البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

وحدة مهارات مراعاة واقع الفتوى

57 views

. مهارة إدراك الواقع.

٢. مهارة مراعاة المآلات.

٣. مهارة التعامل مع النوازل.

٤. مهارة التعامل مع الأقليات.

٥. مهارة مراعاة تغير العرف.

٦. مهارة مراعاة القانون في الفتوى.

٧. مهارة مراعاة موجبات تغير الفتوى.

مهارة إدراك الواقع

١

 

يعتبر فقه إدراك الواقع ركنًا أساسيًّا من الإفتاء؛ حيث يدخل في عملية الإفتاء بكل مراحلها: (التصور، التكييف، الحكم، التنزيل)، يقول ابن القيم: «ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم:

أحدهما: فهم الواقع والفقه فيه، واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط به علمًا.

والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع، وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان قوله في هذا الواقع، ثم يُطَبِّقُ أحدهما على الآخر؛ فمن بذل جهده وَاسْتَفْرَغَ وُسْعَهُ في ذلك لم يعدم أجرين أو أجرًا؛ فالعالم من يتوصل بمعرفة الْوَاقِعِ وَالتَّفَقُّهِ فيه إلى معرفة حكم الله ورسوله، ومن تأمل الشريعة وقضايا الصحابة وجدها طافحة بهذا، ومن سلك غير هذا أضاع على الناس حقوقهم، ونسبه إلى الشريعة التي بعث الله بها رسوله»(1) .

والحقيقة أن المفتي حتى تكون فتواه صائبة لا بد وأن يدرك المتغيرات الكثيرة الحاصلة في عالم الواقع بما لها من تأثيرات وتفاعلات في علم الإفتاء، فينبغي على المفتي أن يكون مدركًا لعالم الواقع بما يحويه من (أشخاص وأحداث وأفكار وأشياء) والنظم التي تربط بين هذه العوالم المختلفة.

التعريف بالمهارة:

هي قدرة المتصدر للفتوى على الإحاطة الشاملة والعميقة بحقيقة ما يفتي به ويحكم عليه، من فعل أو ذات أو علاقة أو نسبة حتى تكون الفتوى مطابقة للواقع ومنطبقة على حقيقته، أو بتعريف آخر: أن يكون المفتي مُدركًا لزمانه بما يحويه من عوالم مختلفة، وهي: (الأشياء والأشخاص والأفكار والأحداث)، وإدراك النظم الرابطة بين هذه العوالم.

الأصل الشرعي للمهارة:

كان النبي ﷺ يراعي الواقع بما فيه من أبعاد ومآلات، فكان يوازن بين المصالح والمفاسد، ويتدرج في تطبيق الأحكام مراعاة للواقع وأحوال الناس، كما أنه كان يراعي ما يؤول وينتهي إليه فعله وحكمه، كما هو ظاهر في الكتاب والسنة:

  1. يقول تعالى:﴿ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ﴾ [الأنعام: ١٠٨]، ففي هذه الآية نهى الله تبارك وتعالى المسلمين أن يسبوا ما يعبده المشركون من آلهةٍ وأندادٍ حتى لا يؤول هذا إلى سبهم الله جهلًا بغير علم.
  2. ومن السنة: مواقف كثيرة من النبي ﷺ راعى فيها الواقع بأبعاده المتعددة والظروف المحيطة به أو مآلات الأمور، أو عرف الناس وعاداتهم:

أ) امتناعه ﷺ عن قتل المنافقين رغم استحقاقهم للعقوبة جراء ما يفعلونه من أفعال، فامتنع النبي ﷺ وقال عن سبب ذلك: ((لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه)).

ب) امتناع النبي ﷺ عن إعادة بناء الكعبة على قواعد سيدنا إبراهيم -رغم علمه أن هذا هو الصواب- إلا أنه ﷺ ذكر سبب عدم الإقدام حينما قال: ((يا عائشة، لولا أن قومك حديثُ عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فهدم، فأدخلت فيه ما أخرج منه)).

ج) استخدامه ﷺ المُداراة مع بعض الناس اتقاء شرهم كحديث ((بئس أخو العشيرة)).

د) مراعاة التدرج في تطبيق الأحكام الشرعية كالخمر مثلًا.

  1. أما في أفعال الصحابة فهو كثير جدًّا كجمع القرآن في مصحف واحد، وإسقاط حد السرقة، ومنع سهم المؤلفة قلوبهم، وغير ذلك.

رُتبَة المتصدر للفتوى:

إن مهارة إدراك الواقع فيها اجتهاد كبير ومشقة عظيمة، وهذه الإدراكات التي ذكرناها سابقًا إنما تكون من المستويات الإفتائية العليا، لما يكتنفها من مراعاة المآلات، وتقدير الموازنات، والاطلاع الدقيق على عادات الناس وأعرافهم، وهذا ليس من عمل المقلدين أو مفتي الضرورة، بل هو عمل أعضاء «مجلس أمانة الفتوى» داخل المؤسسات الإفتائية أو المجامع الفقهية.

النطاق الفقهي للمهارة:

تدخل هذه المهارة الإفتائية في سائر الأبواب الفقهية إلا أنها يزداد الاحتياج إليها في تلك الأبواب الفقهية التي لها مزيد تشابك وتداخل مع الواقع الجديد، وتشمل:

  1. المعاملات الماليَّة والاقتصادية.
  2. الأحوال الشخصية.
  3. نظم الأقضية والعقوبات.
  4. الوضع الجديد للأقليات المسلمة.
  5. النوازل المعاصرة من المسائل الطبيَّة والفلكية وغيرهما.
  6. السياسة الشرعيَّة.

خطوات إعمال المهارة:

  1. تحديد صورة المسألة (انظر مهارة تصوير الفتوى).
  2. تحديد مدى تأثير الواقع في الحكم

فإن كان الواقع مؤثرًا في الحكم فيتم تحرير النص الشرعي وواقعه بـ:

  • دراسة ظروفه وملابساته.
  • شروط الحكم وأركانه وواقعه.
  • أسباب نزوله ووروده.
  • الدلالات الواقعية للنص.
  1. استخراج الأوصاف المؤثرة التي بني عليها الحكم الشرعي، واستبعاد ما عداها من أوصاف غير مؤثرة عبر مسالك العلة المعتبرة عند الأصوليين:

أ. تنقيح المناط.

ب. تخريج المناط.

ج. تحقيق المناط.

  1. دراسة ومعرفة محل تنزيل الحكم (واقع المسألة الجديد)، ويكون ذلك باستخدام معرفات الواقع، والتي تشمل دراسة الجهات الأربعة للفتوى:
    • الأشخاص.
    • الزمان.
    • المكان.
    • الأحوال.
  2. تنزيل الحكم الشرعي وتطبيقه على الواقع بمراعاة:

أ. الموازنة بين المصالح والمفاسد.

ب. النظر إلى المآلات.

ج. تحقيق المقاصد العليا للشرع.

د. تنزيل الحاجيات العامة أو الخاصة منزلة الضرورات من المحظورات.

  1. اختبار صحة الفتوى بالنظر وترقب نتائجها وآثارها.

المثال التطبيقي:

المثال: حكم إخراج القيمة في زكاة الفطر:

يعتبر إخراج زكاة الفطر نقدًا من أوضح التطبيقات العملية المعاصرة لفقه إدراك الواقع، بما يحمله هذا الواقع من متغيرات ومقتضيات ومتطلبات؛ لذا نجد أن كثيرًا من دور ومؤسسات الفتوى قد اعتمدت مذهب الحنفية في الفتوى والذي يرى جواز إخراج زكاة الفطر نقدًا خلافًا لمذهب الجمهور والذي يرى خلاف ذلك.

السؤال:

ما حكم إخراج القيمة في زكاة الفطر؟

الجواب:

أفتت دار الإفتاء الأردنية بجواز إخراج القيمةفي زكاة الفطر، وجاء في الفتوى ما يلي: «مقدارها صاع من طعام، والصاع يساوي (٢.٥ كغم) تقريبًا، يخرجها المسلم من القوت الغالب في بلده. ونحن في المملكة الأردنية الهاشمية القوت الغالب عندنا هو القمح؛ لأن الخبز هو المادة الرئيسة في غذائنا، ولهذا فإن زكاة الفطر هي (٢.٥) كغم من القمح عن كل شخص، ويجوز إخراج الرز أيضا لأنه من القوت الغالب في البلد، كما يجوز إخراج قيمة الـ(٢.٥) كغم من الرز أو القمح نقدًا(2).

ويقدِّر مجلس الإفتاء والبحوث والدراسات الإسلامية قيمة الصاع من غالب قوت أهل بلدنا بـ (١٨٠قرشًا)، فتكون هي زكاة الفطر الواجبة، ومن أراد الزيادة فله الأجر والثواب».

وكذلك أفتت دار الإفتاء الفلسطينية حيث جاء في فتواها: «صدقة الفطر واجبة على المسلم وعمن تجب نفقته عليه، إن كان يجد ما يفضل عن حاجته ومن يعول ليلة العيد ويومها؛ لحديث ابن عمر  قال: ((أَنَّ رَسُولَ الله ﷺ فَرَضَ زَكَاةَ الفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ))(3)، والأصل أن تُخرج زكاة الفطر من غالب قوت البلد صاعًا من طعام، وهذا ما عليه جمهور الفقهاء، وقد أجاز السادة الحنفيَّة إخراج قيمتها نقدًا؛ لكونه أنفع لمصلحة الفقير، وتيسيرًا على المزكي، والله تعالى أعلم»(4).

وأفتت بذلك أيضًا دار الإفتاء المصرية فقد جاء في فتواها: «وعليه، فنرى أن هناك جمعًا لا بأس به من الأئمة والتابعين، وفقهاء الأمة ذهبوا إلى جواز إخراج قيمة زكاة الفطر نقودًا، هذا في عصورهم القديمة وقد كان نظام المقايضة موجودًا، بمعنى أن كل السلع تصلح وسائل للتبادل وخاصة الحبوب، فكان بيع القمح بالشعير، والذرة بالقمح وهكذا، أما في عصرنا وقد انحصرت وسائل التبادل في النقود وحدها، فنرى أن هذا المذهب هو الأوقع والأرجح، بل نزعم أن من خالف من العلماء قديمًا لو أدرك زماننا لقال بقول أبي حنيفة، ويظهر لنا هذا من فقههم وقوة نظرهم.

كما أن إخراج زكاة الفطر نقودًا أَولى، للتيسيرِ على الفقير أن يشتري أي شيء يريده في يوم العيد؛ لأنه قد لا يكون محتاجًا إلى الحبوب، بل هو محتاج إلى ملابس، أو لحم، أو غير ذلك، فإعطاؤه الحبوب يضطره إلى أن يَطوفَ بالشوارع ليجد من يشتري منه الحبوب، وقد يبيعها بثمن بخس أقل من قيمتها الحقيقية، هذا كله في حالة اليسر، ووجود الحبوب بكثرة في الأسواق، أما في حالة الشدة وقلة الحبوب في الأسواق، فدفع العين أولى من القيمة مراعاة لمصلحة الفقير.

فالأصل الذي شرعت له زكاة الفطر مصلحة الفقير وإغناؤه في ذلك اليوم الذي يفرح فيه المسلمون، وقد ألَّف العلامة أحمد بن الصديق الغماري كتابًا ماتعًا في تلك المسألة أسماه «تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطر بالمال»، ورجَّح فيه مذهب الحنفيَّة بأدلة كثيرة، ومن أَوْجه عديدة، وصلت إلى اثنين وثلاثين وجهًا؛ لذا نرى ترجيح قول من ذهب إلى إخراج قيمتها، وهو الأولى في هذا الزمان»(5).

كيفية تطبيق الخطوات الإجرائية على هذا المثال:

مالخطــــــواتالتطبيــــق
١تحديد صورة المسألةإخراج القيمة في زكاة الفطر
٢تحديد مدى تأثير الواقع في الحكمالواقع له تأثير في الحكم.
٣تحرير النص الشرعي وواقعه من خلال دراسة ظروف النص وملابساته وشروط الحكم وواقعه:فقد نزل النص في بلاد العرب وهي بلاد كانت النقود نادرة وشحيحة فيها لا سيما البوادي منها وخصوصًا الفقراء، كما كان نظام المقايضة هو الأساس كوسيط للتبادل في هذه الأزمان.
وأما تحرير شروط الحكم وواقعه فزكاة الفطر فريضة على المسلم ومن تجب عليه نفقته، وهي تجب على الحر والعبد، الصغير والكبير، الذكر والأنثى.
٤كما أن هذا الحكم معقول المعنى فقد قال النبي ﷺ: ((إن هذه الزكاة طهرة للصائم من اللغو والرفث)).
استخراج الأوصاف المؤثرة التي بني عليها الحكم الشرعي، واستبعاد ما عداها من أوصاف غير مؤثرة عبر مسالك العلة المعتبرة عند الأصوليين.فقد ذهب الحنفية إلى جواز إخراج زكاة المال نقدًا؛ لأنهم رأوا أن المقصود هو إغناء الفقراء في هذا اليوم وهذا يحصل بالإطعام كما يحصل بإخراج القيمة، حيث سلكوا في تنقيحهم للمناط إلى حذف خصوص الوصف وهو وصف الطعم، وإناطة الحكم بالوصف الأعم وهو الإغناء.
٥دراسة ومعرفة محل تنزيل الحكم (واقع المسألة الجديد)، ويكون ذلك باستخدام معرفات الواقع.فمن حيث الأشخاص فإن مصلحة الفقير والأنفع له الآن هو أخذ القيمة، كما أن هذا أيسر على المزكين من أرباب المواشي وأهل البادية وغيرهم.
ومن حيث الزمان فقد اختلفت عادات الناس وأعرافهم في المعاملات والبيوع والشراء، وانحصرت وسائل التبادل في النقود وحدها.
ومن حيث المكان فإن طبيعة العصر الحالي من انتشار الحضر والمدنية لها تأثير على الحكم.
وأما من حيث الأحوال فقد قل اقتيات الحبوب في الحواضر، ولم يعد الحال كما كان سابقًا فإلزام الناس بإخراج الحبوب فيه نوع مشقة وتعب.
٦تنزيل الحكم الشرعي وتطبيقه على الواقع.ففي إخراج الزكاة للفقير نقدًا مصلحة له حيث يستطيع أن يشتري بالمال احتياجاته المختلفة من ملابس وسكن، كما يدفع عنه ضرر أن يقوم ببيع الحبوب بثمن بخس أقل من قيمتها الحقيقية.
وأما بالنظر في المآلات فإن في إخراج الزكاة نقدًا حصول الإغناء والتيسير على الفقراء والأغنياء.
٧اختبار صحة الفتوى وآثارها.بإعمال النظر في الفتوى نجد أن هذه الفتوى ناجعة بالنظر إلى نتائجها وآثارها الطيبة.

