البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

مقدمة المعلمة المصرية للعلوم الإفتائية

120 views

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فإن العلوم تتقلب بين أطباق شتى، فتبدأ بمجموعة من الأفكار المتناثرة بين طيات علوم مختلفة، ثم محاولات من الجمع الواعي بين تلك الأفكار واستكشاف الروابط بين تلك المسائل، إلى أن تصل إلى مرحلة التأسيس الفعلي، والتي توضع فيها أصول العلم، وتستقر دعائمه وركائزه، ويبرز بماهية متمايزة عن سائر العلوم، وهي المرحلة الفارقة التي يمكن فيها إطلاق اسم العلم بمعناه المعروف، وهذا الانتقال بين المراحل السابقة ليس له تأقيت مطرد، بل يختلف طولًا وقصرًا بحسب إسهامات العلماء في تطوير ذلك العلم وصياغة أصوله.

فعلم الاجتماع الذي وضع ابن خلدون بذرته الأولى في أواخر القرن الثالث عشر الميلادي تقريبًا، انتظر أربعة قرون كاملة حتي تم تأسيسه الفعلي بنظرياته الأولى على يد أوجست كونت في نهاية القرن الثامن عشر، قبل أن يبدأ العلم في التطور على يد رواده؛ دور كايم وفيبر وبارسونز ومن تبعهم إلى اللحظة الراهنة.

وكذلك الأمر في علم النفس الذي بدأ مرتبطًا بالفلسفة، فقد تناول الآباء الأوائل للفلسفة كسقراط وأفلاطون وأرسطو بعض موضوعات النفس البشرية بطريقة استنباطية غيبية، ولحق ذلك محاولات متعددة لفهم النفس والسلوك الإنساني على يد ابن سينا والغزالي وغيرهم، ومع بداية عصر النهضة الأوربي استمر العلماء في تلك المحاولات على يد جون لوك وديكارت، إلى أن استقل علم النفس وانتقل إلى مرحلة التأسيس الفعلي على يد فونت.

ولم يختلف الحال في العلوم الإسلامية الخالصة كعلم أصول الفقه ومقاصد الشريعة وغيرها، فبدأت تظهر كقواعد متفرقة مستقرة في عقول العلماء يدل عليها مسالكهم في الاستنباط وتقرير الأحكام الشرعية، إلى أن استقرت كعلوم مستقلة لها مبادئها وأصولها.

ولم يختلف الإفتاء عن غيره من العلوم الإسلامية من حيث أطوار التأسيس، فقد أفرد الكثير من العلماء الإفتاء بمصنفات مستقلة تناولت آداب الفتوى وقواعد الإفتاء؛ لشعورهم باستقلالية موضوعه ومباحثه، والبعض الآخر ضمَّن مباحثه في مصنفات أصول الفقه، والفروع الفقهية، إلا أن تلك الجهود لا تتجاوز كونها نواة لتأسيس العلم، ولم يرق أيٌّ منها -على الرغم من كثرتها- لأن يشكل علمًا له أركانه المتعارف عليها.

ولطالما كان انتقال الإفتاء من مرحلة المعارف المتفرقة، والمبادئ العامة، إلى مرحلة التأسيس الفعلي كعلم قائم بذاته بتحقيق أصوله وتحرير مقاصده وتمييز قواعده وشرح المهارات اللازمة لتطبيقه وبيان مصادره وتاريخه وما يمكن أن يستفيده من العلوم الإنسانية والإدارية، وتجلية ضوابطه وأركانه وفروعه المتعددة- حلمًا يراود دار الإفتاء المصرية، فسعت إلى تحقيقه عبر السنوات الماضية، ودفعت في ذلك الاتجاه بكامل طاقتها ومواردها، فلم تتوقف جهود الدار والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم لدعم صناعة الإفتاء.

وفي سبيل ذلك عقدت الأمانة خمس مؤتمرات عالمية منذ عام ٢٠١٥م، وأصدرت العديد من النشرات والإصدارات المطبوعة والمواد الإلكترونية، ومع كل ما تم إنجازه ما زالت دار الإفتاء بكوادرها وعلمائها وباحثيها يرملون تجاه مقصودهم بلا التفات، ولا يغيب عن خاطرهم ضرورة استقلالية علم الإفتاء، وما أن رأت الدار أن جهودها السابقة قد أَثْرت المجال الإفتائي وأحدثت حراكًا كبيرًا نحو استقلاليته، وبدا واضحًا أن مسائله ومحاوره قد زهت واستوت على سوقها، عزمت على أن تنفخ فيه من روحها، لتتمثل تلك المعلمة جسدًا قويًّا بالغًا، معبرةً عن لحظة فارقة في تأسيس العلوم، ومؤذنةً بميلاد علم أصيل مكتمل الأركان قابل للنمو والتطور والازدهار بسواعد العلماء والباحثين.

فكرة المعلمة المصرية لعلوم الإفتاء:

إن المتتبع للجهود العلمية التي تبذلها دار الإفتاء المصرية يلمس توجهًا صريحًا في دعم صناعة الفتوى وتطويرها، ويظهر ذلك من خلال جهود الدار في السنوات السابقة، فأنشأت مركز إعداد المفتين عن بعد لضمان تخريج دفعات من المؤهلين للتصدر للفتوى ومعالجة القصور العلمي والمنهجي في عملية الفتوى، كما وضعت برامج تأهيل للمفتين، وأصدرت عن طريق الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم نشرة دعم البحث الإفتائي لدعم الباحثين في مجال الفتوى، وغير ذلك من الجهود التي لا تخطئها العين، وأعلنت الدار نيتها في استكمال تلك الجهود من خلال خطتها الاستراتيجية للأعوام الخمس المقبلة، فأعلنت عزمها على إنشاء مجمع فقهي للضوابط الإفتائية، وإصدار مؤشرات ومعايير للعملية الإفتائية، وتطوير العديد من التطبيقات الإلكترونية ووسيلة الفتوى الهاتفية، وإنشاء وحدة للإنتاج الفني للفتوى، وإنشاء برنامج سلام وإطلاق منصة محاكمة التي تعتمد على تقنية الواقع الافتراضي مع استمرار سلسلة المؤتمرات التي تعقدها الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، وإنشاء يوم عالمي للإفتاء، ومرصد المستقبل الإفتائي، وغير ذلك من المبادرات المستقبلية التي تُظهر توجه الدار في دعم عملية صناعة الفتوى وعلم الإفتاء.

