البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

وحدة مهارات المعالجات المتخصصة

60 views
  1. مهارة الفتوى الافتراضية (المستقبليات).
  2. مهارة الاستعانة بأهل الخبرة.
  3. مهارة البحث الإفتائي.
  4. مهارة التأهل للاجتهاد الجزئي.
  5. مهارة التواصل الفعال.
  6. معرفة أهلية المستفتي.

مهارة الفتوى الافتراضية (المستقبليات)

١

 

لقد كان الأئمة رحمهم الله من عهد الصحابة إلى عصر التدوين الفقهي واستقرار المذاهب يعتنون بعلوم الكتاب والسنة واستنباط الأحكام الشرعية للمسائل الحادثة الواقعة بالفعل في وقتهم، حتى إذا أحاطوا بها ارتأى بعضهم أن يفرض مسائل لم تقع أو قريبة الوقوع حتى إذا حدثت كان الحكم مُقَررًا قبلها، ورأى البعض الآخر أنه لا ينبغي أن يتشاغل بمثل ذلك، فإن وقعت الحادثة اشتغل علماء زمانها باستنباط حكمها، فقد كان عمر بن الخطاب  يقول: «أحرج عليكم أن تسألونا عما لم يكن، فإن لنا فيما كان شغلًا».

وكان زيد بن ثابت  يقول إذا سئل عن الأمر: «أكان هذا؟» فإن قالوا: نعم كان، حدَّث فيه بالذي يعلم، وإن قالوا: لم يكن قال: «فذروه حتى يكون». وعن مسروق قال: سألت أُبَيَّ بن كعب عن شيء، فقال: «أكان بعدُ؟» قلت: لا، قال: «فَأَجِمَّنَا حتى يكون، فإذا كان اجتهدنا لك رأينا» أخرجها كلها الخطيب البغدادي في «الفقيه والمتفقه»، وقد فعلوا ذلك تورُّعًا منهم أن يَزِلُّوا، وثبت عن النبي ﷺ أنه قد أجاب عن أسئلة لما تقع كما سيأتي ذكره، فاسترشد بذلك من رأى فرض المسائل والجواب عنها لما سيقع بعدهم؛ ابتغاءَ أن ينتفع بها المسلمون عند وقوعها، وأشهر من اهتم بذلك هو الإمام أبو حنيفة، ثم تابعه الفقهاء فأكثروا من فرض المسائل في المائة الثالثة وما بعدها.

التعريف بالمهارة:

هي قدرة أمين الفتوى على افتراض وابتكار فروع فقهية ممكنة الوقوع في المستقبل بطريقة منظمة، ووضع الأحكام المتعلقة بها، أو تحديد النقاط والجوانب المهمة التي تساعد وتيسر في معرفة الحكم الشرعي.

الأصل الشرعي للمهارة:

الدليل على هذه المهارة هو فعل النبي ﷺ فقد كان يخبر عن الحادثة ويجيب عنها من قبل أن تقع، كما أنه ﷺ كان يُسأل عما لم يقع فيجيب السائل من غير إنكار عليه سؤاله، فمن ذلك:

  1. ما أخرجه مسلم عن حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ، أنه قال: ((كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ ﷺ عَنِ الخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللهُ بِهَذَا الخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ، قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: قَوْمٌ يَسْتَنُّونَ بِغَيْرِ سُنَّتِي، وَيَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ، فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، صِفْهُمْ لَنَا، قَالَ: نَعَمْ، قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَمَا تَرَى إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: تَلْزَمُ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ، فَقُلْتُ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟ قَالَ: فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ المَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ))(1).
  2. ما أخرجه مسلم أيضًا عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ  في حديثه الطويل عن الدجال وفيه: ((قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا لُبْثُهُ فِي الأَرْضِ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ يَوْمًا، يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ فَذَلِكَ اليَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ، أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: لَا، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ))(2).

والأدلة من هذا النوع كثيرة، وأما ما يظن منه التحريم من أن النبي ﷺ نهى عن ذلك بقوله: ((إِنَّ أَعْظَمَ المُسْلِمِينَ جُرْمًا، مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ، فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ))(3) قد أجاب عنه المزني بقوله: «يُقال لمن أنكر السؤال في البحث عما لم يكن لم أنكرتم ذلك؟ فإن قالوا: لأن رسول الله ﷺ كره المسألة، قيل: وكذلك كرهها بعد أن كانت تُرفع إليه لما كره من افتراض الله الفرائض بمساءلته، وثقلها على أمته لرأفته بها وشفقته عليها، فقد ارتفع ذلك برفع رسول الله ﷺ فلا فرض بعده يحدث أبدًا، وإن قالوا: لأن عمر أنكر السؤال عما لم يكن، قيل: فقد يحتمل إنكاره ذلك على وجه التعنت والمغالطة، لا على التفقُّه والفائدة، وقد روي أنه قال لابن عباس: سل عما بدا لك، فإن كان عندنا، وإلا سألنا عنه غيرنا من أصحاب رسول الله ﷺ. وكما روي عن علي من إنكاره على ابن الكواء أن يسأل تعنُّتًا، وأمره أن يسأل تفقُّهًا»(4).

رُتبة المتصدر للفتوى:

من اللازم تحقُّق هذه المهارة لأعضاء «مجلس أمانة الفتوى» الذين ترفع إليهم المسائل والوقائع الجديدة للبت فيها بحُكمٍ، ولمن تُخصِّصهم المؤسسة الإفتائية لبحث هذا النوع من المسائل.

النطاق الفقهي للمهارة:

تدخل هذه المهارة في الإفتاء في جميع أبواب الفقه الإسلامي إلا أنها تشتد في بعض الأبواب حسب التقدم العلمي المتعلق بها، وذلك في أبواب المعاملات والجنايات والمسائل الطبية.

خطوات إعمال المهارة:

  1. اختيار وحدة موضوعية للقضية المستقبلية.
  2. التحقق من إمكانية وقوعها.
  3. تحديد مصادر الموضوع أو الاستعانة بأهل الخبرة (ينظر مهارة الاستعانة بأهل الخبرة).
  4. فحص المصدر جيدًا والتحقق من جديته.
  5. تشقيق الموضوع وذلك بــ:
    • حصر المسائل الممكنة التي يتعلق بها حكم شرعي.
    • دمج المسائل وتقسيمها ثم تصنيفها إن أمكن.
  6. تحديد مظان المسائل التي يمكن التخريج والتفريع عليها.
  7. تحرير الأحكام الفقهية على المنهج المعتمد للمؤسسة.

المثال التطبيقي:

نموذج لقضية مستقبلية

أحكام رواد الفضاء

من رائد الفضاء؟

هو شخص يتم تدريبه بواسطة برنامج رحلات فضائية مأهولة ليأتمر على أو يقود أو يخدم كعضو في طاقم المركبة الفضائية.

وكانت أول رحلة فضائية بشرية ناجحة عام ١٩٦١م، بوساطة المركبة الفضائية «فوستوك١» التي حملت رائد الفضاء الروسي يوري جاجارين، وأكملت مدارًا واحدًا حول العالم.

وفي غضون شهر من إطلاق «فوستوك ١» أطلقت الولايات المتحدة لأول مرة شخصًا يُدعى ألان شيبارد إلى الفضاء في رحلة «ميركوري – ريدستون٣».

وفي عام ١٩٦٣م كانت فالنتينا تيريشكوفا، وهي رائدة فضاء سوفيتية، أول امرأة تسافر في الفضاء. وقد أمضت نحو ٧٠ ساعة في المركبة الفضائية «فوستوك ٦» حيث أكملت ٤٨ دورة حول الأرض.

وتشير بعض المراجع إلى أن ٥٥٨ شخصًا زار الفضاء حتى عام ٢٠١٩م، بحيث يشكِّل الذكور الأغلبية العظمى منهم، إذ بلغ عددهم ٤٩٥ رائدًا فضائيًّا، بينما بلغ عدد الإناث ٦٣ رائدةً فضائيةً.

ويعد الأمير سلطان بن سلمان أول رائد فضاء عربي وأول رائد فضاء مسلم.

وتعد أنوشا أنصاري أول رائدة فضاء مسلمة، وهي مواطنة أمريكية ذات أصل إيراني؛ إذ انطلق صباح يوم ٤ أغسطس ٢٠١٠م من قاعدة بايكونور الجوية في كازاخستان صاروخ روسي من نوع سيوز على متنه أنوشا ورائدا فضاء، أحدهما روسي والآخر أمريكي، في رحلة استغرقت عدة أيام بين النجوم.

وحياة رواد الفضاء من أصعب أنواع الحياة؛ فحياتهم لا تشبه الحياة على سطح الأرض؛ وذلك بسبب انعدام الجاذبية، ولذا يُدرَّب رواد الفضاء بشكل حثيث على العيش في الفضاء قبل الصعود إليه، فهناك أساليب خاصة في الحياة في الفضاء، وهناك أنظمة غذائية معينة يجبر رواد الفضاء على تناولها لمدة عدة أشهر.

كما أنهم يواجهون صعوبات فيما يتعلق بقضاء الحاجة والاستحمام والنوم، كما أنهم يمكثون فترات زمنية طويلة في الفضاء قد تستغرق شهورًا، ولقد وصلت أطول مدة زمنية لرائد في الفضاء ٤٣٨ يومًا، حيث بقي فاليري بوليكاف في محطة الفضاء الروسية «مير» في الفترة الواقعة بين عامي ١٩٩٤ و١٩٩٥م.

وتبين دراسة نشرتها ناشيونال جيوجرافيك بأن النساء أقدر على التأقلم في رحلات الفضاء الطويلة كما أن إرسال طاقم من النساء سيوفر من الميزانية بشكل كبير. ويعود ذلك لأسباب مختلفة، أهمها صغر حجم المرأة، كما تعاني النساء أعراضًا جسدية أقل مرتبطة بتَأقلُم الجسد مع المشكلات الفضائية، كما تتمتع النساء بصفات شخصية تجعلهن أقدر على تحمل رحلات طويلة الأمد.

الأثر الإفتائي للقضية:

ويتعلق بهذه القضية المستقبلية بعض المسائل الفقهية التي تتطلب مزيد بحث للوقوف على الحكم الشرعي لهذه المسائل التي تتعلق بهذه القضية، ويمكن إجمال هذه الفروع الفقهية فيما يلي:

المسألة الأولى: كيف يتوضأ رائد الفضاء ويصلي ويصوم في المركبة الفضائية؟

يفرض الوجود في الفضاء صعوبات تتعلق بأداء الصلاة لانعدام الجاذبية، مما يجعل هناك صعوبة في أداء حركات الصلاة وقوفًا وركوعًا وسجودًا، كما يؤدي انعدام الجاذبية إلى صعوبة في سيلان المياه بشكل طبيعي يسمح بالوضوء، فضلًا عن كيفية أداء رواد الفضاء الصلاة خمس مرات يوميًّا في محطة فضاء تدور ١٦ مرة حول الأرض خلال ٢٤ ساعة، بما يعني أن الشمس تشرق وتغرب عليهم عدة مرات في اليوم.

فماذا يفعل المسلم عندما يكون على متن المكوك الفضائي، والذي يبقى في الفضاء الخارجي لمدة سبعة أيام بالمتوسط؟ أو يكون على متن المحطة الدولية، حيث يبقى الرائد فيها بضعة أشهر؟ وكيف يؤدي المسلم الصلوات الخمس؟ كيف يتوجه إلى القبلة؟ وكيف يصوم إذا طالت رحلته الفضائية بضعة أشهر؟

هل يعتمد على توقيت مكة المكرمة مثلًا أم يعتمد على توقيت الموقع الذي انطلق منه؟ وهل يمكنه الوضوء بفوط مبللة بالماء مثلًا أم يلجأ إلى التيمم؟ وهل يمكنه أن يصلي جالسًا مربوطًا بحزام الأمان مثلًا؟ وهل يسقط شرط استقبال القبلة في حقه؟ وهل يجب عليه الصوم أم يفطر باعتباره مسافرًا وينتظر حتى يرجع لبلده ويصوم؟

المسألة الثانية: إذا مات رائد الفضاء كيف يمكن تجهيزه ودفنه إذا تعذر ذلك بالطرق الشرعية المعروفة؟

قد يواجه رواد الفضاء احتمالات مأساوية أثناء وجودهم في الفضاء، ولم يحدث وأن توفي رائد فضاء على متن محطة الفضاء الدولية من قبل، ولكن ما الذي يمكن لرواد الفضاء فعله إذا توفي أحد زملائهم على متن المحطة؟

هل يجب أن توجد أكفان في المركبة الفضائية؟ وإذا لم تتوفر أكفان هل يلف الميت في أي قماش؟ وإذا لم يتوفر الماء للتغسيل هل يمكن اللجوء إلى التيمم؟

كما أن وجود جثمان مُسَجَّى في المركبة الفضائية يشكل معضلة كبيرة وتهديدًا صحيًّا لباقي رواد الفضاء؛ إذ ليس من السهل توفير مكان مناسب لحفظ تلك الجثة على متن المركبة الفضائية.

وهناك تقنية لا تزال في طور التجربة تعتمد على تجميد وتجفيف الجسم فبدلًا من حرق الجثة للتحول إلى رماد ستقوم التقنية الحديثة بتفتيت الجثمان إلى ملايين القطع الصغيرة من حبات الجليد ضمن حقيبة خاصة يمكن حفظها داخل المركبة الفضائية لسنوات طويلة، فهل إذا نجحت هذه التقنية يجوز اللجوء إليها شرعًا؟ وإذا لم يكن متاحًا اللجوء إلى تقنية التجميد والتجفيف هل يجوز شرعًا إلقاء الجثمان ليسبح في الفضاء الخارجي قياسًا على قول كثير من الفقهاء برمي الميت بالبحر إذا خيف عليه التغير قبل الوصول إلى البر؟

المسألة الثالثة: هل يجوز الوقف على رواد الفضاء وأبحاثهم؟

تعمد الكثير من الدول إلى إنشاء مراكز خاصة بالفضاء، وذلك رغبة منها في اكتشاف هذا العالم الغريب، ولحاقًا بركب الحضارة والتطور، وتجري في هذه المراكز والمعاهد الكثير من الدراسات والبحوث حول الفضاء وما يتصل به، ففي المملكة العربية السعودية مثلًا تضم مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية مركزًا متخصصًا في بحوث الفضاء يعرف بمعهد بحوث الفضاء؛ فهل يجوز أن يقف شخصٌ على هذه المراكز، أو يجعل غلة وقفه على تكاليف الرحلات الفضائية، ونحو ذلك مما يتصل بالفضاء ورواده؟

وذلك بناءً على أن في الوقف على الأمور المتعلقة بالفضاء من أبحاث ونحوها تقويةً لروح المسلمين المعنوية، وإعانةً لهم في مسيرتهم العلمية، مما يقوي شوكتهم أمام أعدائهم، كما أن هذه الأمور من العلم الذي حث عليه الإسلام ورتَّب عليه الثواب الجزيل.

