البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

ثالثًا: كتب الأجوبة

"أجوبة أبي العباس الكشطي"

141 views

التعريف بالمؤلف:                                           

أ- اسمُه ونسبته:

هو فضيلة الشيخ العالم الورع/ أبو العباس أحمد بن علي إبراهيم بن علي بن همو التناني الكشطي –رحمه الله-، فقيه المالكية الأول ببلاد المغرب العربي.

ب- نشأته ودراسته وأهم مصنفاته:

ولد الشيخ أبو العباس الكشطي عام 1310هـ، بدوار (كاشط) بقبيلة إداوتنان، قريبًا من مدينة أكادير المغربية، بدأ تعلم القرآن في سن مبكرة حتى أتقنه كاملًا بثلاث روايات، ثم سافر إلى الحج والعمرة ولم يكن قد تجاوز التاسعة عشرة، وحفظ المتون العلمية في الفقه واللغة، وفي عام 1337هـ نزل إلى مدينة فاس ليأخذ العلم عن شيوخها الأكابر، كالشيخ عبد الكريم بنيس، والشيخ أبي شعيب الدوكالي، ومحمد الحجوي، وغيرهم، وبعد هذه الرحلة عاد الشيخ الكشطي إلى بلدته ليزاول التدريس والإفتاء، حتى ذاع صيتُه وتكاثر عليه الطلاب من كل حدَبٍ وصوْبٍ.

وله عدة مؤلفات مهمة في الفقه والعقيدة والدعوة، منها: كتاب الأجوبة هذا، وكتاب: “تحفة النبلاء في الصلاة بالإيماء”، وكتاب: “سبيل النجاة في إتمام الصلاة، وتعجيل العقوبات في تضييع الصلوات”، وكتاب: “عصمة الاعتقاد من الوقوع فيما وقع فيه مَن عَبَد الله مع الأنداد”، وغير ذلك من الكتب المطبوعة والمخطوطة.

ج- أهم المناصب التي تولاها:

تولى التدريس في مدرسة (ألَما) التي تخرج منها، إلى جانب إجازات بالإفتاء من كبار شيوخ المغرب العربي والعالم الإسلامي.

د- وفاته:

وبعد حياةٍ حافلةٍ بالعلم والتدريس والإفتاء والرحلة تُوفي الشيخ العالم الورع أبو العباس الكشطي ليلة الأحد الخامس والعشرين من شهر صفر عام 1374هـ.

 

التعريف بالكتاب وموضوعاته:

  • وكتاب “أجوبة أبي العباس الكشطي” هو عبارة عن فتاوى متناثرة تناول فيها أبو العباس الكشطي نوازل عصره في العبادات والمعاملات، وكان المحقق عبد الله بن طاهر قد جمعها ونشرها في مجلة المذهب المالكي بالمغرب في أعداد متفرقة، ثم جمعها بعد ذلك في هذا الكتاب([1]).
  • ويشتمل كتاب “أجوبة أبي العباس الكشطي” على جملةٍ كبيرةٍ من الفتاوى المتنوعة، وقد رتبها المحقِّق ترتيبًا موضوعيًّا؛  فجمع فتاوى نوازل فقه الطهارة والصلاة في جزء، وفتاوى نوازل فقه الأسرة في جزء، وفتاوى نوازل فقه الزكاة في جزء، ثم أفرد جزءًا لبضعة فتاوى في مسائل متفرقة عن الضمان والعقيقة والإمامة والبسملة وأشراط الساعة وطهارة لبن المرأة، وعدة من لم تعلم بوفاة زوجها.

القيمة العلمية للكتاب:

يتميز كتاب “أجوبة أبي العباس الكشطي” بأنه قد حوى نوازل كثيرة واكبت فترة التغيُّر التي صاحبت دخول المغرب العربي في عهد الحماية الفرنسية، ولذلك ظهرت في تلك الفترة نوازل تتميز بالتنوع والابتكار، فكأن هذا الكتابَ تأريخٌ لما حدث من تطور استفتائي وإفتائي في المغرب الأقصى وبخاصةٍ المجتمع السوسي في النصف الأول من القرن العشرين، ويعتبر الكتاب موسوعةً حافلةً بالنقول المعتبرة عن معظم أئمة المذهب المالكي على مر العصور، فقد نقل أبو العباس عن سائر من سبقوه بدايةً بمالكٍ وتلاميذه إلى تلاميذ الدردير، فهو يمثل اختياراتٍ إفتائية من الأقوال المعتبرة في الفقه المالكي.

