البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

وحدة مهارات تخريج الفتوى

60 views

. مهارة تخريج الفتوى على القواعد الأصولية.

٢. مهارة تخريج الفتوى على القواعد الفقهية.

٣. مهارة تخريج الفتوى على الضوابط الفقهية.

٤. مهارة التخريج الفقهي.

مهارة تخريج الفتوى على القواعد الأصولية

١

 

تعتبر القواعد الأصولية هي مادة المجتهد عند قيامه بالاجتهاد، وهي التي تسعفه في عملية الاستنباط خاصة في النوازل الجديدة التي لم ينص على حكم فيها للأئمة السابقين، يقول الزنجاني في مقدمة كتابه «تخريج الفروع على الأصول»: «الفروع إنما تُبنى على الأصول، وأن من لا يفهم كيفية الاستنباط، ولا يهتدي إلى وجه الارتباط بين أحكام الفروع وأدلتها التي هي أصول الفقه، لا يتسع له المجال، ولا يمكنه التفريع عليها بحال؛ فإن المسائل الفرعية -على اتساعها وبعد غاياتها- لها أصول معلومة، وأوضاع منظومة، ومن لم يعرف أصولها لم يُحِطْ بها علمًا(1)».

فبذلك تظهر الحاجة إلى معرفة كيفية التخريج على هذه القواعد؛ فلذلك صنف الأئمة في كيفية تخريج الفروع على الأصول مصنفات للتمرن بها، ولتكون أنموذجًا يحتذيه الخائض في لجج هذا الكم الضخم من الفروع والنوازل المستجدات، ولذلك قال الإسنوي في مقدمة كتابه «التمهيد»: «وقد مهدت بكتابي هذا طريق التخريج لكل ذي مذهب، وفتحت به باب التفريع لكل ذي مطلب، فلتستحضر أرباب المذاهب قواعدها الأصولية وتفاريعها، ثم تسلك ما سلكته فيحصل به -إن شاء الله تعالى- لجميعهم التمرن على تحرير الأدلة وتهذيبها، والتبين لمأخذ تضعيفها وتصويبها، ويتهيأ لأكثر المستعدين الملازمين للنظر فيه نهاية الأرب وغاية الطلب، وهو تمهيد الوصول إلى مقام استخراج الفروع من قواعد الأصول، والتعريج إلى ارتقاء مقام ذوي التخريج، حقق الله تعالى ذلك بمنه وكرمه»(2).

وبسبب التقدم الكبير في العلوم والمعارف في عصرنا الراهن تكثر الحاجة إلى تربية واستثمار هذه المهارة؛ ليتطور الفقه الإسلامي ولا يتخلف عن ركب الحضارة المعاصرة.

التعريف بالمهارة:

هي قدرة المتصدر للفتوى على التفريع على القواعد الأصولية، وكذا الترجيح بها عند الاختلاف.

الأصل الشرعي للمهارة:

القواعد الأصولية قواعد إلزامية استدلالية، فهي حجة شرعية بحيث يمكن للمجتهد أن يلجأ إليها دون تردد في استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة التفصيلية، ولذلك سميت القواعد الأصولية «أصول الفقه»؛ لأن الفقه متوقف عليه، والفقه يستند إلى الكتاب والسنة، والفقيه يحتاج لاستنباطه منهما إلى قواعد هذا العلم، يقول التقي السبكي في «الإبهاج»: «ولما كان الفقه مستندًا إلى الكتاب والسنة، ويحتاج الفقيه في أخذه منهما إلى قواعد، جمعت تلك القواعد في علم وسميت «أصول الفقه»، وهي تسمية صحيحة مطابقة لتوقف الفقه عليها، وتلك القواعد منها ما لا يعرف إلا من الشرع، ومنها ما يعرف من اللغة بزيادة على ما تصدى له النحاة واللغويون؛ فالذي لا يعرف إلا من الشرع: إثبات كون الخبر الواحد حجة، وكون الإجماع حجة، والقياس حجة، وكثير من المسائل التي تذكر فيه، والذي يعرف من اللغة: ما يذكر فيه من دلالات الألفاظ اللغوية، وما فيه من علم الكلام ونحوه، فاقتضاه انجرار الكلام إليه، وتوقف فهم بعض مسائل هذا العلم عليه»(3).

النطاق الفقهي للمهارة:

تدخل هذه المهارة في الإفتاء في جميع أبواب الفقه الإسلامي وخاصة في النوازل والمستجدات التي لا يوجد نص شرعي يشمل حكمها.

رُتبة المتصدر للفتوى:

من اللازم تحقق هذه المهارة لأعضاء «مجلس أمانة الفتوى» الذين ترفع إليهم الوقائع والمسائل للبَتِّ فيها بحكم، ولمن يضع معتمدات المؤسسة الإفتائية.

خطوات إعمال المهارة:

  1. تعيين المسألة.
  2. تعيين المدرك الأصولي للمسألة.
  3. حصر القواعد الأصولية ذات العلاقة بمدرك المسألة.
  4. تحرير القاعدة بمعرفة: أهي متفق عليها أم مختلف فيها؟ فإن كانت من المختلف فيها فلا بد من الترجيح.
  5. التحقق من مناسبة المسألة للقاعدة.
  6. التحقق من عدم استثناء المسألة من هذه القاعدة بنص أو إجماع.
  7. تقرير الحكم المخرج على القاعدة الأصولية.

