البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

الفصل الثاني مسائل "المستفتي

المبحث الثاني: التعريف بـ"المستفتي" في النظر الأصولي والمعاصر

88 views

أولًا: المستفتي لغةً واصطلاحًا:

المستفتي اسم فاعل من “استفتى يَستفتي استفتاءً”، والاستفتاء: طلبُ الجواب عن الأمر المشكِل؛ يُقال: “استفتيتُه فأفتاني”؛ أي: سألتُه أنْ يفتيَني، والمستفتي: طالب الرأي أو النصيحة أو المشورة([1]).

واصطلاحًا: طالبُ حكم الله من أهله([2]). وهو العامي([3]).

وقد عُرِّف المستفتي بتعريفٍ آخر أكثر شهرة عند الأصوليين، وهو أنه: «كل مَن لم يبلُغ درجة المفتي»([4])، وقد عرفه بذلك طائفة كبيرة من العلماء كأبي يعلى الفراء وابن عقيل وابن حمدان وابن الصلاح، وعبَّر ابن عقيل عن ذلك بقوله في تعريفه: «هو: من عُدِمَ في حقه ما قدمناه من المعرفة بطرق الاجتهاد أو قصَّر عنها تقصيرًا يُخرجه عن أن يجوز أن يُستفتى في حكم الحادثة»([5]).

وقال الزركشي: «إن قلنا بتجزؤ الاجتهاد فقد يكون الشخص مفتيًا بالنسبة إلى أمرٍ مستفتيًا بالنسبة إلى الآخر، وإن قلنا بالمنع فالمفتي: مَن كان عالمًا بجميع الأحكام الشرعية بالقوة القريبة من الفعل، والمستفتي: مَن لا يعرف جميعها»([6]).

ومن هنا فقد قيَّد بعض العلماء؛ كالعلموي؛ التعريفَ السابق للمفتي بأن قال: «كل مَن لم يبلغ درجة المفتي فيما يُسأَل عنه من الأحكام الشرعية»([7])؛ فقوله “فيما يُسأل عنه من الأحكام الشرعية” يُخرَّج على القول بتجزؤ الاجتهاد؛ فإنه على القول به قد يكون الشخص مفتيًا بالنسبة إلى أمرٍ مستفتيًا بالنسبة إلى الآخر؛ فإنه يكون مفتيًا إن سُئِل عما بلغ درجة المفتي من الأحكام الشرعية مستفتيًا إن سأل عما لم يبلُغ درجة المفتي فيه من الأحكام الشرعية.

ثانيًا: حكم الاستفتاء:

نُقل الاختلاف في حكم مَن ابتُلي بنازلة دينية من العوام من حيث سؤاله المجتهدَ وتقليدِه له على أقوال:

القول الأول: يجب على العامي سؤال المجتهد وتقليده.

ذهب جمهور الأصوليين إلى أنَّ فرضَ العاميِّ فيما يُبتلى به من النوازل الدينية والحوادث الحُكمية سؤال المجتهد([8]).

قال الغزالي: «العامي يجب عليه الاستفتاء واتباع العلماء؛ لإجماع الصحابة فإنهم كانوا يفتون العوام ولا يأمرونهم بنيل درجة الاجتهاد، وذلك معلوم على الضرورة والتواتر من علمائهم وعوامهم»([9]).

وقد استدل الجمهور على ذلك بأمور؛ منها([10]):

أ- قوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}([11])؛ فَعِلَّةُ الأمرِ بالسؤال هو الجهل، والأمر المقيد بالعلة يتكرر بتكررها، وهذا غير عالم بهذه المسألة فيجب عليه السؤال.

ب- أن إيجاب العلم بالدليل على العامي يقطعه عن مصالحه ولا يتأتى منه ولا له درك البُغية؛ لكون ذلك يحتاج إلى تقدُّم معرفة أصول الفقه، وهو مما لا يمكن للعامي.

جــ- أن الأئمة من العلماء لا يُنكرون على العوام الاقتصار على أقاويلهم فحصل الإجماع قبل حدوث المخالف.

كما استُدلَّ على أنه يجب على العامي التقليد في سائر النوازل الفرعية؛ فلا يُفرَّق بين المسائل الاجتهادية وغيرها بأن الفرق يقتضي أن يحُصل للعامي درجة الاجتهاد ثم يُقلِّد؛ إذ لا يميز بينهما سوى المجتهد، وهو باطل.

وقد صرَّح ابن تيمية بجواز التقليد في الفروع، ونسبه للجمهور؛ يقول: «والذي عليه جماهير الأمة أن الاجتهاد جائزٌ في الجملة والتقليد جائزٌ في الجملة»([12])، ويقول: «وتقليد العاجز عن الاستدلال للعالم يجوز عند الجمهور»([13]).

