البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

المقدمة

المطلب الثاني التعريف بـ"الإفتاء" ومكانته من علم أصول الفقه

130 views

من المقرر أن الحكم فرع التصوُّر؛ فمن هنا كان ولابد عند الكلام على مسائل الإفتاء أن نبدأ بتعريف حقيقة الإفتاء؛ وذلك بأن نُلقي الضوء على معرفة المعنى اللغوي والاصطلاحي له، وذلك في ثلاثة مسائل:

المسألة الأولى: تعريف “الإفتاء” لغةً.

المسألة الثانية: تعريف “الإفتاء” اصطلاًحا.

المسألة الثالثة: مكانة “الإفتاء” وارتباطه بعلم أصول الفقه.

 

المسألة الأولى: تعريف “الإفتاء” لغةً.

الإفتاء لغةً مصدر “أفتى يُفتي”، وهو رباعي “فَتَى” ولأصله معنيان؛ قال ابن فارس: «الفاء والتاء والحرف المعتل أصلان: أحدهما: يدل على طراوة وجدة، والآخر على تبيين حكمٍ»([1]).

فمن طراوة السن أُطلق على الشاب من الإنسان والجمل “فتى” وللجارية “فتاة”([2])؛ قال تعالى: {وإذ قال موسى لفتاه}([3])، ولا ينفك هذا المعنى عن المعنى الثاني الذي هو التبيين؛ فمن مفهوم الفَتَى جاءت “الفتيا” بمعنى التبيين؛ قال في لسان العرب: «والفُتْيَا: تبيينُ المشكِل من الأحكام، أصله من الفَتَى، وهو الشاب الحَدَث الذي شبَّ وقوِي؛ فكأنه يُقَوّي ما أُشكل ببيانه فيَشِبُّ ويصير فتيًّا قويًّا»([4]).

فمعنى “أفتى” بيَّن وأظهر؛ يُقال: أفتاه في الأمر: إذا أبانه له([5])؛ ويُقال: أَفتَيْتُ فلانًا في رؤيا رآها: إذا عبَّرتُها له([6])؛ أي: أظهرتها وبينتها، ومنها قوله تعالى حكاية عن حاكم مصر: {أفتوني في رؤياي}([7])، وأَفتيتُه في مسألته: إذا أجبتُه عنها([8])، والاسم: الفتوى، قال ابن منظور: «وفُتًى وفَتْوَى: اسمان يوضعان موضع الإفتاء»([9]).

فالحاصل أن الإفتاء لغة يأتي بمعنى: التبيين والإظهار وإزالة الإشكال عند السؤال؛ قال في لسان العرب: «قوله تعالى: {فاستفتهم أهم أشد خلقًا}([10]): أي: فاسألهم سؤال تقريرٍ أهم أشد خلقًا أم مَن خلقنا من الأمم السالفة»([11])؛ فمعنى “استفتهم” اطلب منهم التبيين والإظهار لجواب هذا السؤال، ومنه أيضًا قوله تعالى: {يستفتونك قل الله يُفتيكم}([12])؛ أي: يسألونك سؤال تَعَلُّمٍ([13]).

وقد وردت لفظ مادة (إفتاء) في مواضع كثيرة في القرآن الكريم غير المواضع المذكورة آنفًا بمعناها اللغوي؛ منها:

قوله تعالى: {ويستفتونك في النساء}([14])، وقوله: {قضي الأمر الذي فيه تستفتيان}([15])، وقوله عز وجل: {يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات}([16])، وقوله: {ولا تستف فيهم منهم أحدًا}([17])، وقوله: {فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون}([18]).

ويظهر من خلال الآيات السابق ذكرها أن الاستعمال القرآني انحصر في معنيين؛ هما: السؤال الذي يبحث عن إجابة؛ سواء أكان متعلقًا بأمر ديني أو دنيوي، والإجابة القاطعة عن السؤال المستفتى بشأنه؛ وفيه تنويه إلى ركني العملية الإفتائية: السؤال والجواب.

ومما نلحظه أن لفظ الفتوى ورد في صيغة الفعل دون الاسم؛ مثلها في ذلك مثل لفظ “العقل”؛ وهو أسلوب قرآني شائع يستهدف التنبيه على أن مثل هذه الألفاظ ليست حقولًا مفاهيمية مجردة، وإنما هي عمليات وممارسات واقعية، وكذلك لم يرد الفعل في صيغة الماضي وإنما ورد في صيغتي المضارع والأمر ليحمل معاني الاستمرارية والتجدد([19]).

وفي السُّنَّة أيضًا وردت لفظ مادة (إفتاء) في مواضع عدة؛ منها: قوله صلى الله عليه وسلم: «أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار»([20])، وقوله عليه السلام: «إن الله أفتاني فيما استفتيته فيه…»([21])، وقوله: «استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك»([22])، وقوله عليه السلام: «من أُفتي بغير علم كان إثمه على مَن أفتاه»([23]).

المسألة الثانية: تعريف “الإفتاء” اصطلاًحا.

عُرِّف “الإفتاء” بعدة تعريفاتٍ تدور في مجملها على أنه نوعٌ خاصٌّ من التبيين والإظهار الذي هو المعنى اللغوي للفظ “الإفتاء”؛ فالإفتاء في الاصطلاح: “تبيين أو إظهارٌ لحكم شرعي”، أما غيرها من المسائل التي يحتاج السائل فيها إلى جواب فهي لا تسمى إفتاء بالمعنى الاصطلاحي، وإن أُطلق عليها ذلك بالمعنى اللغوي.

وقد جعل بعض المعرِّفين الإفتاء أخص من ذلك أيضًا فليس التبيين عندهم تبيينًا مطلقًا بل معه دليل.

وعند بعضهم لا يسمى “إفتاءً” إلا إذا كان لسائلٍ يسأل عن الحكم؛ أي: طالبٍ لهذا البيان والإظهار.

وانطلاقًا من هذا الاختلاف في المفهوم عُرِّف الإفتاء بتعريفات عدة؛ منها ما يلي:

1- «ذكر الحكم المسئول عنه للسائل»([24])، وصيغة هذا التعريف عامة تشمل الأحكام الشرعية وغيرها، ولكن الظاهر أنه أراد بها خصوص الحكم الشرعي، وقد اشترط فيه ليُسمَّى “إفتاءً” أن يكون لسائلٍ.

2- «إخبارُ المفتي بحكم الله»([25])، وهو تعريف الشيخ ابن تيمية؛ وقد خصصه بأن يكون في حكمٍ شرعي وخرج ما سواه من الأحكام اللغوية وغيرها، وجعله شاملًا لما كان جوابًا لسؤال أو بيانًا لحكمٍ من الأحكام وإن لم يكن سُئل عنه؛ وهذا يعني أن ابن تيمية لا يخص الفتوى بما كان جوابًا لسؤال، وبنحو هذا التعريف قال القرافي في تعريف الإفتاء: «الإخبار عن الله تعالى في إلزامٍ أو إباحة»([26])، وإن أدخل هذا التعريف بعض الأحكام التكليفية وأهمل البعض الآخر؛ فلم يتناول المندوب والمكروه، ولم يأخذ بعين الاعتبار الحكم الوضعي.

وإلى هذا الاتجاه في التعريف ذهب القانون الأردني؛ فعرَّف الفتوى بأنها: «بيان الحكم الشرعي في أي شأن من الشئون العامة والخاصة»([27])، وهو أيضًا اتجاه مجمع الفقه الإسلامي؛ حيث عرَّف الإفتاء بأنه: «بيان الحكم الشرعي عند السؤال عنه، وقد يكون بغير سؤال ببيان حكم النازلة لتصحيح أوضاع الناس وتصرفاتهم»([28]).

3- «الإخبار بحكم الله تعالى عن دليل شرعي»، وهو تعريف ابن حمدان([29])، وقد جعله في الشرعيات فقط وأن يكون عن دليل، ولم يلزَم عنده أن يكون لسائلٍ.

وإلى هذا الاتجاه في تعريف الإفتاء ذهب ابن رشد؛ فعرفه بأنه: «إظهار الأحكام الشرعية بالانتزاع من الكتاب والسنة والإجماع والقياس»([30])، كما أنه اتجاه القانون الفلسطيني؛ فقد عرَّف الفتوى بأنها: «بيان الحكم الشرعي في مسألة من المسائل العامة أو الخاصة مؤيَّدًا بالدليل من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والاجتهاد»([31]).

4- «تبيين الحكم الشرعي والإخبار به من غير إلزام»([32])؛ فخصصه بالأحكام الشرعية كما هو المتفق عليه؛ ولم يُلزِم أن يكون عن دليلٍ أو لسائلٍ، وإن أضاف قيدًا أخر ليُخرج القضاء، وهو أن يكون من غير إلزام.

5- «الإخبار بحكم الله عن دليلٍ لمن سأل عنه»، وهو تعريف رابطة العالم الإسلامي([33])، وقد جمع هذا التعريف اشتراط الدليل وأن يكون لسائل.

فالحاصل أن جميع هذه التعريفات قد اتفقت على أن الإفتاء: إظهارٌ لحكم شرعي، وقد عبَّر بعضهم عن هذا الإظهار بلفظ “ذكر” أو “إخبار” أو “تبيين”، ثم زاد بعضهم قيد “عن دليل” وبعضهم “لسائل” وبعضهم “من غير إلزام”.

والذي أراه أن كلمة الإخبار تُغني عن اشتراط قولهم “من غير إلزام” فإنها تدل على مجرد الإبلاغ فقط.

أما قولهم “عن دليل” فلا أراه شرطًا في أن يُسمى هذا الإخبار بالحكم الشرعي إفتاء؛ لأن العامي([34])؛ أي: السائل؛ غير مؤهل غالبًا لفهم وجه دلالة الدليل على الحكم؛ وعليه لا يُشترط أن يذكر له المفتي دليله.

ومسألة “ذكر المفتي دليل الجواب” من المسائل التي تناولها العلماء بالبحث والنظر، وفيها لهم رأيان:

الرأي الأول: أنه يجب على المفتي أن يذكر للمستفتي الفتوى مقرونة بدليلها.

وهو قول ابن القيم؛ فقد بيَّن أنه ينبغي للمفتي أن يذكر دليل الحكم ومأخذه ما أمكنه من ذلك ولا يُلقيه إلى المستفتي ساذجًا مجردًا عن دليله ومأخذه([35]).

وقد استدل ابن القيم على رأيه هذا بما جاء من فتاوى النبي صلى الله عليه وسلم وما فيها من التنبيه على حكمة الحكم ونظيره ووجه مشروعيته؛ ومن ذلك أنه لما سُئِلَ عن بيع الرطب بالتمر قال: «أينقص الرطب إذا جف؟»؛ قالوا: نعم. فزجر عنه([36])؛ قال ابن القيم: «ومن المعلوم أنه كان يعلم نقصانه بالجفاف ولكن نبههم على علة التحريم وسببه»([37])، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تُنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها؛ فإنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم»([38])؛ قال: «فذكر لهم الحكم ونبههم على علة التحريم»([39])؛ يقول ابن القيم: «والمقصود أن الشارع مع كون قوله حجة بنفسه يُرشد الأمة إلى علل الأحكام ومداركها؛ فورثته من بعده كذلك… فينبغي للمفتي أن ينبه السائل على علة الحكم ومأخذه إن عرف ذلك وإلا حرُمَ عليه أن يُفتي بلا علم»([40]).

وقد رُدَّ الاستدلال بما جاء من فتاوى النبي صلى الله عليه وسلم بأمور([41]):

1- أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم وتقريراته أدلة شرعية في حد ذاتها؛ فلا يجوز أن نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكر الحكم وذكر معه دليله وكيفية مأخذ الحكم من الدليل وقرنها بفتواه.