المسألة الرابعة: هل يجوز التأمين على حياة رائد الفضاء؟

التأمين على الحياة أحد أنواع التأمين، وهو: عقد يتعهد المؤمِّن بمقتضاه بدفع مبلغ من المال للمؤمَّن له عند موته أو عند بقائه حيًّا بعد مدة معينة.

والتأمين من العقود المستحدثة، لذلك لم يتعرض له الفقهاء الأولون صراحة، وقد اختلف المعاصرون فيه على قولين: الجواز والحرمة.

ونظرًا لخطورة رحلات الفضاء واحتمال الموت والهلاك تبدو جدية هذه المسألة الفقهية، فهل يجوز التأمين على حياة رائد الفضاء من هذه الحيثية؟

المسألة الخامسة: هل يجوز أن تكون المرأة المسلمة رائدة فضاء؟

ينبغي على من يتصدى للإفتاء في هذه المسألة أن يدرك جيدًا ما يواجه رواد الفضاء في حياتهم في الفضاء، وأهمية ارتياد الفضاء من الناحية الشرعية، وهل هناك ضوابط فيما يتعلق بسفر المرأة إلى الفضاء إذا كانت بصحبة محارم أو بصحبة رفقة من النساء، وما ضمانات الأمان في هذه الرحلات الفضائية، إلى غير ذلك من الأمور التي حددها الشرع؟

المظان التي يُسْتَهْدَى بها لاستخراج الأحكام:

مصادر تراثية:

  • مظان الموضوعات في المسائل السابقة من الكتب الفقهية عند المذاهب المختلفة.
  • بعض المؤلفات الخاصة ببعض الجزئيات ككتاب «أحكام النساء» لابن الجوزي الحنبلي، و«أحكام النساء» لابن العطار الشافعي و«أحكام الوقف» لهلال بن سلمة.

أهم المصادر المعاصرة:

  • عمل المرأة، ضوابطه، أحكامه، ثمراته، دراسة فقهية مقارنة، لهند محمود الخولي، (أصل هذا الكتاب رسالة ماجستير)، مكتبة الفارابي، دمشق.
  • وظيفة المرأة المسلمة في عالم اليوم، لخولة عبد اللطيف العتيقي، المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم، الرباط.
  • وظيفة المرأة المسلمة في المجتمع الإنساني، لعلي القاضي، دار القلم، الكويت.
  • أثر التقنية الحديثة في الخلاف الفقهي، للدكتور هشام بن عبد الملك آل الشيخ، مكتبة الرشد ناشرون، الرياض.
  • مواقيت الصلاة وحساباتها بالطرق العلمية الفلكية الدقيقة، للدكتور مجيد محمود جراد، والدكتور عوني محمد الخصاونة، المملكة الأردنية الهاشمية.
  • نظام الوقف والاستدلال عليه، للشيخ محمد بخيت المطيعي، تحقيق: محمود محمد الكبش، الإصدار السابع والستون من إصدارات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت.
  • أحكام الوقف والمواريث، لأحمد إبراهيم بك، المطبعة السلفية ومكتبتها، القاهرة.
  • نظام الوقف في التطبيق المعاصر، لمجموعة من العلماء والباحثين، الأمانة العامة للأوقاف، الكويت.
  • المشروعات الوقفية والتوسع في مفهوم مقاصد الواقفين، إعداد: عبد الهادي عبد الحميد الصالح، رسالة ماجستير، الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية، لندن.
  • نظام التأمين في هدي أحكام الإسلام وضرورات المجتمع المعاصر، للدكتور محمد البهي، مكتبة الشركة الجزائرية، الجزائر.
  • نظام التأمين حقيقته والرأي الشرعي فيه، لمصطفى أحمد الزرقاء، مؤسسة الرسالة، بيروت.
  • التأمين وأحكامه، للدكتور سليمان بن إبراهيم بن ثنيان، طبعة دار ابن حزم، بيروت.
  • التأمين في الشريعة والقانون، للدكتور شوكت محمد عليان، طبعة دار الشواف بالسعودية.
  • أحكام التصرف بالجثة في الفقه الإسلامي، إعداد: رقية أسعد صالح عرار، رسالة ماجستير، جامعة النجاح الوطنية، نابلس، ٢٠١٠م.
  • المستجدات في كتاب الجنائز جمعًا ودراسة، إعداد: عايد بن معافي بن جمعان الجدعاني، رسالة دكتوراه، جامعة أم القرى، ١٤٣٢هـ.

أهم الفتاوى ذات الصلة:

  • فتوى دار الإفتاء المصرية بتاريخ ٢٦/ ٠٥/ ٢٠٠٨م، بعنوان «عمل المرأة وكيلًا للنيابة وتوليها القضاء».
  • فتوى دار الإفتاء المصرية بتاريخ ٠٩/ ١١/ ٢٠١٤م، بعنوان «مشاركة المرأة في العمل السياسي والاجتماعي».
  • فتوى دار الإفتاء المصرية بتاريخ ٠٩/ ٠٥/ ٢٠٠٦م، بعنوان «سفر المرأة بدون محرم لحضور المؤتمرات».
  • فتوى دار الإفتاء الأردنية بتاريخ ١٠-٠٥-٢٠١٠م، بعنوان «لا مانع من عمل المرأة ضمن الضوابط الشرعية».
  • فتوى دار الإفتاء المصرية بتاريخ ١٣/ ٠٤/ ٢٠٠٩م بعنوان «القِبلة في الفضاء والكواكب الأخرى».
  • فتوى دار الإفتاء المصرية بتاريخ ٠٥/ ٠٤/ ٢٠١٦م، بعنوان «الصلاة في القطار المتحرك».
  • فتوى دار الإفتاء المصرية بتاريخ ٢٢/ ٠٧/ ٢٠١٥م، بعنوان «الوقف للبحث العلمي وإيداع أمواله في البنوك».
  • قرار مجلس الإفتاء والبحوث والدراسات الإسلامية بالمملكة الأردنية الهاشمية رقم: (٢٥٣) (٦/ ٢٠١٨) التبرع للوقف التعليمي بتاريخ (٦/ جمادى الآخرة/ ١٤٣٩هـ) الموافق (٢٢/ ٢/ ٢٠١٨م).
  • فتوى دار الإفتاء المصرية بتاريخ ٢٧/ ٠٣/ ٢٠١٨م، بعنوان «التأمين على المصنع والسيارات والموظفين ضد بعض المخاطر».
  • فتوى دار الإفتاء المصرية بتاريخ ٢٦/ ٠٦/ ٢٠٠١م، بعنوان «حرق جثث الموتى».
  • فتوى دار الإفتاء المصرية بتاريخ ١٤/ ٠٥/ ٢٠١٥م، بعنوان «تغسيل المتوفى بمرض الإيبولا».
  • فتوى دار الإفتاء المصرية بتاريخ ٣٠/ ٠٤/ ٢٠٠٣م، بعنوان «التيمم للميت إذا تعذر تغسيله».

كيفية تطبيق الخطوات الإجرائية على هذا المثال:

مالخطــــــواتالتطبيــــق
١اختيار وحدة موضوعية للقضية المستقبلية:أحكام رواد الفضاء.
٢التحقُّق من إمكانية وقوعهاهي واقعة بالفعل ولكن تحتاج إلى البحث الشامل لجميع أحكامها ومسائلها الواقعة.
٣تحديد مصادر الموضوع أو الاستعانة بأهل الخبرة:تمت الاستعانة بالمواقع المتخصصة وهي:

§                           موقع bbc عربي.

§                           موقع العلوم للعموم (مؤسسة دبي للمستقبل).

§                           موقع ناسا بالعربي.

٤تشقيق الموضوع:يتم ذلك بحصر المسائل الممكنة التي يتعلق بها حكم شرعي، وبدمج المسائل وتقسيمها وتصنيفها قدر الإمكان

فأهم المسائل المتعلقة بقضية رائد الفضاء تتمثل في عدة جهات:

الجهة الأولى: العبادات من الوضوء والتيمم والصلاة والصيام.

الجهة الثانية: الوفاة من الغسل والتكفين والصلاة والدفن، والذي يجب على بقية الطاقم منه.

الجهة الثالثة: بعض المعاملات كالوقف عليهم والتأمين على حيواتهم لأجل المخاطر التي يواجهونها.

الجهة الرابعة: حكم عمل المرأة المسلمة في هذا المجال، وهناك مسائل أخرى لم تذكر ستظهر عند البحث والنظر لاستنباط الأحكام المتعلقة بها.

٥تحديد مظان المسائل التي يمكن التخريج والتفريع عليهاتم ذكر أهم المصادر التي يمكن الرجوع إليها وتنوعت إلى ثلاثة مصادر: تراثية، ومعاصرة، وفتاوى ذات صلة بالمسائل التي يمكن التخريج عليها للمؤسسات الإفتائية المعتمدة.
٦تحرير الأحكام الفقهيةيتم تحرير الأحكام الفقهية على أيدي الباحثين وأمناء الفتوى في المؤسسة وحسب المنهج المعتمد لديها.

المعارف والتدريب اللازمان لاكتساب المهارة:

ينبغي على المتصدر للإفتاء المعني أن يتوافر فيه ما يلي:

  1. أن يكون مُلمًّا بالمعارف العامة والثقافة بعلوم العصر.
  2. أن يكون على اطلاع دائم بالأبحاث الجديدة والممتازة التخصصية في القضايا والنوازل الفقهية المعاصرة.
  3. أن يكون على معرفة جيدة بالجديد من الفتاوى التي تصدر من المؤسسات الإفتائية والمجامع الفقهية في النوازل المتجددة.

المهارات المتعلقة:

  1. مهارة الاستفادة من فتاوى المجامع الفقهية والمؤسسات الإفتائية.
  2. مهارة تخريج الفتوى على القواعد الأصولية.
  3. مهارة تخريج الفتوى على القواعد الفقهية.
  4. مهارة تخريج الفتوى على الضوابط الفقهية.

1 أخرجه مسلم، (١٨٤٧).

2 أخرجه مسلم، (٢٩٣٧).

3 متفق عليه: أخرجه البخاري، (٧٢٨٩)، ومسلم، (٢٣٥٨) من حديث سعد بن أبي وقاص.

4 الفقيه والمتفقه، (٢/ ٣٠).

مهارة الاستعانة بأهل الخبرة

٢

 

من المسلَّم به أنه قد ظهر في عصرنا الحاضر من العلوم والمستحدثات ما لم يكن مثله لأسلافنا من قبل، وظهر التخصص الدقيق في شتى العلوم والميادين، وظهر مع ذلك على الساحة الإفتائية وقائع جديدة كل الجدة على العلماء والفقهاء لم يكن مثلها منذ زمن قريب، والإفتاء كعلم له أصوله ومناهجه يحتاج أن يتطور في العصر الحاضر ليفي بحاجات هذا الواقع الجديد، وذلك لا يكون إلا بالاستعانة بأهل الخبرة في جميع التخصصات المتعلقة بالمسائل المستحدثة، فالنوازل الجديدة -بسبب التقدم العلمي والتكنولوجي والصناعي والطبي وغيرها- كثيرة جدًّا، وفيها من الدقائق العلمية ما يحتاج في الكشف عنها إلى أهل العلم المختصين به، وكما هو معلوم ومقرر أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره فهذه المسائل المستحدثة لا يمكن تصورها إلا عن طريق أهل التخصص فإذا تصورها العلماء والفقهاء تصورًا كاملًا فحينئذ يستطيعون أن يُكَيِّفُوا هذه الوقائع ويُدَلِّلُوا عليها ليصلوا إلى الأحكام الشرعية المتعلقة بها.

التعريف بالمهارة:

استعانة المتصدر للفتوى بأهل التخصص في مجال الواقعة المسؤول عنها -قبل صدور فتواه- متى احتاج إلى ذلك، بحيث تخرج فتواه صحيحة لا يشوبها ضعف أو نقص في التصوير والتكييف.

الأصل الشرعي للمهارة:

  1. الأدلة نفسها المذكورة في «مهارة المشاورة في الفتوى» هي أدلة هذه المهارة لأنها مشاورة أيضًا ولكن بنوع اختصاص.
  2. ما أقره أهل العلم من أن كل علم لا يُستغنى عنه في صلاح أمور الدنيا فهو فرض عين يجب تحصيله، وما ذلك إلا ليرجع إليهم فيه، وإلا لما كان لهذا الفرض حاجة قال الإمام الغزالي في «الإحياء»: «أما فرض الكفاية فهو علم لا يُستغنى عنه في قوام أمور الدنيا كالطب؛ إذ هو ضروري في حاجة بقاء الأبدان وكالحساب فإنه ضروري في المعاملات وقسمة الوصايا والمواريث وغيرهما وهذه هي العلوم التي لو خلا البلد عمن يقوم بها حرج أهل البلد، وإذا قام بها واحد كفى وسقط الفرض عن الآخرين، فلا يتعجب من قولنا إن الطب والحساب من فروض الكفايات فإن أصول الصناعات أيضًا من فروض الكفايات كالفلاحة والحياكة والسياسة بل الحجامة والخياطة، فإنه لو خلا البلد من الحجام تسارع الهلاك إليهم وحرجوا بتعريضهم أنفسهم للهلاك»(1).

رُتبة المتصدر للفتوى:

من اللازم تحقُّق هذه المهارة لأعضاء «مجلس أمانة الفتوى» الذين تُرفع إليهم الوقائع الجديدة للبَتِّ فيها بحكم، ولمن يضع معتمدات المؤسسة الإفتائية.

