعمدة المفتين في الفقه، النووي (ص٧).

30 تحفة المحتاج في شرح المنهاج (١/٣٩).

31 خصائص مسند الإمام أحمد ، أبو موسى المديني (ص: ١٤)

32 طبقات الحنابلة ، ابن أبي يعلى (٢/١٣)

33 الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، المرداوي (١/٣)

34 المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل ، ابن بدران (ص٤٣٦).

35 المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل (ص٤٣٤)

36 المبدع شرح المقنع ، ابن مفلح (١/٢٠)

المبحث الثاني

تقسيم الموضوعات الفقهية عند الفقهاء المعاصرين

لقد ظل الفقه المذهبي بمدارسه المختلفة في عصور التقليد على طريقة ووتيرة واحدة، وكانت طريقة التصنيف والتدريس تعتمد على المتون المختصرة؛ التي تدور حولها الشروح، والحواشي، والتقارير، ولم تظهر ثمة حاجة تدعوا إلى تطوير الفقه وإعادة ترتيبه، فكان المهم هو حفظ العلوم وإيصالها إلى من بعدهم، فأولعوا بهذه المختصرات وتفهيمها للأجيال الجديدة، ولكن لما هبت رياح النهضة الجديدة، دعا بعض العلماء والمصلحين إلى الرجوع للكتب المطولة في كل مذهب، ودعوا إلى إعادة كتابة الفقه بأسلوب سهل، كما ظهرت الحاجة إلى إعادة ترتيب وتنسيق الفقه الإسلامي، ليواكب العصر الجديد، ولاسيما أنه لما كانت الحاجة ماسة إلى وضع القوانين، اتجهت بعض البلدان الإسلامية إلى القوانين الغربية، وخاصة القانون الفرنسي، بدعوى أن الكتب الفقهية ليست مؤلفة على نظام المواد القانونية، ويصعب على القضاة الرجوع إليها، فتنبه بعض الفقهاء الغيورين إلى ضرورة إحياء الفقه الإسلامي، بنبذ التعصب المذهبي، وإعادة تنسيقه وترتيبه، والاستفادة من التراث الفقهي بشتى مذاهبه؛ فكلهم على هدى من ربهم، فما دامت كلها ترمي إلى العمل بالشريعة الإسلامية في كل مجالات الحياة؛ فلا حرج من الأخذ من الفقه الإسلامي كله وعدم التقيد بمذهب واحد، وفي ذلك دفع الحرج عن الناس، وعمل بقوله تعالى: ﴿ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﴾ [البقرة: ١٨٥]

ولكي يعيدوا كتابة وتنظيم الفقه الإسلامي، ليواكب الحياة المعاصرة ولا يتخلف عنها، اتخذ العلماء طرقا مختلفة نبينها فيما يلي:

أولا: تقنين الفقه الإسلامي.

كانت المحاولات الأولى لتقنين الفقه الإسلامي ترجع إلى عهد الدولة العثمانية، لما رأى المسئولون صعوبة الرجوع إلى الكتب المذهبية لمعرفة الحكم الشرعي؛ لصعوبة أسلوبها مع كثرة ما فيها من أقوال وروايات يصعب معها الترجيح، فكونت لجنة من كبار الفقهاء برئاسة “أحمد جودت باشا” ناظر ديوان الأحكام العدلية، لوضع مجموعة الأحكام الشرعية في المعاملات وابتدأت اللجنة عملها سنة (١٢٨٦هـ) وانتهت منها سنة (١٢٩٣هـ) وظهرت نتيجة هذا المشروع تحت اسم “مجلة الأحكام العدلية” التي استمدت أحكام القانون المدني من مذهب الإمام أبي حنيفة –وهو المذهب الرسمي للدولة-وقد طبقت عقب صدورها في تركيا وفي البلاد التي كانت تابعة للحكم العثماني، ولم تكن مصر وقتها تابعة لها لأنها كانت قد استقلت قبل ظهور هذه المجلة بسنتين.