ومع التطور الكبير الذي شهدته الساحة العلمية في مجال الفتوى والإفتاء نتيجة تلك الجهود، شعرت دار الإفتاء أن الأمة الإسلامية بحاجة إلى عمل موسوعي جامع، يضم جميع المعارف والعلوم المتعلقة بالإفتاء، ابتداء من المداخل العامة التي تناولها العلماء السابقون وصولًا إلى طرق الإدارة الحديثة للمؤسسات الإفتائية.

ولما كانت تلك المعلمة في تصور دار الإفتاء عملًا موسوعيًّا، فقد اقتضى ذلك اشتراك أكاديميين مختلفي التخصصات في عملية الإعداد، لا سيما مع كثرة متعلقات علم الإفتاء وفروعه المختلفة؛ فإن ثمة جهات ارتباط وتأثير وتأثر بين علم الإفتاء والعلوم الاجتماعية من جهة، وارتباط بالعلوم الإدارية فيما يخص إدارة الفتوى والمؤسسات الإفتائية من جهة ثانية، وكذا ارتباط بعلوم الشريعة من الفقه والأصول والمقاصد وغير ذلك، وكل ذلك جعل لتلك المعلمة خصوصيتها، ودفع دار الإفتاء إلى اعتماد العمل المؤسسي الجماعي لإخراج تلك المعلمة وفق تصورها.

ومن هنا خرجت المعلمة المصرية لعلوم الإفتاء، لتعكس عملًا مؤسسيًّا علميًّا تم الاستعداد له والتخطيط لخروجه عن طريق دراسات متأنية وخطط عمل مرحلية نتج عنها في نهاية المطاف موسوعة علمية تؤسس لعلم الإفتاء ابتداء من مبادئه العامة وتاريخه وتاريخ المؤسسات الإفتائية مرورًا بمفاهيم الفتوى وعلومها المختلفة، والمهارات اللازمة لها، إلى إدارة المؤسسات الإفتائية وسبل تحقيق التميز المؤسسي.

انطلقت تلك الموسوعة المصرية من رؤية الدار بضرورة استقلال علم الإفتاء، كعلم مكتمل الأركان ثابت القواعد، شديد البنيان، ومن همًّ وطني وإسلامي جراء انتشار الحركات المتطرفة واعتمادها على الفتوى كآلية للاستقطاب والتبرير والتأصيل لمسارات الانحراف الديني والأخلاقي، وقد زاد من تلك الضرورة أزمة اضطراب المفاهيم وانحراف الخطاب الديني الذي مرت به الأمة الإسلامية مؤخرًا، حيث مثَّلت تلك الأزمة وتبعاتها نقطة الانطلاق التي أنتجت بعد عمل دءوب ومستمر ذلك العمل الموسوعي الذي رامت دار الإفتاء من ورائه تحقيق جملة من الأهداف، أبرزها:

  • التعريف بعلم الإفتاء، وتمييزه عن سائر العلوم، وفرض استقلاليته بشكل كامل بعد أن كان مباحث منفردة في مصنفات مستقلة أو ضمن مصنفات الفقه والأصول، فهدفت المعلمة إلى التعريف بنشأته وتطوره من عهد النبي صلى الله عليه وسلم وصولًا للفتوى المؤسسية، والفتوى المعاصرة.
  • التأصيل لصناعة الفتوى، تأصيلًا علميًّا شاملًا، فتبيِّن مراحل تلك الصناعة ومحاورها الرئيسية، وموقعها بين الصناعات الإسلامية الخالصة، والمرتكزات التي تقوم عليها، والمهارات اللازمة لها.
  • عرض مناهج الفتوى ومسالك المفتين، سواء كانت تلك المناهج تراثية لعلماء المذاهب المشهورين، أو مناهج المفتين في العصور الحديثة، وفيما بعد الاتجاه إلى مأسسة الفتوى، وبيان القواعد الثابتة التي تقوم عليها منهجيات الإفتاء المختلفة.
  • الاهتمام ببليوجرافيا الفتوى والإفتاء عن طريق عرض مصادر الفتوى والإفتاء وخصوصًا التراثية، وبيان مراجع الفتوى الفقهية وعلومها.
  • التصحيح والرصد لقضايا المصطلح والمفهوم، والتي مثَّلت معضلة فكرية وثقافية في الآونة الأخيرة، وكانت في كثير من الأحيان السبب الرئيسي في التخبط العلمي في صنعة الإفتاء، كاختلاط مفهوم التيسير في الفتوى بمفهوم التساهل المؤدي للشذوذ، وكذا اضطراب مفهوم المتصدر للفتوى وشروطه وما أسفر عنه من تصدر عدد هائل من غير المتخصصين، وغير ذلك من المفاهيم التي هدفت المعلمة إلى بيانها وتصحيحها.
  • تسهيل علم الإفتاء، وتقريبه إلى غير المتخصصين، فالمعلمة حملت على عاتقها نشر ثقافة الفتوى وتعميم الفائدة لتشمل المتخصصين وغير المتخصصين.
  • دعم البحث والدراسات الإفتائية؛ لتستمر مسيرة النمو المتصاعد لعلم الفتوى، وإيمانًا من الدار بأن البحث العلمي والأكاديمي هو المسئول الأول عن ازدهار العلوم وتطورها.
  • نقل الخبرات الإفتائية، وتحويل المهارة الإفتائية التي يحصلها المتصدر للإفتاء بعد طول ممارسة للفتوى -مع الاستعداد الفطري والتأهيل العلمي- إلى خطوات إجرائية يمكن تحصيلها والتدرب عليها؛ مما يضمن المساهمة الحقيقية في إعداد المفتين، وزيادة عدد المتصدرين للفتوى من المتأهلين.
  • الوصول إلى طور النضوج والازدهار في علم الفتوى، عن طريق إرساء اللبنة الأولى في البنيان العلمي الكبير الذي تأمل دار الإفتاء في تضخيمه في السنوات المقبلة.
  • توثيق مهارات الصنعة الإفتائية، والجمع بين الخبرة العملية والأصول العلمية للإفتاء.
  • التصدي لظاهرة الفتوى الشاذة وتضييق الخناق عليها وعلى مروِّجيها بالنشر المنهجي والمنظم لأصول وقواعد صناعة الفتوى الوسطية الصحيحة.
  • الاهتمام بالمورد البشري في المؤسسات الإفتائية وتدريبه وتنمية مهاراته؛ من أجل تحسين الخدمة الإفتائية المقدمة إلى المجتمع المسلم، والمجتمع الإنساني على وجه العموم.
  • الأخذ بمفاهيم الإدارة الحديثة وإعادة هيكلة المؤسسات الإفتائية وفق تلك المعطيات الحديثة، والعمل المستمر على تحديث المؤسسات الإفتائية وتطويرها؛ لمواكبة ما يستجد من تحديات العصر الراهن.
  • استشراف المستقبل وحسن الاستعداد لمواجهة مستجداته وأحداثه، واتخاذ الأسباب اللازمة لمواكبة تطوراته دون الإخلال بمتطلبات الحاضر.
  • تيسير الأمر على مجتهدي العصور اللاحقة عند النظر في نوازل عصرهم من خلال ما تم توفيره بين أيديهم من الفتاوى الافتراضية الجاهزة.
  • بيان شمولية الفقه الإسلامي، والصلاحية الزمانية والمكانية له.

