البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

وحدة مهارات منهجية الفتوى

60 views
  1. مهارة الفتوى وفق معتمد المذهب.
  2. مهارة التلفيق الفقهي.
  3. مهارة الاختيار الفقهي.
  4. مهارة الخروج من الخلاف.
  5. مهارة مراعاة الخلاف.
  6. مهارة الاستفادة من فتاوى المجامع الفقهية.
  7. مهارة التيسير في الفتوى.
  8. مهارة المشاورة في الفتوى.
  9. مهارة التدليل على الفتوى.

مهارة الفتوى وفق معتمد المذهب

١

 

تَمُرُّ صناعة الفتوى بمراحل متعددة ومختلفة داخل المؤسسات الإفتائية حتى تكون الفتوى على شكلها الأخير الذي يراه المستفتي؛ حيث إن صناعة «مُعتَمَد الفتوى» لدى المؤسسات الإفتائية تعد من الأمور المهمة والضرورية لضبط عملية الفتوى داخل المؤسسة وخارجها، بما لا يؤدي إلى تضارب أو تناقض، أو عدم ملاءمة الفتوى للزمان والظروف والأحداث داخل البيئة التي أُصْدِرَتْ فيها الفتوى؛ لذا كان حرص المؤسسات الإفتائية على الدقة والتأني فيما يصدر عنها من فتاوى وأحكام؛ لما يترتب على ذلك من مآلات وآثار.

وكل مؤسسة إفتائية لها منهجها الخاص بها في إصدار الفتاوى لديها واعتماده، فمنها مَنْ يعتمد مذهبًا معينًا يكون هو الأصل المعتمد عليه في الفتوى، وأساسًا لمنطلقاتها وخياراتها الفقهية، فقد تعتمد المذهب الحنفي أو الشافعي أو المالكي أو الحنبلي أو غير ذلك مما تقتضيه طبيعة المجتمع وظروفه ومدى توطن المذهب وانتشاره داخل المجتمع.

ونستطيع أن نرصد أهم آليات صناعة معتمد الفتوى لدى المؤسسات الإفتائية في النقاط التالية:

  1. هناك مسائل إفتائية تتداخل مع القضاء واختيارات القانون الفقهية، ويشمل هذا قضايا الأحوال الشخصية والمواريث والوقف وبعض أحكام الجنايات، وهنا تعتمد المؤسسة الإفتائية ما في القانون من اختيارات فقهية وشرعية؛ حتى لا يكون هناك تضارب بين الفتوى والقضاء؛ كما أن حكم الحاكم يرفع الخلاف.
  2. مسائل النوازل والمستحدثات والقضايا الفقهية المعاصرة، غالبًا لا تكتفي المؤسسة فيها باعتماد مذهب فقهي معين؛ لما في ذلك من مشقة وحرج وتضييق، بل تتسع دائرة الحجية عندها لتشمل المذاهب السنية الأربعة وغيرها من مذاهب المجتهدين العظام كالأوزاعي والطبري وغيرهم.
  3. الفتاوى التي لا تشمل القسمين السابقين كفتاوى العبادات ومسائل المعاملات المالية وهنا يكون معتمد المذهب الذي اختارته المؤسسة الإفتائية هو المعتمد لديها للفتوى.

التعريف بالمهارة:

هي القدرة على استخراج المعتمد للفتوى وفق مذهب فقهي أو تخريج المسائل حال عدم النص عليها طبقًا لقواعد وأصول ذلك المذهب.

الأصل الشرعي للمهارة:

أن الوصول إلى الرأي الشرعي السليم لا يتحقق إلا ببيان القوي من الضعيف من الأقوال والآراء الفقهية المختلفة على مر العصور، والوصول إلى الراجح والمعتمد في المذهب يكون عن طريق أصول البحث العلمي الدقيق، من خلال المعرفة والاطلاع على أسس ومسالك هذا المذهب، والأسس والقواعد التي وضعها فقهاء المذهب للترجيح.

رُتبة المتصدر للفتوى:

مُعتَمَد الفتوى لدى المؤسسات الإفتائية على نوعين من حيث تبليغ الفتوى للمستفتين:

أولًا: فتاوى قد اعتمدتها المؤسسة الإفتائية بالفعل واستقرت عليها، ويشمل هذا النوع أغلب فتاوى المؤسسة، وهي الأسئلة المكررة يوميًّا، وهي لا تحتاج إلى مزيد عناء، ومُهمة متصدر الفتوى فقط هي إبلاغ المستفتي بالفتوى المعتمدة التي تنطبق على سؤاله، وهذا النوع من الفتاوى يمكن أن يقوم به مفتي الضرورة ولا يحتاج إلى مستويات إفتائية معينة.

ثانيًا: فتاوى تحتاج إلى تفتيش وبحث عنها في كتب المذاهب المعتمدة، وهذا لا يقوم به إلا المستوى الإفتائي الأعلى من المفتين، والذين لديهم القدرة على استخراج معتمدات المذهب والتخريج على قواعده وأصوله، ولديهم اطلاع واسع على كتبه ومصطلحاته.

النطاق الفقهي للمهارة:

تشمل هذه المهارة جميع الأبواب الفقهية:

وحتى قضايا الأحوال الشخصية التي تخضع للأحكام التي اختارها القانون تنص بعض قوانين الأحوال الشخصية في بعض البلاد على العمل فيها بالأرجح من مذهب معين، فيلجأ القضاة حينئذ للمجتهدين من المفتين لمعرفة أرجح الأقوال في هذا المذهب أو معتمد الفتوى فيه.

خطوات إعمال المهارة:

  1. تحديد صورة المسألة.
  2. تعيين المذهب المعتمد للفتوى.
  3. استخراج المُفتى به في المذهب في هذه المسألة، عن طريق:
    • النص عليها في الكتب المعتمَدة للمذهب بغير خلاف.
    • النص عليها في الكتب المعتمَدة للمذهب ولكن مع وجود اختلاف؛ فيقوم بترجيح المعتمد وفقًا لآليات وقواعد المذهب في الترجيح.
    • إذا لم يُنص على معتمَد الفتوى فيها في كتب المذهب المعتمَدة من متون وشروح لجأ حينئذ إلى كتب المتقدمين والمتأخرين لتحرير وتحقيق معتمَد المذهب في هذه المسألة.
    • إذا لم تُذكر أصلًا في كتب المذهب؛ فيقوم بتخريجها وفق أصول وقواعد المذهب، أو إلحاقها بأقرب الفروع شبهًا (انظر مهارة التخريج الفقهي).
  4. توثيق الفتوى أو المسألة من الكتب المعتمدة في المذهب.
  5. تنزيل الفتوى على الواقع بكل أبعاده من مراعاة المآلات، والموازنة بين المصالح والمفاسد، ومراعاة جهات الفتوى الأربع، ومدى مناسبتها لظروف المجتمع وعاداته.

المثال التطبيقي:

المثال: عدم إقرار المطلقة بانقضاء عدتها في مدة تحتمل انقضاء عدتها فيها

السؤال:

رجل طلق امر أته ثلاثًا وقيَّد ذلك في دفتر المأذون، وبعد مُضِيِّ خمسة شهور انقضت فيها عدتها، أراد المطلق أن يتزوج بنت أختها لأمها وعلمت بذلك مطلقته؛ فأرادت الانتقام من مطلقها مما دعاها إلى عدم إقرارها بانقضاء عدتها.

فهل يجوز لمطلِّقها أن يتزوج بنت أختها المذكورة سواء أقرَّت مطلقته بانقضاء عدتها أم لا، رغم مُضِيِّ مدة التربص بالعدة؟

الجواب:

قال ابن الهمام في فتح القدير: «إذا قال الزوج: أخبرتني بأن عدتها قد انقضت فإن كانت في مدة لا تنقضي في مثلها لا يقبل قوله ولا قولها إلا أن تُبيِّن ما هو محتمل من إسقاط سقط مستبين الخلق فحينئذٍ يقبل قولها، ولو كانت في مدة تحتمله فكذبته لم تسقط نفقتها، وله أن يتزوج بأختها لأنه أمر ديني يُقبَل قوله فيه»(1).

وقال ابن عابدين في «رد المحتار»: «فالحاصل أنه يعمل بخبريهما بقدر الإمكان؛ بخبره فيما هو حقه وحق الشرع، وبخبرها في حقها من وجوب النفقة والسكنى. والمسألة مفروضة فى الاختلاف مع زوجها الذي طلقها(2).

ومن ذلك يعلم أنه يجوز شرعًا لهذا الرجل -والحال ما ذكر- أن يتزوج بنت أخت مطلقته متى كانت المطلقة أخبرت بانقضاء عدتها والمدة تحتمله، ولا يمنع من ذلك عدم إقرارها بانقضاء عدتها بعد ذلك(3).

كيفية تطبيق الخطوات الإجرائية على هذا المثال:

مالخطــــــواتالتطبيــــق
١تحديد صورة المسألة:عدم إقرار المطلقة بانقضاء عدتها في مدة تحتمل انقضاء عدتها فيها.
٢تعيين المذهب المعتمد:المذهب الحنفي.
٣استخراج المُفتى به في المذهب في هذه المسألةالمسألة منصوص عليها في الكتب المعتمدة بلا خلاف
٤توثيق الفتوى أو المسألة؛ من الكتب المعتمدة في المذهب:قال ابن الهمام في «فتح القدير، الجزء الرابع، ص: ٦٥٢، طبعة دار الفكر، بيروت»: «إذا قال الزوج: أخبرَتْنِي بأن عدتها قد انقضت فإنْ كانت في مدة لا تنقضي في مثلها لا يُقبَل قوله ولا قولها إلا أن تُبيِّن ما هو محتمل من إسقاط سَقْط مُستَبِين الخَلْق فحينئذٍ يُقبَل قولها، ولو كانت في مدة تحتمله فكذبته لم تسقط نفقتها، وله أن يتزوج بأختها لأنه أمر ديني يقبل قوله فيه».

وقال ابن عابدين في «رد المحتار، الجزء الثالث، ص : ٥٣٠، طبعة دار الفكر، بيروت»: «فالحاصل أنه يعمل بخبريهما بقدر الإمكان. بخبره فيما هو حقه وحق الشرع، وبخبرها في حقها من وجوب النفقة والسكنى. والمسألة مفروضة في الاختلاف مع زوجها الذي طلقها».

٥تنزيل الفتوى على الواقعنجد أن الفتوى متطابقة على الواقع ومتناسبة تمام المناسبة مع ظروف المجتمع ومحققة لمقاصد الشريعة.

المعارف والتدريب اللازمان لاكتساب المهارة:

  1. الاطلاع الواسع على كتب المذهب ومعرفة مصطلحاته الخاصة، والكتب المعتمدة داخل المذهب من متون وشروح وفتاوى.
  2. ملازمة شيوخ المذهب المتقنين العالمين بخباياه وأسراره؛ فلا تتكون الملكة الفقهية إلا بهذا الطريق.
  3. تنمية وتطوير ملكة البحث الإفتائي، والقدرة على تأصيل الأقوال الفقهية.

المهارات المتعلقة:

  1. مهارة مراعاة القانون في الفتوى.
  2. مهارة البحث الإفتائي.
  3. مهارة التخريج الفقهي.
  4. مهارة تخريج الفتوى على القواعد الأصولية.
  5. مهارة تخريج الفتوى على القواعد الفقهية.
  6. مهارة تنزيل الفتوى.

1 فتح القدير، (٤/ ٦٥٢).

2 رد المحتار على الدر المختار، (٣/ ٥٣٠).

3 فتاوى دار الإفتاء المصرية، فتوى عدة المطلقة بالحيض، المحرم ١٣٣٦ هجرية

مهارة التلفيق الفقهي

٢

 

مصطلح التلفيق الفقهي من المصطلحات التي ظهرت لدى المتأخرين بعد أن استقرت المذاهب الفقهية وانتشرت وشاع تقليدها في الأقطار والأمصار، لكنَّ الذي ظهر عند المتقدمين ويشبه التلفيق هو مصطلح (تَتَبُّع الرُّخَص) أي البحث عن أيسر الآراء الفقهية في كل مذهب والأخذ بها لمجرد التشهي والتخفُّف من تحمُّل التكاليف الشرعية، وذلك مع تغافل المتتبِّع للرخص عن مآل الأمر ومدى موافقته لمقاصد التشريع وتحقيقه لها من عدمه.

ووجه التشابه بين تتبُّع الرخص وبين التلفيق هو أن كليهما فيه تقليد وانتقاء لبعض الأمور الفقهية من عدة مذاهب مختلفة، أما وجه المفارقة بين الأمرين فهو أنَّ تتبُّع الرخص يكون في مسائل متفرقة لا تتركب منها هيئة واحدة أو عبادة واحدة كَمَنْ أخذ برخصة للحنفية في الوضوء، ورخصة للشافعية في الطلاق، ورخصة للمالكية في البيوع؛ لِمَا في هذه الرخص من تيسير، أما التلفيق فيكون في الأجزاء التي تتركب منها مسألة واحدة، مما ينتج عنه حكم واحد لم يقل به مجتهد، وذلك كمن قلد الحنفية في جواز ترك الترتيب بين أفعال الوضوء، وقلد الشافعية في جواز الاقتصار على مسح أقل من ربع الرأس، فرغم أن الترتيب مسألة ومسح الرأس مسألة لكنَّ كليهما يعتبر جزءًا يتركب منه مسألة كبيرة أو قضية مستقلة وهي: هل الوضوء بهذه الكيفية الملفقة صحيح يعتد به في رفع الحدث أم لا؟

ومسألة التلفيق مبنية على مسألة إحداث قول ثالث إذا انحصر خلاف المجتهدين في عصر في قولين. ففي كل موضع يمتنع فيه إحداث القول الثالث يمتنع فيه جواز أخذ المقلد بالتلفيق في المسألة الواحدة، ويحصل ذلك إذا كان القول الثالث مخالفًا للإجماع، ففي هذه الحالة يمتنع فيه التلفيق، وأيضًا إذا خالفت الصورةُ المركبة التي قال بها المجتهدُ الثالث الإجماعَ، وأما إذا وافق بعض هذه الصورة التي أدى إليها اجتهاد المجتهد الثالث قول مجتهد وخالف بعضها قول مجتهد آخر، فإنه في هذه الحالة يكون قولًا معتبرًا ما لم يخرج عن إجماع الأمة.

قال الإمام السبكي في الإبهاج: «إنه إذا اختلف أهل العصر في المسألة على قولين: هل يجوز لمن بعدهم إحداث قول ثالث؟ وفيه ثلاثة مذاهب:

  • الأول:المنع مطلقًا وعليه الجمهور.
  • والثاني:الجواز مطلقًا وعليه طائفة من الحنفية والشيعة وأهل الظاهر.
  • والثالث:وهو الحق عند المتأخرين وعليه الإمام واتبعه الآمدي؛ أن الثالث إن لزم منه رفع ما أجمعوا عليه لم يجز إحداثه وإلا جاز» (1).

والتلفيق أداة ووسيلة قد يحتاج المجتهد والفقيه والمفتي إلى اللجوء إليها بشروطها، للتخيُّر من المذاهب المتعددة والفقه الإسلامي الوسيع؛ بُغية التيسير على المسلم في تطبيق أحكام الشريعة المطهرة.

كما أنه يعتبر وسيلة للاستفادة من الاجتهادات الفقهية المتعددة والتراث الفقهي الكبير الذي ورثته الأمة الإسلامية عبر قرون متعددة، ومن ثقافات متنوعة وحضارات مترامية، وفي الوقت ذاته يمثل مفهوم التلفيق فكرة عبقرية لكيفية التعامل مع الواقع المتغيِّر المتشابك بدون خروج عن فهم العلماء السابقين لمعالم المنهج الفقهي عبر عصور الإسلام المختلفة.