المعارف والتدريب اللازمان لاكتساب المهارة:

  1. الاطلاع الواسع على كتب الأصول، وخاصة أبواب (القياس والاستحسان والاستصحاب والمصالح المرسلة).
  2. معرفة الواقع معرفة عميقة عن طريق الاستعانة بأهل الخبرة والاختصاص.
  3. مواكبة ما يجد في الواقع من طور تقني وعلمي عن طريق الدوريات العلمية المتخصصة.
  4. يمكن الحصول على دورات علمية متخصصة في بعض التخصصات المراد فهم مبادئها.

المهارات المتعلقة:

  1. مهارة تحرير الحقيقة العرفية.
  2. مهارة تنزيل الفتوى.

1 ينظر: إعلام الموقعين عن رب العالمين (١/ ٦٩).

2 فتوى دار الإفتاء الأردنية رقم (٢٧٦) بتاريخ ٥/٥/٢٠١٩م

3 متفق عليه: أخرجه البخاري، (١٥٠٣)، ومسلم، (٩٨٤).

4 فتوى دار الإفتاء الفلسطينية رقم (٢٣٠)

5 فتوى بحثية لدار الإفتاء المصرية بتاريخ ٢٢/٠٨/٢٠١١م.

مهارة مراعاة المآلات

٢

 

الفتوى قبل صدورها من المتأهل لها تمر بمراحل ذهنيَّة تحكمها، ومن الأمور التي ينبغي أن يراعيها المتصدر للفتوى قبل إبداء الحكم اعتبار المآل؛ أي: أنه يلاحظ قبل جوابه ما يترتب على فتواه من آثار عند تطبيقها، وذلك من خلال إدراك واقع السؤال، وحال السائل، مع مراعاة المقاصد الشرعية، يقول الشاطبي: «النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعًا كانت الأفعال موافقة أو مخالفة، وذلك أن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو بالإحجام إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل، مشروعًا لمصلحة فيه تستجلب، أو لمفسدة تدرأ، ولكن له مآل على خلاف ما قصد فيه، وقد يكون غير مشروع لمفسدة تنشأ عنه أو مصلحة تندفع به، ولكن له مآل على خلاف ذلك، فإذا أطلق القول في الأول بالمشروعية، فربما أدى استجلاب المصلحة فيه إلى المفسدة تساوي المصلحة أو تزيد عليها، فيكون هذا مانعًا من إطلاق القول بالمشروعية، وكذلك إذا أطلق القول في الثاني بعدم مشروعية ربما أدى استدفاع المفسدة إلى مفسدة تساوي أو تزيد، فلا يصح إطلاق القول بعدم المشروعية وهو مجال للمجتهد صعب المورد، إلا أنه عذب المذاق محمود الغب، جار على مقاصد الشريعة»(1).

التعريف بالمهارة:

هي قدرة المتصدر للفتوى على معرفة ما تؤول إليه الفتوى وما تحدثه من آثار عند العمل بها.

الأصل الشرعي للمهارة:

أدلة اعتبار المآلات ثابتة بالكتاب والسنة وفعل الصحابة رضوان الله عليهم.

  1. الدليل من الكتاب: قول الله تعالى:﴿ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ﴾ [الأنعام: ١٠٨] وسبب نزولها: أن كفار قريش قالوا لأبي طالب: إما أن ينتهي محمد وأصحابه عن سب آلهتنا والغض منها؛ وإما نَسُبَّ إلهه ونهجوه؛ فنزلت الآية، فأمسك المسلمون عن سب آلهتهم، فظاهر الآية وإن كان نهيًا عن سب الأصنام، فحقيقته النهي عن سب الله؛ لأن سب معبوداتهم من الأصنام كان سببًا لأن يسبوا الله تعالى، فلما كان هذا المآل من أعظم المفاسد نهاهم المولى سبحانه عن ذلك اعتبارًا لما يؤول إليه.
  2. ومن السنة: عَنْ عَائِشَةَ  قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((لَوْلَا حَدَاثَةُ عَهْدِ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَنَقَضْتُ الْكَعْبَةَ، وَلَجَعَلْتُهَا عَلَى أَسَاسِ إِبْرَاهِيمَ، فَإِنَّ قُرَيْشًا حِينَ بَنَتِ البَيْتَ اسْتَقْصَرَتْ، وَلَجَعَلْتُ لَهَا خَلْفًا))(2).

قال النووي تحت هذا الحديث: «وفي هذا الحديث دليل لقواعد من الأحكام، منها إذا تعارضت المصالح أو تعارضت مصلحة ومفسدة وتعذر الجمع بين فعل المصلحة وترك المفسدة بدئ بالأهم؛ لأن النبيَّ ﷺ أخبر أن نقض الكعبة وردها إلى ما كانت عليه من قواعد إبراهيم ﷺ مصلحة، ولكن تعارضه مفسدة أعظم منه؛ وهي خوف فتنة بعض من أسلم قريبًا، وذلك لما كانوا يعتقدونه من فضل الكعبة فيرون تغييرها عظيمًا فتركها ﷺ»(3).

  1. ومن فعل الصحابة: جمع القرآن الكريم في عهد سيدنا عثمان بن عفان  على مصحف واحد، وحرق سائر المصاحف، وترك القراءات الأخرى مع ما فيها من مصلحة التيسير في حفظ القرآن إلا أن مفسدة البقاء عليها أعظم؛ لأنها كانت بابًا لاختلاف المسلمين في القرآن فأغلقه سيدنا عثمان بمحضر من الصحابة، أخرج ابن أبي داود في المصاحف عن أيوب عن أبي قلابة قال: «لما كان في خلافة عثمان جعل المعلم يعلم قراءة الرجل، والمعلم يعلم قراءة الرجل، فجعل الغلمان يلتقون فيختلفون حتى ارتفع ذلك إلى المعلمين، قال أيوب: لا أعلمه إلا قال: حتى كفر بعضهم بقراءة بعض، فبلغ ذلك عثمان فقام خطيبًا فقال: أنتم عندي تختلفون فيه فتلحنون، فمن نأى عني من الأمصار أشد فيه اختلافًا وأشد لحنًا، اجتمعوا يا أصحاب محمد واكتبوا للناس إمامًا»(4).

رُتبة المتصدر للفتوى:

من اللازم تحقق هذه المهارة لأعضاء «مجلس أمانة الفتوى» الذين ترفع إليهم الوقائع والمسائل للبت فيها بحكم، ولمن يضع معتمدات المؤسسة الإفتائية.

خطوات إعمال المهارة:

  1. النص الفقهي في المسألة.
  2. حصر ما يترتب على فرض وقوعه أو منعه من آثار من خلال تصريح المكلف بقصده، أو من حاله، أو من العادة المطردة.
  3. سبب عدم اعتبار هذا المآل عند المتقدمين في حال نصهم على حكم فيها يخالفه.
  4. سبب مراعاته في هذا الوقت.
  5. التحقق من كون مآلات الفعل متحققة أو متوهمة.
  6. معرفة درجة احتمالية وقوع المآل.

أي: من حيث القطع أو غلبة وقوعه فيكون معتبرًا فيهما، وإما أن يكثر وقوعه فينظر فيه، فإن ظهر قصد الفعل إلى مآل الممنوع اعتبرناه وإلا لم تمنع أو يندر وقوعه فلا يعتبر حينئذ.

  1. فحص المآل من حيث اعتبار المصلحة والمفسدة.

بالنظر في هذا المآل أهو معتبر شرعًا أم لا؟ ثم إن كان معتبرًا ينظر هل تنشأ عنه مفسدة أم لا؟ وإن كان غير معتبر شرعًا هل ينشأ عنه مصلحة أم لا؟ ثم ينظر فيما ينشأ منها من المصالح والمفاسد ويقدم أعظم المصلحتين، ويدرأ أشد المفسدتين، وعند تزاحم المفسدة والمصلحة فيدرأ المفسدة ويقدمها على جلب المصلحة.

  1. تقرير الحكم المستند إلى أصل مراعاة المآل.

آخر هذه الخطوات هي إصدار الحكم الذي اعتبر فيه المآل، والذي يتحقق به المقصد الشرعي.

المثال التطبيقي:

المثال: حكم الاستئجار وأخذ الأجرة على تعليم القرآن؟

السؤال: ما حكم الاستئجار وأخذ الأجرة على تعليم القرآن؟

الجواب:

يقول ابن مازة الحنفي في المحيط البرهاني: «وإذا استأجر الرجل رجلًا ليعلمه القرآن، أو ليعلم ولده القرآن لا يجوز، ومعناه أنه لا ينعقد العقد أصلًا حتى لا يجب للأجير شيء بحال من الأحوال، هذا جواب «الكتاب»، وإنما لم يجز؛ لأن الإجارة وقعت على عمل ليس في وسع الأجير إبقاؤه؛ لأن التعليم إنما يتم بالتعلم كالكسر بالانكسار، والتعلم ليس في وسع المعلم، ومثل هذا الاستئجار لا يجوز.

ومشايخ بلخ جوزوا الاستئجار على تعليم القرآن، إذا ضرب لذلك مدة أفتوا بوجوب أجر المثل قالوا: وإنما كره تعليم القرآن بالأجر في الصدر الأول؛ لأن حملة القرآن كانوا قليلًا فكان التعليم واجبًا حتى لا يذهب القرآن، فأما في زماننا كثر حملة القرآن ولم يبق التعليم واجبًا، فجاز الاستئجار عليه.

وذكر الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل البخاري كان المتأخرون من أصحابنا يجوزون ذلك، ويقولون إنما كان المتقدمون يكرهون ذلك لأنه كان للمعلمين عطيات من بيت المال وكانوا مستغنين عمَّا لا بد لهم من أمر معاشهم، وقد كان في الناس رغبة في التعليم بطريق الحسبة، وللمتعلمين مروءة في المجازاة بالإحسان من غير شرط، أما اليوم ليس لهم عطيات من بيت المال، والتعليم يشغلهم عن اكتساب ما لا بد لهم من أمر المعاش وانقطع رغبة المعلمين في الاحتساب ومجازاة المتعلمين من غير شرط، فتجوز الإجارة ويجبر المستأجر على دفع الأجرة ويحبس بها وبه يفتى.

وكذلك يجبر المستأجر على الحَلْوَة المرسومة وهذا استحسان أيضًا استحسن المشايخ على ذلك.

وكذلك يفتى بجواز الاستئجار على تعليم الفقه في زماننا، والاستئجار على الإمامة والأذان لا يجوز؛ لأنه استئجار على عمل للأجير فيه شركة لأن المقصود من الأذان والإمامة أداء الصلاة بجماعة وبأذان وإقامة وهذا النوع كما يحصل للمستأجر يحصل للأجير»(5).

كيفية تطبيق الخطوات الإجرائية على هذا المثال

مالخطــــــواتالتطبيــــق
١تعيين المسألة:الاستئجار وأخذ الأجرة على تحفيظ القرآن.
٢حصر ما يترتب على فرض وقوعه أو منعه من آثار:إذا جرينا على فساد الإجارة وعدم استحقاق الأجرة لانصرف القراء عن تعليم القرآن، وقلَّ أن يوجد من يعلمه حسبة لأجل انصرافهم حينئذٍ إلى تحصيل معاشهم، ونفقة من تلزمهم نفقته وهذا مطرد في العادة.
٣سبب عدم اعتبار هذا المآل عند المتقدمين:لأنه كان للمعلمين أعطيات من بيت المال، وكانوا مستغنين عمَّا لا بد لهم من أمر معاشهم، وقد كان في الناس رغبة في التعليم بطريق الحسبة، وللمتعلمين مروءة في المجازاة بالإحسان من غير شرط.
٤سبب مراعاته في هذا الوقت:لأنه ليس للمعلمين أعطيات من بيت المال، والتعليم يشغلهم عن اكتساب ما لا بد لهم من أمر المعاش، كما انقطعت رغبة المعلمين في الاحتساب ومجازاة المتعلمين من غير شرط. فيئول ذلك إلى انقطاع تعليم القرآن.
٥التحقق من كون مآلات الفعل متحققة أو متوهمة:هذا المآل متحقق وقوعه في حالة فساد الإجارة، وأما في حال صحة الإجارة فحينئذ يمتنع الوقوع لتحصيلهم بهذه الأجرة معاشهم.
٦معرفة درجة احتمالية وقوع المآل من حيث القطع بوقوعه أو غلبته أو كثرته أو ندرته:في هذه المسألة يغلب وقوع هذا المآل إن لم يكن متحققًا في زماننا.
٧فحص المآل من حيث اعتبار المصلحة والمفسدة:اعتبار هذا المآل يحقق المصلحة ولا يوجد مفسدة في اعتباره حتى يكون درؤها مقدما عليه، بل المفسدة في عدم اعتباره من ذهاب حملة القرآن بتوالي العصور.
٨تقرير الحكم المستند على اعتبار هذا المآل:صحة الإجارة على تعليم القرآن الكريم، وجواز أخذ الأجرة المترتبة عليه.

