البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

المبحث السابع عشر: الإفتاء الجماعي

78 views

أولًا: مفهوم “الإفتاء الجماعي”:

إن المتأمل في تعريف الإفتاء ومشتقاته اللغوية التي سبق إيرادها في الفصل الأول من هذا المجلد([1]) يجد أنه يصدُق على القسمين: الفردي والجماعي؛ فالمفتي سواء كان واحدًا أو جماعة يبذُل غاية مجهوده في إبداء الحكم الشرعي المناسب لواقعة المستفتي موضوع البحث والنظر، لكن ذلك لا يُغني عن تعريفٍ للإفتاء الجماعي يُميِّزه عن قسيمه.

ومصطلح “الإفتاء الجماعي” مركبٌ إضافيٌّ مكوَّنٌ من كلمتين: الأولى هي “الإفتاء”، وقد سبق بيانها، والثانية هي “الجماعي”، وهي لغةً: نسبةٌ إلى “الجماعة”، مشتقة من: “جَمَعَ يجمَع جَمْعًا”، والجَمْع: تأليفٌ لمفترِق وضم الشيء بتقريب بعضه من بعض، والجماعةُ والجميع والمجمع والمجمعة كالجَمْع؛ والجماعة: اسمٌ يُطلَق على العدد من الناس([2])، والجَمع: المجتمعون، تقول: جاء جمعٌ من الناس، وجمعه “جموع”، والمجموع: الذي جُمع من هاهنا وهاهنا وإن لم يُجعَل كالشيء الواحد، وجمعتُ الشيءَ إذا جئتُ به من هاهنا وهاهنا، وتجمَّع القوم: اجتمعوا أيضًا من هاهنا وهاهنا([3])، والمَجْمَع يُطلق على الجمع وعلى موضع الاجتماع وجمعه مَجَامع([4]).

والجماعــي في الاستخدام المعاصر يؤخذ مــن معنــى الاجتمــاع والجماعــة، وهــو: حالــةٌ مــن التعــاون والمشــاركة تظهــر فــي إنجــاز عمــلٍ مــا([5]).

ويمكن تعريف “الإفتاء الجماعي” في الاصطلاح بأنه: «دراسة مسألة شرعية من قِبَل عددٍ من ذوي الكفاية العلمية بإشراف مؤسسة تنظيمية مختصة ثم اجتماعهم للتباحث والتشاور للخروج برأي إجماعي أو أغلبي لبيان حكمٍ شرعي»([6]).

فعبارة “دراسة مسألة شرعية” تُخرِج جميع المسائل الأخرى غير المتعلقة بالشريعة كمسائل الهندسة والطب والفلك التي لا تتعلق بالقضايا الشرعية؛ فإن اجتماع عددٍ لدراسة شيء من ذلك لا يُعد من الإفتاء الجماعي؛ إلا أن تكون دراستها من جهة تعلقها بالشريعة، ويكون في الدارسين العلماء الشرعيين، ويكون الهدف بيان حكمها الشرعي.

وعبارة “مِن قِبَل عددٍ من ذوي الكفاية العلمية”؛ يُخرج مَن ليس مؤهلًا للفتيا، كما يُدخِل غير الشرعيين من ذوي الكفاية العلمية في تخصصاتهم إن كانت المسألة متعلقة بنازلة طبية أو فلكية أو نحو ذلك.

وعبارة “بإشراف مؤسسة تنظيمية مختصة” تُخرِج كل فتيا جماعية حدثت دون مجالس منظمة.

وعبارة “ثم اجتماعهم للتباحث والتشاور للخروج برأي إجماعي أو أغلبي” يُخرج ما إن درس كلٌّ منهم المسألة بمفرده دون الاجتماع للتشاور ومناقشة الآراء.

وعبارة “لبيان حكمٍ شرعي” تُخرِج الاجتهاد للوقوف على الحكم؛ فليس المراد هنا الاجتهاد الجماعي بل المراد الإفتاء الجماعي الذي يقوم على المشاورة والمناقشة بين الأعضاء والحاضرين للوصول إلى حكم يمكن أن تصدر به فتوى أو قرار في مسألة أو نازلة.

الفرق بين “الإفتاء الجماعي” و”الاجتهاد الجماعي”:

يلتبس الفرق بين الاجتهاد الجماعي والإفتاء الجماعي على كثير من الناس؛ فيخلطون من جراء ذلك بين الفتوى الجماعية والحكم الناشئ عن اجتهاد جماعي، ولكن من المقرر أن الإفتاء ينتُج عن اجتهادٍ، أو بعبارة أخرى: الاجتهاد هو الوسيلة التي ينتج عنها الفتوى؛ فهناك فرقٌ بين “الإفتاء الجماعي” و”الاجتهاد الجماعي”؛ فالاجتهاد الجماعي هو: «عملية استفراغ مجموعة من المجتهدين الجهدَ بالتعاون معًا لتحصيل ظنٍّ بحكمٍ شرعيٍّ بطريق الاستنباط»([7])، أو هو: «اجتماع طائفة من المجتهدين للوقوف على الحكم الشرعي في أمرٍ ما بصورةٍ مطلقةٍ؛ بحيث يصلُح هذا الحكم لأن يكون ضابطًا شرعيًّا يُسترشد به في بيان حكم ما يندرج تحته من الحالات»([8]).

أما الإفتاء الجماعي فهو تَبادُلٌ للرَّأيِ بينَ فُقهاءَ قد لا يَصِلون إلى درَجةِ الاجتهادِ المطلَقِ ولا المقيَّدِ بعدَ مُشاورةِ خُبراءِ الاقتصادِ أو الطبِّ أو غيرِهم من غيرِ المختصِّين في الشَّريعةِ لِمُساعدَتِهم في تحقيقِ المناط وذلك لبيان حكمٍ شرعي في نازلة ما([9]).