وهناك عدة شروط لا بد من تو افرها للعمل بالتلفيق وهي كالآتي:

  • الشرط الأول: أن تكون هناك حاجة داعية إلى العمل بالتلفيق، فلا يجوز لمجرد العبث أو الهوى أو التهرب من التكليفات الشرعية أو محبة الظهور وادعاء التجديد الفقهي؛ لما في ذلك من الاستخفاف بما قدمه فقهاؤنا العظام من آراء واجتهادات مثَّلَتْ على مر القرون ثروةً علمية وحرية فكرية بنَّاءة تُعدُّ مفخرة للأمة الإسلامية.
  • الشرط الثاني:ألا يترتب على التلفيق تركيب حكم يخالف الإجماع أو يخالف نصًّا قاطعًا في دلالته.
  • الشرط الثالث:ألا يترتب على التلفيق ما يتعارض مع مقاصد الشريعة وطبيعتها، وذلك كمن لفَّق في عقد النكاح وتزوج بلا شهود؛ مقلدًا لمالك في عدم اشتراطهم، وبلا ولي للمرأة؛ مقلدًا لأبي حنيفة، وبلا صداق؛ مقلدًا للشافعي، فهذا التلفيق يتعارض مع مقاصد الشريعة لما يترتب عليه من مفاسد؛ كتعريض الزوج والزوجة للتهمة، وضياع حق المرأة، وتسهيل الزنا، والتحايل بهذا التلفيق لدرء التهمة عن الزانيين.

التعريف بالمهارة:

هي جمع المفتي في فتواه بين أقوال مختلطة وشروط مختلفة للفقهاء في حكم مسألة واحدة معينة؛ بما يعني حدوث قول جديد لم يقل به أحد من الفقهاء المجتهدين الأقدمين، وهو في نفس الوقت ليس خارجًا عن جميع أقوالهم ولم يخالف في قوله هذا إجماع الأمة.

ومن هنا يتبين أن حقيقة التلفيق تؤول إلى الأخذ بأكثر من مذهب فقهي في نفس الوقت وفي نفس القضية بحيث يحصل من هذا المزج هيئة مركبة لم يقل بمجموعها أحدهم، وإنما قال بعضُهم ببعض أجزائها وقال غيرهم ببعض آخر.

الأصل الشرعي للمهارة:

تستند هذه المهارة إلى الأدلة التالية:

  1. القول بجواز التلفيق الفقهي مبني على جواز تقليد العامي للمجتهد مطلقًا، وجواز إحداث قول ثالث في المسألة فمن أجاز هذا يجيز التلفيق.
  2. وعلى هذا الفرض فإنه يكون اجتهادًا جديدًا للمجتهد في المسألة المدروسة وليس خروجًا عن قول المجتهدين القدامى، وباب الاجتهاد مفتوح لكل من استكمل أدواته ورُزِقَ ملكاته.
  3. لم يُنقَل عن الصحابة الكرام أو التابعين -على كثرة مذاهبهم وتباينهم- أن أحدًا منهم قال لمن استفتاه: الواجب عليك أن تراعي أحكام مذهب مَنْ قلدتَه؛ لئلا تلفق في عبادتك بين مذهبين أو أكثر، ولو كان التلفيق ممنوعًا لما أهملوا التحذير منه.
  4. القول بمشروعية التلفيق يتوافق مع يسر الشريعة الإسلامية ورفع الحرج، والقول بعدم مشروعيته يؤدي للحكم بفساد عبادات العوام، فإنه من النادر أن تجد عاميًّا يلتزم بموافقة مذهب معين في جميع عباداته ومعاملاته. وإلزام العوام بذلك فيه من الحرج والمشقة ما لا يخفى، فقد عمت بلوى العوام بالحاجة للقول بصحة عباداتهم الملفقة التي لا تصح إذا قيست بمعيار وشروط مذهب واحد فقط.

رتبة المتصدر للفتوى:

يلزم تحقُّق هذه المهارة للمستوى الأعلى من أمناء الفتوى كأعضاء «مجلس أمانة الفتوى» ومن يضع معتمدات المؤسسة الإفتائية.

النطاق الفقهي للمهارة:

تدخل مهارة التلفيق الفقهي في المسائل المختلف فيها، ولا تدخل في المسائل المجمع عليها.

خطوات إعمال المهارة:

  1. تعيين المسألة.
  2. التحقُّق من أن المسألة خلافية.
  3. حصر الأقوال في المسألة.
  4. حصر صور التلفيق الممكنة.
  5. حذف الصور التي تخرق الإجماع.
  6. وجه الحاجة إلى التلفيق بالنظر في:
    • الضرورة.
    • الحاجة.
    • عموم البلوى.
  7. تحديد الصورة التي تتحقق بها المصلحة.
  8. تقرير الحكم المستند على التلفيق.

المثال التطبيقي:

المثال: بيع المر ابحة للآمر بالشراء

السؤال

هل يجوز أن يطلب العميل من المصرف شراء سلعة معينة يحدد جميع أوصافها ويحدد مع المصرف الثمن الذي سيشتريها به العميل بعد إضافة الربح الذي يتفق عليه بينهما؟

الجواب

صدر قرار عن المؤتمر الأول للمصرف الإسلامي المنعقد في دبي في المدة من ٢٣-٢٥ جمادى الثانية ١٣٩٩هـ الموافق ٢٢ مايو ١٩٧٩م، جاء فيه ما نصه: هذا التعامل يتضمن وعدًا من عميل المصرف بالشراء في حدود الشروط المنوَّه عنها، ووعدًا آخر من المصرف بإتمام هذا البيع بعد الشراء طبقًا لذات الشروط، ومثل هذا الوعد ملزم للطرفين طبقًا لأحكام المذهب المالكي، وملزم للطرفين ديانة طبقًا لأحكام المذاهب الأخرى، وما يلزم ديانة يمكن الإلزام به قضاءً إذا اقتضت المصلحة ذلك وأمكن للقضاء التدخل فيه. اهـ.

وفي المدة ما بين ٦-٨ جمادى الآخرة عام ١٤٠٣هـ الموافق ٢١-٢٣ آذار ١٩٨٣م عقد المؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي بالكويت، وأصدر قراره الذي جاء فيه:

يقرر المؤتمر أن المواعدة على بيع المرابحة للآمر بالشراء بعد تملك السلعة المشتراه للآمر وحيازتها ثم بيعها لمن أمر بشرائها بالربح المذكور في الوعد السابق هو أمر جائز شرعًا طالما كانت تقع على المصرف مسئولية الهلاك قبل التسليم وتبعة الرد فيما يستوجب الرد بعيب خفي.

وأما بالنسبة للوعد وكونه ملزمًا للآمر أو المصرف أو كليهما فإن الأخذ بالإلزام هو حفظ لمصلحة التعامل واستقرار المعاملات، وفيه مراعاة لمصلحة المصرف والعميل وإن الأخذ بالإلزام أمر مقبول شرعًا، وكل مصرف مخيَّر في أخذ ما يراه في مسألة القول بالإلزام حسبما تراه هيئة الرقابة الشرعية لديه. اهـ.

كيفية تطبيق الخطوات الإجرائية على هذا المثال:

مالخطــــــواتالتطبيــــق
١تعيين المسألة:حكم بيع المرابحة للآمر بالشراء مع كون الوعد ملزمًا للمتعاقدين
٢التحقق من أن المسألة خلافية:إذا كانت المواعدة غير ملزمة للطرفين مع عدم ذكر مقدار الربح، أو مع ذكر مقدار الربح فإن هاتان الحالتان يكاد يكون جوازهما محل إجماع بين المعاصرين.

أما بيع المرابحة بصورته الملزمة للطرفين أو لأحدهما فقد اختلف فيه المعاصرون على قولين:

الأول: الإباحة والصحة.

الثاني: التحريم والبطلان.

٣حصر الأقوال في المسألة:مذهب الحنفيةيرى الحنفية الإباحة مع كون الوعد غير ملزم. قال السرخسي: «رجل أمر رجلًا أن يشتري دارًا بألف درهم وأخبره أنه إن فعل اشتراها الآمر منه بألف ومائة فخاف المأمور إن اشتراها أن لا يرغب الآمر في شرائها قال: يشتري الدار على أنه بالخيار ثلاثة أيام فيها ويقبضها ثم يأتيه الآمر فيقول له: قد أخذتها منك بألف ومائة فيقول المأمور: هي لك بذلك، ولا بد له أن يقبضها على أصل محمد – رحمه الله – فأما عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله لا حاجة إلى هذا الشرط لجواز التصرف في العقار قبل القبض عندهما، والمشتري بشرط الخيار يتمكن من التصرف في المشترى بالاتفاق، وإن اختلفوا أنه هل يملكه مع شرط الخيار أم لا؟ فإنما قال الآمر: يبدأ ليتمكن من التصرف في المشترى فيقول: أخذت منك بألف ومائة؛ لأن المأمور له لو بدأ قال: بعتها منك ربما لا يرغب الآمر في شرائها ويسقط خيار المأمور بذلك فكان الاحتياط في أن يبدأ الآمر حتى إذا قال المأمور: هي لك بذلك، ثم البيع بينهما، وإن لم يرغب الآمر في شرائها يمكن المأمور من ردها بشرط الخيار فيندفع الضرر عنه بذلك»(٢).
مذهب المالكيةعدم جواز هذا العقد واعتباره نوعًا من الربا.

جاء في الموطأ عن مالك (أنه بلغه أن رجلًا قال لرجل: ابتع لي هذا البعير بنقد حتى أبتاعه منك إلى أجل، فسأل عن ذلك عبد الله بن عمر فكرهه ونهى عنه)(٣).

وقال ابن رشد -وهو يُعدِّد صور بيع العينة: (الثانية أن يقول له -أي مريدُ الشراءِ للبائع: اشتر سلعة كذا بعشرة نقدًا وأنا أبتاعها منك باثني عشر إلى أجل، فهذا لا يجوز) (٤).

ووجه المنع من ذلك: بيع المأمور السلعة قبل أن يمتلكها؛ لأنه يجعل الوعد من العميل بالشراء لازمًا لا انفكاك له منه، قال ابن رشد: (لأنه كان على مواطأة بيعها قبل وجوبها للمأمور، فدخله بيع ما ليس عندك)(٥).

وقد نص المالكية على حظر المواعدة على بيع ما ليس عندك، أي بيع الأعيان قبل أن يملكها الشخص وتصبح في ضمانه، أو التي لا يقدر على تسليمها، والوعد الملزم عند المالكية أغلبه في التبرعات. وفي ذلك يقول الونشريسي: (قاعدة «الأصل منع المواعدة بما لا يصح وقوعه في الحال حماية»، ومن ثم منع مالك المواعدة في العدة، وعلى بيع الطعام قبل قبضه ووقت نداء الجمعة، وعلى ما ليس عندك)(٦).

وبيع المرابحة للآمر بالشراء عند المالكية يدخل تحت بيع ما ليس عندك..

مذهب الشافعية: جواز هذا البيع في صورته غير الملزمة للواعد بالشراء.

يقول الإمام الشافعي رحمه الله: (وإذا أرى الرجلُ الرجلَ السلعة، فقال: اشتر هذه وأربحك فيها كذا. فاشتراها الرجل: فالشراء جائز، والذي قال: أربحك فيها:

بالخيار، إن شاء أحدث فيها بيعًا، وإن شاء تركه. وهكذا إن قال: اشتر لي متاعًا -ووصفه له- أو: متاعًا أيَّ متاع شئت، وأنا أربحك فيه: فكل هذا سواء، يجوز البيع الأول، ويكون هذا فيما أعطى من نفسه بالخيار. وسواء في هذا ما وصفت إن كان قال: أبتاعه وأشتريه منك بنقد أو دين: يجوز البيع الأول، ويكونان بالخيار في البيع الآخر، فإن جدداه جاز، وإن تبايعا به على أن ألزما أنفسهما الأمر الأول فهو مفسوخ من قبل شيئين: أحدهما أنه تبايعاه قبل أن يملكه البائع، والثاني أنه على مخاطرة أنك إن اشتريته على كذا أربحك فيه كذا)(٧).
مذهب الحنابلة: الإباحة مع كون الوعد من المأمور غير ملزم، ولم نجد نصًّا في المسألة عند الحنابلة إلا ما جاء عن الإمام ابن القيم، فقد قال: (رجل قال لغيره: اشتر هذه الدار أو هذه السلعة من فلان بكذا وكذا، وأنا أربحك فيها كذا وكذا، فخاف إن اشتراها أن يبدو للآمر فلا يريدها، ولا يتمكن من الرد، فالحيلة أن يشتريها على أنه بالخيار ثلاثة أيام أو أكثر، ثم يقول للآمر: قد اشتريتها بما ذكرت، فإن أخذها منه، وإلا تمكن من ردها على البائع بالخيار، فإن لم يشترها الآمر إلا بالخيار فالحيلة أن يشترط له خيارًا أو نقص من مدة الخيار التي اشترطها هو على البائع؛ ليتسع له زمن الرد إن ردت عليه)(٨).

ولو كان الوعد من المأمور ملزمًا ما كان قال: (فالحيلة) بل كان يمكنه القول أن هذا الوعد ملزم للآمر مباشرة من غير أن يشتري المأمور السلعة بالخيار.

٤حصر صور التلفيق الممكنةصورة التلفيق في هذه المسألة: أن عقد المرابحة للآمر بالشراء مع كون الوعد ملزمًا لم يقل به أي من المذاهب بل هي صورة تلفيقية، فأخذوا جواز المرابحة للآمر بالشراء من كلام الشافعية وغيرهم، وأخذوا الإلزام بالوعد من كلام المالكية، فقد رأى المالكية إمكان الإلزام القضائي بالواعد في بعض الحالات، فطبقه القائلون بالإلزام على هذه الحالة، فخرجوا بنص فقهي لم يقل به فقيه.
٥حذف الصور التي تخرق الإجماع:هذا القول الملفَّق لم يخرج عن الإجماع.
٦وجه الحاجة إلى التلفيقأن القول بجواز هذه المعاملة فيه تيسير على الناس، ومن المعلوم أن الشريعة الإسلامية قد جاءت برفع الحرج عن الناس والتيسير عليهم.
٧تحديد الصورة التي تتحقق بها المصلحة:الصورة التي تتحقق بها المصلحة جواز هذه المعاملة مع الإلزام بالوعد.

وأخذ المصارف بهذه المعاملة يحقق لها مصلحة تتفق مع طبيعتها كمؤسسة للتمويل من خلال هدفين:

الأول: تحقيق مصالح من يتعاملون معها سواء من الأفراد أو الأشخاص الاعتبارية؛ لأن المصرف أو البنك يمكن أن يبيع لهم بثمن آجل، كأن يدفع العميل جزءًا من الثمن في الحال ويمهله بما تبقى، أو يبيعه بالأقساط ابتداء ويؤجل كل الثمن.

الثاني: تحقيق مصلحة المصرف في تمويل شراء السلع التي يرغب فيها من ليس لهم الكفاية من المال للحصول عليه، وحصول المصرف على ربح مقدر لقاء تمويله لشراء السلعة، وتمكين الآمر بالشراء من الحصول عليها، أي أن ربح المصرف يقدر بمقدار الفرق بين ثمن بيع السلعة للآمر، والتكلفة التي يتحملها البنك في سبيل توفير السلعة.

