البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

أولًا: التعريف بدليل المهارات:

دليل المهارات الإفتائية هو إحدى المحاولات الجادة لنقل الخبرات الإفتائية، وتحويل المهارة الإفتائية التي يحصلها المتصدر للإفتاء بعد طول ممارسة للفتوى -مع الاستعداد الفطري والتأهيل العلمي- إلى خطوات إجرائية يمكن تحصيلها والتدرب عليها، وهو عمل يحتاج إلى جهد مع قدرة على التعبير عن هذه الملكة الإفتائية؛ مما يسهم في نقل هذه الخبرات والمهارات في مدة يسيرة إلى من يُرَاد تأهيله للإفتاء.

وتكمن فكرة «دليل المهارات الإفتائية» الأساسية في تربية الملكة الإفتائية، والتي هي هيئة راسخة في النفس تنشأ من طول الممارسة العملية للفتوى وتنمو مع الزمن، والذي يتميز به دليل المهارات الإفتائية أمران:

  • الأمر الأول: التعبير عن هذه الملكة في صورة خطوات إجرائية متتابعة.
  • الأمر الثاني: تيسير طريقة تحصيل هذه الملكة من خلال التدريب على مجموعة المهارات الإفتائية التي يقدمها.

الهدف من دليل المهارات الإفتائية:

  1. توثيق مهارات الصنعة الإفتائية.
  2. تحويل الخبرات الإفتائية العملية إلى مناهج دراسية.
  3. الجمع بين الخبرة العملية والأصول العلمية للإفتاء.
  4. تأهيل المتصدر للإفتاء وتكوين الملكة الإفتائية.

ثانيًا: مراحل العمل في دليل المهارات الإفتائية:

مر العمل في دليل المهارات الإفتائية بالمراحل التالية:

المرحلة الأولى: وضع تصور للمهارة الإفتائية، بحيث يتم التعبير عنها في نقاط محددة.

لم تكن هذه المرحلة بالخطوة الهينة حيث إن تحويل المهارة -التي هي أمر معنوي- إلى نقاط محددة، من مجموعها تتحدد معالم المهارة، ليس بالأمر الهين لا سيما وهو أمر لم يكتب فيه أحد من قبل.

فعَقَدَ فريق العمل مجموعة من الجلسات النقاشية، تم الاتفاق خلالها على أن يضع كل واحد منهم تصوُّرًا للمهارة، يتم الاختيار منها أو الدمج بينها للوصول إلى الشكل النهائي، وبعد طول نقاش بين فريق العمل استقر الأمر على النموذج الحالي، وهو تقسيم المهارة إلى النقاط التالية:

  1. تمهيد.
  2. التعريف بالمهارة.
  3. الأصل الشرعي للمهارة.
  4. رتبة المتصدر للفتوى.
  5. النطاق الفقهي للمهارة.
  6. خطوات إعمال المهارة.
  7. المثال التطبيقي:

أ- المثال.

ب- التطبيق على الخطوات.

  1. المعارف والتدريب اللازم لاكتساب المهارة.
  2. المهارات المتعلقة.

الهدف من هذا التقسيم:

الهدف من هذا التقسيم هو التعبير عن المهارة بمجموعة من النقاط، كل واحدة منها توضح جانبًا من المهارة، ومن مجموعها يحصل التصور الذهني للمهارة مع النص على كيفية إعمال المهارة في خطوات واضحة متتابعة، بحيث إذا قام المتدرب بمحاكاتها والنسج على منوالها تحصل له الدربة، والتي مع طول المِران تتحول إلى ملكة راسخة في النفس.

المرحلة الثانية: حصر المهارات الإفتائية.

المرحلة الثانية من مراحل العمل في دليل المهارات الإفتائية بعد وضع تصور للمهارة هي حصر المهارات الإفتائية، فبدأ فريق العمل في حصر المهارات، وكان الاعتماد الأكبر على الخبرة العملية لفريق العمل، وهذه الخبرة قد تكونت من خلال ممارسة الإفتاء لمدة تربو على العشر سنوات، وهي فترة مناسبة لتحصيل الخبرة العملية التي تؤهله لرصد وتدوين المهارات الإفتائية.

