البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

أولًا: كتب الفتاوى

«فتاوى الشيخ علي الطنطاوي»

149 views

التعريف بالمؤلف:

أ- اسمه ونسبتُه:

هو فضيلة الشيخ/ علي بن مصطفى الطنطاوي، الفقيه السوري، والداعية والمفكر الإسلامي الكبير.

  • نشأته ودراسته وأهم مصنفاته:

ولد الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله في دمشق بسوريا في 23 جمادى الأولى 1327هـ (12 يونيو 1909م) لأسرةٍ عُرف أبناؤها بالعلم، فقد كان أبوه الشيخ مصطفى الطنطاوي من العلماء المعدودين في الشام، وانتهت إليه أمانة الفتوى في دمشق، وأسرة أمه أيضًا “الخطيب” من الأسر العلمية الكبيرة في الشام، وكثير من أفرادها من العلماء المعدودين ولهم تراجم في كتب الرجال، وخاله -أخو أمه- هو محب الدين الخطيب، الذي استوطن مصر وأنشأ فيها صحيفتَي “الفتح” و”الزهراء”، والذي كان له أثرٌ في الحَياةِ الفِكريَّةِ والدَّعويَّةِ فيها في مطلع القرن العشرين.

كان علي الطنطاوي من أوائل الذين جمعوا في الدراسة بين طريقَي التلقي على المشايخ والدراسة في المدارس النظاميَّة؛ فقد تَعلَّم في هذه المدارس إلى آخر مراحلها، وقد تنقَّل علي الطَّنطاوي في طفولته بين عدة مدارس ابتدائية، فدرس في “المدرسة التجارية”، ثم في “المدرسة السلطانية الثانية”، ثم في المدرسة الجقمقية، ثم في “أنموذج المهاجرين”. أما المرحلة الثانوية فقد أمضاها في “مكتب عنبر” الذي كان الثانوية الكاملة الوحيدة في دمشق حينذاك، ومنه نال البكالوريا (الثانوية العامة) سنة 1928م.

وبعد ذلك ذهب إلى مصر ودخل دار العلوم العليا، وكان أولَ طالب من الشام يؤم مصر للدراسة العالية، ولكنه لم يتم السنة الأولى وعاد إلى دمشق في السنة التالية (1929م) فدرس الحقوق في جامعتها إلى أن نال الليسانس (البكالوريوس) سنة 1933م.

وله عدة مصنفات في الفقه والفكر والدعوة، من أهمها: “كتاب الفتاوى الذي معنا”.

ج- أهم المناصب التي تولاها:

– بدأ علي الطنطاوي بالتعليم ولمّا يَزَلْ طالبًا في المرحلة الثانوية؛ حيث درَّس في بعض المدارس الأهلية بالشام وهو في السابعة عشرة من عمره (في عام 1345 هجرية).

– بعد ذلك صار مُعلمًا ابتدائيًّا في مدارس الحكومة من سنة 1931م إلى سنة 1935م.

– ثم انتقل إلى العراق في عام 1936م ليعمل مُدرسًا في الثانوية المركزية في بغداد، ثم في ثانويتها الغربية ودار العلوم الشَّرعيَّة في الأعظمية (التي صارت كلية الشريعة فيما بعد)، وبقي علي الطنطاوي يدرّس في العراق حتى عام 1939م، لم ينقطع عنه غير سنة واحدة أمضاها في بيروت مُدرسًا في الكلية الشرعية فيها عام 1937م، ثم رجع إلى دمشق فعُيِّن أستاذًا مُعاونًا في مكتب عنبر.

-ثم عُزِل من التعليم ليدخل سلك القضاء؛ فعُيِّن قاضيًا في النبَكْ (وهي بلدة في جبال لبنان الشرقية، بين دمشق وحمص) ثم في دُوما (من قرى دمشق)، ثم انتقل إلى دمشق فصار القاضي الممتاز فيها، وأمضى في هذا المنصب عشر سنوات، من سنة 1943م إلى سنة 1953م، حين نُقل مستشارًا لمحكمة النقض، فمستشارًا لمحكمة النقض في الشام، ثم مستشارًا لمحكمة النقض في القاهرة أيام الوحدة مع مصر.

– وكان القانون يخوّل القاضي الشرعي في دمشق رياسة مجلس الأوقاف، وعمادة الثانويات الشرعية، فصار علي الطنطاوي مسؤولًا عن ذلك كله خلال السنوات العشر التي أمضاها في قضاء دمشق.