ويمكن تحديد أوجه الاتفاق والاختلاف بين الاجتهاد الجماعي والإفتاء الجماعي فيما يلي:

أوجه الاتفاق:

1- أنهما يبحثان في المسائل الشرعية.

2- أنهما يتعددان في العصر الواحد في المسألة الواحدة.

3- أنهما يكونان في المسائل الخاصة والعامة.

4- عدم الإلزام فيهما لذاتهما، وإنما يكتسبان صفة الإلزام بأمر خارج.

أوجه الاختلاف:

1- أن الإفتاء الجماعي يُعد من وسائل الفتوى إعدادًا وإصدارًا؛ إذ الفتوى قد تصدر عن فردٍ أو عن جماعةٍ، وصدورها عن الجماعة يكون بعد اجتماع أو تشاور، والاجتماع والتشاور هو الإعداد، أما الاجتهاد فإنما يدخله مرحلة الاجتماع والتشاور فقط، ولا يدخل فيه الإبلاغ بالحكم الشرعي؛ بل هذا شأن الإفتاء.

2- لا يلزم في الإفتاء الجماعي أن يكون نتيجة بذل وسع؛ إذ قد يكون في المسائل القطعية بدافع تقريرها وتأكيد العمل بها في المجتمع؛ وذلك كالإفتاء الجماعي بفرضية الحجاب، بخلاف الاجتهاد الجماعي فلا يكون في المسائل القطعية؛ لعدم قابليتها للاجتهاد.

3- أن الإفتاء الجماعي يدخل في المسائل المتخاصَم فيها تفصيلًا، أما الاجتهاد فليس هذا بابه إلا بصفة إجمالية.

4- أن الإفتاء الجماعي لا يتم إلا بتبليغ الحكم الشرعي للسائل، أما الاجتهاد الجماعي فيتم بمجرد تحصيل الحكم الشرعي([10]).

والحكم الشرعي الذي يتم بيانه؛ أي: الفتوى؛ كمنتَجٍ علميٍّ فكريٍ لها معدٌّ ومُنشئ وهو إما فردٌ أو جماعة؛ فأنواع الفتوى من هذه الحيثية إما فردية وإما جماعية.

فالفتوى الفردية: هي التي يُعدُّها ويُصدَرُها واحدٌ من المفتين.

والفتوى الجماعية: هي الفتوى التي يُعدُّها ويُنشؤها جماعةٌ من المفتين معًا، ثم تصدُر عن جهة منظِّمة؛ كالمجامع الفقهية ومَجمع البحوثِ الإسلاميَّة بالأزهر واللِّجان الإفتائيَّة المختلفة التي تُشكَّل في المؤسسات الإفتائية.

ويمكن تعريف الفتوى الجماعية بأنها: “الرأي الشرعي الصادر عن جماعة من العلماء المتأهلين للفتوى في عصر من العصور في مسألة من مسائل الاجتهاد”.

ويُشترط في الفتوى الجماعية أن يتوفر في كل عضوٍ من أعضاء الإفتاء الجماعي الشروط الواجب توافرها في المفتي الفرد، وهي: الإسلام والبلوغ والعقل والكفاية العلمية السابق بيانها في الكلام على شروط المفتي([11])؛ إذ لا يسوغ الأخذ برأي جماعة إلا إذا توافرت في كل فرد من أفرادها شرائط الإفتاء ومؤهلاته.

ثانيًا: مشروعية “الإفتاء الجماعي”:

يدل على مشروعية الإفتاء الجماعي عدة أمور؛ منها:

أولًا: قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}([12])؛ فدلَّ ذلك على ترجُّحَ الفهم الجماعي على النظر الفردي حيث أسند العلم لمجموع المستنبطين لا لآحادهم.

ثانيًا: أن المشاورة في الأمور مبدأ من مبادئ الإسلام؛ قال الله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}([13])، وشاوَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في مواضعَ وأشياءَ، وأمر بالمشاوَرَة؛ فمن ذلك: استشارته صلى الله عليه وسلم لأصحابه في أسارى بدرٍ([14])، ولما خرج عليه السلام من المدينة قاصدًا مكة محرِمًا فقيل له: إن قريشًا جمعوا لك جموعًا؛ فقال عليه السلام: «أشيروا أيها الناس عليَّ»([15])، واستشارته عليه السلام لعلي بن أبي طالب وأسامة بن زيد رضي الله عنهما في فراق أهله([16]).

ثالثًا: وجود “الإفتاء الجماعي” عند الصحابة رضي الله تعالى عنهم؛ فقد كان الأصل في أول الإسلام أن تُردَّ المسائل والأحكام إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيتبين للسائلُ الحكم الشرعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبوفاته صلى الله عليه وسلم كان الرَّدُّ إلى أصحابه المجتهدين رضي الله عنهم، وكانت قد ظهرت نوازل جديدة وحوادث مغايرة احتاجت الاجتهاد في الدين، فواجهوا رضي الله عنهم هذه النوازل التي لم يكن لهم بها عهدٌ في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وبذلوا وُسْعَهُم واستفرَغُوا جهدهم في درك أحكامها ومعرفة وجوه الفتيا في مسائلها ونوازلها، وقد مارسوا رضي الله عنهم الاجتهاد جماعيًّا وفرديًّا في تلك المسائل المستجِدَّة؛ فقد كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما يسألان الناسَ عمَّا ليس لهما به علمٌ، ويتحرَّيان في ذلك، فكان أبو بكر رضي الله عنه إذا ورد عليه الخصم نظر في كتاب الله فإن وجد فيه ما يقضي بينهم قضى به، وإن لم يكن في الكتاب وعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الأمر سنة قضى به؛ فإن أعياه خرج فسأل المسلمين وقال: «أتاني كذا وكذا؛ فهل علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في ذلك بقضاء؟»؛ فربما اجتمع إليه النفر كلهم يذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه قضاء؛ فيقول أبو بكر: «الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ على نبينا صلى الله عليه وسلم»؛ فإن أعياه أن يجد فيه سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع رءوس الناس وخيارهم فاستشارهم؛ فإذا اجتمع رأيهم على أمرٍ قضى به، وكان عمر رضي اله عنه يفعل ذلك أيضًا([17]).

