البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

الفصل الثاني مسائل "المستفتي

المبحث الثامن: هل يلزم المستفتي العمل بقول المفتي؟

109 views

إذا استفتى فأفتاه المفتي، فهل تصير فتواه موجبة على المستفتي العمل بها بحيث يكون عاصيًا إن لم يعمل بها أو لا يوجب عليه العمل؟

اختلف العلماء في مدى إلزامية فتوى المفتي على مستوى الحادثة الواحدة على خمسة أقوال:

القول الأول: ذهب بعض الأصوليين إلى أن فتوى المفتي تصبح لازمة بمجرد إفتاء المفتي([1])؛ لأن قول المفتي في حقه كالدليل في حق المجتهد([2]).

القول الثاني: ذهب أكثر الأصوليين إلى أن العامي لا يجوز له الرجوع عن فتوى المفتي إذا شرع في العمل بها([3]).

وفي هذا دلالة على التزامه واطمئنانه بقول المفتي فيُلزم بقوله، وتشبيهًا لذلك بالشروع في الكفارات على قول من يقول: إن الشروع فيما يلزم ملزم([4]).

فإنه لا يجوز للمستفتي العمل بمجرد فتوى المفتي إذا لم تطمئن نفسه إليها، وكان يعلم أن الأمر في الباطن بخلاف ما أفتاه به، كما لو كان كتم بعض الحقائق التي تغير فحوى الفتوى، أو أضاف في استفتائه ما يوجه المفتي لما يوافق هواه؛ فإنه لا تخلصه هذه الفتوى من الله كما لا ينفعه قضاء القاضي له بذلك، كما قال صلى الله عليه وسلم: «فمن قضيتُ له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها([5])». وعلى المستفتي أن يسأل ثانيًا وثالثًا حتى تحصل له الطمأنينة([6]).

وقد نقل الآمدي([7]) وابن الحاجب([8]) اتفاق العلماء على هذا الرأي إلا أن الزركشي نفى هذا الاتفاق، وقال بوجود الخلاف في المسألة([9]).

القول الثالث: إن وقع في قلب المستفتي صحة فتوى المفتي وأنها حق لزمه العمل بها([10]).

قال ابن السمعاني: وهذا أولى الأوجه([11]). وقال بعض الحنفية: «ثم الأشبه إلى الصواب إن عمل بتحري قلبه فلا يرجع عنه ما دام على التحري فإنه نوع من الترجيح، وترك الراجح خلاف المعقول»([12]).

القول الرابع: يلزم المستفتي العمل بفتوى المفتي إذا هو التزمها، والالتزام هنا بمعنى العزم والتصميم على التمسك بالفتوى، ولا يلزم من وقوع صحة الفتوى في نفس المستفتي التزامه له كما لا يلزمه من التزامه أن يقع في نفسه صحته، فهذا قول وذاك قول([13]).

وقد ذكر الزركشي أن هذا القول هو الأصح، وشبَّه فتوى المفتي في هذه الحالة بأنها كالنذر، فيصير بالتزامه لازمًا له، لا بالفتيا. ويؤيده القول بالتخيير فيما إذا اختلف عليه جواب المفتين([14]).

القول الخامس: ذهب فريق من الأصوليين إلى التفصيل، فإن لم يوجد إلا مفت واحد لزمه الأخذ بفتواه من غير توقف على أمر آخر، وإن وجد مفتيًا آخر يُنظر فإن ظهر له أن الذي أفتاه هو الأعلم لزمه ما أفتاه به، وإن لم يظهر ذلك لم يلزمه ما أفتاه به بمجرد إفتائه بل يجوز له استفتاء غيره([15]).

وقد اختار ابن الصلاح هذا القول فقال: «والذي تقتضيه القواعد أن نفصِّل فنقول: إذا أفتاه المفتي نُظر فإن لم يوجد مفتٍ آخر لزمه الأخذ بفتياه، ولا يتوقف ذلك على التزامه لا بالأخذ في العمل به ولا بغيره، ولا يتوقف أيضًا على سكون نفسه إلى صحته في نفس الأمر، وإن وُجِد مفتٍ آخر فإن استبان أن الذي أفتاه هو الأعلم الأوثق لزمه ما أفتاه به بناءً على الأصح في تعينه، وإن لم يستبن ذلك لم يلزمه ما أفتاه به بمجرد إفتائه؛ إذ يجوز له استفتاء غيره وتقليده، ولا يعلم اتفاقهما في الفتوى، فإن وجد الاتفاق أو حكم به عليه حاكم لزمه حينئذ»([16]).