والقول بالإلزام بالمواعدة فيه مصلحة للعاقدين: مِن جهة الاطمئنان إلى إتمام العقد، وفيه مصلحة عامة مِن جهة استقرار المعاملات وضبطها، وتقليل النزاع والخلاف، ومع هذه المصلحة، فلا محظورَ في القول بالإلزام

كما أنَّ قواعد الشريعة جاءت بمنع الإضرار بالآخرين، وبرفعه إنْ وقَع، كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «لا ضَررَ ولا ضِرار»، وفي القول بعدمِ الإلزام بالمواعدة إضرارٌ بالمصرف، فقد يأتي المصرفُ بالسلعة على الوصف المرغوب، ثم يبدو للواعد ألا يأخذها، ولا يجد البنك مَن يشتريها منه؛ لكونها جاءت حسب مواصفات محدَّدة، وهذا ممَّا يُوقِع الضرر الشديد بالمصرف.

فإلزام العميل بوعده، لا يَعني إطلاقًا إلزامه بإتمامِ عملية الشراء؛ لأنَّ البيع لا يتمُّ إلا عن تراضٍ، ولكن ذلك يقتضي إلزام العميل بجَبْر الضرر المترتِّب على البنك مِن جرَّاء دخول البنك – بناء على وعد العميل – في عملية شراءٍ، ما كان له أن يدخل فيها لولا وعد العميل بشرائها منه، وفي حال عدم رغبة العميل الوفاء بوعده، وإتمام العملية، يقوم البنك ببيع السلعة إلى طرف ثالث، حسب السعر الجاري في السوق، فإن ترتَّب على عملية البيع خسارةٌ عن التكلفة الفعلية للشراء، فيجب على العميل حينئذٍ تعويض البنك عن تلك الخسارة(٩).

٨تقرير الحكم المستنِد على التلفيق:بيع المرابحة للآمر بالشراء مع كون الوعد ملزمًا للمتعاقدين عقد صحيح يتفق مع القواعد العامة للعقود في الشريعة الإسلامية.

المعارف والتدريب اللازمان لاكتساب المهارة:

  1. إتقان مناهج البحث الإفتائي.
  2. دراسة الفقه المقارن.

المهارات المتعلقة:

  1. مهارة مراعاة القانون.
  2. مهارة القدرة على استعمال المخارج الفقهية.
  3. مهارة البحث الإفتائي.
  4. مهارة مراعاة المآلات.

1 الإبهاج في شرح المنهاج، (٢/ ٣٦٩).

(1)

1٢ المبسوط (٣٠/ ٢٣٧، ٢٣٨).

(1) (2) (3) (4)

1٣ موطأ الإمام مالك رواية أبي مصعب الزهري (٢٥٦٥).

2٤ البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة، لابن رشد القرطبي (٧/ ٨٧).

3٥ المقدمات الممهدات، لابن رشد القرطبي (٢/ ٥٨).

4٦ إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك (ص ١١٤).

(1) (2)

1٧ الأم، للإمام محمد بن إدريس الشافعي (٣/ ٣٩).

2٨ إعلام الموقعين عن رب العالمين (٤/ ٢٣).

(1)

1٩ انظر: العمل المصرفي الإسلامي أصوله وصيغه وتحدياته، لأحمد سفر (ص١٢٥)، المعاملات المالية أصالة ومعاصرة، لدبيان بن محمد الدبيان (١٢/ ٣٦١، ٣٦٢).

مهارة الاختيار الفقهي

٣

 

صناعة الفتوى تعتمد في الأساس على التراث الفقهي، ولا شك أن توسيع قاعدة المعتمد الفقهي باتباع منهج التَّخيير بين المذاهب ليشمل المذاهب المعتبرة مع أقوال الفقهاء المجتهدين، يُنتِج مرونة كبيرة تُمكِّن المتصدر للفتوى من إصدار الفتوى المناسبة لمقتضيات الواقع والضرورة والأعراف، ومراعاة كافة الضوابط التي من شأنها أن تخرج بالفتوى موافِقَة لمقاصد التشريع.

فعدم تقيُّد المتصدر للفتوى بمذهب معين، وتوسيع دائرة النظر في معتمدات المذاهب الفقهية وأقوال الفقهاء المجتهدين على مرِّ القرون، والتخيُّر من كل ذلك التراث الفقهي ما يتناسب وحال المستفتي ويحقق مقاصد الشرع، وفي نفس الوقت لا يخرج عن أصول الشريعة الإسلامية، نوع من أنواع التيسير ورفع الحرج، وملاءمة الشريعة للواقع المتجدد.

والأصل جواز تقليد كل إمام مجتهد وفي اختلاف الأئمة سعة ورحمة، فمتى كانت هناك مصلحة راجحة أو مشقة مطلوبٌ رفعها ويتحقق هذا بالاعتماد على رأي فقهي ثابت النسبة لإمام مجتهد ولو من غير الأئمة الأربعة فلا مانع حينئذ من الأخذ به سواءٌ كان في الإفتاء أو القضاء أو عمل النفس، قال العلامة النفراوي: «وَبِالْجُمْلَةِ يَجِبُ اعْتِقَادُ أَنَّ جَمِيعَ الْمُجْتَهِدِينَ عَلَى هَدْيٍ حَتَّى مَنْ هُجِرَ مَذْهَبُهُ، وَامْتِنَاعُ تَقْلِيدِ غَيْرِ الْأَرْبَعَةِ إنَّمَا هُوَ لِعَدَمِ حِفْظِ مَذَاهِبِهِمْ فَلَا يُنَافِي أَنَّ جَمِيعَهُمْ عَلَى خَيْرٍ مِنَ اللَّهِ وَهُدًى وَلَيْسُوا عَلَى ضَلَالٍ وَلَا بِدْعَةٍ»(1).

وقال أيضًا: «وَقَدِ انْعَقَدَ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ عَلَى وُجُوبِ مُتَابَعَةِ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعِ: أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَعَدَمِ جَوَازِ الْخُرُوجِ عَنْ مَذَاهِبِهِمْ، وَإِنَّمَا حَرُمَ تَقْلِيدُ غَيْرِ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ، مَعَ أَنَّ الْجَمِيعَ عَلَى هُدًى لِعَدَمِ حِفْظِ مَذَاهِبِهِمْ لِمَوْتِ أَصْحَابِهِمْ وَعَدَمِ تَدْوِينِهَا، وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْأَرْبَعَةِ، وَكَذَا مَنْ عَدَاهُمْ مِمَّنْ يُحْفَظُ مَذْهَبُهُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَدُوِّنَ حَتَّى عُرِفْتَ شُرُوطُهُ وَسَائِرُ مُعْتَبَرَاتِهِ، فَالْإِجْمَاعُ الَّذِي نَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ كَابْنِ الصَّلَاحِ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْقَرَافِيِّ عَلَى مَنْعِ تَقْلِيدِ الصَّحَابَةِ يُحْمَلُ عَلَى مَا فُقِدَ مِنْهُ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ»(2).

وعلى هذا فإنه يجوز الخروج عن المذاهب الفقهية الأربعة في الفتيا والعمل إذا لم يشترط ولي الأمر في تولية المفتي أن يلتزم الإفتاء على مذهب معين، وبشرط أن يقف على حقيقة المذهب الذي يفتي به، ويستوثق من نسبته إلى صاحبه من أئمة الاجتهاد، وبشرط ألا يترتب على ذلك حصول مفاسد واضطرابات في المجتمع.

فالمتصدر للفتوى هنا يروم تحقيق استفادة شاملة من التراث الفقهي الغزير الذي خلَّفه الفقهاء من المذاهب الفقهية الأربعة ومن غيرها من تراث المجتهدين، وتطويع تلك الثروة الفقهية في صناعة الفتوى، مع مراعاة مقتضيات الزمان والمكان بما يحقق مقصود الفتوى.

التعريف بالمهارة:

هي توسيع دائرة الاختيار الفقهي لتشمل آراء المذاهب الأربعة وغيرها، واختيار الأوفق منها لحال المستفتي، تحقيقًا لمقاصد الشرع.

الأصل الشرعي للمهارة:

تستند هذه المهارة إلى قوله تعالى: {وَلَوۡ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰٓ أُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنۡهُمۡ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسۡتَنۢبِطُونَهُۥ مِنۡهُمۡۗ} [النساء: ٨٣].

رتبة المتصدر للفتوى:

يلزم تحقق هذه المهارة لأعضاء «مجلس أمانة الفتوى» الذين تُرفع إليهم المسائل المستجدَّة للبَتِّ فيها بحُكمٍ، ولمن يضع المعتمد للمؤسسة الإفتائية.

النطاق الفقهي للمهارة:

تدخل مهارة الاختيار من سائر المذاهب الفقهية المعتبرة في المسائل الخلافية في جميع الأبواب الفقهية، ولا تدخل في المسائل القطعية المجمع عليها.

خطوات إعمال المهارة:

  1. تعيين المسألة.
  2. حصر الآراء الواردة المسألة.
  3. النظر في المآل المترتب على العمل بكل قول منها.
  4. النظر في أقوال المجتهدين خارج المذاهب الفقهية وإلى الأدلة التي استندت إليها إذا كان سيترتب على التقيد بالمذاهب الفقهية الأربعة في المسألة حرج أو مشقة أو ضرر، ويُراعَى:
    • عدم مصادمة هذه الأقوال لنص قطعي من نصوص الشرع.
    • عدم مصادمتها لأصل من الأصول الشرعية المتفق عليها.
    • الوقوف على حقيقة قول المجتهد والاستيثاق من نسبته إلى صاحبه.
  5. بيان المتصدر للفتوى وجه الاختيار إذا كان الرأي المختار مخالفًا لما هو مشهور عند أهل العلم.
  6. تقرير الحكم وإصداره.

المثال التطبيقي:

المثال: الطلاق المعلق

السؤال

حلف رجل على زوجته بالطلاق أنها إذا ذهبت إلى بيت أختها تكون طالقًا، فهل يجوز له التحلل من هذا اليمين؟ مع أنه كان قاصدًا بنية الطلاق على أن زوجته لم تذهب حتى الآن(3).

الجواب

المعمول به في الديار المصرية إفتاء وقضاء أن الطلاق المعلق لا يقع به طلاق إذا كان بغرض الحمل على فعل شيء أو تركه؛ سواء وقع المعلق عليه أم لا؛ وذلك أخذًا بمذهب جماعة من فقهاء السلف والخلف في ذلك …

كيفية تطبيق الخطوات الإجرائية على هذا المثال:

مالخطــــــواتالتطبيــــق
١تعيين المسألةحكم الطلاق المعلق.
٢حصر الآراء الواردة في المسألةمذهب جمهور الفقهاء من المذاهب الأربعة وقوع الطلاق المعلق إذا وجد ما علق عليه، ومذهب الإمام علي، وشريح وعطاء والحكم بن عتيبة وداود وأصحابه، وابن حزم عدم وقوع الطلاق المعلق الذي في معنى اليمين وهو الذي يقصد به التخويف أو الحمل على فعل شيء أو تركه.
٣النظر في المآل المترتب على العمل بكل قول– يترتب على العمل بقول جمهور الفقهاء إنهاء كثير من العلاقات الزوجية نظرًا لكثرة تعليق الأزواج في هذا الزمان الطلاقَ على فعل شيء أو تركه بغرض التهديد أو المنع أو غيرهما، وفي هذا إلحاق الضرر بالزوجات والأولاد.

– يترتب على العمل بقول القائلين بعدم وقوع الطلاق المعلق حفظ كيان الأسرة والإبقاء على عُرَى الزوجية وهو مقصد معتبر.

٤النظر في أقوال المجتهدين خارج المذاهب الفقهية وإلى الأدلة التي استندت إليها إذا كان سيترتب على التقيد بالمذاهب الفقهية الأربعة في المسألة حرج أو مشقة أو ضرر:يرى الإمام علي، وشريح وعطاء والحكم بن عتيبة وداود وأصحابه، وابن حزم عدم وقوع الطلاق المعلق الذي في معنى اليمين وهو الذي يقصد به التخويف أو الحمل على فعل شيء أو تركه، وهذا الرأي:

– لا يصادم أصلًا من أصول الشريعة ولا نصًّا قطعيًّا.

– وهو قول لأئمة من أهل الاجتهاد، ونسبته لهم صحيحة، واستندوا فيه إلى أدلة معتبرة.

٥بيان المتصدر للفتوى وجه الاختيار إذا كان الرأي المختار مخالفًا لما هو مشهور عند أهل العلم.مذهب جمهور الفقهاء من المذاهب الأربعة وقوع الطلاق المعلق إذا وجد ما علق عليه، والرأي المختار هو عدم الوقوع، ووجه الاختيار أنه يترتب على العمل بقول القائلين بعدم وقوعه حفظ كيان الأسرة والإبقاء على عُرَى الزوجية، وهو مقصد شرعي معتبر.
٦تقرير الحكم وإصداره:عدم وقوع الطلاق المعلق إذا كان بغرض الحمل على فعل شيء أو تركه؛ سواء وقع المعلق عليه أم لا.

المعارف والتدريب اللازمان لاكتساب المهارة:

  1. إتقان مناهج البحث الإفتائي.
  2. دراسة كتب الخلاف العالي (الفقه المقارن).

المهارات المتعلقة:

  1. مهارة تحليل الفتوى.
  2. مهارة البحث الإفتائي.
  3. مهارة مراعاة موجبات تغير الفتوى.

1 الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، (١/ ٢٤).

2 الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (٢/ ٣٥٦).

3 فتاوى دار الإفتاء المصرية، الطلب المقيد برقم (٧) لسنة ٢٠١٠م.

مهارة الخروج من الخلاف

٤

 

مسائل الفقه الإسلامي على كثرتها وتشعُّبها تشمل الوفاق والخلاف، فالوفاق حاصل في مسائل الإجماع وهذه لا تجوز مخالفتها، والخلاف هو المسائل الفقهية التي خَفِيَتْ دلالتها واختلفت فيها أنظار الأئمة، وهذه تُسمَّى مسائل الخلاف، وهي جُلُّ المسائل الفقهية، وبما أن هذه المسائل لا قَطْعَ فيها، وقول كل مجتهد فيها صواب عند نفسه ولكنه يحتمل الخطأ، وقول الآخر خطأ يحتمل الصواب، فلا يقطع بصواب قوله، ولا بخطأ مخالفه، وهذا من باب الاحتياط فلذلك أسس الأئمة قاعدة تسمى: الخروج من الخلاف، وهي أنَّ مَن يعتقد جواز الشيء يترك فعله إن كان غيرُه يعتقده حرامًا، وقد يستحبه إن كان غيره يوجبه.

يقول التاج السبكي: «اشتهر في كلام كثير من الأئمة، -ويكاد يحسبه الفقيه مُجْمَعًا عليه- أن الخروج من الخلاف أولى وأفضل، وقد أشكل بعض المحققين على هذا، وقال: الأولوية والأفضلية إنما يكون حيث سنة ثابتة وإذا اختلفت الأمة على قولين: قول بالحل وقول بالتحريم، واحتاط الْمُسْتَبْرِئ لدينه وجرى في فعله على الترك؛ حذرًا من ورطات الحرمة لا يكون فعله ذلك سنة؛ لأن القول بأن هذا الفعل متعلق الثواب من غير عقاب على الترك قول لم يقل به أحد، إن الأئمة كما ترى بين قائل بالإباحة، وقائل بالتحريم فمن أين الأفضلية.

وأنا أجيب عن هذا بأن أفضليته ليست لثبوت سنة خاصة فيه، بل لعموم الاحتياط والاستبراء للدين، وهو مطلوب شرعًا مطلقًا؛ فكان القول بأن الخروج أفضل ثابتًا من حيث العموم، واعتماده من الورع المطلوب شرعًا؛ فمن ترك لعب الشطرنج معتقدًا حِلَّه خشية من غائلة التحريم فقد أحسن وتورع»(1) .