2- أن ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم كله من باب ذكر العلة والسبب والحكمة، وهي كلها أمور لا صلة لها بالدليل وكيفية مأخذ الحكم منه.

الرأي الثاني: أنه لا يجب على المفتي ذكر دليل فتواه إلا أن يطالبه العامي بذلك ويكون الدليل مقطوعًا به.

وهو مقتضى قول ابن السمعاني؛ فقد ذكر أنه يجوز للعامي أن يطالب العالم بدليل الجواب لأجل احتياطه لنفسه، وعندها يُلزَم العالم أن يذكر له الدليل إن كان مقطوعًا به؛ لإشرافه على العلم بصحته، ولا يلزمه إن لم يكن مقطوعًا به؛ لافتقاره إلى اجتهاد يقصر عنه فهم العامي([42])، فمقتضى هذا أنه لا يجب على المفتي أن يذكر الدليل حسبةً من قِبَله؛ بل إذا طالبه العامي بالدليل وكان لا يستطيع أن يستوعبه بحيث لا يكون لذكره جدوى تُرجى من وراء هذا الذكر لم يذكره المفتي له، وقد أقره على ذلك الزركشي([43]).

والحاصل أن مآل رأي ابن القيم أن الإفتاء لا يُطلَق بالاصطلاح إلا إذا ذكر المفتي الدليل مع الفتوى، أما عند ابن السمعاني والزركشي فإنه لا يُشترط ذلك؛ بل كل إخبار عن حكم شرعي فهو فتوى ولو لم يُذكر الدليل، وهذا هو الراجح.

ويؤيده اتفاق جمهور الأصوليين على أن العامِّيَّ غير مُلزَم بالنظر في الدليل في الفروع([44])؛ قال الآمدي: «العامِّيُّ ومَن ليس له أهلية الاجتهاد، وإن كان محصِّلًا لبعض العلوم المعتبَرة في الاجتهاد؛ يلزمه اتِّباع قول المجتهِدين، والأخذ بفتواه عند المحقِّقين من الأصوليين»([45])، واستدَلُّوا([46]) بأمور؛ منها أن تكليف العامِّي النظر في الدليل واستنباط الحكم يؤدِّي إلى مفسَدة دنيوية كبيرة؛ لأن فيه تعطيلًا لحركة الحياة([47])؛ يقول في المحصول: «مصلَحة العامِّيِّ هو أن يعمل بما يُفتيه المفتي»([48])، كما أن في تكليف العامِّي النظر في الدليل واستنباط الحكم مفسدةً أُخرويَّة بتضييع الأحكام؛ يقول ابنُ قدامة في ذات المقام: «ثم ماذا يصنع العامِّيُّ إذا نزلت به حادثة إن لم يثبت لها حكم إلى أن يبلغ رُتبة الاجتهاد، فإلى متى يصير مجتهِدًا؟ ولعله لا يبلغ ذلك أبدًا، فتضيع الأحكام»([49]).

فإذا عدنا إلى القيود التي ذكرها المعرِّفون للإفتاء؛ ومنها قيد “أن يكون لسائلٍ يسأل عن الحكم”، فأرى أن وضع هذا القيد كان سببه عدة أمور:

أولًا: التفرقة بين الاجتهاد والفتوى.

ثانيًا: بيان أن الإفتاء واجب للمؤهل المتعيِّن عند طلب الفتيا.

ثالثًا: أن طبيعة التصدُّر للإفتاء قديمًا كان يستلزم سائلًا ونازلة خاصة به يُجيب عنها المفتي.

أما في العصر الحديث فإنه لا يلزم للقيام بالإفتاء أن يوجد سائل بعينه؛ بل تكفي وجود نازلة عامة ليقوم المفتي بدوره في الإجابة عنها ولو لم يُسأل.

وعليه فالتعريف الذي أختاره للإفتاء أنه: “الإخبار بحكمٍ شرعي في نازلة عامة أو خاصة واقعة أو مستشرفة”.

فخرج بقولنا: “الإخبار” ما كان الحكم الشرعي فيه إلزامًا من قائله؛ كالقاضي والمحتسِب؛ فإن الإفتاء ليس فيه سلطة إلزامية على أحدٍ إلا بواسطة القاضي أو المحتسِب أو المحكِّم بشروطه.

وخرج بقولنا: “حكم شرعي” غير الشرعيات من الأحكام كالطب والاقتصاد والاجتماع وغيرها، وفي هذا تقييد للإفتاء عن التصدُّر لقضايا الوعظ المجرد أو الكلام في السحر وتفسير الرؤى ونحوه، وإن دخلت فيها مسائل العقيدة؛ فإنها أحكام شرعية من باب جواز اعتقادِ شيء وعدم جوازه، وكذلك الاستفتاء في الأدلة الشرعية؛ كصحة حديث من عدمه؛ وذلك من باب أنها من متعلقات الأحكام الشرعية.

وخرج بقولنا: “نازلة عامة أو خاصة” تقرير الحكم الشرعي في غير نازلة؛ كتقريره في درسٍ أو محاضرة علمية أو نحو ذلك.

وقولنا “واقعة أو مستشرفة” لتشمل الوقائع والأحداث التي تقع بين الناس في حياتهم اليومية، وتشمل أيضًا غير هذه الوقائع من نحو أن يسأل الإنسان عن حكم مسألة يفترضها افتراضًا ثم يجب أن يقف على الحكم الشرعي لها لو أنها قد وقعت، وهذا الدرب من الافتراض وتصور المسائل التي يمكن أن تقع وطلب الحكم الذي يُستخرج من الأدلة الشرعية لها قد درج عليه الكثيرون من العلماء قديمًا وحديثًا، وهي في هذه الخاصة مختلفة عن “النازلة” التي تختص بالوقوع؛ فهي مسائل تتعلق بحوادث واقعية([50]).

ولعل أقرب تعريف لما اخترته هنا هو ما جاء في مشروع الميثاق العالمي للفتوى الذي أصدرته الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم من تعريف الإفتاء بأنه: «تبيين لأمرٍ يحتاج إلى بيان حكمٍ الشرع فيه»؛ وقد جاء فيه: «وعلى ذلك فالإفتاء عملية مغايرة لعملية إبداء الرأي في الأمور العامة أو الخاصة أو القوانين التي لا يدعي صاحبها؛ أي: عند إبداء الرأي؛ أنه موقِّعٌ عن الله تعالى؛ بخلاف الفتوى فهي توقيع عن رب العالمين»([51]).

ومما ينبغي بيانه أن ألفاظ “الإفتاء” و”الفتوى” و”الفتيا” مترادفة لغةً كما سبق النقل عن ابن منظور وغيره، وكذا يستعملها العلماء في الاصطلاح([52]).

والذي أراه أنه ينبغي الاصطلاح على التفريق بين لفظ “الإفتاء” من جهة ولفظي “الفتوى” و”الفتيا” من جهة أخرى؛ وذلك بأن يكون لفظ “الفتوى” منصبًّا على مجموع كلِّ من السؤال ونفس ما يُصدره المتصدِّر للإفتاء من إظهارٍ للحكم الشرعي؛ وذلك سواء كان مكتوبًا أو مسموعًا؛ فالفتوى إذن سؤال وجواب؛ سؤال يطرحه المستفتي ويبسط فيه القضية التي عرضت له، وجواب يُخبر فيه المفتي المستفتي بذلك الحكم([53])، وجمعه “الفتاوى”.

ويُطلَق على “الفتاوى” أسماء أخرى؛ مثل “المسائل والأجوبة” و”النوازل” و”الواقعات”؛ لاشتراك هذه الألفاظ في أنها إخبارٌ عن الأحكام الشرعية المتعلقة بمسائل وقضايا سواء حدثت أو لم تحدث([54]).

أما “الإفتاء” فيكون منصبًّا على عملية الإخبار والإظهار نفسها؛ فـ”الفتوى” مادة ناتجة عن “الإفتاء”.

وقد عُلم مما مر مفهوم طائفة من الألفاظ، وهي:

الفتوى: وهي لغةً كالإفتاء، واصطلاحًا يمكن تعريفها في التناول المعاصر بأنها:ما أُخبِر به عن حكمٍ شرعي في نازلةٍ من مرئي أو مسموع”.

المفتي: هو لغة: اسم فاعل من أفتى الذي مر بيانه، واصطلاحًا سيأتي تعريفه تفصيلًا.

الاستفتاء: وهو لغة: طلب الجواب عن الأمر المشكَل؛ قال تعالى: {ولا تستفت فيهم منهم أحدًا}([55])، واصطلاحًا: “طلب إظهار حكمٍ شرعيِّ في نازلة”.

ويتصل بالإفتاء ألفاظ ذات صلة، وهي: الاجتهاد، والفقه، والقضاء، وسيأتي تعريف كلٍّ منهم تفصيلًا والفرق بين المفتي والمجتهد والفقيه والقاضي.

المسألة الثالثة: مكانة “الإفتاء” وارتباطه بعلم أصول الفقه.

تبيَّن من المطلب السابق أن الإفتاء هو “الإخبار بحكمٍ شرعي في نازلة عامة أو خاصة واقعة أو مستشرفة”، وهو علمٌ له جانب معرفي وآخر مهاري؛ أي أنه معرفة وتدريب وتخلُّق([56])، وله مكانة كبيرة بين العلوم الإسلامية وأهمية عظيمة في الواقع، وفي هذا المطلب نبيِّن مكانة الإفتاء وأهميته ثم نعرج على ارتباطه بعلم أصول الفقه باعتباره العلم المعنيِّ بمعرفة أدلة الفقه وطرق استفادتها وحال المستفيد.

الفرع الأول: مكانة الإفتاء.

تنبع مكانة “علوم الإفتاء” من مكانة “الفتوى” في ذاتها؛ والفتوى باعتبارها الحكم الشرعي المُنزَّل على الواقعة مرتبطة ارتباطًا تامًّا بعبودية المسلم لربه تعالى، وهي أشرف المقامات؛ ذلك أن التزام الفتوى هو من تعظيم الله تعالى الذي هو ركن من أركان العبودية له سبحانه؛ وعكس ذلك التساهل وعدم اعتبار الحكم الشرعي في الأفعال والأقوال، وهو خلل كبير في العبودية.

ومن هنا يُعلَم أن للفتوى منزلة عالية وأهمية كبيرة في حياة الفرد والأسرة والمجتمع، ولها فضائل عظيمة، ويمكن تحديد هذه المنزلة باستعراض المناقب التي خوَّلها الشارع للفتوى والمفتي أولًا ثم بيان أهمية منصب الإفتاء، ومن خلال ذلك تُعرَف أهمية الفتوى ومكانة الإفتاء.

أولًا: المناقب التي خولَّها الشارع للفتوى والمفتي:

1- أن الله تعالى أفتى عباده:

وردت في القرآن الكريم الكثير من النصوص التي بيَّنت أن الله تعالى قد أفتى عباده في مسائل سُئل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يقول تعالى: {ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن}([57])، ويقول: {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة}([58])، وقال: {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول}([59])، وغير ذلك كثير من الآيات البينات التي يُفتي فيها ملك الملوك العليم الخبير في مسائل متعددة وقضايا مختلفة تأكيدًا على أهمية الإفتاء والفتوى وشدة تأثيرها في النفوس([60]).

2- المفتي موقع عن رب العالمين:

إن موضوع الفتوى هو بيان أحكام الله تعالى وتطبيقها على أفعال الناس؛ فهي قولٌ على الله تعالى أنه يقول للمستفتي: “حق عليك أن تفعل” أو: “حرام عليك أن تفعل”؛ ولذلك جعل ابن القيم المفتي بمنزلة الوزير الموقِّع عن الملك فقال: «إذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا يُنكر فضله ولا يُجهل قدره، وهو من أعلى المراتب السنيات؛ فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسموات»([61])؛ ونقل النووي أن العلماء قد قالوا: «المفتي موقِّعٌ عن الله تعالى»([62]).