ورأيُ ابن تيمية موافقٌ للجمهور في أن العاجز عن الاجتهاد فرضه التقليد، ودعوى أن ابن تيمية رأيه جواز الاجتهاد مطلقًا؛ أي: للقادر على الاجتهاد والعاجز على السواء([14])، لا تصح، وإنما منع ابن تيمية القولَ بأنه يجب التقليد في الفروع على جميع مَن بعد الأئمة وغلق باب الاجتهاد بعدهم؛ يقول: «وبإزائهم من أتباع المذاهب من يُوجِب التقليد فيها على جميع مَن بعد الأئمة: علمائهم وعوامهم، ومن هؤلاء من يُوجب التقليد بعد عصر أبي حنيفة ومالك مطلقًا… والذي عليه جماهير الأمة أن الاجتهاد جائز في الجملة والتقليد جائز في الجملة لا يوجبون الاجتهاد على كل أحد ويحرمون التقليد ولا يوجبون التقليد على كل أحد ويحرمون الاجتهاد وأن الاجتهاد جائز للقادر على الاجتهاد والتقليد جائز للعاجز عن الاجتهاد»([15])، وقد استدل بأدلة الجمهور على أن فرضَ العامي التقليد([16]).

القول الثاني: لا يجوز للعامي التقليد.

ذهب معتزلة بغداد وابن حزمٍ إلى أنه يجب على العامي الوقوف على طريق الحكم، ولا يرجع إلى العالم إلا لتنبيهٍ على أصوله([17])؛ قال أبو الحسين البصري: «منع قومٌ من شيوخنا البغداديين من تقليد العامي للعالم في فروع الشريعة وقالوا: لا يجوز أن يأخذ بقوله إلا بعد أن يُبين له حجته»([18])، وقال الزركشي: «كاد ابن حزم يدعي الإجماع على النهي عن التقليد»([19]).

وقد استدل هؤلاء بأمور؛ منها([20]):

أ- قوله تعالى: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}([21]).

وأجيب بأن هذا يختص بالعقليات جمعًا بينه وبين أدلة اتباع الظن([22]).

ب- قوله صلى الله عليه وسلم: «طلب العلم فريضة على كل مسلم»([23]).

وأجيب بأن هذا فيما يمكن علمه لا علم كل شيء لكل مسلم بالإجماع وإلا كان الاجتهاد فرض عين([24]).

جـ- أن المستفتي لا يأمن من جهل المفتي فيقع في المفسدة.

قال الفناري في الجواب عن هذا الدليل: «قلنا: لا يُعتَبَر لرجحان المصلحة»([25]).

د- ما حُكي من كلام مالك والشافعي رحمهما الله تعالى وغيرهما من النهي عن التقليد.

وأجيب عن ذلك بأمور؛ منها([26]):

  • أن نهيهم عن التقليد إنما هو لمن يبلغ رتبة الاجتهاد؛ فأما من قصر عن هذه الرتبة فليس له إلا التقليد.
  • أن حقيقة التقليد المنهي عنه: قبول القول من غير حجة ودليل. وهنا قد قَبِلَ العامي قول المجتهد بدليل؛ فإنه كما أن قول الرسول عليه الصلاة والسلام مقبولٌ لقيام المعجزة الدالة على صدقه فكذلك قبول أخبار الآحاد وأقوال المفتين والحكام مقبول بالإجماع؛ لقيام الدليل الشرعي على وجوب العمل به؛ فتُنزَّل أقوال المفتين الظنية في وجوب العمل عليهم بالإجماع منزلة أخبار الآحاد والأقيسة عند المجتهدين في المصير إليها بالإجماع.
  • أن التقليد المنهي عنه إنما هو التقليد في القواطع التي هي أصول الشريعة.

هـ- أن جواز التقليد يُفضي إلى عدمه؛ لأنه يقتضى جواز التقليد في المنع منه.

وأجيب بأن أحدهما يمنع الآخر عادة([27]).

و- أن العامي لا يأمن أن يكون مَن قلده لم ينصح له في الاجتهاد فيكون فاعلًا لمفسدة.

وأجيب بأن هذا منتقَض برجوع العالم إلى المخبِر الواحد لأنه لا يأمن أن يكون قد كذبه في خبره فيكون بامتثاله للخبر فاعلًا للمفسدة.

واعتُرض بأن مصلحة العالِم أن يَعمل بخبر مَن ظن صدقه من العامة وإن كان كاذبًا.

ورُدَّ بأنه كذلك مصلحة العامي أن يعمل بحسب فتوى المفتي وإن كان غاشًّا([28]).