وهذه القاعدة يعبر عنها أيضًا بمراعاة الخلاف عند جمهور الفقهاء، وأما المالكية، فإنهم يفرقون بينهما فعندهم هما قاعدتان مستقلتان وهو ما جرينا عليه فجعلنا لكل قاعدة منهما مهارة مستقلة.

التعريف بالمهارة:

هي إرشاد المتصدر للفتوى المستفتي إلى قول يخرج به من خلاف العلماء في المسألة بشروطه المعتبرة.

الأصل الشرعي للمهارة:

أدلة هذه المهارة ثابتة بالكتاب والسنة:

  1. فمن الكتاب قوله تعالى: ﴿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﴾[الحجرات: ١٢]قال التاج السبكي «فلا يخفى أنه أمر باجتناب بعض ما ليس بإثم خشية من الوقوع فيما هو إثم؛ وذلك هو الاحتياط، وهو استنباط جيد»(2).
  2. وأما من السنة ما جاء في الصحيحين: عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: ((اخْتَصَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فِي غُلَامٍ، فَقَالَ سَعْدٌ: هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ، ابْنُ أَخِي عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ، انْظُرْ إِلَى شَبَهِهِ، وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: هَذَا أَخِي يَا رَسُولَ اللهِ، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي مِنْ وَلِيدَتِهِ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِلَى شَبَهِهِ، فَرَأَى شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ، فَقَالَ: هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بِنْتَ زَمْعَةَ، قَالَتْ: فَلَمْ يَرَ سَوْدَةَ قَطُّ))(3).

قال النووي في شرحه: «قوله ﷺ: ((واحتجبي منه يا سودة))» فأمرها به ندبًا واحتياطًا؛ لأنه في ظاهر الشرع أخوها لأنه ألحق بأبيها لكن لما رأى الشبه البين بعتبة بن أبي وقاص خشي أن يكون من مائه فيكون أجنبيًّا منها فأمرها بالاحتجاب منه احتياطًا»(4).

رُتبة المتصدر للفتوى:

من اللازم تحقُّق هذه المهارة لكل أمناء الفتوى خاصة الذين لهم تعامل مباشر مع المستفتين عبر إحدى الوسائل الإفتائية.

النطاق الفقهي للمهارة:

تدخل هذه المهارة في الإفتاء في جميع المسائل المختلف فيها عند الفقهاء، ولكن بشرط أن يكون الخلاف معتبرًا وهو الخلاف الذي يكون عليه دليل معتبر قوي، ويكون هناك مسوغ للنصح به ولكي يكون كذلك فلا بد من توفر شروط فيه:

  1. أن يكون مأخذ الخلاف قويًّا، فلا اعتداد بالآراء الضعيفة والشاذة (ينظر مهارة تجنُّب الشذوذ في الفتوى).
  2. ألا يؤدي الخروج منه إلى محذور شرعي من ترك سنة ثابتة، أو اقتحام أمر مكروه.
  3. ألا يؤدي الخروج منه إلى الوقوع في خلاف آخر.
  4. ألا تكون المسألة قد صدر فيها حكم قضائي فحكم القاضي يرفع الخلاف.

خطوات إعمال المهارة:

  1. تعيين المسألة.
  2. تحقيق المسألة من حيث الإجماع والخلاف.
  3. حصر الأقوال في المسألة.
  4. التحقق من شروط الخروج من الخلاف بالنظر في:
    • قوة مأخذ المخالف.
    • الوقوع في محذور.
    • الوقوع في خلاف آخر.
    • صدور حكم قضائي.
  5. تقرير الحكم مع النصح بالخروج من الخلاف.

المثال التطبيقي:

المثال: مسألة هل تخرج الكفارة نيئة أم مطبوخة؟

السؤال:

هل تخرج الكفارة نيئة أم مطبوخة؟

الجواب

أما إخراج الكفارة فجمهور الفقهاء يشترطون فيها التمليك، ولا تكفي عندهم الإباحة أو التمكين؛ لأن التكفير واجب مالي فلا بد أن يأخذه الفقير معلومَ القدر خلافًا للحنفية الذين يكفي عندهم في الكفارة تمكين الفقراء من الطعام بدعوتهم إلى غداء وعشاء متمسِّكين بأصل معنى الإطعام في اللغة وأنه اسم للتمكين من الطعام لا لتمليكه كما أن الله تعالى قال: ﴿ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﴾ [المائدة: ٨٩]. وإطعام الأهلين إنما يكون على جهة الإباحة، لا التمليك.

وبناءً على ذلك فلا مانع من إخراج الكفارة في صورة طعام مطهي، أخذا بقول من أجاز من العلماء، وإن كان الأولى إخراجه في صورة مواد جافة خروجا من الخلاف، لأن الخروج من الخلاف مستحب(5).

كيفية تطبيق الخطوات الإجرائية على هذا المثال:

مالخطــــــواتالتطبيــــق
١تعيين المسألةتمكين الفقير من الطعام هل يعتد به في الكفارة.
٢تحقيق المسألة من حيث الإجماع والخلاف.المسألة خلافية.
٣حصر الأقوال في المسألة.اختلف الفقهاء على قولين: الجمهور يشترط تمليكه للفقير، وبالتالي لا يكفي تمكين الفقير من الطعام على جهة الإباحة بلا تمليك ولا يعتد به في الكفارة، والحنفية على جواز تمكين الفقير من الطعام على جهة الإباحة ويعتد به في الكفارة.
٤التحقق من شروط الخروج من الخلافدليل المخالف قوي فَهُم تمسكوا بأصل معنى الإطعام المذكور في قوله تعالى: {إِطۡعَامُ عَشَرَةِ مَسَٰكِينَ مِنۡ أَوۡسَطِ مَا تُطۡعِمُونَ أَهۡلِيكُمۡ} [المائدة: ٨٩]، وإطعام الأهلين إنما يكون على جهة الإباحة، وأيضًا الإطعام في اللغة اسم للتمكين من الطعام لا لتمليكه.

-كما أنه لا يترتب على الخروج من الخلاف في هذه المسألة وقوع في محذور.

كما أنه لا يترتب على الخروج من الخلاف في هذه المسألة وقوع في خلاف آخر.

٥تقرير الحكم مع النصح بالخروج من الخلاف:الحكم المقرر في هذه المسألة أنه لا مانع من إخراج الكفارة في صورة طعام مطهي؛ أخذًا بقول مَن أجاز من العلماء، وإن كان الأولى إخراجه في صورة مواد جافة خروجًا من الخلاف.

المعارف والتدريب اللازمان لاكتساب المهارة:

  1. الاطلاع على الكتب المصنفة في مسائل الإجماع.
  2. المعرفة الجيدة بأحوال المستفتين لمعرفة من ينبغي منهم أن ينصح بذلك ممن لا ينصح.

المهارات المتعلقة:

  1. مهارة التواصل الفعال.
  2. مهارة تجنب الشذوذ في الفتوى.
  3. مهارة البحث الإفتائي.

1 الأشباه والنظائر، لتاج الدين السبكي (١/ ١١١، ١١٢).

2 الأشباه والنظائر (١/ ١١٠).

3 متفق عليه: أخرجه البخاري، (٢٢١٨)، ومسلم، (١٤٥٧).

4 المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (١٠/ ٣٩).

5 فتوى دار الإفتاء المصرية في الطلب المقيد برقم ١٥٠٨ لسنة ٢٠٠٨م

مهارة مراعاة الخلاف

٥

 

الخلاف في الفروع الفقهية أمر قد وقع في هذه الأمة منذ عهد النبي ﷺ فقد كان الصحابة يختلفون خاصة عند ابتعادهم عن رسول الله فيضطرون للاجتهاد، فإما أن يتفقوا وإما أن يختلفوا، كما وقع بينهم في الطريق لبني قريظة، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لَمَّا رَجَعَ مِنَ الأَحْزَابِ: ((لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، فَأَدْرَكَ بَعْضَهُمُ الْعَصْرُ فِي الطَّرِيقِ، وقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نُصَلِّي، لَمْ يُرَدْ مِنَّا ذَلِكَ، فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ))(1) . وكانوا أيضًا يختلفون في العمل الواحد بحضرته ﷺ ولا ينكر عليهم، بل يقرهم عليه فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ: ((كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي رَمَضَانَ، فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ، فَلَا يَجِدُ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ، يَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ قُوَّةً فَصَامَ، فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ، وَيَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ ضَعْفًا، فَأَفْطَرَ فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ))(2) ، واستمر الحال كذلك في عهد الصحابة ومَنْ بعدهم، ثم ظهرت مذاهب فقهية اختلفت فيما بينها في الأحكام الفرعية، وطرق استنباطها من الأدلة، واستمر العمل بها حتى وقتنا هذا.

والفتوى هي التطبيق العملي للشريعة؛ فلا بد أن يتوفر فيها من المرونة واليسر، كما هو حال الشريعة نفسها قال تعالى: ﴿ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﴾ [الحج: ٧٨]، وقوله سبحانه: ﴿ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﴾ [البقرة: ١٨٥]، فكل فتوى توقع المستفتي في حرج شديد، ينبغي النظر فيها ومراجعتها، حتى يُنفَى الحرج الواقع منها بالطرق والوسائل الشرعية، إما بالدلالة على غيره ممن لا يرى رأيه في المسألة، أو بإخبار المستفتي هذا القول ليستطيع أن يقلده ويعمل به، عند الضرورة والحاجة إليه.

التعريف بالمهارة:

قدرة المتصدر للفتوى على تمييز المسائل التي يفتَى بها بحكم شرعي ملزم قد قال به بعض الأئمة لدليل بحيث تكون فتواه على خلاف المعتمد لوجود مقتضٍ شرعي.

وقد يخلط الكثير بين مصطلحي «مراعاة الخلاف» و«الخروج من الخلاف»، فيسوون بينهما في الحكم والأثر، وهذا غير صحيح؛ لأن بين المصطلحين فرقًا كبيرًا:

فمراعاة الخلاف أصل من أصول المالكية، وقاعدة ينبني عليها كثير من أحكام الفروع الفقهية، وعمدة في الحكم يجب الرجوع إليه، ولا يعرفه بهذا المعنى غير المالكية؛ لأنه مراعاة للخلاف بعد وقوع الحادثة، فهو محاولة للتوفيق بين ما يترتب عن دليل الحكم مجردًا، وبين ما يترتب عنه بعد تطبيقه عمليًّا، فهو مراعاة للاقتضاءين معًا، الاقتضاء الأصلي المجرد، والاقتضاء التبعي المصحوب ببعض إشكالات التطبيق، فهو نظر جديد أسفر عن اعتبار دليل المخالف بعد أن كان مرجوحًا في أصل النظر، وهذا لا يقول به غير المالكية.

وأما قاعدة الخروج من الخلاف فقد قال بها جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة، وهي الإتيان بالعبادة أو المعاملة المختلف فيها على وجه معتبر عند الجميع على سبيل الندب والاستحباب، ورعًا واحتياطًا لا وجوبًا وإلزامًا كما هو الحال عند المالكية.

وعلى ذلك فيمكن استنتاج الفروق بين هاتين القاعدتين على النحو التالي:

أولًا: مراعاة الخلاف يترتب عليها ترك المجتهد لازم دليله والعمل بلازم دليل مخالفه، وبذلك أصبح دليله بعد الوقوع حجة في موضع وليس حجة في موضع آخر؛ فالحكم يكون مبنيًّا على الدليلين معًا. ومن أمثلته: نكاح الشغار، والحكم فيه فسخ النكاح؛ لأنه منهي عنه، وهو مدلول دليل الإمام مالك لكن بطلاق لازم، ويقع فيه الإرث بين الزوجين، وهو لازم دليل الإمام أبي حنيفة القائل بأن النهي للكراهة، وأنه عقد صحيح اشتمل على شرط فاسد، والشروط الفاسدة لا تبطل العقود.

وأما الخروج من الخلاف فلا يترتب عليه مخالفة الخارج منه للازم دليله، ولكنه قول بمقتضى دليل المخالف على وجه لا يخالف دليله في مدلوله أو لازمه. ومن أمثلته: استيعاب الرأس بالمسح عند الإمام الشافعي، مراعاة لخلاف الإمام مالك والظاهر عن الإمام أحمد اللذين يقولان بأن فرض المسح يتعلق بالرأس كله.

ثانيًا: الخروج من الخلاف مستحب ورعًا واحتياطًا للدين كما صرح به الزركشي وغيره، ولم يقل أحد بوجوبه، وأما مراعاة الخلاف فهي واجبة عند المالكية.

ثالثًا: الخلاف الذي راعاه فقهاء المالكية قبل وقوع الحادثة من قبيل الخروج من الخلاف المستحب، وهم كبقية الفقهاء في ذلك، وأما الخلاف الذي راعوه بعد وقوع الحادثة فمن قبيل إعمال دليل في لازم مدلوله الذي أُعمل في نقيضه دليل آخر، وهو معنى مراعاة الخلاف، وهو خاص بهم.

رابعًا: العمل بقاعدة الخروج من الخلاف أخذ بأشد المذاهب المتساوية أو المتقاربة على نفسه لوازع الخوف من الله تعالى، وأما قاعدة مراعاة الخلاف فهي أخذ بالأيسر ورفع للحرج والمشقة؛ لأنها من جملة أنواع الاستحسان(3).

الأصل الشرعي للمهارة:

تنبني مراعاة الخلاف في الفتوى على عدة قواعد فقهية مقررة وهي:

  1. أن المشقة تجلب التيسير، ودفع الحرج عن المكلفين المفهوم من قوله تعالى: ﴿ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﴾ [الحج: ٧٨]، وقوله سبحانه: ﴿ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﴾ [البقرة: ١٨٥].
  2. أنه لا ينكر المختلف فيه وإنما ينكر المجمع عليه.
  3. تقليد من أجاز عند الابتلاء، فلأن يقدم المكلف على فعل شيء وله وجه يجيزه بعض المجتهدين، خير من أن تغلق أمامه كل الأبواب فلا يجد أمامه إلا اقتحام المحرم، ومن ثم يجترئ بعد ذلك على محرمات أُخَر، ولنا في فعل الأئمة المجتهدين الورعين أسوة؛ ففي «روضة الناظر»: «أن الإمام أحمد سئل عن مسألة في الطلاق فقال: إن فعل حنث. فقال له: يا أبا عبد الله، إن أفتاني إنسان -يعني: لا يحنث- فقال: تعرف حلقة المدنيين؟ -حلقة بالرصافة- فقال: إن أفتوني به حَلّ؟ قال: نعم»(4).

رُتبة المتصدر للفتوى:

من اللازم تحقُّق هذه المهارة لأعضاء «مجلس أمانة الفتوى» الذين ترفع لهم الفتاوى المشكلة والجديدة للبت فيها بحكم.

النطاق الفقهي للمهارة:

تدخل هذه المهارة في الإفتاء في جميع المسائل المختلف فيها عند الفقهاء ولكن بشرط أن يكون الخلاف معتبرًا وهو الخلاف الذي يكون عليه دليل معتبر قوي، ويكون هناك مسوغ للأخذ بالرأي المخالف للمعتمد، ولكي يكون كذلك فلا بد من توفر شروطٍ فيه:

  1. أن يكون مأخذ الخلاف قويًّا، فلا اعتداد بالآراء الضعيفة والشاذة (ينظر مهارة تجنب الشذوذ في الفتوى).
  2. أن يكون المخالف من أهل الاجتهاد ليصح تقليده في المسألة.
  3. ألا تكون المسألة قد رفع فيها الأمر للقضاء فحكم القاضي يرفع الخلاف.
  4. أن تكون هناك مصلحة متحققة يجلبها الأخذ بغير المعتمد، أو مفسدة متحققة يدفعها.
  5. أن يكون العدول عن القول المعتمد مقتصرًا على الوقائع الخاصة للضرورة والحاجة التي تنزل منزلتها.
  6. أن تسمح المؤسسة لهذا المتصدر بذلك في الوقائع الخاصة، فإن لم تسمح له بذلك فعليه رفع الفتوى للرتبة الأعلى ليتم النظر فيها.