لقد فرض حجم المعلمة وتعدد أقسامها واختلاف طبيعة كل قسم، تعدد المناهج العلمية التي اعتمدت عليها فرق الإعداد في مراحل العمل المختلفة، وذلك لما تقتضية طبيعة البحث والمادة العلمية في كل قسم من الأقسام، وقد التزم فريق إعداد المعلمة في الجملة بمناهج وأساليب البحث العلمي الحديثة، إيمانًا منهم بضرورة الضبط العلمي والمنهجي، فاعتمد فريق العمل على ثلاثة مناهج رئيسية، وهي: المنهج الإجرائي والمنهج التاريخي والمنهج التحليلي.

المنهج الإجرائي:

يختص المنهج الإجرائي بالبحث حول مدى كفاية الوسائل الجديدة والبرامج والأساليب والمهارات الحديثة في التغلب على ظواهر ومشكلات البيئة التي اتخذت في الدراسة؛ وذلك بهدف التطوير والتنقيح المستمر وإيجاد الحلول والاقتراحات.

ولما كان من أبرز أهداف المعلمة المصرية تطوير المهارات الإفتائية ووسائل الفتوى والدراسات الإفتائية، وطرق الإدارة في المؤسسات الإفتائية، وما يتبع ذلك من أساليب وإجراءات تقتضيها عملية التطوير، كان المنهج الإجرائي أحد المناهج المعتمدة في صياغة المعلمة وظهورها، وكان للمنهج الإجرائي حضوره القوي في تقييم الوسائل والبرامج والأساليب الإفتائية لا سيما الجديدة منها، ومدى كفاية تلك الوسائل للوصول إلى مستوى متميز في الصناعة الإفتائية، وفي مدى إمكانية تحقيق تلك الوسائل والبرامج والأساليب هدفها من القضاء على ظاهرة الفتاوى الشاذة والنفعية، وتظهر ملامح ذلك المنهج بشكل كبير في المجلد العاشر والحادي عشر “التميز المؤسسي في دور وهيئات الإفتاء”.

المنهج التاريخي:

يهدف المنهج التاريخي في البحث العلمي إلى التجميع والتصنيف للأدلة الماضية وعرضها على هيئة حقائق موثقة للخروج بعدة قرائن ومدلولات تساعد على فهم قضية علمية محددة، وللمنهج التاريخي مساهمته الفعالة في معالجة العديد من المشكلات المعاصرة، في ضوء المعارف والخبرات والمعلومات السابقة.

وقد اعتمد الباحثون في إعداد المعلمة على المنهج التاريخي لا سيما في المجلد الأول والثاني في عرض تاريخ الفتوى والإفتاء، وتتبع التطور التاريخي للفتوى وصناعة الإفتاء، ورصد مناهج العلماء في المذاهب الإسلامية في الفتوى، والتاريخ المؤسسي للإفتاء، مما ساعد في فهم قضية الفتوى وصناعتها فهمًا دقيقًا، وساعد في إرساء دعائم ومحاور اختيار المناهج الإفتائية وأسس صناعة الفتوى في ضوء التراث الفقهي عبر حركات الإفتاء عبر العصور المختلفة.

المنهج التحليلي:

يتميز المنهج التحليلي بسعيه لتفكيك المشكلة محل البحث، ودراسة جزئياتها بدقة، من خلال عملية التحليل والنقد لتلك الجزئيات، ومن ثَمَّ استعادة الهيئة الكلية الجدية مرة أخرى، واستنباط الأحكام، انطلاقًا للتعميم، ونظرًا لتميز المنهج التحليلي بالتعمق في دراسة القضية محل البحث والوصول إلى حلول مؤثرة في العلاج كان له حضوره أيضًا في إعداد المعلمة المصرية مساندًا للمنهج التاريخي، فاستعمل فريق الإعداد من الباحثين والأكاديميين آليات المنهج التحليلي في تفكيك وقراءة فتاوى العلماء والمؤسسات الإفتائية، ومن ثَمَّ الوصول إلى أسس الفتوى ومناهجها، والمهارات الإفتائية التي ينبغي توافرها في المتصدر للفتوى، والمراحل التي تمر بها صناعة الفتوى، كما أسهم المنهج التحليلي في دراسة المؤسسات الإفتائية وتحليل أدائها مما ساعد في وضع تصورات هيكلتها وإدارتها لتحقيق التميز المؤسسي.

وبالإضافة إلى المناهج الثلاثة السابقة كان من الضروري أن تخرج المعلمة المصرية وفق ضوابط منهجية حاكمة تضمن تأدية المعلمة لوظيفتها وأهدافها التي رصدت لها، وقد شكل ذلك الإطار الحاكم ثلاثة ضوابط منهجية، وهي:

التكامل:

إن الغرض الرئيسي من إخراج المعلمة المصرية لعلوم الإفتاء هو تدشين علم إفتاء حقيقي، ولذلك كانت الموسوعية هي الصفة الأولى الملاصقة للمعلمة، ومن هنا كان السعي إلى التكامل التام هو الضابط الأول من الضوابط المنهجية في إعداد المعلمة، ونعني بالتكامل هنا النظر في كافة الفروع المتعلقة بعلم الإفتاء، وما يمكن أن يفيد منه المهتم والباحث والمتعلم في ذلك العلم، وفي إطار ذلك المنهج بدأ العاملون على الإعداد يرصدون تلك الأقسام التي تضمنتها المعلمة بوصفها جميعًا من الفروع الضرورية للعلم، مثل المصطلحات والمفاهيم الإفتائية، والمبادئ العامة للفتوى والإفتاء، وتأهيل المفتين، والمناهج الدراسية المناسبة لذلك، والمهارات والأسس والأساليب الإفتائية، وما يتعلق بالبحث الأكاديمي الإفتائي، وأساليب وطرق الإدارة التي تضمن التميز المؤسسي.