النطاق الفقهي للمهارة:

تدخل هذه المهارة في الإفتاء في النوازل والمستجدات المتعلقة بالعلوم المختلفة كالنوازل الطبية من تجميد الحيوانات المنوية والبُيَيْضَات وتحديد نوع الجنين والرحم البديل وغيرها، وكنوازل المعاملات المعاصرة وعلاقتها بالاقتصاد كالتسويق الشبكي وعقود المستقبليات والتمويلات وغير ذلك، بل قد تكون الواقعة قديمة وتحدث عنها الفقهاء ولكن جَدَّ لها من البحوث ما ينبغي معه النظر في حكمها من جديد، كما حدث من موقف دار الإفتاء المصرية من قضية ختان الإناث.

فكل ذلك يتطلب قبل إبداء الفتوى الوقوف على كلام أهل الخبرة والتخصص.

خطوات إعمال المهارة:

المتصدِّر للفتوى المَعْنِيُّ إذا عُرضت عليه فتوى في النطاق المذكور ينبغي عليه عند تصوير الفتوى أو عند أي مرحلة أخرى من الفتوى التي يحتاج فيها الرجوع إلى المختص مراعاة ما يلي:

  1. فحص الواقعة أو المسألة، وينبغي التأمل فيها فقد تكون في بادئ الأمر يظهر أنه لا يحتاج فيها إلى تخصص معين، ولكن عند مرحلة معينة من مراحل الفتوى تظهر الحاجة للتحقُّق من السبب الموجب للاستعانة في هذه الواقعة.
  2. تحديد نوع التخصص المطلوب للواقعة.
  3. اختيار المؤهلين من أهل ذلك التخصص المشهود لهم بالكفاءة والأمانة.
  4. التواصل معه بأنجح الوسائل المتاحة، فقد يتعين التواصل مشافهة لإبداء الأسباب التي تطلبت ذلك، وقد يُكتَفى بالتقرير الكتابي.
  5. تثبُّت المتصدر للفتوى من فهمه الكامل لما ذكره المختص.
  6. تصوير الواقعة أو تكييفها -حسب المرحلة التي احتاج للمختص فيها- بناءً على المعلومات المستفادة من المختص.
  7. تنزيل الحكم على الواقعة وإصدار الفتوى.

المثال التطبيقي:

المثال: حكم احتواء مسحوق علف الدواجن على مكونات خنزيرية؟

السؤال:

تم استيراد شحنات مسحوق لحم وعظم حيوانات مجترة لتغذية الدواجن من أمريكا الجنوبية، وقد وُجِد أن هذا المسحوق محتوٍ على مكونات من الخنزير.

والسؤال: هل يجوز تغذية الدواجن على هذا المسحوق المحتوي على لحم ومكونات الخنزير، وأكل هذه الدواجن بعد ذلك؟

ملحوظة: يوجد شرط عند الاستيراد بعدم احتواء المسحوق على مكونات الخنزير.

الجواب

من المقرر شرعًا أن الخنزير حرام أكله وتداوله لقوله تعالى: ﴿ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﴾ [البقرة: ١٧٣]، وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الخنزير نجس العينِ حيًّا وميتًا، بينما ذهب المالكية إلى أن الخنزير طاهر ما دام حيًّا ونجس إن كان ميتًا.

والمسألة التي معنا ينبني الحكم فيها على أمرين:

الأول: كون المادة النجسة قد انقلبت حقيقتُها فعلًا وصارت مادة أخرى غيرَها لا أثر فيها للمادة الأولى، أو أن التغيُّر ليس إلا تغيُّرًا صوريًّا في حالة المادة مع بقائها على أصلها التكويني كما هي.

الثاني: الضرر الذي قد يكون في المادة المكونة للمنتَج، وهذا الجانب في غاية الأهمية، فقد تتغير حقيقة المادة وتنقلب إلى مادة أخرى فعلًا، ولكن قد يكون فيها من الأمراض والفيروسات ما لا يزول عند تغيُّرها وتعريضها للمعاملات الحرارية، فإذا استُخدمت علفًا للدواجن كان ذلك سبيلًا للإبقاء على هذه الفيروسات وإعادة دورة حياتها مرة أخرى، حيث أفاد المركز القومي للبحوث في خطابه الصادر إلينا برقم ٣٣٦٧ وتاريخ ١٩/ ٨/ ٢٠٠٧م أن هذه المعاملات الحرارية لا يمكن أن تنقي الحيوانات الميتة من جميع المسببات المرضية، ولا تستطيع أن تنقيها من السموم التي تخلفها تلك الميكروبات، فتنتقل إلى قطعان الدواجن مما يدمر صحتها وينعكس بالسلب على صحة المستهلك. كما أنه من المعروف علميًّا أن الخنزير بيئة صالحة لانتشار الأمراض والفيروسات المعدية التي تصيب الإنسان والحيوان معًا، وأقرب شاهد على ذلك ما بدأ يظهر من مرض إنفلونزا الخنازير.

وبناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فما دام أنه وُجِدَ احتواءُ هذا المسحوق المستورَد على مكونات خنزيرية، فإنه لا يجوز إدخاله ولا جعله علفًا للدواجن؛ لِمَا فيه من الضرر الذي قد يصيب الدواجن من جهة، ولِمخالفة شرط الاستيراد الذي يقضي بعدم احتواء مساحيق علف الدواجن على مكونات خنزيرية من جهة أخرى(2).

كيفية تطبيق الخطوات الإجرائية على هذا المثال:

مالخطــــــواتالتطبيــــق
١فحص الواقعة أو المسألةفي بادئ الأمر قد يظن عدم احتياجها إلى مختص، ولكن بفحصها عند تكييفها وجمع أقوال الفقهاء يتبين الحاجة؛ فإننا إذا جرينا على القول بطهارته بالاستحالة، فهل هناك ضرر على المستهلكين من هذا العلف؟
٢التحقُّق من السبب الموجب للاستعانة في هذه الواقعةالسبب الموجب للاستعانة هو معرفة هل هذا العلف يتسبب عنه ضرر للمستهلك.
٣تحديد نوع التخصص المطلوب للواقعةالبحوث الكيميائية والطب البيطري.
٤اختيار المؤهلين من أهل ذلك التخصص المشهود لهم بالكفاءة والأمانةتم الاستعانة بالمركز القومي للبحوث.
٥التواصل معه بأنجح الوسائل المتاحةلا تحتاج المشاورة في هذه الواقعة إلى مشافهة المختص بل يكفي التقارير الكتابية الموثقة.
٦تثبُّت المتصدر للفتوى من فهمه الكامل لما ذكره المختصتقرير المركز القومي للبحوث واضح لا يؤدي فهمه إلى أدنى لبس.
٧تصوير أو تكييف الواقعة بناءً على المعلومات المستفادة من المختص:الضرر متحقق في العلف المسئول عنه، فإن المادة المكونة للمنتَج حتى لو تعرضت إلى معاملات حرارية عالية الدرجة، فإنها -كما أفاد المختصون- لا يمكن أن تنقي الحيوانات الميتة من جميع المسببات المرضية، ولا تستطيع أن تنقيها من السموم التي تخلفها تلك الميكروبات فتنتقل إلى قطعان الدواجن مما يدمر صحتها وينعكس بالسلب على صحة المستهلك.
٨تنزيل الحكم على الواقعة وإصدار الفتوىلا يجوز استخدام هذا المسحوق علفًا للدواجن لما فيه من الضرر على المستهلك.

المعارف والتدريب اللازمان لاكتساب المهارة:

  1. الإلمام بالثقافة العلمية الحديثة التي تؤهله لأن يحدد التخصص المطلوب للرجوع لأهله.
  2. قبول الاستفسار والتعلم من الآخرين وعدم الاستنكاف من ذلك.
  3. القدرة على التواصل الفعال.
  4. القدرة على العمل المؤسسي.

المهارات المتعلقة:

  1. مهارة المشاورة في الفتوى.
  2. مهارة تصوير الفتوى.
  3. مهارة إدراك الواقع.
  4. مهارة البحث الإفتائي.
  5. مهارة التواصل الفعال.

1 إحياء علوم الدين، (١/ ١٦).

2 فتوى دار الإفتاء المصرية عن الطلب المقيد برقم ٨٠٤ لسنة ٢٠٠٩م.

مهارة البحث الإفتائي

٣

 

البحث العلمي بصفة عامة يعدُّ مهارةً تُكتسب بالدربة والتكرار، مع الاستعداد الفطري الذي يمتلكه الباحث. والبحث الإفتائي نوع من أنواع البحث العلمي، فهو مهارة تكتسب بالتدريب والمحاكاة، والتكرار.

والمُفتي بحاجة إلى البحث الدائم والتنقيب في بطون الكتب؛ لاستخراج ما فيها من درر ونفائس، واستلهام مناهج السابقين في معالجة واقعهم.

ويلزمه أن يتحلى بالصبر والأناة والتريث، في معالجة البحث وتقصي المعلومات وتتبعها من مظانها، والعناية بكل ما كتب عن موضوع بحثه سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وكل هذا يستلزم من الباحث أن يقضي وقتًا طويلًا في الاطلاع والقراءة، وتحصيل مهارات البحث الإفتائي.

وإذا لم يمتلك المفتي مهارة البحث الإفتائي فإنه سيضيع على نفسه الكثير من الوقت والجهد في سبيل الوصول إلى مبتغاه، وربما تعثر ولم يتمكن من الوصول بسبب تواضع إمكاناته البحثية.

أما من تزوَّد بمهارة البحث الإفتائي، واستجمع أدواتها، وتمرس في استخدامها، فإنه أقدر على الوصول إلى بغيته من أقصر طريق، وبالوسائل المناسبة التي تعينه على ذلك.

التعريف بالمهارة:

هي تمكن المتصدر للفتوى من أدوات البحث الإفتائي، بحيث يصبح قادرًا على البحث بمهارة وحرفية عالية تختصر له الوقت، وتوفر له الجهد، وتوصله إلى النتائج السليمة.

الأصل الشرعي للمهارة:

تنبني مهارة البحث الإفتائي على عدة قواعد فقهية مقررة وهي:

  1. وجوب الاجتهاد.
  2. ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
  3. إقرار النبي ﷺ قول الصحابي معاذ بن جبل : «أجتهد رأيي ولا آلو» أي: ولا أُقَصِّر؛ حيث إن عدم امتلاك الأدوات التي تعين على الوصول إلى الحكم الشرعي يعدُّ نوعًا من التقصير إذا كان الشخص قادرًا على تحصيلها ولم يفعل.

وقد تواردت الأدلة الشرعية على وجوب إعمال هذه القواعد الفقهية.

النطاق الفقهي للمهارة:

تدخل هذه المهارة في الإفتاء في المسائل التي هي محل النظر والبحث، وأهمها المسائل الداخلة في الأبواب الفقهية التالية:

  1. المستجدات والنوازل.
  2. مسائل الأقليات المسلمة في المجتمعات غير الإسلامية.
  3. التحقق من معتمدات المذاهب الفقهية.
  4. التحقق من نسبة قولٍ إلى قائله.

وليس من اللازم التحقق بهذه المهارة لمَن يُفتي في المسائل المستقرة التي لا تحتاج إلى بحث واجتهاد.

خطوات إعمال المهارة:

  1. تعيين المسألة.
  2. بحث المسألة في الكتب المعتمَدة، فإن كان المتصدر للفتوى يعتمد مذهبًا فقهيًّا واحدًا بحث المسألة في الكتب المعتمدة في هذا المذهب، وإن كان لا يعتمد مذهبًا معينًا بحث المسألة في الكتب المعتمَدة في المذاهب، بحيث يقف على كونها إجماعية أو خلافية ومجمل الأقوال فيها والقائل بكلٍّ إجمالًا.

ويكون البحث في كتب كل مذهب بتتبُّع مظان المسألة المحتملة بالنظر في الكتب الفقهية التي تتناول المسألة، والأبواب والفصول الفقهية المحتملة لموضوع المسألة، مع مراعاة ترتيب الأبواب والفصول في كل مذهب.

  1. الاستعانة بالموسوعات الفقهية الحديثة، بمراعاة: البحث الألفبائي، البحث الموضوعي، البحث بمادة الكلمة الأصلية، البحث بالكلمات المفتاحية ذات الصلة.
  2. التصور الكامل والتام للمسألة إذا كانت من المستجدات أو النوازل، وذلك بجمع المعلومات المتعلقة بموضوع النازلة؛ فيعرف حقيقتها وأقسامها ونشأتها وأسباب ظهورها؛ فالأمر يحتاج من المتصدر للإفتاء استقراءً نظريًّا وعمليًّا، وربما احتاج الأمر إلى معايشة أو عمل استبانة أو جولة ميدانية أو مقابلات شخصية حتى يتضح له ما كان غامضًا من أمر هذه النازلة، وعليه أن يحدد مجال الواقعة، وقد يحتاج إلى الاتصال بأهل التخصص في موضوع النازلة والرجوع إليهم والتثبُّت والاستزادة منهم؛ فيرجع إلى أهل الاختصاص العلمي فيما لو كانت النازلة لها علاقة ببعض العلوم الطبيعية أو التجريبية، وعندها لا بد من معرفة مصطلحات هذه العلوم مما له علاقة بموضوع بحث النازلة، ويَحسُن من الناظر أيضًا الرجوع إلى مبادئ تلك العلوم ومعرفة أساسياتها التي تُعينه على النظر الصحيح في النازلة؛ لا سيما النوازل الطبية والاقتصادية وغيرها من العلوم الحديثة، فهذا كله مما يدخل في التصور الكامل والتام للنازلة المستجَدة.
  3. مراجعة الكتابات المعاصرة حول المسألة والاستفادة منها، لأنها قد توفر على المفتي عناء البحث، لا سيما إذا كانت صادرة عن أحد أصحاب الشأن الإفتائي المعتبرين في البيئة العلمية، ويكون البحث فيها من خلال النظر في: الفهارس، والتقسيمات الموضوعية للكتاب، وقواعد البيانات الإلكترونية المختصة.
  4. استحضار القرارات والفتاوى الصادرة في الموضوع من قِبل المجامع الفقهية المعاصرة، ومؤسسات الإفتاء الجماعي، والقوانين المعمول بها في الدولة، فهذا من شأنه أن يعين الباحث وينير له الطريق.
  5. عرض نتائج البحث في صياغة علمية دقيقة. (ينظر مهارة الفتوى المكتوبة).