المثال التطبيقي:

المثال: حكم قول الزوج لزوجته: أنت طالئ -بالهمزة-

السؤال:

عن حكم قول الزوج لامرأته: «أنت طالئ» بالهمزة بدلًا من القاف -على ما جرت به عادة كثير من المصريين في نطقهم القاف همزة- هل هو من كنايات الطلاق التي لا يقع الطلاق بها إلا بنيته؟ بحيث إن من قالها بقصد إسكات زوجته حال المشادَّة -مثلًا- لا يقع طلاقه. وهل نُقِل هذا القول عن أحد من العلماء المتقدمين أو المتأخرين؟

كما أنه لا يوجد أحد ممن يتلفظ بلفظ: «طالئ» إلا ويعلم أنها تفيد الطلاق، وهذه قرينةٌ على قصد إيقاع الطلاق. فكيف يكون كناية مع ذلك؟

الجواب

يدل على أن تحريف كلمة الطلاق على الوجه المذكور يخرجها من الصريح إلى الكناية جملةٌ من الأدلة؛ منها ما يلي:

أننا نقول: إن اللغات توقيفية، وواضعها هو الله تعالى، كما هو الراجح عند أهل أصول اللغة وأصول الفقه(4) . وما دامت ألفاظ الطلاق المحرَّفة لم توضع لصريح الطلاق، فإنها تكون مِن الكنايات التي يُحتاج في إيقاعها إلى النية.

قال الإمام الإسنوي(5) : «ذهب الشيخ أبو الحسن الأشعري إلى أن اللغات توقيفية، ومعناه أن الله تعالى وضعها ووقَّفنا عليها، أي: أعلمنا بها، واختاره ابنُ الحاجب وصاحبُ المحصول في الكلام على القياس في اللغات، وقال الآمدي: إنه الحق، وذهب أبو هاشم إلى أنها اصطلاحية، وقال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني: الألفاظ التي يقع بها التنبيه إلى الاصطلاح توقيفية والباقي محتمل، وفي المحصول قول رابع: إن ابتداء اللغات اصطلاحي والباقي محتمل، وتوقَّف القاضي أبو بكر في المسألة، ونقله في المحصول عن جمهور المحققين، وذهب عبَّاد بن سليمان وطائفة إلى أن الألفاظ لا تحتاج إلى وضع، بل تدل بذاتها؛ لما بينها وبين معانيها مِن المناسبة، كذا نقله في المحصول، ومقتضى كلام الآمدي في النقل عنه أن المناسبة مشروطة لكن لا بد مِن الوضع… إذا علمت ذلك فمن فروع المسألة:… إذا قال لزوجته: «أنت عليَّ حرام»، أو قال: «حلال الله عليَّ حرام»، أو «الحرام يلزمني»، ونحو ذلك، فهل هو صريح أو كناية؟ فيه وجهان: صحَّح الرافعي الأول، والنووي الثاني، فإن قلنا: اللغات اصطلاحية: كفى اشتهارُها في العرف والاستعمال العام عن النية، فتكون صريحة، وهو ما صحَّحه الرافعي. وإن قلنا: إنها توقيفية، فلا تخرج عن وضعها، بل تُستعمَل في غيره على سبيل التجوز، فإن نوى وقع، وإلا فلا، وهو الصحيح عند النووي»(6) اهـ.

كيفية تطبيق الخطوات الإجرائية على هذا المثال:

مالخطــــــواتالتطبيــــق
١تعيين المسألةحكم تحريف ألفاظ الطلاق الصريحة كقول الزوج لزوجته: أنت تالق أو دالق بإبدال الطاء تاءً أو دالًا، أو كما هو مشهور في زمننا من إبدال القاف همزة بقوله: أنت طالئ؟
٢تعيين المدرك الأصولي للمسألةهل اللغات توقيفية؛ أي أن الله هو الواضع لها ووقفنا عليها؛ أي أعلمنا بها، أم اصطلاحية؛ أي واضعها البشر وحصل التعريف منهم لغيرهم.
٣حصر القواعد الأصولية ذات العلاقة بمدرك المسألة.
٤تحرير القاعدةاختلف الأصوليون في هذه القاعدة، والراجح أنها توقيفية، وهو ما ذهب إليه الإمام أبو الحسن الأشعري واختاره ابن الحاجب والإمام الرازي. وقال الآمدي: إنه الحق، وقال ابن السبكي في رفع الحاجب بعد أن ذكر الخلاف في القاعدة (١/ ١٣٩): «الظاهر منها قول الأشعري فلا تظنن المتوقف توقف إلا عن القطع فقط».
٥التحقق من مناسبة المسألة للقاعدة:قد أدرجت نظائر هذه المسألة تحت هذه القاعدة؛ منها ما ذكره الإسنوي في «التمهيد: «إذا قال لزوجته: أنت عليَّ حرام، أو قال: حلال الله علَيَّ حرام، أو الحرام يلزمني ونحو ذلك، فهل هو صريح أو كناية؟ فيه وجهان: صحح الرافعي الأول، والنووي الثاني، فإن قلنا: اللغات اصطلاحية، كفى اشتهارها في العرف والاستعمال العام عن النية فتكون صريحة، وهو ما صححه الرافعي. وإن قلنا: إنها توقيفية، فلا تخرج عن وضعها بل تستعمل في غيره على سبيل التجوز، فإن نوى وقع وإلا فلا وهو الصحيح عند النووي».

ومن المعلوم عند اختلاف الشيخين، فالنووي هو المرجح وهو قد فرع على أنها توقيفية.

ومدرك القاعدة في مسألتنا: أن ألفاظ الطلاق المحرفة لم توضع لصريح الطلاق.

٦التحقق من عدم استثناء المسألة من هذه القاعدة بنص أو إجماع:لم تُستثن المسألة بنص ولا إجماع.
٧تقرير الحكم المخرج على القاعدة الأصولية:أن تحريف ألفاظ الطلاق الصريحة يجعله من الكنايات التي تحتاج إلى نية عند صدورها.

