البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

«فتاوى العالم الجليل الشيخ محمد مفتاح قريو وبعض آثاره العلمية» الشيخ. محمد مفتاح قريو

96 views

التعريف بالمؤلف:

  • اسمه ونسبته:

هو فضيلة الشيخ العلَّامة الموسوعي الزاهد/ محمد مفتاح قريو، ليبي الجنسية، ومن كبار علماء ليبيا من فقهاء المالكية البارزين.

  • نشأته ودراسته وأهم مصنفاته:

وُلِدَ الشيخ رحمه الله في مصراتة بالجمهورية الليبية مطلع عام 1915م، غي زمن الحرب الليبية الإيطالية.

وحصَّل العلم على الطريقة القديمة بحفظ القرآن الكريم في المتاب، ثم الحضور في مجالس العلم وحِلق العلماء في المساجد والزوايا -وهي الطريقة التي يسميها المغاربة بالتعليم الأصيل-، ثم لمَّا استُحدِث نظام التعليم الجديد في ليبيا والذي بدأ بتحويل جامع سيدي محمد بن علي السنوسي إلى جامعة إسلامية عُقِد امتحانٌ لمن درس العلم على الطريقة القديمة؛ لينالوا بذلك شهادة العالِمية بنظامها الجديد، وكان من هؤلاء فضيلة الشيخ/ محمد مفتاح قريو رحمه الله.

وكان الشيخُ عالِمًا موسوعيًّا كبيرًا؛ فإلى جانب كونه فقيهًا مالكيًّا نحريرًا، كان من أئمة اللغة والقراءات والحديث بلا منازع، وكان شاعرًا مُفلِقًا، وخطيبًا مُفوَّهًا، ومحدِّثًا ألمعيًّا له أسانيدُه العالية ورواياتُه المتقنة، وبجانب ذلك كله كان عالِمًا بالفلك والعقليات.

وله عدة مصنفات مهمة في الفقه واللغة والعقيدة والتراجم والتاريخ والجهاد والدعوة، من أهمها: فتاويه وبحوثه التي معنا في هذا الكتاب، وكتاب: “جواهر الفقه”، وكتاب: “شرح لُب العقائد الصغير”، وكتاب: “تراجم الصحابة المشهورين في الشمال الأفريقي”، وكتاب: “تراجم أعيان العلماء من أبناء مصراتة القدماء”، وكتاب: “شرح النظم، المسمّى: سُلَّم الإنشاء”، وغير ذلك من الكتب والبحوث والمنظومات الشعرية، وله بحوثٌ في القَواعدِ الفلكيَّة، وقد قام بسرد مؤلَّفاته وآثاره العلمية تلميذه الشيخ/ مصطفى قواسم في مقدمة الطبعة الثانية لكتابة جواهر الفقه، التي صدرت عن مكتبة الشعب بمصراتة عام 2008م.

ج- أهم المناصب التي تولاها:

تم تعيين الشيخ رحمه الله مدرِّسًا بجامعة سيدي محمد بن علي السنوسي –عقب تحويله من جامع إلى جامعة- بعد أن نال شهادة العالِمية بنظامها الجديد، وكان يقصده الناس للفتوى، والطلبة وأهل العلم لتحرير المسائل وكشف الغوامض فيجيبهم جميعًا.

د- وفاته:

وانتقل العلامة الجليل إلى رحمة الله تعالى ليلة الأحد السابع من ربيع الثاني 1421هـ، الموافق 9/ 7/ 2000م، ودُفِن في قريته بمقبرة سيدي مبارك، وقد أقيمت في ربوع ليبيا ومجامعها العلمية ندواتٌ كثيرة عن حياة الشيخ رحمه الله، وآثاره العلمية وتراثه الفقهي، وترجم له العديد من العلماء والباحثين في المجلات ومقدمات الكتب وغير ذلك.

