البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

«فتاوى دار الإفتاء الفلسطينية»

83 views

التعريف بالمؤلف:

سبق التعريف بدار الإفتاء الفلسطينية في الجزء الأول من معلمة علوم الإفتاء.

التعريف بالكتاب وموضوعاته:

  • وكتاب «فتاوى دار الإفتاء الفلسطينية» عبارة عن موسوعةٍ متوسطة الحجم، تجمع أهم ما صدر عن دار الإفتاء الفلسطينية من فتاوى شرعية، سواء ما صدر عن إدارتها العامة بالقدس، أو ما صدر عن فروع الدار بمختلِف محافظات الوطن، وقد جُمِعت هذه الفتاوى من قِبل علماء دار الإفتاء بفلسطين، تحت إشراف سماحة السيد/ محمد أحمد حسين، المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية، وسماحة الشيخ/ إبراهيم خليل عوض الله، الوكيل المساعد لدار الإفتاء، وبمشاركة ستة عشر عضوًا هم السادة المفتون في فروع الدار بالمحافظات، وقد رُوعِي فيها أن تُنسب كل فتوى لصاحبها من رؤساء لجنة إعداد الموسوعة وأعضائها بدار الإفتاء([1]).
  • تقع الموسوعة في ستة أجزاء متوسطة الحجم، معظمها يكون حوالي 200 صفحة –تزيد أو تنقص قليلًا-، ومعها كتيّب مفرد عن فتاوى الصيام، وكتيّب عن فتاوى الزكاة، كل واحد منهما يقع في 100 صفحةوقد جاءت الفتاوى التي جمعتها الموسوعة مرتبة ترتيبًا موضوعيًّا، على أبواب الفقه؛ فاشتملت الموسوعة على مقدمةٍ عن التعريف بالموسوعة وأصل صدورها، وبيانًا بأسماء من تولّوا رئاستها وعضويتها، ثم فصلٍ تمهيديٍّ للتعريف بالمنهج الذي التزمته اللجنة في إعداد الفتاوى، ثم جاءت المجلدات الستة حاويةً للفتاوى على الترتيب الذي ذكرناه، فجاءت أبواب أحكام العقائد، والعبادات، والمعاملات، والأحوال الشخصية، واللباس والزينة، والجنائز، والمقابر، والأيمان، والنذور، والحج والعمرة، وغير ذلك، ثم كتيِّبٌ مفردٌ في مائة صفحة عن أحكام الصيام، ثم كتيِّبٌ مثلُه عن أحكام الزكاة، وفي كل جزءٍ مقدمة في أوله، وذكرٌ لاسم صاحب الإعداد الأكبر فيه من أعضاء اللجنة، وفي نهايته فهارس للآيات والأحاديث والموضوعات والفتاوى الواردة فيه.

القيمة العلمية للكتاب:

يعدُّ كتاب «فتاوى دار الإفتاء الفلسطينية» مرجعًا مهمًّا لمن يريد الاطلاع على مجهودات دار الإفتاء الفلسطينية، والمنهج الفقهي الذي يسيرون عليه، وتتميز موسوعة فتاوى دار الإفتاء الفلسطينية بدرجةٍ عالية من التوثيق والتأصيل؛ حيث إن المشرفين على إعدادها من السيد المفتي ووكيله والأعضاء الستة عشر المفتين بالمحافظات جميعهم على درجة كبيرة من العلم والحكمة، يلتزمون المنهج الوسطي الرشيد المستمد من علوم الأزهر الشريف ومن ميراثهم الوافر للتراث المقدسي والغَزي عن أكابر من سبقوهم من علماء الفقه والحديث والعقائد والقراءات في هذه البقاع الطاهرة المباركة.

كما يتميز الكتاب بما تمتع به من خِدمةٍ فائقةٍ من التحقيق والتهذيب والإخراج؛ فقد ساهم الأعضاء بجهدٍ كبير في تحرير ما أوكِل إلى كلٍّ منهم من مواضيع الفتاوى، فنجد كل فتوى منسوبةً إلى قائلها ومحررها من السادة الأعضاء والمشرفين، وكذلك نجد الواحد منهم مسؤولًا عن إعداد مجموعةٍ معيَّنةٍ من الفتاوى ككتيِّب فتاوى الصيام، ونظيره في الزكاة، مما أكسب الموسوعة تنوُّعًا في الأسلوب والصياغة والتناول، مع اتحاد المنهج القائم على الأدلة الصحيحة من النصوص ونحوها مما يعتمده المحققون من أهل الفقه والأصول والحديث.

نماذج من فتاوى الكتاب:

1- فتوى رقم (170) في حكم إكراه الفتاة على لبس الحجاب، أجاب عنها فضيلة الشيخ/ إبراهيم خليل عوض الله، مفتي محافظة رام الله والبيرة، ووكيل مساعد دار الإفتاء الفلسطينية.

السؤال: ما حكم الشرع في إكراه البنت على لبس الحجاب؟

الجواب: من المعلوم أن الإسلام أمر المرأة متى بلغت ورأت الحيض أن تستر زينتها وجسدها إذا ظهرت أمام أحد غير زوجها، أو محارمها الأقربين، لقوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّأَزۡوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ يُدۡنِينَ عَلَيۡهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّۚ﴾[الأحزاب: 59]، ويجزي الله تعالى المرأة التي تلتزم بذلك أجرًا وثوابًا ورضوانًا، ويجازي من تتخلف عن طاعته في ذلك غضبًا وعقابًا إلى أن تتوب وتؤوب، وفي كتاب اللباس والزينة من صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا))، فهذا ما قرره الشرع في حق النساء.