المعارف والتدريب اللازمان لاكتساب المهارة:

  1. دورة تدريبية في أصول الفقه.
  2. الاطلاع على الكتب المصنفة لتخريج الفروع على الأصول؛ منها الخاص بمذهب معين ككتاب «التمهيد في تخريج الفروع على الأصول» للإسنوي، وهو خاص بمذهب الشافعية، أو حاوٍ لأكثر من مذهب ككتاب الزنجاني «تخريج الفروع على الأصول»، وهو على مذهب الأحناف والشافعية، وكتاب الشريف التلمساني «مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول» وجعله على مذاهب الحنفية والمالكية والشافعية، وما ألف فيه المعاصرون من مصنفات.
  3. التمرن والتدرب على الترجيح عند اختلاف الأصوليين في القاعدة، وتحرير محل النزاع.

المهارات المتعلقة:

  1. مهارة التيسير في الفتوى.
  2. مهارة استعمال المخارج الفقهية.
  3. مهارة التأهل للاجتهاد الجزئي.

1 تخريج الفروع على الأصول، الزَّنْجاني (ص٣٤).

2 التمهيد في تخريج الفروع على الأصول، الإسنوي (ص٤٧).

3 الإبهاج في شرح المنهاج (١/ ٩).

4 راجع: المزهر في علوم اللغة وأنواعها، السيوطي (١/ ١٢) وما بعدها، والإحكام في أصول الأحكام، الآمدي (١/ ٧٣) وما بعدها.

5 التمهيد في تخريج الفروع على الأصول (ص١٣٧- ١٣٩).

6 فتوى دار الإفتاء المصرية عن الطلب المقيَّد برقم ٦٠٤ لسنة ٢٠١٠م .

مهارة تخريج الفتوى على القواعد الفقهية

٢

 

القواعد الفقهية تعبر عن أحكام فقهية كلية يندرج تحتها الكثير من الجزئيات التي يتحقق مناطها فيها، وهذا التقعيد الفقهي يسهل إدراك أحكام الفروع؛ لأنها كثيرة متشعبة ولا سيما أن الفقه يزداد نموه على مر العصور بتجدد الحوادث، مما يصعب حفظ هذه الفروع، ولكن جمعها في قواعد كلية ييسر حفظها وإلحاق الفروع بمكانها اللائق بها، قال القرافي في «الفروق»: «ومن جعل يخرج الفروع بالمناسبات الجزئية دون القواعد الكلية تناقضت عليه الفروع واختلفت وتزلزلت خواطره فيها واضطربت، وضاقت نفسه لذلك وقنطت، واحتاج إلى حفظ الجزئيات التي لا تتناهى وانتهى العمر ولم تقض نفسه من طلب مناها، ومن ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات لاندراجها في الكليات، واتحد عنده ما تناقض عند غيره وتناسب»(1).

فالإلمام بهذه القواعد يمكن الفقيه والمفتي من تخريج المسائل ومعرفة أحكامها بطريقة سوية، فيساعده ذلك في استنباط الأحكام المناسبة للوقائع الجديدة، يقول السيوطي في «الأشباه والنظائر»: «اعلم أن فن الأشباه والنظائر فن عظيم، به يطلع على حقائق الفقه ومداركه، ومآخذه وأسراره، ويتمهر في فهمه واستحضاره، ويقتدر على الإلحاق والتخريج، ومعرفة أحكام المسائل التي ليست بمسطورة، والحوادث والوقائع التي لا تنقضي على ممر الزمان، ولهذا قال بعض أصحابنا: الفقه معرفة النظائر»(2).

التعريف بالمهارة:

هي قدرة المتصدر للفتوى على أن يخرج حكما في مسألة فقهية، من خلال قاعدة فقهية يفرعه عليها مستدلا بها عند عدم النص الشرعي، أو مستأنسا بها مع وجوده.

الأصل الشرعي للمهارة:

القواعد الفقهية مقررة لأحكام ثابتة في مسائلها وصورها، ومن ثم فإن كل قاعدة لها دليل شرعي يخصها، ولكن بعض القواعد تمثل بلفظها نصًّا شرعيًّا كقاعدة: «لا ضرر ولا ضرار»، وهي حديث نبوي أخرجه مالك في الموطأ وأحمد في مسنده، أو تمثله بمعناه كقاعدة: «الضرورات تبيح المحظورات»، فإنها مستفادة من قوله تعالى: ﴿ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﴾ [البقرة: ١٧٣]، وكذا قاعدة: «الأمور بمقاصدها»، فهي معنى الحديث المشهور: ((إنما الأعمال بالنيات))، فهذه تكون حجة بنفسها لاعتمادها على الدليل النقلي.

وأما القواعد التي أصلها الاستقراء للأحكام الفقهية، وهي أغلب القواعد فإنما تظهر أهميتها عند غياب الأدلة والنصوص الشرعية التي تشمل واقعة معينة، فيسترشد المفتي حينئذ بتلك القواعد ما دامت تتناول تلك الواقعة بصيغتها العامة، وبشرط أن يكون المستدل بها فقيهًا متمكنًا عارفًا بما يدخل تحت القاعدة مما هو من مشمولاتها، وما يكون من مستثنياتها إن وجد.

رُتبة المتصدر للفتوى:

من اللازم تحقق هذه المهارة لأعضاء «مجلس أمانة الفتوى» الذين ترفع إليهم الوقائع والمسائل للبت فيها بحكم، ولمن يضع معتمدات المؤسسة الإفتائية.

النطاق الفقهي للمهارة:

تدخل هذه المهارة في الإفتاء في جميع أبواب الفقه الإسلامي وخاصة في النوازل والمستجدات التي لا يوجد نص شرعي يشمل حكمها.