وقد ذهب الإمام ابن القيم إلى ما ذهب إليه ابن الصلاح مع بعض اختلاف؛ فالمستفتي في هذه الحال عند ابن القيم إن وجد مفتيًا آخر وافق المفتي الأول فهذا أبلغ في لزوم العمل، وإن خالفه مفتٍ آخر، فإن استبان للمستفتي الحق في إحدى الجهتين لزمه العمل به، وإن لم يستبن له الصواب فعليه أن يبحث عن الراجح بحسبه فيعمل كما يعمل عند اختلاف رأي الطبيبين أو الطريقين أو المشيريَن، أي أنه لا يُقدم على العمل إلا بعد البحث عن مرجح بينهما، فابن القيم يرى أن على المستفتي البحث عن مرجح إن اختلفت عليه الأقوال([17]).

والذي نميل إلى الأخذ به من الأقوال السابقة في المسألة هو الرأي الأخير القاضي بالتفصيل، فإن المستفتي إذا وجد مفتيًا آخر أعلم وأوثق أخذ بفتواه، وإن لم يجد لزمه الأخذ بفتوى المفتي مطلقًا، دون قيد أو شرط، وقد ذكر الإمام ابن القيم هذا قائلًا: «إذا لم يجد مفتيًا آخر لزمه الأخذ بفتياه، فإن فرضه التقليد وتقوى الله ما استطاع، وهذا هو المستطاع في حقه، وهو غاية ما يقدر عليه»([18]).

كما أن الله تعالى أمر العامي بسؤال أهل الذِّكر وهم أهل العلم، وقد وُجِد سؤال هذا العالـِم فيلزم العامي اتباعه؛ لأنه إنما يُفتي بناء على دليل شرعي، والواجب على العامي اتباع الأدلة الشرعية([19]).

تنبيهان في هذه المسألة:

أولًا: إن على المستفتي أن يجتهد في أعيان المفتين ولو بشكل من الأشكال، فإن من علماء الأصول من أوجب على العامي أن يجتهد في اختيار من يأخذ عنه أو يعتمد عليه في الفتوى، وهذا ما نسبه ابن القصار إلى مالك رحمه الله، فقد نص في مقدمته الأصولية أنه «يجب عند مالك على العامي إذا أراد أن يستفتي ضرب من الاجتهاد»([20]).

وبيانه ما حدده ابن القصار نفسه من مراد ما نُسب إلى الإمام مالك، من الرجوع والقصد إلى أهل العلم الراسخين فيه والبحث عن أمانة العالم وتقواه؛ لأجل الاحتياط في الدين.

وقد ذكر الأصوليون طرقًا مختلفة يمكن للمستفتي من خلالها التحقق من صلاحية المفتي للإفتاء، وفي الواقع إن كل مستفتٍ مكلف بالبحث عن المفتي بحسب استطاعته، فمن استطاع أن يسأل عدلين عالمين بحال المفتي فعل، ومن لم يستطع اعتمد على شهرة واستفاضة المفتي بين الناس، وقد ذكر الأصوليون من طرق اعتماد المستفتي على قول المفتي: أنا مفتٍ، والأفضل فيها أن نشترط ما اشترطه بعض الحنفية أن يكون المفتي ظاهر الورع بين الناس. قال أمير بادشاه الحنفي: «والمختار في الفتيا الاعتماد على قوله: إني مفت بشرط ظهور ورعه»([21]).

وقد حدد بعض العلماء قضية انتصاب المفتي طريقًا لمعرفة صلاحيته للإفتاء، وقد ذكر أهل الأصول أنه يكفي العامي في الاستدلال على من له أهلية الفتوى أن يرى الناس متفقين على سؤاله مجتمعين على الرجوع إليه، وقد صرح بهذا القول الآمدي والغزالي وابن الحاجب([22]).

