البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

«أجوبة محمد بن محمد الزجلاوي»

87 views

التعريف بالمؤلف:

أ- اسمُه ونسبته:

هو فضيلة الشيخ/ محمد بن محمد العالم بن أحمد الزجلاوي، من أحفاد الشيخ علي بن حنيني الأنصاري، وهو من أجلِّ الفقهاء المالكية ببلاد المغرب العربي.

ب- نشأته ودراسته وأهم مصنفاته:

ولد في قصر زاقلو بمدينة توات بجنوب الجزائر، ونشأ في بيت علمٍ وفقهٍ، حيث كان أبوه الشيخ محمد العالم الزجلاوي من أكابر فقهاء مدينة توات، وهو صاحب هذه النوازل التي جمعها ابنه الشيخ محمد، ولذلك كان توجهه منذ الصغر إلى العلم الشرعي؛ فحفظ القرآن في سن مبكرة، ثم أخذ الفقه المالكي وعلوم العربية عن جملةٍ من الشيوخ منهم: الشيخ أبو زيد عبد الرحمن بن عمر التنيلاني، ثم تنقل بين عواصم المغرب العربي طلبًا للعلم؛ فأخذ عن جملة من الشيوخ ترجم لهم في تراجم شيوخه، منهم: الشيخ عمر بن عبد القادر، والشيخ محمد بن أُبّ المزمّري، وفي فاس أخذ عن الشيخ محمد العربي، والشيخ سيدي أحمد سقاط وغيرهم، حتى تكامل بنيانه العلمي فقهًا ولغةً وسلوكًا، وصار ممن يُقصَدون للفتوى في تلك البلاد.

وله عدة مصنفات مهمة في الفقه والتفسير، منها: في الفقه والفتاوى: هذه الأجوبة التي معنا، وكتاب: “مختصر النوادر في الفقه”، وتقييدات فقهية متفرقة، وفي التفسير وعلوم القرآن: كتاب: “مختصر الدر المصون في إعراب الكتاب المبين”، ومخطوطات ثلاثة أرَّخ فيها لرحلاته إلى الحج، وله قصائد شعرية وبحوث أخرى.

  • أهم المناصب التي تولاها:

وبعد أن اشتهر الشيخ الزجلاوي وذاع صيته في ربوع المغرب العربي جلس للتدريس والإفتاء في مدينة توات وبلاد التكرور، حتى صار أحد رجال الشورى الأربعة هناك بقية حياته.

د- وفاته:

توفي الشيخ الزجلاوي رحمه الله تعالى بمصر وهو عائد من الحج في التاسع والعشرين من صفر عام 1189هـ، ودفن بها في مقبرة الشيخ عبد الله المنوفي بضواحي القاهرة القديمة.

التعريف بالكتاب وموضوعاته:

  • وكتاب «أجوبة محمد بن محمد الزجلاوي»([1]) هو عبارة عن فتاوى متناثرة لوالد المؤلف وهو الشيخ محمد العالِم بن أحمد الزجلاوي، جمعها المؤلف ونقَّحها وزاد عليها، وضمَّ إليها فتاوى أجاب بها نقلًا عن أئمة المالكية السابقين عليه بمدينة توات بجنوب الجزائر، والكتاب به فتاوى كثيرة ومتنوعة غالبيتها كانت أجوبة عن وقائع رُفِعت إليه أو إلى والده من جمهور منطقتهم بجنوب الجزائر، وهذه الأجوبة الزجلانية هي كتابٌ مستخرَجٌ من مخطوط “غُنْيَة المقتصد السائل فيما وقع بتُوات من القضايا والمسائل” ([2]).
  • ويشتمل كتاب «أجوبة محمد بن محمد الزجلاوي» على جملةٍ من الفتاوى المتنوعة، جاءت متناثرةً لا تخضع للتبويب الفقهي، فأجاب فيها عما سُئل عنه من وصية الميت، وبيع السفيه المحجور عليه، والمعاوضة والغُرْم، والبناء خارج مساكن القرية إن ترتب عليه ضرر، وتنزيل المقوِّم منزلة القاضي، والحبس وأحكامه ومسائل الوقف التي يحدث فها التنازع، والصدقة على وارث، وهِبةُ السفيه أو الصغير الذي لا وليَّ له، والوقف على الأبناء وغير ذلك.