المعارف والتدريب اللازمان لاكتساب المهارة:

  1. التمكن من معرفة المقاصد الشرعية والاطلاع على الكتب المصنفة فيها.
  2. التمكن من معرفة مقاصد المكلفين والاطلاع على الكتب المصنفة فيها.
  3. المعرفة الجيدة بأصول الفقه خاصة أبواب سد الذرائع، والاستحسان، والمصالح المرسلة.
  4. أن يكون على معرفة جيدة بالواقع المعيش ومدى التطور والتغير فيه.

المهارات المتعلقة:

  1. مهارة تخريج الفتوى على القواعد الأصولية.
  2. مهارة معرفة جهات تغير الفتوى.
  3. مهارة القدرة على استعمال المخارج الفقهية.

1 الموافقات (٥/١٧٧).

2 أخرجه مسلم، (١٣٣٣).

3 المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (٩/٨٩).

4 كتاب المصاحف ابن أبي داود (ص٩٥).

5 المحيط البرهاني في الفقه النعماني، ابن مازة (٧/٤٧٩،٤٨٠).

مهارة التعامل مع النوازل

٣

 

«النازلة» في اللغة هي: الشدة من شدائد الدهر تنزل بالناس(1) . واصطلاحًا: هي المسائل الفقهية المستحدثة أو الجديدة: والتي تتطلب معرفة حكمها الشرعي نظرًا لأهميتها وضرورتها؛ وهذا يتطلب مزيد بحث ونظر وفكر للوصول إلى الحكم الشرعي الصحيح المتطابق مع النازلة.

ويفرق بين النازلة والفتوى أن النازلة تكون في المسائل التي تستدعي معرفة الحكم الشرعي بطريقة ملحة وعاجلة.

وقد وضع العلماء عدة ضوابط مهمة ينبغي مراعاتها لمن يتعرض للفتيا في النوازل:

  1. أن يكون ممن استجمع شرائط الاجتهاد: لأن النوازل تكون مستحدثة فتحتاج إلى استنباط وتفعيل للأصول والقواعد الفقهية، وهذا لا يتأتى إلا من المجتهد.
  2. أن تكون المسألة مما يسوغ الاجتهاد فيه.
  3. تصور المفتي للمسألة تصورًا صحيحًا كاملًا، وإدراكه لواقعها إدراكًا تامًّا، فيقوم بجمع كل المعلومات المتعلقة بالنازلة والتي تكشف له تصورها، ثم يراعي ملابساتها وما يكتنفها من ظروف وأحوال، ومآلاتها وما يترتب عليها من مصالح ومفاسد، وموافقة ذلك كله مع مقاصد الشريعة.
  4. غالبًا ما تكون النوازل -بحكم جدتها وطبيعة العصر- متداخلة ومتشابكة مع تخصصات أخرى؛ فينبغي على المفتي هنا أن يستعين بأهل الخبرة والتخصص، ويشاورهم للوصول إلى التصور والحكم الصحيحين.

التعريف بالمهارة:

قدرة المفتي المجتهد على أن يتعامل مع المسائل والقضايا الفقهية المعاصرة وفق ضوابط الأصول والقواعد الفقهية الشرعية؛ بحيث يصل إلى حكم شرعي صحيح يتناسب ويتطابق مع واقع هذه النازلة وما يحيط بها من ظروف وأحوال.

الأصل الشرعي للمهارة:

الإفتاء في «النوازل» واجب كفائي على الأمة (أي: إذا قام به البعض سقط عن الآخرين)؛ حيث ينبغي على العلماء الذين استجمعوا شروط الاجتهاد أن ينهضوا للفتيا فيما يجد ويستحدث من مسائل فقهية؛ وتكمن أهمية وضرورة ذلك في الآتي:

  1. بيان صلاحية الشريعة لكل مكان وزمان، وأنها هي الشريعة الخالدة الباقية، وأنها الكفيلة بتقديم الحلول الناجعة لكل المشكلات والمعضلات.
  2. أن في إعطاء النوازل المستجدة أحكامها الشرعية المناسبة لها مطالبة جادة ودعوة صريحة للرجوع إلى الشريعة في الأمور الحياتية وهو تطبيق عملي تبرز به محاسن الإسلام وسمو تشريعاته وما يحويه من معانٍ راقية فيها إسعاد الناس وإرشادهم لإصلاح أحوالهم المادية والروحية.
  3. لا شك أن إعطاء النوازل المستجدة في كل عصر أحكامها الشرعية المناسبة يدخل دخولًا أوليًّا تحت مهمة التجديد لهذا الدين وإحياء ما اندرس من معالمه.
  4. تنبيه الأمة إلى خطورة الأمور المستحدثة التي يبتلى بها جموع الناس وتكون مخالفة لقواعد الشريعة الإسلامية ومضادة لمقاصدها، فرغم أن تلك الأمور المستحدثة غالبًا ما تفرض نفسها على الواقع وتصبح جزأً لا يتجزأ من نمط الحياة، لكن الحاجة تظل ماسة لبيان حقائقها وأحكامها الشرعية الأصلية، فإنها قد توافق قواعد الدين فيقرها الفقهاء، وقد تخالفها فيطلب الفقهاء من الناس التغيير والبحث عن البديل الموافق للشرع.

رُتبَة المتصدر للفتوى:

فتاوى «النوازل» بطبعها يكون فيها جدة ومشقة؛ حيث تحتاج إلى نظرٍ دَقيقٍ وفكرٍ عميق في كل مرحلة من مراحل العملية الإفتائية، ابتداء بتصور النازلة وانتهاء بتنزيلها على الواقع بأبعاده، وهذا لا يتأتى إلا ممن استجمع شروط الاجتهاد؛ لذا فلا يتصدر لهذا النوع من الفتاوى إلا المستويات الإفتائية العليا داخل المؤسسة، أو المفتي المجتهد، وقد تحتاج إلى مجامع فقهية للنظر فيها والبت في حكمها.

النطاق الفقهي للمهارة:

النوازل الجديدة تدخل غالبًا في جميع أبواب الفقه الإسلامي فعلى سبيل المثال:

  1. مجال العبادات: كالصلاة في الطائرة واستعمال مياه الصرف الصحي بعد تطهيرها.
  2. مجال الأحوال الشخصية: كاستخدام (DNA) في إثبات النسب ونفيه.
  3. المعاملات المالية: كمعاملات البنوك والتأمين بأنواعه.
  4. الأقضية والعقوبات: كإثبات الجريمة بالبصمات والصوت والصورة.
  5. الأقليات: كالميراث من غير المسلم، وبقاء الزوجة تحت زوجها غير المسلم بعد إسلامها.
  6. السياسة الشرعية: كتحديد مفهوم المواطنة وأحكام الانتخابات.
  7. الطب: كالتلقيح الصناعي وزراعة الأعضاء.

خطوات إعمال المهارة:

  1. تحديد صورة المسألة.
  2. التصور التام والصحيح للنازلة، وذلك بـ:
    • بدراستها ومعرفة حقيقتها وأقسامها ونشأتها وأسباب ظهورها.
    • الاستعانة بأهل الخبرة والتخصص العلمي المتعلق بالنازلة.
    • تحديد أطراف النازلة وجمع ما أمكن من معلومات تساعده في التصور.
  3. فحص النازلة وتحليلها إن كانت مركبة ومعقدة إلى صورها الأولية البسيطة.
  4. التأكد من كونها من المسائل التي يسوغ الاجتهاد فيها، وعدم مصادمتها لنص قاطع أو مجمع عليه.
  5. النظر في النازلة وتحديد ما إذا كان لها نظير في الفقه أو عدمه:
    • فإن كان لها نظير أو شبيه في الفقه الإسلامي فتلحق به وتخرج عليه مع مراعاة قواعد التخريج، وأهمها:

أ. تحديد المناط في النازلة الجديدة.

ب. تحديد المناط في الفرع الملحق به النازلة.

ج. التأكد من اشتراك النازلة والفرع الملحقة به في المناط.

  • وإن كانت النازلة مستحدثة ولا نظير لها أو شبيه في الفقه فعليه الاجتهاد، مع مراعاة مراتب الأدلة وقوتها:

أ. القرآن الكريم.

ب. السنة النبوية.

ج. القياس.

د. الأدلة الأخرى: من الاستحسان أو المصلحة المرسلة أو الاستصحاب.

  1. مرحلة تنزيل حكم النازلة على الواقع، وفيها يراعي المفتي عدة أمور:
    • مراعاة مآلات الفتوى وما يترتب عليها.
    • الموازنة بين المصالح والمفاسد.
    • اعتبار المقاصد الشرعية الكلية.
    • مراعاة الأعراف والعادات.

المثال التطبيقي:

المثال: حكم نقل القرنية من الميت إلى الحي

السؤال:

ما هو الحكم الشرعي في نقل قرنية العين من إنسان ميت لإنسان حي؟ وهل يجوز بيعها في حياته أو من قبل ورثته؟

الجواب:

جمهور أهل العلم المعاصرين على جواز نقل القرنية من الإنسان الميت إلى الإنسان الحي، وذلك بشروط تجتمع في الآتي:

  1. موافقة الإنسان قبل موته على تبرعه بالعضو المراد نقله، أو موافقة ولي الدم على جراحة قطع العضو من الجثة.
  2. أن يكون المتبرع مكلفًا رشيدًا.
  3. أن يتم أخذ العضو ونقله بكل رفق حفاظًا على كرامة الميت ثم يعاد رتق المكان الذي أخذ منه.
  4. عدم بيع العضو المراد نقله وعدم أخذ عوض عنه في حياة الميت أو بعد وفاته من قبل ورثته.
  5. التحقق من موت المنقول منه.
  6. تحقق مصلحة المريض المنقول إليه العضو.
  7. أن تؤمن الفتنة في أخذ العضو ممن أخذ منه.
  8. أن تتم عملية النقل بواسطة طبيب مختص وأن يغلب الظن بنجاح العملية.
  9. ألا يترتب على النقل تمثيل بالميت.
  10. أن يتم استقطاع الأعضاء وزرعها في جسم المريض في مؤسسات رسمية توكل إليها هذه المهمة من قبل الدوائر الصحية المعنية، مع الاهتمام بأجهزة الرقابة للتأكد من موت الإنسان وعدم حصول البيع أو المعاوضة.

وذلك استدلالا بآيات الاضطرار ﴿ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ﴾ [الأنعام: ١١٩] وأحاديث التداوي، وقواعد الفقه القاضية بأن الضرر الأخف يتحمل لدفع الضرر الأعظم، والضرر الأشد يزال بالضرر الأخف، والضرر الأشد هنا يتمثل في بقاء الإنسان الحي عرضة للمرض الشديد أو الهلاك المتوقع، والضرر الأخف يتمثل في أخذ شيء من أجزاء الميت لعلاج الإنسان الحي، فحرمة الحي آكد من حرمة الميت، وتخريجًا على فتوى الفقهاء المتقدمين بجواز شق بطن الميت في حوادث اضطرارية، من ذلك قول النووي في المجموع: «وإن بلع جوهرة لغيره وطالب بها صاحبها شق جوفه وردت الجوهرة إليه»(2) اهـ، وقال: «إن ماتت المرأة وفي جوفها جنين حي شق جوفها؛ لأنه استبقاء للحي بإتلاف جزء من الميت فأشبه إذا اضطر إلى أكل جزء من الميت»(3) اهـ، وقال ابن عابدين: «حامل ماتت وولدها حي يشق بطنها ويستخرج ولدها. ولو بلع مال غيره ومات هل يشق؟ قولان، والأولى: نعم»(4).

وعليه فلا حرج إن شاء الله في أخذ القرنية من الشخص الميت المتبرع قبل وفاته، أو مَنْ أذن أولياؤه بالأخذ منه بعد تحقق وفاته وفق الشروط المتقدمة والعلم عند الله تعالى(5).

كيفية تطبيق الخطوات الإجرائية على هذا المثال

مالخطــــــواتالتطبيــــق
١تحديد صورة المسألة:نقل القرنية من الإنسان الميت للإنسان الحي.
٢التصور التام والصحيح للنازلةويكون هذا بالرجوع للمصادر العلمية التي تتحدث عن المسألة.
كما يتحقق ذلك بالرجوع إلى الأطباء ومعرفة الجوانب الفنية المتعلقة بالمسألة، بتحديد كيفية التحقق من موت الإنسان، والمدة التي يتم نقل القرنية بعدها من المتوفى، وهل هذا النقل لا يسبب ضررًا للمنقول إليه؟ وهل المصلحة المترتبة على هذا النقل متوهمة أو حقيقية؟ وما هي الإجراءات التحفظية والاحترازية التي ينبغي مراعاتها حتى لا يكون هناك تمثيل بالميت؟… إلخ.
كما يتحقق ذلك بجمع ما يمكن من معلومات تساعد في التصور كتحديد أطراف النازلة مثلًا، وهي:

١. المتبرع.