– وفي عام 1963م سافر علي الطنطاوي إلى الرياض مدرّسًا في “الكليات والمعاهد” (التي صارت فيما بعد جامعة الإمام محمد بن سعود)، ثم انتقل إلى مكة يدَرّس بكلية التربية وبالحرم وروافده من جدّة إلى أجياد إلى العزيزية مدة خمسة وثلاثين سنة.

د- وفاته:

وفي آخر عمره ضعف قلبه فأُدخل المستشفى مرات، وكانت الأزمات متباعدة في أول الأمر ثم تقاربت، حتى إذا جاءت السنة الأخيرة تكاثرت حتى بات كثيرَ التنقل بين البيت والمستشفى. ثم توفي بعد عشاء يوم الجمعة، 18 حزيران عام 1999م الموافق 4 ربيع الأول 1420هـ، في قسم العناية المركزة في مستشفى الملك فهد بجدة عن عمر 90 عامًا، ودُفن في مقبرة مكة المكرمة في اليوم التالي بعدما صُلّي عليه في الحرم المكي الشريف.

التعريف بالكتاب وموضوعاته:

  • وكتاب «فتاوى علي الطنطاوي» عبارة عن مجموعة من الفتاوى نشرتها له مجلة الشرق الأوسط مدة من الزمن في القرن الماضي -العشرين-، ووضح فيها المؤلف كثيرًا من الأحكام الشرعية والآراء الفقهية في مسائل متنوعة، نظرًا لأنه كان متفرغًا للإفتاء سواءً في إِذاعةِ المملكةِ السُّعوديَّةِ أو مَجَلَّاتِهَا وَمَساجِدَهَا، وقد جمع هذه الفتاوى حفيده “الشيخ/ مجاهد مأمون ديرانية” في هذا الكتاب مُكتفيًا فيه بما نشرته الجريدة مَكتوبًا، وإلا فتراث الشيخ الإفتائي الذي سجلته وسائل الإعلام المرئية والمسموعة أكبر بكثير من هذا الكتاب([1]).
  • وقد جاءت فتاوى الشيخ علي الطنطاوي متنوعة شاملة لمعظم أنواع القضايا والمسائل الفقهية، لكنها لم تخضع للترتيب الفقهي الذي اعتاده العلماء في التبويب لمؤلفاتهم، وذلك نظرًا لأنها كانت عبارة عن فتاوى نشرتها جريدة الشرق الأوسط في أَعدادٍ مُتفرقةٍ، ثم جاء حفيده مجاهد ديرانية فجمعها من تلك الأعداد وصنَّفها تَصنيفًا موضوعيًّا، فجمع الفتاوى المرتبطة ببعضها في بابٍ واحدٍ، فبلغت أبوابُ الكتاب ثلاثة وعشرين بابًا، أولها فتاوى المنامات والكرامات والجن والأرواح، وآخرها فتاوى في مسائل متفرقة، وفيما بينهما أبواب الصلاة، والصوم، والحج، والزواج والطلاق، والتصوف، والمذاهب، ومشكلات النساء والشباب، وأطفال الأنابيب والغناء، والقوانين الوضعية، وفتاوى المال والمعاملات، ومسائل الحجاب والحيض والرضاع والحضانة والعدة، وغيرها.

القيمة العلمية للكتاب:

يتميز كتاب «فتاوى علي الطنطاوي» بأنه يعالج المشكلات والوقائع التي تُلْجِئُ الناسَ لطلب الفتوى بأسلوب حكيم، يفهمه عامة الناس، ويقبلُه أهل الاختصاص ([2])، وذلك إنما تحصَّل له نتيجة خبرة ودُرْبة وتمرُّسٍ بوظيفة الإفتاء؛ حيث أفنى حياتَه كلها في سبيل هذه المهمة العظيمة؛ سواء بالأحاديث المسجَّلة في الإذاعة، أو المجالس الإفتائية بالمساجدِ والمعاهد، أو الفتاوى المكتوبة للجرائد والمجلات ردًّا على الاستفتاءات الوَاردةِ من كَافةِ أطياف المجتمع، وهو نَموذجٌ من نَماذجِ الاجتهاد المعاصر في الفتوى خُصوصًا بما يتناسب مع البيئة زَمانًا وَمَكانًا.