فهذه منزلة عظيمة ينبغي على كل مفتٍ أن يعيها جيدًا([63]).

3- المفتي يعد وارثًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم من خلال منصبه:

من فضائل الإفتاء أن المفتي يعد وارثًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم تولى ذلك المنصب في حياته بحكم رسالته التي بلغها للناس، وأيضًا بحكم البيان الذي كلفه الله تعالى به قال تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون}([64])؛ فالمفتي خليفة النبي صلى الله عليه وسلم في أداء وظيفة البيان؛ فأي شرف أن يقوم المفتي بأمرٍ هو في الأصل يصدر عن رب العالمين سبحانه وتعالى، وباعتبار التبليغ يصدر عن سيد الخلق أجمعين سبحانه وتعالى.

وقد تولى هذه الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الكرام ثم أهل العلم بعدهم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العلماء ورثة الأنبياء»([65])؛ يقول ابن الصلاح رحمه الله عن هذا الحديث: «فأثبت للعلماء خصيصة فاقوا بها سائر الأمة، وما هم بصدده من أمر الفتوى يوضح تحققهم بذاك للمستوضِح، ولذلك قيل في الفتيا: إنها توقيع عن الله تبارك وتعالى»([66]).

ومن خلال هذا يتبين لنا أن الفتوى تُعَدُّ من أرقى الموضوعات في الشريعة الإسلامية، وأفضل ما يكون في الفقه من علومٍ تلك التي تسعى لإيجاد حلول للناس وتعمل على راحتهم، يقول صاحب الفتاوى المهدية بعد بيان فضل علم الفقه: «ولما كان فن الفتوى من أكبر مزاياه الجليلة، وأنضر محاسنه الفائقة الجميلة، لم تزل الجهابذة في سائر القرون والأعْصَار، وعامة البلاد والأمصار، ناشرين لواءه بين الأنام، قائمين بحمل أعبائه أحمد قيام… فلعمري إن هؤلاء العصابة هم في الحقيقة أهل الإصابة؛ لعموم الحاجة إليه، واعتماد الخاصة والعامة في حوادثهم عليه؛ فجزاهم الله تعالى عن دينه أحسن جزائه، ووالى عليهم جليل إحسانه وجزيل نعمائه، حيث أوضحوا مَحجَّتَه، وأبرزوا حُجَّته، وميزوا بين الغث والسمين، والصدَف من الدُّر الثمين؛ خدمة منهم لتلك الخُطَّة الشريفة، وقيامًا بواجب الشريعة المُنيفة»([67]).

من خلال ما سبق تتبين لنا مكانة الإفتاء من كون أن الله تعالى يخبر عن نفسه أنه المتكفل بإفتاء العباد؛ ولذلك فالمفتي هو الموقع عن الله تعالى، كما أنه كان منصب أفضل البشر وهو النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلذلك على المفتي أن يكون خبيرًا بثقل تلك المسئولية التي وقعت على عاتقه، فهذا يعد فضيلة عظيمة لمن يتصدر للإفتاء، وشرفٌ للمفتي أن يقوم بأمر هو في الأصل يصدر عن رب العالمين، وباعتبار التبليغ يصدر عن سيد الخلق أجمعين([68]).

 

ثانيًا: أهمية الفتوى:

إن مهمة المفتي تقوم على بيان الأحكام الشرعية وتبليغها للناس؛ ليكشف عنهم ما نزل بهم وحاق بهم من أمور الدين التي يجهلونها([69])؛ ومن هنا كان مقام المفتي عظيمَ القدر؛ فهو يعمل على إزالة التخبُّط والانحراف عن المجتمع؛ ولذلك فالحاجة ماسة إليه؛ فحاجة المجتمع إلى المفتين كحاجتهم إلى الطعام والشراب ومقومات الحياة الأساسية؛ يقول ابن القيم عن المفتين: «حاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب، وطاعتهم أفرض عليهم من طاعة الأمهات والآباء بنص الكتاب؛ قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}([70])»([71]).

والفتوى إن كانت مؤصلة تأصيلًا شرعيًّا سليمًا من التنطع والتسيب فإنها تترك آثارًا طيبة على الأمة يمكن إجمالها فيما يلي([72]):

1- إزالة الجهل: حيث إن الفتوى الرشيدة تنير العقول والبصائر وترتقي بالأمة؛ وقد قامت مدرسة النبوة على حفظ العقل من الخرافة وعلى العلم الذي يصون الإنسان؛ كل ذلك بالفتاوى الكثيرة التي أعطاها النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه ثم أصحابه ومن بعدهم علماء الأمة؛ كما أن طلبة العلم إذا وُفِّقوا إلى استفتاء العلماء المتمكنين العاملين المخلصين فإن آفاق المعرفة تتفتح أمامهم وينهلون من معانيها وتنضج معارفهم.

2- إعانة المسلمين على أداء التكاليف الشرعية على الوجه الصحيح: فكلما كانت الفتوى سديدة ومعتمدة على الأدلة الصحيحة فإنها تكون أدعى إلى حمل الناس على أداء التكاليف الشرعية على الوجه الذي أراده الله ورسوله، وفي ذلك إحياء للسنن وإماتة للبدع.

3- تغير السلوك الفردي والجماعي: فالفتوى السليمة تجعل المستفتي على الجادة القويمة وتبعده عن البدع الذميمة؛ فتصحح مساره لئلا يزل وتحذه من البدع لئلا يضل، وفي ذلك صلاح الفرد وسلامة المجتمع.

4- بث الثقة وإيجاد جسور التواصل: ذلك أن الفتوى القويمة توثق صلة الأمة بعلمائها وتربطهم بولاة الأمر في الشئون الدينية.

5- نشر الأمن المجتمعي: الفتوى القويمة دائمًا ما تعمل على نشر الأمن المجتمعي وإشاعة أجوائه بكافة أشكاله في حياة الناس، ويتحقق ذلك بتوجيه المفتي للمجتمع وعصمته من الفتن وصيانة عقائد الناس وشعائر دينهم؛ فإن المفتي أحد عناصر المجتمع المنوط بها حفظ أمن المجتمع الروحي والفكري والديني.

ودور المفتي في تحقيق الأمن في المجتمع يكون بمقاومة الغلو والتشدد الذي أصبح عائقًا أمام الدعوة الإسلامية؛ لأن من شأن هذا التشدد والغلو أن يجهض أي محاولة لتجديد الخطاب الدعوي ليتوافق مع مستجدات الحضارة الحديثة.

وقد نتج عن هذا التشدد والغلو في الدين الاتجاه نحو العنف والعدوان وعدم تقبل الآخر ورفض التعايش معه مما ينذر بتهديد أمن المجتمع.

لقد بات الأمن الاجتماعي مهددًا بسبب الأفكار الشاذة، ولكي يقوم المفتي بدوره في تحقيق أمن المجتمع عليه أن يلتزم بمواجهة أصحاب الأفكار المتطرفة والمتشددة، وأن يرسِّخ في فتاويه مبدأ الأخوة الإنسانية فإن علاقة المجتمعات العربية والإسلامية مع المجتمعات الأخرى قائمة على التعارف والتعاون، تطبيقًا لقول الحق تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}([73])، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم ربَّنا وربَّ كل شيء، أنا شهيد أنك أنت الرب وحدك لا شريك لك … أنا شهيد أن العباد كلهم إخوة»([74]).

 

ثالثًا: مكانة الفتوى في الواقع المعاصر وأهميتها:

إن الناظر في واقع الناس اليوم يخرج بنتيجة مفادها أن حال الفتوى وواقعها يشهد بقيمتها العظيمة وأثرها في حياة الناس؛ فبرامج الفتوى الإذاعية والمرئية وبث الفتوى شبكات التواصل الاجتماعي على سبيل المثال أصبح محل اهتمام ومتابعة من الجميع؛ سواء من القائمين على هذه الأعمال أو جمهور الناس؛ خاصة وأن الكثير من القائمين على ذلك يبحث عن أكبر قاعدة جماهيرية لجهازه الإعلامي لتحقيق الربح الكبير؛ لأن شركات ومؤسسات الدعاية والإعلان تبحث عن الجهاز الإعلامي الأكثر مشاهدين ومستمعين، وكذلك قيمة الإعلان ترتفع وتنخفض بحسب عدد الجمهور والمتابعين، وهذا هو السبب الرئيس في حرص كثير من مواقع الإنترنت على تسجيل عدد الزائرين يوميًّا؛ فكلما ارتفع العدد زاد عدد الإعلانات وارتفع أجرها، وهذا هو ما دفع بعض المؤسسات الإعلامية إلى جعل برامج الإفتاء في أفضل وأهم أوقات اليوم، وكذلك يجد المتأمل أن الصحف اليومية أصبحت لا تخلو من ركنٍ أو صفحة في كل عدد يصدر لها خصصته للإجابة على أسئلة المستفتين([75]).

وفي هذا السياق توصلت كثير من الدراسات التي أجريت في مجال مشاهدة الفضائيات العربية والبرامج المفضلة لدى الجمهور إلى أن المواد والبرامج الدينية، ومن أبرزها برامج الإفتاء؛ من أهم البرامج والأكثر مشاهدة ومتابعة في الفضائيات العربية؛ إذ أنها تأتي في مقدمة أولويات البرامج الأكثر تفضيلًا لدى المشاهد العربي([76]).

وإلى جانب ذلك نجد حرص الدول الإسلامية على تأييد القوانين والتشريعات التي تسنها بالفتاوى التي تؤكد أن هذه التشريعات لا تخالف الشريعة الإسلامية كما تنص دساتيرها، وهذا كله يؤكد عل أهمية الإفتاء في واقع الناس([77]).

أما الفوائد والمصالح التي تحققها الفتوى عبر الوسائل التواصلية الحديثة في الواقع المعاصر فمن أهمها تبيين الحكم الشرعي في الواقعات والنوازل التي تواجه الناس، وإشاعة الثقافة الفقهية الشرعية، ونشر الاهتمام بالدين ومعرفة الأحكام الشرعية؛ حيث تعاني أغلب المجتمعات المسلمة والعربية من أمية علمية ومن أمية شرعية، كما أن القراءة والمطالعة في مجتمعاتنا العربية قليلة لدرجة أن من يقرءون أو يطالعون كتبًا علمية، ومن ضمنها الكتب الشرعية، لا يتجاوزون نسبة ثلاثة عشر بالمائة من مجموع المجتمع في أفضل الأحوال، وقد ساهمت هذه البرامج في السماح للمشاهد بإلقاء الأسئلة التي تجول في خاطره أو التي يبحث فيها عن إجابة دون خوفٍ أو تردد، وهو ما زاد من اهتمام الناس بالدين وبالبحث عن الحكم الشرعي لأمور حياتهم([78]).

 

رابعًا: استثمار مكانة الفتوى:

من خلال ما سبق يمكننا أن نقرر أن أهمية الفتوى ومكانتها في التشريع الإسلامي وفي الواقع المعاصر تأتي من واقع أنها ربطٌ للأحكام بالواقع المعيش؛ فالفتوى في حقيقتها: طلب حكم الشرعي في أمر يخص المستفتي ولا يعرف حكمه ولا المخرج منه. ولذلك فالفتوى صناعة علمية مرتبطة أيما ارتباط بحياة الإنسان الحالية وظروفه وظروف مجتمعه وعصره؛ ولذلك فلابد للمفتي أن يراعيَ المناسبة بين فتواه وبين ظروف وأحوال المستفتي والمجتمع المحيط به؛ كي لا يُوقعه في حرج ومشقة، وهما مدفوعان بأمر الشارع.

