البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

قواعد المذهب الحنفي المتعلقة بأمور المعاملات

87 views

كلامنا في هذا المبحث لا يتعلَّق بالأصول العامَّة التي اعتمد عليها الإمام أبو حنيفة رحمه الله، من أنه كان يأخذ بكتاب الله، وما صحَّ من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وإجماع الصحابة.. إلخ، بل بتلك القواعد والأصول المتعلقة بالمعاملات المالية المبثوثة في كتب الفقه والأصول الخاصة بالمذهب الحنفي، والتي من أهمها:

– الأصل في العقود الإباحة:

قال الكمال بن الهمام رحمه الله: “والأصل في البيع مطلقًا الإباحة”([1]). وكذا قال ابن نجيم المصري([2]).

وقال أمير بادشاه الحنفي: “والأصل في البياعات الإباحة… الأصل في البيع الحل”([3]).

– الأصل في العقود التراضي:

قال الكمال بن الهمام: “ومبنى البيع على التراضي لا الجبر”([4])، وكذا قال الزيلعي([5]).

وقال المرغيناني: “لوجود حد البيع وهو مبادلة المال بالمال بالتراضي”([6]).

– العقود تنعقد بكل ما دلَّ على مقصودها من قول أو فعل:

قال الكاساني الحنفي: “(وأما) ركن البيع: فهو مبادلة شيء مرغوب بشيء مرغوب، وذلك قد يكون بالقول، وقد يكون بالفعل…. والعبرة للمعنى لا للصورة”([7]).

وقال الكمال بن الهمام: “وأما ركنه فالفعل المتعلق بالبدلين من المتخاطبين أو من يقوم مقامهما الدال على الرضا بتبادل الملك فيهما، وهذا مفهوم الاسم شرعًا، وقد يكون ذلك لفظ الفعل قولًا، وقد يكون فعلًا غير قول كما في التعاطي”([8]).

وقال ابن عابدين: “فركنه الفعل الدال على الرضا بتبادل الملكين من قول أو فعل”([9]).

– الأصل في العقود الشرعية الصحة واللزوم:

فقد نقل السرخسي عن الإمام أبي حنيفة رحمهما الله قوله: “الأصل في العقود الشرعية الصحة واللزوم”([10]). وكذا قال الكاساني([11]).

وقال السرخسي: “تصحيح العقود بحسب الإمكان واجب”([12]).

– يجوز بيع كل ما فيه منفعة مباحة شرعًا:

قال الكاساني: “وأما جلد السبع والحمار والبغل فإن كان مدبوغًا أو مذبوحًا يجوز بيعه؛ لأنه مباح الانتفاع به شرعًا فكان مالًا”([13]). وقال أيضًا: “ويجوز بيع كل ذي مخلب من الطير، معلمًا كان أو غير معلم بلا خلاف، وأما بيع كل ذي ناب من السباع سوى الخنزير كالكلب، والفهد، والأسد والنمر، والذئب، والهر، ونحوها، فجائز عند أصحابنا… لأن البيع إذا صادف محلًّا منتفعًا به حقيقة مباح الانتفاع به على الإطلاق مسَّت الحاجة إلى شرعه”([14]).

وقال الكمال بن الهمام: “ويجوز بيع الهرة لأنها تصطاد الفأر والهوام المؤذية فهي منتفع بها… وذكر أبو الليث أنه يجوز بيع الحيات إذا كان ينتفع بها في الأدوية، وإن لم ينتفع فلا يجوز، ويجوز بيع الدهن النجس لأنه ينتفع به للاستصباح”([15]).

– العقد الفاسد يفيد الملك بالقبض بخلاف الباطل:

قال السرخسي: “والبيع الفاسد ينعقد موجبًا للملك إذا اتصل به القبض عندنا، وفي الحقيقة هذه المسألة تنبني على مسألة من أصول الفقه، وهو أن النهي عن العقود الشرعية لا يخرجها من أن تكون مشروعة عندنا… وهنا بالبيع الفاسد إنما يثبت ملك حرام، ولهذا لو كانت جارية لا يحل له وطؤها، وليس من ضرورة ثبوت الحرمة انتفاء ملك اليمين؛ كالعصير يتخمر يبقى مملوكًا وإن كان حرامًا، وكشراء الرجل أخته من الرضاع فيملكها وإن كانت حرامًا عليه، فأثبتنا الملك لهذا، ولكن العقد بصفة الفساد يضعف، فيتأخر الحكم إلى انضمام ما يقوم إليه وهو القبض”([16]).

وقال الزيلعي: “البيع على أربعة أقسام: صحيح وهو المشروع بأصله ووصفه ويفيد الحكم بنفسه إذا خلا عن الموانع، وباطل وهو غير مشروع أصلًا، وفاسد وهو مشروع بأصله دون وصفه وهو يفيد الحكم إذا اتصل به القبض”([17]).