القول الثالث: يجوز للعامي التقليد في المسائل الاجتهادية دون ما عداها كالعبادات الخمسة:

وهو قول أبي علي الجبائي([29])، واستدل بأمور؛ منها([30]):

أ- أن ما ليس من مسائل الاجتهاد الحقُّ في واحد منه؛ فلا يأمن العامي إذا قلده فيه أن يقلد في خلاف الحق، وليس كذلك مسائل الاجتهاد؛ لأن الحق فيها في جميع الأقاويل فأيها قدَّمَه فهو الحق.

وأجيب بأن الحق في المجتهَد فيه كذلك واحد، وبأن تقليده في مسائل الاجتهاد أيضًا لا يأمن معه أن يقلد مَن لم ينصحه في الاجتهاد وأفتاه بخلاف ما أداه إليه اجتهاده([31]).

الراجح:

هذه الثلاثة هي الأقوال الواردة في حكم الاستفتاء، والراجح -والله أعلم- هو قول جمهور العلماء بأن فرض العامي التقليد لقوة أدلته وضعف أدلة القولين الآخرين وما ورد في الجواب عنها، وإن كانت الأحكام التكليفية الخمسة واردةً في مقام استفتاء العامي؛ فقد يكون استفتاؤه واجبًا إذا كان يتعلق بواجبٍ من الواجبات الشرعية أو بحرمةِ أحد المحرمات؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؛ فالعلم بالواجبات والمحرمات واجب؛ إما اجتهادًا أو استنباطًا أو سؤالًا واستفتاء؛ قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}([32])، وقد يكون الاستفتاء مندوبًا فيما يخص السنن والمستحبات، وقد يكون حرامًا إذا كان المستفتي قد بلغ رتبة الاجتهاد وقد اجتهد وأدى اجتهاده إلى حكمٍ معينٍ في مسألة معينة؛ فلا يجوز له أن يسأل غيره لتغيير الحكم، وكذلك يكون الاستفتاء حرامًا إذا أراد به الوصول إلى حيلٍ محرمة أو أنه يخص سؤاله لأحد المعروفين بإيجاد الحيل المحرمة، وقد يكون الاستفتاء مكروهًا إذا كان استفتاؤه لأجل الحصول على مخارجَ مكروهةٍ، وقد يكون مباحًا إذا لم تتحقق الأمور السابقة؛ بأن يسأل عن الأمور المباحة أو أنه لديه العلم ولكن يريد تأكيده([33]).

ثالثًا: “المستفتي” في التطبيق المعاصر:

لا يختلف “المستفتي” في التطبيق المعاصر عنه في التناول الأصولي؛ فالمستفتي يشمل كل من سأل مفتيًا في مسألة لا يقدر على الاجتهاد ومعرفة الحكم فيها؛ فيشمل ذلك العامي الصرف الذي لا قدرة لديه على الترجيح وليس أهلًا للنظر في الأدلة ويقصر فهمه عن دراسة المسالة، ويشمل مَن ترقى عن رتبة العوام وحصَّل بعض العلوم التي تُمكنه من الفهم والنظر في الأدلة نظرًا عامًّا ولم يصل إلى درجة المجتهدين المفتين، وكذلك مَن كان مجتهدًا في بعض المسائل دون بعض نظرًا إلى المسائل التي لم يجتهد فيها([34]).

ولكن يختلف “المستفتي” في التطبيق المعاصر عنه في التناول الأصولي في أنواعه؛ ذلك أن “المستفتي” قديمًا لم يكن يتجاوز “الفرد العامي”؛ أي: الذي لم يبلغ درجة الاجتهاد؛ وهو شخصية حقيقية، أما في التطبيق المعاصر فإن “المستفتي” على أشكال:

الأول: الشخصية الحقيقية، وهي جمهور المستفتين من عموم المسلمين في كل قطر أفرادًا وجماعات.

الثاني: الجهات الاعتبارية؛ كالمحاكم والشركات الصناعية -والغذائية منها خاصة- وشركات الأدوية ونحو ذلك.

الثالث: مسائل الشأن العام التي لم يتوجه به مستفتٍ بعينه؛ كالقضايا المثارة في الإعلام والصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي ونحوها، والتي تستدعي إصدار المؤسسة الإفتائية أو غيرها لفتوًى فيها تمنع اللغط والخطأ.

الرابع: المسائل المستقبلية المفترضة والتي سيواجهها جمهور المستفتين في القريب العاجل.

فهذه الأشكال–وإن وُجدت بصورة ما قديمًا- إلا أنها لم تتميز كجهات للاستفتاء مقابلةً للمفتي إلا في التطبيق المعاصر.

