البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

«أدب الفتيا» للسيوطي

60 views

أولًا: التعريف بالمؤلف:

أـ اسمه ونسبتُه:

هو جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن الكمال
أبي بكر بن محمد بن سابق الدين بن الفخر عثمان الخضيري السيوطي الشافعي، الإمام الحافظ المؤرخ الأديب.

ب ـ نشأتُه وشيوخُه:

وُلد رحمه الله بعد مغرب ليلة الأحد مستهل أول ليلة من رجب سنة تسع وأربعين وثمانمائة (849ه) وأُمُّهُ أَمَة تركية، ونشأ في القاهرة يتيمًا؛ فقد مات والده وعمره خمس سنوات، فحفظ القرآن دون ثماني سنين، والعمدة، ومنهاج الفقه والأصول، وألفية ابن مالك.

وقد ولي المشيخة في مواضع متعددة من القاهرة، ثم لما بلغ أربعين سنة زهد في جميع ذلك وأخذ في التجرد للعبادة والانقطاع إلى الله تعالى، فاعتزل الناس وخلا بنفسه في روضة المقياس على النيل منزويًا عن أصحابه جميعًا معرضًا عن الدنيا وأهلها كأنه لا يعرف أحدًا منهم، فألف أكثر كتبه وشرع في تحرير مؤلفاته، وترك الإفتاء والتدريس، وكان الأغنياء والأمراء يزورونه ويعرضون عليه الأموال والهدايا فيردها، وطلبه السلطان مرارًا فلم يحضر إليه، وأرسل إليه هدايا فردَّها، وبقي على ذلك إلى أن توفي رحمة الله عليه.

وكان يلقب بابن الكتب؛ لأن أباه طلب من أمه أن تأتيه بكتاب ففاجأها المخاض فولدته وهي بين الكتب.

قال السيوطي: «رزقت التبحر في سبعة علوم: التفسير، والحديث، والفقه، والنحو، والمعاني والبيان، والبديع على طريقة العرب والبلغاء، لا على طريقة العجم وأهل الفلسفة».

وقال ابن العماد: «كان أعلم أهل زمانه بعلم الحديث وفنونه، رجالًا وغريبًا ومتنًا وسندًا، واستنباطًا للأحكام منه، وأخبر عن نفسه أنه يحفظ مائتي ألف حديث».

أما عن شيوخه فمنهم: علم الدين صالح بن عمر البلقيني، وعز الدين أحمد بن إبراهيم الكناني، وشرف الدين أبو زكريا يحيى بن محمد المناوي، والشمس محمد بن موسى السيرائي الحنفي إمام الشيخونية في النحو، والفخر عثمان المقسي، والشموس البامي، وابن الفالاتي، والجلال المحلي، والزين العقبي، والشمس محمد بن سعد الدين بن خليل المرزباني الحنفي، والشهاب أحمد بن علي الشارمساحي، وسيف الدين محمد بن محمد الحنفي، وتقي الدين أحمد بن محمد الشمُني، ومجد الدين بن السباع، والعز بن محمد الميقاتي، والتقي الحصكفي، والشمس البابي، ومحيي الدين محمد بن سليمان الكافيجي.

ج ـ أشهر تلاميذِه:

من أشهر تلاميذ الإمام السيوطي: شمس الدين الداودي، وشمس الدين بن طولون، والمؤرخ ابن إياس، وزين الدين الشماع.

د ـ أبرز مصنفاته.

كان السيوطي رحمه الله من المكثرين في التصنيف بما يقارب ستمائة (600) مصنف، منها الكتاب الكبير، والرسالة الصغيرة.

ومن كتبه: «الإتقان في علوم القرآن»، و«إتمام الدراية لقراء النقاية»، و«إسعاف المبطأ في رجال الموطأ»، و«الأشباه والنظائر»، و«الإكليل في استنباط التنزيل»، و«الألفية في مصطلح الحديث»، و«الألفية في النحو»، و«بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة»، و«التاج في إعراب مشكل المنهاج»، و«تحفة المجالس ونزهة المجالس»، و«تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي»، و«ترجمان القرآن»، و«تفسير الجلالين»، و«تنوير الحوالك في شرح موطأ الإمام مالك»، و«الجامع الصغير» في الحديث، و«جمع الجوامع، ويعرف بالجامع الكبير»، و«الحاوي للفتاوي»، و«حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة»، و«الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة»، و«الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج»، و«اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة»، و«لب اللباب في تحرير الأنساب»، و«لباب النقول في أسباب النزول»، وغير ذلك كثير.

ه ـ وفاتُه:

توفي رحمه الله في سحر ليلة الجمعة التاسع عشر من جمادى الأولى بمنزله بروضة المقياس، ودفن في حوش قوصون خارج باب القرافة سنة (911ه) ([1]).

ثانيًا: التعريف بالمصدر ومحتوياته:

كتاب «أدب الفتيا» لجلال الدين السيوطي عبارة عن رسالة صغيرة الحجم كبيرة الفائدة، جمع المؤلف فيها نبذة صالحة من الأحاديث النبوية الشريفة، والآثار المنتقاة، والأخبار المجتباة حول الفتوى وآدابها، وبيان منزلتها وخطرها وحكمها، ووجوبها على من توفرت فيه شروطها، وما يجب عليه من التحري والتثبت والتمحيص في إصدار فتاواه، وما يجب على المستفتي من الاتصاف بالصفات الجميلة والأدب الجم مع العلماء في سؤاله إياهم وطلبه الفتوى منهم([2]).