كما تتميز فتاويه بالوضوح والبساطة، مما ييسر وصول الحكم الشرعي بصورة صحيحة إلى أذهَانِ المستمعين من كافة المستويات والفئات، إلى جانب عزوفه عن ذكر الخِلافاتِ الفِقهيَّةِ والمباحث الدقيقة والتي من شأنها تشويش الفكرة عند العوام ممن يريدون معرفة الحكم بشكل مُبسَّط، وفوق كل ما سبق تبرزُ الواقعيَّةُ ومُراعَاة أحوال الناس وظروف معيشتهم، وضرورات حياتهم أثناء العملية الإفتائية الهادفة إلى تسيير حياة الناس على وفق الشرع الشريف بلا تَضييقٍ ولا تَشديدٍ، وهذا الأمر هو روح الشريعة وقوام مناهج الإفتاء بشكل عام.

ومما يبرِزُ قيمة الكتاب أيضًا ما أثراه به الشيخ رحمه الله من بحوثٍ جانبيَّةٍ ملحقة ببعض الفتاوى في مواضعها، بحيث يجيب بها عن تساؤلات من يطالع هذه الفتاوى، ويوجِّه بها ما قد يثار في فكر القارئ أو الباحث عن الحكم الشرعي من استفسارات واستشكالات، وبعضها كان جَوابًا إلى بَيانِ الحكم بطلبٍ من الطلبة والمستمعين في الدروس والمحاضرات، أو بطلبٍ من أفراد متابعي الشيخ في المملكة وخارجها.

نماذج من فتاوى الكتاب:

1- سؤال من بعض طلاب جامعة الإمام محمد بن سعود عن حُكمِ الغِناءِ والموسيقى، وما هو التأصيل الشرعي لهذه المسألة؟

الجواب: “أولًا: يجب أن نعرف ما الحرام؟ الحرام عند الحَنفيَّةِ: هو ما ثبت النهي عنه بِدليلٍ قَطعيِّ الورود وَقَطعيِّ الدلالة، كالآية المحكمة، والحديث المتواتر القطعي، إذا كانت دلالة التحريم فيهما محققة، أو أجمع المسلمون على تحريمه، أو ثبت تحريمه بالقياس الصحيح على أصلٍ محرَّمٍ سابقٍ، ثم هذه المحرمات بهذه الطرق تنقسم إلى أمرين: محرمات لأنها مستقبَحة لذاتها، كالخمر والزنا والربا ونحوها، ومحرمات لكونها تؤدي إلى مُحرَّم، وهذه تتوقف على تحقق ما تؤدي إليه عادةً، فإن أُمِن كونها لا تؤدي إليه يقينًا فلا وجه لحرمتها، كاختلاط النساء بالرجال في مَكانٍ وَاحدٍ؛ فإن كان على وجه يؤدي إلى الفجور كان مُحرَّمًا، وإن كان في نِطاقِ التَّعليمِ والدراسة والعمل بضوابط وآداب فلا حرمة فيه.

فأما القسم الأول: فلا يجوز ارتكابه إلا لضرورةٍ شَديدةٍ، كالخوف على النفس أو العرض، ونحو ذلك من مواقف الحياة أو الموت، أو الأمور التي يستسهل الموت في سبيلها كهتك العرض أو أخذ المال، وأما القسم الثاني: فيجوز عند الحاجة التي تُنزل منزلة الضرورة، كدفع المرض أو حفظ المال، ثم إن الضرورة تقدر بقدرها، والحاجة كذلك.

فإذا علمنا ذلك؛ فهل الغناء والموسيقى تتبع القسم الأول أم الثاني؟ وبمعنى أوضح: هل حرَّمها الشرع لأنها مستقبحة لذاتها؟ بالطبع لا؛ فإن الطرب والتَّلذذ بالصوتِ الجَميلِ ليس مُحرمًا، فإذا جلب إنسان الطيور والشحارير في بيته ليطرب بألحانها وأصواتها لم يكن فعله حَرامًا، إذًا؛ لم يتبق إلا أنها محرمة لكونها تؤدي إلى مُحرَّم، وهنا محل النظر: فإن التَّحريمَ إنما يطرأ عليها في حالات: أولًا: من جهة الكلام المتغنَّى به، فحكم الكلام كله واحد، حسنُه حسنٌ وقبيحُه قبيح، فإن كان في الغناء كلامٌ يضل عن سبيل الله، أو يمس العقيدة بشكلٍ صادم، أو يدعو إلى فِسقٍ، أو يصرف عن واجب، أو كان غَزلًا مَكشوفًا، أو فيه تَشبيبٌ بامرأةٍ مَعروفةٍ لم يجُزْ، وبماذا سيتغنى من يريد الطرب إن لم يتغنَّ بالغزل العفيف أو المديح الشريف؟ هل يتغنى بألفية ابن مالك في النحو؟!