أما عن دور ولي الأمر كالأب ونحوه: فهو الذي عليْه المعوّل في تربية بناته وأخواته على مبادئ الدين في وجوب الحشمة والتستُّر والحياء في الكلام واللباس والمشي، فهم من رعيته التي سيسأله الله تعالى عنها، كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ))، فالرجل والمرأة مسؤولان عن تربية بناتهما على الحشمة والحياء.

وننبه هنا على أن واجب ولي الأمر لا ينحصر في إصدار الأوامر، وتحديد العقوبات، وإنما يكون دورُه أولًا بالقدوة الحسنة في نفسه هو وزوجته لبناتهم وأولادهم، ليُقلِّدوا والدَيهم، ثم بالموعظة الحسنة منذ الصغر لتكبر هذه المبادئ معهم، ثم بالمعالجة الحكيمة لما قد يجدُّ على البنت من تصرّفات غير لائقة، وهذه مهمة عظيمة تحتاج إلى وعيٍ وحِكمةٍ وصبر وحلمٍ، فيُرغِّب البنت في الحجاب، ويبعدها عن جو الانحلال وأصحاب السوء في البيت والشارع والدراسة، أما الإجبار والقهر والعنف فلا يُحبَّذ استخدامه مع الأولاد؛ لأن البنت المجبرة قد تستغل الأوقات التي تأمن فيها من مراقبة والديها في ممارسة ما ترغبه مما لا يليق، فتظهر أمام والديها وأهلها بوجه الحشمة والصيانة، ومن خلفهم بوجهٍ آخر، مما يوقِعها في كثير من الأحيان فيما يسيء إلى سمعتها وسمعة أهلها، ويسيء أيضًا إلى الإسلام من حيث كونها صورةً سيئًة للمحجبات اللاتي يرتدين الحجاب شكلًا لا مضمونًا، ولا يلتزمن بواجبات الحشمة وآداب الحجاب، ووليُّ الأمر لن يُعدَمَ وسائل أخرى غير العنف والإجبار، لكن يحتاج فقط إلى صبر ومثابرة وحكمة، ويدعو الله تعالى أن يهدي أولاده ذكورًا وإناثًا، وتعويد البنات على الصلاة منذ الصغر من أنفع الوسائل التي تحببهم في ارتداء الحجاب”([2]).

2- فتوى رقم (13788) في حكم دهس شخص بسيارة أدى إلى وفاته.

السؤال: “ما الذي يترتب على سائق سيارة يسوق سيارته بتهور، مما أدى إلى دهس شخص ووفاته؟

الجواب: الأصل أنه يجب شرعًا على السائق أن يلتزم بقواعد السلامة والأمن ووسائلهما، لتجنُّب وقوع الحوادث، وقد جاء في قرار مجلس الإفتاء الأعلى في فلسطين رقم (1/96)، بتاريخ 26-4-2012م ما يلي:

إن قواعد السير المنظِّمة الصادرة من قِبل جهات الاختصاص واجبة الالتزام والتنفيذ، استنادًا إلى القاعدة الشرعية: (تصرفات الإمام بالرعية منوطة بالمصلحة)، وقاعدة سد الذرائع.

كما أن مجلس الإفتاء الأعلى يرى أنه بالنظر إلى الوجوب الشرعي على السائق في ضرورة الالتزام بهذه القواعد التي تنظمها الدولة في السير والمرور؛ فإن السائق إذا خالفها يكون ضامنًا لما يسببه من خسائر في الأنفس، والأغراض المتقوَّمة بمال، وأنه فوق ذلك يأثم عند الله تعالى إن كان مقصّرًا حقيقةً في الالتزام بقوانين السلامة، فالسائق إذًا مسؤول عن الأضرار التي يُلحقها بالآخرين سواء في النفس أو البدن أو المال، إن كان ذلك قد حصل منه على سبيل الإهمال وبسبب تقصيره، أو على سبيل الخطأ، فالذي يحصل كثيرًا من وَفَيَات الأشخاص بسبب السرعة الزائدة، أو كسر الإشارات، أو التقصير في صيانة السيارة من المكابح ونحوها، يجري مجرى القتل الخطأ؛ لأن السائق في الحقيقة لم يقصد القتل ولا تعمده، وبالتالي: فإنه تجب الدية عليه وعلى عائلته لمن مات بسببه من الأشخاص، ودية القتل الخطأ قد حددها القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٍ أَن يَقۡتُلَ مُؤۡمِنًا إِلَّا خَطَ‍ٔٗاۚ وَمَن قَتَلَ مُؤۡمِنًا خَطَ‍ٔٗا فَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٖ مُّؤۡمِنَةٖ وَدِيَةٞ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦٓ إِلَّآ أَن يَصَّدَّقُواْۚ فَإِن كَانَ مِن قَوۡمٍ عَدُوّٖ لَّكُمۡ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٖ مُّؤۡمِنَةٖۖ وَإِن كَانَ مِن قَوۡمِۢ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُم مِّيثَٰقٞ فَدِيَةٞ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦ وَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٖ مُّؤۡمِنَةٖۖ فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ شَهۡرَيۡنِ مُتَتَابِعَيۡنِ تَوۡبَةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا﴾[النساء: 92]”([3]).

([1]) فتاوى دار الإفتاء الفلسطينية، إعداد أمانة الفتوى بدار الإفتاء الفلسطينية، 1429هـ- 2008م، والكتاب يقع في 6 مجلدات، ومعها كتيِّب مفرد عن فتاوى الصيام، وكتيِّب عن فتاوى الزكاة، كل واحد 100 صفحة.

([2]) المرجع السابق، (1/ 165، 166).

([3]) المرجع السابق، (3/ 292، 293).

اترك تعليقاً