والدارس للفقه الإسلامي بدقةٍ وتمعنٍ يجد أنه يتميز بخصائص ومميزات لا يتميز بها غيره؛ جعلته قابلًا للعطاء طيلة أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمن؛ يستوعب كل جديدٍ ويُدلي بالكلمة الفصل فيه إن كان موافقًا لمبادئ الشريعة الإسلامية أخذ به، وإن كان مخالفًا لمبادئ التشريع وروحه رفضه، فالفقه هو الحاكم على الواقع وليس الواقع هو الحاكم عليه.

والفتوى الشرعية استخلاص حكم شرعي من فقيه متخصص عالم بأصول الشرع وبمقاصده العليا في الدين والحياة إجابة على سؤال المستفتي؛ إذ أن وظيفة المفتي أن يُنْزِل النصَّ على الواقع المعيش؛ فيتوصل بها إلى معرفة حكم الدين؛ فهي صناعة فقهية عقلية، تُعَبِّر عن إدراك سليم للواقع المعيش وبيان حكم الحادثة المستفتى عنها من الحِلِّ أو الحرمة بناء على الفهم العميق المستوعِب للنص، وتفاعله مع مصلحة الفرد والمجتمع والأمة. وعلى قدر يقظة وفطنة الفقيه بالنص الشرعي روايةً ودرايةً، وإدراكه لمصالح الأفراد والأوطان والمجتمعات يتحقق مقصود الشريعة في تفهيم الناس حقيقةَ الدين في احتوائه على الأحكام اللازمة لتنظيم الحياة الآمنة والوفاء بمصالح الفرد والمجتمع بما تنتظم به الحياة.

ولما للفتوى من مكانة كبيرة في التشريع الإسلامي وفي الواقع المعيش يمكن استثمار هذه المكانة بإدارة الفتوى إدارة تعتمد على التخيُّر المقاصدي بين الآراء الفقهية المختلفة في بناء المجتمعات المستقرة وحل إشكالات عدة؛ وذلك عبر عدة محاور؛ من أهمها:

المحور الأوَّل: استثمار الفتوى لدعم الاستقرار:

يُمثِّل الاستقرار أحد الدعائم التي ترتكز عليها عمليَّات التنمية والنهضة في أيِّ بلدٍ، فلا نهضة بلا استقرار، والحفاظ على الاستقرار بصوره وفروعه من استقرار سياسيٍّ واجتماعيٍّ واقتصاديٍّ وقانونيٍّ من الأصول الشرعية والغايات التي تتغيَّاها كلُّ أُمَّة، فالاستقرار من النِّعم التي امتنَّ اللهُ تعالى بها على الإنسان، قال تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}([79])، وجعل سبحانه وتعالى نزعَ هذا الاستقرار من العقوبات؛ فوضع في عقاب المحاربِينَ وقُطَّاع الطُّرق عقابًا بالنفي: {إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}([80]).

وقضيَّة الإفادة من مكانة الفتوى واستثمارها بشكل إيجابي في دعم الاستقرار أو غيره من المقاصد والغايات المراد تحقيقها تدور حول ما تخلقه حالةُ الخلاف بين الفقهاء من تعدُّد ومرونة تشريعية من جهة الكمِّ، ومن تنظير وتحليل للأحكام الشرعية التي يتبنَّاها كل اتجاه من الاتجاهات المختلِفة مما يساعد على التعرُّف على مدارك الفقهاء ومسوِّغات اختياراتهم، ومن ثم يحقِّق الخلاف غناء تشريعيًّا من جهة الكيف، ومن خلال استغلال الجانبَين يمكن للفتوى أن تدير هذا الخلاف وتتخير منه على الوجه الأمثل.

فعلى مستوى تحقيق الاستقرار والأمن، يمكن استثمار الفتوى في تحقيق الاستقرار على المستوى الدوليِّ، وعلى المستوى الداخلي والمحلي:

فمثال تحقيقه على مستوى المجتمع الدولي: أنه يمكن الدَّفع باتِّجاه السلام الشامل والعادل بين دول المجتمع الدولي. فعلى سبيل المثال: ما يتعلق بالمعاهدات الدوليَّة اختلف الفقهاء في إطلاق معاهدات السلام بين الدولة الإسلامية وغيرها من الدول:

فالبعض كالحنفية: أجاز عقد الإمام لمعاهدات سلام مُطلَقة غير مُقيَّدة بوقت محدَّد تنتهي فيه تلك المعاهدات([81]).

قال ابن نجيم: «(قوله: ونصالحهم ولو بمال لو خيرًا) لقوله تعالى: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها} [الأنفال: 61]، ووادع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أهل مكة عام الحديبية على أن يضع الحرب بينه وبينهم عشر سنين… وأراد بالصلح العهد على ترك الجهاد مدة معينة أيَّ مدة كانت، ولا يقتصر الحكم على المدة المذكورة في المروي لتعدي المعنى إلى ما زاد عليها»([82]).

والبعض الآخَر كالمالكية والشافعية والحنابلة لم يَجُزْ عندهم عقدُ المعاهدات مُطلَقة عن الزمان([83]).

ثم إن مَن منع من عقد المعاهدات المطلَقة اختلفوا فيما بينهم في المدَّة التي لا يجوز تجاوزها في المعاهدة:

فالبعض كالمالكية رأى أنها لا تتقدَّر بحدٍّ مُعيَّن، وإنما يرجع إلى تقدير الإمام ولو طالت مُدَّة المعاهدة([84]).

قال الدسوقي: «ولا حد واجب لمدتها بل على حسب اجتهاد الإمام، وندب أن لا تزيد مدتها على أربعة أشهر؛ لاحتمال حصول قوة أو نحوها للمسلمين، وهذا إذا استوت المصلحة في تلك المدة وغيرها، وإلا تعين ما فيه المصلحة»([85]).

ويقول الصاوي: «للإمام المهادنة على ترك القتال بالمصلحة مدة باجتهاده، وندب أن لا تجاوز أربعة أشهر إلا لمصلحة»([86]).

وقد حدَّد الشافعية مدة المعاهدة وفقًا لحال المسلمين قوة وضعفًا، فإذا كان بالمسلمين قوة أخذوا أقصر مدة، وهي أربعة أشهر، أما إذا كان عكس ذلك فلا يجوز تحديدها بأكثر من عشر سنوات([87]).

قال الدمياطي: «المدة هي أربعة أشهر فأقل إن كان بنا قوة، وعشر سنين فأقل إن كان بنا ضعف، فمتى زادت المدة على أربعة أشهر في الحالة الأولى، أو على عشر سنين في الحالة الثانية، بطل العقد في الزائد، وصح في الجائز»([88]).

وقد علل الإمام الغزالي مدة الأربعة أشهر بأنها مدة السياحة في الأرض؛ قال الله تعالى: {فسيحوا في الأرض أربعة أشهر} [التوبة: 2]([89]).

وأما الحنابلة فقد اختلفوا في مدة عقد المعاهدات ولم يتفقوا على رأي واحد، فأجازوا في حال قوة المسلمين مدة أربعة أشهر إلى سنة، وفي حال الضعف عشر سنين، ومنهم من قال بجواز العقد وإن طالت المدة([90]).

فقد ذكر ابن قدامة أنه لا يجوز عقد الهدنة إلا على مدة مقدرة معلومة، وقال: «وظاهر كلام أحمد أنها لا تجوز أكثر من عشر سنين؛ لأن قوله تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5]. عام خُص منه مدة العشر، لمصالحة النبي -صلى الله عليه وسلم- قريشًا يوم الحديبية عشرًا، ففيما زاد يبقى على مقتضى العموم، فعلى هذا، إن زادت المدة على عشر بطل في الزيادة. وهل تبطل في العشر؟ على وجهين، بناء على تفريق الصفقة، وقال أبو الخطاب: ظاهر كلام أحمد، أنه يجوز على أكثر من عشر، على ما يراه الإمام من المصلحة، وبهذا قال أبو حنيفة؛ لأنه عقد يجوز في العشر، فجازت الزيادة عليها، كعقد الإجارة، والعام مخصوص في العشر لمعنى موجود فيما زاد عليها، وهو أن المصلحة قد تكون في الصلح أكثر منها في الحرب»([91]).

قال الشيخ أبو زهرة: «ومع أننا نجد دِقَّة عند تحرير القول في المعاهدات التي لا تقيَّد بزمن ولا تنص على التأبيد نُقرِّر أن العهود المطلَقة عن الزمان واجبة الوفاء، من غير نظر إلى الأسباب التي أوجبَتْها، لأن العبرة في العقود والمعاهدات بنصوصها لا ببواعثها، ولذلك نُقرِّر أن العقود المطلَقة عن الزمان كالعهود التي نصَّ فيها على التأبيد واجبة الوفاء، ولا تُنقَض إلا عند الخيانة، أو توقعها بأمارات لا تقبل الشك، بل تفيد الظن الراجح، وأن ذلك هو نصُّ القُرآن والسُّنَّة»([92]).

وفي إطار التوافق الدولي على إقرار سلام شامل وعادل بين جميع أطراف المجتمع الدولي، فإن الفتوى النابعة من التخيُّر المقاصدي من الآراء الفقهية المختلفة في هذا الصدد يمكن أن يكون لها دور ملحوظ في ذلك الملف الهام؛ فالخلاف الفقهي هنا أبرز مُدرَكًا هامًّا استند عليه الفقهاءُ في تأسيس حكم المعاهدات، وهذا المدرَك هو تحقُّق مصلحة الجماعة والدولة المسلمة، فمَن رأى أن ذلك لا يتحقَّق إلا بتحديد مُدَّة معيَّنة رفضَ الإطلاق في المعاهدات، ثم اختلف اجتهادُهم في تقدير تلك المدة، ومَن رأى أن مصلحة المسلمين قد تكون في إطلاق المعاهدة عن المدَّة قال بجواز الإطلاق، وقد تأثَّرَ الجميعُ بالظروف السياسية ومُعطَيات القوَّة الإقليمية في تلك الفترات، وأسَّسَ الجميعُ أيضًا أحكامهم وَفق مقتضى المصلحة للدولة؛ مما يُنبِئ بوضوح تام عن الأساس المقاصدي الذي ارتكن إليه استنباطهم، وهو ما استرشد به الشيخُ أبو زهرة في مخالفة رأي الحنفية الذي رأوا جواز الإطلاق مع اعتبار المعاهدة عقدًا جائزًا يصح لممثِّل الدولة الإسلامية نقضُه بإرادة منفرِدة، فكل ذلك الخلاف الفقهي عكس مسوِّغات النظرية الفقهية بخصوص المعاهدات الدولية التي تتضمن عقدَ سلام شامل مع الدول الأُخرى، وبَيَّنَ أن أهم الأركان التي اعتمدت عليها تلك النظرية، مما يساعد على تحقيق مصالح الدولة المسلمة سواء كان في مُدَّة المعاهدة، أو في جدواها من الأصل، مما يفيد النظر الفقهي اليوم بخصوص دخول الدول الإسلامية في مُنظَّمات ومعاهدات دولية، وهو ما يدعم الاستقرار بشكل كبير في المجتمع الدولي إن تم استثمار الفتوى ومكانتها في دعم هذا الاتجاه.