في بداية الأمر كان هناك سيل من المهارات يتدفق من أذهان فريق العمل، إلا أنه بعد سَبْر معظم هذه المهارات تم استبعاد بعضها والاكتفاء بالخمسين مهارة الموجودة في الدليل الآن، وهذه المهارات التي اعتمدها فريق العمل تعتبر المهارات الأساسية واللازمة للعملية الإفتائية، بحيث إنها تغني عن غيرها ولا يغني عنها غيرها.

المرحلة الثالثة: إنجاز المهارات التي تم حصرها وفق النموذج الذي تم اعتماده.

ظهر التحدي الأكبر في هذه المرحلة والذي يكمن في «خطوات إعمال المهارة»، وهو أمر غير منصوص عليه في كتب الفتوى التراثية أو المعاصرة، فأخذنا في إعمال الفكر، وتصور حال المفتي وهو يستخدم هذه المهارة وما الذي يراعيه، وما الذي يقدمه وما الذي يؤخره، وكل هذه اعتبارات ذهنية لا ينص المفتي عليها في فتواه، وإنما قد يشير إليها إشارة خاطفة، وفي كثير من الأحيان يطويها في كلامه طيًّا دون إشارة، مع الاتفاق على أنه يراعي هذه المهارة حال إصداره للفتوى.

وحتى نصل إلى الخطوات العملية لإعمال المهارة كان الأمر محل أخذ ورد من قبل فريق العمل حتى يصل إلى الصورة النهائية التي بين يدي قارئنا الكريم في هذا الدليل.

ومما تجدر الإشارة إليه في هذه المرحلة من مراحل العمل في دليل المهارات الإفتائية ما يتعلق بالأمثلة التطبيقية؛ أي الفتاوى التي تُستخدم كنموذج تطبيقي لإعمال المهارة وإبراز خطواتها العملية. فقد راعينا فيها التنوع وعدم الاقتصار على مؤسسة إفتائية بعينها، حيث استفدنا بفتاوى الكثير من المؤسسات والهيئات الإفتائية والمجامع الفقهية، وكان لدار الإفتاء المصرية الحظ الأوفر من هذه الفتاوى.

ومما استفدنا منه -على سبيل المثال- المؤسسات التالية:

  1. دائرة الإفتاء الأردنية.
  2. مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي.
  3. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية.
  4. مكتب الإفتاء بسلطنة عمان.
  5. مجمع الفقه الإسلامي بالسودان.

كما اعتمدنا أيضًا على بعض الأمثلة من الكتب التراثية، والرسائل العلمية المعاصرة، وبعض الأمثلة العامة دون التقيد بمؤسسة إفتائية.

المرحلة الرابعة: تصنيف المهارات الإفتائية.

بعد حصر المهارات وإنجازها على النحو المشار إليه سابقًا، أصبحنا أمام مجموعة من المهارات الإفتائية غير مرتبة أو مصنفة، فأصبح هناك حاجة إلى تصنيفها ليسهل الانتفاع بها وتعظم الاستفادة منها، فتم تقسيم الدليل إلى ثلاثة مساقات، كل مساق يتكون من عدة وحدات، كل وحدة تشتمل على مجموعة من المهارات ذات الصلة، على النحو التالي:

أولًا: مساق مهارات صناعة الفتوى وطرق أدائها.

الوحدة الأولى: مهارات العملية الإفتائية.

  1. مهارة تصوير الفتوى.
  2. مهارة تكييف الفتوى.
  3. مهارة تنزيل الفتوى.
  4. مهارة بيان الحكم.

الوحدة الثانية: وحدة مهارات مراعاة واقع الفتوى.

  1. مهارة إدراك الواقع.
  2. مهارة مراعاة المآلات.
  3. مهارة التعامل مع النوازل.
  4. مهارة التعامل مع الأقليات.
  5. مهارة مراعاة تغير العرف.
  6. مهارة مراعاة القانون في الفتوى.
  7. مهارة مراعاة موجبات تغير الفتوى.