خطوات إعمال المهارة:

  1. تعيين الفرع.
  2. تعيين القاعدة الفقهية المتعلقة بالمسألة.
  3. تحديد معنى القاعدة.
  4. ذكر النص الشرعي في حالة الاستئناس بالقاعدة مع وجوده.
  5. التحقق من وجود مناط القاعدة.
  6. التحقق من عدم استثناء الفرع من القاعدة.
  7. تقرير الحكم المُخرَّج على القاعدة.

المثال التطبيقي:

المثال: مقدار دية قتل الخطأ

السؤال

ما مقدار الدية الشرعية لشخص قُتِل خطأً في حادث سيارة؟

الجواب

الدية شرعًا هي المال الواجب في النفس أو فيما دونها، والأصل في وجوبها قوله تعالى: ﴿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﴾ [النساء: ٩٢]، ولم يعيِّن الله تعالى في كتابه قدر الدية، والذي في الآية إيجابها مطلقًا، وليس فيها إيجابها على العاقلة أو القاتل، وإنما ذلك كله من السنة المشرفة.

وقد روى أبو داود من حديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: ((كَانَتْ قِيمَةُ الدِّيَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم ثَمَانمِائَةِ دِينَارٍ أَوْ ثَمَانِيَةَ آلافِ دِرْهَمٍ، وَدِيَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ يَوْمَئِذٍ النِّصْفُ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ: فَكَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ حَتَّى اسْتُخْلِفَ عُمَرُ فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: أَلا إِنَّ الإِبِلَ قَدْ غَلَتْ. قَالَ: فَفَرَضَهَا عُمَرُ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَيْ شَاةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَيْ حُلَّةٍ، قَالَ: وَتَرَكَ دِيَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَمْ يَرْفَعْهَا فِيمَا رَفَعَ مِنَ الدِّيَةِ))(3).

قال ابن عبد البر: في هذا الحديث ما يدل على أن الدنانير والدراهم صنف من أصناف الدية لا على وجه البدل والقيمة(4).

قد ثبتت الأخبار عن النبي ﷺ أنه قضى بدية الخطأ على العاقلة، وأجمع أهل العلم على القول به، فإن القاتل لو أخذ بالدية لأوشك أن تأتي على جميع ماله؛ لأن تتابع الخطأ لا يُؤْمَن، ولو تُرِك بغير تغريم لأُهدر دم المقتول.

وعاقلة الرجل عصبته من النسب، فيبدأ بفخذه الأدنى، فإن عجزوا ضم إليهم الأقرب فالأقرب المكلف الذكر الحر من عصبة النسب، ثم من بيت المال.

والحكم في الدية أن تقسَّط على العاقلة على ثلاث سنين على ما قضاه عمر وعلي .

وقال ابن عبد البر: أجمع العلماء قديمًا وحديثًا على أن الدية على العاقلة لا تكون إلا في ثلاث سنين، ولا تكون في أقل منها، وأجمعوا على أنها على البالغين من الرجال، وأجمع أهل السير والعلم أن الدية كانت في الجاهلية تحملها العاقلة، فأقرها رسول الله ﷺ في الإسلام، وكانوا يتعاقلون بالنصرة، ثم جاء الإسلام فجرى الأمر على ذلك حتى جعل عمر الديوان، واتفق الفقهاء على رواية ذلك والقول به، وأجمعوا أنه لم يكن في زمن رسول الله ﷺ ولا زمن أبي بكر ديوان، وأن عمر جعل الديوان وجمع بين الناس، وجعل أهل كل ناحية يدًا، وجعل عليهم قتال من يليهم من العدو(5) .

ولما كان هذا النظام غير متهيئ على كل الأحوال في عصرنا هذا، فإنا نرى الأخذ بقيمة أقل صنف من أصناف الدية؛ ولأن الأصل براءة الذمة مما زاد على ذلك، وذلك متحقق في الفضة، فتكون الدية اثني عشر ألف درهم، والدرهم عند الجمهور ٢.٩٧٥ جرامٍ تقريبًا، فيكون جملة ما هنالك ٣٥ كيلو جرامًا و٧٠٠ جرام من الفضة تُقوَّم هذه الكمية بسعر السوق طبقًا ليوم ثبوت الحق رضاءً أو قضاءً، ثم تقسَّط على ما لا يقل عن ثلاث سنين، وتتحملها العاقلة عن القاتل، فإن لم يمكن فالقاتل، فإن لم يستطع جاز أخذ الدية من غيرهم ولو من الزكاة(6).

كيفية تطبيق الخطوات الإجرائية على هذا المثال:

مالخطــــــواتالتطبيــــق
١تعيين الفرعتقويم الدية الواجبة في القتل الخطأ أيكون بالإبل أم بالذهب أم بالفضة؟ مع اختلاف القيمة الناتجة على كل صنف منها، فيكون على أعلاها أم أدناها أم أوسطها؟
٢تعيين القاعدة الفقهية المتعلقة بالمسألة:الأصل براءة الذمة، وهي قاعدة متفرعة من القاعدة الكبرى: «اليقين لا يزول بالشك»؛ لأن براءة الذمة أمر متيقن، وانشغالها أمر مشكوك فيه، فنأخذ بالمتيقن وهو البراءة، ونترك المشكوك فيه وهو الانشغال، وهذا ما تفيده القاعدة الكبرى.
٣تحديد معنى القاعدة:الذمَّة عند الفقهاء بمعنى النفس أو الذات التي لها عهد، والمراد بها هنا: أهلية الإنسان لتحمل عهدة ما يجري بينه وبين غيره من العقود الشرعية أو التصرفات.

فمعنى القاعدة عند الفقهاء: القاعدة المستمرة أن الإنسان بريء الذمة من وجوب شيء أو لزومه، وكونه مشغول الذمة خلاف الأصل، فلا بد من أن يكون ثبوت تكليفه بدليل.