المثال التطبيقي:

المثال: حكم الفوركس

السؤال: عن بيان الحكم الشرعي في معاملة مستحدثة تتعلق بمبادلة العملات الأجنبية في عدد من الأسواق العالمية؛ حيث يدفع العميل مبلغًا من العملات الأجنبية يقوم بإيداعه لوسيط، هو شركة سمسرة أو بنك أو غير ذلك، ويقوم الوسيط في المقابل بإضافة مبلغ من العملات لرفع مقدار ذلك الرصيد المُودَع في حسابه؛ وذلك لتعظيم القدر المالي الذي يدفعه المتعامل لزيادة نسبة المتاجرة في صفقات التبادل، وقد يصل المقدار الذي يضعه الوسيط في حساب العميل من خمسين ضعفًا إلى خمسمائة ضعف مما أودعه المستثمر في حساب هذه الصفقة، ويقوم الوسيط بمبادلتها بعملات أخرى لصالح هذا العميل.

وقد اصطلح على تسمية هذه المعاملة اختصارًا بــ(الفوركس FOREX).

الجواب

كلمة الفوركس FOREX هي اختصار لكلمتَي Foreign Exchange ومعناهما: صرف العملات الأجنبية.

والصورة الغالبة على هذه المعاملة: أنها تتم من خلال ما يعرف بـالهامش -المارجن Margin-.

ويُقصَد بهذه الصورة: أن يدفع العميل مبلغًا من العملات الأجنبية يقوم بإيداعه لدى الوسيط في حساب الصفقة التي يريد إتمامها، ويقوم الوسيط في المقابل بإضافة مبلغ من العملات لرفع مقدار ذلك الرصيد المُودَع في حسابه، وقد يصل المقدار الذي يضعه الوسيط في حساب المستثمر في هذه الصفقة من خمسين ضعفًا إلى خمسمائة ضعف مما أودعه المستثمر في حساب هذه الصفقة؛ ولذلك يُسمَّى الهامش.

والغرض من المعاملة بالهامش: منع إجمالي حساب المستثمر من السقوط إلى ميزان سلبي في سوق سريعة شديدة التقلب.

والفوركس FOREX منتج اقتصادي مالي ابتكره سماسرة العملات الأجنبية لجذب الأفراد الراغبين في استثمار أموالهم وتحقيق أرباح عالية إلى ممارسة الاتجار في العملات النقدية الدولية؛ حيث تتم المضاربة عن طريق شراء وبيع العملات الأساسية التي تحوز على الحصة الأساسية من العمليات في سوق صرف العملات الأجنبية Foreign Exchange Market، وهي عملات: الدولار الأمريكي (USD) (العملة الأساسية)، واليورو (EUR)، والجنيه الإسترليني (GBP)، والفرنك السويسري (CHF)، والين الياباني (JPY).

وتُستَخدَمُ في هذه المعاملة نظم إلكترونية رقمية حديثة تُوظَّف من خلال شبكة الاتصالات والمعلومات العالمية (الإنترنت)، في سوق مفتوحة طوال ساعات اليوم.

وتتم عمليات صرف العملات الأجنبية في هذه السوق من خلال ما يعرف بـأزواج العملات وذلك في مقابل الدولار الأمريكي أو أية عملة مقابل عملة أخرى في القيمة، ويُحدَّدُ سعرُ تحويل العملة المعينة بالنسبة لعملة أخرى من خلال آلية العرض والطلب للتحويل الذي لا بدَّ فيه من موافقة الطرفين على السعر وإتمام عملية التحويل.

وسوق صرف العملات الأجنبية هو سوق افتراضي؛ حيث تتم الصفقات فيه عن طريق الاتصال الهاتفي والإنترنت في وقت واحد بين مئات البنوك حول العالم بمئات الملايين من الدولارات تُباع وتُشتَرَى كل بضع ثوانٍ.

ويتنوع المتعاملون في سوق صرف العملات الدولية: بين البنوك المركزية، والبنوك، وسماسرة النقد الأجنبي، والأفراد، والشركات.

وقد قابَلَتْ أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية عددًا من الخبراء الذين يمثلون أهم نوعين من هؤلاء الممارسين لهذه المعاملة؛ فقابلت: خبراء يمثلون البنوك، وخبراء يمثلون شركات السمسرة… كما لم يَفُتْ أمانةَ الفتوى بدار الإفتاء المصرية الاستعانةُ بالخبراء من علماء الاقتصاد؛ حيث قابلتهم الأمانة.

أما تكييف معاملة الفوركس فيتوقف على معرفة أركانها وعلاقاتها التعاقدية ومحل التعاقد فيها؛ فأطراف معاملة الفوركس هم: المستثمر (وهو العميل)، والقائم بأعمال الوساطة لصالح المستثمر (وهو السمسار أو البنك)، والبائع، وفي حالة وجود (المارجن) يضاف إليهم: المموِّل وهو دافع الرافعة للمستثمر (وهو في الغالب البنك الذي يتعامل معه السمسار، وقد يكون السمسارَ نفسَه).

وتحليل معاملة الفوركس يُظهِرُ أنها تشتمل على عدة عمليات:

  • العملية الأولى: عملية مضاربة بين العميل من جهة والسمسار (شركةً كان أو بنكًا) من جهة أخرى؛ حيث يقوم السمسار بالمضاربة بأموال العميل لحسابه، على أن يدفع العميل له عوضًا مقابل عمله.
  • العملية الثانية:عملية تمويل؛ حيث يقوم السمسار بجلب التمويل المالي وهو المارجن أو الرافعة المالية.
  • العملية الثالثة:عملية توثيق لحق المموِّل (وهو في الغالب البنك الذي يتعامل معه السمسار)؛ حيث يستوثق البنك أو السمسار لحقه على العميل بما يلي:
  • حساب الهامش وهو المال المقدم من العميل للمضاربة.
  • المال المموَّل به عمليةُ المضاربة من قِبل البنك أو السمسار للعميل.
  • العملات المشتراة بمجموع حساب الهامش والمال المموَّل به.
  • العملية الرابعة: عملية مبادلة العملات عن طريق المضاربة من قِبل السمسار في أموال العميل لحسابه؛ حيث يقوم السمسار بمبادلة أموال العميل من حساب الهامش والرافعة المالية في سوق العملات الأجنبية.

وتكييف هذه المعاملة بإجراءاتها المختلفة له اتجاهان في الفقه المعاصر كشأن مثيلاتها من المعاملات المستحدثة: اتجاه يرى هذه المعاملة عبارة عن عمليات بسيطة متتابعة، واتجاه آخر يراها مركبة.

والتحقيق: أن معاملة الفوركس مركبة من أربعة عقود، وهي: عقدان جديدان: أحدهما من عقود السمسرة، وثانيهما من عقود التمويل، وعقدان قديمان من العقود المسماة في الفقه الموروث هما: رهن وبيع، وهذا العقد بهذا التركيب من العقود المستحدثة التي لم يرد ذكرها في الفقه الموروث.

وكما أن الأصل في العقود المالية البسيطة الإباحة: فكذلك الأصل في العقود المركبة الإباحة أيضًا؛ لأن الحكم في العقود مجتمعةً كالحكم فيها منفردةً، وعلى ذلك تواردت نصوص الفقهاء:

قال الإمام الكاساني الحنفي(1) : «لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ التَّمْلِيكِ وَالتَّمْكِينِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَائِزٌ حَالَ الِانْفِرَادِ، كَذَا حَالَ الِاجْتِمَاعِ» اهـ.

وقال أيضًا(2): «وَلِأَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى أَمْرَيْنِ جَائِزَيْنِ، وَهُمَا: الْوَكَالَةُ وَالْكَفَالَةُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا جَائِزَةٌ حَالَ الِانْفِرَادِ، وَكَذَا حَالَةَ الِاجْتِمَاعِ» اهـ.

وقال العلامة الزيلعي الحنفي(3) : «وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَتَضَمَّنُ أُمُورًا جَائِزَةً عِنْدَ الِانْفِرَادِ وَهِيَ تَبَرُّعُ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ بِالِالْتِزَامِ فِي ذِمَّتِهِ وَالْإِيفَاءِ وَتَوْكِيلِ الْمُحْتَالِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ أَوِ الْعَيْنِ مِنَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَأَمْرِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِتَسْلِيمِ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْعَيْنِ أَوِ الدَّيْنِ إلَى الْمُحْتَالِ، فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ» اهـ.

وقال الإمام الماوردي الشافعي (4): «وَقَدِ اخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْعَقْدِ الْوَاحِدِ إِذَا جَمَعَ شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي الْحُكْمِ كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ أَوْ بَيْعٍ وَصَرْفٍ، فَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ جَائِزٌ فِيهِمَا جَمِيعًا لِجَوَازِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ فَجَازَ مَعَ الِاجْتِمَاعِ» اهـ.

وقال العلامة البهوتي الحنبلي (5): «لِأَنَّهَا جَمَعَتْ تَعْلِيقًا وَتَوْقِيتًا، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ مَعَ الِانْفِرَادِ فَكَذَا مَعَ الِاجْتِمَاعِ» اهـ.

فهناك من يرى على هذا التأصيل أن عقد معاملة الفوركس -مِن حيث كونُه عقدًا مركبًا من عقود جائزة- عقد جائز بناءً على أن ما جاز بسيطًا جاز تركيبًا. وليس الأمر كذلك؛ فإن هذا الاجتماع يشتمل على الغرر والضرر، ويَتَمَحَّضُ الأمر فيه لمصلحة البنك أو السمسار لا مصلحة العميل.

والناظر في تصرفات الفقهاء في العقود المركبة يرى أنهم استنبطوا من خلال استقراء الأدلة جملة من الضوابط الحاكمة لاجتماع العقود وتركيبها، ويمكن إجمالها فيما يلي:

أولًا: ألا يكون اجتماع العقدين يؤول إلى محلٍّ منهيٍّ عنه: ويُقصَدُ بهذا الضابط: أنه يُشترَط في بقاء المعاملة أو النشاط الذي اجتمع فيه عقدان ألا يؤدي هذا الاجتماع إلى وقوع محظور نهى الشارع عنه؛ كالوقوع في بيع وسلف المنهي عنه في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص  (6)، ونهيه صلى الله عليه وآله وسلم في حديث أبي هريرة  عن بيعتين في بيعة(7).

ثانيًا: ألا يكون العقدان متضادين: ويقصد بذلك الضابط ألا يقع باجتماع العقدين الدخول في معاملة أو نشاط يجتمع فيه أحكام متناقضة ومتنافية لا يمكن معها الجمعُ بينهما، ومن ثمَّ لا يجوز اجتماعهما في عقد واحد: قال الإمام القرافيُّ المالكي في «الفروق»(8): «العقود أسبابٌ؛ لاشتمالها على تحصيل حكمتها في مسبباتها بطريقة المناسبة، والشيء الواحد بالاعتبار الواحد لا يناسب المتضادين، فكل عقدين بينهما تضاد لا يجمعهما عقد واحد» اهـ.

ثالثًا: ألا يكون اجتماع العقدين وسيلة لمحرم.

ومعاملة الفوركس المركبة من العقود الأربعة السابق ذكرها قد خالفت ضابطين من هذه الضوابط؛ حيث جاءت هذه المعاملة مشتملةً على بيع ورهن تواردا على محل واحد، مع كون المرهون ليس له وجود حقيقيٌّ معتبرٌ حالَ الرهن؛ فإن (المارجن) مالٌ افتراضيٌّ لا يحوزه العميل على الحقيقة ولا يُضاف إلى حسابه، وبهذا صارت الرافعة والعملات التي تتم مبادلتها في ذمة العميل ولا محل لها عند التعاقد، فصارت كالسلف؛ إذ قد تقرر أن الرهن في معنى السلف إذا لم يصادف محلًّا؛ قال الإمام أبو الوليد الباجي المالكي(9) : «بقاء الرهن -بعد محله- رهنًا: كالسلف» اهـ.

وعليه: فالفوركس مشتملة على صورة مركَّبة منهي شرعًا عن اجتماع أفرادها. ثم إنها مشتملة أيضًا على الجمع بين عقدي البيع والسمسرة الذي هو في معنى القراض (المضاربة)، وقد منع المالكية كما ذكرنا من الجمع بينهما.

وهذا كله يتجه البحثُ فيه على قول من يمنع إحداث عقود جديدة؛ بسيطة أو مركبة، من غير الفقه الموروث، ويلتزم بالعقود المسمَّاة في الفقه الموروث، والتحقيق الذي عليه العمل والفتوى: جواز ذلك، بشرط الخلو من الغرر والضرر.

والحق أن معاملة الفوركس على كلا الرأيين حرام شرعًا، ويجب منعها: أما على القول بضرورة الالتزام بالعقود المسمَّاة وعدم جواز إحداث عقود جديدة: فإن معاملة الفوركس قد أصابها الخلل الذي يمنع من تركيب العقود من جهات أخرى.

وأما على ما عليه التحقيق من جواز إحداث عقود جديدة من غير المسمَّاة في الفقه الموروث: فإن ذلك الجواز مشروط بخلو العقود المستحدثة من الغرر والضرر، وهذه المعاملة قد تحقق فيها الغرر والضرر في أشد صورهما:

أما الغرر: فقد اتفق الاقتصاديون وخبراء المال على أن معاملة الفوركس قد حوت أكبر قدر من الغرر في العقود المالية الحديثة على الإطلاق، وأنها أصبحت بذلك أشبه بالمقامرة التي تؤدي إلى الخراب المالي على مستوى الأفراد والجماعات والمؤسسات؛ لِمَا تحويه من المخاطرة الكبيرة التي تشتمل عليها هذه المعاملة في أصلها؛ حيث تعدُّ أشدَّ المعاملات في الأسواق المالية خطورة، وتزداد احتمالات الخطورة ضراوة عند ممارسة هذه المعاملة مع الرافعة المالية؛ بحيث تصبح ضربًا من المجازفة التي لا يستطيع معها أحد توقع حجم الخسائر التي تلحق بالعميل.

وأما الضرر: فلما اشتملت عليه هذه المعاملة من ضرر بالغ يتمثل في إذعان العميل بتحمله الكامل لنتائج هذه المعاملة الشديدة المخاطرة دون أدنى مسؤولية على البنك أو السمسار.