القيمة العلمية للكتاب:

ترجعُ أهمية كتاب «أجوبة محمد بن محمد الزجلاوي» بشكل رئيسٍ إلى جلال مؤلِّفه ورسوخ قدمه في علم الإفتاء، وفي التأصيل الفقهي على المذهب المالكي،، ولا أدَلَّ على منزلته مما وصفه به صاحب “الدرة الفاخرة” بقوله: “كان رحمه الله أحد الأعلام المجتهدين في عصره، كان عالمًا بالفرائض، وعليه مدارُ الفتوى، وانتهت إليه الرئاسة في تُوات وبلاد التكرور” ([3])، حتى إنه كان أحد رجال الشورى الأربعة في تُوات([4])، ولذلك جاءت أجوبتُه ثمرةً لخبرةٍ ودُرْبةٍ كبيرة في صناعة الإفتاء، مما يضع هذا الكتاب في مكانةٍ عاليةٍ بين كتب الفتوى على المذهب المالكي.

ونظرًا لكون الكتاب من كتب النوازل فقد تميز بالثراء والتنوع فيما تناوله من فتاوى؛ لأنه كان يجيب عما يَرِد إليه من عموم الناس وخواصهم، وأحوال الخلق عادةً ما تتنوع وتكثر بتعدد وجوه معيشتهم، وللشرع في كل حالةٍ ونازلةٍ حكمٌ وتوجيهٌ وإرشادٌ، ولمَّا كان الكتاب جامعًا بين فتاوى الشيخ الزجلاوي الأب والشيخ الزجلاوي الابن، فقد جاء مشتملًا على نوازل متعددة ومختلفة لجيلين من الناس، مما أكسب الكتاب ثروةً إفتائيةً واقعيةً كبيرة.

نماذج من فتاوى الكتاب:

  • سُئل الشيخ الزجلاوي رحمه الله تعالى عن المحجور عليهما إذا تبايعا، ثم أتلف أحدهما ما أخذه من الآخر، هل يكون عليه ضمانه؟

فأجاب: “لم أرَ من نَصَّ عليها بعينها من الفقهاء، لكن هناك قولٌ في المختصر يدل عليها وهو قوله: (ضَمِن ما أفسَدَ إن لم يُؤَمَّن عليه)، وبناءً على ذلك؛ فإننا ننظر في كيفية تضييعه لما أخذه، إن ترتب عليه صونٌ لماله لزمه الضمان من غير إشكال، وإلا فمحل نظر، والظاهر من كلامهم الضمان فيه أيضًا، لقوله في باب الغصب: (وضَمِنَ مشترٍ لم يعلم في عمدٍ)؛ أي: يوم وضع يده عليه، كما لو أكله أو لَبِسه فأبلاه، وعلَّله ابن يونس بأنه لما هلك بانتفاعه به كان كالمعتدي، فلزِمه الضمان”([5]).

2- وسأل الشيخ محمد بن عبد الرحمن البلبالي شيخه الزجلاوي عن أناسٍ شرذمةٍ معدودين، أرادوا أن يبنوا قصبةً في أراضيهم بقرب قرية كبيرة، وأهل هذه القرية يخافون على أنفسهم وحريمهم من هؤلاء لكون المنطقة على طريق رحلتهم وليس فيها سواهم، فهل لهم منع هؤلاء من البناء نظرًا للخوف المذكور؟ وهل يختلف الحكم إذا كان هؤلاء الشرذمة لا قوة لهم على الظلم والعدوان أو حتى عن الدفع عن أنفسهم؟ أو إذا كانوا أشرارًا لا يؤمَن جانبهم؟، مع العلم أنهم إذا تُرِكوا وما أرادوا من البناء المنعزل عن القرية لأدَّى ذلك إلى تَجْرِيء كل مَن يملك مؤونة البناء على فعل ما فعلوا، ومعلوم أن ذلك يؤدي إلى تفريق جماعة القرية وفساد رباطها، وإضعاف حكم حاكمها على مَن تحت يده.

