البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

المستقبليات الإفتائية

الباب الثاني: الفتوى واستشراف المستقبل

114 views

(وفيه أربعة فصول):

  • الفصل الأول: علاقة الفتوى باستشراف المستقبل وأهمية المزج بينهما.
  • الفصل الثاني: ضوابط وأسس الفقه الافتراضي.
  • الفصل الثالث: فوائد الفتوى المستقبلية ونماذج منها.
  • الفصل الرابع: ارتباط الإفتاء بالعلوم المختلفة.

مدخل:

إن الفقه الإسلامي هو من أفضل العلوم وأشرفها، وهو خلاصة الأحكام التكليفية التي أتى بها القرآن والسنة؛ فهو يحيط بأحكامه كل جوانب الحياة؛ فإن المجتهدين من فقهاء المسلمين بذلوا قصارى جهودهم العقلية في استمداد الأحكام الشرعية من مصادرها، واستخرجوا من نصوص الشريعة ومعقولها جواهر تشريعية ثمينة، فمن هذه الأحكام ما كان دليله بنصوص واضحة قاطعة لا تحتمل التأويل؛ فهذه لا اجتهاد فيها، ومنها ما كان دليله ظنيًّا يحتمل التأويل فهذه تخضع للرأي والاجتهاد، وهذه الأخيرة تحتاج إلى وقفة تأمل من قِبَل المجتهدين حتى يجدوا لها مخرجًا مع اعتبار الزمان والمكان والحال فيجعلوا لكل حادثة حكمها المناسب.

وبقيت الحاجة إلى الفقه قائمة في كل وقت لتنظم علاقات الناس الاجتماعية وغيرها مع مراعاة المصالح المتجددة ودفع المفاسد الطارئة، ولم يكتفِ المجتهدون بما استمدوه من أحكام في عمق هذا التشريع السماوي وأنزلوه إلى الواقع العملي، بل تجاوزوا ذلك الواقع إلى المستقبل ليضعوا أحكامًا لقضايا قد تحدث فيه، وهو ما يعرف بالفقه الافتراضي، وهو ضروري لمواكبة كل المستجدات والمتغيرات والتي تفرض نفسها بقوة على الإمام المجتهد، وتطالب ببيان الحكم الشرعي وتحتاج إلى الفتوى الشرعية أثناء حدوثها؛ وذلك لأن الزمان قد تسارع والمكان قد تقارب، وأن الحوادث قد تزاحمت وتلاحقت فلم تدع متسعًا للتريث أو الانتظار، ولا يزال المجتهدون يجدُّون في البحث في أحكام نوازل فتنزل بهم غيرها ولما ينتهوا من سابقتها، ولهذا فلا يليق بالفقيه المجتهد أن يغوص في أعماق فقه الواقع ولا يلقي بالًا لفقه التوقع مع وجود التطور السريع وتدفق الاختراعات والاكتشافات؛ لأن ذلك قد أدى إلى تبدل كثير من الأحكام الاجتهادية لتتوافق مع واقع العصر وتواكب تطورات الحياة؛ لذلك كان المجتهدون يفترضون بعض المسائل الفقهية التي لم تقع في زمانهم وكأنهم كانوا يعلمون أنه سيأتي عصر ستحصل فيه الوقائع التي توافق ما افترضوه من أحكام، وسيجد الناس حينئذ الحل فيما بيَّنه العلماء.

فالتعامل مع الواقع وفهم مشكلاته يعين الفقهاء المجتهدين باستشراف المستقبل وفهم متطلباته وافتراض مسائل والبحث عن حلول بوضع حكم فقهي مناسب لها ملائم للمستجدات وتطورات الحياة يراعي المقاصد الشرعية؛ ليستفاد بأحكام شرعية لمسائل جديدة لم يتعرض لها السابقون.

اترك تعليقاً