وقد ذهب لمنع التعامل في الفوركس بعض المؤسسات الفقهية؛ كمجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة، ولذا نرى تحريم معاملة الفوركس والمنع من الاشتراك فيها؛ لِمَا تشتمل عليه ممارستها من مخاطر على العملاء والدول.

كيفية تطبيق الخطوات الإجرائية على هذا المثال:

مالخطــــــواتالتطبيــــق
١تعيين المسألةصرف العملات الأجنبية «الفوركس».
٢بحث المسألة في الكتب المعتمَدةاعتمدت الفتوى في بحثها على الكتب المعتمدة في المذاهب الفقهية ونقلت منها كما جاء ذلك في كلامها على حكم العقود المركبة، وكما أن الأصل في العقود المالية البسيطة الإباحة، فكذلك الأصل في العقود المركبة الإباحة أيضًا؛ لأن الحكم في العقود مجتمعةً كالحكم فيها منفردةً، وعلى ذلك تواردت نصوص الفقهاء، وأوردت الفتوى نصوصًا للإمام الكاساني والزيلعي الحنفيين والماوردي الشافعي والبهوتي الحنبلي.
٣التصور الكامل والتام للمسألة إذا كانت من المستجدات أو النوازلالمسألة من المستجدات، وقد قامت دار الإفتاء بجمع المعلومات الكافية لتصوير المعاملة تصويرًا دقيقًا وذلك من خلال الاستعانة بأهل الخبرة من أطراف المعاملة «فقد قابَلَتْ أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية عددًا من الخبراء الذين يمثلون أهم نوعين من هؤلاء الممارسين لهذه المعاملة؛ فقابلت: خبراء يمثلون البنوك، وخبراء يمثلون شركات السمسرة … كما لم يَفُتْ أمانةَ الفتوى بدار الإفتاء المصرية الاستعانةُ بالخبراء من علماء الاقتصاد؛ حيث قابلتهم الأمانة».
٤استحضار القرارات والفتاوى الصادرة في الموضوع من قِبل المجامع الفقهية المعاصرة، ومؤسسات الإفتاء الجماعي، والقوانين المعمول بها في الدولة.أشارت الفتوى إلى رأي مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة، والذي يمنع هذه المعاملة.
٥عرض نتائج البحث في صياغة علمية دقيقة:بعد أن فصلت الفتوى القول في تصوير وتكييف معاملة الفوركس وبينت طرق العلماء في تكييفها، ذكرت في نقاط محددة المحاذير الشرعية التي تشتمل عليها المعاملة، ثم عرضت ما انتهت إليه بقولها: «ولذا نرى تحريم معاملة الفوركس والمنع من الاشتراك فيها؛ لِمَا تشتمل عليه ممارستها من مخاطر على العملاء والدول».

المعارف والتدريب اللازمان لاكتساب المهارة:

  1. المعرفة التامة بمصادر مختلَف المذاهب الفقهية ومصطلحات مؤلفيها.
  2. المعرفة التامة بمصادر معتمدات المذاهب.
  3. مهارة البحث في المطبوعات الفقهية والموسوعات الإلكترونية.
  4. مهارة البحث عبر شبكة المعلومات الدولية.
  5. مهارة الوصول إلى المصادر والمراجع المعتمدة في العلوم ذات الصلة بالمسائل المُسْتَفْتَى فيها.
  6. إتقان مناهج وأساليب البحث الإفتائي.

كما يتطلب اكتساب هذه المهارة حضور الدورات التدريبية التالية:

  1. دورة تدريبية في كيفية استخدام برنامج (Microsoft word).
  2. دورة تدريبية في كيفية الاستفادة من المواقع الإلكترونية، والموسوعات الحديثة.

المهارات المتعلقة:

  1. مهارة القدرة على استخدام المخارج الفقهية.
  2. مهارة المشاورة في الفتوى.
  3. مهارة الفتوى المكتوبة.

1 بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، ٥/ ١٠٣.

2 بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٦/ ٥٨).

3 تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق ، ٤/ ١٧٤.

4 الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي، ٥/ ٣٢٠.

5 كشاف القناع عن متن الإقناع، ٣/ ٣٧٧.

6 أخرجه الترمذي، (١٢٣٤)، والنسائي، (٤٦٣١).

7 أخرجه الترمذي، (١٢٣١)، والنسائي، (٤٦٣٢).

8 الفروق (٣/ ١٤٢).

9 المنتقى شرح الموطأ، ٥/ ٢٥١.

مهارة التأهل للاجتهاد الجزئي

٤

 

قضية أن يتخصص فقيه بباب معين من الفقه بحيث يبلغ درجة الاجتهاد فيه دون سائر أبوابه ومسائله وهو ما يعرف بـ«الاجتهاد الجزئي» قد اختلف العلماء فيه على ثلاثة أقوال:

  • الأول: وهو رأي جمهور أهل العلم، ويرى جواز تجزئة الاجتهاد مطلقا.
  • والثاني: منعه وعدم جواز هذا النوع من الاجتهاد.
  • والثالث: التفصيل في المسألة، وهو على قولين:

أحدهما: أنه يجوز الاجتهاد في باب من أبواب العلم ولا يجوز هذا في مسألة من مسائل العلم.

وثانيهما: أنه يجوز في الفرائض خاصة دون غيرها.

والأصح والمختار عند جماهير أهل العلم القول الأول؛ أنه يجوز تجزؤ الاجتهاد من غير تفصيل بين باب وغيره.

وهو -على الرغم من اختلاف العلماء فيه- الواقع بالفعل فكثيرًا ما نجد في تراجم الفقهاء من يكون عالمًا بالفرائض ويشتهر به دون سائر أبواب الفقه ومنهم على سبيل المثال: العلامة عبد الله بن إبراهيم الخبري الفرضي المتوفى سنة (٤٧٦هـ) يقول ابن الجوزي في «المنتظم»(1): «وكانت له معرفة تامة بالفرائض، وله فيها تصنيف»، يقصد كتاب التلخيص في علم الفرائض، وقال عنه الإسنوي في «طبقات الشافعية»(2): «وبرع في الفرائض والحساب وله فيهما مصنفات حسنة».

وأيضًا الشيخ محمد بن علي بن الحسن أحمد بن علي بن الشهرزوري أبو المظفر الفرضي المتوفي سنة (٥٥٥هـ) قال التاج السبكي في «طبقات الشافعية الكبرى»(3): «شيخ فاضل ثقة دَيِّن خَيِّر له معرفة تامة بالفرائض والحساب، وكان له دكان في سوق الريحانيين يبيع فيه العطر والأدوية وكان الفقهاء يقرؤون عليه الفرائض في دكانه».

وأيضًا الشيخ محمد بن محمد بن علي السّلمي الفرضي كانت له معرفة تامة بالفرائض وأيَّام الناس قال في «الجوهر المنضد»: «أخذ عنه جماعة من الأكابر الفرائض»(4).

كما أن هناك من له علم خاص بأحكام القضاء ولا يتعداها لغيرها، فعلى سبيل المثال العلامة حسن بن علي الخيري المالكي المتوفي سنة (١٢٨٠هـ) قال في «شجرة النور الزكية»(5): «كان من أعلام العلماء متضلعًا في المعقول والمنقول مُتَفَنِّنًا غير أنه قليل البضاعة في الفقه، ولما أسندت إليه خطط شرعية اعتنى به حتى صارت له معرفة تامة بالنوازل والأحكام ونسخ كثيرًا من الكتب المؤلفة في ذلك بخط يده مع تقارير منه عليها».

وفي عصرنا الحاضر بعد أن أصبحت الرسائل العلمية للحصول على الدرجات العلمية (الماجستير والدكتوراه) تتخصص في مواضيع معينة من أبواب الفقه الإسلامي نستطيع القول إن أصحابها تحصل لهم فيها ملكة الاجتهاد الجزئي غالبًا.

التعريف بالمهارة:

هي إحاطة المتصدر للفتوى بباب خاص من أبواب الفقه بحيث يتمكن من استخراج الأحكام الشرعية للنوازل الجديدة فيه.

الأصل الشرعي للمهارة:

يستدل لجواز تجزؤ الاجتهاد بأنه لو لم يتجزأ لزم أن يكون المجتهد عالمًا بجميع الجزئيات وهو محال، إذ جميعها لا يحيط بها بشر، وقد سئل كل واحد من الأئمة الأربعة وغيرهم عن مسائل فأجاب بأنه لا يدري، ويستأنس أيضًا بما رواه الترمذي: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: ((أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي دِينِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَقْضَاهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ))(6).

قال إمام الحرمين في «البرهان»(7): «قال الشافعي  قول زيد في الفرائض أرجح من قول معاذ وإن قال رسول الله ﷺ: ((أعرفكم بالحلال والحرام معاذ)) وذلك أن شهادة الرسول ﷺ لزيد أخص في الفرائض وأدل على اختصاصه بمزية الدرك فيها، وكذلك مذهبه مع انضمام قياس أرجح من مذهب علي  وإن قال الرسول ﷺ: ((أقضاكم علي))، وهذا أوضح وأبين مما قدمناه في معاذ فإن شهادة الشارع له بمزية النظر في القضاء تشير إلى التفطن لقطع الشجار وفصل الخصومة والتَّهدِّي إلى تمييز المبطل عن المحق والشهادة بمزية العلم في الحلال والحرام أوقع في مظان الاجتهاد والشهادة بمزية العلم في الفرائض أخص من الجميع فهذه إذا ثلاث مراتب».

رُتبة المتصدر للفتوى:

من اللازم تحقُّق هذه المهارة لأمناء الفتوى الذين يتخصصون في أبواب معينة في الفتوى لا يتعدونها كمن تخصصهم المؤسسات للفتوى في الميراث فقط، أو الطلاق فقط أو المناسك إلى غير ذلك من الأبواب، كما أنه من اللازم تحققها أيضًا للباحثين الشرعيين الذين تخصصهم المؤسسة لبحث المسائل الجديدة وفق أبواب معينة.

خطوات إعمال المهارة:

المتصدِّر للفتوى إذا أراد أن يتخصص في باب فقهي، أو في موضوع معين يجمع مسائله من سائر الأبواب -بعد أن يحصل القدر اللازم من العلوم المساعدة كالأصول واللغة- عليه مراعاة ما يلي:

  1. تعيين موضوع التخصص مراعيًا:
    • ميله تجاه هذا الموضوع.
    • تفوقه فيه أثناء دراسته.
    • خبرته العملية به.
    • إرشاد أساتذته إليه.
  2. تحديد نوع الموضوع (مذهبي/ مقارن).
  3. الإحاطة بالموضوع من خلال:
    • الدراسات الجادة والمتخصصة فيه.
    • جمع مظنته من الكتب الفقهية (مذهبية/ مقارنة).
    • جمع الأدلة المتعلقة من مظنتها.
    • مراجعة الأساتذة المتخصصين.
  4. عند إرادة التصنيف فيه، أو الحصول به على درجة علمية فيضاف إلى ما سبق:

أ- إعداد خطة محكمة للموضوع مقسمة إلى:

  • مقدمة.
  • أبواب رئيسية.
  • تقسيم الأبواب إلى فصول حسب الحاجة.
  • خاتمة.

ب- حصر مظان الموضوع من الكتب المتعلقة به ويقسمها إلى:

  • مصادر أصلية.
  • مصادر ثانوية.
  • مراجع.

ت- جمع المادة العلمية من المظان المذكورة من خلال:

  • القراءة المستوعبة.
  • تسجيل الاقتباسات.
  • تتبع الأقوال بكل دقة في المسائل المعروضة.

ث- تحقيق المادة العلمية وذلك بـ:

  • تحرير محل النزاع.
  • حصر أدلة الأقوال.
  • التحقق من الأدلة قوة وضعفًا.
  • المناقشة والترجيح وفق قواعد الاستنباط.

ج- ترتيب المادة العلمية السابقة وفق الخطة المعدة.

ح- استخلاص النتائج بكل دقة.

المثال التطبيقي:

المثال: كتاب (أحكام الأخرس في الفقه الإسلامي دراسة فقهية مقارنة)تأليف: ليلى عبد الله محمد والكتاب في الأصل رسالة مقدمة لنيل درجة التخصص «الماجستير» من جامعة الأزهر الشريف (كلية الدراسات الإسلامية والعربية) وقد نوقشت الرسالة في ١٨ مارس سنة ١٩٩٦م وتقرر منحها درجة التخصص في الفقه المقارن بدرجة امتياز.