٤النصوص الشرعية في المسألة:١- من الكتاب قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٍ أَن يَقۡتُلَ مُؤۡمِنًا إِلَّا خَطَٔٗاۚ وَمَن قَتَلَ مُؤۡمِنًا خَطَٔٗا فَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٖ مُّؤۡمِنَةٖ وَدِيَةٞ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦٓ إِلَّآ أَن يَصَّدَّقُواْۚ فَإِن كَانَ مِن قَوۡمٍ عَدُوّٖ لَّكُمۡ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٖ مُّؤۡمِنَةٖۖ وَإِن كَانَ مِن قَوۡمِۢ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُم مِّيثَٰقٞ فَدِيَةٞ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦ وَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٖ مُّؤۡمِنَةٖۖ فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ شَهۡرَيۡنِ مُتَتَابِعَيۡنِ تَوۡبَةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا} [النساء: ٩٢].
٢- من السنة قد روى أبو داود من حديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: ((كَانَتْ قِيمَةُ الدِّيَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم ثَمَانمِائَةِ دِينَارٍ أَوْ ثَمَانِيَةَ آلافِ دِرْهَمٍ، وَدِيَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ يَوْمَئِذٍ النِّصْفُ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ: فَكَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ حَتَّى اسْتُخْلِفَ عُمَرُ فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: أَلا إِنَّ الإِبِلَ قَدْ غَلَتْ. قَالَ: فَفَرَضَهَا عُمَرُ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَيْ شَاةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَيْ حُلَّةٍ، قَالَ: وَتَرَكَ دِيَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَمْ يَرْفَعْهَا فِيمَا رَفَعَ مِنَ الدِّيَةِ)).
٥التحقق من وجود مناط القاعدة:أنه إذا ثبت في الذمة حق من الحقوق، وتردد هذا الحق بين عدة قيم فقد تَيَقَّنَّا الأقل، وما زاد فهو مشكوك فيه، والأصل براءة ذمته منه، وقد ذكر السيوطي من فروع هذه القاعدة في «الأشباه والنظائر»: «اختلفا في قيمة المُتْلَف، حيث تجب قيمته على مُتْلِفِه، كالمستعير، والمستام، والغاصب، والمودع المتعدي، فالقول قول الغارم؛ لأن الأصل براءة ذمته مما زاد»(١).
٦التحقق من عدم استثناء الفرع من القاعدة:لم تُستثن المسألة من القاعدة بنص أو إجماع، ولكن قال بعضهم: إن الدنانير والدراهم على وجه البدل والقيمة من الإبل، ولكن لم يتم اختيار هذا القول، بل قال ابن عبد البر: «في الحديث ما يدل على أن الدنانير والدراهم صنف من أصناف الدية لا على وجه البدل والقيمة».
٧تقرير الحكم المُخرَّج على القاعدة:الأخذ بقيمة أقل صنف من أصناف الدية؛ لأن الأصل براءة الذمة مما زاد، وذلك متحقق في الفضة.

المعارف والتدريب اللازمان لاكتساب المهارة:

  1. الاطلاع على الكتب المصنفة في القواعد، وهي كثيرة في كل مذهب، وقد أسهم المعاصرون فيها بسهم كبير وخاصة في المقارنة بين قواعد المذاهب الأربعة.
  2. التدرُّب على كيفية استخراج القواعد الفقهية من كتب المذاهب المعتمدة.
  3. التدرُّب على الترجيح عند الاختلاف في القاعدة الفقهية وتحرير محل النزاع.

المهارات المتعلقة:

  1. مهارة التدليل على الفتوى.
  2. مهارة التيسير في الفتوى.
  3. مهارة التأهل للاجتهاد الجزئي.

1 الفروق (١/ ٣).

2 الأشباه والنظائر، السيوطي (ص٦).

3 أخرجه أبو داود، (٤٥٤٢).

4 التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، ، ابن عبد البر (١٧/ ٣٤٩).

5 الاستذكار، ، ابن عبد البر (٨/ ١٤٩).

6 فتوى دار الإفتاء المصرية عن الطلب المقيد برقم ٩١٠ لسنة ٢٠٠٥م.

(1)

1 الأشباه والنظائر للإمام السيوطي (ص٥٣).

مهارة تخريج الفتوى على الضوابط الفقهية

٣

 

الضوابط الفقهية عند المتقدمين لا فرق بينها وبين القواعد الفقهية، فكلاهما بمعنى واحد، ثم رأى المتأخرون بعض القواعد لا تسري على كل الأبواب الفقهية، بل تنظم بعض الصور من باب واحد، فأرادوا أن يميزوها عن الأخرى التي تنظم صورًا شتى من أبواب متفرقة، فجعلوا الضابط الفقهي خاصًّا بما ينتظم صورًا متشابهة في موضوع واحد من أبواب الفقه، يكشف عن حكم الجزئيات التي تدخل تحت موضوعه، قال السبكي(1) : «والغالب فيما اختص بباب وقصد به نظم صور متشابهة أن يسمى ضابطًا».

فعلى ذلك يكون نطاق الضابط الفقهي ضيقًا فهو لا يتعدى الموضوع الواحد، والقاعدة الفقهية تكون أعم وأشمل من حيث جمع الفروع وشمول المعاني، ولكن هذا الفرق بين المصطلحين لم يكن موضع اعتبار لدى كثير من المؤلفين في القواعد الفقهية؛ فإنهم لم يتمسكوا بهذا الفرق، فإطلاق القاعدة على الضابط أمر شائع في المصادر الفقهية وكتب القواعد.