ومن ذلك أيضًا تشاورهم في جمع القرآن([18])، وفي زيادة حد شارب الخمر([19]).

وقد ظهرت بوادر الإفتاء الجماعي المنظَّم عندما تأسس في الدولة الأموية بالأندلس أيام يحيى بن يحيى الليثي (ت 234هـ) منصب لفقيه أو أكثر؛ وصلوا في بعض الأوقات إلى ستة عشر عضوًا، يستعين بهم القضاة فيما أُشكل عليهم من مسائل فقهية معضَلة، ويتبينوا آراءهم فيها، ويتخذون المسجد الجامع أو دار قاضي الجماعة مقرًّا لهم، وعُرف هذا المجلس بـ”مجلس الإفتاء، ومجلس المشاورين”([20])، وكانت العضوية فيه أشبه بالعضوية في المجامع الفقهية المعاصرة؛ حيث كان يُعينهم ولي الأمر ويترأسهم قاضي الجماعة([21])، ويُعرفون بـ”أهل الشورى، وفقهاء الشورى، وشيوخ الشورى، والفقهاء المشاورين”([22])، ووصفوا بأنهم “المشاورون أصحاب الفتوى”([23])، وهي مكانة علمية مرموقة تُثبَت في ترجمة صاحبها([24])، وهو سبق إسلامي قضائي حضاري لم تصل إليه الأمم الأخرى إلا متأخرًا([25]).

ثالثًا: أهمية الإفتاء الجماعي:

للإفتاء الجماعي في زماننا أهمية كبيرة؛ لما يترتب على الفتاوى المنضبطة من صلاحٍ للبلاد والعباد، فهو يحقّق مصالح عديدة تتمثل في عدة أمور؛ منها ما يلي:

1- تحقيق مبدأ الشوري الذي هو الوسيلة الأصيلة لتحقيق الإفتاء الجماعي، وهو أمر شرعي؛ قال تعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾([26])، وقال سبحانه: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾([27])، وهو أيضًا سنة نبوية شريفة؛ فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، الأمر ينزل بنا بعدك لم ينزل به القرآن ولم نسمع منك فيه شيئا، قال: «اجمعوا له العابدين من المؤمنين واجعلوه شورى بينكم ولا تقضوا فيه برأي واحد»([28])؛ قال ابن القيم: «وقد مدح الله سبحانه المؤمنين بكون أمرهم شورى بينهم، وكانت النازلة إذا نزلت بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليس عنده فيها نص عن الله ولا عن رسوله جمع لها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جعلها شورى بينهم»([29]).

2- الإفتاء الجماعي كفيلٌ بالوصول إلى حلول شرعية لكل المستجدات؛ فمن المعلوم أن النصوص الشرعية لا تغطي كل الوقائع، والاجتهاد هو الذي يتولى أمر النوازل التي لم يرد بحكمها نص شرعي، وإذا كانت هذه المستجدات تحيط بها مجموعة من الملابسات ولها صلة بقضايا وعلوم أخرى مما يحول دون إدراك كل جوانبها من طرف فرد واحد مهما بلغ علمه فإن الاجتهاد الجماعي هو البديل الذي يمكن له أن يتوصل الى الحلول الشرعية لهذه المستجدات كما يمكنه أن يرجح بين الآراء المتباينة وأن يتناول القضايا المتغيرة بتغير الأحوال، وهو بذلك يحول دون توقف الاجتهاد ويقيه من الأخطاء التي يمكن أن يقع فيها الفرد نتيجة التكامل الموجود بين أعضائه([30])؛ ويُقال الكلام ذاته عن الإفتاء الجماعي.

3- الإفتاء الجماعي يحافظ على حياة التشريع، ومرونة الفقه، وتطوره، وفعاليته.

4- القضاء على الفوضى في الفتاوي.

5- ضبط الفتوى والبُعْدُ بها عن الشَّطط والاضطراب.

6- التزام المصدر الشرعي لكلِّ قول.

7- تعويض ما قد يتعذر علينا اليوم من قيام الإجماع.

8- أنه ييسر للأمة استمرار الاجتهاد، ويمنع أسباب توقفه أو إغلاق بابه.

9- خطوة في سبيل توحيد الأمَّة.

10- إيجاد التكامل بين المتخصِّصين في العلوم الشرعيَّة وغيرها.

11- أنه يسد إلى حد كبير الفراغ الذي يحدثه غياب المجتهد المطلق.

13- أنه يقي الأمة من الأخطاء والأخطار التي قد تنتج عن الإفتاء الفردي.

14- أنه من أنجع السبل لتوحيد النظم التشريعية للأمة؛ حيث يتحقق به التكامل بين الساعين للاجتهاد، ويتحقق به التكامل في النظر للقضايا محل الاجتهاد([31]).

رابعًا: أنواع القضايا التي تتطلب إفتاء جماعيًّا:

إن القضايا التي تتطلب إفتاء جماعيًّا تتبلور في ثلاثة أنواع:

النوع الأول: القضايا المستجدة ذات الطابع العام، أو المعقدة، أو المتشعبة بين عدة علوم.

النوع الثاني: القضايا العامة التي سبق لأسلافنا أن اجتهدوا فيها ولكن تعددت آراؤهم واختلفت اجتهاداتهم وصارت حاجة الأمة اليوم إلى انتقاء وترجيح أحد تلك الأقوال.