أما على مستوى الداخل:

فيمكن للفتوى أن تُستثمر بما يحقِّق الاستقرار الداخلي أيضًا، فاستقرار المجتمع داخليًّا مبني على استقراره الاجتماعي والأمني، فعلى صعيد تحقيق الاستقرار الاجتماعي يمكن للفتوى النابعة من التخيُّر المقاصدي من الآراء الفقهية المختلفة إنجاز العديد من الخطوات في طريق تحقيق الاستقرار المجتمعي لاسيَّما الاستقرار الأُسريّ، وذلك من خلال استثمار مكانة الفتوى فيما يتعلَّق بمسائل الزواج والطلاق والرَّضاع والحضانة والنفقات، ونحو ذلك من مسائل الأحوال الشخصية، فإن المؤسسات التشريعية والقانونية والقضائية من الممكن لها الاستفادة من الجانب التشريعي الفقهي الغزير بفضل اختلاف الآراء الفقهية في اختيار أفضل الأقوال من حيث تحقيق المصالح، ودفع المضار بما يحفظ حقوق المرأة والطفل على وجه الخصوص، وبما يضمن تحقيق الاستقرار والتماسك المجتمعي.

المحور الثاني: استثمار الفتوى كأداة لحلِّ المشكلات:

يمكن للاستثمار الرشيد للفتوى بالتخيُّر المقاصدي من الآراء الفقهية المختلفة أن تكون أداةً لحلِّ الكثير من المشكلات التي تواجه المجتمعات الإسلامية في كافة المجالات، فوقوع الخلاف بناء على الاتجاهات الفقهية تجاه كل قضية يوسِّع من مساحة الاختيار، ويحفِّز على الاجتهاد في الاختيار بين تلك الأقوال بالنظر إلى المقاصد والمصالح.

ومن مساهمات الفتوى في حلِّ المشكلات: مسألة حماية المستهلِك، والرقابة على السوق، فقضية التسعير- على سبيل المثال- من القضايا الخلافية بين الفقهاء:

فبعض الفقهاء كالشافعية والحنابلة يرى أنه لا يجوز([93]).

قال إمام الحرمين: «وهل ينادي منادي الإمام في البلد، ويأمر بسعرٍ مقدرٍ في جنس حتى لا يتعدَّوْه؟ فنقول: ليس للإمام هذا في رخاء الأسعار وسكون الأسواق؛ فإنه حجرٌ على الملاك، وهو ممتنع»([94]).

وقال ابن قدامة: «قال ابن حامد: ليس للإمام أن يسعر على الناس، بل يبيع الناس، أموالهم على ما يختارون…قال بعض أصحابنا: التسعير سبب الغلاء؛ لأن الجالبين إذا بلغهم ذلك، لم يقدموا بسلعهم بلدًا يكرهون على بيعها فيه بغير ما يريدون، ومن عنده البضاعة يمتنع من بيعها، ويكتمها، ويطلبها أهل الحاجة إليها، فلا يجدونها إلا قليلًا، فيرفعون في ثمنها ليصلوا إليها، فتغلوا الأسعار، ويحصل الإضرار بالجانبين، جانب الملاك في منعهم من بيع أملاكهم، وجانب المشتري في منعه من الوصول إلى غرضه، فيكون حرامًا»([95]).

والبعض الآخَر كالحنفية والمالكية يرى أن التسعير من باب السياسات الشرعية، والتي يعود البتُّ فيها إلى السلطة الحاكمة في الدولة الإسلامية، ويُرجع فيه إلى مراعاة المصلحة، وتقديم المصلحة العامَّة على المصلحة الخاصَّة([96]).

قال صاحب الفتاوى الهندية: «ولا يسعر بالإجماع إلا إذا كان أرباب الطعام يتعدون عن القيمة، وعجز القاضي عن صيانة حقوق المسلمين إلا بالتسعير، فلا بأس به بمشورة أهل الرأي والبصر، وهو المختار، وبه يفتى»([97]).

وقال ابن نجيم: «يُتحمَّل الضررُ الخاص لأجل دفع الضرر العام، وهذا مُقَيِّدٌ لقولهم: الضرر لا يُزال بمثله، وعليه فروع كثيرة؛ منها.. التسعير عند تعدي أرباب الطعام في بيعه بغبن فاحش»([98]).

وقال ابن رشد المالكي: «وسئل مالك عن صاحب السوق يريد أن يسعِّر على الناس السوق، فيقول لهم: إما بعتم بكذا وكذا، بسعر يسميه لهم، وإما قمتم… قال: لو أن رجلًا أراد بذلك فساد السوق، فحط عن سعر الناس لرأيت أن يقال له: إما لحقت بسعر الناس وإلا رفعت»([99]).

وعلى ذلك فإن رأت السلطةُ أن التسعير يحقِّق الغايات المرادة من ضبط السوق، وتحقيق الحدِّ المطلوب من حماية المستهلِك، ومقاومة مظاهر الاستغلال التجاري، فإنها تقوم بالتسعير بالشكل الذي تراه الدولةُ مناسبًا، وتؤيدها الفتوى المنطلقة من الاختيار المقاصدي بين الآراء الفقهية، وهذا من استثمار الفتوى بما يحقِّق المصالح المعتبَرة.

المحور الثالث: استثمار الفتوى في المشاركة الحضارية الإنسانية:

إن أبرز التحديات التي تواجه الأُمَّة العربية والإسلامية في الوقت الراهن هو علاقة الحاضر بالماضي والمستقبل، وكيف يمكن للأُمَّة إنتاج وقود التحول الحضاري إنتاجًا إسلاميًّا خالصًا من قلب الموروث الحضاري الإسلامي، لتتمكَّن الأُمَّةُ من المشاركة الحضارية، ومن تسجيل تفاعل مؤثِّر في البناء الحضاري.

قال ابنُ رشد في بيان ضرورة التفاعُل: «إنه يجب علينا أن نستعين على ما نحن بسبيله بما قاله مَن تقدَّمنا في ذلك، وسواء أكان ذلك الغير مشاركًا لنا في الملَّة أو غير مُشارِك، فإن الآلة التي تصح بها التَّذكية ليس يُعتبَر في صحة التَّذكية بها كونها آلَة المشارِك لنا في الملَّة أو غير المشارِك إذا كانت فيها شروط الصحة، وأعني بغير المشارِك كل مَن نظر في هذه الأشياء من القدماء قبل مِلَّة الإسلام، وكان كل ما يحتاج إليه من النظر قد فحص عند القدماء أتم الفحص، فقد ينبغي أن نضرب بأيدينا إلى كتبهم فننظُر فيما قالوه من ذلك، فإن كان كله صوابًا قَبِلْناه منهم، وإن كان فيه ما ليس بصواب نبَّهْنا عليه»([100]).

فالمشاركة الحضارية لا تتأتَّى إلا من خلال هذا التفاعل الواعي المتوازِن بين الالتزام بالأصالة الإسلامية، والهويَّة الحضارية المميّزة للأُمَّة، وبين الانفتاح على الحضارات المعاصرة، ويأتي هنا دور القاعدة التشريعية المرنة والشاملة، والتي تلعب الفتوى المنبنية على الاختيار المقاصدي بين الآراء الفقهية الدورَ الأبرز فيها والمؤسِّس لتلك المرونة والشمول التي يمكن من خلالها استيعاب الأنماط الحضارية المعاصرة، والمحافظة على أصالة المنتَج الحضاري الإسلامي.

فإن كان العالَم كله قد انبَرَى إلى تناول القضايا التي تمسُّ حقوقَ الإنسان الأساسية في الحياة والغذاء والدواء والمسكن، وأصدرت المنظَّماتُ والمؤسساتُ الدوليةُ العديدَ من المواثيق التي تشمل قضايا الإغاثات الدولية والتمييز العنصري وانتهاكات حقوق الإنسان، ومعايير السلام العالميِّ والمشكلات البيئية ونحو ذلك؛ فإن الفتوى يجب أن تُستثمَر استثمارًا فعَّالًا في هذا الصدد، ويجب النظر في تلك القضايا التي هي محلّ اهتمام العالَم المعاصر، وتفعيل دور الفقه بوصفه عِلمًا منظِّمًا للسلوك الإنساني، ومتمايزًا بمصادره ومقاصده عن سائر التشريعات الأخرى التي لا تقف على نفس القاعدة الصُّلبة التي تنطلق منها الشريعة الإسلامية، لذلك فإنه ينبغي صياغة المواثيق والقواعد المنظِّمة لتلك الملفات الحقوقية الهامة من منظور إسلامي، ووَفْق قِيَمِه الحاكمة مُستعينِينَ بالمرونة الكبيرة التي خلفها الخلافُ الفقهيُّ في الموروث التشريعي والقانوني الإسلامي.

 

الفرع الثاني: ارتباط الإفتاء بعلم أصول الفقه.

سبق أن بينَّا أن “علم الإفتاء” هو المباحث النظرية التي تضبط عملية الفتوى؛ أما “الفتوى” فهي الجانب التطبيقي؛ أي: نفس السؤال والجواب، فلا علاقة له بأصول الفقه؛ بل علاقته بالفقه إن كان السؤال فقهيًّا وبالعقيدة إن كان عقديًّا.

أما الجانب النظري الذي هو “الإفتاء” فعلاقته بأصول الفقه علاقة جُزءٍ بكلٍّ؛ إذ يُعرَّف علم أصول الفقه بأنه: “معرفة دلائل الفقه إجمالًا وكيفية الاستفادة منها وحال المستفيد”([101])؛ فعلاقة علم الأصول بمباحث المفتي والمستفتي تتضح في آخر جزءٍ من تعريف الأصول، وهو “حال المستفيد؛ إذ أن حال المستفيد من دلائل الفقه هو المجتهد، والذي يقابل المجتهد هو المقلد؛ فأصبحت بذلك مباحث الاجتهاد والتقليد جزءًا من علم أصول الفقه، وقد جعله الغزالي أحد أقطاب علم الأصول الأربعة فقال: «القطب الرابع: في المستثمر، وهو المجتهد الذي يحكم بظنه، ويقابله المقلد الذي يلزمه اتباعه؛ فيجب ذكر شروط المقلد والمجتهد وصفاتهما»([102]).

وتشتمل مباحث الاجتهاد والتقليد على جزءٍ مخصص للكلام على المفتي والمستفتي؛ فالأول باعتباره مجتهدًا والثاني باعتباره مقلدًا([103])؛ يقول الباقلاني: «وإنما صار القول في صفة المفتي والمستفتي من أصول الفقه لأجل أن فتواه للعامي دليلٌ على وجوب الأخذ به في حالٍ وجوازه في حالٍ؛ فصارت فتواه للعامي بمثابة النصوص والإجماعات وسائر الأدلة للعالِم، ولأنه لا يكون قوله دليلًا للعامي يجب الأخذ به أو يسوغ ذلك له إلا بعد حصوله على صفةِ مَن تجوزُ فتواه؛ وإلا حرُم عليه الأخذ بقوله.

وإنما ذكرنا صفة المستفتي مع المفتي لأجل أن المفتي إنما يفتي عاميًّا له صفة يسوغ له التقليد للعالم، ولو لم يكن كذلك ما جاز له الأخذ بقول غيره؛ فوجب ذكر صفتهما وحالهما.

وإذا ذكرنا صفة المفتي والمستفتي فقد ذكرنا أيضا صفة الحاكم والمحكوم عليه، وإن كان لا يصير حاكمًا لكونه عالمًا بالأحكام وبمن يجوز تقليده، وإنما يصير كذلك بأن يكون إمامًا قد عقد له أهل الحل والعقد، أو متقلدًا للحكم من قبل إمام ومَن يستخلفه الإمام»([104]).

وسيأتي بيان جهة كون كلٍّ من مباحث المفتي ومباحث المستفتي من مسائل علم أصول الفقه في محله من هذا الكتاب.

 

الفرع الثالث: موضوع مسائل “الإفتاء” في علم أصول الفقه.

