البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

أولًا: كتب الفتاوى

«طيور الروابي مقالات وفتاوي» للدكتور/ طه الدسوقي حبيشي

142 views

التعريف بالمؤلف:

أ- اسمه ونسبته:

هو الأستاذ الدكتور/ طه الدسوقي حبيشي رحمه الله، أستاذ العقيدة والفلسفة السابق بجامعة الأزهر، وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بوزارة الأوقاف، وعضو مجمع البحوث الإسلامية وهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف.

ب- نشأته ودراسته وأهم مصنفاته:

ولد الدكتور طه الدسوقي حبيشي بمدينة الروضة، مركز فارسكور، محافظة دمياط، يوم الإثنين الموافق 12 من شهر صفر 1363هـ، الموافق 7 من شهر فبراير 1944م، وحفظ القرآن الكريم، ثم الْتحق بمعهد دمياط الأزهري، وحصل منه على الشهادة الإعدادية في أربع سنوات بترتيب متقدم، وحصل على الثانوية الأزهرية من المعهد نفسه في خمس سنوات، وكان ترتيب فيها الرابع على الجمهورية، ثم التحق بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر بالقاهرة، وتخصص في قسم العقيدة والفلسفة ليحصل على درجة الإجازة العالية (الليسانس) شعبة العقيدة والفلسفة بتقدير جيد جدًا عام 1970- 1971م (أول الدفعة).

ثم الْتحق بالدراسات العليا في الكلية نفسها لمدة عامين كاملين حصل بعدها على درجة التخصص “الماجستير” شعبة العقيدة والفلسفة بتقدير جيد عام 1972- 1973م.

ثم حصل بعدها عل درجة الدكتوراه شعبة العقيدة والفلسفة بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى عام 1978م، ثم حصل على درجة أستاذ مساعد بقسم العقيدة والفلسفة بالكلية نفسها عام 1983م، ثم حصل على درجة أستاذ بقسم العقيدة والفلسفة بالكلية نفسها عام 1988م.

وله عدَّة مصنفات في العقيدة والفلسفة والفقه والفتاوى والفكر والاجتماع والأخلاق، نذكر منها: فتاويه التي جمعت في كتاب: “طيور الروابي: مقالات وفتاوي”، وكتاب: “عقيدتنا وأثرها في الكون والحياة والإنسان”، وكتاب: “الجانب العقدي في فكر الإمام الغزالي”، وكتاب: “النبوة والتنبوء”، وكتاب “العقيدة تيسير وتحرير”، وكتاب: “المرصد المعرف بمعاني وأسرار التصرف” في خمسة أجزاء، وكتاب: “حسن التصوف بشرح التعرف”، وكتاب: “الحاوي لمعاني قواعد عقائد الطحاوي”، وكتاب: “السُّنة في مواجهة أعدائها”، وكتاب “ضلالات منكري السُّنة”، وكتاب “الاجتهاد تحرير وتنوير”، وكتاب يعالج قضايا المرأة في ثلاثة أجزاء، وكتاب: “تأجير الأرحام”، وغير ذلك من الكتب والبحوث والمحاضرات والمقالات الصحفية المهمة النافعة في مختلف أبواب العلم الشرعي.

ج- أهم المناصب التي تولَّاها:

– صدر قرارٌ بتعيينه معيدًا بقسم العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر بالقاهرة عقب تخرجه فيها عام 1971م، ثم تدرَّج بعدها في درجات الأستاذية على النحو الذي بيَّنَّاه إلى تولِّيه رئاسة قسم العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين.

– عمل بالمملكة العربية السعودية لمدة عامين دراسيين، ثم عمل بالجزائر مدرسًا بجامعة الأمير عبد القادر لمدة عام واحد.

– كما تم تعيينه عضوًا بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية التابع لوزارة الأوقاف.

– وعضوًا بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف.

– وقبيل وفاته بأشهرٍ صدر قرارٌ بتعيين فضيلته عضوًا بهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف.

د- وفاته:

وبعد حياةٍ حافلةٍ بالعلم والتعليم والجهاد باللسان والقلم لتدعيم أركان المنهج الأزهري الوسطي القويم في ربوع الأرض، انتقل العالم الجليل إلى رحمة الله تعالى يوم السبت الخامس من ديسمبر عام 2020م.