النوع الثالث: القضايا التي قامت أحكامها على أساس متغير؛ كالقضايا التي قامت على العرف أو المصلحة أو كان لظروف الزمان والمكان دور في حكمها، مما يجعلها قد تتغير لتغير أساسها([32]).

خامسًا: الاستعانة بالمختصين من مختلف العلوم في الإفتاء الجماعي:

إن المفتي في عصرنا هذا يَطرُق في نوازل العصر موضوعاتٍ لم تُطرَق غالبًا من قبلُ بهذه الصُّورة، وإنما هي قضايا مستجدَّةٌ يغلب عليها طَابِعُ العصر الحديث وتقنياتُ الحضارة المعاصرة التي لم تَدُرْ بِخُلُد العلماء السَّابقين، ولاسيما في ديار غير الإسلام، والمفتي يلزمه ثلاثة أمور:

  • تصوُّر المسألة تصوُّرًا صحيحًا؛ لأنَّ الحكمَ على الشَّيء فرعٌ عن تصوِّره.

ب- معرفة الأدلة الواردة فيها وكلامَ أهل العلم حولها.

جـ- تنزيل هذه الأدلة على واقع المستفتي والسَّائل، وهي أصعبها.

والحاصل أن فهم واقع النازلة فهمًا صحيحًا من أهم المهمات وأوجب الواجبات على العلماء والمفتين، ولأهميَّة هذا الأمر جاء في كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: «الفهمَ الفهمَ فيما يتلجلج في نفسك مما ليس في قرآن ولا سنة، ثم اعرف الأشباه والأمثال، وقسم الأمور عند ذلك، ثم اعمد إلى أَحَبِّهَا إلى الله وأشبهها بالحق فيما ترى»([33]).

ومِنْ هنا فإن الإفتاء الجماعي أقرب إلى عملية التصوير الصحيح للنوازل؛ حيث تُعدُّ مرحلةُ العرض والتصوير في غاية الأهمية؛ فالتصوير الدقيق المطابق لواقع النازلة شرطٌ أساسي لصدور الفتوى بشكلٍ صحيحٍ وأقربِ إلى تحقيق مقاصد الشَّرع ومصالح الخلق.

ولقد امتازَ هذا العصر بمكتشفات ومخترعات عمت جوانب الحياة المتعددة، وقد نشأ عن ذلك الكثيرُ من المستجدات والنوازل التي لم تكن معهودة من قبلُ وليس لها مثيلٌ فيما حوته كتبُ الفقه التي وضعها المتقدمون، وتختصُّ تلك النوازل المستجدَّة بأمرين:

الأول: أنها في الغالب ذاتُ بُعْدٍ عام يَمَسُّ المجتمعات والدول؛ بل ربما تناولت آثارها الأمة جمعاء.

الثاني: أنها تَحْفَلُ بكثير من الملابسات والتشعبات التي تخرج بها عن حيز الفن الواحد إلى حيّزِ الفنون المتنوعة، الأمر الذي يجعل استيعابها وفهمها على حقيقتها صعبا.

وتأسيسًا على ذلك فإن الإفتاء في هذه النوازل ينبغي أن يراعى فيه هذان الأمران؛ فإن أيَّ خطأ أو قصور في الفتاوى العامَّة يصيب أثره عمومَ الناس، كما أن النظر القاصر من شأنه أن يُفرز فتوى قاصرة؛ فإن نوازل العصر ليحتاج الأمر فيها إلى بيانٍ أكثر مما سبق من مسائل في الكتب التراثية، وبخاصَّةٍ إذا كان الأمر له أبعاد علمية أو اقتصادية أو طبية، وهذه وظيفة المختصِّين بهذا المجال من الخبراء والفنيين، وهذا ما يطلق عليه حديثًا في عمل المجامع الفقهية: “الاستعانة بلجان الخبراء”، وهو داخل في قوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}([34])، وفي القاعدة الأصولية: «ما لا يتمُّ الواجب إلا به فهو واجبٌ»([35]).

وعليه فإن رعاية الفتوى في مثل تلك النوازل تستدعي إخضاعها للإفتاء الجماعي الذي تتوافر له الرؤية الجماعية والخبرة والاختصاص واستخدام مبدأ استقاء المعلومات من مصادرها الموثوقة المتخصصة، ومن هنا يظهر جليًّا الدور العظيم الذي يقوم به الإفتاء الجماعي في ضبط الفتوى والوصول بها إلى المقصود الأمثل وهو إصابة الحق.

سادسًا: أشكال الإفتاء الجماعي في التطبيق المعاصر:

يأخذ الإفتاء الجماعي في التطبيق المعاصر عدة أشكال؛ أبرزها ثلاثة:

1- الإفتاء الجماعي في مؤسسات الإفتاء:

تقرَّر أن المؤسسة الإفتائية هي جهة عامة ذات طابع ديني تتمتع بخصوصية تقوم بخدمة المسلمين في نطاقها المحلي وتتسع خدماتها لخدمة الأمة الإسلامية([36]).

ومع الشروع في تأسيس مؤسسات الإفتاء من دور وهيئات وغيرها وانتشارها في العديد من الدول الإسلامية وتعميم مبدأ تنظيم الإفتاء وجعله في دوائر رسمية تابعة للدول، ومع نشأة دار الإفتاء المصرية في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي ثم توالى إنشاء مؤسسات الفتوى في باقي دول العالم الإسلامي([37])؛ انتقلت وظيفة المفتي نقلة نوعية من كونه عملاً شخصيًّا يقوم به المفتي بطريقة فردية إلى عملٍ مؤسسي يترأس فيه المفتي منظومة شرعية كاملة منوطٌ بها القيام بعدة وظائف شرعية خدمية في صدارتها الإفتاء.