التهيئة المناسبة:

مثَّلت غزارة المادة التي تضمنتها المعلمة مسئولية علمية كبيرة على فريق الإعداد؛ لأن ضخامة المادة قد تؤدي إلى تداخلها وعرضها بشكل مخل بالمقصود، فيحدث بذلك اضطراب عند القارئ مما يحول دون الاستفادة من المادة العلمية التي تضمنتها المعلمة، ولذلك كانت تهيئة تلك المادة العلمية والأطروحات التي قدمها فريق إعداد المعلمة ضرورة علمية وضابطًا حاكمًا في منهج العمل والإخراج، فتم اعتماد ترتيب منطقي لأبواب المعلمة يبدأ بمدخل عام للإفتاء ثم عرض تاريخي للإفتاء والمؤسسات الإفتائية، والانطلاق من خلال تصحيح المفاهيم الإفتائية ليكون مدخلًا لعلوم الفتوى المختلفة، وبعد ذلك استخراج المهارات الإفتائية الضرورية في قوالب مناسبة ومطردة لضمان حسن الاستفادة منها. وأخيرًا التطرق لمسائل الإفتاء المؤسسي وطرق تحقيق الجودة وإدارة الموارد داخل المؤسسات الإفتائية.

الصياغة العلمية:

تمثل الصياغة الجسر الذي تعبر من خلاله المادة العلمية إلى أذهان القراء لتحقيق الأهداف المرصودة من العمل، فهي عبارة عن تجسيد لكافة الإجراءات والخطوات والالتزام المنهجي الذي تم في المنتج العلمي.

وتتضاعف أهمية الصياغة العلمية طرديًّا مع أهمية العمل ومقصوده بالإضافة إلى حجمه، وتلك المادة العلمية الغزيرة التي تم تضمينها للمعلمة، مع أهميتها زادت من دور الصياغة العلمية، بحيث إن تلك المادة لم تكن لتحقق مقصودها إلا باستخدام الصياغة المناسبة، فالتزم فريق الإعداد في صياغة المعلمة بالضوابط العلمية المتفق عليها في الصياغة، فتم تحري الدقة في اختيار الألفاظ السهلة السلسة التي تتميَّز بالوضوح والدقَّة، والابتعاد عن الألفاظ الغريبة الخالية من التقعُّر، والتي يصعب فهمها من المتخصصين فضلًا عمن هم دونهم من غير المتخصصين.

مع مراعاة قواعد اللغة العربية، واختيار التراكيب المناسبة، وعدم التكلُّف في الأساليب الأدبية، والتسلسل المنطقي بين ترتيب الفقرات، وتحاشى المبالغاتِ التي لا يكون لها واقع علمي حقيقي.

ونظرًا لخصوصية المعلمة من جهة موضوعها، ومن جهة تعدد أقسامها، فقد راعى فريق الإعداد مناسبة الصياغة لكل قسم من الأقسام بما يساهم في وضوح الفكرة على الوجه الأمثل، مع الوضع في الاعتبار أن من أغراض وأهداف المعلمة تيسير وتقريب علوم الإفتاء لكافة أبناء الأمة، فكان لابد للصياغة أن تبتعد عن التعقيد والإغراق في الاصطلاحات الغريبة، دون الإخلال بالنمط الأكاديمي في الصياغة، والالتزام بالأسلوب العلمي في العرض.

تناولت المعلمة المصرية لعلوم الإفتاء مجموعة كبيرة من الموضوعات والأقسام:

فعرضت المعلمة مدخلا متكاملا إلى علم الإفتاء، وهو عبارة عن المعارف التي يجب لكل من أراد دراسة علم الإفتاء من الإحاطة بها، ويتكون ذلك المدخل من أربعة أبواب يسبقها بعض التعريفات للإفتاء، والحكم التكليفي والقضاء والتحكيم، وبيان الفرق بين مصطلح الإفتاء وبين المصطلحات المتشابكة مثل “الفقه” و”القضاء” و”التحكيم”، وبعض المسائل الأخرى كمسألة تعدد المفتين في البلد الواحد، وبيان استقلالية علم الإفتاء عن علم أصول الفقه.

وتناول الباب الأول من المدخل إلى علم الإفتاء “أطوار الفتوى” فبدأ بالفتوى في عصر الرسالة، والمتصدرين للفتوى في ذلك العصر، وسمات الفتوى الرئيسية في عصر الرسالة.

ثم الفتوى في عصر الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم، وأبرز الأحداث التي أثرت في المسيرة الإفتائية في عصر الصحابة والتابعين، والمتصدرين للفتوى منهم، وسمات الفتوى في عصر الصحابة والتابعين، وتبع ذلك الفتوى في عصر الأئمة المجتهدين، وأبرز الأحداث التي أثرت في المسيرة الإفتائية في هذا العصر، والمتصدرين للفتوى، وسمات الفتوى في ذلك العصر، وتبعه الفتوى في عصور التقليد، من خلال ذات العناصر السابقة، وأخيرًا الفتوى في العصر الحديث، ومأسسة الفتوى، وتناول النموذج المصري لمأسسة الفتوى.

وفي الباب الثاني من المدخل: صناعة الفتوى، وتضمن ذلك الباب مفهوم صناعة الفتوى ومراحلها ومهاراتها، وصناعة المفتي المتأهل، والتخصص الإفتائي، والإفتاء الجماعي، وتنظيم الفتوى، والمراد بمفتي الضرورة والمؤسسات الإفتائية.

وتعرض الباب الثالث من المدخل لمناهج الفتوى، والمرتكزات التي تقوم عليها منهجية الإفتاء، والعوامل المؤثرة في اختيار المنهجية، ومناهج الفتوى من حيث التشدد والتساهل.

ثم تناول الباب مراجع الفتوى وطرق تقسيم المراجع الفقهية، وأخيرًا ببليوجرافيا لكتب الفتوى عند المذاهب الأربعة.