وقد قدَّم المؤلف لكتابه بكلمة مقتضبة عن موضوعه وهدفه، ثم أتبع ذلك باثني عشر بابًا تحدث في أولها: عن التثبت في الفتيا، وثانيها: عن حكم الفتيا، وثالثها: عمَّن يُجاب، ورابعها: عن خطر الفتيا في الطلاق، وخامسها: عن قول: «لا أدري»، وسادسها: عن التحري في العبارة، وسابعها: عن افتتاح الفتوى، وثامنها: عن إفتاء العالم بحضرة من هو أكبر منه، وتاسعها: عن تلقيب المفتي وما يَجبُ من حاله، وعاشرها: عن زجر المستفتي، وحادي عشرها: عن الإفتاء بالظاهر، والأخير: عن احتياج الناس إلى سؤال العلماء في الجنة كما يحتاجون إليهم في الدنيا.

ثالثًا: القيمة العلمية للمصدر:

يتميز كتاب السيوطي بأن مادته مستخلصة من آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة والتابعين وبعض الفقهاء والمحدِّثين مع ذكر هذه الأقوال ونسبتها إلى قائليها أو رواتها، فقد اهتم رحمه الله بتخريج الأحاديث والآثار التي استشهد بها بعزوها إلى مصادرها وبيان عدد الصحابة الذين رووها للإشارة إلى قوة الحديث، كما أنه يحكم أحيانًا على بعض الروايات؛ فكان كتابه موردًا جيدًا للاستشهاد بالنصوص في مسائل علم الإفتاء.

كما أن هذه النصوص قد اختارها السيوطي ودبَّجها ببراعته بما عُرف به من جودة الاختيار والمقدرة الفائقة على حسن الترتيب والاختصار وسعة العلم والاطلاع على مصنفات الحديث النبوي الشريف ودواوينه. وفي هذا الصدد فكتابه فيه الكثير من النصوص المقتبسة من كتب مفقودة أو مخطوطة بما يُفيد القارئ والباحث الذي سيعتمد على هذا الكتاب فيما يخص نصوص علم الإفتاء.

رابعًا: نماذج إفتائية:

1- قال السيوطي رحمه الله: «وأخرج سعيد بن منصور في سننه، والدارمي، والبيهقي في المدخل، عن ابن عباس قال: من أفتى بفتيا وهو يعمى فيها كان إثمها عليه».

2- وقال رحمه الله: «وأخرج البيهقي في المدخل عن سعيد بن جبير؛ أنه سُئل عن شيء فقال: لا  أعلم، ثم قال: ويل لمن يقول لما لا يعلم إني أعلم».

3- وقال رحمه الله: «وأخرج ابن المبارك في الزهد عن عقبة بن مسلم؛ أن ابن عمر رضي الله عنهما سئل عن شيء فقال: لا أدري، ثم أتبعها فقال: أتريدون أن تجعلوا ظهورنا لكم جسورًا في جهنم أن تقولوا: أفتانا بهذا ابن عمر».

4- وقال رحمه الله: «أخرج الدارمي عن الأعمش قال: ما سمعت إبراهيم يقول قط: حلال ولا حرام. إنما كان يقول: كانوا يتكرهون وكانوا يستحبون».

5- وقال رحمه الله: «وأخرج البيهقي عن سلمان: علم لا يقال به ككنز لا ينفق منه. وأخرج عن ابن عباس قال: مثل علم لا يظهره صاحبه كمثل كنز لا يستنفق منه صاحبه».

6- وقال رحمه الله: «أخرج سعيد بن منصور في سننه، والدارمي، والبيهقي عن ابن مسعود قال: من أفتى الناس في كل ما يستفتونه فهو مجنون».

7- وقال رحمه الله: وأخرج ابن المبارك في الزهد، والدارمي، والبيهقي في المدخل عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: «لقد أدركت في هذا المسجد عشرين ومائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحد منهم يحدث حَديثًا إلا ودَّ أن أخاه كفاه الحديث، ولا يُسأل عن فُتيا إلا ودَّ أن أخاه كفاه الفتيا».

([1]) قد ترجم الإمام السيوطي لنفسه في كتابه «حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة» (1/ 335)، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم- دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي- مصر، الطبعة الأولى، 1387هـ- 1967م. وينظر أيضًا ترجمته في الضوء اللامع للسخاوي (4/ 65)، دار الجيل- بيروت، النور السافر للعيدروسي (ص: 51)، دار الكتب العلمية- بيروت، الطبعة الأولى، 1405هـ، الكواكب السائرة للنجم الغزي (1/ 227)، دار الكتب العلمية- بيروت، الطبعة الأولى، 1418هـ- 1997م، شذرات الذهب لابن العماء (10/ 74)، تحقيق: عبد القادر الأرناؤوط ومحمود الأرناؤوط، دار ابن كثير- دمشق، بيروت، الطبعة الأولى، 1414هـ- 1993م، البدر الطالع للشوكاني (1/ 328)، دار الكتاب الإسلامي- القاهرة، هدية العارفين للبغدادي (1/ 534)، دار إحياء التراث العربي- بيروت، الأعلام للزركلي (3/ 301)، معجم المؤلفين لكحالة (2/ 82).

([2]) ينظر: مقدمة كتاب «أدب الفتيا» لجلال الدين السيوطي، تحقيق: محيي الدين هلال السرحان، ط. دار الآفاق العربية- القاهرة، الطبعة الأولى، 1428هـ- 2007م، (ص 8)، وقد طُبع في (175) صفحة.

اترك تعليقاً