الوحدة الثالثة: مهارات الوسائل الإفتائية.

  1. ١٢. مهارة الفتوى الشفوية.
  2. ١٣. مهارة الفتوى الهاتفية.
  3. ١٤. مهارة الفتوى المكتوبة.
  4. ١٥. مهارة الفتوى الإلكترونية.
  5. ١٦. مهارة الفتوى المرئية.

ثانيًا: مساق مهارات منهجية الفتوى وإشكالياتها.

الوحدة الأولى: مهارات منهجية الفتوى.

  1. مهارة الفتوى وفق معتمد المذهب.
  2. مهارة التلفيق الفقهي.
  3. مهارة الاختيار الفقهي.
  4. مهارة الخروج من الخلاف.
  5. مهارة مراعاة الخلاف.
  6. ٢٢. مهارة الاستفادة من فتاوى المجامع الفقهية.
  7. مهارة التيسير في الفتوى.
  8. مهارة المشاورة في الفتوى.
  9. مهارة التدليل على الفتوى.

الوحدة الثانية: مهارات التعامل مع إشكاليات الفتوى.

  1. مهارة القدرة على استعمال المخارج الفقهية.
  2. مهارة تصحيح معاملات الناس.
  3. مهارة تفريق الأحكام.
  4. مهارة تحرير الحقيقة العرفية.
  5. مهارة تجنب الجمود على المنقول.
  6. مهارة تجنب الشذوذ في الفتوى.

الوحدة الثالثة: مهارات تخريج الفتوى.

  1. مهارة تخريج الفتوى على القواعد الأصولية.
  2. مهارة تخريج الفتوى على القواعد الفقهية.
  3. مهارة تخريج الفتوى على الضوابط الفقهية.
  4. مهارة التخريج الفقهي.

ثالثًا: مساق مهارات استثمار المعارف ذات الصلة.

الوحدة الأولى: مهارات الحساب الشرعي.

  1. مهارة حساب الفرائض.
  2. مهارة حساب الديات والجروح.
  3. مهارة حساب الزكاة.
  4. مهارة التقديرات الشرعية.

الوحدة الثانية: مهارات المعالجات المتخصصة.

  1. مهارة الفتوى الافتراضية (المستقبليات).
  2. مهارة الاستعانة بأهل الخبرة.
  3. مهارة البحث الإفتائي.
  4. مهارة التأهل للاجتهاد الجزئي.
  5. مهارة التواصل الفعال.
  6. معرفة أهلية المستفتي.

الوحدة الثالثة: مهارات فحص الفتوى.

  1. مهارة تحليل الفتوى.
  2. مهارة تقييم الفتوى.
  3. مهارة تاريخ الفتوى.
  4. مهارة مقارنة الفتوى.
  5. مهارة إعادة النظر في الفتوى.

المرحلة الخامسة: المراجعات النهائية.

ثم جاءت المرحلة الأخيرة من مراحل العمل، وهي مرحلة المراجعات النهائية، وفي حقيقة الأمر لم تكن هذه المرحلة متأخرة عن كل المراحل السابقة، بل كانت مُقَارِنة لمعظم مراحل العمل، حيث إن كل واحد من أفراد فريق العمل كان يقوم بعرض ما ينجزه من مهارات على زملائه من فريق العمل؛ ليبدي كل واحد منهم ملاحظاته عليها، وكان النقاش يدور حولها إلى أن يصل الفريق إلى أفضل ما يمكن تقديمه.

ويعلم الله أن الجميع كان يتقبل ملاحظات غيره برحابة صدر وسعة فكر؛ لأنه يعلم أنه بذلك يضم إلى عقله عقول الآخرين، وإن كان في هذا الدليل من فائدة فربما يكون هذا الأمر مَنْشَأَهَا.