خطوات إعمال المهارة:

  1. تعييين المسألة.
  2. تعيين المعتمد للفتوى من المذهب أو المؤسسة.
  3. معرفة حال السائل.
  4. الآثار المترتبة على القول المعتمد بالنسبة للسائل.
  5. النظر في المسألة من حيث الإجماع والخلاف وهل هو خلاف معتبر أم لا
  6. الآثار المترتبة على مقابل المعتمد.
  7. الموازنة بين الآثار المترتبة على القولين من حيث:
    • رفع الحرج.
    • جلب المصلحة.
    • درء المفسدة.
  8. تقرير الحكم المترتب على مراعاة الخلاف بإعمال القول المخالف.

المثال التطبيقي:

المثال: الإجهاض قبل نفخ الروح

السؤال:

سائل يسأل: عن الإجهاض لزوجته قبل مائة وعشرين يومًا وهي مضطربة نفسيًّا يخشى عليها ازدياد المرض في فترة الحمل خاصة لامتناع أخذ مضادات الاكتئاب في هذه المدة.

الجواب:

المعتمد في هذه المسألة هو مذهب المالكية الذين يرون حرمة الإجهاض مطلقًا سواء قبل نفخ الروح أو بعده، ولكن نظرًا لوجود العذر، وهو الخوف على هذه الزوجة من زيادة المرض بالانتكاس بسبب التوقف عن تعاطي العلاج فإنه يفتى بالجواز مراعاة لخلاف المذاهب الأخرى في المسألة.

كيفية تطبيق الخطوات الإجرائية على هذا المثال

مالخطــــــواتالتطبيــــق
١تعيين المسألةالإجهاض قبل نفخ الروح (قبل مائة وعشرين يومًا).
٢تعيين المعتمد للفتوى من المذهب أو المؤسسة:حرمة الإجهاض مطلقًا قبل النفخ وبعده.
٣معرفة حال السائل:تعاني من مرض نفسي تحتاج معه لأدوية تضطر لإيقافها مدة الحمل مما تسوء فيه حالتها.
٤الآثار المترتبة على القول المعتمد بالنسبة للسائل:يخشى على السائلة زيادة المرض بالانتكاس بسبب إيقاف العلاج، وقد تعتريها وساوس وأفكار بالانتحار.
٥النظر في المسألة من حيث الإجماع والخلاف وهل هو خلاف معتبر أم لاالمسألة من المختلف فيه على أربعة أقوال:

الأول: الإباحة مطلقًا أي: سواء أكان بعذر أو بغير عذر، قال به بعض الحنفية والشافعية، وقال به اللخمي من المالكية ولكن قبل الأربعين.

والثاني: الإباحة: بشرط وجود عذر قال به بعض الحنفية والشافعية أيضًا.

والثالث: الكراهة: واختلفوا بين أن تكون تنزيهية أو تحريمية وهو رأي يقابل المعتمد عند المالكية كراهة تنزيه، وقال به بعض الحنفية كراهة تحريم.

والرابعالحرمة مطلقًا قبل النفخ وبعده حتى لو قبل الأربعين وهو معتمد مذهب المالكية، وهو الأوجَه عند ابن حجر الهيتمي من الشافعية، وهو قول الإمام الغزالي وابن العماد من الشافعية أيضًا، وقول ابن الجوزي وابن تيمية من الحنابلة.

٦الآثار المترتبة على مقابل المعتمد:لو جرينا على مقابل المعتمد من جواز الإجهاض لعذر قبل نفخ الروح في هذه الحالة الخاصة، لاستطاعت بذلك أن تكمل علاجها، مع تفادي الآثار المتخوف منها على المريضة.
٧الموازنة بين الآثار المترتبة على القولينفمن حيث رفع الحرج: المشقة موجودة في الفتوى بالمعتمد بخلاف مقابله فستزول المشقة.

ومن حيث جلب المصلحةالمصلحة -وهي هنا استكمال العلاج- منتفية على المعتمد موجودة على خلاف المعتمد.

ومن حيث درء المفسدة: هناك مفسدتان لا بد من ارتكاب إحداهما، فعلى المعتمد تكون مفسدة ترك العلاج مدة يخشى منها ازدياد المرض، وعلى خلاف المعتمد تكون مفسدة الاعتداء على الجنين، ومن المقرر أنه عند تزاحم المفاسد فعلى المكلف ارتكاب الأخف منهما.

٨تقرير الحكم المترتب على مراعاة الخلاف بإعمال القول المخالف:بالنظر إلى ما سبق نجد أن القول بجواز الإجهاض في هذه الحالة هو الأخف ضررًا على المكلف، من تركه بلا علاج مما يخشى معه ليس على الجنين فقط بل على الأم بجنينها.

المعارف والتدريب اللازمان لاكتساب المهارة:

  1. معرفة المصادر المعتمدة للمذاهب المختلفة، والمصطلحات الفقهية الخاصة بها.
  2. الدراية الجيدة بالمقاصد الشرعية، والقواعد الفقهية.
  3. مهارة البحث الفقهي والإفتائي.

المهارات المتعلقة:

  1. مهارة تنزيل الفتوى.
  2. مهارة اعتبار المآلات في الفتوى.
  3. مهارة تجنب الشذوذ في الفتوى.
  4. مهارة القدرة على استعمال المخارج الفقهية.

1 متفق عليه: أخرجه البخاري، (٩٤٦)، ومسلم، (١٧٧٠)

2 أخرجه مسلم، (١١١٦).

3 انظر: الفرق بين مراعاة الخلاف والخروج منه وأثره في الفروع الفقهية، للدكتور طاهر معتمد السيسي، بحث بالمجلة العربية للدراسات الإسلامية والشرعية، العدد (٣) أبريل ٢٠١٨م، (ص١٠٥، ١٠٦).

4 روضة الناظر وجنة المناظر، ابن قدامة المقدسي (٢/ ٣٨٨).

مهارة الاستفادة من فتاوى المجامع الفقهية

٦

 

ظلَّت صناعة الفتوى تتطور تطورًا تدريجيًّا عبر القرون السابقة، إلى أن اكتملت مناهجها واستقرت في المذاهب الفقهية الإسلامية، إلا أن هذا التطور والنضج، والذي أثمر عن تلك المناهج لم يكن كافيًا ليعصم صناعة الفتوى من التحديات الضخمة التي واجهتها في العقود الأخيرة، فالتطور المذهل الذي شهدته تلك العقود الأخيرة على الجانب الصناعي والاقتصادي والتكنولوجي، وما تبع ذلك من تغييرات نوعية على الجانب السياسي والاجتماعي، أنتج عددًا كبيرًا من التساؤلات والنوازل الفقهية المرتبطة بواقع شديد التركيب والتعقيد، وصارت المعطيات الخارجية المحيطة بالمستفتي تختلف بشكل جذري عن نظيرتها في القرون السابقة، كل ذلك التغير مثَّل تحديًا حقيقيًّا لصناعة الفتوى حتى تظل محتفظة بمكانتها الرفيعة في توجيه حركة الحياة.

وأمام تلك التحديات الكبيرة تبرز أهمية المجامع الفقهية والمؤسسات الإفتائية في معالجة هذا الواقع المعقد والمتجدد في نفس الوقت، فلم يعد الاجتهاد الفردي قادرًا على استيعابه بصورة دقيقة كما كان الشأن في الماضي، فأضحت الحاجة ماسة إلى الاجتهاد الجماعي، والمقصود به ما هو أعم من الإجماع الذي هو عبارة عن اتفاق المجتهدين على أمر من الأمور، بل المقصود ما يشمل ذلك كما يشمل اتفاق أكثر المجتهدين أو بعضهم؛ لأن اتفاق الكل ليس متيسرًا، ويأتي على رأس تلك المجامع: مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف، ومجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة، ومجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة؛ وتتأكد هذه الأهمية بشكل خاص في القضايا العامة في الأمور المستحدثة، وتشتد حاجة الناس للفصل فيها بشكل جماعي.

وفي زماننا هذا تعتبر المجامع الفقهية والمؤسسات الإفتائية هي الوسيلة الأنسب للتعبير عن رأي أولي الأمر الفقهي، بل هي الممثل للبيئة العلمية، أو هي الوسيلة التي من خلالها نَصِلُ إلى الإجماع الفقهي، عملًا بقوله تعالى: ﴿ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﴾ [النساء: ٨٣].

إن الاستفادة من دور المجامع الفقهية والمؤسسات الإفتائية يعد استجابة طبيعية لتوسيع دائرة الاختيار الفقهي وعدم التقيد بمذهب واحد، بالنسبة للمسائل التي لها وجود في تراثنا الفقهي، أما النوازل المستحدثة -وما أكثرها في زماننا- التي لا وجود لها في التراث الفقهي فهي أحوج ما يكون إلى اجتهاد المجامع الفقهية والمؤسسات الإفتائية، وهذا الاجتهاد الجماعي المعاصر الذي تقدمه هذه المؤسسات يعد زادًا يتزود منه المتصدر للإفتاء، ومَعِينًا ينهل منه، وميدانًا رحبًا للاختيار الفقهي المنضبط.

والاجتهاد الجماعي فيما يعرض للأمة من النوازل والأحداث العامة التي تحتاج إلى تبادل الرأي، سنة متبعة قام بها أصحاب رسول الله ﷺ؛ فكانوا إذا عرضت عليهم المسألة نظروا حكمها في كتاب الله تعالى، فإن لم يجدوها فيه نصًّا نظروا في السنة المطهرة، فإن لم يجدوها فيها جمع الخليفةُ كبارَ الصحابة وفقهاءَهم واستشارهم، فإن اجتمع رأيهم على قولٍ أمضاه. فعل ذلك سيدنا أبو بكر الصديق ، وكذلك الخليفة الثاني عمر  فكانت سنة متبعة سارت عليها الأمة.

والجديد فيها هو طريقة التعبير عنها في العصر الحديث بالمجامع الفقهية والمؤسسات الإفتائية.

التعريف بالمهارة:

هي اطلاع المفتي على آراء المجامع الفقهية وفتاوى المؤسسات الإفتائية، والاستئناس بها، واختيار ما يتناسب منها وحال المستفتي ويحقق مقاصد الشرع، وفي نفس الوقت لا يخرج عن أصول الشريعة الإسلامية.

الأصل الشرعي للمهارة:

الاجتهاد الجماعي فيما يعرض للأمة من النوازل والأحداث العامة التي تحتاج إلى تبادل الرأي، سنة متبعة قام بها أصحاب رسول الله ﷺ فكانوا إذا عرضت عليهم المسألة نظروا حكمها في كتاب الله تعالى، فإن لم يجدوها فيه نصًّا نظروا في السنة المطهرة، فإن لم يجدوها فيها جمع الخليفة كبار الصحابة وفقهاءهم واستشارهم، فإن اجتمع رأيهم على قول أمضاه. فعل ذلك سيدنا أبو بكر الصديق ، وكذلك الخليفة الثاني عمر  فكانت سُنَّة متبعة سارت عليها الأمة.

فعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: ((قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ نَزَلَ بِنَا أَمْرٌ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ أَمْرٍ وَلَا نَهْيٍ، فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: شَاوِرُوا فِيهِ الْفُقَهَاءَ وَالْعَابِدِينَ، وَلَا تَمْضُوا فِيهِ رَأْيَ خَاصَّةٍ)) أي لا تقضوا فيه برأي واحد(1).

رُتبة المتصدر للفتوى:

من اللازم تحقُّق هذه المهارة لأمناء الفتوى الذين تُرفَع إليهم الوقائع الجديدة للبَتِّ فيها بحكم، ولمن يضع معتمدات المؤسسة الإفتائية.

النطاق الفقهي للمهارة:

تدخل هذه المهارة في جميع أبواب الفقه الإسلامي وخاصة:

  1. فتاوى النوازل المستجدة.
  2. فتاوى الأقليات المسلمة.
  3. فتاوى الشأن العام.

خطوات إعمال المهارة:

  1. تعيين المسألة.
  2. تحديد وجه الحاجة إلى الفتاوى المجمعية بأن كانت:
    • تحتاج إلى دقة في الاختيار الفقهي.
    • نازلة مستجدة.
    • تختص بالأقليات.
    • تختص بالشأن العام.
  3. البحث في قرارات وفتاوى المجامع المعتمدة فإن كانت:
    • قد اتفقت على حكم اعتمده وأفتى به.
    • قد اختلفت في الحكم صنفها إلى مجموعات متحدة الحكم.
  4. النظر في أدلة المجامع الفقهية ومعرفة ما استندت إليه في قراراتها.
  5. الترجيح بين قرارات المجامع الفقهية، والتخيير منها (وفقًا لضوابط الترجيح والاختيار الفقهي) ما يحقق المصلحة ويمنع الضرر ولا يتعارض مع مقاصد الشريعة.
  6. بيان الحكم.
  7. الإشارة إلى قرار المجمع الذي وافق قراره الحكم الذي انتهت إليه الفتوى كنوع من الاستئناس والتأكيد على ما ذهبت إليه.
  8. إذا لم يكن للمجامع الفقهية ولا المؤسسات الإفتائية كلام في المسألة فعلى المتصدر للإفتاء التريث وعدم إصدار الفتوى، وعليه أن يقوم بإحالة الواقعة للتباحث في المستوى الإفتائي الخاص بمثل هذه المسائل.

المثال التطبيقي:

المثال: حكم تأجير الرحم البديل

السؤال

ما الرأي الشرعي في تأجير رحم امرأة ليكون بديلًا عن رحم زوجتي التي لا يمكنها الحمل مستقبلًا، على أن يوضع في هذا الرحم البديل الحيوانات المنوية الخاصة بي والبويضات الخاصة بزوجتي لا الخاصة بصاحبة الرحم البديل، وذلك تحت الضوابط الطبية ذات الشأن؟

الجواب

مع التطور العلمي الهائل في شتى المجالات العلمية صرنا نتسامع كل يوم باكتشاف جديد، والطب عمومًا من أخصب المجالات التي ظهر فيها هذا التطور، وفرع الإنجاب الصناعي خصوصًا من الفروع الطبية سريعة التطور، فلا تكاد تمر فترة وجيزة إلا وتحمل لنا الوسائل الإعلامية بعض الاكتشافات الطبية والعلمية الجديدة فيه.

وكانت شرارة البدء في هذا المجال عندما وُلِدَت أول طفلة بطريق تلقيح صناعي في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، فكان هذا الحدث هو موضوع الساعة وقتئذ، ومن ذلك الحين وطب الإنجاب الصناعي في ثورة مستمرة وتطور دائم.

ومن طفرات هذا الفرع من فروع الطب ما يعرف بـــ«الرحم البديل»، وصورته أن تلقح بييضة المرأة بماء زوجها ثم تعاد اللقيحة إلى رحم امرأة أخرى، وعندما تلد البديلةُ الطفلَ تسلمه للزوجين.