وغالب مؤسسات الفتوى تعتمد آلية الإفتاء الجماعي في فتاواها، وذلك عبر تكوين لجنة داخلية مشكلة من أكابر المتصدرين للفتوى لتنظر في النوازل المستجدة وتراجع الفتاوى التي تتغير بتغير الزمان والمكان والأعراف والتي تم إصدارها للتأكد من مدى مطابقة الحكم المتبنى لهذا التغيُّر، وتقوم هذه اللجنة بالاستعانة بالمختصين إذا كانت المسألة تتعلق بمجالٍ طبي أو اقتصادي أو اجتماعي أو غير ذلك.

2- المراكز الإسلامية ومجالس الإفتاء في البلاد غير المسلمة:

هي مراكز أنشأها دول إسلامية أو شخصيات إسلامية في البلاد غير المسلمة والتي يكون المسلمون فيها أقلية، وتقوم تلك المراكز بالاهتمام بكل ما يخص المسلمين في تلك البلاد.

ومن هذه المراكز من يعتمد الإفتاء فيها على الاستشارة بين طائفة من المتخصصين في الشريعة الإسلامية بالاستعانة بغيرهم من العلماء في المجالات المعنية بالنازلة المستفتى فيها، ويعد هذا أحد أشكال الإفتاء الجماعي.

3- المجامع الفقهية:

ظهر في القرن الماضي صورة من صور الإفتاء الجماعي؛ فقد نشأت في بدايات القرن الرابع عشر الهجري المجامع الفقهية والهيئات العالمية التي تضم نخبة من علماء التخصصات المختلفة؛ وذلك استجابةً لدعوات الكثيرين في إحياء الاجتهاد الجماعي بشكل منظَّم سواء أكان هيئات أو مؤسسات رسمية أو غير ذلك؛ وكان من أهم المطالبين بهذا الشيخ الطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى والدكتور مصطفى الزرقا وغيرهما من أهل العلم؛ يقول الطاهر بن عاشور: «الاجتهاد فرض كفاية على الأمة بمقدار حاجة أقطارها وأحوالها، وقد أَثِمَت الأمة بالتفريط فيه مع الاستطاعة ومُكنة الأسباب والآلات… وإن أقل ما يجب على العلماء في هذا العصر أن يبتدئوا به من هذا الغرض العلمي: أن يسعوا إلى جمع مجمَع علميٍّ يحضره أكبر العلماء بالعلوم الشرعية في كل قطر إسلامي على اختلاف مذاهب المسلمين في الأقطار، ويبسطوا بينهم حاجات الأمة، ويصدروا فيها عن وفاق فيما يتعين عمل الأمة عليه، ويُعْلِموا أقطار الإسلام بمقرَّراتهم، فلا أحسب أحدًا ينصرف عن اتباعهم، ويُعينوا يومئذ أسماء العلماء الذين يجدونهم قد بلغوا مرتبة الاجتهاد أو قاربوا، وعلى العلماء أن يقيموا من بينهم أوسعهم علمًا وأصدقهم نظرًا في فهم الشريعة فيَشهدوا لهم بالتأهل للاجتهاد في الشريعة، ويتعين أن يكونوا قد جمعوا إلى العلم: العدالة واتباع الشريعة؛ لتكون أمانة العلم فيهم مستوفاة، ولا تتطرق إليهم الريبة في النصح للأمة»([38]).

وجميع الهيئات والمجامع التي أنشئت سواء أكانت بتوصية من مؤتمر أو استجابة لدعوة العلماء والباحثين كانت أهدافهم تتلاقي في بيان الرأي فيما يجدُّ من مشكلات الحياة المعاصرة مذهبية كانت أو اجتماعية أو اقتصادية أو لدراسة أمر من أمور المسلمين الدينية والفقهية والنظر في الوقائع الجديدة في شئون الحياة والاجتهاد في كل ذلك لتقديم الحلول النابعة من الشريعة الإسلامية.

وكذلك من أهدافهم التقارب بين علماء الأمة في جميع دول العالم شرقًا وغربًا شمالًا وجنوبًا والعمل على توحيد الفتوى بها.

ويُعرف المجمع الفقهي بأنه: «هيئة علمية إسلامية ذات شخصية اعتبارية مستقلة مكونة من مجموعة مختارة من فقهاء الأمة الإسلامية وعلمائها؛ تبحث في الحوادث والمستجدات، وتبين حكم الشرع فيها»([39]).

وتعتمد المجامع الفقهية في إصدار الفتوى والقرارات على طريقة الإفتاء الجماعي؛ حيث تقوم هيئة عامة بإعداد عناوين الأبحاث مختارة من القضايا والنوازل التي تهم المسلمين بشكل عام، ثم يُكلف مجموع من العلماء المتخصصين بإعداد بحوث يُراعون فيها أصول البحث والتوثيق، ويساعدهم خبراء في مختلف العلوم لتوصيف وتصوير القضية أو النازلة على حقيقتها، مستفيدين من جميع المذاهب الإسلامية المتفق على صحتها وسلامتها، دون التعصب لمذهبٍ من المذاهب، ثم تُعرض على المجمع بدورةٍ يحضرها جميع العلماء والخبراء، وبعد الأخذ والعطاء، والنقاش والتحاور؛ يُصدر المجمع الفتوى أو القرار بالإجماع، أو بأغلبية الحضور، ثم يُنشر هذا القرار على موقع المجمع، وفي مجلة رسمية تابعة له، ويعمَّم على جميع الدول والمجامع، وهذه هي الطريقة المتبعة في كل المجامع الفقهية مع بعض الفروق غير المؤثرة([40]).