التعريف بالكتاب وموضوعاته:

  • وكتاب «فتاوى العالم الجليل الشيخ محمد مفتاح قريو وبعض آثاره العلمية» عبارة عن مجموعة من الفتاوى والبحوث الفقهية، قام أ.د/ جمعة محمود الزريقي بجمع جملة منها وترتيبها في هذا الكتاب، وهو مطبوعٌ في جزأين([1]).
  • ويشتمل كتاب «فتاوى العالم الجليل الشيخ محمد مفتاح قريو» على مجموعة كبيرة من الفتاوى التي تناولت العديد من الموضوعات الدينية المهمة سواء في أبواب العبادات أو المعاملات من الفقه الإسلامي، كما تشتمل على فتاوى عن صحة بعض الأحاديث النبوية، والأحكام العامة؛ ومثال ذلك: فتاوى أحكام الزكاة؛ وبيع الحيوان والطيور والدجاج بالوزن حيًّا، كما تناولت أحكامًا خاصة ببعض العادات الاجتماعية؛ كقيام أهل الميت بضيافة المعزين، وقراءة القرآن على الميت، وغيرها.

كما تناولت مجموعة من أحكام الوقف الإسلامي؛ كحكم الأرض المحبوسة التي يراد إقامة مسجد عليها، وحكم نقل مِلكيَّة الوقف، واستعارة الأشياء الموقوفة على المسجد، وحكم استثمار حارس الوقف للشيء الموقوف؛ كما تناولت مسألة الوقف على الذكور دون الإناث، وغير ذلك من الفتاوى القَيِّمة.

القيمة العلمية للكتاب:

يعتبر كتاب «فتاوى العالم الجليل الشيخ محمد مفتاح قريو» مرجعًا مهمًّا في الفتاوى المالكية الموثَّقة في الجمهورية الليبية في العقود الأخيرة، حيث كان الشيخ رحمه الله من أكابر فقهاء المالكية بها، كما حظيت فتاويه باهتمامٍ كبير من تلاميذ الشيخ تنقيحًا وتهذيبًا وتحقيقًا وتوثيقًا.

ومما يُمَيِّز هذا الكتاب أيضًا اتِّسامُه بالبسط والإسهاب في أحيان كثيرة؛ حيث كان الشيخ/ قريو يتوسع في الفتوى عند الحاجة، ويقصد بذلك الإلمام بجوانب الموضوع تاريخًا وفقهًا، وكذلك استعماله النثر والشعر في الفتوى؛ حيث قام في عدة فتاوى بصيغتها شعرًا بطريقة النظم على بحر الرجز، ثم قام بشرحها والتعليق عليها في هامش القصيدة، كما لم يتقيد الشيخ قريو في الفتاوى بمذهبه المالكي، بل كان في أغلب الأحيان يورد الرأي في المسألة المعروضة من أحد المذاهب الأربعة.

كما تميزت الفتاوى بوضوح اجتهاد الشيخ في بعض المسائل الفقهية الواقعة في ليبيا حينئذٍ، كما كان يستعين في فتاواه بآراء بعض العلماء السابقين عليه، ومن الواضح أن الشيخ قريو/ لعب دورًا اجتماعيًّا مهمًّا من خلال نشر فتاواه بين الناس، كما أن تلك الفتاوى لم تغفل العرف العام للمجتمع الليبي حينئذٍ؛ حيث أخذ الشيخ في بعض أحكامه بما جرى عليه العمل من المسائل التي تشغل بال الناس قديمًا وحديثًا، كما كان الشيخ/ قريو يتطرق في فتاواه إلى بعض الجوانب القضائية؛ إذا سئل عنها، الأمر الذي يوضح مدى متابعته للأحكام القضائية باستمرار.

ولا ننس أن نذكر ضمن مميزات الكتاب ما تمتَّعت به الفتاوى من الثراء والتنوع في موضوعاتها؛ بين أمور الزكاة والمبايعات والخصومات والعادات الاجتماعية، والقضايا المعاصرة، ومسائل الوقف -التي نلاحظ التركيز عليها بشكل خاص.