ونقتطف من مقدمة الدراسة ما يوضح أهمية الدراسة ومنهجها تقول الباحثة:

«إن غاية الغايات التي ينشدها كل باحث، ويعمل على تحقيقها والوصول إليها أن يقدم للناس ما ينتفعون به في دنياهم وأخراهم، وأصدق الأحاديث ما عبر عن الواقع العملي في الحياة، وأنفع المواضيع ما تناول موضوعًا عامًّا يتصل بأفراد المجتمع كموضوع الخرس الذي أولته المنظمات الدولية ومؤسساتها عناية خاصة في سبيل تحسين أوضاع الأخرس والحصول على حقوقه… والفقه الإسلامي قد عالج بتفصيل وافٍ كل الجوانب المتعلقة بالأخرس قلَّ أن نجد لها نظيرًا في الشرائع الأخرى حيث لم تفطن هذه الشرائع إلا في العصور المتأخرة فأخذت بتنظيم بعض الأحكام المتعلقة بالأخرس وهي متأثرة بالشريعة الإسلامية الغراء بلا شك، والإسلام ينظر إلى الأخرس وإلى كل أصحاب العاهات على أنهم بشر لا فرق بينهم وبين غيرهم، ولا ينبغي التمييز بين الناس بسبب عجز أو عاهة، اللهم إلا ما تقتضيه طبيعة بعض المعاملات التي قد لا يستطيع الأخرس ومن في حكمه القيام بها بمفرده… ولما كان اللسان له أهمية في حياة الإنسان، والأخرس مسلوب منها فقد تطلب ذلك بيان ما يتعلق به من أحكام شرعية من حيث إسلامه وطلاقه ومعاملاته وغيرها، وإحساسًا مني بأهمية الموضوع رأيت أن يكون موضوع رسالتي للحصول على درجة التخصص (الماجستير) هو:

(أحكام الأخرس في الفقه الإسلامي)

… فإن هذا الموضوع متشعب الأطراف متعدد الجوانب يتصل من الفقه بكل باب، ولذا حرصت أن تكون قراءتي مستوعبة لكل أبواب الفقه وفصوله ومسائله، وكذلك حرصت أن يكون اطلاعي على كتب المذاهب المختلفة حتى تكون الدراسة مستوعبة كل الاتجاهات، ولم أجد السبيل أمامي ممهدًا؛ لأنه لم يسلكه قبلي -على ما أعلم- أحد من الباحثين، ولقد عانيت كثيرًا في هذا البحث فكنت أراجع البحث مرارًا وتكرارًا لعلي أجد ما يكمل الناقص، ولذا كان منهجي الذي سرت عليه في معالجة موضوع البحث هو أنني أعرض في كل مسألة آراء الفقهاء ومذاهبهم وأذكر أدلة كل فريق وبيان وجه الدلالة من هذه الأدلة، والاعتراضات التي وردت عليها وما أجيب به عليها، ثم بيان الرأي الراجح أو الخلاصة، وقد بحثت عن أدلة المذاهب وعرضتها واكتفيت في بعض المسائل بعرض آراء الفقهاء ونصوصهم دون ذكر أدلة لأنني لم أعثر على أدلة يمكن الاستدلال بها. وقد رجعت للوقوف على رأي كل مذهب من كتبه المعتمدة الموثوق بها، واستعنت بكتب الفقه المقارن الشاملة لجميع أبواب الفقه، ورجعت إلى أمهات كتب التفسير وشروح كتب الحديث الشريف، وكذلك كتب أصول الفقه، ولم أدخر جهدًا في الرجوع إلى كتب المصطلحات الفقهية وكذلك اللغة إذا لزم الأمر لبيان مصطلح من المصطلحات أو شرح كلمة غريبة، وخرجت الأحاديث الواردة في الرسالة من كتب السنة المعتمدة، واستكمالًا للبحث قمت بترجمة للأعلام مع تحاشي التطويل إذ القصد إعطاء القارئ صورة عن شخصية المترجم له ومكانته، وقد اقتضت طبيعة البحث أن أقسمه إلى مقدمة وتمهيد وخمسة أبواب وخاتمة». (ص ٩: ١٨)

كيفية تطبيق الخطوات الإجرائية على هذا المثال:

مالخطــــــواتالتطبيــــق
١تعيين موضوع التخصصأحكام الأخرس في الفقه الإسلامي.
٢تحديد نوع الموضوع (مذهبي/ مقارن):دراسة مقارنة على المذاهب الثمانية.
٣الإحاطة بالموضوع:هذه هي أول دراسة مفردة لأحكام الأخرس فلم تسبق بدراسة مستقلة، ولذلك لم ترجع الباحثة إلى دراسات متخصصة في هذا الموضوع.
وفي سبيل الإحاطة بهذا الموضوع رجعت الباحثة إلى الكتب الموثوق بها في كل مذهب من المذاهب الثمانية لحصر المسائل المتعلقة بالأخرس في كل الأبواب الفقهية..
وفي سبيل جمع الأدلة المتعلقة بمسائل هذا الموضوع وحصرها رجعت الباحثة إلى كتب التفسير والحديث الشريف وشروحه.
٤التصنيف في الموضوع أو الحصول به على درجة علمية:تم إعداد خطة تشتمل على مقدمة وتمهيد وخمسة أبواب وخاتمة وتفصيلها على النحو التالي:

– التمهيد يشتمل على عدة عناصر أهمها عناية الإسلام بالضعفاء بما فيهم الأخرس، تعريف الخرس لغة واصطلاحًا وبيان أنواعه، حقوق الأخرس الأساسية في الشريعة.

– الباب الأول: أحكام الأخرس في المسائل الاعتقادية ومسائل العبادات، وفيه فصلان.

– الباب الثاني: أحكام الأخرس في مسائل المعاملات، وفيه فصلان.

– الباب الثالث: أحكام الأخرس في مسائل الأحوال الشخصية، وفيه أربعة فصول.

– الباب الرابع: أحكام الأخرس في مسائل الجنايات والحدود، وفيه أربعة فصول.

– الباب الخامس: إسناد الولايات والمناصب الهامة إلى الأخرس، وفيه فصلان.

ولحصر مظان الموضوع من الكتب المتعلقة به رجعت الباحثة إلى كتب المذاهب المختلفة (المذاهب الثمانية) وجمعت مسائل الأخرس من جميع الأبواب في العبادات والمعاملات والأحوال الشخصية والجنايات، كما تم الرجوع إلى المراجع العامة من كتب التفسير والحديث واللغة وأصول الفقه وعلم الكلام وكتب التراجم وطبقات الفقهاء.
كما تم الجمع للمادة العلمية من المصادر والمراجع المختلفة التي اقتضتها طبيعة البحث، وقراءتها لاستخراج الاقتباسات والنقول، وحرصت الباحثة أن يكون اطلاعها على كتب المذاهب المختلفة مستوعبة كل الاتجاهات.
وحققت الباحثة المادة العلمية بأن عرضت آراء الفقهاء ومذاهبهم في كل مسألة مع ذكر أدلة كل فريق مع بيان وجه الدلالة من هذه الأدلة، وذكرت الاعتراضات التي وردت عليها وما أجيب به عليها، ثم بيان الرأي الراجح أو الخلاصة، وفي بعض المسائل اكتفت الباحثة بعرض آراء الفقهاء ونصوصهم دون ذكر الأدلة لأنها لم تعثر على أدلة يمكن الاستدلال بها.
كما رتبت الباحثة المادة العلمية على وفق الخطة المعدة سلفًا.
واستخلصت الباحثة النتائج فيما ذكرته من قضايا ومسائل بترجيح الرأي المختار مع بيان سبب ترجيحه.

المعارف والتدريب اللازمان لاكتساب المهارة:

  1. تحصيل القدر اللازم من العلوم المساعدة من علوم القرآن والسنة المشرفة وعلوم اللغة وخاصة علم أصول الفقه.
  2. الإحاطة بالمقاصد العامة للشريعة الإسلامية.
  3. الذكاء الفطري والاستعداد النفسي للاجتهاد؛ بأن تكون له عقلية فقهية مرتبة، وحسن تصور للمسائل، ولطف إدراك، وقريحة وقادة؛ فبغير هذا الاستعداد لن يبلغ هذه المرتبة.

المهارات المتعلقة:

  1. مهارة الاختيار الفقهي.
  2. مهارة التخريج الفقهي.
  3. مهارة الاستعانة بأهل الخبرة.

1 المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، ابن الجوزي (١٧/ ٣٤).

2 طبقات الشافعية، الإسنوي (١/ ٢٢٥).

3 طبقات الشافعية الكبرى، (٦/ ١٥٠).

4 الجوهر المنضد في طبقات متأخري أصحاب أحمد، ابن المبرد الحنبلي (ص١٥٨).

5 شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، (١/ ٥٥٨).

6 أخرجه الترمذي، (٣٧٩٠).

7 البرهان في أصول الفقه، الجويني (٢/ ٢٤١).

مهارة التواصل الفعال

٥

 

كما أن الفتوى -في حد ذاتها- لها شروط وآداب ومهارات؛ فكذلك إيصال تلك الفتوى عبر الوسائل المختلفة له آدابه ومهاراته، فصنعة إيصال الفتوى بالطرق والوسائل المناسبة لا تقل في أهميتها عن صنعة الفتوى نفسها، وقد كان النبي ﷺ يتفنن في إيصال الأحكام الشرعية إلى مستفتيه بأحسن الصور وأفضل الأساليب كما نرى ذلك في سنته ﷺ.

إن الاستقبال الجيد للمستفتي مهارة، والإنصات له مهارة، والقدرة على محاورته ومناقشته واستيعاب مجادلاته مهارة، وتهيئته لتقبُّل الحكم الشرعي مهارة، وهكذا سنجد أن العملية الإفتائية ليست مجرد الإبلاغ بحكم شرعي، بل إن طرق وأساليب إبلاغ الحكم الشرعي لها أصولها وضوابطها ومهاراتها التي ينبغي على كل مَنْ تصدَّر للفتوى أن يكون ملمًّا بها ومستوعبًا لها نظريًّا وعمليًّا؛ لذا فقد كانت المسؤولية على المؤسسات الإفتائية أن تضطلع بهذا الدور المهم، حيث يقع عليها عبء إعداد الكوادر الذين سيتصدرون للفتوى، فتقوم بإعداد البرامج النظرية والتدريبية العملية لتنمية مهاراتهم وملكاتهم للقيام بهذه المهمة العظيمة.

وقبل أن نُنْهِي الكلام حول هذا الأمر لا بد أن نشير إلى أن علماءنا قد تنبهوا لأهمية الاعتناء بهذه القضية، فتناولوا في كتبهم المتعلقة بالإفتاء بعض الأصول والمهارات المتعلقة بالوسائل الإفتائية المختلفة كالفتوى الشفوية أو الفتوى المكتوبة، يقول ابن حمدان: «فإن كان المستفتي بعيد الفهم فليَرْفُق به المفتي في التفهم منه والتفهم له، ويستر عليه ويحسن الإقبال نحوه، ويتأمل ورقة الاستفتاء مرارا لا سيما آخرها، ويسأل المفتي عن المشتبه وينقطه ويشكله لمصلحته ومصلحة من يفتي بعده، وإن رأى لحنا فاحشا أو خطأً يحيل المعنى أصلحه؛ لأن قرينة الحال تقتضي ذلك»(1) ، وقال النووي: «ليكتب الجواب بخط واضح وسط لا دقيقٍ خَافٍ ولا غليظٍ جَافٍ، ويتوسط في سطورها بين توسيعها وتضييقها، وتكون عبارته واضحة صحيحة تفهمها العامة ولا يزدريها الخاصة، واستحب بعضهم أن لا تختلف أقلامه وخطه خوفا من التزوير ولئلا يشتبه خطه»(2) .

التعريف بالمهارة:

هي قدرة المفتي على توصيل الحكم الشرعي للمستفتي بأفضل أسلوب وأحسن صورة ممكنة.

الأصل الشرعي للمهارة:

أصل هذه المهارة هو ما ورد عن النبي ﷺ في مواطن كثيرة من استخدامه لمهارات مختلفة وأساليب متنوعة لمن استفتوه، فكان لكل سائل أسلوب يتناسب وطبيعة السؤال ومقتضى حال السائل، فمن ذلك:

أسلوب المحاورة والمجادلة والاستيعاب:

فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن أبي أمامة  قال: ((إن فتى شابا أتى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مه. مه. فقال: ادنه، فدنا منه قريبا. قال: فجلس قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم. قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم. قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم. قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم. قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه، وحصن فرجه)) قال: فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء(3).

أسلوب الإقناع بالحجة:

ما رواه ابن حبان عن عبد الله بن عباس  ((أن رجلًا سأل رسول الله ﷺ، قال: يا رسول الله إن أبي دخل في الإسلام وهو شيخ كبير، فإن أنا شددته على راحلتي، خشيت أن أقتله، وإن لم أشده، لم يثبت عليها، أفأحج عنه؟ فقال رسول الله ﷺ: أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته عنه أكان يجزئ عنه؟ قال: نعم، قال: فاحجج عن أبيك))(4).

مهارة حسن الإنصات:

كما حدث منه ﷺ حينما ((أتاه عتبة بن ربيعة فأنصت له النبي ﷺ إنصاتًا تامًّا، وقال له بعد أن فرع من كلامه: أفرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم، قال: فاسمع مني…الحديث)).

مهارة بيان وتوضيح الإجابة:

روى أبو داود في سننه عن أبي هريرة يقول: ((سأل رجل رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله، إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله ﷺ: هو الطهور ماؤه، الحل ميتته))(5).

قال الصنعاني: «قال الرافعي: لما عرف اشتباه الأمر على السائل في ماء البحر أشفق أن يشتبه عليه حكم ميتته، وقد يُبتَلَى بها راكب البحر، فعقَّب الجواب عن سؤاله ببيان حكم الميتة. قال ابن العربي: وذلك من محاسن الفتوى، أن يجاء في الجواب بأكثر مما سئل عنه تتميما للفائدة، وإفادة لعلم غير المسؤول عنه؛ ويتأكد ذلك عند ظهور الحاجة إلى الحكم كما هنا؛ لأن مَنْ توقَّفَ في طهورية ماء البحر فهو عن العلم بِحِلِّ ميتته مع تقدُّم تحريم الميتة أشد توقفا»(6)

مهارة ضرب المثل لتفهيم السائل:

أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : ((أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ، وَإِنِّي أَنْكَرْتُهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: «هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «مَا أَلْوَانُهَا؟» قَالَ: حُمْرٌ، قَالَ: «فَهَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «فَأَنَّى هُوَ؟» قَالَ: لَعَلَّهُ يَا رَسُولَ اللهِ يَكُونُ نَزَعَهُ عِرْقٌ لَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: «وَهَذَا لَعَلَّهُ يَكُونُ نَزَعَهُ عِرْقٌ لَهُ»)) (7).

رُتبة المتصدر للفتوى:

لا تختص هذه المهارة بمستوى إفتائي معين، بل ينبغي لكل من تصدر للفتوى أن يكون لديه الحد الأدنى من مهارة الاتصال والتواصل مع المستفتين، ولكن الحاجة لها تشتدُّ لمن لهم تواصل مباشر مع الجمهور كالفتوى الشفوية والهاتفية.

النطاق الفقهي للمهارة:

تشمل هذه المهارة سائر الأبواب الفقهية، وكذلك سائر الأساليب الإفتائية المختلفة وعلى رأسها الفتوى الشفوية.