وأسباب اللجوء إليه متعددة؛ كمن أزيل رحمها بعملية جراحية مع سلامة مبيضها، أو أن الحمل يسبب لها أمراضًا شديدة؛ كتسمم الحمل، أو للمحافظة على تناسق جسدها، وتخلصها من أعباء ومتاعب الحمل والولادة وهذه الصورة قد انتشرت مؤخرًا في الغرب بشكل ملحوظ، وصارت المرأة التي تبذل رحمها لتحمل بييضة غيرها تفعل هذا في مقابل مادي فيما عرف بـ«مؤجرات البطون»، وقد بدأت هذه الممارسات في محاولات للتسلل إلى عالمنا الإسلامي.

والذي تضافرت عليه الأدلة هو حرمة اللجوء إلى طريق الرحم البديل سواء أكان بالتبرع أم بالأجرة، وهذا ما ذهب إليه جماهير العلماء المعاصرين، وبه صدر قرار مجمع البحوث الإسلامية بمصر رقم ١ بجلسته المنعقدة بتاريخ الخميس ٢٩ مارس ٢٠٠١م، وقرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته الثامنة المنعقدة بمقر رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة في الفترة من يوم السبت ٢٨ ربيع الآخر ١٤٠٥هـ إلى يوم الإثنين ٧ جمادى الأولى ١٤٠٥هـ الموافق من ١٩- ٢٨ يناير ١٩٨٥م.

ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى: ﴿ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﴾ [المؤمنون: ٥- ٧]، ولا فرق بين وجوب حفظ الفرج بين الرجال والنساء، وحفظ الفرج مطلق يشمل حفظه عن فرج الآخر وكذلك عن منيه.

ومن الأدلة كذلك أن الأصل في الأبضاع التحريم، ولا يباح منها إلا ما نص عليه الشارع، والرحمُ تابع لبُضع المرأة، فكما أن البضع لا يحل إلا بعقد شرعي صحيح، فكذلك الرحم لا يجوز شغله بغير حمل الزوج، فيبقى على أصل التحريم.

ومنها أن الرحم ليس قابلًا للبذل والإباحة، فإن الشارع حرم استمتاع غير الزوج ببضع المرأة؛ لأنه يؤدي إلى شغل رحم هذه المرأة التي استمتع ببضعها بنطفة لا يسمح الشرع بوضعها فيها إلا في إطار علاقة زوجية يقرها الشرع، فيكون الرحم أيضًا غير قابل للبذل والإباحة من باب أولى؛ وذلك للمحافظة على صحة الأنساب ونقائها، وما لا يقبل البذل والإباحة لا تصح هبته، وكذلك إجارته؛ لأن الإجارة: «عقد على منفعة مقصودة معلومة قابلة للبذل والإباحة بعوض معلوم»، وقد نص الفقهاء أن قولهم في التعريف: «قابلة للبذل والإباحة»؛ للاحتراز عن منفعة البضع فإنها غير قابلة للبذل والإباحة.

ومن الأدلة أيضًا وجود شبهة اختلاط الأنساب؛ لاحتمال أن تفشل عملية التلقيح بعد وضع اللقيحة في الرحم المؤجر، ويحدث الحمل عن طريق مباشرة الزوج لزوجته، فيظن أن الحمل والوليد للمستأجر مع أنه في الواقع ليس له». إلى آخر ما استندت إليه الفتوى من أدلة(2).

كيفية تطبيق الخطوات الإجرائية على هذا المثال:

مالخطــــــواتالتطبيــــق
١تعيين المسألةتأجير الرحم البديل.
٢تحديد وجه الحاجة إلى الفتاوى المجمعيةنازلة مستجدة.
٣البحث في قرارات المجامع وفتاوى المؤسسات المعتمدة.تبين أن مجمع البحوث الإسلامية والمجمع الفقهي الإسلامي قد بحثا المسألة وانتهيا فيها إلى الحرمة.
٤النظر في أدلة المجامع الفقهية ومعرفة ما استندت إليه في قراراتها.
٥الترجيح بين قرارات المجامع الفقهية، والتخيير منها:في المثال المذكور مجمع البحوث والمجمع الفقهي الإسلامي لم يختلفا في حكم المسألة، وفي حال اختلاف قرارات المجامع الفقهية ينظر في الأدلة التي استندت إليها كل هيئة من هذه الهيئات، واختيار ما يترجح منها وفقًا لضوابط الاختيار الفقهي.
٦بيان الحكم:حرمة تأجير الرحم.
٧الإشارة إلى قرار المجمع الذي وافق قراره الحكم الذي انتهت إليه الفتوى.أشارت الفتوى إلى قرار مجمع البحوث الإسلامية بمصر رقم ١ بجلسته المنعقدة بتاريخ الخميس ٢٩ مارس ٢٠٠١م، وقرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته الثامنة المنعقدة بمقر رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة في الفترة من يوم السبت ٢٨ ربيع الآخر ١٤٠٥هـ إلى يوم الإثنين ٧ جمادى الأولى ١٤٠٥هـ الموافق من ١٩- ٢٨ يناير ١٩٨٥م.

المعارف والتدريب اللازمان لاكتساب المهارة:

  1. الاطلاع على الإنتاج الفقهي لمختلف المجامع الفقهية.
  2. الاطلاع على الإنتاج الإفتائي الحديث والمعاصر للمؤسسات الإفتائية المرموقة.
  3. مهارة البحث في المطبوعات الفقهية والموسوعات الإلكترونية.
  4. إتقان مناهج وأساليب البحث الإفتائي.

المهارات المتعلقة:

  1. مهارة البحث الإفتائي.
  2. مهارة الفتوى المكتوبة.
  3. التعامل مع النوازل

1 أخرجه الطبراني في «الأوسط» (١٦١٨)، وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد»: رجاله موثقون من أهل الصحيح.

2 فتوى دار الإفتاء المصرية بتاريخ ١١/٠٨/٢٠٠٩ رقم (٧٢٢).

مهارة التيسير في الفتوى

٧

 

واجب المتصدر للإفتاء هو بيان الحكم الشرعي لمن سأل عنه، ولكي يقوم بهذا الواجب عليه أن يبذل ما في وسعه في سبيل الوصول إلى هذا الحكم الشرعي، فإذا كانت الواقعة محل السؤال قديمة وتعددت فيها أقوال الفقهاء فعليه أن يتخير منها المناسب لحال المستفتي زمانًا ومكانًا، ولو كانت الواقعة محل السؤال مستحدثة فعليه أن يجتهد فيها إن كان من أهل الاجتهاد، وإلا رفعها لمستوى أعلى سواء كان فردًا أو مجموعة أفراد، وفي كل الأحوال عليه أن يضع نُصبَ عينيه أن مقصد الشرع من التكليف هو الوصول إلى ما يكون به صلاح العباد واستقامة أحوالهم الدنيوية والأخروية بما لا يشق عليهم امتثاله؛ لأن الشرع ما قصد للعباد العنت والمشقة، وإنما سلك بهم مسلك التيسير ورفع الحرج، قال تعالى: ﴿ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ﴾ﮱ [الحج: ٧٨]، وقال تعالى: ﴿ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﴾ [المائدة: ٦].

وعن عائشة ، أنها قالت: ((ما خُيِّر رسولُ الله ﷺ بين أمرين إلا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه))(1).

والتيسير ورفع الحرج الذي جاءت به الشريعة الإسلامية هو تشريع الأحكام على وجه رُوعِيَت فيه حاجة المكلف وقدرته على امتثال الأوامر واجتناب النواهي مع عدم الإخلال بالمقاصد الكلية للتشريع.

ومن مظاهر التيسير في الشريعة أيضًا الرخص التي شرعت في بعض الأحوال كقصر الصلاة في السفر، والجمع في المطر، والتيمم عند فقد الماء، والعفو عن بعض النجاسات التي يشق الاحتراز عنها وغير ذلك كثير.

والمتصدر للفتوى عليه أن يأخذ المستفتي دائمًا بالأيسر من أقوال العلماء ما لم يخرجه ذلك عن حدود الشرع ويوقعه في الإثم، ومنهج التيسير في الفتوى منهج شرعي أصيل وهناك فارق بينه وبين التساهل في الفتوى؛ لأن هناك مَنْ ظَنَّ أن التيسير نوع من التساهل.

فإن كان التيسير والتساهل متقاربَين في المعنى اللغوي إلا أنهما مختلفان في الاصطلاح، فقد فَرَّقَ العلماء بينهما ومدحوا التيسير وذموا التساهل الذي هو تسرُّع في إصدار الفتوى بغير نظر، أو اتباع الهوى في إصدارها أو تتبع للحيل المحرمة أو غير ذلك مما نبه العلماء على حرمته وذمه، وكثيرًا ما يلتبس الأمر على البعض حتى اتخذ من ذم العلماء للتساهل في الفتيا ذريعة لذم مراعاة التيسير فيها، ومن هنا تظهر أهمية التفرقة بين التيسير في الفتيا والتساهل.

التعريف بالمهارة:

هي مراعاة المتصدر للفتوى في فتواه التيسير على المستفتي بالنظر إلى حاجته وقدرته على امتثال الأوامر والنواهي مع عدم الإخلال بالمقاصد الكلية للدين.

الأصل الشرعي للمهارة:

تواردت الأدلة الشرعية على التيسير ودفع الحرج عن المكلفين، من ذلك:

١-قول الله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥]، قال الخازن في “تفسيره : أي قد نفى عنكم الحرج في أمر الدين، قيل: ما خُيِّر رجل بين أمرين فاختار أيسرهما، إلا كان أحب إلى الله تعالى(2).

٢- أخرج البخاري ومسلم في “صحيحيهما” عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «ما خير رسول الله  بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه»(3).

٣-أخرج البخاري ومسلم في “صحيحيهما” عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يسروا ولا تعسروا، وبشروا، ولا تنفروا»(4).

٤- أن الناظر في الأحكام الشرعية يرى بوضوح أنها مبنية على اليسر ووضع الحرج عن المكلفين، وهذا يعد من مزايا الشريعة الإسلامية مقارنة بما قبلها من الشرائع السماوية؛ كما جاء في قوله تعالى في وصف نبي الإسلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ [الأعراف: ١٥٧]، ولهذا فقد قرر العلماء قاعدة: “المشقة تجلب التيسير”، واعتبروها إحدى القواعد الخمس الكبرى التي عليها مدار الفقه الإسلامي، كما قرروا قواعد أخرى محورها الرئيس هو التيسير أيضًا؛ كقاعدة: “الأصل في الأشياء الإباحة حتى يدل الدليل على التحريم”، وقاعدة: “لا ينكر المختلف فيه وإنما ينكر المجمع عليه”، وقاعدة: “الخروج من الخلاف مستحب”، وغير ذلك.

رتبة المتصدر للفتوى:

يلزم تحقق هذه المهارة لكل متصدر للإفتاء، وخاصة من يضع المعتمدات في المؤسسة الإفتائية.

النطاق الفقهي لهذه المهارة:

تدخل هذه المهارة في جميع أبواب الفقه، عدا المسائل القطعية المجمع عليها.

خطوات إعمال المهارة:

  1. تعيين المسألة.
  2. التحقق من خلافية المسألة.
  3. حصر الأقوال في المسألة مع النظر إلى ما استند إليه كل قول.
  4. النظر في مآلات الفتوى على كل قول من هذه الأقوال.
  5. استبعاد الأقوال التي يترتب على العمل بها الوقوع في محظور أو ترك مأمور.
  6. اختيار الأيسر من الأقوال والأرفق بالمستفتي.
  7. إصدار الحكم المستند إلى التيسير.

المثال التطبيقي:

المثال: حكم إخراج القيمة في زكاة الزروع

السؤال

هل يجوز استبدال النقود بالقمح وإعطاؤها للفقراء في حالة تعذُّر إعطائه قمحًا؟ وهل يجوز نقل الزكاة من مكان استحقاقها إلى محل إقامة المزكي إذا لم يجد فقراء يقبلون زكاته؟

الجواب

إن الله أوجب الزكاة على الزروع والثمار لقوله تعالى: {وَءَاتُواْ حَقَّهُۥ يَوۡمَ حَصَادِهِۦۖ} [الأنعام: ١٤١]، وقد ورد في الحديث الشريف عن رسول الله ﷺ: ((فيما سقت السماء العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر))(5)، وعلى ذلك فيرى بعض العلماء أنه لا يجوز استبدال النقود بالحبوب، ويرى البعض الآخر أنه يجوز استبدال القيمة النقدية بالحبوب وما تُخرِجُه الأرض من محصولات، وتوزيعها على مستحقيها من الفقراء والمساكين، وهذا ما نميل للأخذ به تيسيرًا على المزكي وعلى الفقراء، أما بالنسبة لنقل الزكاة إلى محل إقامة المزكي فلا مانع من نقلها شريطة أن يكون فقراء المكان الذي به الزراعة قد استوفوا حقهم وليسوا في حاجة إليها، أو كان للمزكي أقرباء فقراء في محل إقامته فلا مانع شرعًا من نقل الزكاة من مكانها إلى المكان الذي يقيم فيه المزكي(6).

كيفية تطبيق الخطوات الإجرائية على هذا المثال:

مالخطــــــواتالتطبيــــق
١تعيين المسألةإخراج القيمة في زكاة الزروع.
٢التحقق من خلافية المسألةالمسألة خلافية
٣حصر الأقوال في المسألة مع النظر إلى ما استند إليه كل قولتتلخص أقوال الفقهاء في المسألة على قولين:

الأول: عدم جواز إخراج القيمة ووجوب إخراج الزكاة قمحًا، ويمثل هذا القول الشافعية ومن وافقهم من جمهور العلماء.

الثاني: جواز إخراج القيمة وهو قول الأحناف، ولكل من القولين مستنده من الأدلة الشرعية والتي طالعها المفتي ونظر فيها.

٤النظر في مآلات الفتوى على كل قول من هذه الأقوال.بالنظر فيما يترتب على العمل بكل قول من القولين نجد أن إلزام السائل بقول الشافعية بوجوب إخراج الزكاة قمحًا فيه مشقة عليه لا سيما عند نقل الزكاة من مكان استحقاقها إلى مكان إقامته، وأيضًا الأنفع للفقير في زماننا هذا هو النقد، أما القمح فلم يعد عامة الناس يقومون بالطحن والخبز في بيوتهم؛ لأنه قد لا يتيسر لضيق المساكن غالبًا، أو لاعتماد الجميع على شراء الخبز من المخابز المعدة لذلك.
فتكون المشقة هنا واقعة للمزكي وللفقير في نفس الوقت.

أما القول الثاني: فيترتب على العمل به التيسير على المزكي في إخراج النقد بدلًا من القمح، وعِظَمِ النفع بالنسبة للفقير حيث يُمكِّنه المال من قضاء حوائجه المختلفة من مطعم ومشرب ونفقات علاج وتعليم ونحوه.

٥استبعاد الأقوال التي يترتب على العمل بها الوقوع في محظور أو ترك مأمور.الأقوال الموجودة في المسألة لا يترتب على العمل بأيِّها محظور ولا ترك مأمور به.
٦اختيار الأيسر من الأقوال والأرفق بالمستفتي.اختيار القول بجواز إخراج القيمة في زكاة الزروع؛ لأنه الأيسر للمزكي والأنفع للفقير.
٧إصدار الحكم المستند إلى التيسير.صدرت الفتوى بجواز استبدال الحبوب وما تخرجه الأرض من محصولات بقيمة نقدا وتوزيعه على مستحقيه من الفقراء والمساكين، تيسيرا على المزكي وعلى الفقراء.

المعارف والتدريب اللازمان لاكتساب المهارة:

  1. الاطلاع والاستفادة من كتب الخلاف العالي “الفقه المقارن”.
  2. معرفة الواقع.
  3. معرفة أحوال المستفتين.