وفي عصرنا الحاضر تعد مؤسسات الفتوى الرسمية شاهد صدق على صلاحية من يتصدرون للإفتاء فيها، فهي تضم المتخصصين الذين تلقوا العلوم التي تؤهلهم للإفتاء بعد تخرجهم من الكليات والأكاديميات التي تُعنى بدراسة العلوم الشرعية علاوة على تدريبهم وتعليمهم أصول الإفتاء تحت إشراف المختصين.

ثانيًا: الأصل أن الفتوى غير ملزمة، وقد بيَّن الإمام القرافي أن الفتوى ليست ملزمة، ويجوز الفتوى بخلافها حتى ولو صدرت الفتوى من الإمام الأعظم إذا كان أهلًا للاجتهاد، فقال: «النوع السادس: من تصرفات الحكام، الفتاوى في الأحكام في العبادات وغيرها، من تحريم الأبضاع، وإباحة الانتفاع، وطهارات المياه، ونجاسات الأعيان، ووجوب الجهاد، وغيره من الواجبات، وليس ذلك بحكم، بل لمن لا يعتقد ذلك أن يفتي بخلاف ما أفتى به الحاكم أو الإمام الأعظم»([23]).

ويقول الشاطبي: «المفتي قد أقامه المستفتي مقام الحاكم على نفسه، إلا أنه لا يلزمه المفتي ما أفتاه به»([24]).

فالأصل في الفتوى أنها غير ملزمة قضاء، إلا أنها ملزمة ديانة فلا يسع المسلم مخالفتها إذا قامت الأدلة الواضحة على صحتها.

وقد فرَّق الفقهاء جميعًا بين القضاء والفتوى بأن الأول يصدر على وجه الإلزام للأطراف، وأن الفتوى غير ملزمة.

يقول الإمام ابن القيم في بيان الفرق بين المفتي والقاضي: «فإن فتواه شريعة عامة تتعلق بالمستفتي وغيره، وأما الحاكم فحكمه جزئي خاص لا يتعدى إلى غير المحكوم عليه وله؛ فالمفتي يفتي حكمًا عامًّا كليًّا أن من فعل كذا ترتب عليه كذا، ومن قال كذا لزمه كذا، والقاضي يقضي قضاء معينًا على شخص معين، فقضاؤه خاص ملزم، وفتوى العالم عامة غير ملزمة، فكلاهما أجره عظيم، وخطره كبير»([25]).

ويقول المرداوي: «والمفتي من يبين الحكم الشرعي، ويخبر به من غير إلزام. والحاكم: من يبينه ويلزم به»([26]).

وتسرَّب هذا الفرق بين الإفتاء والقضاء إلى الجهات الرسمية، والمنظمات والمؤسسات الحكومية والخاصة اليوم، وأن الفتوى مجرد رأي استشاري يمكن الأخذ به أو الإعراض عنه، فهيئات ومؤسسات الفتوى لا تعتبر إجاباتها ملزمة للسائل إلا بقدر ما يأخذ هو به نفسه، فهي جهة غير مُلزمة لأحد في أي أمر من الأمور، وهذا فارق واضح بين مؤسسات الإفتاء والمحاكم؛ فالمفتي غير القاضي؛ المفتي يبين الحكم ويظهره ويرشد إليه، أما القاضي فهو يأمر ويلزم ويفرض ويوجب، وحكم القاضي يرفع النزاع بين المتخاصمين قسرًا أما إجابة المفتي فليست سوى إرشاد وتوجيه وإخبار وتنبيه([27]).