خطوات تطبيق المهارة:

تتكون مهارة (التواصل الفعال) في حقيقة الأمر من عدة مهارات، تتخلل هذه المهارات العملية الإفتائية بكل مراحلها، ابتداء من دخول المستفتي على المتصدر للفتوى، وانتهاءً بإجابته عن فتواه ومغادرته مقر الفتوى، وهذه أهم المهارات التي ينبغي على المتصدر للفتوى أن يتحلى بها أثناء قيامه بمهمة الفتوى:

مهارة براعة الاستقبال:

يمثل حسن استقبال المتصدر للفتوى للمستفتي أهم الخطوات التي تُعِين على إتمام العملية الإفتائية على أحسن وجه، حيث هناك بعض الخطوات الإجرائية التي لو روعيت منذ لحظة استقبال المتصدر للفتوى للمستفتي فإن هذا يؤثر إيجابيًّا في صيرورة العملية الإفتائية برمتها، بل وأكثر من هذا أنه يجعل المستفتي أكثر ارتباطًا وثِقَةً بالمؤسسة الإفتائية؛ بحيث تكون هي مرجعه الأساس حين تَعِنُّ له فتوى أو مشكلة كبيرة، فيفزع إلى تلك المؤسسة مستوضحًا ومستفهمًا عما يستغلق عليه أو يجهله أو يتردد فيه، وهذا هو بيت القصيد لكل مؤسسة ناجحة، وأهم هذه الخطوات:

أ. بشاشة الوجه: وهو خلق نبوي كريم، فبشاشة الوجه تشيع جوًّا من المودة والألفة والتواضع بين المفتي والمستفتي، وتؤثر في نفسية المستفتي فتجعله أكثر انشراحًا وانبساطًا، قال ابن بطال: «إن لقاء الناس بالتبسم وطلاقة الوجه من أخلاق النبوة وهو منافٍ للتكبر وجالبٌ للمودة» (8).

ب. الترحيب: إن كلمة الترحيب الأساسية للمسلمين هي السلام، ثم له بعد ذلك أن يزيد حسبما يقتضيه المقام، مع انتقائه لأطايب الكلام وأحسنه، فبشاشة الوجه مع حسن الترحيب تجعل المستفتي أكثر إقبالًا على المفتي، وأكثر شعورًا بأنه مرغوب فيه ومرحب به، قال ابن عيينة: «البشاشة مصيدة المودة، والبر شيء هين: وجه طليق وكلام لين».

ج. التعارف: فيسأله المفتي عن اسمه، ومهنته، ومن أي بلد هو، ومقصود هذه الأسئلة مع الخطوات السابقة إزالة الرهبة والقلق والتوتر الذي يعانيه الكثير من المستفتين، وهذا قد يكون بسبب حرج السؤال، أو رهبة المكان، أو غير ذلك من أسباب، فهذه الخطوات تساعد في تهيئة المستفتي لأن يُلقِي سؤاله بطريقة صحيحة مرتبة.

مهارة استخلاص السؤال (الفتوى):

إن الوصول إلى السؤال الذي يريد المستفتي الإجابة عنه ليس بالمهمة السهلة كما يبدو للبعض، وخاصة تلك الأسئلة المركبة والمعقدة والتي تحتاج إلى تفكيكها وتحليلها إلى صورة بسيطة بحيث يستطيع المتصدر للفتوى أن يتصور السؤال، ثم يكيفه التكييف الشرعي المناسب له، ثم يقوم ببقية مراحل الفتوى.

إن المستفتي يغلب على عقله مجموعة من التصورات والعمومات المسبقة، والتي تجعل أمر استخلاص السؤال من ثنايا كلامه أمرًا ليس بالهين؛ لذلك فالمتصدر للفتوى لا بد أن يتحلى بمجموعة من المهارات التي تُسهِّل عليه هذه المهمة، وأهم هذه المهارات:

أ. مهارة الإنصات الفعال: في بدء السؤال ينبغي للمفتي أن يترك وقتًا مناسبًا للمستفتي حتى يطرح سؤاله، وفي أثناء إلقاء المستفتي السؤال يراعَى الآتي:

  • الانتباه للمستفتي والتركيز لكلامه وعدم الانشغال عنه بما يشعره بعدم الاكتراث أو التقدير.
  • التفهم لما يقوله المستفتي والمشاركة الوجدانية لما يطرحه، وإبداء التفاعل والتعاطف لظروفه وأحواله، فإذا كان المستفتي يسأل عن عقيقة مثلًا ويحدث أنه قد رزق بمولود فيبارك له ويدعو للمولود، أو كان المستفتي مريضًا ويسأله عن مسألة تتعلق بمرضه فيدعو له بالشفاء.
  • أن يكون المفتي لديه مدونة أمامه يسجل فيها أهم النقاط والأفكار الرئيسة للسؤال، كما يسجل فيها بعض الملاحظات المهمة.

ب. مهارة توجيه وطرح السؤال:

إن طرح الأسئلة وتوجيهها من المفتي للمستفتي ليس مجرد عملية اعتباطية وعشوائية؛ بل تكون هذه الأسئلة وفق ضوابط وإجراءات منتظمة، وتحتاج إلى تركيز جيد من المفتي للقيام بسؤاله الأسئلة المناسبة وفقًا لطبيعة حديث المستفتي وسؤاله لاستكشاف جوانبه الخفية والغامضة.

وهناك أنواع كثيرة للأسئلة باعتبارات مختلفة، منها:

  • الأسئلة المغلقة: وهي الأسئلة التي تكون إجابتها محددة ومحصورة في خيارات محددة.
  • الأسئلة المفتوحة: وهي التي لا يكون لها إجابة معينة أو محددة.
  • الأسئلة المعرفية وهي تكون عن الحقائق والمفاهيم والدوافع.
  • الأسئلة التفسيرية: وهدفها تقديم التفسيرات للوقائع والأحداث.
  • السؤال التلخيصي: حيث يقوم المفتي في نهاية السؤال بتلخيص وتحديد السؤال المستخلص من المستفتي، فيسأله: فهمت من سؤالك أنك تسأل عن كذا وكذا؟

ج. مهارة المناقشة وإدارة الحوار:

قد يكون مجلس الفتوى يحضره أكثر من طرف واحد، كما هو المعهود في مسائل المعاملات المالية أو مسائل الطلاق والعدة والرضاع وغير ذلك، وهنا غالبًا ما يحتاج المفتي إلى تفعيل مهارات الحوار والمناقشة بين الأطراف المختلفة بحيث يكون زمام المجلس في يديه، فيقسم الحوار بينهم بدون أن يحيف أحد الطرفين على الآخر، ويقوم باستيعاب جميع الأطراف، وإضفاء روح الثقة والاحترام والتقدير المتبادل، والتركيز على النقاط والأفكار الأساسية للسؤال المستفتي عنه، وضبط مجلس الفتوى بما يتفق مع آداب الشرع.

مهارة الإبلاغ بالحكم (إصدار الفتوى):

بعد انتهاء الخطوة السابقة واستخلاص المفتي للسؤال من المستفتي وحصول صورته في ذهنه والقيام بتكييفه التكييف الفقهي الملائم له شرعًا والقيام ببيان الحكم ثم أخيرًا تنزيل الحكم الشرعي على حال المستفتي (وكل له مهاراته الخاصة التي ذكرناها)، تأتي مرحلة إبلاغ المفتي المستفتي بالحكم الشرعي وإجابته عن سؤاله، وهي مرحلة لها مهاراتها الإجرائية، والتي ينبغي مراعاتها:

أ. مهارة التهيئة النفسية للحكم الشرعي: إن كثيرًا من المستفتين حينما يقدم على الاستفتاء يكون لديه بعض الأحكام والتصورات المسبقة؛ لذا فإن صدور الفتوى على خلاف ما يظنه قد يفجأه ويصدمه ويسبب له حالة من الضيق والجدال وعدم الإذعان والتسليم، فتأتي هنا مهارة المفتي في تهيئة المستفتي لقبول الحكم الشرعي؛ ولا يُفهم من هذا أن مهمة المفتي إرضاء المستفتي على حساب بيان الحكم؛ بل المقصود أن الفتوى في حقيقتها هي بمثابة الإبلاغ عن الله مراده، وهذا لا يكون إلا بأفضل الطرق وأحسن الوسائل الممكنة، يُفهم هذا من قول سيدنا علي : «حدِّثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟!»، وكما نرى حولنا من أثر سيئ لفوضى الفتاوى في الفضائيات وغيرها، فكان إعذار المستفتي من الأهمية بمكان، والتهيئة النفسية للمستفتي لإبلاغه بالحكم الشرعي من باب الرفق بالمستفتي وإعذاره، فمثلًا إن كان يسـأل عن معاملة وكانت تدر مالًا كثيرًا وكانت هذه المعاملة لا تجوز شرعًا، فيمهد له بأن البركة في الحلال، وأنه من ترك شيئًا لله أبدله الله خيرًا منه ونحو هذا.

ب. مهارة الإقناع بالحجة: المستفتون ليسوا على درجة واحدة من الثقافة والعلم، ومن ثم فإنه من الطبيعي أن يكون هناك اختلاف في طبيعة الخطاب الموجه إليهم لإبلاغهم بالحكم الشرعي، وكذلك في تقبلهم للإبلاغ أيضًا يكون هناك اختلاف، فالعامي مثلًا يكفيه أن يقول له المفتي: حلال أو حرام، ولا يزيد على هذا، بينما غير العامي قد يحتاج إلى معرفة الدليل ومناقشته والاقتناع به، فلا حرج على المفتي حينئذ أن يذكر له الدليل ويناقشه بما يبث الطمأنينة في نفسه ما دام المستفتي يبتغي الطمأنينة للحكم والوثوق به لا مجرد الجدال والمراء، وهذا الفعل من المفتي هو في حقيقته تأسٍّ بإمام المفتين سيدنا رسول الله ﷺ، فقد كان يستخدم كل المهارات والحجج المناسبة في توصيل حكم الله تبارك وتعالى كما تدل على ذلك الأحاديث والتي ذكرنا بعضها سابقًا(9) .

ج. مهارة استخدام لغة الجسد: تشمل لغة الجسد (نبرة الصوت- حركة اليدين- حركة العين- الإيماء بالرأس أو الجسد)، ويعتبر استخدام المفتي لهذه المهارات أثناء حديثه للمستفتي في مجلس الفتوى من الأهمية بمكان؛ حيث تعزز الإقناع بالفتوى وإيصال الرسالة التي يريد المفتي توضيحها للمستفتي، كما أنها تزيد من تنبيه المستفتي وتركيزه، واستخدام لغة الجسد أثناء الحديث يضفي حالة من التفاعل والحيوية، مما ينعكس بدوره على قناعة المستفتي وتقبله وتفهمه للحكم الشرعي، فنبرة الصوت مثلًا تختلف إذا أراد المفتي إيصال شعور بالتخويف من الله تعالى لدى المستفتي وتحذيره من عاقبة فعله إن كان ارتكب ظلمًا بحق زوجته أو أكل مال أحد، وحركة اليدين قد تفيد في توضيح الفتوى بطريقة عملية كتوضيح تعاليم الوضوء مثلًا، وحركة العينين لها تأثير في جذب انتباه المستفتي وعدم تشتته، وإشعاره بالاهتمام به، وكذلك إيماءات الرأس والجسد يكون لها أثر في توصيل رسائل محددة للمستفتي في أوقات وظروف مختلفة، فالحاصل من ذلك أنه ينبغي على المتصدر للفتوى أن يكون على قدر من هذه المهارات لفائدتها في التفهيم والإقناع.

د. مهارة بيان الحكم الشرعي (الفتوى): كما أوضحنا قبل ذلك أن المستفتين ليسوا على درجة واحدة من فهم الفتوى وإدراكها، فينبغي أن يكون خطاب المفتي فيما يتعلق ببيان الفتوى مناسبًا لمقتضى الحال، وفي العموم يُراعَى في بيان الحكم الآتي:

  • أن يكون الكلام واضحًا بحيث يسهل فهمه، وينتقي الألفاظ المعبرة السلسة غير المتكلفة، ويبعد عن تلك الألفاظ التي قد لا يفهمها سوى المتخصصين، فمثلًا لو كانت المعاملة التي يستفتي عنها حكمها أنها مكروهة شرعًا، فكثير من المستفتين لا يفهم هذا المصطلح لأن غالب عقولهم تميل إلى العموميات والثنائيات في فهم الأحكام، فالفعل يتردد عندهم بين الحلال أو الحرام، أما ما بين الحلال والحرام من أحكام كالمكروه والمستحب فالكثير من عقول العامة قد لا تستوعبه، فيراعَى هذا.
  • مراعاة مقتضى حال المستفتي في الحديث من الحاجة إلى الإيجاز أو الإطناب أو التوسط بينهما.
  • تكرار بيان الحكم: يمكن للمفتي أن يعيد تكرار الفتوى على مسامع المستفتي حتى يتأكد من استيعابه لها استيعابًا تامًّا، وهو أسلوب ناجع وبخاصة مع نوعية معينة من المستفتين، ونوعية معينة من الأسئلة.

مهارة حسن إنهاء المجلس الإفتائي

إن الانطباع الأخير لا يقل في أهميته عن الانطباع الأول أو البدايات، بل ثبت بالواقع أو التجربة أنه قد يكون أعمق وأشد تأثيرًا من الانطباع الأول، فهو قد يجبر ما يحدث من خلل أو سوء فهم في بدايات المجلس الإفتائي حين استقبال المستفتي، والأعمال بخواتيمها كما يقولون، ففي نهاية مجلس الفتوى ينهي المفتي المجلس بأدب ولباقة ويشعر المستفتي بأنه ضيف مرحب به في المؤسسة الإفتائية، مع إنهاء الحديث بكلام طيب كالدعاء للمستفتي بالتوفيق وصلاح الحال، ووداعه بألفاظ الوداع الطيبة كـ«أستودعك الله أو في حفظ الله».

المعارف والتدريب اللازمان لاكتساب المهارة:

  1. يمكن أخذ دورة في تنمية مهارات الاتصال وفنون الحوار والمناقشة.
  2. التدريب العملي مع ذوي الخبرة من المتصدرين للفتوى، فيتعلم منهم مهارات التعامل مع المستفتين وطرق استيعابهم.
  3. تنمية وتطوير هذه الملكة بكثرة الاطلاع النظري والممارسة التطبيقية.

المهارات المتعلقة:

  1. وحدة مهارات الوسائل الإفتائية.
  2. مهارة التدليل على الفتوى.
  3. مهارة بيان الحكم.
  4. مهارة تحرير الحقيقة العرفية.

1 صفة الفتوى والمفتي والمستفتي، (ص٥٨).

2 آداب الفتوى والمفتي والمستفتي (ص٤٨).

3 أخرجه الإمام أحمد في مسنده (٢٢٢١١).

4 أخرجه ابن حبان في صحيحه (٣٩٩٠)

5 أخرجه أبو داود، (٨٣).