من المقرر أن موضوع كل علمٍ: “ما يُبحث في ذلك العلم عن عوارض الموضوع الذاتية”([105])؛ فكل علم مكوَّنٌ من مسائل، وكل مسألة من هذه المسائل مكوَّنَة من موضوع ومحمول؛ فموضوع كل فنٍّ من هذه الفنون هو موضوع المسائل، وهو ما يُبحَث فيه؛ ومعنى البحث: الحمل أو التفتيش، وما يبحث فيه؛ أي: في ذلك العلم عن عوارض ذلك الموضوع الذاتية.

فالحاصل أن موضوع مسائل العلم هو نفسه موضوع العلم؛ فكل علم يتكون من مسائل، وهذه المسائل تتكون من موضوع ومحمول؛ فالعلم يبحث عن عوارض موضوعات المسائل لا ذاتيات موضوعاتها، وليس كل عوارض الموضوعات؛ فعوارضها منها ذاتي ومنها الغريب، وهو يبحث عن الذاتي منها فقط([106]).

إذا تقرر ذلك عُلم أن موضوع مسائل الإفتاء هي: “المفتي والمستفتي وعملية الإفتاء ذاتها” من حيث كون الأول دليلًا إجماليًّا للثاني وعملية الإفتاء هي الدلالة ذاتها؛ وبذلك يتبين أن “الإفتاء” كجزء من أصول الفقه لا ينفك موضوعه عن موضوع علم الأصول الذي هو “الأدلة الإجمالية”([107])؛ فمثلًا مسألة “شروط المفتي” موضوعها “المفتي” وهي تبحث عن أحد عوارض هذا الموضوع الذاتية، وهي: “شروطه”، وكذلك “المفتي” هو موضوع مسألة “جواز إرشاد العامي إلى مجتهد يستفتيه” وعرضه الذاتي هو “الإرشاد إليه”، ومسألة “حكاية الفتوى” موضوعها هو “عملية الإفتاء” وعرضها الذاتي هو “حكايتها”، وكذا مسألة “الإفتاء الجماعي” وعرضها الذاتي هو “جماعيتها”، ومسألة “وجوب التزام العامي تقليد معيَّن” موضوعها “المستفتي”، وهو العامي، وعرضه الذاتي هو “التزام تقليد معيَّن”، وكذا مسألة “متى يجب على العامي أن يستفتي؟” وعرضه الذاتي “وقت وجوب استفتائه”.

وفيما يلي نسرد مسائل الإفتاء التي بحثها علماء الأصول في كتبهم كما وقفت عليها([108]):

1- شروط المفتي.

2- مفتي الضرورة.

3- إفتاء العامي.

4- جواز إرشاد العامي إلى مجتهدٍ يستفتيه.

5- إفتاء المحدِّث.

6- إن كان مع المفتي في البلد مَن لا يصلح للفتيا لكنه يفتي.

7- إفتاء المفتي بموجب اعتقاده.

8- عمل المفتي بموجب اعتقاده فيما له وعليه؟

9- حكاية الفتوى.

10- مَن يجوز للمستفتي أن يستفتيه.

11- إذا لم يكن هناك إلا مفتٍ واحد.

12- الاجتهاد في أعيان المفتين.

13- التزام العامي تقليد معين في كل واقعة؟.

14- متى يجب على العامي أن يستفتي؟.

15- مَن عُدم مفتيًا في بلده.

16- إذا استفتى واحدًا فهل تلزمه فتواه؟.

17- تتبع الرخص.

18- الإفتاء بغير المذهب.

20- مَن هو أهلٌ للرخصة.

21- إذا جاءت للمفتي مسألة فعزب عنه الجواب.

22- رد الفتوى.

23- إطلاق الفتيا في اسمٍ مشترك.

 

الفرع الرابع: ما يتعلق بالإفتاء من سائر مباحث الاجتهاد والتقليد.

إن تناوُل الأصوليين لمباحث الإفتاء في كتبهم جاء على طرقٍ ثلاثة:

الأول: تناوله ضمن مباحث الاجتهاد والتقليد دون تحديد بابٍ مخصص له([109]).

الثاني: إفراد بابٍ مخصص للإفتاء ضمن مباحث الاجتهاد والتقليد([110]).

الثالث: وضع بابٍ للإفتاء مستقلًّا عن مباحث الاجتهاد والتقليد([111]).

وإنما عدَّ كثيرٌ من الأصوليين مباحث الإفتاء ضمن مباحث الاجتهاد والتقليد لأن مبحث “الإفتاء” متعلقٌ تعلقًا شديدًا بها من حيث إن المفتي هو المجتهد والمستفتي هو المقلِّد وعملية الإفتاء نفسها يتعلق بها مسائل عدة من عملية الاجتهاد؛ من هنا كانت هناك مسائل تناولها بعض الأصوليين في مباحث الاجتهاد والتقليد وهي متعلقة تعلقًا شديدًا بمباحث الإفتاء من حيث كونها أساسًا لها؛ ومن هذه المسائل([112]):

1- شروط المجتهد. وهو مبحث يتلاقي مع مبحث “شروط المفتي” من حيث إن الأصوليين قد قرروا أن المفتي هو المجتهد وأن من شروطه الاجتهاد كما سيأتي تناوله بالتفصيل في محله من هذا المجلد.

2- تقليد الميت. وهو مبحث يُعدُّ أساسًا لمسألة “الإفتاء بقول الميت” وهي مسألة تتعلق بتبني المؤسسات الإفتائية أو العلماء لأقوال أئمة المذاهب وعلمائها والإفتاء بها.

3- تقليد المجتهد للمجتهد. وهو مبحث يُعدُّ أيضًا أساسًا لمسألة إفتاء العلماء بما تختاره المؤسسات الإفتائية من أقوال وكذلك إفتاء المؤسسات الإفتائية بأقوال بعضها البعض حين الحاجة.

4- خلو العصر من مجتهد. ويُعدُّ أساسًا لمسألة عدم استطاعة المستفتي الوصول إلى مفتٍ لعدم وجود مؤهَّلٍ في القطر الذي يقطنه وعدم إمكان المستفتي التواصل مع غيره من المفتين.

5- تجزؤ الاجتهاد. وتُعدُّ أساسًا لمسألة تخصيص المؤسسات الإفتائية بعض المفتين لأبواب معينة من الفتوى وكذلك لمسألة إفتاء بعض العلماء في أبوابٍ بعينها دون غيرها وكذا اجتهاد المؤسسة الإفتائية في نوازل بعينها مع إفتائها بقول أئمة المذاهب في سائر المسائل.

6- التقليد في العقائد. وينطلق منها الكلام في الإفتاء في المسائل العقدية.

7- تقليد المجتهدين في مسائل الفروع غير الاجتهادية. ومنها الكلام في الإفتاء في هذه المسائل.

8- تكرير النظر عند تكرر الواقعة. وتُعد أساسًا للكلام في الإفتاء عبر وسائل الاتصال آلية الإجابة وتسجيل الإجابات لاستخدامها في الأسئلة المتشابهة ونحو ذلك من وسائل الإفتاء المعاصرة.

وستُضمَّن هذه المسائل في مطالب هذا المجلد أو في تضاعيف مسائله.

 

([1]) مقاييس اللغة لابن فارس (4/ 473)، مادة (فتى).

([2]) ينظر: أساس البلاغة للزمخشري (2/ 7)، والمحكم لابن سيده (9/ 522)، وتهذيب اللغة للأزهري (14/ 233)، ولسان العرب لابن منظور (15/ 145)، مادة (فتى).

([3]) سورة الكهف، الآية رقم (60).

([4]) ينظر: لسان العرب لابن منظور (15/ 147).

([5]) ينظر: المحكم لابن سيده (9/ 524)، ولسان العرب لابن منظور (15/ 147).

([6]) ينظر: تهذيب اللغة للأزهري (14/ 234)، وتاج العروس للزبيدي (39/ 211).

([7]) سورة يوسف، الآية رقم (43).

([8]) انظر: تهذيب اللغة للأزهري (14/ 234).

([9]) انظر: لسان العرب لابن منظور (15/ 147). وانظر: تهذيب اللغة للأزهري (14/ 234).

([10]) سورة الصافات، الآية رقم (11).

([11]) لسان العرب لابن منظور (15/ 148).

([12]) سورة النساء، الآية رقم (176).

([13]) انظر: تهذيب اللغة للأزهري (14/ 235).

([14]) سورة النساء، الآية رقم (127).

([15]) سورة يوسف، الآية رقم (41).

([16]) سورة يوسف، الآية رقم (46).

([17]) سورة الكهف، الآية رقم (22).

([18]) سورة الصافات، الآية رقم (149).

([19]) انظر: الفتوى والحداثة.. تطور علاقة الدولة بالشريعة في مصر القرن التاسع عشر، فاطمة حافظ، مركز نماء للبحوث والدراسات، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 2019م، (ص 18).

([20]) أخرجه الدارمي في المقدمة، باب: الفتيا وما فيه من الشدة، حديث رقم (159)، (1/ 258)، قال ابن حجر: «مرسل». ينظر: إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق: مركز خدمة السنة والسيرة، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف ومركز خدمة السنة النبوية بالمدينة، الطبعة الأولى، 1415هـ، 1994م، (19/ 219).

([21]) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب: السحر، حديث رقم (5763)، (7/ 136)، ومسلم في كتاب السلام، باب: السحر، حديث رقم (2189)، (4/ 1719).

([22]) أخرجه الإمام أحمد في مسنده، حديث رقم (18001)، (29/ 527)، والدارمي في كتاب البيوع، باب: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، حديث رقم (2575)، (3/ 1649)، والطبراني في المعجم الكبير (22/ 148)، قال الهيثمي: «رجال أحد إسنادي الطبراني ثقات». انظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، أبو الحسن نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، تحقيق: حسام الدين القدسي، مكتبة القدسي، القاهرة، 1414هـ، 1994م، (10/ 294).

([23]) أخرجه أبو داود في كتاب العلم، باب: التوقي في الفتيا، حديث رقم (3657)، (3/ 321)، وابن ماجه في كتاب الإيمان وفضائل الصحابة والعلم، باب: اجتناب الرأي والقياس، حديث رقم (53)، (1/ 20)، صححه الحاكم، انظر: المستدرك على الصحيحين، أبو عبدالله الحاكم محمد بن عبدالله بن حمدويه، تحقيق: مصطفى عبدالقادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1411هـ، 1990م، (1/ 215).

([24]) انظر: التوقيف على مهمات التعاريف، عبدالرءوف بن علي بن زين العابدين المناوي، عالم الكتب، القاهرة، الطبعة الأولى، 1410هـ، 1990م، (ص 256).

([25]) مجموع الفتاوى، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبدالحليم بن تيمية، تحقيق: عبدالرحمن بن محمد بن قاسم، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية، 1416هـ، 1995م، (20/ 76).

([26]) الفروق أو: أنوار البروق في أنواء الفروق، أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، عالم الكتب، ب.ط، ب.ت، (4/ 53).

([27]) مادة رقم (2) من قانون الإفتاء الأردني لسنة 2006.

([28]) قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم (153) (2/ 17) بشأن الإفتاء.. شروطه وآدابه.

([29]) انظر: صفة الفتوى لابن حمدان (ص 4).

([30]) مسائل أبي الوليد بن رشد، محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، تحقيق: محمد الحبيب التجكاني، دار الجيل، بيروت، دار الآفاق الجديدة، المغرب، الطبعة الثانية، 1414هـ، 1993م، (2/ 1321).

([31]) مادة رقم (1) من قرار بقانون رقم (7) لسنة 2012م بشأن دار الإفتاء الفلسطينية.

([32]) انظر: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان المرداوي الحنبلي، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثانية، ب.ت، (11/ 186)، ومنار أصول الفتوى للقاني (ص 231).