ونحن كذلك نقول بعدم إلزامية الفتوى؛ لأن في حمل الناس على ذلك تكليفًا ومشقة، ثم إنه لم يرد عن الصحابة إلزام الناس بآرائهم في مسائل الخلاف، إلا إذا لم يوجد في البلدة إلا مفتٍ واحد فحينئذٍ يجب الرجوع إليه، إلا أنه إذا وردت على المستفتي أقوال عديدة لزم المستفتي نوع من الترجيح؛ فالمستفتي لا يمكنه أن يُقدم على واحد منها بحسب ظنه، وبما يقع في نفسه صحته كما قال بعض المعاصرين، وقد يناقَش هذا الترجيح بأن المستفتي قد يكون عاميًّا يتعذر عليه الترجيح، وتكليفه بالترجيح تكليف له بما لا يستطاع، ويرد على ذلك أن هذا المستفتي قد سأل أكثر من فقيه عن مسألته، وتحصَّل لديه أكثر من رأي وفتوى، ولم يتم له ذلك إلا بعد البحث عن أعيان المفتين بشكل من الأشكال، وهذا يؤهله للترجيح بين أقوالهم. ولكن السؤال على أي أساس وكيفية يتخير المستفتي بين الأقوال دون وقوعه في التشهي والتخير المحظور، لذلك وضع بعض العلماء ضابطًا يحكم المستفتي في بحثه عن حكم الله تعالى بعيدًا عن التشهي والتخير المحظور، ذلك أن المستفتي لا يجوز له العمل بمجرد فتوى المفتي إذا لم تطمئن نفسه للفتوى لسبب من الأسباب فلا تخلصه فتوى المفتي من الله إذا كان يعلم أن الأمر في الباطن بخلاف ما أفتاه لعلمه بالحال في الباطن أو لشكه فيه أو لجهله به أو لعلمه بجهل المفتي أو محاباته في فتواه، أو عدم تقيده بالكتاب والسنة، أو لأن المفتي معروف بالحيل والرخص المخالفة للسنة، وغير ذلك من الأسباب المانعة من الثقة بفتواه وسكون النفس إليها، فإن كان عدم الثقة والطمأنينة لسبب يتعلق بالمفتي سأل ثانيًا وثالثًا حتى تحصل له الطمأنينة، فإن لم يجد فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، والواجب تقوى الله بحسب الاستطاعة([28]).

المسألة في التطبيق المعاصر:

متى يلزم العامي العمل بفتوى المجتهد في هذا العصر لا سيما مع الوسائل الحديثة؟

بحث هذه المسألة يحتاج إلى شيء من التفصيل، فإن للعامي مع هذه الوسائل حالتين:

الحالة الأولى: أن يعتمد عليها في الاستفتاء فيتخذها سبيلًا للوصول إلى المفتي وسؤاله مشافهة أو كتابة، كالاستفتاء بواسطة الهاتف، أو المحادثة الإلكترونية المباشرة، أو من خلال البرامج التلفزيونية أو الإذاعية المباشرة، أو بواسطة الفاكس، أو البريد العادي، أو الإلكتروني، أو من خلال الصحف، ونحو ذلك من الوسائل الحديثة التي يمكن من خلالها التواصل بين المفتي والمستفتي.

وهذه الحالة تنطبق عليها الأقوال الخمسة التي ذكرها الأصوليون والتي سبق ذكرها، وذكرنا أن القول المختار في هذه المسألة هو القول الخامس القاضي بالتفصيل.

الحالة الثانية: أن يسمع الفتوى أو يجدها مكتوبة في إحدى هذه الوسائل، وهي مسألة عمت بها البلوى في هذا العصر مع دخول وسائل الإعلام وشبكات المعلومات في كل منزل، حيث أصبح المفتون يطلون على الناس في بيوتهم عبر هذه الوسائل المتنوعة، وربما سمع العامي أو قرأ في وسيلة منها فتوى في مسألة يحتاجها أو تشكل عليه، فهل يجوز له التقليد مباشرة؟ أو لابد لذلك من ضوابط وشروط؟.

إن الإجابة على هذا السؤل تتطلب التفصيل في هذه القضية، فإن حال المقلد هنا لا يخلو من أمرين:

الأول: أن تكون لديه معرفة سابقة بالعالم الذي صدرت منه الفتوى، وأنه ممن تبرأ الذمة بتقليده، فحكمه حينئذ كحكم المستفتي بنفسه، وقد تقدم أن المختار في ذلك أنه تلزمه الفتوى إذا لم يجد مفتيًا آخر، وأن ذلك لا يتوقف على التزامه، ولا على سكون نفسه إلى صحة قوله؛ لأن فرض العامي التقليد، وإن وجد مفتيًا آخر فإن استبان له أن الأول هو الأعلم والأوثق فالمختار أنه تلزمه فتواه، وإن لم يستبن له ذلك لم تلزمه هذه الفتوى بمجرد سماعه لها، أو عثوره عليها، لأنه يجوز له استفتاء غيره وتقليده.