 

([1]) ينظر: مقاييس اللغة لابن فارس (4/ 474) مادة (فتي)، ولسان العرب لابن منظور (15/ 147) مادة (فتا)، والمصباح المنير للفيومي (2/ 462) مادة (فتي)، ومعجم اللغة العربية المعاصرة لأحمد مختار عمر (3/ 1671).

([2]) ينظر: أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء للقونيو (ص 117)، والتوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (ص 305).

([3]) ينظر: العدة لأبي يعلى الفراء (5/ 1601)، والواضح لابن عقيل (1/ 287).

([4]) أدب المفتي لابن الصلاح (ص 158)، وآداب الفتوى للنووي (ص 71)، وينظر: العدة لأبي يعلى الفراء (5/ 1601)، والواضح لابن عقيل (1/ 287)، وصفة الفتوى لابن حمدان (ص 68)، ويراجع: مختصر ابن الحاجب بشرحه بيان المختصر (3/ 350)، والبحر المحيط للزركشي (8/ 359)، وإرشاد الفحول للشوكاني (2/ 240).

([5]) الواضح لابن عقيل (1/ 287).

([6]) البحر المحيط للزركشي (8/ 359).

([7]) العقد التليد للعلموي (ص 209).

([8]) ينظر: الواضح لابن عقيل (1/ 287)، والمستصفى للغزالي (ص 372) وتشنيف المسامع للزركشي (4/ 603)، وروضة الناظر لابن قدامة (2/ 383).

([9]) ينظر: المستصفى للغزالي (ص 372).

([10]) ينظر: المعتمد لأبي الحسين البصري (2/ 361)، والواضح لابن عقيل (1/ 287)، وفصول البدائع للفناري (2/ 497) وما بعدها.

([11]) سورة النحل، الآية رقم (43).

([12]) مجموع الفتاوى (20/ 203).

([13]) مجموع الفتاوى (19/ 262).

([14]) ينظر: الاجتهاد والتقليد والفتوى عند ابن تيمية، ريم بنت مسفر بن مبارك الشروان، دار كنوز إشبيليا، الطبعة الأولى، 1439هـ، 2018م، (ص 521).

([15]) مجموع الفتاوى (20/ 203).

([16]) ينظر: مجموع الفتاوى (1/ 78، 185)، (20/ 202) وما بعدها، (28/ 387) وما بعدها، (35/ 357) وما بعدها.

([17]) ينظر: المعتمد لأبي الحسين البصري (2/ 360)، والإحكام لابن حزم (6/ 60)، والواضح لابن عقيل (1/ 287)، وتشنيف المسامع للزركشي (4/ 603) وما بعدها، وفصول البدائع للفناري (2/ 497).

([18]) المعتمد لأبي الحسين البصري (2/ 360).

([19]) تشنيف المسامع للزركشي (4/ 604).

([20]) ينظر: المعتمد لأبي الحسين البصري (2/ 362)، والإحكام لابن حزم (6/ 60) وما بعدها، وتشنيف المسامع للزركشي (4/ 605)، وفصول البدائع للفناري (2/ 497).

([21]) سورة البقرة، الآية رقم (169).

([22]) ينظر: فصول البدائع للفناري (2/ 497).

([23]) أخرجه ابن ماجه في افتتاح الكتاب، باب: فضل العلماء والحث على طلب العلم، حديث رقم (224)، (1/ 81)، والطبراني في المعجم الكبير (10/ 195)، قال الكناني في مصباح الزجاجة (1/ 30) عن حديث ابن ماجه: «إسناد ضعيف».

([24]) ينظر: فصول البدائع للفناري (2/ 497).

([25]) فصول البدائع للفناري (2/ 497).

([26]) ينظر: تشنيف المسامع للزركشي (4/ 605).

([27]) فصول البدائع للفناري (2/ 497).

([28]) ينظر: المعتمد لأبي الحسين البصري (2/ 362).

([29]) ينظر: المعتمد لأبي الحسين البصري (2/ 361)، والواضح لابن عقيل (1/ 287)، وتشنيف المسامع للزركشي (4/ 603) وما بعدها، وفصول البدائع للفناري (2/ 497).

([30]) ينظر: المعتمد لأبي الحسين البصري (2/ 363)، وفصول البدائع للفناري (2/ 498).

([31]) المصدرين السابقين.

([32]) سورة النحل، الآية رقم (43).

([33]) ينظر: النوازل المتعلقة بالمفتي والمستفتي لطارق بادريق (ص 111).

([34]) ينظر: موقف المستفتي من تعدد المفتين والفتوى لأسامة الشيبان (ص 19).

اترك تعليقاً