ومن المجامع الفقهية الموجودة حاليًّا في العالم الإسلامي:

  • مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، وقد صدر قرار بإنشائه عام 1381هــ، ويتألف من خمسين عضوًا من العلماء والمختصين من المذاهب الإسلامية، وكان من بينهم عدد لا يزيد عن العشرين من غير المصريين، ونصف الأعضاء على الأقل متفرغين لعضويته، ويُعين العضو بقرار من رئيس الجمهورية، ويكون شيخ الأزهر رئيسًا لهذا المجمع، وقد عقد المجمع أول مؤتمر له في القاهرة عام 1383هـ([41]).
  • المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، وقد أُنشئ هذا المجمع عام 1398هـ، ويتألف من رئيس ونائب له وعشرين عضوًا من العلماء المتميزين بالنظر الفقهي والأصولي، وقد عقدت الدورة الأولى للمجمع في شعبان عام 1398هـ([42]).
  • مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بالمملكة العربية السعودية، وقد أُنشئ هذا المجمع بقرارٍ من مؤتمر القمة الإسلامي الثالث عام 1403هـ بإنشاء مجمع الفقه الإسلامي الدولي، ويتألف المجمع من أعضاء عاملين، ويكون لكل دولة من دول منظمة المؤتمر الإسلامي عضوٌ عامل في المجمع يتم تعيينه من قِبَل دولته، وللمجمع بقرارٍ منه أن يضم لعضويته من تنطبق عليهم الشروط من علماء وفقهاء المسلمين والجاليات المسلمة في الدول غير الإسلامية([43]).
  • مجمع الفقه الإسلامي بالهند، وقد أُنشئ هذا المجمع عام 1988م، ويشارك في ندوات المجمع السنوية نخبةٌ من العلماء يزيد عددهم عن ستمائة عالم معظمهم من الهند([44]).
  • مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، هو مؤسسة علمية تسعى لبيان أحكام الشريعة فيما يعرض للمقيمين في أمريكا من النوازل والأقضية، وتتكون من مجموعة من فقهاء الأمة الإسلامية، وقد عقد الاجتماع التأسيسي له بواشنطن سنة 1423هـ، 2002م([45]).
  • المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث، وهو هيئة علمية متخصصة مستقلة؛ مقرها في أيرلندا، وقد عقد لقاؤه التأسيسي عام 1417هـ في لندن بدعوة من اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، ويهدف المجلس إلى إيجاد التقارب بين علماء الساحة الأوروبية والعمل على توحيد الآراء الفقهية فيما بينهم، وإصدار فتاوى جماعية تسدُّ حاجة المسلمين في أوروبا، وإصدار البحوث والدراسات الشرعية في المستجدات على الساحة الأوروبية([46]).

وقد يُظَن أن المجامع الفقهية لا تُمارس الإفتاء الجماعي بشكل صريح وأن عملها أقرب إلى الاجتهاد الجماعي من حيث إن عملها لا يتعلق بواقعة معينة محددة وغرضها إظهار الحكم الشرعي وليس إنزاله على الواقعة.

ولكن الواقع أن المجامع الفقهية لا تنظر غالبًا إلى في مسائل مستجدة عامة؛ وتحدد في قراراتها صفات النازلة التي تتعرض لها بالتفصيل بحيث لا يكون حكمها إجماليًّا بل متعلقًا بواقعة بعينها، وإن كانت الواقعة عامة كتأجير الأرحام أو التعامل بالبتكوين أو نحو ذلك؛ كما أن المجامع الفقهية تستعرض المذاهب كلها وتتخير رأيًا محددًا ولا تخرج أحكامها وفق مذهب بعينه كما هو شأن الاجتهاد، ولذلك جميعه عُدت قرارات المجامع الفقهية فتاوى شرعية مثيلة لما تُصدره مؤسسات الفتوى، ولذلك فكثيرًا ما تستأنس مؤسسات الفتوى في فتاواها بما تصدره المجامع الفقهية من قرارات؛ ومن ذلك استئناس دار الإفتاء المصرية في فتواها عن تأجير الأرحام البديل بقرار مجمع البحوث الإسلامية وقرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي؛ فجاء في الفتوى: «والذي تضافرت عليه الأدلة هو حرمة اللجوء إلى طريق الرحم البديل سواء أكان بالتبرع أم بالأجرة، وهذا ما ذهب إليه جماهير العلماء المعاصرين، وبه صدر قرار مجمع البحوث الإسلامية بمصر رقم 1 بجلسته المنعقدة بتاريخ الخميس 29 مارس 2001م، وقرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته الثامنة المنعقدة بمقر رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة في الفترة من يوم السبت 28 ربيع الآخر 1405هـ إلى يوم الإثنين 7 جمادى الأولى 1405هـ الموافق من 19- 28 يناير 1985م»([47]).

4- اللجان الشرعية المختصَّة ببعض الجهات.

مع ظهور المستجدات الكثيرة المعاصرة وكثرتها في مختلف التخصصات والمجالات وقلة عدد المتصدرين للفتوى المؤهلين للنظر في هذه التخصصات، مع حرص أصحاب الأعمال والمتخصصين على الوقوف على الفتيا الشرعية لتصحيح أعمالهم وعلى أن تكون هذه الفتيا ممن حصَّل الكفاية العلمية الشرعية مع الاطلاع الواسع على المجال الذي يطلبونه فيه؛ من هنا ظهرت لجان شرعية متعددة تُنشئها هذه الجهات لتتابع أعمالها من وجهة النظر الشرعية؛ بحيث يكونوا على اطلاع بطبيعة أعمالهم، وتقوم هذه اللجان بما تقوم به المجامع الفقهية، وقد اهتم بعضها خاصةً بما يتصل بالنشاط المصرفي والمالي للرقابة الشرعية ببعض البنوك والمصارف والمؤسسات المالية ودراسة ما يستجد بها في المعاملات المالية المعاصرة؛ منها: بيت التمويل الكويتي، واللجنة الشرعية بمصرف الراجحي في المملكة العربية السعودية.