ومن أهم ما تناولته المعلمة المصرية تاريخ الفتوى وأهم المؤسسات الإفتائية، فعرضت المعلمة في جزء تاريخي هام لاستعراض المسار التاريخي للفتوى والإفتاء، وبدأ ذلك الاستعراض التاريخي منذ وقت مبكر قبل البعثة النبوية، ثم الفتوى في صدر الإسلام وفي العصور الإسلامية التالية: الأموي والعباسي والفاطمي والمملوكي، وفي كل عصر من تلك العصور أشير إلى أشهر الفقهاء المفتين.

وبعد هذا الاستعراض للفتوى تاريخيًّا، انتقل هذا الجزء التاريخي للإشارة إلى أهم المؤسسات الإفتائية في العالم الإسلامي، فتم استعراض دار الإفتاء المصرية، وديوان الإفتاء بتونس، والمجلس العلمي الأعلى بالمغرب، والمجلس الأعلى للفتاوى والمظالم بموريتانيا، ودار الإفتاء بالأردن، ودار الإفتاء الفلسطينية، وديوان الوقف السني بالعراق، وإدارة الإفتاء بالكويت، ومكتب الإفتاء بسلطنة عمان، ومجمع البحوث الإسلامية، والمجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة.

وفي كل هيئة ومؤسسة من تلك المؤسسات، يتم تناول لمحة تاريخية عن المؤسسة ونشأتها، وأبرز منتسبيها من الأئمة الأعلام، ومهامها وبعض الملامح الإدارية لها، والخطوط الرئيسية لمنهج الإفتاء في تلك المؤسسة، ونماذج تطبيقية من فتاويها.

وكان للمفاهيم الإفتائية حضور في المعلمة المصرية، فمثلت قسما كبيرا، عني بالبناء المفاهيمي لعلم الإفتاء، ولعل إفراد قضية المفاهيم بمجلدين كاملين يَظْهر منه توجه المعلمة واهتمامها الكبير بقضية المصطلح والمفهوم؛ حيث إن قضية الخلط والتحريف الدلالي قد ألقت بظلالها على البيئة الفكرية والثقافية بوجه عام، وعلى صناعة وعلم الفتوى والإفتاء بوجه خاص.

وهذا القسم بمثابة معجم إفتائي يحصر المفاهيم الإفتائية التُّراثية والمعاصرة والحديثة بكافَّة صورها وأشكالها، سواءٌ أكانت هذه المفاهيم متعلقة بالفتوى المقروءة، أم المسموعة، أم المرئية؛ بشرط أن تكون هذه المفاهيم ممَّا يُستخدم في نطاق العملية الإفتائية وما يتعلَّق بها.

والهدف من ذلك رَصْد المفاهيم الإفتائية المستخدَمة في الفتوى قديمًا وحديثًا؛ والعمل على بيان أُصولها اللُّغوية؛ ومِن ثَمَّ الوقوف على دقائق معانيها الاصْطِلاحيَّة، وبيان أهمِّ المؤثرات أو القيود أو المحترَزات أو الأركان أو الشُّروط ذات الصِّلة بها.

كما يهدف المعجم إلى معرفة المراد بكل مفهوم من المفاهيم الإفتائية، مما يسهم في بيان الثقافة الإفتائية، وإثرائها.

بالإضافة إلى تَسْهيل علم الإفتاء، وتَقْريبه إلى غير المتخصِّصين؛ وما يترتب على ذلك من وضع الأمور في محلِّها الصحيح من خلال إيضاح تلك المفاهيم. والإسهام في القضاء على الأغلاط الحادثة النَّاتجة عن سوء الفَهْم لبعض المفاهيم ذات الصلة بالعملية الإفتائية.

ويضم ذلك القسم مجموعة كبيرة من المفاهيم والمصطلحات الإفتائية، ويقوم أُنْموذج كُلِّ مفهومٍ من المفاهيم على عدَّة محاوِرَ رئيسية:

ترتيب المفاهيم الإفتائيَّة الواردة ترتيبًا ألِفْبائيًّا، بصرف النَّظر عن أُصولها اللُّغويَّة؛ تسهيلًا على القارئ؛ وذلك بجعل كُلِّ حرفٍ بابًا من أبواب المعْجَم.

وذكر نوع المفهوم الإفتائي المنحصر بين أنواع أربعة، إفتائي فقهي، وإفتائي أصولي، وإفتائي تراثي، وإفتائي معاصر.

عمَلُ مَقالةٍ بحثية حول كلِّ مفهومٍ من مفاهيم المعجم على أن تشتمل تلك المقالة على (معنى المفهوم لغة واصطلاحًا- المعنى الإجرائي- الألفاظ ذات الصلة بالمفهوم- أهم الأركان والصور والمجالات والأنواع والضوابط والأصول والشروط والمحاور) إن وجد أي منها، مع بيان علاقة المفهوم بالعملية الإفتائية وأهميته لها.

وخصصت المعلمة قسما للنظريات الإفتائية، تناولت فيه عدة موضوعات رئيسية من خلال أربعة أبواب، الباب الأول: آليات الاختيار الإفتائي، ويبحث هذا الباب في آلية الاختيار في الفتوى من خلال أربعة فصول:

الفصل الأول: آليات الاختيار من المصادر الرئيسية للتشريع (القرآن- السنة- الإجماع- القياس).

والفصل الثاني: المذاهب الفقهية والإفتاء، حيث تناولت المعلمة المذاهب السنية الأربعة بذكر تعريف مبسط عنها وعن إمام كل مذهب منها، وعن الكتب المعتمدة في هذه المذاهب، وأهم مصطلحات المذهب.

واختص الفصل الثالث بالمذاهب الفقهية لغير أهل السنة (المذهب الظاهري،

والإباضي، والزيدي، والجعفري، وفي كل مذهب من تلك المذاهب تم تناول التعريف بالمذهب، وأئمته، وكتبه المعتمدة أيضًا، أما المبحث الخامس فتناول المذاهب المندثرة، وتم التعرض فيه لأئمة المذاهب التي لم يقدر لها البقاء كمذهب الإمام الأوزاعي، وسفيان الثوري، والليث بن سعد، ومؤلفات كل منهم.

وفي الفصل الرابع من ذلك الباب، نوقشت قضية ضوابط الاختيار من خلال بيان المصطلحات الإفتائية، كالإجماع والاتفاق ونفي الخلاف والجمهور، ودلالتها والفروق بينها، والمنهج السليم في اختيار الفتوى، تم التقعيد لقضية اختيار الفتوى.