– الأصل أن لا ينفرد أحد المتعاقدين بفسخ العقد:

قال السرخسي: “العقد لا يفسخه أحدهما إلا بمحضر من صاحبه”([18]).

وقال الكاساني: “(وأما) شرط صحة الفسخ فهو أن يكون الفسخ بمحضر من صاحبه”([19]).

وقال ابن عابدين: “الفسخ إنما يكون بمحضر من صاحبه وإلا لا يصح”([20]).

– إذا بطل العقد في البعض بطل في الكل:

قال السرخسي: “وبيع نصف الحلية لا يجوز، وكذلك بيع السيف مع نصف الحلية لا يجوز؛ لأن فيه ضررًا في التسليم، فإذا بطل العقد في البعض بطل في الكل”([21]).

– الاستحقاق لا يمنع تمام الصفقة:

قال السرخسي: “إذا اشترى ثوبين أو عبدين بثمن واحد وقبضهما ثم استحق أحدهما فالآخر له لازم؛ لأنَّ الاستحقاقَ لا يمنع تمام الصفقة بالقبض، فإن العقد حق العاقد فتمامه يستدعي تمام الرضا من العاقد به وبالاستحقاق ينعدم رضا المالك لا رضا العاقد”([22]).

وقال المرغيناني: “والاستحقاق لا يمنع تمام الصفقة”([23]). وكذا قال الزيلعي([24])، وابن نجيم([25]).

– الأصل اعتبار تصرف العاقل ما أمكن:

قال الكاساني: “اعتبار تصرُّف العاقل واجب ما أمكن”([26]).

– يراعى من الشروط ما كان مفيدًا:

قال الكاساني: “والأصل المحفوظ في هذا الباب ما ذكرنا أن كل شرط يمكن مراعاته ويفيد فهو معتبر، وكل شرط لا يمكن مراعاته ولا يفيد فهو هدر”([27]).

وقال السرخسي: “وإنما يراعى من الشروط ما يكون مفيدًا”([28]). وكذا قال ابن مازه البخاري([29]).

– الأصل الثمن يقابل الأصل لا الصفة:

قال الكاساني: “الثمن يقابل الأصل لا الصفة”([30]).

وقال صاحب الدر المختار: “والأصل أن الثمن يقابل الأصل لا الوصف”([31]).

– حاجة الناس أصل في شرع العقود:

قال السرخسي: “حاجة الناس أصل في شرع العقود، فيشرع على وجه ترتفع به الحاجة ويكون موافقًا لأصول الشرع”([32]).

وقال ابن الشحنة: “وحاجة الناس أصل في شرع العقود فشرعت لترتفع الحاجة”([33]).

– الحرمة الثابتة شرعًا لا تسقط برضا العبد:

قال الكاساني: “وحرمة الربا تثبت حقًّا للشرع، ولهذا لو تراضيا على الرد لا يُقضى بالرد؛ لأن الحرمة الثابتة حقًّا للشرع لا تسقط برضا العبد”([34]).

– الرضا بالعيب يمنع الرد والأرش:

قال الكاساني: “الرضا بالعيب يمنع الرجوع بالنقصان كما يمنع الرد”([35]).

وقال الكمال بن الهمام: “كل تصرُّف من المشتري يدلُّ على الرضا بالعيب بعد العلم به يمنع الرد والأرش”([36]).

وقال ابن عابدين: “في البزازية: كل تصرُّف يدلُّ على الرضا بالعيب بعد العلم به يمنع الرد والرجوع بالنقص”([37]).

– الأصل في المعاملات العمل بالظاهر:

قال المرغيناني: “والعمل بالظاهر هو الأصل في المعاملات كي لا يضيق الأمر على الناس”([38]).

وقال الكمال بن الهمام: “والعمل بالظاهر هو الأصل في المعاملات دفعًا للشرر عن الناس”([39]).

– المطلق يجري على إطلاقه في العرف والعادة:

وقال السرخسي: “وأبو حنيفة رحمه الله بنى على أصله أن المطلق يجري على إطلاقه، ما لم يقم دليل التقييد”.

وقال الكاساني: “عقد الإعارة لا يخلو من أحد وجهين: إما إن كان مطلقًا، وإما إن كان مقيدًا، فإن كان مطلقًا بأن أعار دابته إنسانًا ولم يسم مكانًا ولا زمانًا ولا الركوب ولا الحمل، فله أن يستعملها في أي مكان وزمان شاء، وله أن يركب أو يحمل؛ لأنَّ الأصلَ في المطلق أن يجري على إطلاقه”([40]). وقال أيضًا: “المطلق يتقيَّد بالعرف والعادة دلالة، كما يتقيد نصًّا”([41]).