الثاني: أن يكون غير عارف بالمفتي عبر هذه الوسائل قبل ذلك- وهو أمر شائع في برامج الإفتاء التلفزيونية، والإذاعية، والمواقع الإلكترونية- فحينئذٍ يلزمه السؤال عن حاله، فإن عرف بواسطة خبر الثقة العدل أهليته للاجتهاد وأنه ممن تبرأ الذمة بتقليده، فالحكم هنا كالحكم في الأمر الأول، وإن لم يقف على حاله لم يجز له تقليده ولا الأخذ بفتواه على المختار من أقوال أهل العلم، وذلك لأن من وجب عليه قبول قول غيره فيلزمه معرفة حاله، ولذا يجب على الأمة معرفة حال الرسول بالنظر في معجزاته، ويجب على الحاكم معرفة حال الشهود في العدالة، وعلى المفتي معرفة حال الراوي، ولأن مجهول الحال قد يكون أجهل من المقلد.

وإذا لم يجز تقليد مجهول الحال فمجهول العين – كالنكرات الذين يستخدمون الأسماء المستعارة في شبكة الإنترنت – من باب أولى([29]).

ومن المعاصرين من نبَّه إلى أن المستفتي إذا ضاق عليه الوقت فإنه يلزمه العمل بقول من يفتيه في حينه سواء أوُجِد غيره أم لم يوجد، وهذا قول له ما يؤيده فقد يحتاج المستفتي إلى فتوى عاجلة دون قدرته على النظر في أمور أخرى من أفضلية أو أعلمية إلى غيرها من الأمور والمرجحات في قبول فتوى مفتٍ على آخر.

ومما يمكن ذكره هنا أن للمفتي الحلف على ثبوت الحكم عنده أو توكيد الفتوى بطريقة من الطرق في محاولة من المفتي لدفع المستفتي للأخذ والعمل بفتواه، وخاصة إذا كان يعتقد المفتي أنها الحق والصواب أو استند في فتواه إلى نص أو إجماع([30]). يقول ابن القيم: «وأن الإمام والحاكم والمفتي يجوز له الحلف على أن هذا حكم الله عز وجل إذا تحقق ذلك، وتيقنه بلا ريب»([31]). وهذا ما ذهب إليه الحافظ ابن حجر([32]).

وقد كان الصحابة يحلفون على الفتاوى والرواية فقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لابن عباس في متعة النساء: إنك امرؤ تائه، فانظر ما تفتي به في متعة النساء، فوالله وأشهد بالله لقد نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد حلف الشافعي رحمه الله في بعض أجوبته، فقال محمد بن الحكم: سألت الشافعي رضي الله عنه عن المتعة كان يكون فيها طلاق أو ميراث أو نفقة أو شهادة؟ فقال: لا والله ما أدري.

وأما الإمام أحمد رحمه الله فإنه حلف على عدة مسائل من فتاويه. منها: قيل: أيزيد الرجل في الوضوء على ثلاث مرات؟ فقال: لا والله، إلا رجل مبتلى، يعني بالوسواس. وسئل عن تخلل الرجل لحيته إذا توضأ، فقال: إي والله([33]).

وقد أجاز العلماء أنواعًا أخرى من التأكيدات لبيان ثبوت الفتوى عند المفتي مثل القول: هذا إجماع المسلمين، أو لا أعلم في هذا خلافًا، أو فمن خالف هذا فقد خالف الواجب وعدل عن الصواب، وأي أنواع أخرى من التأكيدات التي تبين جزم المفتي بفتواه بحسب المصلحة وما يقتضيه حال المستفتي من ضرورة الانصياع لفتواه وعدم جواز مخالفتها([34]).