التعريف بالمهارة:

هي قدرة المتصدر للفتوى على أن يُخرِّج حكمًا في مسألة فقهية، من خلال ضابط فقهي ويعتمد عليه في فتواه.

الأصل الشرعي للمهارة:

الضوابط الفقهية مقررة لأحكام ثابتة في مسائلها وصورها، ومن ثم فكل ضابط له دليل شرعي يخصه، وإنما تظهر أهميتها -كالقواعد الفقهية- عند غياب الأدلة والنصوص الشرعية التي تشمل واقعة معينة، فيسترشد المفتي حينئذ بتلك الضوابط ما دامت تتناول تلك الواقعة بصيغتها العامة، وبشرط أن يكون المستدل بها فقيهًا متمكنًا عارفًا بما يدخل تحتها مما هو من مشمولاتها، وما يكون من مستثنياتها إن وجد.

رُتبة المتصدر للفتوى:

من اللازم تحقق هذه المهارة لأعضاء «مجلس أمانة الفتوى» الذين ترفع إليهم الوقائع والمسائل للبت فيها بحكم، ولمن يضع معتمدات المؤسسة الإفتائية.

النطاق الفقهي للمهارة:

تدخل هذه المهارة في الإفتاء -كما في القواعد الفقهية- في جميع أبواب الفقه الإسلامي وخاصة في النوازل والمستجدات التي لا يوجد نص شرعي يشمل حكمها.

خطوات إعمال المهارة:

المتصدِّر للفتوى إذا عُرضت عليه مسألة، وكانت مما تتعلق بضابط فقهي، ويريد أن يُخرِّج حكمها وفق هذا الضابط، فينبغي عليه بعد تصوير وتكييف المسألة مراعاة ما يلي:

  1. تعيين الفرع الوارد في المسألة: وذلك بحصر مظانه المعهود ذكرها في كتب الفقه.
  2. تعيين الضابط الفقهي المتعلق بالمسألة: بأن يكون مما نص عليه الأئمة في كتبهم الفقهية أو الكتب الخاصة بالقواعد والضوابط الفقهية.
  3. تحديد معنى الضابط: بالوقوف على شرحه من كتبه المعتمدة.
  4. حصر الفروع المستثناة.
  5. التأكد من حقيقة هذا الحصر: وذلك لأن الأئمة كثيرًا ما يستدركون على هذا الحصر، فينبغي ألا يكتفي بمصدر واحد بل عليه مراجعة هذا الحصر في أكثر من مصدر.
  6. تخريج الفروع الواردة في المسألة المعروضة على هذا الضابط.
  7. تقرير الحكم المُخرَّج على هذا الضابط.

المثال التطبيقي:

المثال: الوطء في الدبر هل يوجب الغسل، وتحل به المطلقة ثلاثا؟

قال الإمام النووي الشافعي في «روضة الطالبين»: «الوطء في الدبر كالقبل إلا في سبعة أحكام: التحليل، والتحصين، والخروج من الفيأة، والتعنين، وتغير إذن البكر، والسادس أن الدبر لا يحل بحال، والقبل يحل في الزوجة والمملوكة. والسابع: إذا جومعت الكبيرة في دبرها، فاغتسلت ثم خرج مني الرجل من دبرها، لم يجب غسل ثان، بخلاف القبل، فقد يجيء في بعض المسائل وجه ضعيف، ولكن المعتمد ما ذكرناه»(2).

كيفية تطبيق الخطوات الإجرائية على هذا المثال:

مالخطــــــواتالتطبيــــق
١تعيين الفرع الوارد في المسألةالموطوءة في الدبر هل يجب عليها الغسل؟ وهل تحل لمطلقها ثلاثا بهذا الوطء إذا كان بعد عقد صحيح؟
٢تعيين الضابط الفقهي المتعلق بالمسألة:الوطء في الدبر كالقبل إلا في سبعة أحكام.
٣تحديد معنى الضابط:الإتيان في الدبر كالإتيان في القبل في أكثر الأحكام، كإفساد العبادة ووجوب الغسل من الجانبين ووجوب الكفارة في الصوم والحج وغيرها إلا في فروع مستثناة.
٤حصر الفروع المستثناة:– الوطء في الدبر لا يحصل به الإحصان.

– لا يحصل به التحليل بعد الطلاق المكمل للثلاث.

– لا تحصل به الفيأة أي الرجوع في الإيلاء.

– لا يزول به حكم التعنين.

– لا يشترط نطق الموطوءة في دبرها إذا استؤذنت في النكاح على الأصح.

– إذا جومعت الكبيرة في دبرها، فاغتسلت ثم خرج مني الرجل من دبرها، لم يجب غسل ثانٍ، بخلاف القبل.

– الدبر لا يحل بحال، والقبل يحل في الزوجة والمملوكة.

٥التأكد من حقيقة هذا الحصر:ينظر المتصدر للإفتاء في هذا الحصر هل استُدرِك عليه صور أم لا؟ ويطرح منها ما تجاوزه العصر كمسائل العبيد والإماء وأشباهها.

وبالنظر في هذا الحصر وجدنا أنه استدرك عليه صور كما في «المنثور في القواعد» للزركشي و«الأشباه والنظائر» للسيوطي، وهي بعد طرح ما لا يقع:

١- وَطَأَ زوجته في دبرها فأتت بولد، فله نفيه باللعان.

٢- لا كفارة على المفعول به في الصوم بلا خلاف، رجلًا كان أو امرأة، وفي القبل الخلاف المشهور.

٦تخريج الفروع الواردة في المسألة المعروضة على هذا الضابط:لا بد من النظر أولًا في استثناءات الضابط، فإن كان الفرع الذي معه منها فلا بد أن يتحقق فيه كل الشروط المذكورة، بمعنى أن يكون مطابقًا له تمام المطابقة، وإن لم يكن فيه فحينئذ عليه أن يعمل بالحكم الذي قبل الاستثناء.