6 سبل السلام، الصنعاني (١/ ٢٠، ٢١).

7 متفق عليه: أخرجه البخاري، (٥٣٠٥)، ومسلم، (١٥٠٠)، واللفظ له.

8 شرح صحيح البخارى،ابن بطال (٥/ ١٩٣).

9 انظر مهارة التدليل على الفتوى.

مهارة معرفة أهلية المستفتي

٦

 

المكلف الذي توجه إليه خطاب الله تعالى، والذي يحكم على أفعاله بالقبول أو الرد وكونها داخلة في المأمور به أو المنهي عنه أو غير داخلة، إنما كان تكليفه لأجل العقل والفهم، قال الغزالي في المستصفى: «وشرط المكلف أن يكون عاقلا يفهم الخطاب، فلا يصح خطاب الجماد والبهيمة بل خطاب المجنون والصبي الذي لا يميز؛ لأن التكليف مقتضاه الطاعة والامتثال، ولا يمكن ذلك إلا بقصد الامتثال، وشرط القصد العلم بالمقصود والفهم للتكليف، فكل خطاب متضمن للأمر بالفهم، فمن لا يفهم كيف يقال له افهم؟ ومن لا يسمع الصوت كالجماد كيف يكلم؟ وإن سمع الصوت كالبهيمة ولكنه لا يفهم، فهو كمن لا يسمع. ومن يسمع وقد يفهم فهما ما، لكنه لا يعقل ولا يثبت كالمجنون وغير المميز فمخاطبته ممكنة، لكن اقتضاء الامتثال منه مع أنه لا يصح منه قصد صحيح غير ممكن»(1).

ولذلك تكلم الأصوليون عن الأهلية وعوارضها، والأهلية هي صلاحية الشخص للإلزام والالتزام وهي نوعان: أهلية وجوب للحقوق المشروعة له وعليه، وهذه تثبت له بمقتضى إنسانيته، وأهلية أداء وهي كونه معتبرا فعله شرعا، ومناط هذه الأهلية هو العقل فإذا كمل العقل ثبتت أهلية أداء كاملة بالبلوغ والرشد، وإذا نقص العقل ثبتت أهلية أداء ناقصة، وهي تكون بالنسبة للصبي المميز وشبهه، وإذا فقد العقل لم تثبت أهلية أداء مطلقا.

وقد يعرض للشخص من بعد كمال أهليته ما ينقصها أو يفقدها، ويسمى ذلك عارض الأهلية، وهي نوعان أيضا: عوارض سماوية أي: ليس للإنسان عمل فيها وهي الجنون والعته والنسيان والإغماء والنوم، وعوارض مكتسبة أي: واقعة بفعل الإنسان واختياره سواء أكانت آتية من قبل نفسه كالسكر أو من غيره كالإكراه.

التعريف بالمهارة:

هي القدرة على التمييز بين أحوال المستفتين الطبيعية والخارجة عنها ومعرفته الأمارات التي تدل على نقص أهلية المستفتي.

الأصل الشرعي للمهارة:

أدلة اعتبار هذه المهارة:

  1. ما أخرجه ابن ماجه، والحاكم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ  عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ))(2).
  2. وما أخرجه أبو داود عَنْ عَائِشَةَ ، عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ، أَوْ يُفِيقَ))(3).
  3. وما أخرجه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((كُلُّ طَلاَقٍ جَائِزٌ، إِلَّا طَلاَقَ الْمَعْتُوهِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ))(4).

رُتبة المتصدر للفتوى:

من اللازم تحقق هذه المهارة لكل أمين فتوى له تعامل مباشر مع المستفتين كالفتوى الشفوية والهاتفية.

النطاق الفقهي للمهارة:

تدخل هذه المهارة في الإفتاء في جميع أبواب الفقه الإسلامي ولكن ما رفع منه إلى القضاء كما في الوصاية على ناقص الأهلية وكما في الحجر على السفيه لا ينظر في الفتوى، فالأمر ما دام قد رفع إلى القضاء فلا مجال حينئذ للفتوى فيه، فحكم القاضي ملزم.

خطوات إعمال المهارة:

  1. النص الصريح وذلك يكون من المستفتي أو أحد أقاربه على نقص أهليته.
  2. التمييز بين المصاب الحقيقي والمدعي فقد يدعي بعض الأشخاص مرضا معينا مما ينقص أهليته على خلاف الواقع فلا مانع حينئذ من مطالبته بإحضار تقرير المعالج المختص.
  3. اكتشاف المتصدر للفتوى بنفسه من غير نص كمن يكثر الترداد في سؤال معين مرارا وتكرارا فيعلم بذلك أنه مصاب بالوسواس القهري.
  4. التأني والتريث في إبداء الحكم في هذه الحالة مطلوب سواء ظهرت أهلية المستفتي أم لا.
  5. معرفة معتمدات القانون لا سيما في الأحوال الشخصية في بعض مسائل ناقصي الأهلية كنحو طلاق السكران والمكره(5).
  6. الرجوع إلى معتمدات الفتوى في مسائل ناقصي الأهلية مما لم ينص القانون فيها على حكم.
  7. في حالة تخصيص المؤسسة الإفتائية لكل باب فقهي متخصصين به، فمن الممكن أن تجعل المؤسسة لجنة مختصة بهذا النوع فيحال عليها هذه النوعية من المستفتين.

ومما تجدر الإشارة إليه أنه ينبغي التفرقة بين المصطلحات عند الفقهاء والأصوليين عن مصطلحات العلماء والأطباء النفسيين، فعلى سبيل المثال عند الفقهاء مصطلح الجنون والشخص المصاب به هو المجنون، بينما عند الأطباء النفسانيين لا يوجد هذا المصطلح ونوضح ذلك بكلام كلا الفريقين عن هذا المصطلح:

فنبدأ أولا بكلام الأصوليين فنقول:

الجنون والعته كلاهما يقدحان في سلامة الإدراك وتقدير الأمور بشكل سليم، وجمهور العلماء على أن العته غير الجنون؛ فالعته قد يكون معه تمييز فيكون المعتوه مميِّزًا وقد يكون غير مميز بخلاف المجنون فإنه لا يكون معه تمييز، فالمجنون تثبت في ذمته المغارم المالية فيضمن من ماله ما يتلفه، وتسقط عنه التكاليف البدنية كالعبادات ما عدا الزكاة فإنها مع كونها عبادة فهي من قبيل المغارم المالية فلذلك تجب في ماله عند جمهور الفقهاء كما في سائر المغارم المالية، ولا تجب عند الحنفية تغليبا لجانب العبادة، وأما المعتوه المميز فيفترق عنه في أنه يعد ناقص الأهلية وليس فاقدها فهو كالصبي المميز، ومن ثم تصح منه التصرفات النافعة نفعا محضا كقبول الهبة، وتكون التصرفات المترددة بين الأمرين متوقفة على إجازة الولي المختص بتصرفه فيها؛ فإن كان زواجا فيتوقف على إجازة الولي على النفس، وإن كان تصرفًا ماليًّا فيتوقف على إجازة الولي المالي، وأما العبادات البدنية فتصح منه لما فيها من المصلحة الأخروية إلا أنها لا تستتبع عهدة أي إذا أفسدها لا يجب عليه قضاؤها.

وأما من جهة الطب النفسي فيقول الأستاذ الدكتور أحمد عكاشة: « كلمة الجنون ليس لها دلالة طبية واضحة، ولا يوجد أي مرض في الطب النفسي والعقلي يسمى بالجنون، والجنون كلمة عامة لا تعني سوى اضطراب في السلوك والتفكير…ويختلف كل مجتمع في نظرته للجنون؛ فبعض المجتمعات البدائية تحمي هؤلاء الأفراد، وتعتبرهم ذوي لمسة مقدسة تستحق الاحترام، والبعض الآخر يعذبهم لأنهم من اتباع الشيطان، وتحوم حولهم الأرواح الشريرة، وفي مجتمعات أخرى يوضع هؤلاء في السجون، وفي البعض الآخر يعالجون في المستشفيات؛ ولذا وجب علينا التخلص من هذه الكلمة عند المناقشة العلمية للأمراض الذهانية» اهـ (6).

وهذا الاضطراب في التفكير يكون بسبب مرض نفسي (عصابي) أو مرض عقلي (ذهاني) ويتسم العصاب بصفة عامة بوجود صراعات داخلية، وظهور أعراض مختلفة كالقلق والخوف، والاكتئاب، والوساوس، والأفعال القهرية، واضطرابات النوم والطعام، ويحدث ذلك دون المساس بترابط وتكامل الشخصية، ويتحمل المريض المسؤولية كاملة، مع سلامة الإدراك واستبصار المرضى بآلامهم والتحكم في الذات، مما يميز هذه الاستجابات العصابية عن الذهان الذي تضطرب فيه هذه الصفات، وكثيرا ما يخشى مرضى العصاب أن يتحول مرضهم إلى الذهان، وعلى الرغم من أن هناك بعض الآراء تفترض أن العصاب ما هو إلا مرحلة مبكرة للذهان، إلا أن الرأي الحالي يتفق على أنهما فئتان منفصلتان، وتكشف لنا دراسات المتابعة أن حوالي ٤-٥٪ من مرضى العصاب ينتهون بمرض ذهاني»(7) .

وتتميز الاضطرابات الذهانية بعدة أعراض تفرقها عن الاضطرابات العصابية وقد يصعب التفرقة بينهما كما يقول عكاشة: «الطبيب أحيانا يواجه صعوبة جمة في التفرقة خاصة في الحالات التي تقع في الحد الفاصل بينهما، وتنتشر هذه الأمراض بين المجموع العام في نسبة تتراوح بين ٥-١٠٪ وأهم صفاتها:

  1. اضطراب واضح في السلوك بعيدا عن طبيعة الفرد من انطواء وانعزال، وإهمال في الذات والعمل، والاهتمام بأشياء بعيدة عن طبيعته الأصلية.
  2. تغير في الشخصية الأصلية، واكتساب عادات وتقاليد وسلوك تختلف عن الشخصية الأولى.
  3. تشويش في المحتوى ومجرى التفكير وأسلوب التعبير عنه.
  4. تغير الوجدان عن سابق أمره.
  5. عدم استبصار المريض بعلته، فلا يشعر بمرضه وأحيانا يرفض العلاج؛ اعتقادا منه أنه لا يعاني من أي مرض.
  6. اضطراب في الإدراك مع وجود الضلالات والهلاوس.
  7. البعد عن الواقع والتعلق بحياة منشؤها اضطراب تفكيره.

ولا يلزم وجود كل هذه الأعراض معا» (8).

المثال التطبيقي:

قد يكثر السائل من السؤال في أمر معين ويلح فيه كأمور الطهارة والنجاسة، أو وقوع طلاق بغير سبب يستدعي وقوعه وحتى من غير أن يتلفظ به، أو بأنه خارج عن الملة بسبب أفكار تعتريه في الذات الإلهية قد تصل إلى السب، أو غير ذلك، ولكنه لا يستطيع أن يتوقف عن السؤال ولا عن هذه الأفكار، وغالبا ما يعلم تفاهة هذه الأفكار، ولكنه يشعر بأن الفكرة تحشر نفسها في وعيه، وتفرض نفسها على تفكيره وتسيطر عليه رغما عنه، وكلما قاومها زادت إلحاحا عليه؛ فيقع في دوامة من التكرار الذي لا ينتهي، فهذا الشخص واقع تحت سيطرة الوسواس القهري؛ فعلى المتصدر للفتوى في هذه الحالة:

  • أولًا:أن يضع في حسبانه أن هذا الشخص غالبًا مصاب بمرض الوسواس القهري.
  • ثانيًا: أن يسأله عمَّا إذا كان قد ذهب إلى معالج نفسي أم لم يذهب حتى الآن.
  • ثالثًا: أن يعلم أن الوقائع التي يذكرها المستفتي لم تقع بهذه الكيفية المذكورة بل هي مبالغات مَرَضية.
  • رابعًا:أن يتأنَّى معه ولا يضجر من كثرة إعادته للسؤال، وطلبه إعادة الجواب أكثر من مرة؛ فإنه مهما يسمع الإجابة فيريد من المفتي أن يذكرها ثانية.
  • خامسًا: محاولته استيعابه وكسب ثقته.
  • سادسًا:بعد كسب ثقته عليه أن يُرشِده بالتوجه إلى طبيب مختص، ويحاول إقناعه بذلك؛ لأن كثيرًا منهم لا يقتنع بجدوى العلاج أو غير مقتنع بالمرض أصلًا.

المعارف والتدريب اللازمان لاكتساب المهارة:

  1. الاطلاع على المصنفات الأصولية الخاصة بالأهلية وعوارضها فقد أفردت بالتصنيف.
  2. الوقوف على كلام الفقهاء في الفروع المتشابهة لناقصي الأهلية.
  3. ينبغي التعرف على القدر اللازم والمطلوب لمتصدري الفتوى من علم النفس، والأفضل أن تكون المؤسسات الإفتائية -التي تدرب وتخرج كوادر متخصصة بالإفتاء وعلومه- تراجع أطباء علم النفس ومتخصصيه المشهود لهم في هذا المجال، وتحدد معهم القدر المطلوب والمحتاج إليه في العملية الإفتائية، وتجعل له برنامجا تأهيليا تحت إشراف المتخصصين في التحليل النفسي والعلاج النفسي، حتى تكون الإفادة منه على المستوى المرجو والمطلوب.

المهارات المتعلقة:

  1. مهارة الاستعانة بأهل الخبرة.
  2. مهارة التيسير في الفتوى.
  3. مهارة مراعاة القانون في الفتوى.
  4. مهارة مراعاة المآلات.

1 المستصفى، (ص٦٧).

2 أخرجه ابن ماجه، (٢٠٤٥)، والحاكم في المستدرك (٢٨٠١).

3 أخرجه أبو داود،(٤٣٩٨)، والنسائي، (٣٤٣٢)، واللفظ له.

4 أخرجه الترمذي، (١١٩١).

5 انظر مهارة مراعاة القانون.

6 الطب النفسي المعاصر ، الدكتور أحمد عكاشة (ص ٢٩٣).

7 الطب النفسي المعاصر (ص ١١٨).

8 الطب النفسي المعاصر (ص ٢٩٤).

اترك تعليقاً