٢. المتبرع له.

٣. المراكز الطبية التي تقوم بهذا الأمر.

٤. الوزارات والهيئات التي لها حق التصريح لهذا النوع من العمليات.

٣فحص النازلة وتحليلها إن كانت مركبة ومعقدة إلى صورها الأولية البسيطة.هذه النازلة ليست مركبة
٤التأكد من كون النازلة من المسائل التي يسوغ الاجتهاد فيها، وعدم مصادمتها لنص قاطع أو مجمع عليه:هذه المسألة من فقه الضرورات التي تبيح المحظورات؛ حيث إن الأصل هو عدم جواز أخذ شيء من أعضاء الميت؛ لأن الإنسان الميت مثل الحي تمامًا في التكريم وعدم الاعتداء عليه بأي حال؛ لقوله تعالى: {وَلَقَدۡ كَرَّمۡنَا بَنِيٓ ءَادَمَ} [الإسراء: ٧٠]، ولحديث النبي ﷺ: ((كَسْرُ عَظْمِ المَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا)) رواه ابن ماجه، فأبيحت للضرورة على خلاف الأصل.
٥النظر في النازلة وتحديد ما إذا كان لها نظير في الفقه أو عدمه:تتشابه هذه النازلة مع بعض الصور الموجودة في الفقه الإسلامي الموروث، حيث أجاز الفقهاء شق بطن المرأة المتوفاة التي في جوفها جنيـن حي، فتلحق هذه النازلة بهذه الصورة الموجودة في الفقه الإسلامي، مع مراعاة قواعد التخريج، وأهمها:

أ- تحديد المناط في النازلة الجديدة، وهو نقل عضو من الميت إلى حي رغم ما في ذلك مما قد يكون تعارضًا مع حفظ كرامة الميت بتشويه جســده

ب-تحديد المناط في الفرع الملحق به النازلة: وهو شق بطن الحامل المتوفاة من أجل استخراج الجنين من بطنها مع كون ذلك يتعارض مع كرامة الميت وحرمته.

ج-التحقق من اشتراك النازلة والفرع الملحقة به في المناط: وهو اشتراك النازلة الجديدة مع الفرع الفقهي الملحقة به من حيث إن الصورتين فيهما أخذ شيء من أجزاء الميت وهو الضرر الأخف من أجل دفع ضرر أكبر، وهو بقاء الإنسان الحي عرضة للمرض الشديد أو الهلاك المتوقع في النازلة الجديدة، أو استبقاء الإنسان حيًّا في الفرع الفقهي الملحقة به النازلة، وقد أجيز هذا للضرورة على خلاف الأصل.

٦مرحلة تنزيل حكم النازلة على الواقع:يراعي المفتي في تنزيل حكم النازلة على الواقع مآلات الفتوى وما يترتب عليها فقد يترتب على هذه الفتوى أن يقوم بعض فاسدي الذمم بجعل جسد الإنسان ألعوبة وسلعة من السلع، ويصبح الأمر مجرد تجارة فتنتهك حرمة الجسد وكرامة الإنسان، فاشتُرط في الفتوى مجموعة من الشروط المشددة والتي تكفل للفتوى أن يترتب عليها مآلاتها المشروعة، وأن لا تنحرف عن المقصود منها، فنجد من ضمن الشروط: أن يكون هذا على سبيل التبرع لا البيع، والتحقق من الموت تحققًا مؤكدًا، وأن يكون هذا عبر طبيب مختص، وأن يكون ذلك تحت رقابة رسمية من الدولة… إلخ.
وكذا يوازن المفتي بين المصالح والمفاسد فالمفاسد المترتبة على نقل الأعضاء من مظنة امتهان جسد الميت وكرامته كإنسان تُتحمل في مقابل دفع الضرر الأكبر والأشد وهو المصلحة والآثار المترتبة على الفتوى من استبقاء الحي ودفع المرض الشديد عنه والهلاك المتوقع له.
وكذا يعتبر المفتي عند تنزيل حكم النازلة على الواقع المقاصد الشرعية الكلية فهذه الفتوى يترتب عليها حفظ مقصد من مقاصد الشريعة الكبرى وهو حفظ النفس.

المعارف والتدريب اللازمان لاكتساب المهارة:

  1. تنمية ملكة ودربة الاجتهاد.
  2. دورات تخصصية في مقدمات ومبادئ العلوم ذات الصلة بالنازلة.
  3. الإحاطة التامة والمعرفة الكاملة بقواعد التخريج الفقهي.
  4. التمكن التام من أدوات وآليات الاستنباط.
  5. التدريب على العمل الاجتهادي الجماعي سواء داخل المؤسسات الإفتائية أو المجامع الفقهية.

المهارات المتعلقة:

  1. مهارة المشاورة في الفتوى.
  2. مهارة الاستعانة بأهل الخبرة.
  3. مهارة التأهل للاجتهاد الجزئي.
  4. مهارة تخريج الفتوى على القواعد الأصولية.
  5. مهارة تخريج الفتوى على القواعد الفقهية.

1 ينظر: لسان العرب (١١/ ٦٥٩) مادة «نزل».

2 المجموع شرح المهذب، (٥/٣٠٠).

3 المجموع شرح المهذب (٥/٣٠١

4 انظر: رد المحتار على الدر المختار، (٢/٢٣٨).

5 فتوى مجمع الفقه الإسلامي بالسودان بتاريخ ١٩/١١/٢٠٠٦م.

مهارة التعامل مع الأقليات

٤

 

من البديهي أن يكون مصطلح «الأقليات» مصطلحًا حادثًا على التراث الفقهي الإسلامي؛ بل إنه مصطلح حادث على المفردات العالمية بوجه عام، إلا أن الفقه الإسلامي تعاطى معه سريعًا، بوصفه مصطلحًا له دلالة واقعية تحتاج للعناية والاهتمام التشريعي.

ويعرف «فقه الأقليات»: بأنه الأحكام الشرعية المتعلقة بالمسلمين الذين يعيشون وسط جماعة غير مسلمة لها السيادة عليهم.

وخصيصة هذا النوع من الفقه أنه ذو نمط خاص من حيث موضوعاته ومشكلاته المتميزة، وهذا النوع من الفقه يعتبر فقهًا نوعيًّا حيث يرتبط فيه الحكم الشرعي بظروف جماعةٍ ما في مكان محدد نظرًا لظروفها الخاصة؛ من حيث كون ما يصلح لها لا يصلح لغيرها، فالظرف المكاني الذي تلبَّست به الأقليات قد يجعل لها في الكثير من الأحوال مسوغات اضطرارية تلجئ المفتي إلى الإفتاء بما يخالف معتمد مذهبه، أو الراجح من حيث الدليل، أو بما يخالف فتاوى المفتين في أماكن فيها الغلبة أو السلطان للمسلمين.

وتزداد أهمية «فقه الأقليات»: نظرًا لتزايد عدد المسلمين في العقود الأخيرة في البلاد غير الإسلامية، سواء من المهاجرين المسلمين أو من أصحاب البلاد الأصليين الذين اعتنقوا الإسلام، ومع ظهور الجيل الثاني والثالث من هؤلاء المسلمين بدأت تظهر لهم جاليات ومراكز تجمُّع تعبر عنهم وتتحدث عن رغباتهم، وبدأت أعداد المسلمين تشكل نسبة لا يمكن تجاهلها.

ومع تلك الأعداد الكبيرة من المسلمين في البلاد غير الإسلامية تزايد الاهتمام بدراسة أحوالهم ومشكلاتهم ومسائلهم، خاصة مع نشوء جيل ليس فقط من المهاجرين إلى تلك البلاد، بل من أصحاب البلاد الأصليين الذين لهم حقوق المواطنة كمثلهم ممن لا ينتمون لدينهم، وفي ظل الوضع المعقد الذي تعيشه تلك الأقليات كان لا بد من إعادة النظر في المسائل الفقهية المتعلقة بتلك الأقليات كي يظل المسلم مُتَشَرِّعًا ومتمسكًا بأحكام دينه، معتقدًا أنه يقع تحت مظلة التشريع مع اندماجه في مجتمعه وعدم عيشه غريبًا عنه.

التعريف بالمهارة:

هي قدرة المفتي المجتهد على استنباط الأحكام الشرعية للأقليات المسلمة، مع مراعاة واقعهم الخاص، وفق مسلك شرعي صحيح؛ بحيث يستطيع المسلم الاندماج في مجتمعه محافظًا على ثوابت دينه وهويته وخصوصيته.

الأصل الشرعي للمهارة:

فقه الأقليات ليس فقهًا مستقلًّا عن إطار الفقه الإسلامي، بل مرجعيته هي مرجعية الفقه الإسلامي نفسها وهي الكتاب والسنة، وما انبنى عليهما من أدلة كالإجماع والقياس والاستحسان والاستصحاب والمصالح المرسلة والعرف وغير ذلك من الأدلة التي بنى عليها الأئمة آراءهم، وكثير من مسائل فقه الأقليات لها نظائر تشبهها منصوص عليها في كتب الفقه التراثي، وإن كانت لها صورة جديدة معاصرة، فمن هنا تعتبر قديمة بالجنس حديثة بالنوع.

ويقوم فقه الأقليات على المرتكزات (الأصول والأسس والضوابط) الآتية:

  1. المصلحة المعتبرة شرعًا.
  2. مبدأ التيسير ورفع الحرج.
  3. الأخذ بالقول الضعيف.
  4. الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة.
  5. مراعاة المآلات.

رُتبة المتصدر للفتوى:

هذا النوع من الفتاوى يحتاج إلى مستوى إفتائي خاص، فلا يقوم به إلا المستويات الإفتائية العليا ممن توفرت فيهم شروط الاجتهاد وكانوا على دراية كبيرة بواقع هذه الأقليات ومراعاة خصوصية الظروف والأحوال لواقعهم المعيش.

النطاق الفقهي للمهارة:

الحقيقة أن هذه المهارة تتجلى في كل الأبواب الفقهية بنفس الدرجة في كل الأبواب، فلا تختص ببابٍ دون باب، فتجدها في العبادات حيث الصلاة والصيام والزكاة، والأحوال الشخصية حيث الزواج والطلاق والمواريث، والمعاملات المالية، وغير ذلك.

خطوات إعمال المهارة:

  1. تحديد صورة المسألة.
  2. دراسة واقع المسألة دراسة عميقة.
  3. الحكم على المسألة وفق معتمد الفتوى للمؤسسة.
  4. النظر في مدى ملاءمة المعتمد للواقع ومراعاته:
    • مراعاة التيسير.
    • مراعاة المصالح الشرعية المعتبرة.
    • النظر في المآلات.
  5. توسيع البحث في الآراء الفقهية المختلفة، بـ:
    • النظر في بقية المذاهب الفقهية الأربعة، وحصر الأقوال فيها، ومدى مطابقة إحداها وانطباق المرتكزات عليها.
    • النظر إلى آراء المجتهدين والفقهاء من خارج المذاهب الأربعة؛ لتشمل المذاهب الثمانية والتابعين وغيرهم.
  6. الاجتهاد واختيار أرجح الآراء بالضوابط الآتية:
    • إعمال الأدلة الإجمالية والتفصيلية.
    • الأخذ بالقول الضعيف أو المرجوح بشروطه.
    • مراعاة الضرورات والحاجيات.
    • مراعاة عموم البلوى.
    • تحقيق المصلحة الشرعية.

المثال التطبيقي:

المثال: حكم القرض البنكي في ديار غير المسلمين

السؤال

عن شخص يعيش في إيطاليا واشترى شقة عن طريق اقتراض من البنك، فهل عليه شيء في ذلك؟

الجواب

إن السادة الحنفية يجيزون التعامل مع غير المسلمين في ديار غير المسلمين بالعقود الفاسدة إذا كان ذلك برضاهم وبطيب نفس منهم، كبيع الخمر والخنزير والربا وما شابه من معاملات فاسدة، وهذا ينطبق على حالة السائل، وقد استدل الحنفية على ذلك بأدلة كثيرة منها مرسل مكحول عن رسول الله ﷺ أنه قال: ((لا ربا بين المسلمين وبين أهل الحرب في دار الحرب))(1).

ومن أدلتهم ((أن النبي ﷺ لما أجلى بني النضير قالوا: إن لنا ديونًا على الناس. فقال: ضعوا أو تعجلوا))(2)، ومعلوم أن هذه المعاملة بين المسلمين تكون من باب الربا، فهي فاسدة.

واستدلوا أيضًا بما وقع من مصارعة النبي ﷺ لرُكانة حين كان بمكة، وكان ركانة كافرًا فصرعه رسول الله ﷺ في كل مرة بثلث غنمه، وكانت مكة وقتها دار كفر، ولقد رد عليه النبي ﷺ الغنم بعد ذلك تفضُّلًا منه وكرمًا(3).