ويمكن تحديد المراجعات التي تمت على دليل المهارات الإفتائية فيما يلي:

  1. مراجعة كل مهارة بعد الفراغ منها: وذلك بالنظر في استيفائها لعناصر النموذج الذي تم اعتماده للمهارة.
  2. مراجعة كل مجموعة من المهارات مترابطة فيما بينها أو ذات صلة قوية لتحديد ما يمكن إضافته إليها من مهارات، وهذه كانت النواة التي تكونت منها الوحدات الموجودة في الدليل.
  3. مراجعة العمل كاملًا بعد الفراغ من جميع المهارات، وهذه كانت المراجعة الأكثر جهدًا؛ لأنها تتطلب دقة فائقة حتى يخرج الدليل بصورته الحالية.
  4. المراجعات الفنية واللغوية قبل تسليم العمل إلى المطبعة.

المساق الأول: مهارات صناعة الفتوى وطرق أدائها.

يتناول هذا المساق الجوانب الأساسية في العملية الإفتائية، حيث يتناول صناعة الفتوى وطرق أدائها، وصناعة الفتوى ليست بالأمر الهين الذي يمكن تحصيله بالدرس والمطالعة لأمهات الكتب، وإنما تحتاج إلى تدريب وتأهيل عملي من خلال المعايشة للعملية الإفتائية والملاحظة المتأنية لكيفية إصدارها والمراحل التي تمر بها، وكيف تتم هذه العملية المركبة في ذهن المفتي، يقول التقي السبكي في فتاويه(1) : «وَلِهَذَا نَجِدُ كَثِيرًا مِنَ الْفُقَهَاءِ لَا يَعْرِفُونَ أَنْ يُفْتُوا، وَأَنَّ خَاصِّيَّةَ الْمُفْتِي تَنْزِيلُ الْفِقْهِ الْكُلِّيِّ عَلَى الْمَوْضِعِ الْجُزْئِيِّ، وَذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى تَبَصُّرٍ زَائِدٍ عَلَى حِفْظِ الْفِقْهِ وَأَدِلَّتِهِ»، والتبصر الزائد الذي يعنيه التقي السبكي هو إتقان مهارات الصنعة الإفتائية، وهو أمر زائد على معرفة الفقه وأدلته كما نبه على ذلك.

وقد جاءت الوحدة الأولى في هذا المساق لتتناول مهارات العملية الإفتائية بداية من تصوير الفتوى، ومرورًا بالتكييف ثم التنزيل، وانتهاء ببيان الحكم، وهذه المهارات تعتبر أساسية لجميع الفتاوى مهما تنوعت أساليبها وطرق تقديمها للمستفتي؛ ولهذا كان لها الصدارة على غيرها من المهارات الأخرى مع الاتفاق على أهمية جميع المهارات.

وتأتي الوحدة الثانية لتعالج الواقع الذي تتحرك فيه الفتوى، فكانت تحت عنوان: مراعاة واقع الفتوى، وهو أمر له خطره، حيث إن المفتي إذا قام بمراعاة العملية الإفتائية وحدها دون النظر إلى واقع الفتوى، فإنه ينتج عن ذلك قصور أو خلل، فلا بد من إدراك الواقع ومراعاة الأثر الذي ينتج عن الفتوى، بالإضافة إلى التعامل الخاص مع النوازل والمستجدات.

ومن لوازم إدراك الواقع مراعاة خصوصية الأقليات المسلمة التي تعيش في بلاد غير المسلمين، مع مراعاة تغير الأعراف والعادات من مجتمع لآخر ومن زمان لآخر، ومما يجب الالتفات إليه في هذا السياق مراعاة القوانين المعمول بها في المجتمع الذي تصدر له الفتوى، ومحاولة الجمع بين القانون والفتوى ما أمكن ذلك، ومراعاة كل ما سبق يتطلب أن يكون المفتي على دراية بموجبات تغير الفتوى.

وبعد أن يتقن المفتي كل ما سبق من مهارات، تأتي الوحدة الأخيرة في هذا المساق لتتناول الوسائل الإفتائية، حيث إن كل وسيلة من الوسائل الإفتائية تتطلب مهارة خاصة بها، بالإضافة إلى المهارات الأساسية لصناعة الفتوى.