وقد تعددت الأسباب التي أدت إلى ظهور مثل هذه اللجان الشرعية؛ ومن هذه الأسباب:

أ- توسع نشاط تلك الأعمال بحيث تكون بحاجة إلى لجنة دائمة تُراقب تلك الأعمال من الناحية الشرعية.

ب- كثرة ما يستجد من بعض تلك الأعمال.

جـ- أن تشكيل اللجنة الشرعية في تلك الأعمال يُعطي أريحية اطمئنانًا لدى موظفي تلك الجهات قبل المتعاملين معها.

د- أن طبيعة العصر أصبح يميل أكثر إلى التخصص.

هـ- تسويق ما يُقدِّمه أصحاب تلك الأعمال من خدمات([48]).

سابعًا: مقترحات تطوير الإفتاء الجماعي:

يعترض الإفتاء الجماعي في التطبيق المعاصر بعض المعوقات؛ منها اختلاف الاتجاهات لدى أفراد هذا النوع من الإفتاء، وتعصب بعضهم لمنهجه وجماعته، والتأخير في إبداء الرأي في بعض المسائل المستجدة مما يُعرض المستفتين للذهاب إلى غير المتخصصين، وعدم استيعاب بعض مؤسسات الفتوى لبعض العلماء الشرعيين المتمكنين الذين تتوافر لديهم أدوات الاجتهاد الجزئي ولغيرهم من المتخصصين في العلوم المتعلقة؛ وذلك لوضع هذه المؤسسات شروطًا قد لا يتوفر بعضها لديهم، ومن هنا كان ولابد من تقديم بعض المقترحات لتطوير الإفتاء الجماعي؛ منها([49]):

  • وضع آلية داخل مؤسسات الفتوى لتوسيع قاعدة الاستشارات في النازلة المبحوثة.
  • أن يهتم القائمون على التعليم الشرعي بتدريس الاجتهاد الجماعي وطرقه وآلياته.
  • أن تُقدَّم في البحوث الشرعية وغيرها الآراء الجماعية على الآراء الفردية.
  • أن تُشكَّل لجنة جماعية دائمة في المؤسسات الإفتائية متخصصة في مراجعة سائر الفتاوى الصادرة عن المؤسسة قديمًا وحديثًا للتأكد من مناسبتها للعصر ولمنهج المؤسسة وإلا فلتعد البحث في هذه المسائل.
  • أن تتجاوز المؤسسات الرسمية مبدأ التخيُّر بين آراء المذاهب الإسلامية في فتاواها إلى النظر في المسائل المعروضة؛ وخاصة النوازل؛ نظرًا مستقلًّا جماعيًّا يوافق مبادئ الشريعة ولا يخالف الإجماع؛ مع الاستئناس فقط بالتراث الفقهي باعتباره تجربة حضارية.
  • تفعيل الإفتاء الجماعي في التشريعات الخاصة بالعلاقات الدولية والاتفاقيات الخاصة وحث الدول الإسلامية على العمل بها.
  • تفعيل التنسيق بين المجامع الفقهية تحقيقًا للتكامل وتفاديًا للتناقض والتضارب في القرارات.
  • أن تقوم مؤسسات الإفتاء الجماعي بنشر ما يتوصل إليه من قرارات بين أفراد المجتمع كافة.

 

([1]) راجع: المبحث الثاني من الفصل الأول “التعريف بمسائل الإفتاء”.

([2]) ينظر: المخصص لابن سيده (1/ 313)، والعين للخليل بن أحمد (1/ 239)، والصحاح للجوهري (3/ 1198)، مادة (جمع)

([3]) ينظر: لسان العرب لابن منظور (8/ 53)، وتاج العروس للفيروزابادي (20/ 451)، والصحاح للجوهري (3/ 1198)، مادة (جمع).

([4]) ينظر: المصباح المنير للفيومي (1/ 108).

([5]) ينظر: معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد مختار عمر، عالم الكتب، الطبعة الأولى، 1429هـ، 2008م، (1/ 395).

([6]) ينظر: النوازل المتعلقة بالمفتي والمستفتي لبادريق (ص 217)، وأدب الفتوى، د.محمد بن مصطفى الزحيلي، دار المكتبي، دمشق، 1418هـ، 1998م، (ص14).

([7]) ينظر: الاجتهاد الجماعي في التشريع الإسلامي لعبدالمجيد السوسوه الشرفي، سلسلة كتاب الأمة، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، قطر، 1418هـ، العدد (62)، (ص 46).

([8]) ينظر: المعلمة المصرية للعلوم الإفتائية، النظريات الإفتائية (6/ 9).

([9]) ينظر: ميثاق الإفتاء، عبدالله الشيخ محفوظ بن بيَّة، بحث منشور في مجلة الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، العدد (1)، (ص 93).

([10]) ينظر: المعلمة المصرية للعلوم الإفتائية، النظريات الإفتائية، (6/110).

([11]) راجع: المسألة الرابعة من المطلب الثالث من هذا المبحث “اشتراط الكفاية العلمية في النظر القديم والمعاصر”.

([12]) سورة النساء، الآية رقم (83).

([13]) سورة آل عمران، الآية رقم (159).

([14]) أخرجه مسلم في كتاب الجهاد والسير، باب: الإمداد بالملائكة في غزوة بدر وإباحة الغنائم، حديث رقم (1763)، (3/ 1383).

([15]) أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب: غزوة الحديبية، حديث رقم (4178)، (5/ 126).

([16]) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب: حديث الإفك، حديث رقم (4141)، (5/ 116)، ومسلم في كتاب التوبة، باب: في حديث الإفك وقبول توبة القاذف، حديث رقم (2770)، (4/ 2129).