محتويات مجلة الأحكام العدلية:

قد احتوت هذه المجلة على (١٨٥١) مادة موزعة على ستة عشر كتابا وهي كما يلي:

  1. البيوع.
  2. الإجارات.
  3. الكفالة.
  4. الحوالة.
  5. الرهن.
  6. الأمانات.
  7. الهبة.
  8. الغصب والإتلاف.
  9. الحجر والإكراه والشفعة.
  10. الشركات.
  11. الوكالة.
  12. الصلح والإبراء.
  13. الإقرار.
  14. الدعاوى.
  15. البينات والتحليف.
  16. القضاء.

ثانيا: التنظير الفقهي.

كان من مظاهر التجديد الفقهي في العصر الحديث، ومع ظهور جيل يجمع بين الدراسة الفقهية والدراسة القانونية، وجود مصطلح جديد في البيئة العلمية وهو ما عرف بـ “التنظير الفقهي” يقول القانوني الكبير الدكتور عبد الرزاق السنهوري: “إن الفقه الإسلامي في مراجعه القديمة لا توجد فيه نظرية عامة للعقد، بل هو يستعرض العقود المسماة عقدا، وعلى الباحث أن يستخلص النظرية العامة للعقد من بين الأحكام المختلفة لهذه العقود المسماة فيقف عند الأحكام المشتركة التي تسري على الكثرة الغالبة من هذه العقود”(1).

فوجد فقهاء العصر الحديث أن هذه الطريقة الجديدة تعتمد على الحصر الشامل لكليات الموضوع وجزئياته، وأسبابه، وشروطه، وأركانه، وتقسيماته في تسلسل منطقي، تربط كافة أطرافه علاقة فقهية معينة فأقبلوا على دراسة الفقه لاستخراج هذه النظريات، وخرجوا بنظريات كثيرة كنظرية العقد، والملك، والحق، والأهلية، والضمان، والعرف، وغير ذلك، وتتابعت المؤلفات في ذلك، فألف الدكتور مصطفى الزرقا “المدخل الفقهي العام” وتكلم فيه عن نظريات الملكية، والعقود، والمؤيدات، والأهلية والولاية، والعرف، يقول فيه: “نريد من النظريات الفقهية الأساسية تلك الدساتير والمفاهيم الكبرى التي يؤلف كل منها على حدة نظاما حقوقيا موضوعيا منبثا في الفقه الإسلامي كانبثاث أقسام الجملة العصبية في نواحي الجسم الإنساني، وتحكم عناصر ذلك النظام في كل ما يتصل بموضوعه من شعب الأحكام”(2).

ولما ظهر هذا الكتاب قال فيه بعض الحقوقيين: “رأى الفقه الإسلامي في ترتيبه، وتبويبه، وربط فروعه بأصوله متأخرا قرونا عن الفقه الحديث، فأخذ على نفسه أن ينقل الفقه الإسلامي عبر هذه القرون الطويلة نقلة واحدة؛ ليلحقه بالفقه الحديث فوفقه الله إلى ما أراد، فوطّأ الفقه الإسلامي لكل طالب، ونقله بخطوة واحدة جبارة من العصر العباسي إلى عصرنا الحديث”.

وتتابعت المؤلفات في النظريات الفقهية كـ “الملكية ونظرية العقد” للشيخ محمد أبو زهرة، و”نظرية الحق” ونظرية العقد” كلاهما للدكتور محمد سلام مدكور، و”النظريات الفقهية” للشيخ يوسف المرصفي، و”نظرية الضمان” للدكتور محمد فوزي فيض الله، وغيرها من المؤلفات.

ثالثا: تصنيف الموضوعات الفقهية وفقا للترتيب الأبجدي.