كما برزت فيه القدرة الإفتائية الفائقة عند المؤلف، حيث تعامل مع هذه النوازل الجديدة بكامل العلم والحكمة، وبرز هذا أكثر في فتاواه حول ثبوت رؤية الهلال بخبر الهاتف –والذي لم يكن معروفًا في السوس حينها-، والصلاة بالإيماء في السيارات العمومية، والحَقْن في الصيام ونحو ذلك، فكان يضع الحلول الشرعية لتلك النوازل والقضايا التي تشغل المجتمع المحلي ببراعةٍ وإتقان.

نماذج من فتاوى الكتاب:

  • سؤال: في حالة المرأة التي مات زوجها الذي كان غائبًا عنها فترةً ولم تعرف بموته، هل تعتدُّ من أول تاريخ وفاته أم من وقت بلوغها الخبر؟

الجواب: “إذا مات الزوجُ عن زوجته أو طلقها وكان غائبًا عنها، ولم تعرف بموته أو تطليقه إلا بعد أن انقضى ما يعادل مدة العدة أو بعضها من حين غيابه، ففي حكم احتساب عدتها قولان: الأول: أنها لا عدة عليها ولا إحداد إن كان ما انقضى من وقت غيابه يساوي العدة أو يزيد، وإن كان أقل منها تكمل باقي العدة ولا شيء عليها، وهذا هو ما عليه الجمهور من الصحابة والتابعين والفقهاء من المذاهب الأربعة، وأصل ذلك عند المالكية ما جاء في المدونة الكبرى عن مالك –رحمه الله- أنه سُئل عن المرأة التي بلغها خبر وفاة زوجها الغائب، من أين تعتدُّ؟ قال: من يوم مات الزوج، قيل له: فإن كان الخبر لم يبلغها حتى انقضت عدتها، فهل عليها عدة؟ قال: لا عدة عليها ولا إحداد ما دام الخبر لم يبلغها إلا بعد انقضاء عدتها، وسُئل عن حالة الطلاق في ذلك، فقال: إن كان طلقها ولم يبلغها الخبر إلا بعد انقضاء عدتها فلا عدة لها إن ثبت تطليقه لها في ذلك التاريخ ببينة محققة، فإن لم يكن له بينة إلا نفسه فإنها تستقبل عدةً جديدةً بأحكامها غير أنه لا رجعة له عليها.

الثاني: أنها تبدأ احتساب العدة من يوم أن بلغها خبر الوفاة أو التطليق، وهو قولٌ مرويٌّ عن علي –رضي الله عنه- والحسن وعطاء وقتادة، وهو قولٌ مردود؛ لأن الله تعالى علَّق العدة على الطلاق والوفاة لا على العلم بهما، والله تعالى أعلم”([2]).

2- وسُئل -رحمه الله- عن لبن المرأة هل هو طاهرٌ أو نجس؟ بحيث يُعرف حكمه إذا أصاب الثوب أو البدن، فأجاب:

“لبنُ المرأة طاهر؛ يجوز شربه للكبير والصغير، ولو كان نجسًا لكان حرامًا؛ لأن النجس يحرم أكله وشربه، وجاء في مختصر خليل عطفًا على الأشياء الطاهرة: (ولبن الآدمي إلا المَيتة) وقال الدردير في شرحه عليه: (بل وحتى لبن الميتة طاهر، ومن قال إن لبن الميت نجسٌ: ضعيفٌ)، وقد كثر الجهل بذلك حتى سمعت من بعض الجهال أنه يحرم على الرجل شرب ما بقي من ولده الصغير بعد الرضاع حتى لا تحرم عليه زوجته!، وهذا باطلٌ؛ لأن الرضاع الذي يحرم هو ما يشربه الصغير قبل أن يستغني بالطعام ولو داخل الحولين، فكيف بمن بلغ ووُلِد له؟ هل يحرم على زوجته بشرب لبنها؟! بل الصحيح أن لبن المرأة طاهر ولا شيء فيه”([3]).

 

([1]) ينظر: مقدمة كتاب لأبي العباس أحمد بن علي إبراهيم الكشطي، تحقيق عبد الله بن الطاهر، مركز الجنوب للإنماء الثقافي والإنساني- المملكة المغربية، الطبعة الأولى، 2008م، (ص 3).

([2]) ينظر: المرجع السابق، (ص206).

([3]) ينظر: المرجع السابق، (ص202، 203).

اترك تعليقاً