وكذلك استدلوا بما روي عن ابن عباس وغيره أن رسول الله ﷺ قال في خطبة الوداع: ((كل ربا كان في الجاهلية فهو موضوع، وأول ربا يوضع ربا العباس بن عبد المطلب))(4)، ووجه الدلالة أن العباس أسلم في بدر بعد أسره ورجع إلى مكة وكان يُرَابي ولا يَخْفَى فعله عن النبي ﷺ ولم ينهه عن ذلك، فدل على جوازه، وإنما الموضوع من الربا فقط الذي لم يكن قد قبض حتى جاء الفتح وصارت مكة دار إسلام.

وكذلك استدلوا بأن الصديق أبا بكر ناحَبَ مشركي قريش قبل الهجرة: حين أنزل الله تعالى: {الٓمٓ ١ غُلِبَتِ ٱلرُّومُ} [الروم: ١: ٢]. فقالت له قريش: ترون أن الروم تغلب؟ قال: نعم، فقالوا: هل لك أن تخاطرنا؟ فقال: نعم. فخاطرهم، فأخبر النبيَّ ﷺ فقال النبي ﷺ: ((اذهب إليهم فزد في الخطر)). ففعل، وغلبت الرومُ فارسَ فأخذ أبو بكر خطره، فأجازه النبي ﷺ، وهذا قمار حدث بينهم في مكة وكانت دار كفر وقتها (5).

ولهذه الأدلة وغيرها قال محمد بن الحسن: «إذا دخل المسلم دار الحرب بأمان فلا بأس بأن يأخذ منهم أموالهم بطيب أنفسهم بأي وجه كان»(6) .

وقال السرخسي: «لا ربا بين المسلمين وأهل دار الحرب في دار الحرب، وهو -أي حديث مكحول المرسل- دليل لأبي حنيفة ومحمد في جواز بيع المسلم الدرهم بدرهمين من الحربي في دار الحرب…، وكذلك لو باعهم ميتة أو قامرهم وأخذ منهم مالًا بالقمار، فذلك المال طيب له عند أبي حنيفة ومحمد ﷺ» (7). وقول الإمامين أبي حنيفة ومحمد هو المعتمد والمختار عند السادة الحنفية.

والخلاصة: أن أبا حنيفة ومحمدًا -بخلاف أبي يوسف- يريان جواز التعامل بالعقود الفاسدة في دار غير المسلمين بين المسلم وأهلها غير المسلمين، وهذا أيضًا مخالف لبقية المذاهب التي ترى حرمة هذه التعاملات في دار الحرب أو في دار الإسلام، والسائل له أن يأخذ برأي أبي حنيفة ومحمد، والقواعد الشرعية تُجَوِّز له ذلك؛ لأن الفقهاء يقولون: إن للمكلف تقليد من أجاز شيئًا وقع فيه خلاف إذا كان العمل برأي المانع والمُحَرِّم سيسبب ضيقًا ومشقة عليه، فيقولون: من ابتلي بشيء من ذلك -أي مما وقع فيه الخلاف بين الحل والحرمة- فليقلد من أجاز.

وعليه وفي واقعة السؤال فمعاملة السائل صحيحة على رأي السادة الحنفية(8).

كيفية تطبيق الخطوات الإجرائية على هذا المثال

مالخطــــــواتالتطبيــــق
١تحديد صورة المسألة.أخذ قرض من البنك ورد القرض بزيادة في ديار غير المسلمين.
٢دراسة واقع المسألة دراسة عميقة.يتحقق ذلك بالاطلاع على حقيقة العقد وصورته، وطبيعة المجتمع وعاداته وأعرافه ونظمه وقوانينه.
الحكم على المسألة وفق معتمد الفتوى للمؤسسة.هذه المعاملة غير جائزة شرعًا عند جمهور العلماء (المالكية والشافعية والحنابلة)، سواء كان هذا في ديار المسلمين أو غير المسلمين، وهذا هو الحكم الأصلي المعتمد لدى المؤسسة.
٣النظر في مدى ملاءمة هذا المعتمد لمقاصد الشريعة وقواعدها .في تطبيق الحكم الأصلي لدى المؤسسة مشقة وحرج كبيران على المسلم الذي يعيش في الغرب، حيث يعتبر السكن من الضرورات، ونظرًا لارتفاع الأسعار فإن اللجوء إلى البنك يكون هو الحل الأمثل والأيسر لدى الجميع.
٤توسيع النظر في الآراء الفقهية المختلفة، بالترتيب التالي:١. إذا كان الحكم الشرعي المعتمد للمسألة لدى المؤسسة لا يحقق المرتكزات السابقة، فننتقل إلى الخطوة التالية.كما نرى فإن تطبيق مذهب الجمهور يترتب عليه مشقة وضرر كبيران على المسلم.
٢. النظر في بقية المذاهب الفقهية الأربعة، وحصر الأقوال فيها، ومدى مطابقة إحداها وانطباق المرتكزات عليها.وجدنا أن أبا حنيفة ومحمدًا -خلافًا لأبي يوسف- يرون جواز تعاطي المعاملات الفاسدة في ديار غير المسلمين بين المسلم وغير المسلم، قال السرخسي: «لا ربا بين المسلمين وأهل دار الحرب في دار الحرب، وهو -أي حديث مكحول المرسل- دليل لأبي حنيفة ومحمد ﷺ في جواز بيع المسلم الدرهم بدرهمين من الحربي في دار الحرب…، وكذلك لو باعهم ميتة أو قامرهم وأخذ منهم مالًا بالقمار، فذلك المال طيب له عند أبي حنيفة ومحمد».
٥الاجتهاد واختيار أرجح الآراء وفق الضوابط الشرعيةاختيار مذهب أبي حنيفة ومحمد هو الأنسب والأصلح للمسلم الذي يعيش في الغرب؛ حيث يرفع عنه الضيق والمشقة ويلبي ضروراته الحياتية.
كما أن القرض من البنك من أجل السكن من المعاملات الشائعة في الغرب والتي عمت بها البلوى.

المعارف والتدريب اللازمان لاكتساب المهارة:

  1. دورة في معرفة مقاصد الشريعة.
  2. تنمية ملكة ودربة الاجتهاد.
  3. التمكن والإحاطة بأصول الفقه وخاصة الأدلة التي اعتمد عليها الفقهاء كالقياس والاستصحاب والاستحسان والمصالح المرسلة.
  4. إدراك الواقع المعيش بالفعل لهذه الأقليات بما يكتنفه من ظروف وأحوال وملابسات؛ وهذا لا يكون إلا بالمعايشة أو بحسن الاستقصاء والاستفصال ممن يعايشون هذا الواقع.
  5. القدرة على البحث الشرعي في المذاهب الفقهية المختلفة.

المهارات المتعلقة:

  1. مهارة تخريج الفتوى على القواعد الفقهية.
  2. مهارة تخريج الفتوى على القواعد الأصولية.
  3. مهارة التخريج الفقهي.
  4. مهارة تنزيل الفتوى.

1 ذكره الشافعي في الأم (٧/ ٣٧٩)، والزيلعي في نصب الراية (٤/ ٤٤)، وابن حجر في الدراية في تخريج أحاديث الهداية (٢/ ١٥٨)، وابن قدامة في المغني (٦/ ٩٩) ولكنه قال عنه: «وخبرهم مرسل لا تعرف صحته، ويحتمل أنه أراد النهي عن ذلك». اهـ

2 أخرجه الدارقطني في سننه (٢٩٨٣)، والحاكم في المستدرك (٢٣٢٥) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وقال الدارقطني: اضطرب في إسناده مسلم بن خالد وهو سيئ الحفظ ضعيف , مسلم بن خالد ثقة إلا أنه سيئ الحفظ, وقد اضطرب في هذا الحديث.

3 روى أصل هذه القصة أبو داود في سننه، (٤٠٧٨)، والترمذي في سننه، (١٧٨٤). وقال الترمذي: هذا حديث غريب وإسناده ليس بالقائم. وليس فيها ذكر الشياه. وذكرت قصة الشياه في جامع معمر بن راشد (٢٠٩٠٩)، ومراسيل أبي داود (٣٠٨).

4 أخرجه مسلم في صحيحه، (١٢١٨).

5 انظر: المبسوط (١٤/٥٧)،فتح القدير ، لابن الهمام (٧/٣٩).

6 انظر: شرح كتاب السير الكبير لشمس الأئمة السرخسي (٤/١٨٣).

7 انظر: المبسوط (١٤/ ٥٦).

8 فتوى دار الإفتاء المصرية ٣١٦٦ سجل ١٦٨ بتاريخ ١٧/١٢/٢٠٠٥

مهارة مراعاة تغير العرف

٥

 

العرف هو ما تعارف جمهور المسلمين عليه، من قول أو فعل أو ترك، ويسمى العادة، كتعارفهم على إطلاق اسم «الولد» على الذكر دون الأنثى، مع أنه في اللغة يطلق على النوعين، كما جاء في قوله تعالى: ﴿ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ﴾ [النساء: ١١]، وكتعارفهم على ألا يطلقوا لفظ اللحم على السمك، وقد سماه القرآن لحمًا في قوله تعالى في البحر: ﴿ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ﴾ [النحل: ١٤].

وقد راعى التشريع الإسلامي العرف الصالح الذي لا يصادم أصلًا شرعيًّا في كثير من التشريعات، وبنى عليه الكثير من الأحكام، وإنما راعى التشريع أعراف الناس وأحوالهم التي ألفوها؛ لأنهم ما أنشؤوا هذه الأعراف وتمسكوا بها إلا لحاجتهم إليها، ولتحقيقها مصالحهم، ولا شك أن جلب المنفعة ودفع المفسدة ورفع الحرج من أعظم مقاصد الشرع.

ومن المعلوم أن هذه الأعراف متغيرة من زمان لآخر، ومختلفة من مكان لآخر، وهذا يقتضي تفاوتًا في الأحكام المبنية عليها، وهذا ما يجب على المفتي مراعاته في الفتوى، كما قال القرافي: «كل ما هو في الشريعة يتبع العوائد، يتغير الحكم فيه عند تغير العادة إلى ما تقتضيه العادة المتجددة»(1).

وقال أيضًا: «الأحكام المترتبة على العوائد تدور معها كيفما دارت، وتبطل معها إذا بطلت»(2).

وعلى هذا فمن المهارات الإفتائية مراعاة تغير الأعراف، واختلافها من بلد لآخر، والمفتي الحاذق هو الذي يطلع على أعراف الناس وأحوالهم، ويراعي ذلك في فتواه.

وجدير بالذكر أن العرف الفاسد وهو الذي يصادم أصلًا شرعيًّا لا اعتبار له في الحكم أو الفتوى.

التعريف بالمهارة:

هي قدرة المتصدر للفتوى على تحقيق أمرين:

أولهما: إحاطته بأعراف وعادات البيئة التي يفتي لها، والثاني: مراعاته اختلاف العرف وأثره في تغير الفتوى، فيراعي المفتي تغير الأعراف واختلافها عند إصداره للفتوى.

الأصل الشرعي للمهارة:

تستند هذه المهارة إلى جملة من الأدلة منها:

  1. من القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ﴾ [الأعراف: ١٩٩].
  2. من الأثر قول ابن مسعود: «ما رآه المسلمون حسن فهو عند الله حسن».
  3. القاعدة الفقهية «العادة محكمة».

رتبة المتصدر للفتوى:

يلزم تحقق هذه المهارة لكل مُتصدِّر للفتوى بمعنى أن تكون فتواه مراعية للعرف المعتبَر سواء أكانت فتواه بالنقل عن المذاهب أم بالاجتهاد، وخاصة من يضعون معتمدات الفتوى في المؤسسة الإفتائية.

النطاق الفقهي للمهارة:

تدخل هذه المهارة في أبواب عدة من الفقه الإسلامي أهمها:

  1. فقه الأسرة أو ما يسمى في العصر الحديث بـ«الأحوال الشخصية» لا سيما المهر، وتكلفة الزفاف، والنفقة.
  2. العقود والمعاملات.
  3. الأيمان والنذور.
  4. الأحكام المتعلقة بالملبس والمطعم والمشرب والمسكن.

خطوات إعمال المهارة:

  1. تعيين المسألة.
  2. التحقق من أن المسألة مما تبنى على العرف، وليست على أصل شرعي ثابت لا يقبل التغير بتغير أعراف الناس.
  3. استنباط العرف المؤثر في الحكم زمانا ومكانا من خلال:
    • المعايشة والمخالطة.
    • التَّقَصِّي والسؤال، وسماع الأطراف ذات الصلة.
  4. النظر في العرف من حيث اعتباره:
    • صالحًا بأن لم يصادم نصًّا أو إجماعًا.
    • فاسدًا بأن صادم نصًّا أو إجماعًّا.
  5. مراعاة العرف الصالح بما يحقق المصلحة ويمنع المفسدة.
  6. تقرير الحكم المستند إلى العرف.

المثال التطبيقي:

المثال: حكم تحمل الزوج نفقة علاج زوجته

السؤال

هل تدخل قيمة العلاج وأجرة الطبيب ضمن النفقة الزوجية الواجبة على الزوج لزوجته؟

الجواب

«قرر الشرع الشريف وجوب النفقة للزوجة على زوجها في الجملة، وثبت هذا بالكتاب والسنة والإجماع والقياس: …

ورغم اتفاق الفقهاء على وجوب النفقة للزوجة على زوجها، إلا أنهم اختلفوا في تعيين صفاتها ومشمولاتها:

فحَصَرَهَا جمهور الفقهاء في الطعام والشراب والكسوة والسكن والخادم على تفصيلٍ بينهم في شروط وجوبها، ولم يجعلوا منها نفقة العلاج من دواءٍ وأجرة الطبيب ونحوها.