ثانيًا: من جهة حال المغني والسامع؛ فإن انكشفت امرأة على جمعِ رجالٍ أجانب، وغنَّت بالتطريب لم يجُزْ؛ لأن ذلك مما يثير الغرائز الكامنة في النفوس.

ثالثًا: من جهة وقت الغناء؛ فإن كان ذلك في وقت أداء واجب دينيّ أو دنيويّ ضروريّ لم يجُز؛ لأنه يشغل عن ما هو أولى منه.

رابعًا: من جهة مجلس الغناء؛ فإن كان في مجلس الغناء محرماتٌ كالخمر والميسر والاختلاط الفاحش بين الرجال والنساء لم يجز.

خامسًا: من جهة ما يدفع إليه في النفس؛ وهذا مقياسٌ شخصي، فإن علم الشخص من نفسه أن الغناء يحرضه على الحرام كان حرامًا عليه هو، كالشاب العازب إن سمع ما يصف لوعة العشق والشوق وليس معه ما يصرف فيه شهوته حلالًا كالمتزوج، ويخشى السعي إلى الحرام فالأولى ألا يسمع ذلك الغناء، بل إنه قد يسمع الموسيقى المجردة فيتذكر مَكانًا معيَّنًا أو من كان معه في ذلك المكان فيسعى إلى الحرام فتحرم عليه تلك الموسيقى.

أما ما خلا ما سبق فما لم يكن فيه شيءٌ من تلك المحاذير من الغِناءِ والموسيقى فهو على الإِباحةِ الأصليَّة.

لكن رغم ذلك؛ يجب ترشيد هذا الأمر في العَصرِ الحَاضرِ حتى لا يزيد عن حده بحيث يقلل الاهتمام بما هو أوجب منه كالتعليم والجيش والعمارة والإنفاق على كل ذلك”([3]).

2- سؤال من أحد القراء عن حُكمِ العُطورِ هل هي طاهرة أم نجسة؟ لأنه سمع خطيبًا يحكم بنجاستها وحرمة الصلاة بملابس وضع عليها عطور؛ لاشتمال هذه العطور على الكحول الذي هو روح الخمر المسكِرة، فما جواب فضيلتكم عن ذلك؟

الجواب: صحيح أن هذا الكحول هو روح المادة المسكرة، وأن إسكار الخمر يزيد بزيادة تركيز هذه المادة فيها، وهي التي عبر عنها القرآن بالغَوْل في قوله تعالى: ﴿لَا فِيهَا غَوۡلٞ وَلَا هُمۡ عَنۡهَا يُنزَفُونَ﴾ [الصافات: 47]؛ أي: لا إسكار فيها، واسمه بالإيطالية إسبيرتو (Espirt)، والخمرُ نَجِسةٌ عند جُمهورِ الفُقهاءِ، وعند البعض نجاستها حُكميَّة لا عَينيَّة، لكن هذه المادة إذا عزلت عن الخَمرِ كانت طاهرة، وبالتالي لا تسبب نجاسة ما تضاف إليه من المشروبات والأدوية والعطور والمنظفات ونحوها، وممن قال بِطَهارةِ الكحول: الشيخ محمد بخيت المطيعي، والسيد محمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار، ولجنة الفتوى بالأزهر؛ وذلك لأن الكحول يدخل في العطور ونحوها لاستصلاحها كما تدخل الأنفحة في ضبط الجُبن ثم يتبخر عنه، وعلى هذا يكون الكحول طاهرًا لكن لا يجوز شربه كما يفعل الكثير من الناس([4]).

 

 

 

([1]) ينظر: مقدمة كتاب فتاوى علي الطنطاوي، جمع وتنقيح مجاهد ديرانية، دار المنارة، جدة- السعودية، الطبعة الأولى، 1405هـ- 1985م، (ص 6)، وطبع الكتاب في 326 صفحة، ويبدأ نص الفتاوى من (ص 11).

([2]) ينظر: المرجع السابق، (ص 6).

([3]) ينظر: المرجع السابق، (ص106- 111).

([4]) ينظر: المرجع السابق، (ص199).

اترك تعليقاً