التعريف بالكتاب وموضوعاته:

  • وكتاب: «طيور الروابي مقالات وفتاوي» يحوي مجموعةً من الفتاوى المتنوعة، والمقالات الدينية الهامة التي عالجت الكثير من أحداث ووقائع واستفتاءات المسلمين داخل مصر وخارجها ([1]).
  • ويشتمل الكتاب على مجموعة من الفتاوى المنثورة في الجزء الثالث والرابع والخامس من هذا الكتاب، وتلك الفتاوى عالجت مجموعةً من المسائلِ في باب العبادات من الفقه الإسلامي: كمسائل الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، كما عالجت مسائلَ أخرى متعلقةً بالمعاملات: كمسائل البيع، والشراء، والرهن، والإجارة.

وقد اشتملت تلكم الفتاوى على بعض أحكام الأحوال الشخصية في الفقه الإسلامي كأحكام النكاح والنفقة، وتناول الكتاب فتاوى أخرى متعلقة بالأحكام العامة، والفتاوى الطبية والبيئية، وغير ذلك من الموضوعات.

القيمة العلمية للكتاب:

يُعَدُّ كتاب “طيور الروابي مقالات وفتاوي” من أنفع وأشمل الكتب التي جمعت بين الفتاوى والبحوث الفكرية والأخلاقية في العصر الحديث؛ حيث إن مؤلفه عالمٌ من كبار علماء الدين، وأديبٌ مرهفٌ متقِنٌ يمتلك زمام قلمه، ومؤرِّخٌ دقيق، ومحللٌ سياسي خبير، وزاهدٌ لم تلوِّث نفسَه الدنيا، وفيلسوفٌ لم تعكِّر فكرَه الشواغل والمؤثرات والتبعيات.

وتبرز القيمة العلمية لهذا الكتاب من خلال الأسلوب التحليلي الدقيق في تناول المسائل وعرض الفتاوى الخاصة بها، الأمر الذي يوضح مدى انطباع الجانب الفكري للمؤلف على منهجه في إصدار الفتوى، كما يظهر في تلك الفتاوى سعة اطلاع المؤلف على الكثير من العلوم الطبيعية -فضلًا عن العلوم الشرعية- الأمر الذي يميز المتصدر للفتوى عن غيره، كما أن تلك الفتاوى سجلت العديد من الوقائع المستجدة في حياة الأمة الإسلامية في الوقت الراهن، ومما يميز تلك الفتاوى أيضًا أنها مزجت بين الأحكام الفقهية المجردة، وبين حسن تنزيلها على واقع المستفتي، كما أنها مزجت أحيانًا بين الحكم الشرعي والإرشاد النفسي والأخلاقي بوجه عام.

وقد برز كل هذا الخليط العلمي الوافر في ثوبٍ قشيبٍ من الأسلوب الشيق الجذاب، والتعابير الأدبية البليغة، واللمحات الأخلاقية الفريدة، مما يغذِي القارئَ فقهًا ووعظًا وتربيةً وفكرًا.

نماذج من فتاوى الكتاب:

1- في فتوى عن حكم الانتحار يقول المؤلف رحمه الله:

“الانتحار: هو إقدام شخصٍ على قتْلِ نفْسِه رغبةً في التخلُّص من آلامٍ ومتاعبَ يظنُّ أن الموتَ العاجل سيخلِّصُه منها؛ لأن ما بعد الموت أهونُ مما قبله من وجهة نظره، وبعض الناس يقدِمون عليه بشكل فردي، صحيحٌ أن الأمر لم يبلغ حدَّ الظاهرة الجماعية المنتشرة بشكل كبير، إلا أن تزايد الحالات يوجب على الجميع دقَّ ناقوسِ الخطر حتى لا يتفشَّى الأمر فيفعله كل من تضيق به الحياة.

وتكاد أسباب الانتحار أن تنحصر في سببين:

الأول: ما قد يحدث للإنسان من ضائقةٍ ماليةٍ، سواء بكثرة الديون، أو بضيق ذات يده عن الإنفاق على من يعول، خصوصًا إن كان بأحد والديه أو أولاده مرضٌ شديدٌ لا يملك علاجه، أو لعدم توفر فرصة عملٍ له أصلًا يقتات منها، فتضيق الدنيا في وجهه، فيسارع إلى الخروج منها بقتل نفسه.