فأجاب: “مَن أراد أن يُحدِث بناءً في أرضه بقرب جاره، وتخوَّف جارُه منه أن يقع منه ضرر له بسبب البناء المذكور، فإن كان الباني شريرًا لا يُؤمَن جانبُه على أهل بلده ويتوقعون ضرره فلهم أن يمنعونه من البناء، وأما إن لم يكن شريرًا ولكنه خرج من القرية لعافية بدنه أو لبُعد أصله عن محل سكناه فلا يحل منعه من البناء؛ لأن الضرر ليس راجحًا، وتصرُّفه في ملكه ثابت له بيقين، فلا يُحال بينه وبينه بالشك في الطوارئ، ومتى قدَّر الله دخولَ عدوٍّ عليهم؛ فإن ساعد العدوَّ هُدِّمت بناياتُه عليه، وإلا فلا، وهذا الذي بنيتُ عليه في الجواب هو مقتضى قول ابن القاسم في صاحب عَرْصةٍ أراد منع جاره من فتح بابٍ على عرصته قبل بنائها للضُّرِّ الذي يلحقه إذا بناها، وهو أنه لا يحق له منعه قبل أن يبني ويتبيَّن هل يلحقه ضرر من فتح الباب أم لا، وبه سمعتُ عن شيخنا أبي زيد رحمه الله أنه أفتى به في نازلةٍ مشابهة، والتفصيل الذي قيدناه به أخذناه من فتوى الإمام ابن عرفة بسَدِّ ما ثبت قِدَمُه من الكُوَى على مَن عُرف بسوء الحال، وذلك كله معروف من نقول القلشاني رحمه الله في تحريراته على رسالة ابن أبي زيد”([6]).

3- وسُئل عن الصغير الذي لا وَليَّ له أو السفيه إذا وُهب له شيء أو وُقف عليه ووكَّل رجلًا يحوز له فحاز، هل هذا كافٍ أم لا؟ وهل إذا كان له وليٌّ ووُكِّل على الحوز فحاز وكيله هل يفيد ذلك أم لا؟

فأجاب: “توكيل السفيه أو الصغير الذي لا ولي له مَن يحوز لهما ما أُعطياه كافٍ؛ لأنه لا فرق في المعنى بينه وبين مباشرتهما للحيازة بأنفسهما، وقد شهر الشيخ خليل أعمالها في السفيه، ونصَّ في الطرر على مثل ذلك في الصغير، وقال الحطَّاب: (فإن لم يكن له أو للسفيه وليٌّ جازت الحيازة منهما بلا خلاف)، وقد نصَّ في المدونة على جواز حيازة الأجنبي لهما دون توكيلٍ من أبٍ أو نحوه، إلا من الواهب نفسه أو من الواقف، فدل ذلك على مراعاة وجود الحوْز كيفما اتُّفق فيمن له وَليٌّ أو ليس له، وأشار إليه ميَّارة في شرح التحفة، وعلَّله بأنه من قبيل خطاب الوضع الذي يستوي فيه البالغ وغيره”([7]).

([1]) أجوبة محمد بن محمد الزجلاوي من خلال كتاب “غُنْيَة المقتصد السائل فيما وقع بتُوات من القضايا والمسائل”، جمع وتحقيق: فاطمة حموني، نشرته مجلة الدراسات التاريخية والاجتماعية- جامعة نواكشوط- كلية الآداب والعلوم الإنسانية- موريتانيا، عدد (12)، د. ط، 2016م، وشغل الكتاب 12 صفحة من ذلك العدد.

([2]) ويعتبر مخطوط: “غُنْيَة المقتصد السائل فيما وقع بتُوات من القضايا والمسائل” من أعظم المخطوطات التي حوت أكبر قدرٍ من النوازل والفتاوى الفقهية التي وقعت بتوات بجنوب الجزائر، مثل: فتاوى الشيخ عبد الرحمن بن عمر التنلاني، والشيخ الزجلاوي الأب والابن، والشيخ سيدي محمد بن عبد الرحمن البلبالي، وابنه الشيخ محمد عبد العزيز، وغيرهم، ويحتوي هذا المخطوط على 483 لوحة كبيرة، وقد بدأ بجمعه الشيخ محمد بن عبد الرحمن البلبالي ثم أكمله ابنه الشيخ محمد عبد العزيز، ثم رتَّبه من بعدهم الشيخ أحمد لحبيب بن إبراهيم البلبالي، وتوجد منه نسخٌ بجميع خزانات منطقة توات. ينظر: مقدمة المرجع السابق، (ص42، 43).

([3]) ينظر: الدرة الفاخرة، أبو زيد التنيلاني (ص16).

([4]) ينظر: مقدمة كتاب أجوبة محمد بن محمد الزجلاوي، (ص 43).

([5]) ينظر: المرجع السابق، (ص44).

([6]) ينظر: المرجع السابق، (ص44، 45).

([7]) ينظر: المرجع السابق، (ص47).

اترك تعليقاً