([17]) أخرجه البيهقي في سننه في كتاب: آداب القاضي، باب: ما يقضي به القاضي ويُفتي به المفتي فإنه غير جائزٍ له أن يقلد أحدًا من أهل دهره ولا أن يحكم أو يفتي بالاستحسان، حديث رقم (20341)، (10/ 196)، وصححه ابن حجر في فتح الباري (8/ 489).

([18]) أخرجه البخاري في كتاب الأحكام، باب: يُستحب للكاتب أن يكون أمينًا عاقلًا، حديث رقم (7191)، (9/ 74).

([19]) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب الحدود، باب: الضرب بالجريد والنعال، حديث رقم (6779)، (8/ 158)، ومسلم في كتاب الحدود، باب: حد الخمر، حديث رقم (1706)، (3/ 1330).

([20]) ينظر: علم أصول الفقه لعبدالوهاب خلاف (ص 56)، وفقه المقاصد من خلال نوازل وقضايا المعيار المعرب للونشريسي، خالد ميلود عبدالقادر، كلية الحقوق، جامعة الإسكندرية، (ص 66).

([21]) “قاضي الجماعة” عند المغاربة، يرادف “قاضى القضاة” عند المشارقة. ينظر: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، شهاب الدين أحمد بن محمد المقري التلمساني، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، طبعات سنة 1900-1997م، (5/ 385).

([22]) ينظر على سبيل المثال: المعيار المعرب للونشريسي (2/ 246، 2/ 406، 2/ 515، 3/ 76، 6/ 132) (2/ 246 – 406 – 515، 3/ 76، 6/ 132).

([23]) ينظر: الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة، أبو الحسن علي بن بسام الشنتريني، تحقيق: إحسان عباس، الدار العربية للكتاب، ليبيا، تونس، الطبعات من 1979 – 1981م، (1/ 435).

([24]) ينظر مثلًا: ترجمة الإمام ابن لبابة في الديباج المذهب لابن فرحون (ص 343).

([25]) ينظر: نظم حكم الأمويين ورسومهم في الأندلس، سالم بن عبدالله الخلف، عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1424هـ، 2003م، (2/ 816).

([26]) سورة الشورى، الآية رقم (38).

([27]) سورة آل عمران، الآية رقم (159).

([28]) أخرجه الإمام ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، ط. دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، (2/ 853).

([29]) إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم الجوزية، ط. دار الكتب العلمية، ييروت، (1/ 66).

([30]) ينظر: الفتوى الفردية والجماعية والمؤسسية.. الواقع والمأمول، د. عمر علي أبو بكر، (ص 521).

([31]) ينظر: الفتوى الجماعية وضرورتها في العصر الحاضر، عز الدين المعيار، بحث منشور ضمن مجلة المجلس العلمي الأعلى، المغرب، السنة الرابعة 2011م، العدد (10، 11)، (ص 73)، الفتوى الفردية والجماعية والمؤسسية.. الواقع والمأمول، عمر علي أبو بكر، بحث منشور ضمن بحوث مؤتمر الفتوى واستشراف المستقبل، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة القصيم، المملكة العربية السعودية، 1434هـ، (ص 519)، والنوازل المتعلقة بالمفتي والمستفتي لبادريق (ص 225).

([32]) ينظر: تنظيم الاجتهاد الجماعي في العالم الإسلامي، ماهر حامد الحولي، بحث بمجلة الجامعة الإسلامية، سلسلة الدراسات الإسلامية، المجلد السابع عشر، العدد الثاني (ص 24).

([33]) أخرجه الدارقطني في سننه (5/ 367)، والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 150)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (32/ 71).

([34]) سورة النحل، الآية رقم (43).

([35]) ينظر: القواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام (ص 94).

([36]) ينظر: المسألة الثالثة من المطلب السادس من هذا المبحث.

([37]) ينظر: فتاوى دار الإفتاء المصرية (1/ 13).

([38]) مقاصد الشريعة الإسلامية، الطاهر بن عاشور، تحقيق: محمد الطاهر الميساوي، دار النفائس، الأردن، (ص 408).

([39]) دور المجامع الفقهية ومجالس الإفتاء في ضبط الفتوى، خالد علي هطبول الفروخ، رسالة ماجستير، كلية الدراسات العليا، جامعة العلوم الإسلامية العالمية، عَمَّان، 2017م، (ص 12).

([40]) المرجع السابق (ص 13).

([41]) ينظر: القانون المصري رقم (103) لسنة 1381هـ، 1961م، واللائحة التنفيذية له.

([42]) ينظر: المعلمة المصرية للعلوم الإفتائية – تاريخ الفتوى وأهم المؤسسات الإفتائية (2/ 486).

([43]) ينظر: الاجتهاد الجماعي وتطبيقاته المعاصرة، نصر محمود الكرنز، رسالة مقدمة للحصول على الماجستير بالجامعة الإسلامية بغزة، كلية الشريعة والقانون، 2008م، (ص 103).

([44]) ينظر: الفتوى الفردية والجماعية والمؤسسية لعمر أبو بكر (ص 533).

([45]) ينظر: الفتوى الفردية والجماعية والمؤسسية لعمر أبو بكر (ص 539).

([46]) ينظر: الفتوى الفردية والجماعية والمؤسسية لعمر أبو بكر (ص 538).

([47]) فتوى دار الإفتاء المصرية رقم (722) بتاريخ 11/ 8/ 2009م.

([48]) ينظر: النوازل المتعلقة بالمفتي والمستفتي بادريق (ص 245).

([49]) ينظر: الفتوى الفردية والجماعية والمؤسسية لعمر علي أبو بكر (ص 524)، والفتوى الجماعية.. التأصيل والتكييف، عبدالحميد عشاق، بحث منشور ضمن مجلة المجلس العلمي الأعلى، المغرب، السنة الرابعة 2011م، العدد (10، 11)، (ص 98)، والنوازل المتعلقة بالمفتي والمستفتي بادريق (ص 252).

اترك تعليقاً