وبالنظر إلى الفرعين المذكورين نجد أن الفرع الثاني مذكور في المستثنيات أنه لا يحصل التحليل به، وأما الأول فنجد أنه غير مذكور في الاستثناء فنعمل بالحكم الذي قبل الاستثناء وهو أنه كالقبل، والوطء في القبل يوجب الغسل مطلقًا أنزل به أم لا.

٧تقرير الحكم المُخرَّج على هذا الضابط:أن الموطوءة في الدبر يجب عليها الغسل مطلقًا.

وأن المطلقة ثلاثًا لا تحل لمطلقها بهذا الوطء.

المعارف والتدريب اللازمان لاكتساب المهارة:

  1. الاطلاع على الكتب التي اعتنت بذكر الضوابط كالأشباه والنظائر للتاج السبكي والسيوطي وابن نجيم، وكتب الفروق ككتاب الفروق للقرافي ومطالع الدقائق للإسنوي، والاعتناء في الفَرْق والاستثناء للبكري وغيرها.
  2. التدرُّب على كيفية استخراج الضوابط الفقهية من الكتب الفقهية.

المهارات المتعلقة:

  1. مهارة الفتوى وفق معتمد المذهب.
  2. مهارة التأهل للاجتهاد الجزئي.

1 الأشباه والنظائر،السبكي (١/ ١١).

2 روضة الطالبين وعمدة المفتين، (٧/ ٢٠٥).

ونقل هذا الضابط معزُوًّا للنووي السيوطي في «الأشباه والنظائر، (ص٢٧١).

مهارة التخريج الفقهي

٤

 

بعد أن استقرت المذاهب الفقهية المعتبرة، واجتهد أهل كل مذهب في معرفة الأحكام المنقولة عن صاحب المذهب في كل الفروع المنصوصة، استجدت لهم حوادث كثيرة احتاجوا إلى معرفة أحكامها، فالمنقول عن الأئمة محصور والوقائع غير متناهية، وكان المشهور عندهم أن باب الاجتهاد قد انقطع بعد هؤلاء الأئمة، فلجأ أصحاب المذاهب إلى استخراج أحكام هذه الوقائع من واقع الفروع التي لديهم، ونسبوها لأئمتهم، مع اختلافهم هل تنسب لهم صراحة أم لا؟ وهذا يشبه القياس على معاني النصوص الشرعية عند المجتهد، فهم قد قاسوا على فروع أئمتهم ولم يسموها قياسًا بل تخريجًا؛ ليفرقوا بينهما.

فبذلك خرجوا أحكامًا للفروع الجديدة بناء على الفروع القديمة، إذا تساوى الفرعان وانتفى الفارق بينهما، فينقل حكم الفرع القديم إلى الفرع الجديد فتسمى هذه العملية بالتخريج، فإذا عدموا النص للإمام خرَّجوا على قواعده، فالأول هو التخريج على الفروع، والثاني هو التخريج على القواعد والأصول، قال النووي في مقدمة «المجموع»: «ثم تارة يخرِّج من نص معين لإمامه، وتارة لا يجده، فيخرِّج على أصوله بأن يجد دليلًا على شرط ما يحتج به إمامه فيفتي بموجبه، فإن نص إمامه على شيء ونص في مسألة تشبهها على خلافه؛ فخرج من أحدهما إلى الآخر سُمِّيَ قولًا مُخرَّجًا، وشرط هذا التخريج أن لا يجد بين نصيه فرقًا، فإن وجده وجب تقريرهما على ظاهرهما، ويختلفون كثيرًا في القول بالتخريج في مثل ذلك لاختلافهم في إمكان الفرق»(1).

وفي «المسودة، لآل تيمية»: «التخريج هو نقل حكم مسألة إلى ما يشبهها والتسوية بينهما فيه»(2).

والذي يعنينا في هذه المهارة هو المعنى الأول، وهو تخريج الفروع المستجدة على الفروع المنقولة.

التعريف بالمهارة:

هو قدرة المتصدر للفتوى على إلحاق مسألة مستجدة لا يعرف حكمها، بمسألة قديمة تماثلها منصوص على حكمها عند الأئمة ويعطيها حكمها للتساوي بينهما وعدم الفارق.

الأصل الشرعي للمهارة:

١-أن القياس في الشرع جائز، وقد دل عليه الكتاب والسنة والإجماع، ويكون عند عدم وجود نص في الكتاب أو السنة، وكذلك القياس على نصوص الأئمة جائز للمجتهد في المذهب المقيد بأصول وقواعد إمامه، والفرق بين القياسين أن القياس الأصولي هو ما يفعله المجتهد المطلق من إخراج المسائل على النصوص من القرآن والسنة، بخلاف التخريج، وهو ما يفعله مجتهد المذهب من إخراج المسائل غير المنصوص عليها على نظائرها.

٢-أن المنع من تخريج الفروع على الفروع يؤدي إلى تعطيل الأحكام، وقد علل ابن عرفة ذلك فقال: (لأن الفرض عدم المجتهد لامتناع تولية المقلد مع وجوده، فإذا كان حكم النازلة غير منصوص عليه ولم يجز للمقلد المولَّى القياس على قول مقلده في نازلة أخرى تعطلت الأحكام)(3).

رُتبة المتصدر للفتوى:

من اللازم تحقق هذه المهارة لأعضاء «مجلس أمانة الفتوى» الذين ترفع إليهم المسائل الجديدة للبتِّ فيها بحكم، وكل مَن يضع معتمدات المؤسسة الإفتائية.

النطاق الفقهي للمهارة:

تدخل هذه المهارة في الإفتاء في النوازل الجديدة في جميع أبواب الفقه الإسلامي التي لم ينص الأئمة على حكم فيها.