كان من مظاهر التجديد الفقهي في العصر الحديث أيضا ظهور الموسوعات الفقهية المرتبة أبجديا؛ التي كان من أهدافها تيسير سبل الاطلاع على المواضيع الفقهية واختصار الوقت ليتمكن الباحث فيها من الوصول إلى ما يبحث عنه بسهولة، بدلا عن الطريقة القديمة التي ترتب فيها المسائل داخل الموضوع الواحد، وكانت نواة هذه الموسوعات في سوريا، تلبية للنداء الصّادر عن مؤتمر أسبوع الفقه الإسلاميّ في باريس (١٣٧٠هـ/ ١٩٥١م) واشترك فيه ثلّة من فقهاء العالم الإسلامي، فكان بين توصياته الدعوة إلى تأليف موسوعة فقهية تعرض فيها المعلومات الحقوقية الإسلامية وفقا للأساليب الحديثة والترتيب المعجمي، وفي (١٣٧٥ هـ/ ١٩٥٦ م ) كانت بداية المحاولات الرسمية لإبراز هذا القرار التاريخي إلى حيّز الواقع من قبل لجنة ملحقة بكلية الشّريعة في جامعة دمشق مكونة بمرسوم جمهوري، وقامت بالفعل بالعمل فيه، غير أنها كانت تسير في عملها ببطء، ولما قامت الوحدة بين مصر وسوريا تم الاتفاق على اشتراك العلماء المصريين معهم في عمل الموسوعة، وسميت بـ”موسوعة جمال عبد الناصر للفقه الإسلامي” وبعد أن انتهت الوحدة بين مصر وسوريا تابعت مصر إصدارها، ويقوم على إصدارها المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وتألفت اللجنة سنة (١٣٨١هـ/١٩٦١م) وفي هذه الموسوعة تذكر الآراء الفقهية في المذاهب الثمانية (الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، والظاهرية، والزيدية، والإمامية، والإباضية) وتحروا سهولة العبارة، دون ترجيح لمذهب على مذهب، وظل العمل فيها من وقتها إلى الآن –مع توقف وتقطع للعمل في أثنائها- وصدر منها حتى الآن (٤٦) جزءا.

الموسوعة الفقهية الكويتية: ساهمت دولة الكويت في إصدار موسوعة فقهية مرتبة أبجديا أيضا، وقد قامت وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، بإنشاء الإدارة اللازمة للإشراف على عمل الموسوعة، وقد بدأت اللجنة المنوط بها المشروع عملها سنة(١٣٨٦هـ/١٩٦٧م) واستمر العمل فيها خمس سنوات، ثم توقف المشروع فترة، ثم بعث من جديد عام (١٩٧٥م) وصدر أول عدد منها سنة(١٤٠٠هـ/١٩٨١م) ثم توالت أعدادها، حتى تم الانتهاء منه، وصدرت في (٤٥) مجلدا.

رابعا: تصنيف المعاجم الفقهية.

تتميما للجهود السابقة في الاهتمام بالفقه الإسلامي، قام بعض الباحثين بتذليل صعوبة البحث في الكتب الفقهية بصنع فهارس ومعاجم لمسائل الكتب الفقهية المطولة، منها على سبيل المثال:

  1. فهرس حاشية ابن عابدين وضعه الأستاذ: أحمد مهدي خضر.
  2. معجم الفقه الحنبلي وهو عبارة عن فهرس أبجدي لكتاب المغني لابن قدامة، صدر عن وزارة الأوقاف الكويتية.
  3. الفهرس الهجائي لكتاب المغني لابن قدامة، وضعه الأستاذ: محمد سليمان الأشقر.
  4. معجم فقه ابن حزم: وهو عبارة عن فهرس أبجدي لكتاب المحلى صدر عن كلية الشريعة بدمشق.

خامسا: البرامج والموسوعات الإلكترونية.

لا زالت حاجة الباحثين ترنوا إلى الوصول لبغيتهم بيسر وسهولة، ومع ظهور التقنيات الحديثة، والبرامج الإلكترونية، استحدثت برامج في العلوم الشرعية، ومنها الفقه الإسلامي، فظهرت بعض البرامج المهمة في هذا المجال منها:

  • برنامج الموسوعة الكويتية: بعد أن صدرت النسخة الورقية للموسوعة الكويتية، تم تحديثها لتصدر في برنامج إلكتروني يبحث فيه عن النصوص والواردة بالموسوعة، وكذا مصادرها المنقول عنها، ويبحث فيها نصيا أو فقهيا أو موضوعيا، وهو بين يدي الباحثين ينهلون منه.
  • برنامج جامع الفقه الإسلامي: قامت شركة حرف بالتعاون مع وزارة الأوقاف الكويتية؛ لإخراج هذا البرنامج الموسوعي الكبير ليكون خير معين لكل طالب علم وباحث في الفقه الإسلامي ويعد هذا البرنامج من أضخم الموسوعات الفقهية بما يحتويه من أمهات المصادر والمراجع والخدمات العديدة والمتنوعة التي لا غنى عنها لأي دارس للفقه الإسلامي.