والسبب الثاني: ضعْفُ الإيمان وعدم كمال التوحيد الخالص في نفس هذا الشخص؛ حيث يفقد الثقة بحكمة الله تعالى في تقسيم المعيشة، وبوعود الله عز وجل بالرزق والثواب ونحو ذلك.

والإسلام قد عالج الجانبين أفضل علاج:

فلتلافي السبب الأول أَمَرَ الجماعةَ بالتكاتُفِ والتكافل ومراعاة المحتاج منهم، وأَمَرَ بالزكاة المحددة والصدقة على قدر الوسع، وهذا يسدُّ باب الفقر عن جميع المحتاجين.

ولتلافي السبب الثاني حرص على تقوية الإيمان في النفوس، وأرْشَدَ الذي يفكر في الانتحار إلى أنَّ ما يظنُّه من كون ما بعد الموت خيرًا له من وضعه المؤلِم محضُ أوهام وتزيينُ خيال، وأنَّ ما ينتظرُه في الآخرة من العذاب أضعافُ ما عاناه في الدنيا، فيكون ممن أذاقهم الله ضِعفَ الحياة وضِعفَ الممات، فقد بين القرآن أنَّ الحياة الدنيا محِلُّ ابتلاءٍ، وشدةٍ ورخاء، وعسرٍ ويسر، وأن على الإنسان المؤمن الصبرَ على ضيقها وشدتها؛ لينال الخير والفضل عند الله، يقول الله تعالى: ﴿وَلَنَبۡلُوَنَّكُم بِشَيۡءٖ مِّنَ ٱلۡخَوۡفِ وَٱلۡجُوعِ وَنَقۡصٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَٰتِۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّٰبِرِينَ١٥٥ ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةٞ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ١٥٦ أُوْلَٰٓئِكَ عَلَيۡهِمۡ صَلَوَٰتٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَةٞۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ﴾ [البقرة: 155-157].

كما بيَّن حُرمة قتل الإنسان لنفسه في غير ما موضعٍ؛ يقول الله تعالى: ﴿وَلَا تُلۡقُواْ بِأَيۡدِيكُمۡ إِلَى ٱلتَّهۡلُكَةِ وَأَحۡسِنُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ﴾ [البقرة: 195]، ويقول: ﴿وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمۡ رَحِيمٗا٢٩ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ عُدۡوَٰنٗا وَظُلۡمٗا فَسَوۡفَ نُصۡلِيهِ نَارٗاۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرًا﴾ [النساء: 29، 30].

كما بيَّنت السُّنة الحرمةَ الشديدة لقتْلِ الإنسانِ نفسَه: فعن الحسن قال: حدثنا جندب رضي الله عنه في هذا المسجد، فما نسينا، وما نخاف أن يكذب جندب على النبي صلى الله عليه وسلم، قال: “كان برجل جراح، فقتل نفسه، فقال اللهُ: بَدَرني عبدي بنفسه؛ حرَّمتُ عليه الجنة”([2]).

بل إنها حددت كيفية عذابه في النار على ذلك فيما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مَنْ تَردَّى من جبلٍ فقتل نفسَه، فهو في نار جهنم يتردَّى فيه خالدًا مخلَّدًا فيها أبدًا، ومن تَحسَّى سُمًّا فقتل نفسَه، فسُمُّهُ في يده يتَحسَّاه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن قتل نفسه بحديدة، فحديدتُه في يده يَجَأُ بها في بطنِه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا))([3]).

ولذلك فإن من واجبنا أن ننبه الجماعة إلى ضرورة احتواء هؤلاء الأشخاص أصحاب الفاقات والحالات الصعبة، والاهتمام بالزكاة والصدقة، وضرورة تنشيط الوازع الإيماني في النفوس، كما نحذر مَنْ نقَص الإيمانُ في قلوبهم وقلَّ الوعيُ في عقولهم فلجأوا إلى الانتحار مِنْ لقاء ربِّهم وهو عليهم غضبان”([4]).