 

نماذج من فتاوى الكتاب:

1- هل يجوز دفع الزكاة لجهة مختصَّة مسؤولة في الدولة، تتولَّى جمعها من مواردها وصرفها على المستحقين من مصارفها الشرعية؟

جواب الشيخ محمد مفتاح قريو: “نصَّ العلماءُ على تفويض الإمام العادل في توزيع الزكاة على المستحقين لها، فيجوز له أخذها من أصحابها بالنيابة عنهم وتوزيعها عليهم حسبما يراه عادلًا في حقهم، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود لمن جاء يطلب شيئًا من الزكاة: ((إن الله تعالى لم يُوكِل أمر الزكاة لنبي مرسل ولا لملَكٍ مقرّب، بل تولَّى بيانه بنفسه فجزأها ثمانية أجزاء، فقال: ﴿۞إِنَّمَا ٱلصَّدَقَٰتُ لِلۡفُقَرَآءِ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱلۡعَٰمِلِينَ عَلَيۡهَا وَٱلۡمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمۡ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلۡغَٰرِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِۖ فَرِيضَةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ﴾ [التوبة: 60]، فإن كنت من الثمانية أعطيتُك))، وقد فُقِد في زماننا هذا صنفان منهم، وهما: المؤلفة قلوبهم والمملوكة رقابهم، وبقيت ستة أصناف، يجب توزيعها عليهم وحدهم، فإن قام الإمام أو الجهة التي تنوب عنه بتوزيعها عليهم مباشرة جاز لهم أخذها، وأما تخزينها في بيت المال فلا يجوز إلا إذا خلا بيت المال من المال تمامًا، ومما ذكرناه يُعلَم الحكم المسؤول عنه، وبالله التوفيق”([2]).

2- جاء وفدٌ من قَبيلةِ الرَّملةِ القَاطنةِ بمصراتة يسألون الشيخ مفتاح قريو رحمه الله عن أرضٍ كانت لهم بالجنوب الشرقي لمصراتة، ورثوها عن آبائهم وأجدادهم، فلما احتلَّ الطليان ليبيا استولوا عليها، وبقيت تحت أيديهم على حالها حتى انهزموا في الحرب العالمية الثانية وخرجوا من ليبيا، ومن ثَمَّ عادت الأرض إلينا واقتسمناها حسب الفروض الشرعية، وتصرفنا فيها تصرف المالك في مِلكه بالحَرثِ والاستزراع والاحتطاب، وقد مرَّ على ذلك 47 سنة، والآن جاء رَجلٌ يدَّعي لنفسه مِلكًا فيها، وهو كان موجودًا طوال هذه المدة ولم يطالب بشيء، مع علمه بما نفعله وسكوته من غير مانع يمنعه من المطالبة، فهل تُسمَع دعواه؟

الجواب: “إن الأرض المذكورة لها حالتان: إما أن يكون الطليان قد أخذوها من أصحابها شراءً
-ولو بالجبر على البيع أو الغبن في الثمن-، فهذه قد انتقلت ملكيتها إليهم، فإن خرجوا عنها لزوال صَوْلتهم وانكسار شَوكتهم تعودُ فَيْئًا إلى بيت المال لا إلى أصحابها السابقين، وإما أن يكونوا قد أخذوها من أصحابها عنوة بالقوة والشوكة دون مقابل، فهذه لم تنتقل ملكيتها إليهم، فإن خرجوا منها لزوال صَوْلتهم وانكسار شَوكتهم عادت إلى أصحابها السابقين، فإذا رجع إليها أصحابها وقالوا: هذه بضاعتنا رُدَّت إلينا فلهم الحق في ذلك، وتكون من باب رد المنهوبات إلى أصحابها، فإذا تصرفوا فيها تصرف المالك ومرَّت على ذلك مدة أربعين سنة لا ينازعهم فيها أحد ثم جاء رجل يدَّعي فيها حقًّا لا يُسمَع له ولا تقبَل دعواه -إذا كان حاضرًا في البلد ويعلم بأمرها وليس له مانع يمنعه من طلب حقه لكنه سكت كل هذه المدة-“([3]).

 

 

([1]) فتاوى العالم الجليل الشيخ محمد مفتاح قريو وبعض آثاره العلمية، للشيخ/ محمد مفتاح قريو، تحقيق: أ.د/ جمعة محمود الزريقي، ط. جمعية وأبشروا للأعمال الخيرية- طرابلس، ليبيا، د.ط، 2016م، والكتاب يقع في (جزأين).

([2]) ينظر: المرجع السابق، (1/ 107)

([3]) ينظر: المرجع السابق، (1/ 252، 253)

اترك تعليقاً