محتويات البرنامج:

  • حوالي ٣٤٧,٠٠٠ صفحة في ٥٥٣ مجلدا تمثل ١٠٧ كتب من أهم مصادر التراث الفقهي الإسلامي.
  • ٣٩ مجلدا (حوالي ١٣٠٠٠ صفحة) تمثل آخر إصدار من الموسوعة الفقهية الكويتية التي تمثل أضخم عمل فقهي معاصر.
  • ١٠٥٤ بحثا فقهيا من أهم الأبحاث الفقهية المعاصرة (٢٧٢٢٧ صفحة).
  • مكنـز موضوعي فقهي يشتمل على أكثر من ٢٧٠٠٠ موضوع تغطي كافة الموضوعات الفقهية، يمكن من خلال اختيار أي موضوع منها الوصول إلى جميع المحتويات المتعلقة بهذا الموضوع.
  • ٣٦٥٦ مصطلحا تمثل المصطلحات الفقهية والأصولية والمعاصرة؛ مشروحة ومربوطة بمواضعها في مراجع البرنامج.
  • ٦. فهارس متنوعة تم تكشيفها واستخراجها من العناصر الفقهية في نصوص البرنامج؛ مثل: الآيات والأحاديث والآثار والأشعار والأعلام والكتب وغيرها.

خدمات البرنامج:

أ- تقنيات بحث متنوعة تتمثل فيما يلي:

  • البحث النصي بكلمة أو جملة.
  • البحث الموضوعي من خلال المكنز الموضوعي الفقهي الشامل.
  • البحث الفقهي من خلال الفهارس المستخرجة من نصوص البرنامج.
  • البحث بالمصطلحات التي تمثل لغة الفقه الإسلامي.
  • البحث المتعدد الذي يجمع أنواع البحث السابقة أو بعضها؛ ليدمجها في بحث واحد.

ب- إمكانية تطبيق إحصائيات على المراجع بواسطة عناصر التحليل الفقهي؛ لتفيد الدارسين في مجال الفقه المقارن وغيره.

ج- معجم لشرح غريب الألفاظ التي وردت في نصوص البرنامج من خلال كتب المعاجم الفقهية.

د- قائمة المراجع مرتبة ترتيبا ألفبائيا مع إمكانية ترتيبها زمنيا.

وهناك برامج أخرى عامة للعلوم الإسلامية ومن بينها الفقه الإسلامي، كبرنامج المكتبة الشاملة، وأيضا هناك برامج أخرى خاصة ببعض أبواب الفقه كبرنامج القسّام لقسمة التركات والمواريث.

ومن خلال ما سبق نكون قد تناولنا المصدر الأساس الذي تقوم عليه الفتوى وينهل منه المفتون وهو الفقه الإسلامي، وهو في الحقيقة ثروة تشريعية ضخمة لا تمتلك أي أمة من الأمم تراثا يدانيه في الكم والكيف.

ونكون قد بينا تسلسل كتب كل مذهب من المذاهب الفقهية الأربعة، وطريقة ترتيبها للموضوعات الفقهية، وهذا من شأنه أن ييسر على المفتي الرجوع إلى مرامه في مظنته.

هذا فيما يتعلق بالتراث الفقهي القديم، أما ما يتعلق بالإنتاج الفقهي المعاصر فهو لا شك دعامة أخرى يستند إليها المفتون حيث إنها صبغت بحاجة العصر وعالجت قضايا الآنية، فيجدر بمن تصدر للفتوى أن يكون على دراية بها وحسن استفادة منها.

1 مصادر الحق في الفقه الإسلامي «دراسة مقارنة بالفقه الغربي»، الدكتور عبد الرزاق السنهوري، (١/٣٢).

2 المدخل الفقهي العام، الشيخ مصطفى الزرقا (١/٣٢٩).

اترك تعليقاً