والوسيلة الأساس في نقل الفتوى إلى المستفتي هي اللقاء المباشر بينهما، فكان في صدر الوسائل الإفتائية مهارة الفتوى الشفوية، ثم ما تفرع عنها كالفتوى الهاتفية، والفتوى المكتوبة بصورتها التقليدية وصورها المستحدثة كالفتوى الإلكترونية، ثم الختام بالفتوى المرئية التي تبث عبر أثير الشاشات الفضائية.

وبهذا يكون المساق الأول في دليل المهارات الإفتائية قد غطى صناعة الفتوى وطرق تأديتها للمتلقي.

المساق الثاني: مهارات منهجية الفتوى وإشكاليتها.

يأتي المساق الثاني للتأكيد على مراعاة الجوانب العلمية الدقيقة التي أنضجها الفقهاء والمفتون خلال القرون الماضية، فأصبح لدينا ثروة علمية تشكل الأصول والقواعد التي تضبط العملية الإفتائية وفق مناهج علمية دقيقة وواضحة.

وفي سياق استثمار هذه الثروة العلمية تأتي الوحدة الأولى في مساق مهارات منهجية الفتوى وإشكاليتها تحت عنوان: منهجية الفتوى؛ لتمكن المتصدر للإفتاء من الإلمام بالمهارات المتعلقة بالمنهجية العلمية المشار إليها، فتناولت هذه الوحدة مهارة الفتوى وفق معتمد المذهب، وذلك إذا كان المتصدر للإفتاء يلتزم أحد المذاهب الفقهية ولا يعدوه، أما إذا كان سيوسع دائرة الفتوى بالاختيار من المذاهب الفقهية فتأتي مهارات: الاختيار الفقهي والتلفيق الفقهي، والخروج من الخلاف، ومراعاة الخلاف؛ لتضبط عملية الاستفادة من جميع تراثنا الفقهي.

كما تناولت الوحدة أيضًا مهارة الاستفادة من فتاوى المجامع الفقهية، ومهارة التيسير في الفتوى مع اعتبار مهارة المشاورة في الفتوى إحدى الآليات التي يستخدمها المتصدر للإفتاء لتحقيق مقاصد الشريعة من رفع الحرج وطلب التيسير، ولم تغفل الوحدة مهارة التدليل على الفتوى مع مراعاة حال المستفتي وإِطْلاعه على ما يمكن أن يستوعبه من أدلة حتى لا يقع في الشك والحيرة بسبب كثرة الفتاوى التي تصدر من غير المتأهلين لها.

ويلاحظ أن هذه الوحدة من أكبر الوحدات حيث تضمنت تسع مهارات؛ وذلك تأكيدًا على أهمية المنهج العلمي المنضبط في العملية الإفتائية.

وتأتي الوحدة الثانية تحت عنوان: مهارات التعامل مع إشكاليات الفتوى؛ لتبين كيفية التعامل مع غوامض ودقائق الصنعة الإفتائية، حيث تناولت مهارة القدرة على استعمال المخارج الفقهية ومهارة تصحيح معاملات الناس مع التأكيد على التمسك بمقاصد الشريعة وعدم التفلت من أحكامها، وضمت الوحدة الثانية أيضًا مهارة تفريق الأحكام ومهارة تحرير الحقيقة العرفية، ومهارة تجنب الجمود على المنقول، وفي الختام تؤكد على ضرورة تجنب الشذوذ في الفتوى وعدم إهدار ما اتفق عليه علماء الشريعة من أصول وقواعد.

ثم تأتي الوحدة الأخيرة في المساق الثاني تحت عنوان: مهارات تخريج الفتوى لتتناول مجموعة المهارات المتعلقة بالتخريج، وهو نوع من إلحاق المسائل غير المنصوص على حكمها في كتب المتقدمين بأصل أو قاعدة أو فرع لوجود مناسبة أو مماثلة، ونقل الحكم المنصوص عليه إلى المسألة غير المنصوص عليها، وهو ضرب من الاجتهاد وفق أصول وقواعد المذاهب الفقهية.