واستدل الجمهور لما ذهبوا إليه من عدم شمول نفقة الزوجة كُلفةَ علاجها بقول الله تعالى:
﴿ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ﴾ [الطلاق: ٧]، ووجه استدلالهم: أن الله  أوجب على الزوج النفقةَ المستمرةَ لزوجته، ونفقةُ العلاج من الأمور العارضة؛ فلا تدخل بذلك في النفقة الواجبة، ولأن شراء الأدوية وأجرة الطبيب إنما تُرَادُ لإصلاح الجسم؛ فلا تلزم الزوج؛ باعتبار أن عقد النكاح إنما هو على منفعة بُضْعِ المرأة؛ فلا يلزم الزوجَ إصلاحُ الجسم كما لا يَلزمُ المستأجرَ إصلاحُ ما انهدم من الدار.

إلا أنهم نصُّوا على شمولها عددًا من الإجراءات الطبية الوقائية للحفاظ على بدن الزوجة وصحتها ووقايتها على وجهٍ مستمرٍّ مما قد يؤذيها أو يضرها أو يسبب لها التعب والإجهاد؛ حيث أوجبوا خدمتها ونفقة من يؤنسها عند الحاجة إلى ذلك، وكذلك توفير أدوات التنظيف والطهارة اللازمة لبدن الزوجة والمسكن.

كما قرر المالكية في المشهور عندهم وجوبَ تحمل الزوج نفقةَ الولادةِ وتوفيرِ العناية والرعاية الطبية اللازمة للزوجة وللمولود في مدة الحمل أيضًا.

وما يُفْهَمُ من إطلاق الحنفيَّة والشافعيَّة والحنابلة عدمَ وجوب هذا النوع من النفقة للزوجة في النصوص السابق إيرادها إنما هو عدم لزومها على الزوج تجاهها إذا لم تأت هذه النفقة استجابةً لطلبه أو بما تعود ثمرته عليه أو بحيث تكون زائدةً على ما يقيم حاجته؛ قال العلامة الشبراملسي في «حاشيته على نهاية المحتاج: «(قوله: لحفظ الأصل) ويؤخذ منه أن ما تحتاج إليه المرأة بعد الولادة لِمَا يُزِيلُ ما يُصيبُها مِن الوجع الحاصل في باطنها ونحوه؛ لا يجب عليه؛ لأنه من الدواء، وكذا ما جرت به العادة مِن عمل العصيدة واللبابة ونحوهما مما جرت به عادتهن لمن يجتمع عندها من النساء؛ فلا يجب؛ لأنه ليس من النفقة، بل ولا مما تحتاج إليه المرأة أصلًا، ولا نَظَرَ لِتَأَذِّيها بِتَرْكِهِ، فإن أرادته فَعَلَت مِن عندها نفسها»(3) اهـ.

وأدخل ثمنَ الدواء وأجرةَ الطبيب مطلقًا بعضُ المالكية وغيرُ واحدٍ من العلماء في النفقة الواجبة للزوجة على زوجها:

قال الشيخ عليش المالكي: «عن ابن عبد الحكم: عليه أجرُ الطبيب والمداواة»(4) اهـ.

وقال الإمام الشوكاني(5) : «وأما قوله: (كفايتها كسوةً ونفقةً وإدامًا) فصحيحٌ، مع التقييد بقوله : ﴿ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ﴾ [الطلاق: ٧]. وأما إيجاب الدواء فوجهه: أن وجوب النفقة عليه -أي على الزوج لزوجته- هي لحفظ صحتها، والدواء من جملة ما يحفظ به صحتها» اهـ.

والقول بوجوب إنفاق الزوج على علاج زوجته هو ما اختارته التشريعات القانونية المعاصرة في الديار المصرية ومعظم البلاد الإسلاميَّة؛ فقد نصَّت المادة الأولى من قانون الأحوال الشخصية المصري رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٠م على أنه: «تجب النفقة للزوجة على زوجها من تاريخ العقد الصحيح إذا سلَّمت نفسها إليه ولو حُكْمًا حتى لو كانت موسرةً أو مختلفةً معه في الدين، ولا يَمنعُ مرضُ الزوجةِ مِن استحقاقها للنفقة، وتشملُ النفقةُ الغذاءَ والكسوةَ والسكنَ ومصاريفَ العلاج وغيرَ ذلك بما يقضي به الشرع» اهـ.

ومن المقرر شرعًا أن «حكم الحاكم يرفع الخلاف».

وأما ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من عدم شمول النفقةِ الواجبةِ الدواءَ وأجرةَ الطبيب: فإنما قرروه في واقعٍ مختلفٍ عن واقع الناس

اليوم، ومِن المعلوم أن تغيُّر الزمان يترتب عليه في الغالب تغيُّرٌ في الأعراف والعادات ومِن ثَمَّ الاحتياجات؛ فلَم تكن الأسقامُ والأمراضُ منتشرةً في القرون الأولى على النحو الذي نراه في زماننا هذا، ولم يكن علاجها يحتاج إلى تكاليف وإنفاقٍ مثل ما هو الواقع الآن، بل كان المرض في أزمانهم عارضًا في الغالب، يتأتَّى علاجه بما هو متوفرٌ من أطعمةٍ ونباتاتٍ وأعشابٍ وعناصر في البيئة المحيطة، وكان من خبرة النساء ومما يميزهن عن الرجال تداول هذه الأشياء وتعلم التداوي والتطبيب بها، حتى إن أم المؤمنين عائشة  بلغت في ذلك مبلغًا عظيمًا؛ كما وصفها بذلك عبدُ الله بن الزبير وهو ابن أختها أسماء؛ فقال: «ما رأيت أحدًا أعلم بفقهٍ ولا بطِبٍّ ولا بشِعرٍّ من عائشة »(6).

وهذا الفهم لنصوص الجمهور مستنبطٌ من إيجابهم نفقةَ العلاج والتداوي من بعض الأمراض والأحوال على تفصيلٍ بينهم في ذلك كما سبق بيانه، كما يظهر من نصوصهم في هذا الباب أن تحديد النفقة ومشتملاتها يرجع فيه إلى العرف بشروطه، ويرجع فيه أيضًا إلى ما هو دائمٌ دون ما هو عارضٌ.

ومراعاةُ المستمر من النفقة دون العارض منها على ما ذهب إليه الجمهور راجعةٌ إلى استيعاب إحداهما الأخرى، ولعل في ذلك تفسيرًا لعدم إيجابهم نفقة العلاج على الزوج تجاه زوجته باعتبار المرض عارضًا يسيرًا تحصل نفقة التداوي منه بما يفضل من النفقة المستمرة؛ إذ كان هذا المعنى واضحًا لديهم؛ حيث أباحوا للزوجة حال مرضها أن تأخذ مِن النفقة المستمرة التي يوفرها الزوجُ ما تتداوى به باعتبار ذلك عارضًا ولا كلفةَ فيه زائدة على حدود النفقة المعتادة؛ قال الإمام النووي(7) : «ويلزم الزوجَ الطعامُ والأُدْمُ في أيام المرض، ولها صرف ما تأخذه إلى الدواء ونحوه» اهـ.

وعلى هذا التحقيق يتجه القول بشمول النفقة الواجبة على الزوج تجاه زوجته تكاليفَ علاجها؛ فهذا هو المتفق مع مقاصد التشريع التي أسس عليها جمهورُ الفقهاء كلامَهم، وهو المناسب لواقع الناس اليوم؛ فالغالب في أمراض هذا الزمان أنها: إما عارضةٌ تحتاج من النفقة ما لا تستوعبه النفقة المعتادة، أو مزمنةٌ مستمرةٌ لا تستوعبها النفقة المعتادة أيضًا، وعلاجها حينئذٍ يُنزَّل منزلة الأصل من طعامٍ وشرابٍ وكساءٍ إن لم يكن أَوْلَى من ذلك جميعًا؛ فقد يصبر الإنسان على الجوع والعطش، لكنه لا يصبر في الغالب على مثل هذه الأمراض.

هذا بالإضافة إلى أن كثيرًا من النساء المتزوجات في عصرنا هذا قد خرجن إلى العمل باذلاتٍ دُخُولَهُنَّ في نفقة البيت والأولاد الواجبة أصالةً على الزوج، وليس من العدل أن تبذل المرأة مالها في النفقة، حتى إذا مرضت لا تجد من ينفق على علاجها.

وبناءً على ما سبق: فإن تكاليف علاج الزوجة من دواء وأجرة طبيب داخلة ضمن النفقة الواجبة شرعًا على الزوج تجاه زوجته تبعًا لقدرة الزوج المالية يسرًا أو عسرًا، وتُنزَّل هذه النفقة منزلة الأصل من طعام وشراب وكساء إن لم تكن أولى من ذلك جميعًا؛ فقد يصبر الإنسان على الجوع والعطش لكنه لا يصبر في الغالب على المرض.

وهذا ما عليه العمل في الديار المصرية قضاءً، وهو الموافق لمقاصد الشرع الشريف، وفيه عرفانٌ لفضل الزوجة التي لا تألو جهدًا في خدمة زوجها والعكوف على تربية الأولاد(8).

كيفية تطبيق الخطوات الإجرائية على هذا المثال

مالخطــــــواتالتطبيــــق
١تعيين المسألةحكم تحمُّل الزوج نفقة علاج زوجته.
٢التحقق من أن المسألة مما تبنى على العرف، وليست على أصل شرعي ثابت لا يقبل التغيُّر بتغيُّر أعراف الناس.تحمُّل الزوج نفقات علاج زوجته من المسائل المبنيَّة على العرف حيث لم يرد نصٌّ شرعيٌّ فيها.
٣استنباط العرف المؤثر في الحكم زمانًا ومكانًامن خلال تتبع حركة التطوُّر في المجتمع، واختلاف حاجة الإنسان إلى التداوي عن ذي قبل تغير العرف فأصبح التداوي من النفقة اللازمة لحفظ حياة الإنسان.
٤٤. النظر في العرف من حيث صلاحه وفساده:العرف الذي يجعل تكاليف علاج الزوجة من جملة النفقة الواجبة على الزوج لا يصادم نصًّا شرعيًّا أو إجماعًا.
٥مراعاة العرف الصالح بما يحقق المصلحة ويمنع المفسدة.العرف في زماننا يعتبر أن تكاليف العلاج من النفقة الواجبة على الزوج، وهذا هو المتفق مع مقاصد التشريع التي أسس عليها جمهورُ الفقهاء كلامَهم، وهو المناسب لواقع الناس اليوم؛ فالغالب في أمراض هذا الزمان أنها: إما عارضةٌ تحتاج من النفقة ما لا تستوعبه النفقة المعتادة، أو مزمنةٌ مستمرةٌ لا تستوعبها النفقة المعتادة أيضًا، وعلاجها حينئذٍ يُنزَّل منزلة الأصل من طعامٍ وشرابٍ وكساءٍ إن لم يكن أَوْلَى من ذلك جميعًا؛ فقد يصبر الإنسان على الجوع والعطش، لكنه لا يصبر في الغالب على مثل هذه الأمراض.
٦تقرير الحكم المستند إلى العرف:تكاليف علاج الزوجة من دواءٍ وأجرة طبيبٍ داخلةٌ ضمن النفقة الواجبة شرعًا على الزوج تجاه زوجته تبعًا لقدرة الزوج المالية يُسْرًا أو عُسْرًا.

المعارف والتدريب اللازمان لاكتساب المهارة:

  1. معايشة أهل زمانه ليتعرف على عاداتهم في أمور حياتهم المختلفة من أفراح وأحزان وبيع وشراء، وإقامة وسفر وغيرها.
  2. كثرة الأسفار ومخالطة أهل البلدان المختلفة.
  3. مجالسة المفتين المتمرسين في الفتوى والتدرُّب على أيديهم.
  4. معرفة الأحكام التي مأخذها العرف، والتفرقة بينها وبين الأحكام التي مأخذها الشرع.
  5. ٥. التفرقة بين العرف العام والعرف الخاص.
  6. دراسة مبحث «العرف» من كتب أصول الفقه.

المهارات المتعلقة:

  1. مهارة تحرير الحقيقة العرفية.
  2. مهارة الاختيار الفقهي.
  3. مهارة مراعاة الخلاف.
  4. مهارة القدرة على استعمال المخارج الفقهية.

1 الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام، (ص٢١٨).

2 الفروق، (١/١٧٦).

3 حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (٧/١٩٥).

4 منح الجليل شرح مختصر خليل، (٤/٣٩٢).

5 السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار، ١/ ٤٦٠.

6 انظر: «الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ابن عبد البر، ٤/ ١٨٨٣.

7 روضة الطالبين وعمدة المفتين (٩/ ٥٠).

8 فتوى دار الإفتاء المصرية برقم: ٤٣٤٨ بتاريخ: ٢٩/٠٥/٢٠١٨

مهارة مراعاة القانون في الفتوى

٦

 

تُعد القوانين والأنظمة التي تواضع الناس عليها في العصر الحديث ضمانة لحفظ النظام داخل المجتمع، ومن المقرر أن موافقة هذه القوانين للشريعة الإسلامية يمثِّل مطلبًا عامًّا للمسلمين، وهو الأمر المتحقق في الدول التي ينص دستورها على أن الشريعة الإسلامية من مصادر التشريع؛ كجمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية وغيرهما.

والعلاقة بين القانون والفتوى علاقة وثيقة؛ فكما تَنْبَنِي الفتوى على الأحكام الشرعية، فكذلك القوانين والأحكام القضائية في الدول الإسلامية.