([33]) الباب الأول من ميثاق الفتوى الصادر عن رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، 1430هـ.

([34]) العامِّيُّ؛ جمعه: عامَّةٌ وعوامُّ؛ وهو لغةً من “عمَّ” الشيءُ يَعُمُّ عمومًا: شمل الجماعةَ، والعامَّة: خلاف الخاصَّة، والعامِّيُّ اصطلاحًا: مَن لا يعرف الأدلَّة، ولا طرق الأحكام؛ قال السيوطي: «العاميُّ: من رَضِي من المعارف بالتقليدات». انظر: الصحاح للجوهري (5/ 1993)، ولسان العرب لابن منظور (12/ 426)، مادة (عمم)، والفقيه والمتفقه، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي، تحقيق: أبو عبدالرحمن عادل بن يوسف الغرازي، دار ابن الجوزي، السعودية، الطبعة الثانية، 1421هـ، (2/ 133)، والواضح لابن عقيل (5/ 459)، ومعجم مقاليد العلوم في الحدود والرسوم، عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي، تحقيق: محمد إبراهيم عبادة، مكتبة الآداب، القاهرة، الطبعة الأولى، 1424هـ، 2004م، (ص 199)، والمُطلِع على ألفاظ المقنع، محمد بن أبي الفتح البعلي، تحقيق: محمود الأرناؤوط وياسين محمود الخطيب، مكتبة السوادي للتوزيع، الطبعة الأولى، 1423هـ، 2003م، (ص 413).

([35]) انظر: إعلام الموقعين عن رب العالمين، محمد بن أبي بكر بن أيوب المعروف بابن قيم الجوزية، تحقيق: محمد عبدالسلام إبراهيم، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1411هـ، 1991م، (4/ 123).

([36]) أخرجه الأربعة؛ أبو داود في كتاب البيوع، باب: في التمر بالتمر، حديث رقم (3359)، (3/ 251)، والترمذي في أبواب البيوع، باب: ما جاء في النهي عن المحاقلة والمزابنة، حديث رقم (1225)، (3/ 520)، والنسائي في كتاب البيوع، باب: اشتراء التمر بالرطب، حديث رقم (4545)، (7/ 268)، وابن ماجه في كتاب التجارات، باب: بيع الرطب بالتمر، حديث رقم (2264)، (2/ 761)، صححه الترمذي وابن حبان، وقال ابن الملقن: «هذا الحديث صحيح». ينظر: صحيح ابن حبان، أبو حاتم محمد بن حبان الدارمي البستي، ترتيب: الأمير علاء الدين علي بن بلبان، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 1408هـ، 1988م، (11/ 378)، وتذكرة المحتاج إلى أحاديث المنهاج، سراج الدين عمر بن علي بن الملقن، تحقيق: حمدي عبدالمجيد السلفي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1994م، (ص 77).

([37]) إعلام الموقعين لابن قيم الجوزية (4/ 123).

([38]) أخرجه بلفظ الشاهد عن ابن عباس الطبرانيُّ في المعجم الكبير (11/ 337)، والمقدسي في الأحاديث المختارة، وقال ابن الملقن عن هذه الرواية: «فيها رجل فيه مقال»، انظر: المستخرج من الأحاديث المختارة مما لم يخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما، ضياء الدين أبو عبدالله محمد بن عبدالواحد المقدسي، تحقيق: عبدالملك بن عبدالله بن دهيش، دار خضر للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة، 1420هـ، 2000م، (12/ 118)، والبدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير، سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن الملقن، تحقيق: مصطفى أبو الغيط وعبدالله بن سليمان وياسر بن كمال، دار الهجرة للنشر والتوزيع، الرياض، السعودية، الطبعة الأولى، 1425هـ، 2004م، (7/ 601)، وخلاصة البدر المنير، سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن الملقن، مكتبة الرشد، الطبعة الأولى، 1410هـ، 1989م، (2/ 193).

([39]) إعلام الموقعين لابن قيم الجوزية (4/ 124).

([40]) المصدر السابق.

([41]) ينظر: الفتوى والمفتي.. تحرير وتنوير، طه الدسوقي حبيشي، ب.ن، ب.ط، ب.ت، (ص 13).

([42]) انظر: قواطع الأدلة في الأصول، أبو المظفر منصور بن محمد بن عبدالجبار السمعاني، تحقيق: محمد حسن محمد حسن إسماعيل الشافعي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1418هـ، 1999م، (2/ 357).

([43]) انظر: البحر المحيط للزركشي (8/ 364).

([44]) والمراد بالنظر في الدليل: أن يجتهدَ الناظرُ في الوصول إلى الأحكام الشرعية بالاستنباط من المعقول والمنقول؛ سواء القرآن والأحاديث واختلاف الصحابة وغير ذلك، وقد اتَّفقَ الأصوليون على أن العامِّيَّ لا يجوز له التقليدُ في الأصول؛ وهي الأحكام العَقَدية؛ كمعرفة ما يجوز على الله تعالى وما لا يجوز وما يجب له وما يستحيل عليه وما يجب نفيُه عن؛ فيجب على العامي أن ينظر في الدليل فيها إلا ما حُكي عن عبيدالله بن الحسن العنبري وغيره أنه يجوز له التقليد فيها، أما الفروع، وهي الأحكام الشرعية الفرعية؛ فقد اتفقوا على أن العامي غير ملزَم بالنظر في دليلها. انظر: التبصرة في أصول الفقه، أبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي، تحقيق: محمد حسن هيتو، دار الفكر، دمشق، الطبعة الأولى، 1403هـ، (ص 401)، والفقيه والمتفقه للبغدادي (2/ 128)، والواضح لابن عقيل (5/ 237، 459، 499)، والإحكام في أصول الأحكام، أبو الحسن سيد الدين علي بن أبي علي بن محمد الآمدي، تحقيق: عبدالرزاق عفيفي، المكتب الإسلامي، بيروت، دمشق، لبنان، ب.ط، ب.ت، (4/ 228)، وروضة الناظر وجنة المناظر في أصول الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، موفق الدين عبدالله بن أحمد بن قدامة المقدسي، مؤسسة الريان للطباعة والنشر، الطبعة الثانية، 1423هـ، 2002م، (2/ 381، 383)، وحاشية العطار على شرح جمع الجوامع (2/ 432).

([45]) الإحكام للآمدي (4/ 228).

([46]) أي: في مقابلة ما ذهب إليه بعض القدرية من أن العامَّة يلزمهم النظر في الدليل في الفروع كما يلزمهم في الأصول. ينظر: روضة الناظر لابن قدامة (2/ 383).

([47]) ينظر: التبصرة للشيرازي (ص 414)، والمحصول، أبو عبدالله محمد بن عمر الرازي، تحقيق: طه جابر فياض العلواني، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة، 1418هـ، 1997م، (6/ 74)، والإحكام للآمدي (4/ 229)، والواضح لابن عقيل (5/ 459)، وأصول ابن مفلح، أبو عبدالله محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج المقدسي الحنبلي، تحقيق: فهد بن محمد السدحان، مكتبة العبيكان، الطبعة الأولى، 1420هـ، 1999م، (4/ 1540)، وروضة الناظر لابن قدامة (2/ 383).

([48]) ينظر: المحصول للرازي (6/ 80).

([49]) روضة الناظر لابن قدامة (2/ 383).

([50]) انظر: الفتوى والمفتي.. تحرير وتنوير لطه الدسوقي حبيشي (ص 12)، والمعلمة المصرية للعلوم الإفتائية – المستقبليات الإفتائية، إدارة الأبحاث والدراسات الإفتائية، الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، الطبعة الأولى، 1442هـ، 2021م، (9/ 106) وما بعدها، والإفتاء بين سياج المذهب وإكراهات التاريخ.. دراسة في فتاوى ابن رشد الجد، زهية جويرو، دار الطليعة، بيروت، الطبعة الأولى، 2014م، (ص 40).

([51]) مشروع الميثاق العالمي للفتوى الصادر عن الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم (ص 9).

([52]) انظر على سبيل المثال: الإبهاج للسبكي (3/ 268)، ونهاية السول للإسنوي (ص 405)، والبحر المحيط للزركشي (8/ 80)، وآداب الفتوى للنووي (ص 13)، وإعلام الموقعين لابن القيم (4/ 178).

([53]) انظر: الإفتاء بين سياج المذهب وإكراهات التاريخ لزهية جويرو (ص 39).

([54]) فاستخدام لفظ “الفتاوى” للدلالة على هذا المفهوم عامٌّ في سائر المذاهب؛ مثاله: النتف في الفتاوى للسغدي وفتاوى ابن رشد وفتاوى السبكي ومجموع الفتاوى لابن تيمية، ولفظ “المسائل” و”الأجوبة” شاع عند المالكية؛ مثاله: أجوبة محمد بن سحنون، ومسائل ابن رشد، وأجوبة التسولي، ولفظ “النوازل” شاع عند المالكية أيضًا؛ مثاله: النوازل الفقهية للزرهوني، ونوازل الوزَّاني، ولفظ “الواقعات” اختص به الحنفية، ومثاله: الواقعات لابن مازه، وواقعات لمفتين لقدري أفندي.

([55]) سورة الكهف، الآية رقم (22).

([56]) ينظر: مشروع الميثاق العالمي للفتوى (ص 12).

([57]) سورة النساء، الآية رقم (127).

([58]) سورة النساء، الآية رقم (176).

([59]) سورة الأنفال، الآية رقم (1).

([60]) ينظر: مكانة الإفتاء في الدعوة إلى الله، خالد بن عبدالرحمن القريشي، دار الحضارة للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى، 1437هـ، 2016م، (ص 20).

([61]) إعلام الموقعين لابن القيم (1/ 9).

([62]) المجموع شرح المهذب للنووي (1/ 40).

([63]) ينظر: دار الإفتاء المصرية.. تاريخها ودورها الديني والمجتمعي، شوقي علام، الهيئة المصرية العامة للكتاب، الطبعة الأولى، 2020م، (ص 27)، ومسئولية الفتوى وعلاقتها بالوسطية والتطرف في واقع الحياة المعاصرة، محمود إسماعيل محمد مشعل، المقطم للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1430هـ، 2009م، (ص 19)، وفتاوى الفضائيات وتأثيرها على سلوك الجمهور، زينب محمد حامد، العربي للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 2018م، (ص 100)، وضوابط الاجتهاد والفتوى لأحمد طه ريان (ص 66).

([64]) سورة النحل، الآية رقم (44).

([65]) أخرجه أبو داود في كتاب العلم، باب: الحث على طلب العلم، حديث رقم (3641)، (3/ 317)، والترمذي في أبواب العلم، باب: ما جاء في فضل الفقه على العبادة، حديث رقم (2682)، (5/ 48)، وابن ماجه في كتاب الإيمان وفضائل الصحابة والعلم، باب: فضل العلماء والحث على طلب العلم، حديث رقم (223)، (1/ 81)، صححه ابن حبان (1/ 289).

([66]) فتاوى ابن الصلاح، أبو عمرو عثمان بن عبدالرحمن المعروف، تحقيق: موفق عبدالله عبدالقادر، مكتبة العلوم والحكم، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الأولى، 1407هـ، (ص 7).

([67]) الفتاوى المهدية، الشيخ محمد العباسي المهدي الحنفي، المطبعة الأزهرية، الطبعة الأولى، 1301هـ، (1/ 2).

([68]) ينظر: دار الإفتاء المصرية.. تاريخها ودورها الديني والمجتمعي لشوقي علام (ص 28)، ومسئولية الفتوى وعلاقتها بالوسطية والتطرف في واقع الحياة المعاصرة، محمود إسماعيل محمد مشعل، المقطم للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1430هـ، 2009م، (ص 19)، وضوابط الاجتهاد والفتوى لأحمد طه ريان (ص 66).