وقال علاء الدين البخاري: “والمطلق يجري على إطلاقه والمقيد على تقييده”([42]).

– الغبن الذي لا يمكن التحرز عنه يكون عفوًا:

قال السرخسي: “قدر ما يتغابن الناس فيه لا يمكن التحرُّز عنه فكان عفوًا”([43]).

وقال الكاساني: “كل فضل مشروط في البيع ربا سواء كان الفضل من حيث الذات، أو من حيث الأوصاف إلا ما لا يمكن التحرُّز عنه دفعًا للحرج”([44]).

– العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا الألفاظ والمباني:

قال السرخسي: “العبرة في العقود للمعاني دون الألفاظ”([45]). وكذا قال الكاساني([46])، والزيلعي([47]).

– أمور المسلمين محمولة على الصحة ما أمكن:

قال الكاساني: “أمور المسلمين محمولة على الصحة والسداد ما أمكن”([48]).

وقال الكمال بن الهمام: “لأن أمور المسلمين محمولة على الصلاح ما أمكن”([49]).

– زوائد المبيع مبيعة:

قال الكاساني: “والكلام فيه مبنيٌّ على أصل، وهو أنَّ زوائد المبيع مبيعة عندنا، سواء كانت منفصلة أو متصلة، متولدة من الأصل، أو غير متولدة منه”([50]).

هذه مجموعة من أهم القواعد المتعلقة بالمعاملات في المذهب الحنفي، والتي تدلُّ على دقَّة المذهب في أحكام التجارة.

– مطلق العقد يقتضي تسليم المعقود عليه في الحال:

كذا قال السرخسي في مبسوطه([51]).

وقال ابن مازه البخاري: “الأصل أن مطلق العقد يقتضي تسليم المعقود عليه وقت العقد”([52]).

([1]) فتح القدير (7/ 10).

([2]) ينظر: البحر الرائق (6/ 140).

([3]) تيسير التحرير (1/ 297).

([4]) فتح القدير (2/ 190).

([5]) ينظر: تبيين الحقائق (1/ 270).

([6]) الهداية في شرح بداية المبتدي (4/ 320).

([7]) بدائع الصنائع (5/ 133).

([8]) فتح القدير (6/ 248).

([9]) الدر المختار وحاشية ابن عابدين (4/ 504).

([10]) المبسوط (18/ 124). وينظر: كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (4/ 360).

([11]) ينظر: بدائع الصنائع (6/ 128).

([12]) المبسوط (20/ 135).

([13]) بدائع الصنائع (5/ 142).

([14]) ينظر: السابق (5/ 142، 143).

([15]) ينظر: فتح القدير للكمال بن الهمام (7/ 118).

([16]) ينظر: المبسوط (13/ 22، 23).

([17]) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (4/ 44).

([18]) المبسوط (8/ 97).

([19]) بدائع الصنائع (5/ 301).

([20]) الدر المختار وحاشية ابن عابدين (6/ 45).

([21]) المبسوط (14/ 89).

([22]) السابق (13/ 76).

([23]) الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 41).

([24]) ينظر: تبيين الحقائق (4/ 41).

([25]) ينظر: البحر الرائق (6/ 69).

([26]) بدائع الصنائع (6/ 183).

([27]) السابق (6/ 210).

([28]) المبسوط (19/ 160)، (20/ 10).

([29]) ينظر: المحيط البرهاني (2/ 487).

([30]) بدائع الصنائع (5/ 160).

([31]) الدر المختار وحاشية ابن عابدين (6/ 233).

([32]) المبسوط (15/ 75).

([33]) لسان الحكام (ص: 361) البابي الحلبي، القاهرة، الطبعة الثانية، 1393هـ/ 1973م.

([34]) بدائع الصنائع (5/ 289).

([35]) السابق.

([36]) فتح القدير (6/ 391).

([37]) الدر المختار وحاشية ابن عابدين (5/ 7).

([38]) الهداية في شرح بداية المبتدي (4/ 294). وينظر: حاشية ابن عابدين (6/ 172).

([39]) فتح القدير (9/ 310).

([40]) بدائع الصنائع (6/ 215).

([41]) السابق.

([42]) كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (1/ 93).

([43]) المبسوط (19/ 78).

([44]) بدائع الصنائع (5/ 187).

([45]) المبسوط (7/ 146).

([46]) ينظر: بدائع الصنائع (3/ 152).

([47]) تبيين الحقائق (5/ 102).

([48]) بدائع الصنائع (5/ 217).

([49]) فتح القدير (9/ 310).

([50]) بدائع الصنائع (5/ 256).

([51]) ينظر: المبسوط (12/ 195).

([52]) المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 302).

اترك تعليقاً