وكلما كان القانون والفتوى في المجتمع الواحد مُتَّسِقَيْنِ في اختيار فقهي واحد كان هذا مدعاة لاستقرار المجتمع، خاصة في مسائل الخصومات والمعاملات ومسائل الأسرة.

ومن هنا فإنه من الواجب على الفتوى المؤسسية أن تضع في اعتبارها القانون المنظِّم للعلاقات بين المستفتين؛ لأن مخالفة القانون في الفتوى يترتب عليها من المفاسد ما لا تُقارَن به مصالح مترقبة من الفتوى الصادرة بمخالفة ذلك القانون؛ ولذلك فإن تلك المؤسسات، من خلال ممارستها العملية؛ لها دورها في التأسيس لمبدأ سيادة القانون وذلك بأن تُراعي في الفتاوى الصادرة عنها مما له تعلق بالقوانين أن تكون موافقة لهذه القوانين ما دامت لم تُخالِف إجماعًا شرعيًّا ثابتًا.

التعريف بالمهارة:

هي أن يُصدِر المتصدر للفتوى فتواه بحيث تكون موافقة لقانون الدولة أو الأحكام القضائية الصادرة فيها ما دام هذا القانون لم يُخالِف إجماعًا شرعيًّا متيقنًا.

الأصل الشرعي للمهارة:

تنبني مراعاة القوانين في الفتوى على عدة قواعد فقهية مقررة وهي:

  1. «أن حكم الحاكم يرفع الخلاف في مسائل الاجتهاد المختلَف فيها».
  2. «أن للحاكم تقييد المباح».
  3. «أن الحاكم منصوب لقطع الخصومات».
  4. «أنه لا يجوز لأحد أن يُفتي في حق نفسه فيما يجري بينه وبين غيره».

وقد تواردت الأدلة الشرعية على وجوب إعمال هذه القواعد الفقهية.

رُتبة المتصدر للفتوى:

من اللازم تحقق هذه المهارة لكل أمين فتوى وكل مَن يضع معتمدات المؤسسة الإفتائية أو يُفتي في مسائل الضرورة أو يتصدر للإفتاء في مسائل النزاع.

النطاق الفقهي للمهارة:

تدخل هذه المهارة في الإفتاء في المسائل التي هي محل للخصومات سواء بين الأفراد الحقيقيين أو الاعتباريين، وأهمها المسائل الداخلة في الأبواب الفقهية التالية:

  1. الإفتاء في سائر مسائل الأحوال الشخصية كالنكاح والطلاق والحضانة والمواريث.
  2. الإفتاء في سائر مسائل المعاملات.
  3. الإفتاء في مسائل الزكاة في الدول التي وضعت القوانين والأنظمة لجمع وتفريق الزكوات.
  4. الإفتاء في مسائل الجنايات.
  5. الإفتاء في مسائل الحدود في الدول التي وضعت القوانين والأنظمة لها.
  6. الإفتاء في مسائل الديات في الدول التي وضعت القوانين والأنظمة لها.

وليس من اللازم التحقق بهذه المهارة لمَن يُفتي في مسائل الطهارة والصلاة والصوم والحج وما يحل ويحرُم من المُتناولات والمُرتديات والعادات إلا إذا نظمت الدولة شيئًا من هذه المسائل قانونًا.

خطوات إعمال المهارة:

  1. تحديد حكم المسألة بناء على منهج المؤسسة.
  2. تحديد مناط التقنين في السؤال.
  3. الاطلاع على الآراء الفقهية المتعلقة بهذا المناط.
  4. الاطلاع على القانون المنظم وشروحه.
  5. تحديد مدى مطابقة الحكم المبني على منهج المؤسسة للقانون.
  6. في حالة عدم مطابقة الحكم للقانون يقوم المتصدر للإفتاء بتحديد القول الفقهي الذي بُني عليه الحكم.
  7. الإفتاء بما يوافق القانون والتوجيه بتغيير معتمد المؤسسة الإفتائية بما يوافق القانون.
  8. إن كان الحكم القانوني أو الحكم القضائي مخالفًا للإجماع فعلى المتصدر للفتوى الإفتاء بما يوائِم بين الشريعة والقانون بأقرب وسيلة للضرورة.
  9. في حال التراضي بين الطرفين المتخاصِمَين يمكن للمتصدر للإفتاء في الفتاوى الخاصة سواء الشفهية أو الإلكترونية أن يُفتي بمقتضى منهج المؤسسة الإفتائية في المسائل التي يضعف فيها الوجه الشرعي للحكم القانوني.

المثال التطبيقي:

المثال: الأحق بالحضانة

السؤال

طفلة انفصل والداها عن بعضهما بالطلاق، وتزوج والد الطفلة وأنجب، وجدة الطفلة لأب متوفاة، وتزوجت أم الطفلة وأنجبت هي الأخرى، وأصبح زوج أمها أجنبيًّا عنها، وجدة الطفلة لأم متوفاة أيضًا، فلمن تكون الحضانة؟

الجواب

الأصل في الحضانة أن تكون للنساء؛ لأن المرأة أقدر وأصبر من الرجل على تربية الطفل وأعرف بما يلزمه، وأعظم شفقة عليه؛ فالآثار الصحيحة قد وردت بأن النساء أحق بالحضانة فإنه يروى ((أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني، فقال لها رسول الله ﷺ: أنت أحق به ما لم تنكحي))(1)، ويروى أن عمر بن الخطاب كان قد طلق امرأته من الأنصار بعد أن أعقب منها ولده عاصمًا، فرآه في الطريق وأخذه، فذهبت جدته أم أمه وراءه، وتنازعا بين يدي أبي بكر الصديق، فأعطاها إياه وقال لعمر: «ريحها ومسها ومسحها وريقها خير له من الشهد عندك»(2).

وإذا كانت الحضانة حقًّا للأم دون الأب فقد اقتضى القياس أن يكون للنساء أوَّلًا دون الرجال، واقتضى أن تكون قرابة الأم مقدمة على قرابة الأب.

ولا تثبت حضانة لامرأة من النساء إلا إذا كانت مَحْرَمًا؛ لأن القرابة المحرمية هي التي تناط بها الحقوق والواجبات في أكثر الأمور الشرعية؛ ولأنها أوثق وأعطف؛ ولذلك كانت سببًا في التحريم في الزواج، وقد قال في ذلك الكاساني من الحنفية: «إن مبنى الحضانة على الشفقة، والرحم المحرم هي المختصة بالشفقة»(3).

وقد اختار القانون ٢٥ لسنة ١٩٢٩م طبقا لنص المادة «٢٠» المعدلة بالقانون ١٠٠ لسنة ١٩٨٥م من أقوال الفقهاء أن الحق في الحضانة يثبت للأم، ثم للمحارم من النساء، مقدمًا فيه من يُدلي بالأم على من يدلي بالأب، ومعتبرًا فيه الأقرب من الجهتين على الترتيب الآتي:

  1. الأم.
  2. فأم الأم وإن علت.
  3. فأم الأب وإن علت.
  4. الأخوات الشقيقات.
  5. الأخوات لأم.
  6. الأخوات لأب.

ثم يأتي بعد ذلك الخالات الشقيقات، ثم لأم، ثم لأب، ثم خالات الأب الشقيقات، فلأم، فلأب، ثم عمات الأم كذلك، ثم عمات الأب كذلك(4).

ومما ذكر يعلم الجواب.

كيفية تطبيق الخطوات الإجرائية على هذا المثال:(5)

مالخطــــــواتالتطبيــــق
١تحديد حكم المسألة بناء على منهج المؤسسة:تعتمد دار الإفتاء في الأحوال الشخصية على اختيار القانون وما لم ينص فيه على قول يرجع فيه إلى الراجح من المذهب الحنفي، وهذا ما نصت عليه المادة ٢٨٠ من لائحة ترتيب المحاكم، وقد وسع القانون دائرة الاختيار من المذاهب الفقهية ولم يتقيد بالمذهب الحنفي، وفي هذه المسألة اعتمد المذهب الحنفي الذي يرى ترتيب الأحق بالحضانة على النحو التالي:

أحق النساء من ذوات الرحم المحرم بالحضانة الأم؛ لأنه لا أقرب منها، ثم أم الأم، ثم أم الأب؛ لأن الجدتين وإن استويتا في القرب لكن إحداهما من قبل الأم أولى.

وهذه الولاية مستفادة من قبل الأم فكل من يدلي بقرابة الأم كان أولى؛ لأنها تكون أشفق، ثم الأخوات، فأم الأب أولى من الأخت؛ لأن لها ولادًا فكانت أدخل في الولاية وكذا هي أشفق، وأولى الأخوات الأخت لأب وأم، ثم الأخت لأم، ثم الأخت لأب؛ لأن الأخت لأب وأم تدلي بقرابتين فترجح على الأخت لأم بقرابة الأب وترجح الأخت لأم؛ لأنها تدلي بقرابة الأم فكانت أولى من الأخت لأب»(٥).

٢تحديد مناط التقنين في السؤال:مناط التقنين في السؤال هو ترتيب الأقارب في الأحقية لحضانة الطفل، حيث تعرض قانون الأحوال الشخصية لترتيب الأقارب بعد الأم وذلك في القانون ٢٥ لسنة ١٩٢٩م طبقًا لنص المادة «٢٠» المعدلة بالقانون ١٠٠ لسنة ١٩٨٥م.
٣الاطلاع على الآراء الفقهية المتعلقة بهذا المناط:بالرجوع إلى المذكرة الإيضاحية للقانون تبين أنه جرى في ترتيب الحاضنات والحاضنين وفقًا للمذهب الحنفي.
٤الاطلاع على القانون المنظم وشروحه:القانون المنظم لترتيب الأحق بالحضانة هو القانون ٢٥ لسنة ١٩٢٩م، المادة «٢٠» المعدلة بالقانون ١٠٠ لسنة ١٩٨٥م.
٥تحديد مدى مطابقة الحكم المبني على منهج المؤسسة للقانون:في المثال المذكور يتفق منهج المؤسسة مع القانون المنظم للأحق بالحضانة، فالفتوى متفقة مع نص القانون ولا خلاف بينهما.
٦قيام المتصدر للإفتاء بتحديد القول الفقهي الذي بُني عليه الحكم في حالة عدم مطابقة الحكم للقانون.الحكم متفق مع القانون.
٧الإفتاء بما يوافق القانون والتوجيه بتغيير معتمد المؤسسة الإفتائية بما يوافق القانون:معتمد المؤسسة متفق مع نص القانون، والفتوى صادرة بما يتفق مع القانون كما هو مبين فيها حيث ذكرت نص القانون وعقبت عليه بقولها: «ومما ذكر يعلم الجواب».
٨قيام المتصدر للفتوى بالإفتاء بما يوائِم بين الشريعة والقانون بأقرب وسيلة إن كان الحكم القانوني مخالفًا للإجماع.النص القانوني مأخوذ من كلام فقهاء الشريعة ولا يخالف إجماعًا أو نصًّا شرعيًّا.

المعارف والتدريب اللازمان لاكتساب المهارة:

  1. القوانين المتعلقة بالمجال الذي يُفتي فيه.
  2. معرفة دستور الدولة والأصول القانونية العامة.
  3. العناية بالدراسات المقارنة بين الفقه والقانون في المجال.
  4. دراسة الأبواب المعنية في المذهب الفقهي الذي يعتمده القانون (إن وُجد).

كما يتطلب اكتساب هذه المهارة حضور الدورات التدريبية التالية:

  1. دورة تدريبية في كيفية قراءة قانون الدولة.
  2. دورة تدريبية في أصول الفقه.

المهارات المتعلقة:

  1. مهارة الاختيار الفقهي.
  2. مهارة التلفيق الفقهي.
  3. مهارة القدرة على استعمال المخارج الفقهية.

1 أخرجه أبو داود في سننه، (٢٢٧٦).

2 أخرجه مالك في الموطأ (رواية أبي مصعب الزهري) رقم (٣٠١٦). وانظر:تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق ، الزيلعي (٣/٤٧).

3 بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، (٤/٤١).

4 فتوى دار الإفتاء المصرية، رقم ٣٢٦ لسنة ٢٠٠٥م.

5 بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٤/٤١).

مهارة مراعاة موجبات تغيُّر الفتوى

٧

 

من المقرر عند العلماء والفقهاء أن الفتوى ليست عبارة عن مجرد حكم شرعي متجرد عما حوله من الظروف والأحداث والمستجدات، لذلك فالفتوى لا تأخذ صورة واحدة جامدة على مر العصور؛ بل تتفاعل مع ما حولها من عوامل ومؤثرات قد تغير الفتوى تغيرًا كليًّا طبقًا لتلك العوامل والمؤثرات، ومن أهم تلك المؤثرات في الفتوى ما يسميه العلماء بالجهات الأربع، وهي تشمل: الزمان والمكان والأشخاص والأحوال، أضف إلى ذلك العادات والأعراف، وتحقيق المقصود الأعظم للشريعة من حفظ النفس والمال والعقل والدين والنسل، ومراعاة ضرورات الناس واحتياجاتهم ومصالحهم.