المهارات المتعلقة:

  1. مهارة تصحيح أفعال الناس.
  2. مهارة القدرة على استعمال المخارج الفقهية.
  3. مهارة مراعاة المآلات.

1 متفق عليه: أخرجه البخاري، (٣٥٦٠)، ومسلم، (٢٣٢٧).

2 لباب التأويل في معاني التنزيل، الخازن (١/ ١١٣).

3 متفق عليه: أخرجه البخاري (٣٥٦٠)، ومسلم (٢٣٢٧).

4 متفق عليه: أخرجه البخاري، (٦٩)، ومسلم، (١٧٣٤).

5 أخرجه أبو داود، (١٥٩٦)، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وصححه ابن حبان برقم (٣٢٨٧).

6 فتوى دار الإفتاء المصرية بتاريخ ١٥/٠٧/١٩٩٧، رقم (٣١١٩).

مهارة المشاورة في الفتوى

٨

 

أمر الحق  نبيه بمشاورة أصحابه، فقال: ﴿ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﴾ [آل عمران: ١٥٩]، وجعل الشورى مبدأ إسلاميًّا أصيلًا بداية من شؤون الحكم والإدارة إلى شؤون الأسرة، فقال تعالى: ﴿ ﮞ ﮟ ﮠ ﴾ [الشورى: ٣٨]، وجعل فطام الرضيع من الأمور التي تستحق المشاورة فلا يستبد أحد الأبوين بالأمر، فقال تعالى: ﴿ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ﴾ [البقرة: ٢٣٣].

وعلى هذا النهج السديد سار الصحابة الكرام، فقد كان كل من أبي بكر وعمر  إذا عُرضت لأحدهما خصومة ولم يجد لها حكمًا، جمع لها خيار الصحابة فاستشارهم، فإذا أجمعوا على رأي أمضاه؛ لأن رأي الجماعة أقرب إلى الحق من رأي الفرد.

وأمر عمر  قاضيه شريحًا -لما ولاه قضاء الكوفة- بمشاورة أهل العلم والصلاح فيما لم يستبن له فيه حكم، فقال له: «استشر أهل العلم والصلاح».

وقد قام عمر بن عبد العزيز -حين ولي المدينة- بتشكيل مجلس استشاري للشؤون الدينية من عشرة من سادة الفقهاء لا يفصل في أمر دون الرجوع إليهم والعمل برأيهم.

فمشاورة المفتي لأقرانه من أهل العلم فضلا عن مشاورته للأعلم تعصمه من الوقوع في الخطأ أو السهو، والمفتي مهما بلغت رتبته من العلم بحاجة إلى المشاورة والمراجعة، والعاقل هو من لا يستكثر علمه، كما قال تعالى ﴿ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﴾ [الإسراء: ٨٥]، وما خاب من استشار، ولا ندم من استخار.

ويمكن أن تكون آلية التشاور في المؤسسات الإفتائية، على -سبيل المثال- كما يلي:

  • أن يكون في كل مؤسسة أمانة للفتوى تعرض عليها الفتاوى الداخلة في النطاق المذكور.
  • تتكون هذه الأمانة من كبار العلماء الموجودين في المؤسسة، ويفضل أن يكون كل واحد منهم منتسبًا إلى أحد المذاهبِ الفقهيَّةِ المعتمدةِ، إن كانت المؤسسة لا تتقيد بمذهب واحد في الفتوى، بحيث يكون لكل مذهب من يمثله في هذه الأمانة.
  • توضع لهذه الأمانة سيرورة تنظم طرق الاجتماع، وآليات المناقشة، وكيفية اتخاذ القرار.
  • أن يكون لها رئيس تحدد له المهام التي يقوم بها، ويكون اختياره عن طريق الانتخاب أو ما تقرره سياسة المؤسسة.
  • لهذه الأمانة الاستعانة بمن تحتاج إليهم من أهل الخبرة والاختصاص إن اقتضى الأمر ذلك (ينظر مهارة الاستعانة بأهل الخبرة).

التعريف بالمهارة:

هي ألا يُصدِر المفتي فتواه إلا بعد تروٍّ ومراجعة أعضاء المؤسسة الإفتائية التي ينتسب إليها، بحيث لا ينفرد بفتوى تخرج عن معتمد المؤسسة.

الأصل الشرعي للمهارة:

تنبني مهارة المشاورة في الفتوى على أدلة شرعية وهي:

  1. قوله تعالى: ﴿ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﴾ [آل عمران: ١٥٩]، وقوله: ﴿ ﮞ ﮟ ﮠ ﴾ [الشورى: ٣٨].
  2. عَنْ عَلِي قَالَ: ((قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ نَزَلَ بِنَا أَمْرٌ لَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ: أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ، فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: شَاوِرُوا فِيهِ الفُقَهَاءَ وَالعَابِدِينَ، وَلَا تُمْضُوا فِيهِ رَأي خَاصَّةٍ)) أي لا تقضوا فيه برأي واحد.
  3. التأسي بكبار الصحابة في مشاورتهم لأهل العلم والصلاح.

النطاق الفقهي للمهارة:

لا تدخل هذه المهارة في الإفتاء في المسائل الواضحة، المنصوص على أحكامها في القرآن والسنة، وهي المسائل المجمع عليها، ولا المسائل المكررة، التي اعتمدت المؤسسة الإفتائية فيها رأيًا، وإنما تدخل في الأبواب الفقهية التالية:

  1. فتاوى النوازل والمستجدات.
  2. فتاوى الشأن العام.
  3. الغرائب والنوادر.
  4. كل ما لا يستحضر المفتي جوابه.

خطوات إعمال المهارة:

  1. عدم التسرع في الجواب، إن حصل للمتصدر للفتوى شيء من التردد، وإرجاء الإجابة.
  2. تحديد النقاط التي حصل التردد فيها، على النحو التالي:
    • التصوير.
    • التكييف.
    • الحكم.
    • المآل.
    • دفع مفسدة.
    • جلب مصلحة.
    • تعلقها بالشأن العام.
    • كونها مسألة مستجدة.
  3. المشاورة الضيقة إذا كانت مما يكفي لإزالة التردد الحاصل عنده فإنه يعمل بها فيستشير أحد الزملاء، ثم رئيسه المباشر.
  4. المشاورة الرسمية -إذا كان التردد حاصلًا عند جميعهم، وذلك بإحالتها إلى اللجنة العليا في المؤسسة (مجلس الأمانة) التي تعرض عليها المسائل المستجدة للبت فيها بحكم، وذلك باتباع الآتي:
    • يُبلَّغ أعضاء الأمانة بالمسألة المطروحة ويُكلَّف أعضاؤها ببحث المسألة قبل عقد المجلس.
    • تعقد أمانة الفتوى مجلسًا لعرض البحوث المقدمة من أعضائها ثم المناقشة والتشاور بغية الوصول إلى معتمد فيها.
    • عند انتهاء اللجنة من البت في المسألة، تعرض على رئيس المؤسسة العليا لاعتمادها أو لإعادة مناقشتها إذا تطلب الأمر.
  5. بعد اعتمادها تتم صياغة الفتوى وإبلاغها إلى جميع متصدري الفتوى بما انتهت إليه الأمانة بالوسيلة المناسبة.
  6. إن كانت مما أثارت الشأن العام فلا مانع من إذاعتها بإحدى الوسائل الإعلامية

المثال التطبيقي:

المثال: حكم التسويق الشبكي

السؤال: ما حكم التسويق الهرمي الذي تقوم به شركة (Q.net

الجواب:

إن التصوير الدقيق المطابق لواقع النازلة المسئول عنها شرط أساسي لصدور الفتوى بشكل صحيح، وتزداد أهمية تصوير الفتاوى إذا تعلقت بالمعاملات المستحدثة؛ كما هو الحال في التسويق الشبكي أو الهرمي، وقد تبين أن لهذا النوع من المعاملات تأثيرات اقتصادية واجتماعية واسعة المدى بعد ازدياد الشكوى منها ومن آثارها؛ ولذلك أحجمت أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية عن استمرار الفتوى بِحِلِّها حتى تستجمع المعلومات المتاحة حول هذه المعاملات وتدرس مآلاتها والآثار التي يمكن أن تسببها على الاقتصاد المحلي، واجتمعت الأمانة في هذا الصدد بالأطراف ذات الصلة بهذه المعاملة؛ حرصًا على الاطلاع المباشر على تفاصيلها، ملتزمةً بالنظر في واقع المعاملة في مصر، فقابلت الأمانة في هذا السياق مسئولًا عن تسويق إحدى معاملات التسويق الشبكي بإحدى الشركات الممارِسة لها في الشرق الأوسط، وبعض الأطراف المعارضة لممارسة هذا النوع من المعاملات؛ للوقوف على مدارك رفضهم لممارستها، وبعض خبراء الاقتصاد والاجتماع؛ لبيان هذه الجوانب التي تتعلق بها سلبًا وإيجابًا.

وبعد هذه الاجتماعات تبين للأمانة أهم ملامح هذا النوع من المعاملات، وهي:

  1. أن هذا النوع من التسويق له خصائص يمكن رجوعها إلى أمرين:
    • الأول: تخفيض تكلفة التسويق والترويج عن طريق تقليل الوسائط والبيع المباشر.
    • والثاني: التحكم في التوزيع من خلال المعرفة الدقيقة بحركة المنتجات والعميل.
  2. أن واقع الممارسة في عالم التسويق المباشر يشتمل على نوعي الممارسة: الجادة؛ التي تجمع غالبًا بين شراء المنتج والتسويق له، والمحتالة غير الجادة؛ مثل ما وقع من بعض الشركات التي باعت أسطوانات مدمجة لبعض برامج الحاسوب بأضعاف ثمنها على أنها أصلية ومحمية، ليُكْتَشَفَ بعد ذلك أنها متاحة مجانًا على شبكة المعلومات العالمية.
  3. من أهم ملامح واقع هذه المعاملة عدم توفر الأطر القانونية الخاصة المنظِّمة لعمل الشركات في هذا المجال؛ فلا توجد قوانين مسنونة لتنظيم التعامل بها.
  4. التأثير السلبي لهذه المعاملة على الاقتصاديات المحلية، وذلك يتضح في جانبي الإنتاج وحجم الادخار من العملة الأجنبية.

٥- الأثر الخطير على منظومة القيم في المجتمعات من خلال التشجيع على الاستهلاك غير الرشيد، وعلى الاتجاه نحو الكسب السريع الذي لا ينتج عن تحسن في حجم الإنتاج.

والتسويق الشبكي هو أحد الأفكار الحديثة في عالم التسويق، والواقع يرشدنا إلى أنه ليس معاملةً واحدةً في تفاصيلها وصورها، وإن اتحدت في معالمها الرئيسة؛ فالحكم الشرعي فيها لا بد أن يُنَزَّل على واقع وتفاصيل محددة بعينها، والمعاملة المسئول عنها تعتمد على فكرة مفادها قيام البائع الذي يرغب في التسويق لسلعته ويشجع على ذلك بوضع حافز مادي تشجيعًا للمشتري كلما جاء عدد معين من المشترين الآخرين نتيجة لتسويق ذلك المشتري، وتزيد نسبة الحافز بناء على زيادة عدد المشترين.

وبخصوص هذه المعاملة محل السؤال فإنها تشتمل على شرط التوازن في حق المشتري المسوِّق حيث يشترط في حقه أن يقوم بالتسويق لعدد من المشترين يمتدون في شكل ذراعين، في كل ذراع عدد محدد من المشترين.

وعليه فإذا كانت صورة المسألة على ما ذكرنا، وفي السياق المشار إليه سلفًا، فإن الفقهاء والعلماء المعاصرين سلكوا مسلكين في تكييفها، هما:

المسلك الأول: وهو تكييف هذه المعاملة من خلال العقود المسماة في الفقه الموروث سواء بجعلها عبارة عن عقدين منفصلين، أم عن طريق جعلها عقدين مركبين. وقد اختلفوا في تعيين العقدين؛ فقال فريق: هما الشراء والجعالة، وقال الآخر: الشراء والسمسرة.

المسلك الثاني: هو تكييف هذه المعاملة من خلال العقود غير المسماة -التي لم ينص عليها في الفقه الموروث-، وهذا مقتضى ما تشتمل عليه هذه المعاملة من عناصر ومكونات اقتصادية جديدة.

ويتضح من اختلاف المسلكين أن المعنى المؤثر في تكييف هذه المعاملة يتمثل في عملية التسويق؛ فالمسلك الأول يختلف أصحابه في تعيين العقد الألْيَق بعملية التسويق سواء تبنَّوا انفصالها عن عقد الشراء الأول وصيَّروهما عقدين منفصلين، أم تبنَّوا اتصالَها به، وصيَّروهما عقدًا مركبًا منهما. والمعاملة المسؤول عنها -والتي يمكن تسميتها بالشراء التسويقي- قد اشتملت على معانٍ لا تظهر إلا من خلال تتبع المآلات ومراجعة خبراء السوق، وهذا يجعلها حرامًا شرعًا على كلا المسلكين، وأهم هذه المعاني:

– مخالفة هذه المعاملة لشرطين من شروط صحة المعاملات المستحدثة، وهما:

١- اشتراط حفاظ المعاملة على اتزان السوق، وهو الشرط الذي من أجله حرَّم الشرع الشريف الاحتكارَ وتَلَقِّي الرُّكْبَان مما يجعل هذه المعاملة ذات تأثير سلبي على السوق.

٢- تحقيق مصلحة المتعاقدين؛ حيث إن مصلحة المشتري المسوِّق تزيد نسبة المخاطرة فيها بشكل واضح نتيجة صعوبة تحقق شرط العائد المادي للتسويق.

– فقدان الحماية لمن يمارس هذه المعاملة من الناحيتين الاقتصادية والقانونية، وهذا يجعل المشتري المُسَوِّق يتعرض لخطر كبير متولد من عدم وجود تشريع ينظم العلاقات بين الشركة البائعة والمشتري؛ فليس للأخير ما يضمن حقَّه بالرجوع على الشركة ومقاضاتها إذا احتاج إلى ذلك في استيفاء حقوقه؛ فالمشتري المُسَوِّق قد يبذل جهدًا ويتكبد في سبيل التسويق لهذه السلعة وقتًا وجهدًا كثيرًا، وهو قد بذل ذلك تحت وعد من الشركة بأداء مقابل لهذا الجهد بالشرط المتفق عليه، ولا يوجد في الحقيقة ما يضمن ذلك من الناحية القانونية.

بالإضافة إلى ما سبق فإن الطريقة التي تجري بها هذه المعاملة تعتبر مجرد وسيلة لكسب المال السريع لا أكثر، سواء بالنسبة لصاحب الشركة أو للعملاء، فإنه مع توسط السلعة في كسب المال هنا، إلا أن السلعة لم تعد هي المقصودة في عملية الشراء، بل أصبحت سلعة صورية وجودها غير مؤثر، فالمقصد الحقيقي الظاهر من هذه المعاملة مجرد التوصل إلى الربح

وبناء على ذلك كله: فإن هذه المعاملة تكون بهذه الحال المسئول عنها حرامًا شرعًا(1).