أما الباب الثاني: فجاء تحت عنوان تغير الفتوى، وهي من أبرز القضايا في علوم الإفتاء، وهي أخص سمة للفتوى، فقابلية الفتوى للتغير هو ما يثبت مرونة الفتوى وتمايزها عن الحكم الفقهي، ونوقشت تلك القضية في ستة فصول:

الفصل الأول: المبادئ العامة في تغير الفتوى، وتم تناول المراد بتغير الفتوى، وحقيقة تغير الفتوى والحكم وأثرهما، والأدلة على مشروعية تغير الفتوى.

والفصل الثاني: وفيه ما يقبل التغير من الأحكام وما لا يقبله، وأهمية معرفة مواطن الثبات والتغير عند الإفتاء.

وتناول الفصل الثالث: موجبات تغير الفتوى، أما الفصل الرابع فعرض للجهات التي تتغير بها الفتوى (الزمان- المكان- الأشخاص- تغير الحال)، ونظرًا لحجم التغيرات الكبيرة التي اقتضاها التقدم الكبير في العصر الحاصر، تم تناول موجبات تغير الفتوى في ذلك العصر في الفصل الخامس، وهي: (تغير المعلومات- وحاجات الناس- والأوضاع الاجتماعية والسياسية- وعموم البلوى).

وأخيرًا تم بيان الضوابط الحاكمة لتغير الفتوى في الفصل الرابع.

وفي الباب الثالث، تم تناول منهج الفتوى في النوازل في فصلين، الأول تضمن تسعة مباحث فيها تعريف النوازل وبيان أهمية الاجتهاد في معرفة حكمها، ومنهج الحكم على النوازل، وضوابط الاجتهاد فيها، والشبه التي تطرأ على الفتوى، والواقع وعوالمه الأربعة، والنوازل وتغير الجهات الأربع (الزمان والمكان والأحوال والعادات)، وتقليد المذاهب الأربعة والخروج عنها، والقياس والتخريج، والقواعد المتعلقة بالخلاف الفقهي.

وتضمن الفصل الثاني مواجهة النازلة، بالنظر إلى المآلات، والترخص عند الابتلاء بالمتفق عليه والمختلف فيه مع عرض صور للخروج عن معتمد المذاهب الفقهية والإفتاء بالقول الضعيف، وتتبع رخص المذاهب، والتلفيق بين المذاهب.

ولما كان الاجتهاد الجماعي في العصر الحديث له أهميته البالغة نظرًا لأن الواقع المعاصر يجعل من الصعب -إن لم يكن من المستحيل- أن يستوعب شخص واحد مهما علا كعبه في العلم كل النوازل والمستجدات، بالإضافة إلى أن رأي الجماعة أقرب إلى الصواب من رأي الواحد، فبرزت من هنا أهمية الاجتهاد الجماعي وضرورته في الوقت الحاضر، وهو ما تناولته المعلمة في الباب الرابع حيث تناولت الإفتاء الجماعي تاريخه وأهميته ومفهومه ومحله، والإفتاء الجماعي في المستجدات، والترجيح والمتغيرات، وحجية الإفتاء الجماعي، والفرق بينه وبين الإجماع، والعلاقة بين الإفتاء الجماعي والإفتاء الفردي، وأهميته في ضبط الفتوى.

وتضمن الباب الخامس والأخير ما يتعلق بالنظريات الإفتائية ثم عرض للأسس والأساليب العلمية للإفتاء، وبيان مبادئ اختيار الأساليب الإفتائية، في إطار طبيعة المجتمعات الإسلامية، وجغرافية المذاهب الفقهية، ومنهج الإفتاء للأقليات المسلمة.

ثم عرض لأسس وأساليب وسائل الإفتاء (الشفوي- المكتوب- المسموع- المرئي)، وأسس المناهج الإفتائية (منهج الإفتاء بمذهب معين- منهج الاختيار من سائر المذاهب الفقهية)

وأخيرًا الطرق الإفتائية بين التطويل والاختصار وبين العلمية والوعظية.

وكان لا بد للمعلمة أن تخصص جزءا لا بأس به لتناول مهارات الفتوى والإفتاء؛ وذلك لتربية الملكة الإفتائية، والتي هي هيئة راسخة في النفس تنشأ من طول الممارسة العملية للفتوى وتنمو مع الزمن، وذلك عن طريق رصد المهارات الإفتائية وحصرها.

وقد بدأ القسم المخصص لـ “دليل المهارات الإفتائية” بالتعريف بذلك الدليل، والتعريف بمساقاته ومدخل عن المهارات الإفتائية.

والمساقات المحررة ثلاثة:

  • المساق الأول: مهارات صناعة الفتوى وطرق أدائها، وفيها وحدة مهارات العملية الإفتائية، ووحدة مهارات مراعاة واقع الفتوى، ووحدة مهارات الوسائل الإفتائية.
  • والمساق الثاني: مهارات منهجية الفتوى وإشكالياتها، ويتضمن وحدة مهارات منهجية الفتوى، ووحدة مهارات التعامل مع إشكاليات الفتوى، ووحدة مهارات تخريج الفتوى.
  • والمساق الثالث: مهارات استثمار المعارف ذات الصلة، وتتصمن وحدة مهارات الحساب الشرعي، ووحدة مهارات المعالجات المتخصصة، ووحدة مهارات فحص الفتوى.

وتحت كل وحدة من الوحدات السابقة في المساقات الثلاثة المهارات الخاصة بها، وتم إعداد كل مهارة وفق وضع تصور للمهارة الإفتائية بحيث يتم التعبير عنها في نقاط محددة، وهي:

  • تمهيد للمهارة
  • التعريف بالمهارة.
  • الأصل الشرعي للمهارة.
  • رتبة المتصدر للفتوى.
  • النطاق الفقهي للمهارة.
  • خطوات إعمال المهارة.
  • مثال تطبيقي على المهارة.
  • المعارف والتدريب اللازمان للمهارة
  • المهارات المتعلقة.

كما ضمت المعلمة قسما خاصا بمناهج البحث في الدراسات الإفتائية، حيث إن دعم البحث الأكاديمي في مجال الإفتاء أحد أهداف المعلمة المصرية لعلوم الإفتاء، وقد أولت الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم اهتمامًا مبكرًا لقضية البحث العلمي في المجال الإفتائي إيمانًا منها بأن البحث العلمي والدراسات الأكاديمية أهم الطرق لإثراء علوم الإفتاء وطرق أبوابها المغلقة.