2- سؤال: هل يجوز إعطاء الزكاة لموظفٍ له دخلٌ شهريٌّ من وظيفته؟

الجواب: “إذا كان هذا الموظفُ فقيرًا، أو مسكينًا، أو تحققت فيه صفةٌ من صفات المستحقين للزكاة، جاز له أن يأخذَ منها، أما إذا كان هو المتسبب في ضائقته المالية، وهو الذي جلب على نفسه حرجه الاقتصادي بسبب سفهِهِ وإسرافِه، وجرْيِه وراء ترفُّهٍ بلا حدود: فهذا يجب التوقف معه، وإعطاء الزكاة للأكثر احتياجًا منه”([5]).

3- يقول السائل: أنا أعاني من التصاق الفخذين، وهذا يحدِث التهاباتٍ شديدةً إذا لم أرتدِ ما يفصل بينهما، وتزداد الالتهابات بطول مدة الملاصقة، وقد نويت الحج هذا العام، فهل يجوز لي أن ألبس ما يفصل بينهما مدة الحج؟

الجواب: “لقد رسمت الشريعة لمن قصد الحج -من الرجال دون النساء- أن يكون على هيئةٍ معينةٍ مدةَ أدائه للمناسك، ومن هذه الهيئة أن يرتدي ثوبًا ملفوفًا على جسده رداءً وإزارًا، ليس مَخيطًا ولا مُحيطًا؛ أي: ليس كهيئة الجلباب المحيط بالجسد، ولا يجسِّم الأعضاء بالأكمام والأرجل ونحوها: فقد أخرج الجماعةُ عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ رجلًا سأله: ما يلبَس المحرِم؟ فقال: ((لا يلبس القميصَ، ولا العمامةَ، ولا السراويلَ، ولا البرنُسَ، ولا ثوبًا مسَّه الوَرْسُ أو الزعفرانُ، فإن لم يجد النعلين فليلبَس الخفين، وليقطعْهما حتى يكونا تحت الكعبين))([6]).

ومن هذا يتبين أنه يجب على الرجلِ المحرِم أن يتجرَّد في ثيابه عن المخيط والمحيط، على أنه يجب التنبيه على أن ذلك ليس شرطًا من شروط صحَّة الحج التي يفسد باختلالها، وإنما هو من واجبات الحج التي تُجبَر بالكفارة، والكفارة هنا تكونُ بالنُّسُك: ذبح شاة، وبالصيام ثلاثةَ أيام، وبالإطعام ستة مساكين نصفَ صاعٍ لكل واحد، ويلتزم هذا الترتيب إن لم يكن لابس المخيط صاحبَ عذرٍ، وهو على التخيير فيها إن كان معذورًا، والذبحُ لا يكون إلا في الحرم هديًا بالغ الكعبة، وعلى السائل أن يطلب من أهل الخبرة بالملابس صنع قطعة قماش في الإزار في هذه المنطقة بحيث لا تلتف حول فخذيه، فإن لم يتيسر له ذلك: يلبَس ما يحميه من الالتهابات ويكون مخيرًا بين أوجُه الكفارة الثلاثة: الذبح، أو الصيام، أو الإطعام، والله أعلم”([7]).

 

 

[1]() طيور الروابي مقالات وفتاوي، للدكتور/ طه حبيشي، ط، مكتبة الإيمان، القاهرة، الطبعة الأولى، 2018م، والكتاب يقع في خمسة أجزاء.

[2]() صحيح البخاري، كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في قتل النفس، تحقيق: محمد زهير بن ناصر، دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي)، ط.1، 1422هـ رقم: (1364)، (2/ 96).

[3]() المرجع السابق، كتاب: الطب، باب: شرب السم والدواء وبما يخاف منه والخبيث، رقم: (5778)، (7/ 139).

[4]() ينظر: طيور الروابي، مرجع سابق، (3/ 116- 118).

[5]() ينظر: المرجع السابق، (3/ 227).

[6]() صحيح البخاري، مرجع سابق، كتاب: العلم، باب: من أجاب السائل بأكثر مما سأله، رقم: (134)، (1/ 39).

[7]() ينظر: المرجع السابق، (3/ 227).

اترك تعليقاً