كيفية تطبيق الخطوات الإجرائية على هذا المثال:

مالخطــــــواتالتطبيــــق
١عدم التسرع في الجواب إن حصل للمتصدر للفتوى شيء من التردد.إحجام أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية عن استمرار الفتوى بِحِل هذه المعاملة حتى تستجمع المعلومات المتاحة حول هذه المعاملات وتدرس مآلاتها والآثار التي يمكن أن تسببها على الاقتصاد المحلي، واجتمعت الأمانة في هذا الصدد بالأطراف ذات الصلة بهذه المعاملة؛ حرصًا على الاطلاع المباشر على تفاصيلها
٢تحديد النقاط التي حصل التردد فيها.حصل التردد في تصوير هذه المسألة
كما حصل التردد في تكييف هذه المسألة، فإن الفقهاء والعلماء المعاصرين سلكوا مسلكين في تكييفها، هما:

المسلك الأول: وهو تكييف هذه المعاملة من خلال العقود المسماة في الفقه الموروث سواء بجعلها عبارة عن عقدين منفصلين، أم عن طريق جعلها عقدين مركبين. وقد اختلفوا في تعيين العقدين؛ فقال فريق: هما الشراء والجعالة، وقال الآخر: الشراء والسمسرة.

المسلك الثاني: هو تكييف هذه المعاملة من خلال العقود غير المسماة -التي لم ينص عليها في الفقه الموروث-، وهذا مقتضى ما تشتمل عليه هذه المعاملة من عناصر ومكونات اقتصادية جديدة تمتاز بها عن العقود المسماة في الفقه الموروث.

ولم يحصل التردد في الحكم فقد انتهت الفتوى إلى تحريم هذه المعاملة بعد تصوير المسألة وتكييفها.
وقد اختلف الفقهاء المعاصرون في كون هذه المعاملة من العقود المستجدة أو من العقود المسماة في الفقه الموروث، وقد انتهت الفتوى إلى جعلها حرامًا شرعًا على كلا المسلكين.
٣المشاورة الضيقة إذا كانت مما يكفي لإزالة التردد الحاصل عنده فإنه يعمل بها فيستشير أحد الزملاء ثم رئيسه المباشر:لا يكفي في هذه المسألة المشاورة الضيقة.
٤المشاورة الرسمية -إذا كان التردد حاصلًا عند جميعهم-:تمت إحالة الحكم في هذه المسألة إلى مجلس أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية فاجتمع الأعضاء وتمت المشاورة بين المتصدرين للفتوى بشأن هذه المعاملة المستحدثة، واجتمعت الأمانة في هذا الصدد بالأطراف ذات الصلة بهذه المعاملة؛ حرصًا على الاطلاع المباشر على تفاصيلها، فقابلت الأمانة في هذا السياق مسئولًا عن تسويق إحدى معاملات التسويق الشبكي بإحدى الشركات الممارِسة لها في الشرق الأوسط.، وبعض الأطراف المعارضة لممارسة هذا النوع من المعاملات؛ للوقوف على مدارك رفضهم لممارستها،

وبعض خبراء الاقتصاد والاجتماع؛ لبيان هذه الجوانب التي تتعلق بها سلبًا وإيجابًا.

المعارف والتدريب اللازمان لاكتساب المهارة:

  1. الاطلاع على مبحث «الإجماع» من كتب الأصول.
  2. الاعتناء بالمعارف الحديثة والاكتشافات العلمية التي لها علاقة بواقع الناس.

كما يتطلب اكتساب هذه المهارة حضور الدورات التدريبية التالية:

  1. دورة تدريبية في العمل المؤسسي.
  2. دورة تدريبية في الإدارة واتخاذ القرار.

المهارات المتعلقة:

  1. مهارة القدرة على استعمال المخارج الفقهيَّة.
  2. مهارة البحث الإفتائي.
  3. مهارة الاستعانة بأهل الخبرة.
  4. مهارة إعادة النظر في الفتوى.

1 فتوى دار الإفتاء المصرية عن التسويق الشبكي «كيونت» بتاريخ ١٢/٠٩/٢٠١١ رقم (٤٨٣)

مهارة التدليل على الفتوى

٩

 

من المسلَّم به أن المستفتي إنما يسأل ليستفيد حكم مسألته، ولكن هل على المفتي في جوابه زيادة على ذكر الحكم أن يتعرض للحجة والدليل على ما ذهب إليه؟

هذا ما وقع فيه الاختلاف على ثلاثة أقوال:

الأول: أن يمتنع عن التدليل على فتواه، قال الماوردي: ليفرق بين الفتيا والتدريس، وإلا صار المفتي مدرسًا.

والثاني: يتعين عليه ذكر الدليل، يقول ابن القيم في إعلام الموقعين: «ومن تأمل فتاوى النبي ﷺ الذي قوله حجة بنفسه، رآها مشتملة على التنبيه على حكمة الحكم ونظيره، ووجه مشروعيته، وهذا كما ((سئل عن بيع الرطب بالتمر، فقال: أينقص الرطب إذا جف؟ قالوا: نعم، فزجر عنه))(1) ومن المعلوم أنه كان يعلم نقصانه بالجفاف، ولكن نبههم على علة التحريم وسببه، ومن هذا قوله لعمر وقد سأله عن قبلة امرأته وهو صائم، فقال: ((أرأيت لو تمضمضت ثم مججته، أكان يضر شيئا؟ قال: لا))(2) فنبه على أن مقدمة المحظور لا يلزم أن تكون محظورة؛ فإن غاية القبلة أنها مقدمة الجماع، فلا يلزم من تحريمه تحريم مقدمته، كما أن وضع الماء في الفم مقدمة شربه، وليست المقدمة محرمة… وهذا كثير جدًّا في السنة، فينبغي للمفتي أن ينبه السائل على علة الحكم ومأخذه إن عرف ذلك، وإلا حرم عليه أن يفتي بلا علم»(3).

والثالث: التفصيل؛ وذلك باختلاف حال السائلين فيفرق بين العامي وغيره، قال الصيمري: لا يذكر الحجة إن أفتى عاميًّا ويذكرها إن أفتى فقيهًا.

أو التفصيل بأنواع الأدلة: قال ابن الصلاح في أدب الفتوى وتبعه النووي في مقدمة المجموع: «ليس بمنكر أن يذكر المفتي في فتواه الحجة إذا كانت نصًّا واضحًا مختصرًا مثل أن يسأل عن عدة الآيسة، فحسن أن يكتب في فتواه: قال الله تعالى: ﴿ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﴾ [الطلاق: ٤]، أو يسأل: هل يطهر جلد الميتة «بالدباغ»؟ فيكتب: نعم يطهر، قال رسول الله ﷺ: ((أيما إهاب دبغ فقد طهر))(4)، وأما الأقيسة وشبهها فلا ينبغي له ذكر شيء منها.

قالا: وهذا التفصيل أولى من إطلاق الماوردي القول بالمنع»(5).

وهذا التفصيل هو المختار، وينبغي أن يفصل أيضًا باختلاف وسيلة الفتوى من شفوية أو مرئية أو مكتوبة أو بحثية، كما يختلف باختلاف حال السائلين، فمنهم من يلقى إليه الجواب ساذجًا خاليًا عن الدَّليل لوثوقه بمن يستفتيه، ومنهم من يذكر له الدليل لتسكن نفسه إليه عند تشككه.

التعريف بالمهارة:

هي قدرة المتصدر للفتوى على التدليل على صحة فتواه بالأدلة المعتبرة شرعًا حسب أهلية المستفتي لها، ونوع الوسيلة التي تنقل بها الفتوى.

رُتبة المتصدر للفتوى:

من اللازم تحقق هذه المهارة لكل متصدر للفتوى المعني بوصول فتاواه على الوجه الأكمل.

النطاق الفقهي للمهارة:

تدخل هذه المهارة في الإفتاء في جَميعِ مسائل الفقه الإسلامي.

خطوات إعمال المهارة:

  1. تعيين المسألة.
  2. تحديد أهي من المجمع عليه أم من المختلف فيه؟
  3. بيان المتصدر للفتوى للمستفتي إذا كانت المسألة من المجمع عليه أنها كذلك مع ذكر الدليل.
  4. التدليل من المتصدر للفتوى في المسائل المختلف فيها ، وذلك يكون بما يأتي:

أ- إن كانت مكتوبة أو بحثية فعليه أن:

  • يحصر الأقوال.
  • يبين أدلة كل قول.
  • يذكر المختار للفتوى مع ذكر سبب ترجيحه.

ب- وإن كانت مباشرة شفوية أو هاتفية فينظر في المستفتي:

  • إن كان خالي الذهن يذكر له القول مجردًا ولا يذكر له الدليل إلا إذا طالب به.
  • وإن كان عنده سابق معرفة وهو مشوش الذهن يذكر له القول بدليله إن كان ظاهرًا، وأما الغامض منه فيعتذر بخفاء مدركه.
  • إن كان من المختصين بالعلوم الشرعية، فهذا يوضح له القول بدليله ظاهرًا أو خفيًّا.
  • وتتوقف معرفة حال المستفتي على فطنة المتصدر للفتوى والقرائن المحيطة.

ج- وإن كانت إلكترونية أو مرئية توسط في ذكر الأدلة.

المثال التطبيقي:

المثال: حكم القصر في السفر

السؤال:

أنا من ولاية لِوَى بسلطنة عمان، أعمل في مسقط، أعمل أسبوعًا في مسقط وأسبوعًا إجازة أرجع لوى، وَلدي الوقت الكافي للصلاةِ، هل يوجد حرج إذا صليت صلاتي كاملة أم أصلي جمعًا وقصرًا؟ أيهم أفضل؟ كيف تكون صلاتي في مسقط؟ وهل تفسير الآية صحيح: {وَإِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَقۡصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَوٰةِ إِنۡ خِفۡتُمۡ أَن يَفۡتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْۚ إِنَّ ٱلۡكَٰفِرِينَ كَانُواْ لَكُمۡ عَدُوّٗا مُّبِينٗا} [النساء: ١٠١] وإذا سافرتم -أيها المؤمنون- في أرض الله، فلا حرج ولا إثم عليكم في قصر الصلاة إن خفتم من عدوان الكفار عليكم في حال صلاتكم، وكانت غالب أسفار المسلمين في بدء الإسلام مخوفة، والقصر رخصة في السفر حال الأمن أو الخوف، إن الكافرين مجاهرون لكم بعداوتهم، فاحذروهم؟

الجواب

القصر شرعه الله في كتابه الكريم وعلى لسان رسوله ﷺ، يقول الله تعالى: ﴿ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ﴾ [النساء: ١٠١]، ونجد في الآية الكريمة أن القصر علق على الخوف من فتنة الذين كفروا، وهذا التعليق جاء موافقًا للعموم الأغلب في ذلك الوقت؛ إذ إن أغلب أسفار النبي ﷺ في ذلك الوقت كان فيها خوف، وإلا فيجوز القصر أيضًا حالة الأمن، ويدل على ذلك حديث علي بن أمية قال: ((قلت لعمر بن الخطاب : ﴿ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ﴾ [النساء: ١٠١]، فقد أمن الناس، قال عمر: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله ﷺ عن ذلك فقال: صدقة تصدق بها الله عليكم فاقبلوا صدقته))(6).

وعن ابن عمر  قال: ((صحبت النبي ﷺ فكان لا يزيد في السفر على ركعتين، وأبا بكر وعمر وعثمان كذلك))(7).

وهذه الأدلة تؤكد أن الصحيح أن القصر عزيمة وليس برخصة أخذًا من مجموع النصوص، منها حديث ابن عباس: «فرضت الصلاة في الحضر أربعًا وفي السفر ركعتين»(8) وهو رأي السيدة عائشة . فيجب على المسافر أن يقصر من الصَّلاة متى ما صلَّى منفردًا أو خلف إمام مسافر مثله، وقد قيل: إن الذي يُتِمُّ في السفر كالذي يقصر في الحضر، وإن سألت عن الأفضل فلا شك أن الأفضل أن تحرص على الصلاة خلف الإمام المقيم في الجماعة الأصليَّةِ بملازمة المسجد لكل صلاة، فتصلي تمامًا خلف الإمام المقيم.

هذا وننبه الأخ الكريم أنه لا تلازم بين القصر والجمع في السفر، فعندما تسمع بلزوم القصر على المسافر لا يعني لزوم الجمع بين الصلاتين، بل ينبغي للمسافر المقيم في سفره -كمثل حال السائل- أن يصلي كل صلاة في وقتها إلا إذا احتاج إلى الجمع، فهو رخصة للمسافر متى ما دعته الحاجة إليه.

كيفية تطبيق الخطوات الإجرائية على هذا المثال:

مالخطــــــواتالتطبيــــق
١تعيين المسألةقصر الصلاة في السفر
٢تحديد أهي من المجمع عليه أم من المختلف فيه؟القصر في السفر مختلف فيه، هل هو عزيمة أو رخصة؟ فذهب الحنفيَّةُ إلى أنه عزيمة وليس رخصة، وهو فرض على التعيين للمسافر، وذهب الشَّافعيَّةُ إلى أنه رخصة فلا يتعين القصر، فإذا أتم أجزأه، وَذَهبَ المالكيَّةُ إلى أنه واجبٌ مخير أو سنة لتعارض الأدلة بين التخيير والوجوب.

وما ذهب إليه في الفتوى موافق لما قال به الحنفية.

٣التدليل من المتصدر للفتوى في المسائل المختلف فيهالدى المستفتي سابق معرفة وهو مشوش الذهن فذكر له المتصدر للفتوى القول بدليله.

ويلاحظ أن السائل قد ذكر في سؤاله آية القصر، وسأل عن الوجه الصحيح في تفسيرها، ومن كان هذا حاله فلا يناسبه الاختصار وعدم ذكر الدليل، فلا بد من ذكر بعض الأدلة التي تدل على صحة الفتوى، وهو ما وقع في الفتوى بالفعل فكانت مطابقة لحال السائل

الوسيلة الإفتائية المستخدمة في هذه الفتوى هي الفتوى الإلكترونية، ولذا توسطت الفتوى في ذكر الأدلة فاستدلت على مشروعية القصر بالكتاب والسنة بدون إسهاب أو تطويل

المعارف والتدريب اللازمان لاكتساب المهارة:

  1. الاطلاع على الكتب المصنفة في تفسير آيات الأحكام، كأحكام القرآن للجصاص الحنفي، وأحكام القرآن لأبي بكر بن العربي المالكي، وأحكام القرآن للكيا الهراسي الشافعي، وتفسير آيات الأحكام للشيخ محمد علي السايس.
  2. الاطلاع على الكتب الخاصة بأحاديث الأحكام وشروحها، وهي كثيرة؛ من أشهرها: عمدة الأحكام لعبد الغني المقدسي، وشروحه كثيرة؛ أشهرها شرح ابن دقيق العيد، والأحكام الكبرى والوسطى والصغرى ثلاثتها لعبد الحق الإشبيلي، ومنتقى الأخبار للمجد ابن تيمية وشرحه نيل الأوطار للشوكاني، وبلوغ المرام للحافظ ابن حجر، وشروحه كثيرة.
  3. الاهتمام بالأدلة المذكورة في كتب الفقه، وعدم الاكتفاء بالحكم فقط مجردًا عن دليله.

المهارات المتعلقة:

  1. مهارة تصوير الفتوى.
  2. مهارة تكييف الفتوى.
  3. مهارة تنزيل الفتوى.
  4. مهارة بيان الحكم.
  5. مهارة إدراك الواقع.

1 أخرجه أبو داود، (٣٣٥٩).

2 أخرجه أبو داود، (٢٣٨٥).

3 إعلام الموقعين عن رب العالمين (٤/ ١٢٣، ١٢٤) .

4 أخرجه الترمذي، (١٧٢٨)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

5 انظر: أدب المفتي والمستفتي، (ص١٥١، ١٥٢)، المجموع شرح المهذب، (١/ ٥٢).

6 أخرجه مسلم، (٦٨٦).

7 متفق عليه: أخرجه البخاري (١١٠٢)، ومسلم، (٦٨٩).

8 أخرجه مسلم، (٦٨٧).

اترك تعليقاً