وفي ذلك القسم تعرض المعلمة منهجًا متكاملًا للبحث العلمي المتعلق بالإفتاء، عن طريق بيان:

  • الإعداد للدراسة الإفتائية
  • موضوع البحث
  • أسس الاختيار وشروطه
  • خطة البحث.

منهج الدراسة، وتتضمن: المنهج الوصفي والتاريخي والمقارن وكيفية تطبيق كل منهم في الدراسات الإفتائية، وكيفية اختيار منهج البحث المناسب لموضوع الدراسة.

ثم مصادر الدراسات الإفتائية، وتتضمن: التعريف بمصادر البحث العلمي وأنواعها وأهميتها وتاريخها، ومصادر البحث الإفتائي إجمالًا، وطرق التعرف عليها وإعداد بياناتها، ومراجع البحث الإفتائي، وكيفية حصر المصادر والاستفادة بها، وأسس اختيار المادة العلمية، وكيفية جمع المادة العلمية، وصياغة المادة العلمية، والأخطاء التي ينبغي تجنبها أثناء جمع المادة العلمية.

ثم التطرق إلى التوثيق والهوامش، من خلال العرض لأهمية الهوامش ووظيفتها، وطريقة توثيق الاقتباسات والنقول والمعلومات وتوثيق الفتاوى خصوصًا، ونماذج عملية للتوثيق وكتابة الهوامش، ثم إعداد الفهارس، وما تعلق بها. وأخيرًا الإخراج الفني للرسالة ومهارات البحث الإفتائي.

وبعد ذلك تم عرض مجموعة من الرسائل العلمية في الإفتاء، وعرض مجموعة من الموضوعات المقترحة للرسائل العلمية وتوضيح الأطر الكلية لها.

واستعراض لأهم المعاهد العلمية المتاحة للدراسات الإفتائية على مستوى العالم، وببليوجرافيا لموضوعات الدراسات الإفتائية.

وفي الباب الثاني من المجلد الثامن تم عرض المصادر التراثية للفتوى والإفتاء، من خلال التعريف بكل كتاب ومؤلفه تعريفًا مختصرًا، وبيان موضوعات الكتاب والقيمة العلمية له.

ولا شك أن استشراف المستقبل والإعداد له في المجال الإفتائي له أهمية كبيرة لكون استشراف المستقبل من الموضوعات الحديثة التي تجعل الفقيه ذا سعة واطلاع على الأمور الفقهية، كما أن له اعتبارًا مهمًّا في استنباط الأحكام وتنزيلها؛ لما يُبنى عليه من تحقيق للمقاصد، لكن ينبغي التحوط في تقديره حتى لا ينتهي الأمر إلى الاستشراف الموهوم فيبنى عليه حكم في غير موضعه، فيكون في ذلك خطأ في تقرير أحكام الشريعة أو تنزيلها، ولذلك ينبغي ألا يعتبر في الاستشراف إلا ما يتحقق العلم به على وجه اليقين أو الظن الغالب.

والأمة اليوم بها حاجة إلى استشراف المستقبل في كل مجالات الحياة، وبخاصة في مجال الفقه وقضاياه المستحدثة ونوازله الممكنة الوقوع، لاسيما وأن الشريعة الإسلامية اهتمت بالمصالح والمفاسد في الحاضر والمستقبل، وقعَّدت لذلك القواعد الكثيرة؛ فلا بد من الاستعداد لكل نائبة متوقعة من نوائب الدهر عن طريق الاستشراف والتخطيط المسبق، ولذا ينبغي للعقل الإسلامي المعاصر التصالح مع المستقبل والانفتاح عليه استشرافًا وتخطيطًا وعملًا كي نحرر العقول من التعصب، ونأخذ من الماضي المشرق والحاضر المستنير بالدليل من أجل الاهتمام بقضايا المستقبل.

ولذلك رصدت المعلمة لمستقبليات الفتوى قسما كاملا احتوى التعريف بالدراسات المستقبلية ونشأتها وثلاثة أبواب، تضمَّن الباب الأول عدة مواضيع هي المستقبليات والشريعة الإسلامية، وأهمية دراسة المستقبل على وجه العموم، وأهمية دراسة المستقبل في العالم الإسلامي، وأشهر المؤسسات العالمية والعربية ذات التوجه المستقبلي، وتأصيل استشراف المستقبل في القرآن والسنة، ونماذج من استشراف المستقبل في السيرة النبوية الشريفة، وأساليب استشراف المستقبل الممنوعة والمشروعة.

وفي الباب الثاني تم تناول موضوعات الفتوى واستشراف المستقبل، وعلاقة الفتوى باستشراف المستقبل وأهمية المزج بينهما، وطرق معرفة ما يستوجب البحث عن الأحكام الشرعية المتوقع حصول مقتضياتها من المسائل المستقبلية، وفوائد الفتوى المستقبلية ونماذج منها، وفائدة الدراسات المستقبلية واستشراف المستقبل بالنسبة للدعاة والمفتين، والدراسة التطبيقية للفتوى المستقبلية، وارتباط الفتوى بالعلوم المختلفة، وبيان مدى تكامل العلوم الشرعية مع العلوم الإنسانية والتطبيقية.

أما الباب الثالث فعرض لمجموعة من المستقبليات الإفتائية كالسيارة ذاتية القيادة، واستيطان الفضاء وغير ذلك من المسائل.

ولما كان تحقيق الجودة وتطبيقها من الأهمية بمكان بحيث إنه لم يعد رفاهية يمكن الاستغناء عنها أو تجاوزها والركون إلى أساليب الإدارة القديمة التي لم تعد قادرة على مواكبة التحديات المعاصرة والمنافسة المحتدمة بين المؤسسات الإنتاجية والخدمية على حد سواء، خصصت المعلمة جزءا هاما لتناول قضية التميز المؤسسي في دور وهيئات الإفتاء.

ولا تختلف المؤسسات الإفتائية عن غيرها من المؤسسات الخدمية من حيث ضرورة اتباع أحدث الأساليب الإدارية والعمل على التحسين والتطوير المستمر، وتحقيق أعلى المستويات الممكنة في الممارسات والعمليات والنتائج والخدمات، بل إن المؤسسات الإفتائية بوصفها أحد أهم المؤسسات الإنسانية -لتعدي تأثيرها على السلوك المباشر للإنسان واختياراته- تحتاج إلى تطبيق الجودة بدرجة لا تقل عن أكبر المؤسسات الإنتاجية الأخرى.