([69]) ينظر: الفتوى.. ضوابطها وتطبيقاتها المعاصرة في الفقه الإسلامي، حمدي الشيخ، المكتب الجامعي الحديث، الطبعة الأولى، 2015م، (ص 16).

([70]) سورة النساء، الآية رقم (59).

([71]) إعلام الموقعين لابن القيم (1/ 8).

([72]) ينظر: فوضى الإفتاء لأسامة عمر الأشقر (ص 15)، والفتوى والإفتاء في الفقه الإسلامي لبشير عبدالله (ص 36).

([73]) سورة الحجرات، الآية رقم (13).

([74]) أخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم (19293)، (32/ 48)، وأبو داود في تفريع أبواب الوتر، باب: ما يقول الرجل إذا أسلم، حديث رقم (1508)، (2/ 83)، قال صاحب أنيس الساري: «إسناده ضعيف». ينظر: أنيس الساري في تخريج وتحقيق الأحاديث التي ذكرها الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري، نبيل بن منصور بن يعقوب الكويتي، مؤسسة السماحة ومؤسسة الريان، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1426هـ، 2005م، (2/ 894).

([75]) ينظر: مكانة الإفتاء في الدعوة إلى الله للقريشي (ص 39)، وفتاوى الفضائيات وتأثيرها على سلوك الجمهور لزينب محمد حامد (ص 104) وما بعدها.

([76]) ينظر: فتاوى الفضائيات وتأثيرها على سلوك الجمهور لزينب محمد حامد (ص 119).

([77]) ينظر: مكانة الإفتاء في الدعوة إلى الله للقريشي (ص 40).

([78]) ينظر: فتاوى الفضائيات وتأثيرها على سلوك الجمهور لزينب محمد حامد (ص 118).

([79]) سورة قريش، الآيتان رقم (3-4).

([80]) سورة المائدة، الآية رقم (33).

([81]) ينظر: التجريد في الخلاف بين الحنفية والشافعية، للقُدُوري، تحقيق: محمد أحمد سراج وعلي جمعة محمد، مكتبة دار السلام، القاهرة، الطبعة الأولى، 1425هـ، 2004م، (12/ 6268)، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نُجيم، دار الكتاب الإسلامي (5/ 87).

([82]) ينظر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نُجيم (5/ 87).

([83]) ينظر: الذخيرة، القرافي، تحقيق: محمد حجي وآخرون، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1994م، (3/ 449)، والمهذب في فقه الإمام الشافعي، الشيرازي، دار الكتب العلمية، (3/ 322)، ودقائق أولي النهى لشرح المنتهى، البهوتي، عالم الكتب، الطبعة الأولى، 1414هـ، 1993م، (1/ 655).

([84]) ينظر: التاج والإكليل، المواق، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1416هـ، 1994م، (4/ 604)، وحاشية بلغة السالك لأقرب المسالك على مذهب الإمام مالك، الصاوي، دار المعارف، القاهرة، د.ط، د.ت، (2/ 317).

([85]) ينظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، الإمام محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي، دار الفكر (2/206).

([86]) بلغة السالك لأقرب المسالك على مذهب الإمام مالك، الصاوي (2/ 317).

([87]) ينظر: الأم، الإمام الشافعي، دار المعرفة، بيروت، د.ط، 1410هـ، 1990م، (4/201)، وروضة الطالبين وعمدة المفتين، النووي، تحقيق: زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، دمشق، الطبعة الثالثة، 1412هـ، 1991م، (10/335، 336).

([88]) إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين، أبو بكر الدمياطي، دار الفكر، الطبعة الأولى، 1418هـ، 1997م، (4/ 236).

([89]) ينظر: الوسيط في المذهب، أبو حامد الغزالي، تحقيق: أحمد محمود إبراهيم، محمد محمد تامر، دار السلام، القاهرة، الطبعة الأولى، 1417هـ، (7/89).

([90]) ينظر: المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، مجد الدين ابن تيمية، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الثانية، 1404هـ، 1984م، (2/ 182)، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف،

المرداوي، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثانية، (4/ 212).

([91]) ينظر: المغني، ابن قدامة، مكتبة القاهرة، ب.ط، 1388هـ، 1968م، (9/297).

([92]) ينظر: العلاقات الدولية في الإسلام، محمد أبو زهرة، (ص 81).

([93]) ينظر: نهاية المطلب في دراية المذهب، الجويني، تحقيق: عبدالعظيم محمود الديب، دار المنهاج، الطبعة الأولى، 1428هـ، 2007م، (6/ 63)، والمغني، ابن قدامة (4/ 164).

([94]) ينظر: نهاية المطلب في دراية المذهب، الجويني، (6/ 63).

([95]) ينظر: المغني، ابن قدامة (4/ 164).

([96]) ينظر: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر، شيخي زاده، دار إحياء التراث العربي، ب.ط، ب.ت، (2/ 548)، والاختيار لتعليل المختار، ابن مودود الموصلي، الحلبي، 1356هـ، 1937م، (4/ 161)، والمنتقى شرح الموطأ، أبو الوليد الباجي، مطبعة السعادة، الطبعة الأولى، 1332هـ، (5/ 17)، والكافي في فقه أهل المدينة، ابن عبدالبر، تحقيق: محمد محمد أحيد ولد ماديك الموريتاني، مكتبة الرياض الحديثة، المملكة العربية السعودية، الطبعة الثانية، 1400هـ، 1980م، (2/ 730)، والتفريع في فقه الإمام مالك، ابن الجلاب، تحقيق: سيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1428هـ، 2007م، (2/ 111). وعند الشافعية قول مقابل الصحيح بجواز التسعير وقت الغلاء دون الرخص. ينظر: روضة الطالبين وعمدة المفتين، النووي، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود، وعلي محمد معوض، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1412هـ، 1992م، (3/ 413)، وكفاية النبيه في شرح التنبيه، ابن الرفعة، تحقيق: مجدي محمد سرور باسلوم، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1430هـ، 2009م، (9/ 283).

([97]) الفتاوى الهندية، لجنة علماء برئاسة نظام الدين البلخي، دار الفكر، الطبعة الثانية، 1310هـ، (3/214).

([98]) ينظر: الأشباه والنظائر، ابن نجيم، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1419 ه، 1999م، (ص74، 75).

([99]) ينظر: البيان والتحصيل، أبو الوليد بن رشد، تحقيق: الدكتور محمد حجي وآخرون، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، 1408ه، 1988م، (9/313).

.

([100]) ينظر: فصل المقال، ابن رشد، دار المعارف، (ص 26).

([101]) ينظر: المنهاج للبيضاوي بشرحه الإبهاج للسبكي (1/ 19)، والتحبير شرح التحرير للمرداوي (1/ 180).

([102]) المستصفى (ص 7).

([103]) ينظر: النوازل المتعلقة بالمفتي والمستفتي لطارق بادريق (ص 66).

([104]) التقريب والإرشاد للباقلاني (1/ 314). وينظر: الواضح لابن عقيل (1/ 266)، والتوضيح للمحبوبي بشرحه التلويح للتفتازاني (1/ 36).

([105]) ينظر: التحبير شرح التحرير للمرداوي (1/ 139)، وشرح التلويح على التوضيح للسعد التفتازاني (1/ 37).

([106]) ولبيان معنى “عوارض الموضوع الذاتية” نقول: إن القضية تتكون من موضوع ومحمول؛ كـ”إنسان ناطق”؛ فإنسان هو الموضوع وناطق هو المحمول.

والعوارض تنقسم لنوعين إجمالًا؛ فهي إما أن تكون عوارض ذاتية أو عوارض غريبة.

والعوارض الذاتية ثلاثة أنواع:

النوع الأول: ما يلحق الشيء بصفة ذاته؛ مثل قولك: “الإنسان متعجب”، فـ”الإنسان” موضوع، و”متعجب” محمول، والتعجب وصف عَرَضي للإنسان، وهو عَرَض ذاتي؛ لأنه يلحق الإنسان لذاته؛ ذلك أن ذات الإنسان عبارة عن “حيوان ناطق”، والتعجب فرع الناطقية، فلا يتعجب المخلوق إلا إذا كان مُفكِّرًا.

النوع الثاني: ما يلحق الشيء بواسطة خارجٍ مساوٍ؛ أي: محمول يلحق الشيء بواسطة خارج مساوٍ للموضوع؛ مثاله: “الإنسان ضاحك”، فـ”الإنسان” موضوع، و”ضاحك” محمول، والضحك عارض. وهو يلحق الإنسان بواسطة التعجب، والتعجب -كما سبق- يلحق الإنسان بواسطة أنه حيوان ناطق، فالتعجب خارج مساوٍ للإنسان في ماصدق، والضحك يلحق الإنسان بواسطة أنه متعجب.

النوع الثالث: ما يلحق الموضوع بواسطة جزء الموضوع الأعم، مثاله أن تقول: “الإنسان متحركٌ بالإرادة”، فالتحرك بالإرادة أمر خارجٌ عن حقيقة الإنسان يلحقه بواسطة كونه حيوانًا؛ ومثله “الإنسان ماشٍ” فـ”ماشٍ” يلحق الإنسان بواسطة جزئه الأعم الذي هو الحيوان.

فهذه الأنواع الثلاثة هي العوارض الذاتية.

ينظر: معيار العلم في فن المنطق، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي، تحقيق: سليمان دنيا، دار المعارف، مصر، 1961م، (ص 98)، وشرح التلويح على التوضيح للسعد التفتازاني (1/ 37)، والتحبير شرح التحرير للمرداوي (1/ 140).

([107]) ينظر: التحبير شرح التحرير للمرداوي (1/ 143)، وغاية الوصول للشيخ زكريا الأنصاري (1/ 5).

([108]) ينظر: المعتمد لأبي الحسين البصري (2/ 357) وما بعدها، والإشارة للباجي (ص 14) وما بعدها، والتلخيص للجويني (3/ 457) وما بعدها، وقواطع الأدلة لابن السمعاني (2/ 353) وما بعدها، والمنخول للغزالي (ص 571) وما بعدها، والواضح لابن عقيل (1/ 266) وما بعدها، والمحصول للرازي (6/ 69) وما بعدها، والإحكام للآمدي (4/ 221) وما بعدها، والمنهاج للبيضاوي بشرحه الإبهاج للسبكي (3/ 268) وما بعدها، ونهاية الوصول للصفي الهندي (8/ 3882) وما بعدها، والبحر المحيط للزركشي (8/ 358) وما بعدها، وفصول البدائع للفناري (2/ 494)، وشرح الكوكب المنير لابن النجار (4/ 529)، وإرشاد الفحول للشوكاني (2/ 239).

([109]) ينظر: الإشارة للباجي (ص 14)، والتلخيص للجويني (3/ 457)، والتحبير شرح التحرير للمرداوي (8/ 3863)، وشرح الكوكب المنير لابن النجار (4/ 529)، وإرشاد الفحول للشوكاني (2/ 239).

([110]) ينظر: قواطع الأدلة لابن السمعاني (2/ 353)، وفصول البدائع للفناري (2/ 494).

([111]) ينظر: المعتمد لأبي الحسين البصري (2/ 357)، والمنخول للغزالي (ص 571)، والواضح لابن عقيل (1/ 266)، وبذل النظر للأسمندي (ص 692)، والمحصول للرازي (6/ 69)، والإحكام للآمدي (4/ 221)، والمنهاج للبيضاوي بشرحه الإبهاج للسبكي (3/ 268)، ونهاية الوصول للصفي الهندي (8/ 3882).

([112]) ينظر: البحر المحيط للزركشي (8/ 358).

اترك تعليقاً