وقد تناولت الوحدة مهارات: تخريج الفتوى على القواعد الأصولية، وتخريجها على القواعد الفقهية، وتخريجها على الضوابط الفقهية، ومهارة التخريج الفقهي، وبهذا يكون قد اكتمل المساق الثاني وعالج دقائق الصنعة الإفتائية.

المساق الثالث: مهارات استثمار المعارف ذات الصلة.

المفتي بحاجة إلى جملة من المعارف غير المقدار الواجب تحصيله من العلوم الشرعية والعربية؛ لأن هذه المعارف تعينه على أداء الواجب الذي تَصَدَّرَ للقيام به، وهو بيان الحكم الشرعي لمن يسأل عنه، وهذه المعارف تتنوع بتنوع القضايا التي تستجد، إلا أن هناك جملة من المعارف شديدة الصلة بالعملية الإفتائية؛ منها على سبيل المثال: علم الحساب الذي لا يستغني عن معرفة مبادئه كلُّ من تصدر للفتوى، لا سيما مسائل المواريث وقسمة التركات وحساب الزكوات ونحوها.

وقد جاءت الوحدة الأولى من مساق استثمار المعارف ذات الصلة بعنوان: مهارات الحساب الشرعي؛ لتتناول مهارة حساب الفرائض، ومهارة حساب الديات والجروح، ومهارة حساب الزكاة، ومهارة التقديرات الشرعية، كل هذا بغرض تمكين المتصدر للإفتاء من الاستفادة من علم الحساب في الأبواب والمسائل التي تتوقف عليه، وتوفر له الوقت والجهد حيث إنها تسهل عليه القيام بواجبه في هذه المسائل.

أما عن وحدة مهارات المعالجات المتخصصة، وهي الوحدة الثانية في هذا المساق، فتضم المهارات المتعلقة بالمعارف ذات الصلة بالعملية الإفتائية، فهي كالوسائل المساعدة بالنسبة للمفتي، وإتقان هذه المهارات من باب إكمال العدة وإفراغ الوسع في سبيل إخراج الفتوى على الوجه الأكمل، بل إنها حاولت أن تستشرف المستقبل وما قد يكشف عنه الغيب من مسائل مستجدة بحاجة إلى بحث في أسرع وقت ممكن؛ نظرًا لسرعة الأحداث التي تجري في واقع الفتوى.

فتناولت الوحدة مهارة الفتوى الافتراضية «المستقبليات»، ومهارة الاستعانة بأهل الخبرة، ومهارة البحث الإفتائي، ومهارة التأهل للاجتهاد الجزئي، ومهارة التواصل الفعال، ومهارة معرفة أهلية المستفتي.

وبهذا تكون هذه الوحدة قد جمعت للمتصدر للإفتاء كلَّ ما يحتاج إليه من معارف أو خبرات فنية في بعض الأحوال، ليحسن الاستفادة من العلوم والمعارف التي يمكن تطويعها لخدمة العملية الإفتائية.

ثم تأتي الوحدة الأخيرة في المساق الثالث والأخير من دليل المهارات الإفتائية بعنوان: مهارات فحص الفتوى، لتضيف إلى المهارات الإفتائية جملة جديدة من المهارات قد لا يلتفت إليها كثير من المتصدرين للإفتاء، هذه المهارات هي مهارة تحليل الفتوى، أي رد الفتوى إلى مكوناتها الأولية التي تكونت منها، وذلك بغرض الوقوف على خطوات ومراحل العملية الإفتائية، وقد يكون بغرض تقييم الفتوى، فتأتي المهارة الثانية وهي مهارة تقييم الفتوى.

وتناولت الوحدة أيضًا مهارة تاريخ الفتوى ومهارة مقارنة الفتوى، وصولًا إلى نهاية المطاف، وهو إعادة النظر في الفتوى؛ لأنها جهد بشري يعتريه السهو والخطأ والنسيان، والعصمة قد كتبها الله لأنبيائه فقط، وليست لغيرهم من البشر.

1 فتاوى السبكي، ٢/ ١٢٣.

اترك تعليقاً