فأنشطة المؤسسة الإفتائية ينبغي أن تهدف جميعها بالدرجة الأولى إلى تبليغ الأحكام الشرعية من خلال تلبية تطلعات المستفتين للخدمات الإفتائية المقدمة ومحاولة تحسينها المستمر وتطويرها لصالح خدمة المستفتين، ويتم ذلك وفق التعرف المسبق على تطلعات هؤلاء المستفتين، وهذه الخدمات يجب أيضًا أن تكون متفقة مع هذه التطلعات الكامنة والمفصح عنها. والسبيل إلى تحقيق سائر ما مضى هو تطبيق إدارة الجودة في المؤسسات الإفتائية.

ويجيب ذلك الجزء من المعلمة عن عدة أسئلة وهي: كيف يمكن تقييم الخدمة الإفتائية، وما هي معايير الجودة في الإنتاج الإفتائي؟ وهل يمكن تطبيق مصطلحات تتعلق بالمقاولة الصناعية والتجارية أو بعض المؤسسات الإدارية على المؤسسة الإفتائية مثل: إرضاء العميل، ومراقبة الجودة، وتقييم الجودة؟

ويتضمن ذلك المجلد أربعة أبواب:

الباب الأول: الجودة والمؤسسة الإفتائية المفهوم والأسس. وفيه ذكر مفهوم المؤسسة الإفتائية ووظائفها ونماذج من المؤسسات الإفتائية، والتعريف بإدارة الجودة، ومفهوم الجودة في المؤسسة الإفتائية وأهميتها.

وفي الباب الثاني: تطبيق إدارة الجودة في المؤسسات الإفتائية، تضمَّن الحديث عن التخطيط الاستراتيجي في المؤسسة الإفتائية ومتطلبات تطبيق إدارة الجودة فيها ومراحل التطبيق ومعوقاته.

أما الباب الثالث فتضمن مبادئ إدارة الجودة في المؤسسة الإفتائية، ببيان المنهجية العلمية للإفتاء وإدارة الموارد والتركيز على العمليات والنتائج معًا، والقيادة البصيرة، والقرارات القائمة على الأدلة.

وفي الباب الرابع والأخير من المجلد العاشر بعنوان مواصفة إدارة الجودة في المؤسسات الإفتائية، تم تناول مواصفة إدارة الجودة في المؤسسات الإفتائية، ومواصفة قياسية مقترحة لإدارة الجودة في المؤسسة الإفتائية.

وحيث إن الإدارة بمفهومها الحديث تمثل عنصرًا حاسمًا في تحقيق أهداف المؤسسة وفي نجاحها أو فشلها، والمؤسسات الإفتائية بصفتها أحد المؤسسات ذات الأهداف المرصودة والمتطورة تمتلك في الغالب جملة من الموارد المتنوعة بين الموارد البشرية والموارد المالية، وتشكل الموارد البشرية في المؤسسات الإفتائية العنصر الرئيسي في موارد المؤسسة، ويختلف تمثيل تلك الموارد البشرية بحسب هيكلة المؤسسة وحجمها وأهدافها والخدمات التي تقدمها، وفي غالب الأحوال تشمل تلك الموارد المتصدرين للفتوى، والباحثين، وأصحاب الوظائف الداعمة كالتقنين ونحوهم.

ولما كانت مأسسة الفتوى اتجاهًا عالميًّا، وضرورة حتمية، كانت العناية بإدارة الموارد البشرية داخل تلك المؤسسات من الأهمية بمكان لموافقة وخدمة ذلك الاتجاه، ولا يمكن تحقيق النجاح الإداري على جانب الموارد البشرية أو حتى الاقتراب منه إلا عن طريق اعتماد مفاهيم الإدارة الحديثة وإعادة هيكلتها وفق تلك المعطيات الإدارية الحديثة، ولما كانت الإدارة الحديثة يُناط بها تحقيق خمس وظائف رئيسية وهي التخطيط والتنظيم والتوظيف والقيادة والرقابة، فقد سعى المجلد الثاني من ذلك القسم إلى الاهتمام بجانب التوظيف وطرق تعاطي الإدارة الحديثة مع تلك الوظيفة، والعمل على إدخال تلك المفاهيم الإدارية بشكل يتناسب مع طبيعة عمل وخصوصية المؤسسات الإفتائية.

كما يهدف ذلك المجلد إلى تنمية وتطوير الباحثين والمتصدرين للفتوى داخل المؤسسات الإفتائية من خلال انتقاء أفضل العناصر وتدريبها وتطويرها والإبقاء عليها، وتهيئة بيئة العمل المناسب لها، والاستفادة منها في تحقيق أهداف واستراتيجيات المؤسسات الإفتائية.

وينقسم ذلك الجزء إلى ثلاثة أبواب رئيسية:

يتناول الباب الأول ثلاثة فصول وهي الفتوى والإفتاء، ووظائف المؤسسات الإفتائية، ونماذج من المؤسسات الإفتائية.

أما الباب الثاني فيمثل مدخلًا إلى إدارة الموارد البشرية، ويضم أربعة فصول وهي مفهوم الإدارة ووظائفها وأقسامها، ومفهوم إدارة الموارد البشرية، وتاريخ تطور إدارة الموارد البشرية، وأهمية وأهداف إدارة الموارد البشرية.

وفي الباب الثالث تناول ذلك المحور تطبيق إدارة الموارد البشرية في المؤسسات الإفتائية، وفيه عشرة فصول، وهي: تخطيط الموارد البشرية، والوصف الوظيفي، والاستقطاب والاختيار والتعيين، والتدريب والتنمية، وتقييم الأداء، وتنمية المسار الوظيفي، وتقسيم الوظائف وتصميم هيكل الأجور، وتنظيم علاقات العمل، والرعاية المتكاملة والانضباط وإنهاء علاقة العمل.

ولا تقتصر المعلمة على هذه الموضوعات، ولكنها تتناول طائفة كبيرة من الموضوعات التي تعنى بالفتوى والإفتاء كمصادر الفتوى والإفتاء، والفتوى والعلاقات الدولية وغيرها من الموضوعات التي تربط الفتوى والإفتاء بمختلف العلوم وطرائق الفكر، ولعل المعلمة تكون في بحثها هذه الموضوعات قد استوفت جميع مناحي هذا العلم ونأمل أن تكون هذه المعلمة إضافة لتاريخ التأليف في الحضارة العربية والإسلامية، وترسيخ حقيقي لعلم الإفتاء بكامل فروعه.

اترك تعليقاً