خطوات إعمال المهارة:

  1. تعيين الفرع غير المنصوص عليه.
  2. حصر الفروع المشابهة بتتبع مظانها.
  3. تعيين الفرع المناسب للتخريج عليه.
  4. تعيين الجامع المشترك بينهما.
  5. التحقق من عدم وجود فارق.
  6. التحقق من عدم استثناء الفرع المنصوص عليه بنص أو إجماع.
  7. تقرير حكم الفرع بتخريجه على الفرع المنصوص عليه.

المثال التطبيقي:

المثال: مفاجأة الحيض للمرأة أثناء الحج

السؤال

امرأة حاضت قبل طواف الإفاضة (وهو ركن) وليس لديها وقت لأنها مرتبطة بأفواج ومواعيد الطائرات.

وليس لديها ما تعيش عليه إن هي تأخرت عن الفوج، وليس لديها ثمن بدنة؛ فماذا تصنع؟ أتطوف وهى حائض، أم تنيب عنها من يطوف بدلًا منها؟

الجواب

عن السؤال الأول: جاء في كتاب فتح العزيز للرافعي الكبير الشافعي في الفصل التاسع في الرمي من كتاب الحج أن: «العاجز عن الرمي بنفسه لمرض أو حبس ينيب غيره ليرمي عنه؛ لأن الإنابة جائزة في أصل الحج فكذلك في أبعاضه، وكما أن الإنابة في الحج إنما تجوز عند العلة التي لا يُرجى زوالها، فكذلك الإنابة في الرمي، لكن النظر هنا إلى دوامها إلى آخر وقت الرمي.

وكما أن النائب في أصل الحج لا يحج عن المنيب إلا بعد حجه عن نفسه، فالنائب في الرمي لا يرمي عن المنيب إلا بعد أن يرمي عن نفسه» (4).

وتخريجًا على هذا يجوز للمرأة إذا فاجأها الحيض قبل طواف الإفاضة، ولم يمكنها البقاء في مكة إلى حين انقطاعه أن تنيب غيرها في هذا الطواف على أن يطوف عنها بعد طوافه عن نفسه، وأن ينوي الطواف عنها نائبًا مؤديًا طوافها بكل شروطه(5).

كيفية تطبيق الخطوات الإجرائية على هذا المثال:

مالخطــــــواتالتطبيــــق
١تعيين الفرع غير المنصوص عليه:إنابة المرأة التي فاجأها الحيض قبل طوافها للإفاضة -ولم يمكنها البقاء في مكة إلى حين انقطاعه- غيرَها في هذا الطواف.
٢حصر الفروع المشابهة:أ- الإنابة في أصل الحج للعاجز عن الحج بنفسه.

ب- الإنابة في بعض مناسك الحج كالرمي لمن عجز عنه.

٣تعيين الفرع المناسب للتخريج عليهالإنابة في الرمي لمن عجز عنه.
٤تعيين الجامع المشترك بينهماالإنابة عند العجز عن الفعل بنفسه.
٥التحقق من عدم وجود فارقيوجد فارق بين المسألتين، وهو أن الإنابة في الحج إنما تجوز عند العلة التي لا يُرْجَى زوالها، وكذلك الإنابة في الرمي، لكن النظر فيها إلى دوامها إلى آخر وقت الرمي، والطواف لا وقت لآخره، والحيض لا يدوم بل ينقطع.

ولكن يجاببأن يجعل وقته في حقها إلى سفر الرفقة ما دامت لا يمكنها التخلف، فيكون النظر بدوام الحيض إلى هذا الوقت، فحينئذ ينتفي الفارق.

٦التحقق من عدم استثناء الفرع المنصوص عليه بنص أو إجماعلم يرد استثناء للفرع المذكور بنص أو إجماع.
٧تقرير حكم الفرع بتخريجه على الفرع المنصوص عليهيجوز للمرأة التي فاجأها الحيض قبل طواف الإفاضة ولم يمكنها البقاء في مكة إلى حين انقطاعه أن تنيب غيرها في هذا الطواف، على أن يطوف عنها بعد طوافه عن نفسه، وأن ينوي الطواف عنها نائبًا مؤديًا طوافها بكل شروطه.

المعارف والتدريب اللازمان لاكتساب المهارة:

  1. الاطلاع على الكتب التي اعتنت بذكر الفروق ككتاب «الفروق» للقرافي و«مطالع الدقائق» للإسنوي، و«الاعتناء في الفَرْق والاستثناء» للبكري وغيرها، وكذا الكتب التي تشمل القواعد والضوابط الفقهية، وتذكر فيها الفروق بين المسائل المتشابهة، كـ«الأشباه والنظائر» للتاج السبكي والسيوطي وابن نجيم.
  2. الاطلاع على الكتب المفردة للتخريج الفقهي، منها على سبيل المثال التخريج عند الفقهاء والأصوليين للدكتور: يعقوب بن عبد الوهاب الباحسين.
  3. دورة تدريبية في كيفية تخريج الفروع على الفروع.

المهارات المتعلقة:

  1. مهارة تفريق الأحكام.
  2. مهارة الفتوى وفق معتمد المذهب.
  3. مهارة التلفيق الفقهي.

1 المجموع شرح المهذب (١/ ٤٤).

2 المسودة في أصول الفقه، (ص٥٣٣).

3 مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (٦/ ٩٢).

4 انظر: فتح العزيز بشرح الوجيز (٧/ ٤٠٠، ٤٠١).

5 فتوى دار الإفتاء المصرية بتاريخ ٩ صفر ١٤٠٢ هجرية – ١٥ ديسمبر ١٩٨١ م.

اترك تعليقاً