 

([1]) ينظر: جمع الجوامع بشرح المحلي وحاشية العطار (2/439)، البحر المحيط للزركشي (8/373).

([2]) الغيث الهامع شرح جمع الجوامع لأبي زرعة العراقي (ص 721).

([3]) ينظر: الإحكام للآمدي (4/ 238)، شرح الكوكب المنير لابن النجار (4/ 579).

([4]) ينظر: البحر المحيط للزركشي (8/373).

([5]) أخرجه البخاري، كتاب المظالم والغصب، باب إثم من خاصم في باطل، وهو يعلمه، رقم (2458)، ومسلم، كتاب الأقضية، باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة رقم (1713).

([6]) انظر: إعلام الموقعين لابن القيم (4/ 195).

([7]) ينظر: الإحكام للآمدي (4/ 238).

([8]) ينظر: مختصر المنتهى بشرح العضد وحاشية التفتازاني (3/644).

([9]) ينظر: البحر المحيط للزركشي (8/379).

([10]) ينظر: البحر المحيط للزركشي (8/373)، جمع الجوامع بشرح المحلي وحاشية العطار (2/ 440).

([11]) ينظر: آداب الفتوى والمفتي والمستفتي للنووي (ص80، 81).

([12]) ينظر: فواتح الرحموت لعبد العلي الأنصاري (2/437).

([13]) ينظر: منهج الإفتاء عند الإمام ابن قيم الجوزية لأسامة سليمان الأشقر (ص194)، دار النفائس-الأردن، الطبعة الأولى، 1423-2004م.

([14]) ينظر: البحر المحيط للزركشي (8/373).

([15]) ينظر: أدب المفتي والمستفتي لابن الصلاح (ص166، 167)، البحر المحيط للزركشي (8/373)، صفة الفتوى والمفتي والمستفتي لابن حمدان (ص82).

([16]) ينظر: أدب المفتي والمستفتي لابن الصلاح (ص166، 167).

([17]) ينظر: منهج الإفتاء عند الإمام ابن قيم الجوزية لأسامة سليمان الأشقر (ص195).

([18]) ينظر: إعلام الموقعين لابن القيم (4/ 203).

([19]) ينظر: حال المفتي وأثره على المستفتي للدكتور طه حماد مخلف، بحث بمجلة التربية والعلم العراقية، المجلد (17)، العدد (2)، سنة 2010م (ص207).

([20]) مقدمة في أصول الفقه لابن القصار، تحقيق الدكتور مصطفى مخدوم (ص160)، دار المعلمة للنشر والتوزيع-الرياض، الطبعة الأولى، 1420هـ، 1999م.

([21]) تيسير التحرير (4/249).

([22]) ينظر: الإحكام للآمدي (4/ 232)، المستصفى للغزالي (ص373)، مختصر المنتهى بشرح العضد وحاشية التفتازاني (3/636).

([23]) الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام، للقرافي (ص 184)، دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الثانية، 1416 هـ-1995م.

([24]) الموافقات للشاطبي (5/ 96).

([25]) إعلام الموقعين (1/ 30، 31).

([26]) الإنصاف للمرداوي (11/ 186).

([27]) انظر: هيئة الفتوى الشرعية في الكويت (ص69)، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، قطاع الإفتاء والبحوث الشرعية.

([28]) ينظر: منهج الإفتاء عند الإمام ابن قيم الجوزية لأسامة سليمان الأشقر (ص176، 177، 196).

([29]) ينظر: النوازل الأصولية للدكتور أحمد بن عبد الله الضويحي، بحث أكاديمي منشور على الإنترنت (ص81-83).

([30]) ينظر: منهج الإفتاء عند الإمام ابن قيم الجوزية لأسامة سليمان الأشقر (ص 196).

([31]) زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم (5/32)، مؤسسة الرسالة، بيروت-مكتبة المنار الإسلامية، الكويت، الطبعة السابعة والعشرون، 1415هـ-1994م.

([32]) ينظر: فتح الباري لابن حجر (2/450).

([33]) انظر: إعلام الموقعين لابن القيم (4/126، 127).

([34]) انظر: أدب المفتي والمستفتي لابن الصلاح (ص152).

اترك تعليقاً