لقد اعتبر العلماء أن الجمود على صورة وقالب واحد من الفتوى دون اعتبار لما حولها من مؤثرات هو أمر خطير يجرد الفتوى من صلاحيتها ويجعلها تتعارض مع الشريعة، يقول القرافي: «فمهما تجدد في العرف اعتبره، ومهما سقط أسقطه، ولا تَجْمُدْ على المسطور في الكتب طول عمرك، بل إذا جاءك رجل من غير أهل إقليمك يستفتيك لا تُجْرِهِ على عرف بلدك، واسأله عن عرف بلده وأَجْرِهِ عليه وأَفْتِهِ به دون عرف بلدك ودون المقرر في كتبك، فهذا هو الحق الواضح، والجمود على المنقولات أبدًا ضلال في الدين، وجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين»(1) . ويقول: «قد اختلفت الأحكام والشرائع بحسب اختلاف الأزمان والأحوال، وظهر أنها سنة الله في سائر الأمم، وشرع من قبلنا شرع لنا، فيكون ذلك بيانًا على الاختلاف عند اختلاف الأحوال في زماننا، وظهر أنها من قواعد الشرع وأصول القواعد»(2) .

إن الفتوى ينبغي أن تكون محققة لمقاصد الشريعة، متسقة مع واقعها وزمانها، وملبية لمصالح المسلمين، ولله در ابن القيم -فقد عقد فصلًا في «إعلام الموقعين» عن تغير الفتوى، واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد- وفيه يقول: «هذا فصل عظيم النفع جدًّا وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به؛ فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها؛ فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث؛ فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل؛ فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله ﷺ أتم دلالة وأصدقها، وهي نوره الذي به أبصر المبصرون، وهداه الذي به اهتدى المهتدون، وشفاؤه التام الذي به دواء كل عليل، وطريقه المستقيم الذي من استقام عليه فقد استقام»(3) .

التعريف بالمهارة:

هي معرفة المتصدر للفتوى بالمؤثرات أو الجهات التي تغير الفتوى بما يجعلها تتناسب ومقاصد الشريعة.

الأصل الشرعي للمهارة:

  1. قوله تعالى: ﴿ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ﴾[الأنفال: ٦٥ – ٦٦].

حيث انتقل الحكم من العزيمة إلى الرخصة كما ذهب إليه بعض المحققين خلافًا لمن قال بالنسخ.

  1. ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: ((كنا عند النبي ﷺ، فجاء شاب فقال: يا رسول الله، أُقَبِّل وأنا صائم؟ قال: لا، فجاء شيخ فقال: أقبل وأنا صائم؟ قال: نعم، قال: فنظر بعضنا إلى بعض، فقال رسول الله -صلي الله عليه وسلم: قد علمت لِمَ نظر بعضكم إلى بعض، إن الشيخ يملك نفسه))(4).
  2. ما رواه مسلم في صحيحه، عن عبد الله بن واقد، قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث»، قال عبد الله بن أبي بكر: فذكرت ذلك لعمرة، فقالت: صدق، سمعت عائشة، تقول: دف أهل أبيات من أهل البادية حضرة الأضحى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ادخروا ثلاثا، ثم تصدقوا بما بقي»، فلما كان بعد ذلك، قالوا: يا رسول الله، إن الناس يتخذون الأسقية من ضحاياهم، ويجملون منها الودك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما ذاك؟» قالوا: نهيت أن تؤكل لحوم الضحايا بعد ثلاث، فقال: «إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت، فكلوا وادخروا وتصدقوا»(5).
  3. وفي مصنف ابن أبي شيبة عن سعد بن عبيدة، قال: «جاء رجل إلى ابن عباس فقال: لمن قتل مؤمنًا توبة؟ قال: لا إلا النار، فلما ذهب قال له جلساؤه: ما هكذا كنت تفتينا، كنت تفتينا أن لمن قتل مؤمنًا توبة مقبولة، فما بال اليوم؟ قال: إني أحسبه رجلًا مغضبًا يريد أن يقتل مؤمنًا، قال: فبعثوا في أثره فوجدوه كذلك» (6)

رُتبة المتصدر للفتوى:

معرفة موجبات تغير الفتوى لا تكون إلا ممن بلغ رتبة الاجتهاد من المفتين، فالذي يقوم به هو المستويات الإفتائية العليا في المؤسسات الإفتائية، كأعضاء «مجلس أمانة الفتوى» أو غير ذلك.

النطاق الفقهي للمهارة:

تنقسم الأحكام الفقهية إلى قسمين:

  1. النوع الأول:وهي الأحكام الثابتة: التي لا تقبل التغير بتغير الزمان والمكان والأشخاص وغير ذلك، ولا يدخلها الاجتهاد، كعدد الصلوات المفروضة، وعدد ركعاتها… إلخ.
  2. النوع الثاني:وهي الأحكام التي تقبل التغير مع تغير جهات الفتوى من زمان ومكان وأعراف وعادات… إلخ، وهذا النوع هو الذي يقبل الاجتهاد والتغير.

خطوات إعمال المهارة:

  1. تحديد صورة المسألة.
  2. بيان الحكم الشرعي الأصلي.
  3. توضيح مناط أو علة هذا الحكم الشرعي.
  4. تعيين موجب تغيير الحكم الأصلي
  5. فحص موجب تغيير الحكم الأصلي بالنظر في إحدى المؤثرات الآتية:

أ. التأكد من مناسبتها لجهات الفتوى:

  • الأشخاص.
  • الأحوال.
  • الزمان.
  • المكان.

ب. اتساق مآلات الفتوى مع الشرع.

ت. تحقيق المقاصد الشرعية الكبرى:

  • الضرورية.
  • الحاجية.
  • التحسينية.

ث. مراعاتها للأعراف والعادات وعدم معارضتها لها.

ج. حصول مصلحة شرعية معتبرة.

ح. التحقق من وجود سبب الحكم ووجود الشرط وانتفاء المانع.

٦ . بيان الحكم الشرعي في الفتوى بعد تغيره.

٧ . المستند الشرعي لهذا التغير.

المثال التطبيقي:

المثال: مبادلة الذهب المصوغ بمثله مع دفع الفارق

السؤال:

ما الحكم في أن كثيرًا من أصحاب محلات الذهب يتعاملون بشراء الذهب المستعمل -الكسر- ثم يذهبون إلى تاجر الذهب ويستبدلون به ذهبًا جديدًا مصنَّعًا وزنًا مقابل وزنٍ تمامًا، ويأخذون عليه أجرة التصنيع للذهب الجديد؟ وهذا التعامل يقاس عليه التعامل مع الزبون.

الجواب

ورد النهي النبوي عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة نسيئة أو متفاضلًا في عدة أحاديث منها حديث أبي سعيد الخدري  وغيره أن رسول الله -ﷺ- قال: ((لا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلا الْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ إِلا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلا تُفَضِّلُوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ))(7)؛ وذلك لعلة النقدية وكونهما أثمانًا -وسيطًا للتبادل-، أما الذهب والفضة المصوغان فإنهما خرجا بذلك عن كونهما أثمانًا -وسيطًا للتبادل- وانتفت عنهما علة النقدية التي توجب فيهما شرط التماثل وشرط الحلول والتقابض، ويترتب عليها تحريم التفاضل وتحريم البيع الآجل، فصارا كأي سلعة من السلع التي يجري فيها اعتبار قيمة الصنعة وهي هنا الصياغة؛ إذ من المعلوم أن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، وهذا مذهب الحافظ ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهما، وهو منقول عن معاوية  وأهل الشام، ونُقِلَ أيضًا عن الإمام مالك، وذكره ابن قدامة عن الحنابلة حيث جَوَّزُوا إعطاء الأجر على الصياغة، وعمل الناس عليه كما في الإنصاف للمرداوي، وهذا كله بشرط أن لا تكون الصياغة محرمة كالمشغولات الذهبية التي من شأنها أن لا يلبسها إلا الذكور من غير أن تكون لهم رخصة فيها، قال ابن القيم في إعلام الموقعين: «الحلية المباحة صارت بالصنعة المباحة من جنس الثياب والسلع لا من جنس الأثمان، ولهذا لم تجب فيها الزكاة، فلا يجري الربا بينها وبين الأثمان كما لا يجري بين الأثمان وبين سائر السلع وإن كانت من غير جنسها، فإن هذه بالصناعة قد خرجت عن مقصود الأثمان وأعدت للتجارة، فلا محذور في بيعها بجنسها»(8).

وبناءً على ما سبق فإنه لا مانع شرعًا من مبادلة الذهب القديم أو الكسر بالذهب الجديد أو المصوغ مع الاقتصار على دفع الفرق بينهما دون اشتراط أخذ ثمن القديم أولًا ثم دفع ثمن الجديد بعد ذلك حيث ارتفعت عنه علة النقدية وتحقق فيه معنى الصنعة والصياغة التي تجعله كأي سلعة من السلع التي لا يحرم فيها التفاضل ولا البيع الآجل(9).

كيفية تطبيق الخطوات الإجرائية على هذا المثال

مالخطــــــواتالتطبيــــق
١تحديد صورة المسألة:مبادلة الذهب القديم أو الكسر بالذهب الجديد ودفع الفارق.
٢بيان الحكم الشرعي الأصلي:الأصل في مبادلة الذهب بالذهب متفاضلًا الحرمة.
٣توضيح مناط أو علة هذا الحكم الشرعي:ورود النهي النبوي عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة نسيئة أو متفاضلًا في عدة أحاديث؛ وذلك لعلة النقدية وكونهما أثمانًا وسيطًا للتبادل.
٤تعيين موجب تغيير الحكم الأصليارتفاع علة الثمنية عن الذهب المصوغ، ومن ثم تغير الحكم الشرعي
٥فحص موجب تغيير الحكم الأصليأ-هذه الفتوى لا تتعارض مع العرف القائم في معاملات الناس حيث يشيع بينهم استبدال الذهب الجديد بالذهب القديم أو الكسر مع دفع الفارق.
ب-هذه الفتوى تحقق المقاصد الشرعية فإن إلزام الناس ببيع حليهم القديم أولًا وقبض الثمن بالعُملة الورقية، ثم شراء الحلي الجديد بعد ذلك،دون أن يتم خصم المبلغ مباشرة فيه مشقة.
ج-بإجازة هذه المعاملة تحصل المصلحة الشرعية فإن بيع المصوغ مما يحتاج إليه، وفي إجازتها تيسير على الناس في معاملاتهم.
د- على الرغم من وجود الشرط: وهو حصول التماثُل والحلول والتقابُض.

إلا أن السبب: وهو النقدية وكونهما أثمانًا -وسيطًا للتبادل- قد انتفى، فالذهب والفضة المصوغان قد خرجا بذلك عن كونهما أثمانًا -وسيطًا للتبادل- وانتفت عنهما علة النقدية.

٦بيان الحكم الشرعي في الفتوى بعد تغيرهجواز مبادلة الذهب الجديد أو المصوغ بالذهب القديم أو الكسر مع الاقتصار على دفع الفرق بينهما دون اشتراط أخذ ثمن القديم أولًا ثم دفع ثمن الجديد.
٧المستند الشرعي لهذا التغير:قال ابن القيم في إعلام الموقعين: «الحلية المباحة صارت بالصنعة المباحة من جنس الثياب والسلع لا من جنس الأثمان، ولهذا لم تجب فيها الزكاة، فلا يجري الربا بينها وبين الأثمان كما لا يجري بين الأثمان وبين سائر السلع وإن كانت من غير جنسها، فإن هذه بالصناعة قد خرجت عن مقصود الأثمان وأعدت للتجارة، فلا محذور في بيعها بجنسها»(١٠).

قال الحافظ ابن رجب الحنبلي: وحُكِيَ عن مالك جواز بيع المضروب بقيمته من جنسه، وأنكر أصحابه ذلك عنه، وحُكي أيضًا عن بعض السَّلف، واختاره الشيخ أبو العباس بن تيمية؛ لأنَّ الصياغة فيها مُتقوَّمة فلا بد من مقابلتها بعِوَض، فإنَّ في إجبار الناس عَلَى بذلها مجانًا ظلما فلا يؤمر به، ولأنها قد خرجت بالصياغة عن حيز النقود إِلَى السلع المُتقوَّمة» (١١).

المعارف والتدريب اللازمان لاكتساب المهارة:

  1. توفر ملكة الاجتهاد وتنميتها وتطويرها.(10)(11)
  2. الاطلاع الواسع على الآراء الفقهية المختلفة.
  3. مواكبة التطورات الحاصلة في العلوم والمعارف والنظم الاجتماعية والاقتصادية مما يلقي بظلاله على صناعة الفتوى وتغيرها.

المهارات المتعلقة:

  1. مهارة تحرير الحقيقة العرفية.
  2. مهارة الاختيار الفقهي.
  3. مهارة مراعاة الخلاف.
  4. مهارة القدرة على استعمال المخارج الفقهية.

1 الفروق، (١/ ١٩١).

2 الذخيرة، (١٠/ ٤٧).

3 إعلام الموقعين عن رب العالمين، (٣/ ١١).

4 أخرجه أحمد في مسنده (٦٧٣٩).

5 أخرجه مسلم، (١٩٧١).

6 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (٢٧٧٥٣).

7 متفق عليه: أخرجه البخاري، (٢١٧٧)، ومسلم، (١٥٨٤).

8 إعلام الموقعين عن رب العالمين (٢/ ١٠٨).

9 فتوى دار الإفتاء المصرية رقم (٤٨٢١) بتاريخ ٠٢/٠٩/٢٠٠٤

10 إعلام الموقعين عن رب العالمين (٢/ ١٠٨)

11 مجموع رسائل الحافظ ابن رجب الحنبلي (٢/ ٧١٦).

 

اترك تعليقاً